
لماذا ترفض سوريا الاستدانة من الخارج؟
وأضاف حصرية في تصريحات متلفزة أبرزها حساب البنك المصرف المركزي على تليغرام أن القرار جاء لتجنب التورط في ديون خارجية، مؤكدا أن سوريا تدخل تدريجيا في النظام المالي العالمي، عبر السماح لها مجددا بالتحويلات الدولية عبر نظام " سويفت".
وحسب العديد من الخبراء، فإن رفض الاستدانة من الخارج يعني الاعتماد على الموارد الوطنية أو دعم غير مباشر من الحلفاء، لتحقيق الاستقلال المالي والاقتصادي، وعدم الاعتماد على القروض المشروطة من المؤسسات الدولية.
وانطلاقًا من تصريح حاكم مصرف سوريا المركزي تسلط الجزيرة نت من خلال هذا التقرير الضوء على قدرة سوريا على الاستغناء عن الديون الخارجية لإعادة الإعمار وتحقيق التنمية الاقتصادية.
مقدرات وطنية
يهدف قرار استبعاد الاستدانة إلى تفعيل المقدرات الوطنية وتنشيط حركة الإنتاج والصادرات، التي قد تنمو بعد رفع العقوبات الغربية مؤخرا، لا سيما مع امتلاك سوريا مقومات تشمل الموارد الطبيعية التي ستسهم بصورة رئيسية في تأمين الإيرادات المالية للدولة، ودعم الصناعات المحلية بالمواد الخام اللازمة.
ويعد النفط أبرز موارد الدولة، إذ بلغت الاحتياطيات السورية المؤكدة بحسب مجلة الطاقة الأميركية نحو 2.5 مليار برميل، كما تقدر احتياطيات الدولة من الفوسفات بنحو 1.8 مليار طن حسب الأرقام الصادرة عن شركة الفوسفات والمناجم السورية، وكانت البلاد تنتج نحو 3.5 ملايين طن من الفوسفات سنويا، ما يجعلها أحد أكبر المنتجين في العالم.
ويشير التقرير، إلى أن الموقع الجغرافي لسوريا يسمح لها بأن تكون نقطة تقاطع لطرق التجارة الدولية البرية والبحرية بين قارتي آسيا وأوروبا وبين أسواق الخليج العربي وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي ، وهذا الموقع يوفر للبلاد المرونة والسهولة للوصول إلى الأسواق الدولية المنتجة والمستهلكة، فضلا عن تجارة الترانزيت.
وحسب مركز كارنيغي الأميركي تبلغ مساحة سوريا 18.5 مليون هكتار، وتشكل المساحة القابلة للزراعة ومساحة الغابات نحو 6.5 ملايين هكتار، وهو ما يشكل 32.8% من المساحة الإجمالية للبلاد، ويشتغل في الزراعة أكثر من 20% من السوريين، وتزرع الحبوب والخضار والفواكه والزيتون والقطن.
لكن وفق منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، فإن القطاع يواجه تحديات تمويلية، وتقدر الكلفة المبدئية لإعادة تهيئته إلى ما بين 10.7 مليارات دولار و17.1 مليارا.
ويشير التقرير، إلى أن سوريا تمتلك خبرات طويلة في مجال الصناعات التحويلية المتخصصة بالصناعات النسيجية والغذائية وفي مجال قطاع الأدوية.
لماذا استبعاد الاستدانة؟
يقول أستاذ الاقتصاد الدكتور فراس شعبو إنه من الناحية النظرية يمكن البدء في إعادة الإعمار وإطلاق العجلة الاقتصادية من دون الاعتماد على الاستدانة من الخارج، لكن تحقق هذه الحالة مرتبط بمجموعة من العوامل الداخلية، أجملها في النقاط التالية:
تحقيق الأمن والاستقرار.
استغلال الموارد الوطنية بطريقة جيدة، وأهمها الفوسفات، وتفعيل السياحة، وموارد الطاقة النفطية، والتحويلات الخارجية.
توقيع الشراكات الاقتصادية التي تعتمد على نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
إصلاح النظام الضريبي، بما يضمن إيرادات للدولة ولا يثقل على المواطن.
وأضاف شعبو في تعليق لـ"الجزيرة نت" أن سوريا ما زالت تعاني من خلل كبير وهو أن جزءا ليس بالقليل من موارد الدولة الطبيعية من نفط ومياه وأراض زراعية لا سيما القمح والقطن خارج سيطرة الدولة.
ويستبعد شعبو إمكانية الاستناد بشكل كامل ودائم إلى المقدرات والموارد الوطنية السورية في عملية إعادة الإعمار وتحقيق تنمية اقتصادية، حتى لو تم استغلالها بكامل طاقتها.
استدانة ضرورية
يدعم شعبو فكرة الاستدانة الخارجية لكن بشروط، مستشهدا بأن العديد من الدول المستقرة الناشئة والنامية تستدين من المؤسسات النقدية الدولية.
ويقول إن الأمر متوقف على إدارة الديون بذكاء، ما يحقق الفائدة منها ويوفر رافعة مالية وهو ما يستوجب وجود مؤسسات مالية قوية، وعملة مستقرة وثقة في الأسواق، وهذا غير متوفر في الحالة السورية، ما يجعل الديون عبئًا على الدولة ويحولها إلى أزمة لاحقة.
يرى شعبو أن سوريا تريد نوعًا من الاستقرار الاقتصادي والأمني في البلاد في المرحلة الحالية، وفي مرحلة لاحقة يمكن أن تعمل على الاستدانة لإكمال عملية بناء الدولة.
ويستشهد بأن الدول المجاورة مثل مصر وتونس ولبنان والعراق استدانت من البنك الدولي والصندوق الدولي، لكن لم تحسن إدارة ملف الدين، مما أدى إلى غرق البلاد في الديون، وأدى ذلك إلى تراجع مؤشرات الاقتصاد.
مستقبل الليرة السورية
لا شك في أن تعزيز الاعتماد على الاقتصاد الداخلي المبني على الإنتاج والصادرات، بعيدًا عن الديون الخارجية والفوائد المرتفعة، قد يساعد في تحسن سعر صرف الليرة السورية، بالنظر إلى أن العملة تتأثر بعدة عوامل منها هيكلة المؤسسات المالية وزيادة الاحتياطيات النقدية، ورفع وتيرة الإنتاج.
ودعا شعبو إلى ضرورة تحفيز الإنتاج وتقليل الاستيراد، وتقديم قروض للصناعيين، وضبط الإنفاق، وتشجيع المواطنين على التعامل بالليرة لرفع قيمة الليرة.
ومن المتوقع أن تشهد سوريا ارتفاعا في تحويلات المغتربين، مما يؤدي إلى كسب ثقة المستثمرين بعد رفع العقوبات الأميركية، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة عرض الدولار، وارتفاع الطلب على العملة المحلية.
في المقابل، يحد عدم وجود تدفقات مالية خارجية كبيرة (قروض أو استثمارات) من قدرة الدولة على تمويل إعادة الإعمار، ويؤدي إلى ضعف اقتصادي عام، وفق شعبو.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
صناعة ألعاب الفيديو.. هل ينجح المغرب في اقتحام نادي الكبار؟
الرباط – يقترب المغرب تدريجيا من الانضمام إلى نادي الدول الفاعلة في صناعة ألعاب الفيديو، مدفوعًا بتسارع التحولات الرقمية وازدياد الاعتماد على الإنترنت وتكنولوجيا الهواتف الذكية. وتُظهر بيانات منصة "ستاتيستا" أن المغاربة أنفقوا ما يقارب 2.27 مليار درهم (227 مليون دولار) على ألعاب الفيديو خلال عام 2024، وهي سوق يهيمن عليها الشباب؛ إذ تمثل الفئة العمرية ما بين 14 و35 سنة حوالي 70%. من جهته، يبيّن تقرير صادر عن شركة "نيوزو" لعام 2025 أن سوق ألعاب الفيديو على الحاسوب والمنصات في العالم بلغ 80.2 مليار دولار في سنة 2024، مع توقعات ببلوغه92.7 مليار دولار بحلول 2027. ويشير التقرير إلى أن الأسواق الناضجة في أميركا وأوروبا قد بلغت حد التشبّع من حيث عدد اللاعبين، في حين تظل الأسواق الناشئة -ومنها المغرب- قادرة على استقطاب موجات جديدة من المستخدمين، مما يمنحها ميزة إستراتيجية في جذب الاستثمارات وتوطين الإنتاج الرقمي. وبخلاف اللاعب الأوروبي أو الأميركي، لا يزال المستخدم المغربي في طور تشكيل هويته الرقمية، وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام إطلاق ألعاب محلية تحمل طابعًا ثقافيا أو تعليميا قبل أن تستقر العناوين العالمية في أذهانه. ورغم بروز ملامح أولية لبنية صناعية من خلال منصات حاضنة واهتمام رسمي متزايد، ما تزال تحديات البنية القانونية والتمويل والوصول إلى الأسواق العالمية قائمة. استهلاك صاعد تشير التوقعات إلى ارتفاع إجمالي إيرادات سوق ألعاب الفيديو في المغرب إلى نحو 3 مليارات درهم (300 مليون دولار) بحلول 2027، بمعدل نمو سنوي يصل إلى حوالي 9.4% خلال الفترة 2024–2027، وهو ما يعكس تحولًا لافتًا في سلوك الاستهلاك الرقمي داخل المملكة. وتُدرج هذه الأرقام ضمن سوق إقليمية صاعدة في شمال أفريقيا و الشرق الأوسط ، بلغ حجمها سنة 2023 نحو 7.25 مليارات دولار، مع تقديرات بوصولها إلى 14.2 مليار دولار بحلول 2030، بحسب بيانات شركة الأبحاث "غراند فيو ريسيرش". ويعتبر أستاذ الاقتصاد الرقمي ياسين أعليا أن الموقع الجغرافي للمغرب، إلى جانب ديناميته الديمغرافية وزخمه الشبابي، يمنحه امتيازًا إستراتيجيا داخل سوق إقليمية وعالمية تشهد توسعًا متسارعًا. وفي تصريحه للجزيرة نت، أوضح أن المغرب يستهدف قاعدة استهلاكية ضخمة وجاذبة للاستثمار ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى السوق المحلية التي يُقدر فيها عدد اللاعبين المغاربة بـ3 ملايين لاعب منتظم، و15 مليون لاعب غير منتظم. أما رئيس الجمعية المغربية لمطوري الألعاب الإلكترونية، عبد الله العلوي المدغري، فيرى أن حجم الإنفاق الحالي يعكس دينامية القطاع وتزايد الاهتمام الحكومي به، لا سيما من وزارة الشباب والثقافة والتواصل. وأكد للجزيرة نت أن بلوغ رقم معاملات سنوي بقيمة 50 مليار درهم (5 مليارات دولار) خلال السنوات الخمس المقبلة يُعد هدفًا مشروعًا، شريطة إدماج أبعاد معرفية وتربوية في تصميم الألعاب، لتحويلها إلى أدوات تنموية لا مجرد منتجات ترفيهية. حاضنة للشركات الناشئة ضمن جهودها لتعزيز مكانة المغرب في صناعة الألعاب الإلكترونية، أطلقت الحكومة مبادرات نوعية، أبرزها إنشاء حاضنة في الرباط تضم 9 شركات ناشئة، بميزانية تصل إلى 260 مليون درهم (26 مليون دولار). وتهدف هذه الحاضنة إلى تمكين الشباب من ولوج سوق الشغل الرقمي، وتهيئة بيئة مشجعة لمطوري الألعاب في مختلف التخصصات، بدعم من وزارات الاستثمار والانتقال الرقمي والتكوين المهني. وتشير تقديرات البنك الدولي (2023) إلى أن كل مليون دولار يُستثمر في الصناعات الرقمية يولّد نحو 180 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، مما يعزز الدعوات إلى تأسيس حاضنات وتمويلات موجهة نحو ألعاب الفيديو كصناعة مستقبلية واعدة. ويؤكد أعليا أن هذه الحاضنة قادرة على تأهيل المطورين وجذب الكفاءات، لكن التحدي الأكبر -بحسب قوله- لا يزال تقنيا وتشريعيا، إذ يسعى المغرب إلى إرساء الأسس القانونية والتكنولوجية الضرورية لهذا القطاع. ويرى أن الاستعداد لتنظيم كأس العالم 2030 يُشكّل محفزًا لتطوير البنية الرقمية والمواصلات، بوصفها ركائز أساسية لأي صناعة ألعاب متقدمة. من جهته، يلفت العلوي المدغري -وهو شاب يملك تجربة 11 سنة في المجال- إلى أن عدد الأستوديوهات ارتفع من 12 إلى أكثر من 30 خلال سنة واحدة، بين نسختي معرض المغرب للألعاب لعامي 2024 و2025، مما يعكس دينامية متسارعة. ورغم هذا التقدم، يُشير المدغري إلى صعوبة الحصول على تمويل مستقر، موضحًا أن تطوير لعبة متوسطة على الهاتف يتطلب ما بين 600 ألف ومليوني درهم (60–200 ألف دولار) في عام واحد، مع فريق يتألف من 5 إلى 10 أفراد. تدريب مستمر لا يزال التكوين الجامعي في مجال صناعة الألعاب الرقمية في المغرب في مراحله الأولى، مع وعود حكومية بإطلاق تخصصات جامعية ومهنية ابتداء من الموسم المقبل. وشرعت بعض المؤسسات الجامعية في تجريب مناهج جديدة تهدف إلى تجديد العلاقة بين الطالب والمعرفة، عبر دمج الثقافة المحلية ضمن بيئة رقمية وتفاعلية. من بين أبرز هذه المبادرات تجربة أطلقتها جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، تقوم على استخدام أدوات رقمية مفتوحة المصدر لتطوير مشاريع تربوية تتمحور حول التراث والسرد الرقمي والابتكار البصري، في تخصصات متعددة من ضمنها صناعة الألعاب. وتوضح حورية قلقول، مديرة مركز التميز في التصميم والفن التطبيقي بالجامعة ذاتها، أن صناعة الألعاب في السياق الجامعي تُعد أداة بيداغوجية وفرصة مهنية في ظل الدينامية الرقمية التي تعرفها الجامعة. وتضيف للجزيرة نت: "لا نتعامل مع الألعاب كترف تكنولوجي أو نشاط جانبي، بل كأداة تعليمية متعددة الوظائف، وقطاع واعد من حيث الآفاق المهنية". وتشير إلى أن المسارات التعليمية المعتمدة تُعالج تصميم الألعاب كمساحة لتمرير المعارف وتطوير المهارات والتعبير الثقافي، إذ لا يقتصر الأمر على تعلم أدوات التصميم، بل يُطلب من الطلبة بناء تجارب تعليمية أو ثقافية ترتكز على قواعد اللعب والتفاعل، مما يحفز التفكير النقدي، والخيال، والعمل الجماعي. وتؤكد قلقول أن التدريب في هذا المجال يفتح آفاق توظيف فعلية، خاصة مع اتساع الاهتمام بالصناعات الثقافية والإبداعية داخل المغرب والمنطقة المغاربية. إنتاج وابتكار يشدد تقرير "نيوزو 2025" على أن الابتكار والإبداع يمثلان حجر الزاوية في صناعة الألعاب، إذ أثبتت تجارب دولية أن فكرة قوية وتنفيذًا بسيطًا يمكن أن يتفوقا على ميزانيات ضخمة، وهو ما يفتح المجال أمام الأستوديوهات المغربية الناشئة لإثبات الذات وبلورة اقتصاد مستدام. في هذا الإطار، يوضح ياسين أعليا أن المغرب يمتلك فرصة حقيقية لتعزيز حضوره في أسواق شمال أفريقيا والخليج، مستفيدًا من الروابط الثقافية واللغوية المشتركة. ويقول إن "الألعاب المغربية التي تستند إلى الهوية المحلية و اللغة العربية تحظى باهتمام متزايد خارج البلاد، مما يجعلها مؤهلة لاختراق أسواق إقليمية واسعة بتكاليف تسويق ولوجستية منخفضة". وتطمح المملكة إلى بناء منظومة متكاملة لصناعة الألعاب، من خلال التحول من الاستهلاك إلى الإنتاج، بحسب ما تؤكده مديرة معرض الألعاب الإلكترونية نسرين السويسي. وتبرز أن صور المغرب تحضر بقوة في خلفيات العديد من ألعاب الفيديو العالمية، من خلال مدنه ومعماره، مما يفتح المجال لاستثمار هذا المعطى الثقافي والحضاري في تطوير محتوى محلي مميز. ويشير العلوي المدغري إلى أن بعض الألعاب المغربية تجاوزت 40 مليون تحميل على مستوى العالم، وهو إنجاز مهم بالنظر إلى محدودية عدد الأستوديوهات والإمكانات. ومع ذلك، يُقرّ المدغري بأن عدد هذه النجاحات لا يزال محدودًا، داعيًا إلى تطوير ألعاب تجمع بين البعد الترفيهي والبعد التعليمي لتوسيع الحضور المغربي في الأسواق العربية والإسلامية. ويشدد على الحاجة إلى إنشاء صندوق دعم مخصص للتوزيع والتسويق الدولي، على غرار تجربة بريطانيا التي خصصت هذا العام نحو 375 مليون درهم (30 مليون جنيه إسترليني) لهذا الغرض، بالإضافة إلى ضرورة ضبط عمليات تسجيل الألعاب لحماية حقوق المطورين. تحول نوعي ورغم التحديات المرتبطة بالتدريب والتمويل والتسويق، تُظهر المؤشرات المتعلقة بالإقبال على ألعاب الفيديو، ونمو عدد الأستوديوهات، وتطور البنية الرقمية، أن المغرب يقف على أعتاب تحول نوعي في هذا القطاع. ويعتمد نجاح هذا التحول على دعم الابتكار، وتوسيع قاعدة التكوين، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، بما يُمكن من تحويل الألعاب من مجرد استهلاك فردي إلى صناعة ثقافية واقتصادية مؤثرة على الصعيدين الإقليمي والدولي. ويضاف إلى ذلك التوجه العالمي السريع نحو الألعاب السحابية التي تتيح اللعب عبر الإنترنت من دون الحاجة إلى أجهزة قوية، وهو ما يشكّل فرصة حقيقية أمام أسواق ناشئة مثل المغرب للاستفادة من انتشار الإنترنت من دون أعباء مالية كبيرة.


الجزيرة
منذ 18 ساعات
- الجزيرة
تسعة أعشار الرفاه.. ثقافة سريعة الذوبان
تخضعُ السلع لمتغيرات اجتماعيّة وسياسية، تحدد تكلفتها النهائية وعائداتها الربحية، منتجة أنماطًا ثقافية تعزز من التأثيرات الاقتصادية للعمليات التجارية على الاستهلاك الفردي والجماعي. كما أن "السلعة موضوعًا" تتعلق بثقافة استهلاكية متباينة، وترسم ندرتها خرائط استقرار الأسواق وتذبذبها، إذ ثمة علاقة متشابكة بين أن تكون مستهلِكًا أو مستهلَكًا، لا تتوقف عند تصنيفات الربح وتحقيق الرفاه. وفي زمن حفاري القبور وثقافة الاستهلاك المفرط، وتطويع القيم الحضارية بعناوين معولمة، يتم الدفع بعنف نحو تسليع الإنسان، بعيدًا عن الالتزام الأخلاقي والحضاري تجاه التصنيع السريع للأشياء، في سوق تراكِم أرباح شركات لا تتأخر بدعم آلة الموت، وتحدد بشكل مقلق سياسات اقتصادية احتكارية، وعقوباتها تجاه المناهضين لها. وعبر نظام التلاعب بأسعارها المبدئية، وحماية أرباحها الخيالية من الانهيار، تتأتى أرقام تجعل من أسعارها المتضخمة ذات "ملمح ثقافي حضاري" سريع الاقتناء، ومبعث على رضا النفس؛ فحين تجد سلعة قيمتها 237.99 دولارًا، بدلًا من 238 دولارًا، عليك أن تدرك أن هنالك "خدعة تسويقية" يقودها الرقم تسعة، تتجاوز "السلعة موضوعًا"، إلى أكثر الأنواع "الثقافية" احتكارًا للحضارة وقيمها، حيث تتقلب ذواتنا بين الاستهلاك المفرط والاستغلال العنيف للإنسان. إن ثقافة الاستهلاك المفرط تساهم بشكل يبعث القلاقل على تضخيم السلوك الفردي وفق نزعة مضطربة، متذبذبة، وهشة لدرجة أنها تفشل في اختباراتها مع الواقع المتأزم ثقافة طارئة لكل شيء لحظته التاريخية، كما أن للسلع المنتجة والمتداولة أوقاتًا حاسمة، يحددها تاريخ متقلب بين هامشَي الربح والخسارة، فعملية إنتاج سلعة ما إنما تعززها حاجاتنا لا رغباتنا اللامتناهية، وارتباطاتنا التي تقفدنا الخصوصية في الطلب والاقتناء. ولننظر إلى الأسواق التي نعتمرها، أو إلى تلك الأبراج السياحية التي تختص بها الفئة الأكثر "تحضرًا ورفاهيةً" في المجتمع، كيف أنها جعلت من ثقافة الاستهلاك لعبتها بمنحها هامشًا هشًّا، لتزيح عنها أعباء الإفصاح عن حقيقة القيمة. يمنحنا الرقم تسعة -على ضخامته ووفرته بعد الفاصلة- شعورًا بالطمأنينة والرفاهية نحو سلع استطاعت كسب اهتمامنا، ليس لحقيقتها وفاعليتها، بل لكونها "ثقافة طارئة" يغيب فيها الإقرار بقيمتها وأدائها الحضاري والإنساني نحو "وهم الرفاه" والسعادة اللحظية؛ إذ إن عدم التبيان الصحيح للقيمة، ليُستبدل بـ"الواقعي المتأزم" المتخيل والأسطورة، لا يسعه إلا أن يحيلنا للحظة تاريخية مفعمة بالإثارة والبهجة، والانتكاسة والخذلان في كثير من محطات الحياة المنتهية صلاحيتها بسلسلة من المحظورات. إن ارتضاء التلاعب بالأسعار الحقيقية للسلع، عبر أرقام فواصل عشرية، يعتبر مظهرًا مبتكرًا لهوس التسويق المستمر وثقافة التبضع الاستهلاكية؛ فالقدرة على تحديد السعر دون الحاجة إلى العشري "تسعة" لا يتوقف على تكلفة السلع الإنتاجية، ولا حاجتنا إليها، فالفواصل تثير في الذات رغبة ملحة، واستجابة مقلقة لشهوة التملك، حتى وإن أدركنا أن السلع ليست ضرورية، أو بالأحرى تحفزنا إلى الاستجابة الآنية لوهم الرفاه. لا تبدو خدعة العشري "تسعة" مسألة اقتصادية حاسمة، تتعلق بسعر السلع وازدهارها في الأسواق، أو الغرض منها تنامي رفاهية المتعاملين الاقتصاديين وارتفاع أرباحهم، بل إن تأثيرها الاجتماعي والنفسي على الأفراد يتجاوز التعبير عن المستوى المعيشي، لينتج ملمحًا ثقافيًّا سريع الذوبان، تتضخم فيه سطوة الذات في سوق النيوليبرالية المفخخة للقيم الحضارية كالحرية والديمقراطية، وهوية مبعثرة ومغيبة عن فاعليتها وتاريخها، نحو ثقافة تتسم بالانسيابية والسرعة، تستهلك بعنف إنسانيتنا في "فضاء التسويق الرقمي" وتحدي الـ"ترند". إن فلسفة توظيف الفواصل، لتمرير ذرائع اقتصادية وتجارية، لا ترجع بالفائدة النقدية لرؤوس الأموال العابرة للهوية والثقافة؛ فبقدر ابتكارها أدوات تسويقية تمويهية، تتزود بها الرأسمالية للاستمرار في تسليع القيم من منظور يزدري الرؤية النوعية لموضوع السلعة، نافيًا حقيقتها، فإننا نسعى للإشباع اللحظي، والاعتراف الهش لذواتنا المهووسة بالظهور في فضاءات يفترض أنها تواصلية، لا سوق ندفع فيها أثمانًا مكلفة من حياتنا الشخصية. إن ثقافة الاستهلاك المفرط تساهم بشكل يبعث القلاقل في تضخيم السلوك الفردي وفق نزعة مضطربة، متذبذبة، وهشة لدرجة أنها تفشل في اختباراتها مع الواقع المتأزم. ومتى اعتقدنا أن لذة الاستهلاك تقتضي المضي قدمًا من دون تفكير، في السعي المستمر للتملك والتنافس والتفاخر، فإن سلوكنا تجاه الأشياء والحضارة والتاريخ لا يتعدى علاقة اضطراب سطحية لمعنى السعادة، ومكمن شراهة مخيفة، ونفعية مادية موحشة، تجعل من موضوع الحرية والعدالة والإنسانية سلعًا مزجاة ذات قيمة لحظية، سرعان ما يتم تداولها بأبخس الأثمان، حينما يتعلق الأمر بتحقيق هويتنا وثقافتنا وتاريخنا. تسليع الإنسان فيما مضى كانت الصناعات الأصلية تحقق معيار الجودة والرفاه للسلع المنتجة، وعلى ندرة السلع تقتضي الحاجة وتنبري معها رغبات المجتمعات في تجريد ثقافتهم من هويتها وتاريخها، نحو اقتناء بضائع مستنسخة، تتوغل في أنسجة المجتمعات ضمن سياسات العبور الاقتصادي الحر. إن تشريح ثقافة الاستهلاك يتطلب الإمعان بحذر في إشكالية "السلعة موضوعًا"؛ فالحرية والعدالة والديمقراطية أمست منتجات هشة أمام سطوة الغرب وهو يغمر الحضارة بنظرته الإلغائية والعنيفة للإنسان، إذ يمكن تبضيع الديمقراطية والحرية للضفاف الجنوبية كأقساط من على أفواه المدافع، وكتجربة فاشلة غرضها إثبات عجزنا في تقبل الحرية والعدالة، ولتجريدنا من أي قيمة إنسانية نقاوم بها أولئك "الحضاريين" الذين يزعمون امتلاكهم ثقافة الاعتراف بالآخر في كونه مختلفًا، وشرقيًّا. ليست المعضلة في تعريفنا للثقافة بقدر ما تكمن مشكلات الحضارة في تجريد البشرية من تنوعها، وتمثلاتها الاجتماعية والتاريخية والفنية، نحو استخدام إمبراطوري للقيم الإنسانية، يعزز هيمنتها، ويفصل بعنصرية مقيتة بين الشعوب المتدافعة. وللدلالة على فشل الغرب في الاستشفاء من أزمته الحضارية، يزداد سعيه نحو "تطويعه للقيم الإنسانية" كأداة للهيمنة والاستعمار، بدل محاسبة قادته على دعمهم لجرائم الإبادة والتهجير. قد تبدو عملية مقاومة "الثقافة الإمبراطورية"، وصهينة الحضارة، أمرًا بالغ الخطورة وعنوانًا للمجازفة، أمام الاستهلاك السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، وتسويق الهويات العابرة والتاريخ المهيمن. لكن، ثمة نهضة ذاتية في وجدان العالم الحر، واستفاقة متأخرة نوعًا ما تجاه الاستغلال البشع لوسائل الإنتاج والقيم الحضارية، لصياغة ثقافة بسيطة يسهل التعايش مع هويتها، وتاريخها، مقابل نماذج إنسانية مستهلكة، تقمع الخصوصية وتفرض رفاهية عنيفة ومربكة. تجادل المجتمعات الغربية حكوماتها لتواطئها المعلن في نهب ثروات أمم بأكملها، وتقف ضد نخبة لا تتأخر في استدراج الحضارة نحو حروب عبثية، وتتعالى أصوات المناهضين للمؤسساتية الصهيونية، وتتحرك الشعوب العربية في مسيرات نحو تاريخ مفعم بثقافة الاحتواء والتعايش والتنوع، لإسقاط قلعة المحتل، وكسر حاجز الخوف المفروض عليها قهرًا… مجتمعات أدركت أن السياسات الاستعمارية الغربية لا تهدد مكتسباتها الاقتصادية والثقافية والتاريخية فحسب، بل تقوض "الانتماء الحضاري" نحو مزيد من الكراهية والعنف والاستغلال، وبدل الارتكاز على صناعة ثقافة إمبراطورية استهلاكية، تخوض الأنواع البشرية غمار التغيير في سبيل الإقرار بإنسانيتها وتاريخها وثقافتها.


الجزيرة
منذ 18 ساعات
- الجزيرة
"ميتا" تطارد لصوص المحتوى في منصاتها
أعلنت " ميتا" نيتها تضييق الخناق على صناع المحتوى في منصاتها الذين يعتمدون على محتوى مستخدمين آخرين، وذلك ضمن جهود الشركة لتحسين الصفحة الرئيسية في " فيسبوك"، وفق تقرير موقع "إنغادجيت" (Engadget) التقني. وجاء هذا الإعلان عبر مدونة مركز صناع المحتوى في "فيسبوك"، إذ أكدت الشركة معاقبة الحسابات التي تقوم بسرقة أعمال الآخرين وإعادة نشرها. كما أضافت الشركة أن هذا العقاب يشمل الحسابات التي تعيد استخدام النصوص أو الصور أو مقاطع الفيديو الخاصة بحسابات أخرى بشكل متكرر وغير صحيح، وتتضمن العقوبات إيقاف ميزة الربح من خلال المشاهدات لهذه الحسابات فضلا عن تقويض وصول جميع منشوراتها. ووضحت المنصة، بحسب تقرير "إنغادجيت"، أن هذا القرار موجه للحسابات والصفحات التي تقوم بإعادة نشر المحتوى بشكل متكرر وليس الصفحات التي تقوم بنشر ردة فعل أو تعليق مباشر على محتوى الآخرين. وذكر التقرير أن "ميتا" اتبعت أسلوبا مشابها في " إنستغرام" لمحاربة المحتوى المعاد نشره، وذلك حين أزالت جميع المقاطع التي يعاد نشرها ووضعت بدلا منها المقطع الأصلي. وأضاف أن الشركة أعربت عن نيتها وضع روابط للمحتوى الأصلي عند اكتشاف التكرار. وتتزامن هذه الخطوة مع مساعي "ميتا" لتحسين الصفحة الرئيسية في منصة "فيسبوك" وخفض المنشورات غير المرغوب فيها والمعاد نشرها بشكل مكثف، وتتضمن هذه المساعي إيقاف الربح المالي لصناع المحتوى الذين ينشرون المحتوى غير المرغوب فيه باستخدام أوصاف خاطئة أو يتلاعبون بمعدلات التفاعل في المنصة، وذلك بحسب تقرير الموقع. ويذكر التقرير أن الشركة في مطلع هذا العام أعلنت عن معاقبة أكثر من 500 ألف حساب وصانع محتوى فضلا عن إزالتها أكثر من 10 ملايين حساب وهمي لصناع محتوى كبار، ومن المتوقع أن تطرح الشركة واجهة تحليلات جديدة يمكنها مساعدة صناع المحتوى في متابعة أعمالهم عبر المنصة ومعرفة حالة تحقيق الدخل وإن كانت هناك أي عقوبات عليهم.