logo
تسعة أعشار الرفاه.. ثقافة سريعة الذوبان

تسعة أعشار الرفاه.. ثقافة سريعة الذوبان

الجزيرةمنذ 15 ساعات
تخضعُ السلع لمتغيرات اجتماعيّة وسياسية، تحدد تكلفتها النهائية وعائداتها الربحية، منتجة أنماطًا ثقافية تعزز من التأثيرات الاقتصادية للعمليات التجارية على الاستهلاك الفردي والجماعي.
كما أن "السلعة موضوعًا" تتعلق بثقافة استهلاكية متباينة، وترسم ندرتها خرائط استقرار الأسواق وتذبذبها، إذ ثمة علاقة متشابكة بين أن تكون مستهلِكًا أو مستهلَكًا، لا تتوقف عند تصنيفات الربح وتحقيق الرفاه.
وفي زمن حفاري القبور وثقافة الاستهلاك المفرط، وتطويع القيم الحضارية بعناوين معولمة، يتم الدفع بعنف نحو تسليع الإنسان، بعيدًا عن الالتزام الأخلاقي والحضاري تجاه التصنيع السريع للأشياء، في سوق تراكِم أرباح شركات لا تتأخر بدعم آلة الموت، وتحدد بشكل مقلق سياسات اقتصادية احتكارية، وعقوباتها تجاه المناهضين لها.
وعبر نظام التلاعب بأسعارها المبدئية، وحماية أرباحها الخيالية من الانهيار، تتأتى أرقام تجعل من أسعارها المتضخمة ذات "ملمح ثقافي حضاري" سريع الاقتناء، ومبعث على رضا النفس؛ فحين تجد سلعة قيمتها 237.99 دولارًا، بدلًا من 238 دولارًا، عليك أن تدرك أن هنالك "خدعة تسويقية" يقودها الرقم تسعة، تتجاوز "السلعة موضوعًا"، إلى أكثر الأنواع "الثقافية" احتكارًا للحضارة وقيمها، حيث تتقلب ذواتنا بين الاستهلاك المفرط والاستغلال العنيف للإنسان.
إن ثقافة الاستهلاك المفرط تساهم بشكل يبعث القلاقل على تضخيم السلوك الفردي وفق نزعة مضطربة، متذبذبة، وهشة لدرجة أنها تفشل في اختباراتها مع الواقع المتأزم
ثقافة طارئة
لكل شيء لحظته التاريخية، كما أن للسلع المنتجة والمتداولة أوقاتًا حاسمة، يحددها تاريخ متقلب بين هامشَي الربح والخسارة، فعملية إنتاج سلعة ما إنما تعززها حاجاتنا لا رغباتنا اللامتناهية، وارتباطاتنا التي تقفدنا الخصوصية في الطلب والاقتناء.
ولننظر إلى الأسواق التي نعتمرها، أو إلى تلك الأبراج السياحية التي تختص بها الفئة الأكثر "تحضرًا ورفاهيةً" في المجتمع، كيف أنها جعلت من ثقافة الاستهلاك لعبتها بمنحها هامشًا هشًّا، لتزيح عنها أعباء الإفصاح عن حقيقة القيمة.
يمنحنا الرقم تسعة -على ضخامته ووفرته بعد الفاصلة- شعورًا بالطمأنينة والرفاهية نحو سلع استطاعت كسب اهتمامنا، ليس لحقيقتها وفاعليتها، بل لكونها "ثقافة طارئة" يغيب فيها الإقرار بقيمتها وأدائها الحضاري والإنساني نحو "وهم الرفاه" والسعادة اللحظية؛ إذ إن عدم التبيان الصحيح للقيمة، ليُستبدل بـ"الواقعي المتأزم" المتخيل والأسطورة، لا يسعه إلا أن يحيلنا للحظة تاريخية مفعمة بالإثارة والبهجة، والانتكاسة والخذلان في كثير من محطات الحياة المنتهية صلاحيتها بسلسلة من المحظورات.
إن ارتضاء التلاعب بالأسعار الحقيقية للسلع، عبر أرقام فواصل عشرية، يعتبر مظهرًا مبتكرًا لهوس التسويق المستمر وثقافة التبضع الاستهلاكية؛ فالقدرة على تحديد السعر دون الحاجة إلى العشري "تسعة" لا يتوقف على تكلفة السلع الإنتاجية، ولا حاجتنا إليها، فالفواصل تثير في الذات رغبة ملحة، واستجابة مقلقة لشهوة التملك، حتى وإن أدركنا أن السلع ليست ضرورية، أو بالأحرى تحفزنا إلى الاستجابة الآنية لوهم الرفاه.
لا تبدو خدعة العشري "تسعة" مسألة اقتصادية حاسمة، تتعلق بسعر السلع وازدهارها في الأسواق، أو الغرض منها تنامي رفاهية المتعاملين الاقتصاديين وارتفاع أرباحهم، بل إن تأثيرها الاجتماعي والنفسي على الأفراد يتجاوز التعبير عن المستوى المعيشي، لينتج ملمحًا ثقافيًّا سريع الذوبان، تتضخم فيه سطوة الذات في سوق النيوليبرالية المفخخة للقيم الحضارية كالحرية والديمقراطية، وهوية مبعثرة ومغيبة عن فاعليتها وتاريخها، نحو ثقافة تتسم بالانسيابية والسرعة، تستهلك بعنف إنسانيتنا في "فضاء التسويق الرقمي" وتحدي الـ"ترند".
إن فلسفة توظيف الفواصل، لتمرير ذرائع اقتصادية وتجارية، لا ترجع بالفائدة النقدية لرؤوس الأموال العابرة للهوية والثقافة؛ فبقدر ابتكارها أدوات تسويقية تمويهية، تتزود بها الرأسمالية للاستمرار في تسليع القيم من منظور يزدري الرؤية النوعية لموضوع السلعة، نافيًا حقيقتها، فإننا نسعى للإشباع اللحظي، والاعتراف الهش لذواتنا المهووسة بالظهور في فضاءات يفترض أنها تواصلية، لا سوق ندفع فيها أثمانًا مكلفة من حياتنا الشخصية.
إن ثقافة الاستهلاك المفرط تساهم بشكل يبعث القلاقل في تضخيم السلوك الفردي وفق نزعة مضطربة، متذبذبة، وهشة لدرجة أنها تفشل في اختباراتها مع الواقع المتأزم.
ومتى اعتقدنا أن لذة الاستهلاك تقتضي المضي قدمًا من دون تفكير، في السعي المستمر للتملك والتنافس والتفاخر، فإن سلوكنا تجاه الأشياء والحضارة والتاريخ لا يتعدى علاقة اضطراب سطحية لمعنى السعادة، ومكمن شراهة مخيفة، ونفعية مادية موحشة، تجعل من موضوع الحرية والعدالة والإنسانية سلعًا مزجاة ذات قيمة لحظية، سرعان ما يتم تداولها بأبخس الأثمان، حينما يتعلق الأمر بتحقيق هويتنا وثقافتنا وتاريخنا.
تسليع الإنسان
فيما مضى كانت الصناعات الأصلية تحقق معيار الجودة والرفاه للسلع المنتجة، وعلى ندرة السلع تقتضي الحاجة وتنبري معها رغبات المجتمعات في تجريد ثقافتهم من هويتها وتاريخها، نحو اقتناء بضائع مستنسخة، تتوغل في أنسجة المجتمعات ضمن سياسات العبور الاقتصادي الحر.
إن تشريح ثقافة الاستهلاك يتطلب الإمعان بحذر في إشكالية "السلعة موضوعًا"؛ فالحرية والعدالة والديمقراطية أمست منتجات هشة أمام سطوة الغرب وهو يغمر الحضارة بنظرته الإلغائية والعنيفة للإنسان، إذ يمكن تبضيع الديمقراطية والحرية للضفاف الجنوبية كأقساط من على أفواه المدافع، وكتجربة فاشلة غرضها إثبات عجزنا في تقبل الحرية والعدالة، ولتجريدنا من أي قيمة إنسانية نقاوم بها أولئك "الحضاريين" الذين يزعمون امتلاكهم ثقافة الاعتراف بالآخر في كونه مختلفًا، وشرقيًّا.
ليست المعضلة في تعريفنا للثقافة بقدر ما تكمن مشكلات الحضارة في تجريد البشرية من تنوعها، وتمثلاتها الاجتماعية والتاريخية والفنية، نحو استخدام إمبراطوري للقيم الإنسانية، يعزز هيمنتها، ويفصل بعنصرية مقيتة بين الشعوب المتدافعة.
وللدلالة على فشل الغرب في الاستشفاء من أزمته الحضارية، يزداد سعيه نحو "تطويعه للقيم الإنسانية" كأداة للهيمنة والاستعمار، بدل محاسبة قادته على دعمهم لجرائم الإبادة والتهجير.
قد تبدو عملية مقاومة "الثقافة الإمبراطورية"، وصهينة الحضارة، أمرًا بالغ الخطورة وعنوانًا للمجازفة، أمام الاستهلاك السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، وتسويق الهويات العابرة والتاريخ المهيمن.
لكن، ثمة نهضة ذاتية في وجدان العالم الحر، واستفاقة متأخرة نوعًا ما تجاه الاستغلال البشع لوسائل الإنتاج والقيم الحضارية، لصياغة ثقافة بسيطة يسهل التعايش مع هويتها، وتاريخها، مقابل نماذج إنسانية مستهلكة، تقمع الخصوصية وتفرض رفاهية عنيفة ومربكة.
تجادل المجتمعات الغربية حكوماتها لتواطئها المعلن في نهب ثروات أمم بأكملها، وتقف ضد نخبة لا تتأخر في استدراج الحضارة نحو حروب عبثية، وتتعالى أصوات المناهضين للمؤسساتية الصهيونية، وتتحرك الشعوب العربية في مسيرات نحو تاريخ مفعم بثقافة الاحتواء والتعايش والتنوع، لإسقاط قلعة المحتل، وكسر حاجز الخوف المفروض عليها قهرًا… مجتمعات أدركت أن السياسات الاستعمارية الغربية لا تهدد مكتسباتها الاقتصادية والثقافية والتاريخية فحسب، بل تقوض "الانتماء الحضاري" نحو مزيد من الكراهية والعنف والاستغلال، وبدل الارتكاز على صناعة ثقافة إمبراطورية استهلاكية، تخوض الأنواع البشرية غمار التغيير في سبيل الإقرار بإنسانيتها وتاريخها وثقافتها.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

العاملون عبر التطبيقات الرقمية بالأردن يعانون غياب الأمان الوظيفي
العاملون عبر التطبيقات الرقمية بالأردن يعانون غياب الأمان الوظيفي

الجزيرة

timeمنذ 12 ساعات

  • الجزيرة

العاملون عبر التطبيقات الرقمية بالأردن يعانون غياب الأمان الوظيفي

عمّان – ينمو سوق العمل في الأردن بصورة متسارعة مع تزايد الاعتماد على المنصات الرقمية كمصدر دخل رئيسي لآلاف الشباب الأردنيين، في ظل التحديات الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة ، ومع غياب التشريعات الناظمة، وجد العاملون عبر التطبيقات الذكية أنفسهم خارج مظلة الحماية القانونية والاجتماعية، مما جعلهم عرضة للاستغلال وانعدام الأمان الوظيفي. وزاد الإقبال على العمل في تطبيقات النقل الذكية بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة، من الأردنيين، باعتبارها توفر فرص عمل بمداخيل جيدة، خاصة للعاطلين عن العمل أو الباحثين عن تحسين أوضاعهم المعيشية، في ظل ارتفاع الأسعار ومتطلبات الإنفاق على الحاجات الأساسية. وظائف إلكترونية تتوزع وظائف العمل الرقمي في الأردن بين توصيل الطعام والبضائع، والعمل عبر تطبيقات النقل الذكي، إلى جانب أعمال تقنية وتكنولوجية وإبداعية تُنجز عن بُعد. وعلى الرغم من أن هذه الوظائف تمثل مصدر دخل أساسيًا لآلاف الشباب، إلا أن غياب العقود الرسمية، وعدم شمول المعنيين في مظلة الضمان الاجتماعي، يتركهم عرضة للفصل التعسفي، أو فقدان مصادر أرزاقهم من دون إنذار أو تعويض. ووفقا لتحذيرات أطلقها المركز الأردني لحقوق العمال "بيت العمال"، فإن ما لا يقل عن 50 ألف عامل في الأردن ينشطون في أعمال رقمية مثل توصيل الطلبات، وخدمات النقل، والعمل الحر عبر الإنترنت، من دون أي ضمانات تحمي حقوقهم أو توفر لهم شبكات أمان اجتماعي، كالتأمين الصحي وغيره. وأشارت الدراسة التي حملت عنوان "العمل على المنصات الرقمية في الأردن" إلى أن العاملين على المنصات الرقمية يفتقدون لأي مظلة تنظيمية مهنية أو نقابية تدافع عن حقوقهم أو تفاوض باسمهم، واعتبرت الدراسة أن هذه الفجوة التنظيمية تزيد من هشاشتهم في سوق العمل وتجعلهم عرضة لاستغلال مضاعف مقارنة بالعاملين في القطاعات التقليدية. وأظهرت الدراسة -التي اعتمدت على مراجعات قانونية ومقاربات مقارنة مع تجارب دولية- أن قطاع العمل عبر المنصات الرقمية، سواء في توصيل الركاب والطلبات أو في تقديم الخدمات التقنية عن بعد، يمثل متنفسا حيويا لآلاف الباحثين عن فرص دخل، لكنه في الوقت ذاته يفتقر لغطاء قانوني فعّال يضمن حقوق العاملين فيه. وقدّر المركز العمالي، عدد العاملين في توصيل الطلبات والسلع بنحو 25 ألف أردني معظمهم من الشباب، والعاملين في النقل الذكي بنحو 13 إلى 15 ألفا، بينما يشتغل ما يقارب 10 إلى 15 ألفا في خدمات العمل الرقمي مثل البرمجة والتصميم والترجمة، معظمهم دون أي اشتراك في الضمان الاجتماعي أو تنظيم نقابي أو حماية من الفصل التعسفي. مواكبة التطورات أوضح التقرير أن قانون العمل الأردني رقم 8 لسنة 1996 لا يتضمن تعريفًا أو تنظيمًا خاصًا للعمل عبر المنصات الرقمية، ويقتصر تعريف العامل على من يعمل تحت إشراف وإدارة مباشرة من صاحب العمل، من دون مراعاة للأشكال الحديثة من الرقابة الخوارزمية التي تمارسها التطبيقات. في الجانب الاقتصادي والاجتماعي، توقع المركز -استنادًا إلى معدلات النمو العالمية والإقليمية في القطاع- أن يرتفع عدد العاملين على المنصات في الأردن بنسبة تتراوح بين 60% و80% خلال السنوات الخمس المقبلة، ما سيجعل هذا القطاع مكونا رئيسيّا في سوق العمل الأردني. لكن الدراسة حذّرت في الوقت ذاته من أن استمرار هذا النمو من دون أطر تشريعية مناسبة سيعمّق من أزمات الاقتصاد غير المنظم ويرسّخ غياب العدالة الاجتماعية الرقمية. وحثّ التقرير الجهات الرسمية على الانخراط بفعالية في مسار منظمة العمل الدولية لإعداد الصك الدولي الجديد بشأن العمل على المنصات، والمصادقة على الاتفاقية الصادرة عن منظمة العمل العربية بشأن الأنماط الجديدة للعمل، بما يواكب التحولات الرقمية ويضمن عدالة اجتماعية أوسع. ربط إلكتروني وقال مسؤول التطبيقات الذكية في هيئة تنظيم قطاع النقل البري، نضال العساف، إن الهيئة تولي ملف العاملين عبر التطبيقات الذكية أهمية خاصة، وتتابع عن كثب أداء الشركات العاملة في هذا القطاع، في ظل وجود نحو 13 ألف سيارة مرخصة تُشغَّل من خلال 4 شركات معتمدة. وأضاف العساف، في حديثه للجزيرة نت أن الهيئة تعمل حاليًا على تنفيذ مشروع رئيسي للربط الإلكتروني مع جميع الشركات العاملة بالتطبيقات الذكية، بهدف تعزيز التعاون المؤسسي، وتطوير آليات المتابعة المتعلقة بالشكاوى، وتحديد أسعار الرحلات، ومطالب المشغلين، بما يضمن علاقة تشغيل متوازنة تشمل الشركات، والسائقين، والركاب، وتمنع أي ممارسات استغلالية أو انفراد بالتحكم من أي طرف. وفيما يتعلق بالتطبيقات غير المرخصة، أوضح العساف أن الهيئة تتحرك ضمن مسارات متعددة، من ضمنها تحديث الأطر التنظيمية، والاستمرار في الإجراءات الرقابية، والتنسيق مع هيئة تنظيم قطاع الاتصالات لحجب التطبيقات غير النظامية، بما يحافظ على التنافس العادل، ويصون حقوق الجهات المرخصة، ويعزز بيئة تشغيلية منظمة تحاكي الواقع وتستجيب لتطوره. من جانبه، قال عضو لجنة النقل في مجلس النواب الأردني وليد المصري إن ملف العاملين في التطبيقات الذكية وآليات عمل هذه التطبيقات وتشريعاتها يعد ملفا مهما وضروريا، لافتًا إلى أن العالم المتقدم يتجه نحو المنصات الرقمية بشتى أنواعها. وطالب في حديث للجزيرة نت بوضع تشريعات حقيقية تنظم العلاقة بين العاملين في المنصات الرقمية والقائمين عليها وتحمي الجميع، مشيرًا إلى أنه ستتم بلورة ملف التطبيقات الذكية بما يضمن حقوق العاملين. وأكد الخبير الاقتصادي حسام عايش هو الآخر ضرورة وجود تشريعات واضحة لعمل التطبيقات الذكية في الأردن، منوهًا بأن عمل التطبيقات الذكية بشكل غير قانوني يكبح شهية المستثمرين لعدم وجود منافسة حقيقية بين صاحب التطبيق المرخص، والآخر غير المرخص. وأوضح عايش في حديث للجزيرة نت أن عدم ضبط التطبيقات الذكية والمنصات الرقمية بصورة واضحة ينذر بأضرار بالغة للاقتصاد المحلي، من بينها حرمان خزينة الدولة من إيرادات إضافية. مستقبل غامض ودعا مؤيد مراد (30 عاما)، عامل توصيل عبر أحد التطبيقات الشهيرة، الحكومة الأردنية للتفاعل أكثر مع ملف العاملين في التطبيقات الذكية بمختلف أنواعها، نظرًا لأهميتها واتساع رقعة العاملين فيها. وأضاف في حديث للجزيرة أن أغلب العاملين في تطبيقات شركات التوصيل، طلبة جامعات ممن يشترون سياراتهم عن طريق البنوك بالأقساط، مشيرا إلى أنهم يخشون من أن تفصلهم تلك الشركات لا سيما غير المرخصة منها. من جهته، يقول أحد خريجي كلية الهندسة الإلكترونية، فضَّل عدم الكشف عن اسمه: "أعمل منذ أكثر من عامين عبر تطبيقات رقمية لتقديم خدمات البرمجة والتطوير الإلكتروني، لكنني لا أشعر بأي أمان وظيفي، فلا يوجد عقد واضح يضمن حقي، ولا أي جهة تضمن استمرارية العمل". وأضاف في حديث للجزيرة نت "كل ما يتم عرضه عليّ هو مهمات مؤقتة، وفي أي لحظة يمكن إنهاء التعاون مع الجهة التي أتعامل معها خارج الأردن دون سابق إنذار، وبالتالي قد أخسر سنوات العمل في المستقبل القريب، من دون الحصول على الضمان الاجتماعي، أو التأمين الصحي، بل من دون الحصول على التعويض المناسب عند التوقف المفاجئ". وأوضح أن هذا النوع من العمل قد يبدو مرنا ومجزيا من الناحية المادية في المرحلة الحالية، لكنه في الحقيقة مرهون بمزاج أهواء أصحاب التطبيقات، في ظل غياب أي تشريع ينظم العلاقة بيني وبينهم.

لبنان يحظر التعامل مع جمعية القرض الحسن التابعة لحزب الله
لبنان يحظر التعامل مع جمعية القرض الحسن التابعة لحزب الله

الجزيرة

timeمنذ 13 ساعات

  • الجزيرة

لبنان يحظر التعامل مع جمعية القرض الحسن التابعة لحزب الله

حظر مصرف لبنان المركزي التعامل مع عدد من المؤسسات المالية غير المرخّصة، منها جمعية القرض الحسن التابعة لحزب الله. وتعد مؤسسة القرض الحسن إحدى أهم المؤسسات المالية الاقتصادية لحزب الله ولا تخضع لقانون النقد والتسليف اللبناني، افتتحت في ثمانينات القرن الماضي بصفة جمعية خيرية. وقال مصرف لبنان المركزي في بيان: "يُحظر على المصارف والمؤسسات المالية أن تتعامل بشكل مباشر أو غير مباشر، كليا أو جزئيا، مع مؤسسات الصرافة غير المرخص لها أو الجمعيات والهيئات غير المرخصة". ولفت إلى أن من "بين المؤسسات والجمعيات غير المرخصة جمعية القرض الحسن، وشركة سيدرز إنتر.ش.م.ل، وشركة الميسر للتمويل والاستثمار، وبيت المال للمسلمين، وغيرها من المؤسسات والهيئات والشركات والكتائب والجمعيات المدرجة على لوائح العقوبات الدولية". ووفق حزب الله، تُقدم جمعية القرض الحسن قروضا بلا فائدة لمساعدة الفقراء والمحتاجين في إطار سعيها إلى تحقيق التكافل الاجتماعي. "غطاء" وتزعم الولايات المتحدة، أن حزب الله يستخدم الجمعية "غطاءً لإدارة الأنشطة المالية" له والوصول إلى النظام المالي العالمي، وحظرت منذ عام 2007 التعامل معها. وخلال الحرب الأخيرة على لبنان التي انتهت بتوقيع اتفاق لوقف النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، شنت إسرائيل سلسلة غارات على فروع الجمعية بأنحاء البلاد. يأتي حظر لبنان جمعية "القرض الحسن" بعد أيام من فرض وزارة الخزانة في 3 يوليو/تموز الحالي حزمة جديدة من العقوبات على 7 مسؤولين كبار وكيان واحد مرتبطين بالجمعية، بدعوى "تورطهم في تمكين حزب الله من تمرير أموال عبر النظام المالي اللبناني رغم العقوبات المفروضة عليه منذ سنوات". وبموجب هذه العقوبات، يتم تجميد الأصول والممتلكات الخاصة بالأفراد والكيانات المعنية داخل الولايات المتحدة أو الخاضعة لولايتها، كما يحظر على المواطنين الأميركيين أو المؤسسات في واشنطن التعامل معهم. وتواجه المؤسسات المالية الأجنبية التي تتعامل مع هذه الكيانات عقوبات ثانوية، تشمل تقييد حساباتها أو منعها من الدخول إلى النظام المالي الأميركي. اقتصاد الظل وقال مسؤول لبناني، إن خطوة المصرف المركزي كانت قيد الإعداد منذ شهور، وإنها تعكس الضغوط الأميركية على لبنان لاتخاذ إجراءات ضد الجناح المالي لحزب الله. وقال نسيب غبريل، كبير خبراء الاقتصاد في بنك بيبلوس، إن البنوك اللبنانية كانت حريصة فعلا على تجنب التعامل مع (القرض الحسن) لأن المؤسسة تخضع لعقوبات أميركية. وأضاف "النقطة المهمة هي أن السلطات تتصدى أخيرا لاقتصاد الظل في لبنان، وهو المشكلة الحقيقية". وفي يونيو/حزيران الماضي، أدرجت المفوضية الأوروبية لبنان على قائمة محدثة للولايات القضائية عالية المخاطر التي تعاني من أوجه قصور إستراتيجية في مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب على المستوى الوطني. وأدرجت مجموعة العمل المالي (فاتف) المعنية بمكافحة الجرائم المالية العام الماضي لبنان على "القائمة الرمادية" للدول الخاضعة لتدقيق خاص.

تسعة أعشار الرفاه.. ثقافة سريعة الذوبان
تسعة أعشار الرفاه.. ثقافة سريعة الذوبان

الجزيرة

timeمنذ 15 ساعات

  • الجزيرة

تسعة أعشار الرفاه.. ثقافة سريعة الذوبان

تخضعُ السلع لمتغيرات اجتماعيّة وسياسية، تحدد تكلفتها النهائية وعائداتها الربحية، منتجة أنماطًا ثقافية تعزز من التأثيرات الاقتصادية للعمليات التجارية على الاستهلاك الفردي والجماعي. كما أن "السلعة موضوعًا" تتعلق بثقافة استهلاكية متباينة، وترسم ندرتها خرائط استقرار الأسواق وتذبذبها، إذ ثمة علاقة متشابكة بين أن تكون مستهلِكًا أو مستهلَكًا، لا تتوقف عند تصنيفات الربح وتحقيق الرفاه. وفي زمن حفاري القبور وثقافة الاستهلاك المفرط، وتطويع القيم الحضارية بعناوين معولمة، يتم الدفع بعنف نحو تسليع الإنسان، بعيدًا عن الالتزام الأخلاقي والحضاري تجاه التصنيع السريع للأشياء، في سوق تراكِم أرباح شركات لا تتأخر بدعم آلة الموت، وتحدد بشكل مقلق سياسات اقتصادية احتكارية، وعقوباتها تجاه المناهضين لها. وعبر نظام التلاعب بأسعارها المبدئية، وحماية أرباحها الخيالية من الانهيار، تتأتى أرقام تجعل من أسعارها المتضخمة ذات "ملمح ثقافي حضاري" سريع الاقتناء، ومبعث على رضا النفس؛ فحين تجد سلعة قيمتها 237.99 دولارًا، بدلًا من 238 دولارًا، عليك أن تدرك أن هنالك "خدعة تسويقية" يقودها الرقم تسعة، تتجاوز "السلعة موضوعًا"، إلى أكثر الأنواع "الثقافية" احتكارًا للحضارة وقيمها، حيث تتقلب ذواتنا بين الاستهلاك المفرط والاستغلال العنيف للإنسان. إن ثقافة الاستهلاك المفرط تساهم بشكل يبعث القلاقل على تضخيم السلوك الفردي وفق نزعة مضطربة، متذبذبة، وهشة لدرجة أنها تفشل في اختباراتها مع الواقع المتأزم ثقافة طارئة لكل شيء لحظته التاريخية، كما أن للسلع المنتجة والمتداولة أوقاتًا حاسمة، يحددها تاريخ متقلب بين هامشَي الربح والخسارة، فعملية إنتاج سلعة ما إنما تعززها حاجاتنا لا رغباتنا اللامتناهية، وارتباطاتنا التي تقفدنا الخصوصية في الطلب والاقتناء. ولننظر إلى الأسواق التي نعتمرها، أو إلى تلك الأبراج السياحية التي تختص بها الفئة الأكثر "تحضرًا ورفاهيةً" في المجتمع، كيف أنها جعلت من ثقافة الاستهلاك لعبتها بمنحها هامشًا هشًّا، لتزيح عنها أعباء الإفصاح عن حقيقة القيمة. يمنحنا الرقم تسعة -على ضخامته ووفرته بعد الفاصلة- شعورًا بالطمأنينة والرفاهية نحو سلع استطاعت كسب اهتمامنا، ليس لحقيقتها وفاعليتها، بل لكونها "ثقافة طارئة" يغيب فيها الإقرار بقيمتها وأدائها الحضاري والإنساني نحو "وهم الرفاه" والسعادة اللحظية؛ إذ إن عدم التبيان الصحيح للقيمة، ليُستبدل بـ"الواقعي المتأزم" المتخيل والأسطورة، لا يسعه إلا أن يحيلنا للحظة تاريخية مفعمة بالإثارة والبهجة، والانتكاسة والخذلان في كثير من محطات الحياة المنتهية صلاحيتها بسلسلة من المحظورات. إن ارتضاء التلاعب بالأسعار الحقيقية للسلع، عبر أرقام فواصل عشرية، يعتبر مظهرًا مبتكرًا لهوس التسويق المستمر وثقافة التبضع الاستهلاكية؛ فالقدرة على تحديد السعر دون الحاجة إلى العشري "تسعة" لا يتوقف على تكلفة السلع الإنتاجية، ولا حاجتنا إليها، فالفواصل تثير في الذات رغبة ملحة، واستجابة مقلقة لشهوة التملك، حتى وإن أدركنا أن السلع ليست ضرورية، أو بالأحرى تحفزنا إلى الاستجابة الآنية لوهم الرفاه. لا تبدو خدعة العشري "تسعة" مسألة اقتصادية حاسمة، تتعلق بسعر السلع وازدهارها في الأسواق، أو الغرض منها تنامي رفاهية المتعاملين الاقتصاديين وارتفاع أرباحهم، بل إن تأثيرها الاجتماعي والنفسي على الأفراد يتجاوز التعبير عن المستوى المعيشي، لينتج ملمحًا ثقافيًّا سريع الذوبان، تتضخم فيه سطوة الذات في سوق النيوليبرالية المفخخة للقيم الحضارية كالحرية والديمقراطية، وهوية مبعثرة ومغيبة عن فاعليتها وتاريخها، نحو ثقافة تتسم بالانسيابية والسرعة، تستهلك بعنف إنسانيتنا في "فضاء التسويق الرقمي" وتحدي الـ"ترند". إن فلسفة توظيف الفواصل، لتمرير ذرائع اقتصادية وتجارية، لا ترجع بالفائدة النقدية لرؤوس الأموال العابرة للهوية والثقافة؛ فبقدر ابتكارها أدوات تسويقية تمويهية، تتزود بها الرأسمالية للاستمرار في تسليع القيم من منظور يزدري الرؤية النوعية لموضوع السلعة، نافيًا حقيقتها، فإننا نسعى للإشباع اللحظي، والاعتراف الهش لذواتنا المهووسة بالظهور في فضاءات يفترض أنها تواصلية، لا سوق ندفع فيها أثمانًا مكلفة من حياتنا الشخصية. إن ثقافة الاستهلاك المفرط تساهم بشكل يبعث القلاقل في تضخيم السلوك الفردي وفق نزعة مضطربة، متذبذبة، وهشة لدرجة أنها تفشل في اختباراتها مع الواقع المتأزم. ومتى اعتقدنا أن لذة الاستهلاك تقتضي المضي قدمًا من دون تفكير، في السعي المستمر للتملك والتنافس والتفاخر، فإن سلوكنا تجاه الأشياء والحضارة والتاريخ لا يتعدى علاقة اضطراب سطحية لمعنى السعادة، ومكمن شراهة مخيفة، ونفعية مادية موحشة، تجعل من موضوع الحرية والعدالة والإنسانية سلعًا مزجاة ذات قيمة لحظية، سرعان ما يتم تداولها بأبخس الأثمان، حينما يتعلق الأمر بتحقيق هويتنا وثقافتنا وتاريخنا. تسليع الإنسان فيما مضى كانت الصناعات الأصلية تحقق معيار الجودة والرفاه للسلع المنتجة، وعلى ندرة السلع تقتضي الحاجة وتنبري معها رغبات المجتمعات في تجريد ثقافتهم من هويتها وتاريخها، نحو اقتناء بضائع مستنسخة، تتوغل في أنسجة المجتمعات ضمن سياسات العبور الاقتصادي الحر. إن تشريح ثقافة الاستهلاك يتطلب الإمعان بحذر في إشكالية "السلعة موضوعًا"؛ فالحرية والعدالة والديمقراطية أمست منتجات هشة أمام سطوة الغرب وهو يغمر الحضارة بنظرته الإلغائية والعنيفة للإنسان، إذ يمكن تبضيع الديمقراطية والحرية للضفاف الجنوبية كأقساط من على أفواه المدافع، وكتجربة فاشلة غرضها إثبات عجزنا في تقبل الحرية والعدالة، ولتجريدنا من أي قيمة إنسانية نقاوم بها أولئك "الحضاريين" الذين يزعمون امتلاكهم ثقافة الاعتراف بالآخر في كونه مختلفًا، وشرقيًّا. ليست المعضلة في تعريفنا للثقافة بقدر ما تكمن مشكلات الحضارة في تجريد البشرية من تنوعها، وتمثلاتها الاجتماعية والتاريخية والفنية، نحو استخدام إمبراطوري للقيم الإنسانية، يعزز هيمنتها، ويفصل بعنصرية مقيتة بين الشعوب المتدافعة. وللدلالة على فشل الغرب في الاستشفاء من أزمته الحضارية، يزداد سعيه نحو "تطويعه للقيم الإنسانية" كأداة للهيمنة والاستعمار، بدل محاسبة قادته على دعمهم لجرائم الإبادة والتهجير. قد تبدو عملية مقاومة "الثقافة الإمبراطورية"، وصهينة الحضارة، أمرًا بالغ الخطورة وعنوانًا للمجازفة، أمام الاستهلاك السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، وتسويق الهويات العابرة والتاريخ المهيمن. لكن، ثمة نهضة ذاتية في وجدان العالم الحر، واستفاقة متأخرة نوعًا ما تجاه الاستغلال البشع لوسائل الإنتاج والقيم الحضارية، لصياغة ثقافة بسيطة يسهل التعايش مع هويتها، وتاريخها، مقابل نماذج إنسانية مستهلكة، تقمع الخصوصية وتفرض رفاهية عنيفة ومربكة. تجادل المجتمعات الغربية حكوماتها لتواطئها المعلن في نهب ثروات أمم بأكملها، وتقف ضد نخبة لا تتأخر في استدراج الحضارة نحو حروب عبثية، وتتعالى أصوات المناهضين للمؤسساتية الصهيونية، وتتحرك الشعوب العربية في مسيرات نحو تاريخ مفعم بثقافة الاحتواء والتعايش والتنوع، لإسقاط قلعة المحتل، وكسر حاجز الخوف المفروض عليها قهرًا… مجتمعات أدركت أن السياسات الاستعمارية الغربية لا تهدد مكتسباتها الاقتصادية والثقافية والتاريخية فحسب، بل تقوض "الانتماء الحضاري" نحو مزيد من الكراهية والعنف والاستغلال، وبدل الارتكاز على صناعة ثقافة إمبراطورية استهلاكية، تخوض الأنواع البشرية غمار التغيير في سبيل الإقرار بإنسانيتها وتاريخها وثقافتها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store