logo
كيف ينظر السوريون للرسوم والضرائب المفروضة عليهم؟

كيف ينظر السوريون للرسوم والضرائب المفروضة عليهم؟

الجزيرةمنذ 2 أيام
داخل مقر إدارة الهجرة في مدينة غازي عنتاب التركية جنوبي البلاد حيث يتجمع مئات اللاجئين السوريين يوميا لتصحيح أوضاعهم وتحويل بطاقات لجوئهم إلى إقامات إنسانية أو عائلية تتكشف مشكلات عديدة وصعوبات تزيد معاناتهم، في مقدمتها الحصول على جواز سفر جديد أو تجديد الجواز القديم، وهو ما يعد شرطا أساسيا لإنجاز المعاملات الرسمية التي تتطلب جواز سفر ساري المفعول.
كانت يدا أحمد مضطربة وهو يحاول ترتيب ملفه داخل مصنف شفاف أعده لتسوية وضعه القانوني والحصول مع أفراد أسرته على إقامة عائلية بعد أن أمضى 12 عاما تحت بند الحماية المؤقتة.
"ماذا نفعل؟"
هكذا بدأ أحمد حديثه قائلا "أوراقي أصبحت جاهزة، لكنها لن تُقبل كما أخبرني الموظف ما لم نجدد جوازات سفرنا، تكلفة التجديد لعائلتي المكونة من 5 أفراد رغم التخفيضات الأخيرة تصل إلى نحو ألف دولار، لا أملك هذا المبلغ، ونحن نعيش تحت ضغوط اقتصادية ومعيشية تفوق قدرتنا على التحمل".
وفي 26 يونيو/حزيران الماضي صدّقت وزارة الداخلية السورية على تعرفة جديدة لرسوم إصدار أو تجديد جواز السفر داخل البلاد وخارجها، خُفّضت بموجبها الرسوم القنصلية لمن هم في الخارج من 300 إلى 200 دولار.
ورغم اعتبار بعض السوريين أن هذه الخطوة -إلى جانب الزيادة الأخيرة في رواتب وأجور العاملين في القطاع الحكومي- مؤشر إيجابي لمرحلة جديدة أكثر تحسنا فإن أحمد يرى أن الرسم القنصلي رغم خفضه بمقدار الثلث تقريبا يفتقر إلى العدالة، لأنه ساوى بين لاجئين يعيشون على المساعدات في الخارج وآخرين مقيمين في دول تتيح لهم دخلا مستقرا وبيئة عمل آمنة.
ويقول "للأسف، لم يلحظ القرار أي استثناءات للاجئين رغم أنهم الحلقة الأضعف بين السوريين، في حين شمل التخفيض رسوم جوازات سفر الحجاج".
بين العودة والاستقرار
ويواجه عدد كبير من اللاجئين السوريين في دول الجوار اليوم خيارات صعبة، فالذين دُمرت منازلهم بفعل الحرب لا يجدون في العودة إلى البلاد خيارا آمنا، في حين يُفرض عليهم في دول اللجوء التكيف مع واقع جديد يتسم بارتفاع معدلات التضخم واضطراب سوق العمل غير الرسمي.
أحمد -الذي دخل تركيا عام 2013- يعمل محاسبا في معمل سوري لإنتاج المواد الغذائية بمدينة غازي عنتاب، مكّنه راتبه الشهري من إعالة أسرته وتأمين احتياجاتها الأساسية، لكنه اليوم يعيش قلقا من فقدان قدرته على مواصلة ذلك.
إعلان
وبحسب دراسة استقصائية لمؤسسة "راند" الأميركية، أظهرت نتائج استطلاع شمل 600 لاجئ سوري أن 48% من المشاركين في تركيا يشتكون من انخفاض الأجور مقابل 40% في الأردن.
كما اشتكى 28% في تركيا و56% في الأردن و48% في لبنان من قلة فرص العمل، في حين أبدى 32% في الأردن و34% في لبنان صعوبة في الحصول على تصاريح عمل.
وأشارت الدراسة إلى أن 80% من اللاجئين السوريين في تركيا لا يستطيعون تحمّل تكاليف رسوم تصاريح العمل والإقامة، مقابل 54% في الأردن و86% في لبنان.
ورغم عودة العديد من معارف أحمد إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي فإنه لا يزال يفضل البقاء في غازي عنتاب، متأقلما مع ظروفها.
وبحسب تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عاد أكثر من 500 ألف لاجئ سوري إلى بلدهم، معظمهم من دول الجوار، في حين بلغت حصة غازي عنتاب وحدها نحو 100 ألف لاجئ، وفقا لما أعلنه الوالي كمال شيمشاك.
وتتوقع المفوضية أن يتجاوز العدد الإجمالي للعائدين مليون لاجئ خلال الأشهر الأخيرة من العام.
رماد الحرب الذي يضعفهم
تعيش شريحة واسعة من السوريين اليوم بين الشك والأمل، فرغم تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية، مثل انخفاض التضخم وهبوط أسعار الغذاء، وتضييق فجوة الدخل والإنفاق بفضل الزيادة الأخيرة على الرواتب الحكومية فإن آمال ملايين السوريين الفقراء -الذين يشكلون 90% من السكان بحسب تصنيف البنك الدولي – ما زالت معلقة بقرارات أكثر عدالة تنصفهم وتساعدهم في النهوض من رماد الحرب.
ويرى الخبير الاقتصادي فراس السيد أن اللاجئين السوريين المقيمين في دول الجوار -الذين لم يتمكنوا من العودة- هم الأكثر هشاشة واحتياجا للإنصاف، ويتحمل نحو مليوني لاجئ منهم أعباء إضافية فاقمتها الرسوم القنصلية الجديدة.
ويربط السيد هذا الضعف بعوامل رئيسية عدة:
غياب دخل ثابت بعد توقف المساعدات الدولية.
اضطراب سوق العمل الموازي نتيجة الركود الاقتصادي.
صعوبة الحصول على تصاريح العمل بسبب ارتفاع رسومها.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية بسبب التضخم.
تصاعد الإيجارات -خاصة في تركيا- إلى مستويات تفوق ما كانت عليه بـ4 أضعاف خلال سنوات قليلة.
وأوضح السيد في حديثه للجزيرة نت أن مساواة اللاجئين بالمقيمين في الخارج في ما يخص الرسوم القنصلية -رغم تفاوت ظروفهم- ساهم في خلق حالة من عدم اليقين.
وأضاف أن استمرار الظلم بحق فئة لا تزال تواجه تداعيات الحرب -من فقدان الأحبة وتدمير المساكن وتغيّر نمط الحياة بالكامل- يحمّل الحكومة الحالية مسؤولية كبيرة، ويستدعي إعادة نظر جادة في السياسات المالية.
من غياب العدالة إلى عدم المساواة
من جهته، عبّر الأكاديمي السوري عماد الدين المصبح أستاذ الدراسات العليا في كليات الشرق العربي بالسعودية عن استغرابه من اعتماد مبدأ الشمولية في الرسوم وتجاهله في الرواتب.
وأوضح المصبح في حديثه للجزيرة نت وجود فجوة كبيرة بين رواتب الموظفين في القطاع الحكومي، إذ يتقاضى العاملون القادمون من مناطق إدلب رواتب تتراوح بين 125 و250 دولارا شهريا، في حين لا يتجاوز الحد الأدنى لرواتب موظفي المناطق الأخرى 75 دولارا حتى بعد الزيادات الأخيرة، أي أن الفارق يفوق الضعف.
وعزا المصبح هذا التفاوت إلى سياسات مالية غير متجانسة طبقتها الإدارات المختلفة خلال السنوات الماضية، فبينما شهدت رواتب موظفي إدلب زيادات تراكمية بلغت 68% منذ عام 2020 بقيت الرواتب في باقي المناطق مجمدة لفترة طويلة، قبل أن تشملها زيادات متأخرة وغير كافية.
ورأى أن غياب العدالة في توزيع الأجور أدى إلى خلق بيئة عمل غير مستقرة تكرس التمييز بين الموظفين بناء على مناطقهم وليس كفاءاتهم، مما يُنتج شعورا بالظلم ويقوض مبدأ تكافؤ الفرص داخل القطاع العام.
وحذر المصبح من أن استمرار هذه الفجوة سيفضي إلى شعور بالطبقية داخل مؤسسات الدولة، وينقل الانقسام من بيئة العمل إلى المجتمع الأوسع، حيث يعمل نحو 1.5 مليون موظف في القطاع الحكومي يعاني معظمهم من ظروف معيشية قاسية.
وأكد أن السياسات المتعلقة بالرسوم والرواتب لا يمكن النظر إليها بعيدا عن العدالة الاجتماعية، لأنها تمس جوهر حياة السوريين اليومية وسبل استقرارهم، مما يتطلب تحسين الحوكمة، ورفع مستوى الشفافية ، وتعزيز كفاءة المؤسسات الاقتصادية والمالية، لتكون القرارات الحكومية جسرا حقيقيا نحو تعافي مجتمع أنهكته سنوات طويلة من الفشل والحرب.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لماذا يسعى الشرع لتفكيك العلاقة مع روسيا بشكل عاجل؟
لماذا يسعى الشرع لتفكيك العلاقة مع روسيا بشكل عاجل؟

الجزيرة

timeمنذ 14 ساعات

  • الجزيرة

لماذا يسعى الشرع لتفكيك العلاقة مع روسيا بشكل عاجل؟

تمرّ العلاقات السورية- الروسية بمرحلة توتر صامت، يعبّر عنها تراجع التفاعلات بين الطرفين، وغياب أي أخبار عن تعاون مشترك، أو تواصل دبلوماسي، في وقت تفتح دمشق أبوابها لمختلف الوفود الإقليمية والدولية، وتتواصل دبلوماسيًا مع أغلب القوى الفاعلة والمؤثرة، إقليميًا ودوليًا. وذلك رغم محاولة الطرفين عدم إبراز هذا التوتر، فكل له أسبابه الخاصة، وكان الطرفان قد عبّرا، عقب سقوط نظام الأسد، عن رغبتهما في الاستمرار في التعاون وتطوير العلاقات القديمة، مع تأكيد دمشق على ضرورة معالجة أخطاء الماضي، واحترام إرادة الشعب السوري. ويبدو أن دمشق بدأت بالفعل مسار تصحيح هذه العلاقات مع روسيا، عبر مراجعتها الاتفاقيات الاقتصادية، التي وقعتها روسيا مع النظام السابق. وتشير التصريحات الروسية الرسمية إلى أن المفاوضات المتعلقة بالوجود الروسي ضمن قاعدتي طرطوس وحميميم في اللاذقية، لا تزال جارية مع الجانب السوري، من دون أي نتائج واضحة حولها حتى الآن. إستراتيجية ممنهجة لتفكيك العلاقات تتميز العلاقات السورية- الروسية بالتعقيد والتشابك، فهي فضلًا عن كونها علاقات تمتد على مساحة حقبة زمنية مديدة منذ خمسينيات القرن الماضي، فقد تكثّفت خلال العقد الأخير بعد التدخل العسكري الروسي، والعُزلة الدولية التي ضُربت على نظام الأسد، وتحوّل روسيا إلى ما يشبه رئة تتنفس عبرها سوريا، التي باتت المصدر الأساسي للسلاح والقمح وماكينات الإنتاج والوجهة الأساسية للبعثات الطلابية. كما أصبحت لغتها تُدرس في جميع المدارس والجامعات السورية، وقد وصل الأمر إلى حد الارتباط العضوي بين روسيا ومكونات مجتمعية سورية: العلويين والمسيحيين الأرثوذكس، من خلال الدين والمصاهرة والثقافة. غير أن روسيا حاولت استغلال هذا الوضع للسيطرة على مفاصل الاقتصاد السوري بأسلوب كولونيالي، فقد استحوذت شركاتها، وعبر اتفاقيات قانونية، على معظم الأصول الاقتصادية السورية التي تدر عوائد مالية مرتفعة: النفط والغاز والفوسفات ومصانع الأسمدة وميناء طرطوس أهم ميناء في سوريا، وذلك ضمن شروط غير متوازنة ولمدد تعاقدية تصل إلى 50 عامًا قابلة للتجديد، ولا تتجاوز عوائد سوريا من هذه الأصول 35%. بالتأكيد لا يتناسب هذا الوضع مع ظروف سوريا التي تسعى إلى حشد مواردها لإنجاز الاستحقاقات الكبيرة المترتبة عليها في المرحلة المقبلة، ولا سيما على مستوى الإعمار، وتأمين الخدمات لملايين السوريين. لكن في نفس الوقت لا ترغب الإدارة السورية الجديدة بالتصادم المباشر مع روسيا أو توفير الذرائع لها للعبث بالأمن الهش، لذلك اجترحت إدارة الشرع إستراتيجية تعتمد على أدوات قانونية لتفكيك السيطرة الروسية على الأصول الاقتصادية. وبدت تطبيقاتها واضحة في إلغاء عقد استثمار ميناء طرطوس، نتيجة عدم إيفاء الشركة الروسية بالتزاماتها المنصوص عليها بالعقد، وكذلك كون الاتفاق مجحفًا بحق السيادة السورية، ما يمنح الطرف السوري الحق في الانسحاب استنادًا إلى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1980. ويبدو أن دمشق تخطّط لتطبيق هذه المنهجية على كامل الاتفاقيات التي وقعها نظام الأسد مع روسيا، وميزة المنهجية المذكورة أن أدواتها قانونية وفنية ولا تنطوي على صبغة سياسية مستفزة، ولا سيما أن روسيا صمّمت سيطرتها الاقتصادية في سوريا عبر القطاع الخاص، حيث جميع الشركات التي استحوذت على الأصول السورية هي شركات خاصة. وهو ما يضعف الموقف التفاوضي الروسي، وربما تحاول روسيا الاحتفاظ بزخم تفاوضها للحفاظ على قواعدها العسكرية في الساحل السوري والتي تعتبر أهم استثمار إستراتيجي لموسكو منذ أيام القياصرة، نظرًا لما تمنحه لها من قوّة تأثير تمتد فاعليتها لتشمل قوسًا واسعًا يمتد إلى عمق أفريقيا، وسواحل المتوسط في ليبيا. تقف وراء التحرك السوري مجموعة من الأسباب تدفع بصانع القرار في سوريا الجديدة إلى تعزيز تحركه وتسريع عجلة تفكيك العلاقات مع روسيا: انتهاء الحاجة وتوفر البدائل في بداية تسلمها السلطة في دمشق لم يكن لدى الإدارة الجديدة تصور واضح عن طبيعة المواقف الدولية من التغيير، ولا سيما الموقف الأميركي، وبدرجة أقل الموقف الأوروبي. وكانت الصورة ضبابية إلى حد بعيد، ولا سيما في واشنطن التي كانت بدورها تشهد عملية تغيير رئاسي، فكانت احتمالية بقاء العقوبات وإمكانية فرض أخرى جديدة عبر مجلس الأمن، احتمالًا واردًا في تصوّر حكام سوريا الجدّد. ومن ثم فإن الحاجة ستكون كبيرة لروسيا كمظلة حماية من جهة، ومورد للتقنيات والأسلحة من جهة أخرى، وربما لاستخدام الوجود الروسي ورقة مساومة مع الغرب، وفوق ذلك الاستفادة من روسيا كعامل تهدئة في الداخل لما لها من تأثير على بعض المكونات السورية. غير أن المشهد سرعان ما تبدل نتيجة ديناميات إقليمية ساعدت في وضع قاطرة العلاقات بين الإدارة السورية الجديدة والغرب على سكة فاقت سرعتها جميع التصورات، وانهارت معها العقبات الصلبة أمام تطوير العلاقة. وهو ما ساعد على ظهور بدائل إقليمية ودولية، وشبكة حماية كبيرة للإدارة الجديدة، أصبح إزاءَها الاحتفاظُ بالعلاقات مع روسيا، بما تنطوي عليه من إشكاليات، أمرًا غير مبرر ولا منطقي، وتزامن هذا التطوّر مع انهيار منظومة فلول الأسد وانكشاف حدود قوّتها، والموقف الدولي منها. أسباب سياسية ليس خافيًا، أن فاعلية روسيا وطاقاتها، في اللحظة الراهنة، منصبة على تحقيق النصر في أوكرانيا، لوجود قناعة لدى الكرملين بأن انتصار روسيا في الحرب الأوكرانية سيشكل ديناميكية أساسية لإعادة التوازن الذي فقده الدور الروسي عالميًا، بما فيه النفوذ الروسي في سوريا، وهذا ما يدفع روسيا في اللحظة الراهنة إلى إبداء المرونة لتمرير هذه المرحلة، والاحتفاظ على الأقل بالوجود العسكري إلى حين تغيّر المعطيات. والواضح أن دمشق تقرأ جيدًا الأبعاد الإستراتيجية للموقف الروسي، لذا تحاول تغيير البيئة الإستراتيجية التي تستطيع روسيا من خلالها التحرك واستعادة النفوذ، عبر تغيير التوازنات الداخلية، وإعادة توزيع القوى بما يضمن تهميش الركائز الروسية في سوريا إلى حد بعيد، ونزع فاعليتها، تحت مبرّر شرعية السلطة الحالية، وحقها في احتكار القوّة، وضرب محاولات هز الاستقرار والعبث بوحدة البلاد. وثمة سبب سياسي آخر يتمثل في مجاراة الهندسة الأميركية، إذ بات من الواضح أن واشنطن، عبر حراكها الدبلوماسي المكثف بشأن سوريا، وإجراءاتها فيما يخص إزالة العقوبات بشكل متسارع، وحديثها عن السلام بين سوريا وإسرائيل، إنما تنطلق من مشروع متكامل يربط بين الأمن والسياسة والاقتصاد، ويعيد تعريف سوريا الجديدة في إطار مشروع أميركي أوسع للمنطقة. وفي ظل ذلك يبدو أن إخراج روسيا من دائرة التأثير في النطاق السوري سيكون شرطًا لازمًا لإتمام الهندسة، التي تجد فيها دمشق فرصة للخروج من عنق الزجاجة والالتحاق بعالم جديد ومختلف. أسباب أمنية تتعامل إدارة الشرع بحذر شديد مع الواقع الإستراتيجي المحيط بسوريا، وهو نوع من التعامل شكّلته عبر تجربتها الإدلبية، حيث كانت محاطة على الدوام بفاعلين داخليين وخارجيين، هم بتصوّرها- إن لم يكونوا أعداء- منافسون، ولديهم أهداف ومصالح تتضارب مع مصالحها، وبعد سيطرتها على السلطة في دمشق، بات المشهد أكثر تعقيدًا لارتباطه بمصالح فاعلين من وزن أكبر، وأكثر قدرة على الفعل من خصومها ومنافسيها المحليين في السابق. تدرك إدارة الشرع أن سوريا أرض صراع المشاريع الجيوسياسية التي لا ترحم، والصراع فيها صفري ولا يحتمل المساومة ولا الخسارة في نظر فاعلين يقدّرون أنهم أمام فرص ومخاطر يتوجب عليهم إزاءها اللعب بوعي، وإدراك تام للفوز باللعبة، وإلا سيواجهون مخاطر خسارة الفرص وما تنطوي عليه من فقدان النفوذ وضياع المصالح، وينطبق هذا الأمر بدرجة كبيرة على إسرائيل وروسيا. وفي هذا السياق، ثمة مخاوف، وإن لم يتم الإعلان عنها، من إمكانية تقاطع المصالح الروسية مع مشروع إسرائيل القاضي بتفكيك سوريا إلى كيانات صغيرة. وقد كشفت قناة "كان" الإسرائيلية عن وجود اتصالات روسية إسرائيلية حول الشأن السوري في أثناء الحرب مع إيران، غير أن هذه الاتصالات بدأت في وقت مبكر، حيث قام رومان هوفمان، أحد أقرب المستشارين العسكريين إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بزيارة موسكو، في مارس/ آذار، لم يُكشف عن تفاصيل ما دار خلالها. لكنّ صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، كتبت أن هدفها تركز على تعزيز التعاون في المجال الأمني، لا سيما على خلفية تطورات الوضع في سوريا، كما دعت إسرائيلُ الولايات المتحدة الأميركية لضمان بقاء روسيا في قواعدها العسكرية في سوريا، لمواجهة احتمالات نمو نفوذ تركيا في البلاد بشكل مفرط. الخلاصة يشهد النفوذ الروسي تراجعًا متسارعًا في المنطقة، في سياق تراجع الدور الروسي على المستوى العالمي، الناتج عن ضعف الفاعلية والعجز الذي يضرب مختلف القطاعات الروسية، وقد أدركت دمشق هذا الواقع، حيث لم تعد لدى روسيا القدرة على فرض معادلات عسكرية أو سياسية على الأرض، في وقت تشهد فيه شبكات التحالف في الشرق الأوسط تغيرات عميقة. تعمل القيادة السورية على إعادة تعريف العلاقة مع روسيا، ووضعها في إطارها الفعلي وفي حدود قدرات روسيا وفاعليتها، إذ من غير الجائز أن تملك موسكو مساحة واسعة من السيطرة والنفوذ على الاقتصاد والأمن السوري، وهي باتت بالفعل قوّة هامشية ضعيفة، ولن تستطيع تقديم أي قيمة مضافة لسوريا التي تبحث عن فرص، وعلاقات تدعم مسارات نمائها وتطورها. ذلك لا يعني أن روسيا لا تملك خيارات- حتى وإن كانت ذات طابع انتحاري- يمكنها التأثير في أمن واستقرار سوريا، وتدرك إدارة الشرع هذه الحقيقة، لذا تعمل على اتباع منهجية لتفكيك العلاقة مع موسكو لضمان تفكيك المخاطر التي قد تترتّب عن محاولة إهانة روسيا الجريحة في آسيا الوسطى، والقوقاز، والشرق الأوسط.

سوريا توقع اتفاقا بـ800 مليون دولار لدعم البنية التحتية للموانئ
سوريا توقع اتفاقا بـ800 مليون دولار لدعم البنية التحتية للموانئ

الجزيرة

timeمنذ 16 ساعات

  • الجزيرة

سوريا توقع اتفاقا بـ800 مليون دولار لدعم البنية التحتية للموانئ

ذكرت وكالة سانا للأنباء اليوم الأحد أن الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية وقعت اتفاقية بقيمة 800 مليون دولار مع شركة "دي بي ورلد" الإماراتية، في "خطوة إستراتيجية تهدف إلى تعزيز البنية التحتية للموانئ والخدمات اللوجستية في سوريا". وأضافت الوكالة أن الاتفاقية تأتي "استكمالا لإجراءات مذكرة التفاهم المتعلقة بالموضوع"، والتي وقعها الجانبان في مايو/أيار الماضي. ويركز الاتفاق مع دي بي ورلد، وهي تابعة لشركة دبي العالمية الاستثمارية، على تطوير رصيف متعدد الأغراض في ميناء طرطوس على البحر المتوسط والتعاون في إنشاء مناطق صناعية وتجارية حرة. وحضر الرئيس السوري أحمد الشرع مراسم التوقيع. وقال رئيس الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية قتيبة بدوي "سعينا في هذه الاتفاقية إلى بناء نموذج تعاون استثماري يستند إلى التوازن بين متطلبات النهوض الاقتصادي وأسس الشراكة الفاعلة، وبما يتيح تطوير البنية التحتية لميناء طرطوس الحيوي على نحو يواكب المعايير الدولية". وفي الشهر الماضي، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا أنهى برنامج العقوبات الأميركي على سوريا مما مهد الطريق لإنهاء عزلتها عن النظام المالي العالمي ولإعادة بناء الاقتصاد الذي دمرته الحرب. كما سيفسح رفع العقوبات الأميركية الطريق أمام انخراط مزيد من وكالات الإغاثة في سوريا ويسهل الاستثمارات الأجنبية والتجارة في وقت تسعى فيه سوريا لإعادة الإعمار.

كيف ينظر السوريون للرسوم والضرائب المفروضة عليهم؟
كيف ينظر السوريون للرسوم والضرائب المفروضة عليهم؟

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

كيف ينظر السوريون للرسوم والضرائب المفروضة عليهم؟

داخل مقر إدارة الهجرة في مدينة غازي عنتاب التركية جنوبي البلاد حيث يتجمع مئات اللاجئين السوريين يوميا لتصحيح أوضاعهم وتحويل بطاقات لجوئهم إلى إقامات إنسانية أو عائلية تتكشف مشكلات عديدة وصعوبات تزيد معاناتهم، في مقدمتها الحصول على جواز سفر جديد أو تجديد الجواز القديم، وهو ما يعد شرطا أساسيا لإنجاز المعاملات الرسمية التي تتطلب جواز سفر ساري المفعول. كانت يدا أحمد مضطربة وهو يحاول ترتيب ملفه داخل مصنف شفاف أعده لتسوية وضعه القانوني والحصول مع أفراد أسرته على إقامة عائلية بعد أن أمضى 12 عاما تحت بند الحماية المؤقتة. "ماذا نفعل؟" هكذا بدأ أحمد حديثه قائلا "أوراقي أصبحت جاهزة، لكنها لن تُقبل كما أخبرني الموظف ما لم نجدد جوازات سفرنا، تكلفة التجديد لعائلتي المكونة من 5 أفراد رغم التخفيضات الأخيرة تصل إلى نحو ألف دولار، لا أملك هذا المبلغ، ونحن نعيش تحت ضغوط اقتصادية ومعيشية تفوق قدرتنا على التحمل". وفي 26 يونيو/حزيران الماضي صدّقت وزارة الداخلية السورية على تعرفة جديدة لرسوم إصدار أو تجديد جواز السفر داخل البلاد وخارجها، خُفّضت بموجبها الرسوم القنصلية لمن هم في الخارج من 300 إلى 200 دولار. ورغم اعتبار بعض السوريين أن هذه الخطوة -إلى جانب الزيادة الأخيرة في رواتب وأجور العاملين في القطاع الحكومي- مؤشر إيجابي لمرحلة جديدة أكثر تحسنا فإن أحمد يرى أن الرسم القنصلي رغم خفضه بمقدار الثلث تقريبا يفتقر إلى العدالة، لأنه ساوى بين لاجئين يعيشون على المساعدات في الخارج وآخرين مقيمين في دول تتيح لهم دخلا مستقرا وبيئة عمل آمنة. ويقول "للأسف، لم يلحظ القرار أي استثناءات للاجئين رغم أنهم الحلقة الأضعف بين السوريين، في حين شمل التخفيض رسوم جوازات سفر الحجاج". بين العودة والاستقرار ويواجه عدد كبير من اللاجئين السوريين في دول الجوار اليوم خيارات صعبة، فالذين دُمرت منازلهم بفعل الحرب لا يجدون في العودة إلى البلاد خيارا آمنا، في حين يُفرض عليهم في دول اللجوء التكيف مع واقع جديد يتسم بارتفاع معدلات التضخم واضطراب سوق العمل غير الرسمي. أحمد -الذي دخل تركيا عام 2013- يعمل محاسبا في معمل سوري لإنتاج المواد الغذائية بمدينة غازي عنتاب، مكّنه راتبه الشهري من إعالة أسرته وتأمين احتياجاتها الأساسية، لكنه اليوم يعيش قلقا من فقدان قدرته على مواصلة ذلك. إعلان وبحسب دراسة استقصائية لمؤسسة "راند" الأميركية، أظهرت نتائج استطلاع شمل 600 لاجئ سوري أن 48% من المشاركين في تركيا يشتكون من انخفاض الأجور مقابل 40% في الأردن. كما اشتكى 28% في تركيا و56% في الأردن و48% في لبنان من قلة فرص العمل، في حين أبدى 32% في الأردن و34% في لبنان صعوبة في الحصول على تصاريح عمل. وأشارت الدراسة إلى أن 80% من اللاجئين السوريين في تركيا لا يستطيعون تحمّل تكاليف رسوم تصاريح العمل والإقامة، مقابل 54% في الأردن و86% في لبنان. ورغم عودة العديد من معارف أحمد إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي فإنه لا يزال يفضل البقاء في غازي عنتاب، متأقلما مع ظروفها. وبحسب تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عاد أكثر من 500 ألف لاجئ سوري إلى بلدهم، معظمهم من دول الجوار، في حين بلغت حصة غازي عنتاب وحدها نحو 100 ألف لاجئ، وفقا لما أعلنه الوالي كمال شيمشاك. وتتوقع المفوضية أن يتجاوز العدد الإجمالي للعائدين مليون لاجئ خلال الأشهر الأخيرة من العام. رماد الحرب الذي يضعفهم تعيش شريحة واسعة من السوريين اليوم بين الشك والأمل، فرغم تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية، مثل انخفاض التضخم وهبوط أسعار الغذاء، وتضييق فجوة الدخل والإنفاق بفضل الزيادة الأخيرة على الرواتب الحكومية فإن آمال ملايين السوريين الفقراء -الذين يشكلون 90% من السكان بحسب تصنيف البنك الدولي – ما زالت معلقة بقرارات أكثر عدالة تنصفهم وتساعدهم في النهوض من رماد الحرب. ويرى الخبير الاقتصادي فراس السيد أن اللاجئين السوريين المقيمين في دول الجوار -الذين لم يتمكنوا من العودة- هم الأكثر هشاشة واحتياجا للإنصاف، ويتحمل نحو مليوني لاجئ منهم أعباء إضافية فاقمتها الرسوم القنصلية الجديدة. ويربط السيد هذا الضعف بعوامل رئيسية عدة: غياب دخل ثابت بعد توقف المساعدات الدولية. اضطراب سوق العمل الموازي نتيجة الركود الاقتصادي. صعوبة الحصول على تصاريح العمل بسبب ارتفاع رسومها. ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية بسبب التضخم. تصاعد الإيجارات -خاصة في تركيا- إلى مستويات تفوق ما كانت عليه بـ4 أضعاف خلال سنوات قليلة. وأوضح السيد في حديثه للجزيرة نت أن مساواة اللاجئين بالمقيمين في الخارج في ما يخص الرسوم القنصلية -رغم تفاوت ظروفهم- ساهم في خلق حالة من عدم اليقين. وأضاف أن استمرار الظلم بحق فئة لا تزال تواجه تداعيات الحرب -من فقدان الأحبة وتدمير المساكن وتغيّر نمط الحياة بالكامل- يحمّل الحكومة الحالية مسؤولية كبيرة، ويستدعي إعادة نظر جادة في السياسات المالية. من غياب العدالة إلى عدم المساواة من جهته، عبّر الأكاديمي السوري عماد الدين المصبح أستاذ الدراسات العليا في كليات الشرق العربي بالسعودية عن استغرابه من اعتماد مبدأ الشمولية في الرسوم وتجاهله في الرواتب. وأوضح المصبح في حديثه للجزيرة نت وجود فجوة كبيرة بين رواتب الموظفين في القطاع الحكومي، إذ يتقاضى العاملون القادمون من مناطق إدلب رواتب تتراوح بين 125 و250 دولارا شهريا، في حين لا يتجاوز الحد الأدنى لرواتب موظفي المناطق الأخرى 75 دولارا حتى بعد الزيادات الأخيرة، أي أن الفارق يفوق الضعف. وعزا المصبح هذا التفاوت إلى سياسات مالية غير متجانسة طبقتها الإدارات المختلفة خلال السنوات الماضية، فبينما شهدت رواتب موظفي إدلب زيادات تراكمية بلغت 68% منذ عام 2020 بقيت الرواتب في باقي المناطق مجمدة لفترة طويلة، قبل أن تشملها زيادات متأخرة وغير كافية. ورأى أن غياب العدالة في توزيع الأجور أدى إلى خلق بيئة عمل غير مستقرة تكرس التمييز بين الموظفين بناء على مناطقهم وليس كفاءاتهم، مما يُنتج شعورا بالظلم ويقوض مبدأ تكافؤ الفرص داخل القطاع العام. وحذر المصبح من أن استمرار هذه الفجوة سيفضي إلى شعور بالطبقية داخل مؤسسات الدولة، وينقل الانقسام من بيئة العمل إلى المجتمع الأوسع، حيث يعمل نحو 1.5 مليون موظف في القطاع الحكومي يعاني معظمهم من ظروف معيشية قاسية. وأكد أن السياسات المتعلقة بالرسوم والرواتب لا يمكن النظر إليها بعيدا عن العدالة الاجتماعية، لأنها تمس جوهر حياة السوريين اليومية وسبل استقرارهم، مما يتطلب تحسين الحوكمة، ورفع مستوى الشفافية ، وتعزيز كفاءة المؤسسات الاقتصادية والمالية، لتكون القرارات الحكومية جسرا حقيقيا نحو تعافي مجتمع أنهكته سنوات طويلة من الفشل والحرب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store