
دروس مستفادة من حرب الخليج الثالثة!
هناك الكثير من النتائج والكثير من الأسئلة التي لن تغادر منطقة الشرق الأوسط لسنوات قادمة إثر حرب الخليج الثالثة، لعل أبرزها أن الحروب لم تعد تنتهي بالاستسلام أو برفع الراية البيضاء، آخر استسلام شهدته البشرية كان استسلام خيمة صفوان بعد خسارة الجيش العراقي في حرب تحرير الكويت أمام قوات التحالف، وربما سننتظر سنوات طويلة لنرى استسلامًا آخر.
في الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران، هناك العديد من الأسئلة التي لن تجد لها إجابة قاطعة، وهناك أيضًا العديد من الدروس المستفادة التي ستتبناها الدول، والتي ستشكّل وجه الحروب القادمة وتغيّر من معادلات وأولويات التسليح لعقود طويلة.
فبرغم تحليق الجيش الإسرائيلي فوق أجواء إيران طوال أسبوعين، إلا أن طائرات الدرونز والصواريخ العابرة حلّت محل الرافال والميغ والـF-14، وربما تزيح تأثيرها في المستقبل، أو تصبح ذات أولوية ثانوية في تسليح الجيوش.
كما أن تطوير منظومات الدفاع الجوي، ومضادات الصواريخ، سيشكّل أولوية قصوى في المستقبل؛ إذ إن تأثير سقوط صاروخ على حي سكني أقوى إعلاميًا من سقوطه على قاعدة عسكرية، ومع إرسال مئات الصواريخ مصحوبة بالآلاف من الطائرات المسيرة، يتعمق التحدي أمام الدول، وسيجبر الجيوش المتقدمة على ابتكار المزيد من التقنيات الحديثة التي تساعد في التصدي للهجمات الصاروخية.
لكن الأهم في نظري هو بناء فكرة الانتصار في الوجدان الشعبي: فلم تعد جميع الأطراف مقتنعة بفكرة الخسارة، بل إن إدارة تحقيق النصر أصبحت أكثر أهمية من تحقيقه فعليًا. ولعل هذا السؤال سيظل موضوع نقاشات عديدة، ولن يستطيع طرف أن يقنع الطرف الآخر من هزم ومن انتصر.
لقد تغيرت أساليب الحروب وأصبحت تُدار سياسيًا عبر النقاشات والوساطات، مع تقديم التضحيات والتنازلات. بل إن الوسطاء يقبلون ببعض التضحيات ليحصدوا شيئًا من ثمار المعركة، ثم تنفذ تفاصيل الاتفاق على الأرض من خلال قصف أو ضربات منسقة. وستظل العديد من الاتفاقات سرية، طالما أنها تحقق للمشرفين على المشهد «مصالحهم»، وسيتركون للشارع أن يصيغ وجدانه ويحقق أفراحه، حتى وإن كانت وهمية أو غير حقيقية.
إنه تحول عميق وعملي في أساليب الحروب الحديثة، فلم تعد الضربة الجوية قادرة على إحداث الاستسلام وإلحاق الهزائم بالجيوش كما حدث في حرب 1967 بين دول الطوق وإسرائيل، التي هُزمت في أول ساعتين.
بلا شك، ستثار العديد من الأسئلة داخل أروقة السياسيين، لكن أكثرها أهمية داخل جيوش المنطقة ستكون: هل هم بحاجة إلى إعادة طريقة التسليح؟ وعلى ماذا يتم التركيز مستقبلًا؟ وأي الأسلحة أكثر تأثيرًا؟
هل الطائرات ذات التكلفة العالية، أم الصواريخ العابرة، أم الطائرات بدون طيار (الدرونز) خفيفة الحركة ومنخفضة التكلفة؟ وهل الجيوش بحاجة للاشتباك المباشر على الأرض كما كانت في الحروب التقليدية سابقًا أم لا ؟، وغالبًا سيبقى هذا السؤال يؤرق صناع القرار لسنوات طويلة.
لقد أثبتت تجارب أوكرانيا وغزة -على سبيل المثال- أن الاشتباك المباشر بين القوات لم يُسفر عن انتهاء المعارك، ومع ثلاث سنوات في أوكرانيا وسنتين في غزة، لا تزال الاشتباكات قائمة، لأنها تعتمد على الإنسان، والإنسان لا يفنى.
كما أن قواعد الاشتباك الجديدة التي فرضتها الحرب الأخيرة، تقول إن الحروب لم تعد تشن من أجل تحقيق الانتصارات فقط، بل لتحريك الملفات، وتطويق الأخطار دون رفع الرايات البيضاء، ودون إزاحة الأنظمة أو استبدالها.
وأصبح من المهم عند خوض أي معركة أن تمنح خصومك انتصارات هنا وهناك، وأن تتبادل معهم النتائج، وتتفق على مناطق القصف قبل بدء العمليات، لتحقيق نتائج سياسية وشعبية، هذه هي حروب القرن الجديد التي لم تعد تشبه أي حروب سابقة.
أخبار ذات صلة
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
الشرع: نعمل على إيقاف الاعتداءات الإسرائيلية عبر وسطاء
صرح الرئيس السوري أحمد الشرع، أن سلطات الإدارة السورية الجديدة تعمل على إيقاف الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على المناطق الآمنة في محافظة القنيطرة جنوب غربي البلاد. وأكد الشرع، في بيان صادر عن مكتب الرئاسة، العمل على إيقاف "الاعتداءات الإسرائيلية عبر مفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء دوليين". كما أشار البيان إلى أن الشرع التقى وجهاء وأعيان محافظة القنيطرة والجولان. غارات وتوغل يشار إلى أن إسرائيل كانت شنت منذ ديسمبر 2024 وسقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، عشرات الغارات مستهدفة قواعد عسكرية جوية وبحرية وبرية للجيش السوري السابق. كما توغلت قواتها إلى المنطقة العازلة، وتوسعت في مرتفعات الجولان المحتل وجبل الشيخ، ومناطق أخرى في الجنوب السوري.


أرقام
منذ ساعة واحدة
- أرقام
ويتكوف: التخصيب والتسلح النووي لإيران من الخطوط الحمراء لأمريكا
قال مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف لشبكة (سي.إن.بي.سي) اليوم الأربعاء إن أنشطة إيران في التخصيب والتسلح النووي من الخطوط الحمراء للولايات المتحدة، وعبر عن أمله في التوصل إلى اتفاق سلام شامل مع طهران. وأضاف "لا يمكننا السماح بتسلح إيران (نوويا)... سيزعزع ذلك استقرار المنطقة بأكملها. سيحتاج الجميع حينها إلى قنبلة نووية، وهذا ببساطة أمر لا يمكننا قبوله".


العربية
منذ 2 ساعات
- العربية
عقيدة توم باراك و"دِكنجية" البيع بالقطعة
قَدِمَ المبعوث الرئاسي الأميركي لسوريا، توم باراك، إلى لبنان الأسبوع الفائت في زيارة قصيرة نسبياً التقى خلالها أركان السلطة، وذلك في إطار المساعي الدولية المتواصلة لتذكير السلطات بضرورة الإسراع في تنفيذ التزاماتها الدولية، وعلى رأسها نزع سلاح "حزب الله" والمضي قُدُمًا في الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وبهذا التسلسل على وجه التحديد. بطبيعة الحال، استقبل المسؤولون اللبنانيون باراك بحفاوة ملحوظة تختلف عن ترحيبهم بالمبعوثة السابقة مورغان أورتاغوس، التي رفضت تغليف خطابها بأي نوع من الحذاقة أو الدبلوماسية، ما أحرج الساسة اللبنانيين المُتقنين لفن الخِداع والمماطلة، والرافضين لأي إصلاح أو تغيير حقيقي. انعكس الموقف الرسمي اللبناني من الزيارة عبر أبواق السلطة التي وصفت تلك الزيارة بالهادئة واللطيفة، مُتناسين أو ربما مُتغافلين عن أن توم باراك وما يُمثله، سيكون في الواقع أكثر شراسة من أورتاغوس بالنسبة للملف اللبناني، وأكثر إصراراً على تجريد فرع الحرس الثوري الإيراني في لبنان من بقايا سلاحه. توم باراك، الزحلاوي الأصل، هو "قَيصر السلام الإبراهيمي" المُنتظر بين سوريا ولبنان من جهة، وبينهما وبين إسرائيل من جهة أخرى. إنه دورٌ تَعهّد به باراك أمام صديقه الشخصي الرئيس دونالد ترامب، مَفاده أن سوريا ولبنان سيكونان من ضمن الدول الموقّعة على اتفاقات أبراهام؛ واقعٌ يحاول الرؤساء جوزاف عون، ونبيه بري، ونواف سلام تجاهله عبر التركيز على التلال الخمس المحتلة من قبل إسرائيل، من دون تحديد أي إطار زمني واضح لنزع السلاح من جنوب الليطاني أو من المناطق الأخرى. ضمن هذا السياق، حَلّت زيارة باراك لإزالة الخلافات لا بين لبنان وإسرائيل فحسب، بل بين لبنان وسوريا أيضاً، وذلك من خلال إغلاق ملف مزارع شبعا، الذي لطالما استُخدم من قبل نظام بشار الأسد كذريعة للإبقاء على سلاح "حزب الله". أما بالنسبة لمهامِه في الشق السوري، فإن علاقة باراك الوثيقة بالرئيس أحمد الشرع وتعاون الأخير في الملفات الأساسية، وعلى رأسها العلاقة مع إسرائيل، تضع لبنان وطبقته السياسية في خانة جديدة: خانة المُعَرقلين لمسار السلام. وفي حين يروّج اللبنانيون أن العائق الأساس للسلم كان النظام السوري السابق، تبدو سوريا اليوم، في تركيبتها الحالية، تندفع نحو السلام ليس خدمةً لترامب أو نتنياهو، بل انطلاقًا من أن السلام هو ضرورة وحاجة وطنية سورية، على عكس لبنان الذي يتخبط في ملف "القضية الفلسطينية". سوريا، بقيادتها الحالية، تتفوق على لبنان وحُكامه لجهة الرعاية الدولية والإقليمية. ورغم بطء وتيرة إعادة هيكلة الدولة السورية، وفي ظل التحديات الكبرى التي يفرضها تنظيم داعش (بنسخته الأصلية أو الإيرانية) ووَسَط مخاوف الأقليات، إلا أن سوريا لا تزال تسلك المسار الصحيح. أما في لبنان، رسمياً وشعبياً، فالإنكار لواقع المتغيرات الإقليمية هو سَيّد الموقف، لا سيما أن الحرب الأخيرة على إيران لم تهدف فقط لكسر محور الممانعة، بل أيضاً لتهشيم أحد أخطر أمراض لبنان المزمنة: وهو فرادة البلد وحذاقة شعبه الفائقة. قد تبدو "عقيدة توم باراك" لائقة في ظاهرها، لكنها في جوهرها تعكس واقعية إدارة ترامب، التي لن تقدّم شيئاً مجاناً. فعندما يجلس باراك في ديوان نبيه بري، يتوقع منه أن يتصرّف كرئيس لمجلس النواب، لا كرئيس لـ "حركة أمل" أو كدرع سياسي لـ "حزب الله"، وإلا على طريقة ترامب فإن العقوبات الأميركية ستكون بالمرصاد. باراك، كغيره من أركان إدارة ترامب، يَنحَدر من عالم المال والأعمال، بينما ساسة لبنان هم مثل "دِكنجية" البيع بالقطعة يظنون أن الكلام في الغرف المغلقة لا تترتب عليه أي تبعات، وأن بإمكانهم الإفلات من موجة السلام المقبلة حتى لو كانت تصبّ في مصلحة لبنان واللبنانيين. إلا أن هذا التذاكي السياسي قد يُسرّع في تحرير الشعب اللبناني من هذه الطبقة الحاكمة... وربما في وقت سابق لأوانه.