
لغز ارتفاع معدل الإصابة بسرطان الرئة بين غير المدخنين
تتزايد حالات سرطان الرئة بين من لم يسبق لهم التدخين. وهو نوع من السرطان يختلف عن السرطان الذي يصيب الرئة نتيجة التدخين، فما سببه؟
أدركت مارثا أن هناك أمر ما، عندما أحست بتغير في سعالها وأصبح المخاط في مجراها التنفسي أكثر لزوجة. وأرجع الأطباء ذلك إلى اضطراب نادر كان قد أصابها وتسبب في التهاب مزمن في الرئتين. وقيل لها: "لا تقلقي، لا بد أن هذا هو السبب".
وعندما خضعت لفحص بالأشعة السينية، ظهر ظل على رئتها.
تتذكر مارثا: "هذا ما دفع الحالة إلى التقدم. أولاً، خضعت لفحص بالأشعة المقطعية، ثم لفحص بمنظار القصبة الهوائية [إجراء يتضمن استخدام أنبوب طويل لفحص مجاري التنفس في رئتي الشخص] لأخذ عينات من الأنسجة".
وبعد استئصال الورم بنحو أربعة أشهر من إبلاغها بتلك الأعراض من الطبيب العام، شُخصت حالتها بسرطان الرئة من الدرجة الثالثة (أ). وتسلل الورم إلى العقد اللمفاوية المحيطة، لكنه لم ينتشر بعد إلى أعضاء أخرى في جسمها. كانت مارثا تبلغ من العمر 59 سنة في ذلك الوقت.
وقالت مارثا: "كانت صدمة حقيقية". ورغم أنها كانت أحياناً تشعل سيجارة في الحفلات، إلا أنها لم تعتبر نفسها مدخنة يوماً ما.
ويُعد سرطان الرئة أكثر أنواع السرطان انتشاراً على مستوى العالم والسبب الرئيسي للوفيات جراء هذا المرض الذي يصيب أعضاء مختلفة في جسم الإنسان.
في 2022، شُخص نحو 2.5 مليون شخصاً بهذا المرض بينما توفي أكثر من 1.8 مليون شخصاً بسببه.
وعلى الرغم من أن سرطانات الرئة المرتبطة بالتبغ لا تزال تُمثل أغلبية الحالات المشخصة عالمياً، إلا أن معدلات التدخين آخذة في الانخفاض منذ عقود. لكن ومع استمرار انخفاض عدد المدخنين في العديد من دول العالم، تستمر نسبة الإصابة بسرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين في الزيادة. وتتراوح نسبة من يشخصون بالإصابة بسرطان الرئة ممن لم يسبق لهم التدخين بين 10 في المئة و20 في المئة من حالات سرطان الرئة بصفة عامة.
يقول أندرياس ويكي، أخصائي الأورام في مستشفى زيورخ الجامعي في سويسرا: "يظهر سرطان الرئة لدى غير المدخنين ككيان مرضي منفصل ذو خصائص جزيئية مميزة تؤثر بشكل مباشر على قرارات العلاج ونتائجه".
وبينما يتشابه متوسط العمر عند التشخيص مع متوسط عمر مرضى سرطان الرئة المرتبط بالتدخين، فإن المرضى الأصغر سنًا المصابين بسرطان الرئة هم في الغالب ممن لم يدخنوا أبداً.
ويضيف: "عندما نفحص مرضى سرطان الرئة في الثلاثينيات أو الخامسة والثلاثين من العمر، نجد أنهم عادةً ما يكونون من غير المدخنين".
يشار إلى وجود فرق آخر يتمثل في نوع السرطان المشخص. وحتى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كان أكثر أنواع سرطان الرئة شيوعاً هو سرطان الخلايا الحرشفية؛ وهو نوع يبدأ في الخلايا التي تبطن الرئتين. في المقابل فإن سرطان الرئة لدى غير المدخنين يكون في الغالب من نوع السرطان الغدي، وهو نوع يبدأ في الخلايا التي تُنتج المخاط. وقد أصبح هذا النوع الآن الشكل الأكثر شيوعاً من سرطان الرئة سواء بين المدخنين أو غير المدخنين.
كما هو الحال مع أنواع سرطان الرئة الأخرى، عادةً ما يُشخص السرطان الغدي في مرحلة متقدمة. وقال ويكي: "إذا كان هناك ورم بحجم سنتيمتر واحد (0.4 بوصة) مخفي في مكان ما في رئتيك، فلن تلاحظه". وغالباً ما تظهر الأعراض المبكرة، التي تتضمن السعال المستمر، وألم الصدر، وضيق التنفس، أو الصفير، فقط عندما يكبر الورم أو ينتشر.
إضافةً إلى ذلك، قد يدفع الارتباط التاريخي القوي بين التدخين وسرطان الرئة، دون قصد، غير المدخنين إلى ربط الأعراض بأسباب أخرى، كما يقول ويكي. "لذلك، تُشخَّص معظم حالات غير المدخنين فقط في المرحلة الثالثة أو الرابعة".
يشار أيضاً إلى أن سرطان الرئة لدى غير المدخنين أكثر شيوعاً بين النساء. فالنساء اللاتي لم يسبق لهن التدخين أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة بأكثر من الضعف مقارنة بالرجال غير المدخنين. وإلى جانب الاختلافات في تركيبة الرئة والتعرض للعوامل البيئية، قد يكون جزء من التفسير مرتبطاً بطفرات جينية شائعة بشكل أكبر لدى النساء، وخاصة النساء الآسيويات. ومن بين هذه الطفرات، الطفرة المعروفة باسم EGFR، واحدة من أكثرها انتشاراً.
وعادةً ما تحتوي خلايا سرطان الرئة لدى الأشخاص الذين لم يسبق لهم التدخين على عدد من الطفرات التي قد تُسبب المرض، وفقاً لويكي.
وتُسمى هذه الطفرات بالطفرات المُحفِزة، إذ تُحفز هذه التغيرات الجينية نمو الورم، مثل جين EGFR الذي يُشفر بروتيناً على سطح الخلايا.
ولا تزال أسباب وجود هذه الطفرات المُحفزة وانتشارها بشكل ملحوظ لدى المريضات، خاصة ذوات الأصول الآسيوية، غير مفهومة على الإطلاق. وهناك بعض الأدلة على أن هرمونات الأنوثة قد تلعب دوراً في الإصابة، إذ تكون بعض المتغيرات الجينية التي تؤثر على التمثيل العضوي لهرمون الإستروجين أكثر شيوعاً بين سكان شرق آسيا. وقد يفسر هذا ارتفاع معدل الإصابة بسرطان الرئة المُحفِز بطفرات EGFR لدى النساء الآسيويات، على الرغم من أن البيانات لا تزال أولية للغاية.
وبعد اكتشاف الطفرات التي قد تؤدي إلى سرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين، بدأ تطوير عقاقير تُعيق نشاط هذه البروتينات تحديداً. على سبيل المثال، طُرحت أول مثبطات مستقبل عامل نمو البشرة (EGFR) قبل نحو 20 سنة، وأظهر معظم المرضى استجابةً رائعةً. مع ذلك، غالباً ما يؤدي العلاج إلى ظهور خلايا سرطانية مقاومة، مما يؤدي إلى انتكاس الورم. وفي السنوات الأخيرة، بُذلت جهود كبيرة للتغلب على هذه المشكلة، مع ظهور أنواع جديدة من الأدوية في السوق.
ونتيجةً لذلك، تحسنت توقعات تشخيص الحالات المصابة بخطى ثابتة.
وأوضح ويكي: "يبلغ متوسط معدل البقاء على قيد الحياة للمرضى الحاملين لهذه الطفرات المحفزة عدة سنوات. لدينا مرضى يتلقون علاجاً موجهاً لأكثر من عشر سنوات. وهذه خطوة كبيرة إلى الأمام، بالنظر إلى أن متوسط معدل البقاء على قيد الحياة كان أقل من 12 شهراً قبل نحو 20 سنة".
ومع تزايد نسبة الإصابة بسرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين، يؤكد الخبراء على أهمية وضع استراتيجيات وقائية لهذه الفئة. كما ارتبطت عوامل خطر عديدة بهذا الأمر. على سبيل المثال، كشفت دراسات أن غاز الرادون والتدخين السلبي يزيدان من خطر الإصابة بسرطان الرئة لدى غير المدخنين. كما أن التعرض لأبخرة الطهي أو مواقد حرق الخشب أو الفحم في غرف سيئة التهوية قد يزيد من هذا الخطر. ولأن النساء يقضين عادةً وقتاً أطول في الأماكن المغلقة، فإنهن أكثر عرضة لهذا النوع من تلوث الهواء. ومع ذلك، يُعد تلوث الهواء في الأماكن المفتوحة عاملاً أكثر أهمية في الإصابة بسرطان الرئة.
ويعد تلوث الهواء الخارجي ثاني أكبر سبب للإصابة بسرطان الرئة بعد التدخين. وكشفت دراسات أن سكان المناطق شديدة التلوث هم أكثر عرضة للوفاة بسرطان الرئة مقارنةً بمن يعيشون في مناطق أقل تلوثاً. ويبدو أن الجسيمات الدقيقة (PM2.5) التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرون (نحو ثلث عرض شعرة الإنسان)، وتوجد عادةً في عوادم السيارات ودخان الوقود الأحفوري، تلعب دوراً هاماً في حدوث الإصابة. ومن المثير للاهتمام أن أبحاثاً أخرى أظهرت وجود صلة قوية بين ارتفاع مستويات هذه الأجسام الدقيقة وسرطان الرئة لدى الأشخاص الذين لم يدخنوا قط، ممن يحملون طفرة مستقبل عامل نمو البشرة.
وكان تركيز الأبحاث في معهد فرانسيس كريك في لندن على كيفية تأثير تلوث الهواء في الإصابة بسرطان الرئة لدى من لم يدخنوا أبداً من الحاملين لطفرة مستقبل عامل نمو البشرة.
وقال ويليام هيل، باحث ما بعد الدكتوراه في مختبر تطور السرطان وعدم استقرار الجينات بمعهد فرانسيس كريك: "عندما نفكر في العوامل البيئية المسببة للسرطان، عادةً ما نفكر فيها على أنها تُسبب طفرات في الحمض النووي". فعلى سبيل المثال، يلحق دخان السجائر الضرر بحمضنا النووي، مما يؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة.
وأضاف: "مع ذلك، تقترح دراستنا [2023] أن الجسيمات الدقيقة (PM2.5) لا تُحدث طفرة في الحمض النووي مباشرةً، بل تُنبه خلايا طافرة كامنة في رئتينا وتُحفزها على بدء مراحل مبكرة من سرطان الرئة".
وأشار باحثون إلى أن ملوثات الهواء تمتصها الخلايا المناعية المعروفة باسم الخلايا البلعمية. وتحمي هذه الخلايا الرئة عادةً عن طريق القضاء على الكائنات المُعدية. واستجابةً للتعرض للجسيمات الدقيقة، تُطلق هذه الخلايا رسائل كيميائية تُعرف باسم السيتوكينات، التي تُنبه بدورها الخلايا الحاملة لطفرة EGFR وتدفعها إلى التكاثر.
وقال هيل: "يُعد تلوث الهواء وطفرات EGFR ضروريين لنمو الأورام". لافتاً إلى أن فهم كيفية تأثير الجسيمات الدقيقة (PM2.5) على البيئة التي توجد فيها الخلايا الحاملة لطفرات EGFR لتعزيز نمو الأورام، قد يُمهد الطريق لأساليب جديدة للوقاية من سرطان الرئة.
والعلاقة بين تلوث الهواء وسرطان الرئة ليست جديدة. ففي ورقة بحثية هامة نُشرت عام 1955 – أثبتت العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة – اقترح الباحثون أن الملوثات الخارجية الناتجة عن حرق الوقود قد تكون سبباً محتملاً. وحتى الآن، يقتصر تركيز السياسات على مجرد مكافحة التبغ. ولكن بعد 75 سنة، بدأ التركيز على تلوث الهواء.
انخفضت مستويات تلوث الهواء في أوروبا والولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة، لكن تأثير هذه التغيرات على معدلات الإصابة بسرطان الرئة لم يتضح بعد.
وقالت كريستين بيرغ، أخصائية الأورام المتقاعدة في المعهد الوطني للسرطان في ماريلاند في الولايات المتحدة: "ربما يستغرق الأمر من 15 إلى 20 سنة حتى تنعكس تغيرات التعرض للتلوث على معدلات الإصابة بسرطان الرئة، لكننا لسنا متأكدين من ذلك". كما أن الوضع دائم التغير، فمن المرجح أن يكون لتغير المناخ تأثير في المستقبل.
وأضافت بيرغ: "مع تزايد خطر حرائق الغابات، يرتفع تلوث الهواء ومستويات الجسيمات الدقيقة (PM2.5) مجدداً في مناطق معينة من الولايات المتحدة".
وأشارت إلى أن دراسة واحدة على الأقل أظهرت وجود علاقة بين التعرض لحرائق الغابات وزيادة حالات الإصابة بسرطان الرئة. لذا، فإن التحول من الفحم والنفط والغاز (إلى مصادر طاقة نظيفة) أمر بالغ الأهمية، ليس فقط لإبطاء الاحتباس الحراري، ولكن أيضاً لتحسين جودة الهواء".
خفضت منظمة الصحة العالمية في عام 2021، إرشادات المتوسط السنوي لجودة الهواء لهذه لجسيمات الدقيقة إلى النصف، مما يعني أنها اعتمدت نهجاً أكثر صرامة تجاه انتشارها.
وقال غانفنغ ليو، باحث ما بعد الدكتوراه في الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) في ليون في فرنسا: "لكن 99 في المئة من سكان العالم يعيشون في مناطق تتجاوز فيها مستويات تلوث الهواء الحدود [المُحدثة] لإرشادات منظمة الصحة العالمية".
وفي دراسة حديثة، قدر باحثو الوكالة الدولية لبحوث السرطان أن حوالي 194 ألف حالة من سرطان الرئة الغدي في جميع أنحاء العالم يمكن أن تُعزى إلى الجسيمات الدقيقة (PM2.5) في 2022. ورجح ليو أنه "من المتوقع أن يقع العبء الأكبر على كاهل منطقة شرق آسيا، خاصة في الصين".
وقد يزداد عدد وفيات سرطان الرئة الناجمة عن تلوث الهواء في دول مثل الهند، التي تُعد حالياً من بين أعلى مستويات تلوث الهواء، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. ففي دلهي، يتجاوز متوسط مستويات الجسيمات الدقيقة (PM2.5) ميكروغرام لكل متر مربع، وهو ما يزيد بعشرين ضعفاً عن إرشادات منظمة الصحة العالمية لجودة الهواء.
وفي المملكة المتحدة، أُصيب 1100 شخصاً بسرطان غدي في الرئة نتيجةً لتلوث الهواء في 2022، وفقاً لدراسة الوكالة الدولية لبحوث السرطان. وتقول هارييت رومغاي، عالمة الأوبئة والمشاركة في الدراسة: "لكن لن تكون جميع هذه الحالات ممن لم يدخنوا من قبل".
ويصيب سرطان الرئة الغدي المدخنين أيضاً، خاصةً مدخني السجائر المفلترة. وأضافت رومغاي: "لا يزال هناك الكثير مما لا نعلمه. وهناك حاجة إلى مزيد من البحث لفك تشابك العوامل المختلفة، وكذلك للتعرف على الكثير من الأشياء مثل مدة التعرض لتلوث الهواء التي قد تؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة".
ومع استمرار تحسن العلاج، أصبحت فرص النجاة من سرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين أكثر. ومن المرجح أن يكون هذا النوع من سرطان الرئة يوماً ما هو الشكل الأكثر انتشاراً لهذا المرض الذي ارتبط تاريخياً بالمدخنين الذكور الأكبر سناً، مما قد يغير نظرتنا إلى هذا المرض في الثقافة الشعبية. وبحسب ويكي: "للأسف، لا تزال فكرة أن المرضى مسؤولون جزئياً على الأقل عن مرضهم شائعة".
واكتشف الأطباء أن مارثا تعاني من طفرة مستقبل عامل نمو البشرة (EGFR)، وتتناول مثبطاً منذ تشخيص حالتها قبل نحو ثلاث سنوات. وقالت مارثا: "إنه ليس قرصاً من الفيتامينات بالتأكيد". وللدواء آثار جانبية سيئة مثل الإرهاق المزمن، وآلام العضلات، ومشاكل جلدية.
وأضافت أن الموازنة بين مخاطر وفوائد العلاج الدوائي والحفاظ على جودة حياة معقولة ليس بالأمر السهل دائماً. لكن الدواء يُجدي نفعاً. "والنظرة السلبية للمرض تتغير، وهذا أمر جيد".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ 16 ساعات
- BBC عربية
لغز ارتفاع معدل الإصابة بسرطان الرئة بين غير المدخنين
تتزايد حالات سرطان الرئة بين من لم يسبق لهم التدخين. وهو نوع من السرطان يختلف عن السرطان الذي يصيب الرئة نتيجة التدخين، فما سببه؟ أدركت مارثا أن هناك أمر ما، عندما أحست بتغير في سعالها وأصبح المخاط في مجراها التنفسي أكثر لزوجة. وأرجع الأطباء ذلك إلى اضطراب نادر كان قد أصابها وتسبب في التهاب مزمن في الرئتين. وقيل لها: "لا تقلقي، لا بد أن هذا هو السبب". وعندما خضعت لفحص بالأشعة السينية، ظهر ظل على رئتها. تتذكر مارثا: "هذا ما دفع الحالة إلى التقدم. أولاً، خضعت لفحص بالأشعة المقطعية، ثم لفحص بمنظار القصبة الهوائية [إجراء يتضمن استخدام أنبوب طويل لفحص مجاري التنفس في رئتي الشخص] لأخذ عينات من الأنسجة". وبعد استئصال الورم بنحو أربعة أشهر من إبلاغها بتلك الأعراض من الطبيب العام، شُخصت حالتها بسرطان الرئة من الدرجة الثالثة (أ). وتسلل الورم إلى العقد اللمفاوية المحيطة، لكنه لم ينتشر بعد إلى أعضاء أخرى في جسمها. كانت مارثا تبلغ من العمر 59 سنة في ذلك الوقت. وقالت مارثا: "كانت صدمة حقيقية". ورغم أنها كانت أحياناً تشعل سيجارة في الحفلات، إلا أنها لم تعتبر نفسها مدخنة يوماً ما. ويُعد سرطان الرئة أكثر أنواع السرطان انتشاراً على مستوى العالم والسبب الرئيسي للوفيات جراء هذا المرض الذي يصيب أعضاء مختلفة في جسم الإنسان. في 2022، شُخص نحو 2.5 مليون شخصاً بهذا المرض بينما توفي أكثر من 1.8 مليون شخصاً بسببه. وعلى الرغم من أن سرطانات الرئة المرتبطة بالتبغ لا تزال تُمثل أغلبية الحالات المشخصة عالمياً، إلا أن معدلات التدخين آخذة في الانخفاض منذ عقود. لكن ومع استمرار انخفاض عدد المدخنين في العديد من دول العالم، تستمر نسبة الإصابة بسرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين في الزيادة. وتتراوح نسبة من يشخصون بالإصابة بسرطان الرئة ممن لم يسبق لهم التدخين بين 10 في المئة و20 في المئة من حالات سرطان الرئة بصفة عامة. يقول أندرياس ويكي، أخصائي الأورام في مستشفى زيورخ الجامعي في سويسرا: "يظهر سرطان الرئة لدى غير المدخنين ككيان مرضي منفصل ذو خصائص جزيئية مميزة تؤثر بشكل مباشر على قرارات العلاج ونتائجه". وبينما يتشابه متوسط العمر عند التشخيص مع متوسط عمر مرضى سرطان الرئة المرتبط بالتدخين، فإن المرضى الأصغر سنًا المصابين بسرطان الرئة هم في الغالب ممن لم يدخنوا أبداً. ويضيف: "عندما نفحص مرضى سرطان الرئة في الثلاثينيات أو الخامسة والثلاثين من العمر، نجد أنهم عادةً ما يكونون من غير المدخنين". يشار إلى وجود فرق آخر يتمثل في نوع السرطان المشخص. وحتى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كان أكثر أنواع سرطان الرئة شيوعاً هو سرطان الخلايا الحرشفية؛ وهو نوع يبدأ في الخلايا التي تبطن الرئتين. في المقابل فإن سرطان الرئة لدى غير المدخنين يكون في الغالب من نوع السرطان الغدي، وهو نوع يبدأ في الخلايا التي تُنتج المخاط. وقد أصبح هذا النوع الآن الشكل الأكثر شيوعاً من سرطان الرئة سواء بين المدخنين أو غير المدخنين. كما هو الحال مع أنواع سرطان الرئة الأخرى، عادةً ما يُشخص السرطان الغدي في مرحلة متقدمة. وقال ويكي: "إذا كان هناك ورم بحجم سنتيمتر واحد (0.4 بوصة) مخفي في مكان ما في رئتيك، فلن تلاحظه". وغالباً ما تظهر الأعراض المبكرة، التي تتضمن السعال المستمر، وألم الصدر، وضيق التنفس، أو الصفير، فقط عندما يكبر الورم أو ينتشر. إضافةً إلى ذلك، قد يدفع الارتباط التاريخي القوي بين التدخين وسرطان الرئة، دون قصد، غير المدخنين إلى ربط الأعراض بأسباب أخرى، كما يقول ويكي. "لذلك، تُشخَّص معظم حالات غير المدخنين فقط في المرحلة الثالثة أو الرابعة". يشار أيضاً إلى أن سرطان الرئة لدى غير المدخنين أكثر شيوعاً بين النساء. فالنساء اللاتي لم يسبق لهن التدخين أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة بأكثر من الضعف مقارنة بالرجال غير المدخنين. وإلى جانب الاختلافات في تركيبة الرئة والتعرض للعوامل البيئية، قد يكون جزء من التفسير مرتبطاً بطفرات جينية شائعة بشكل أكبر لدى النساء، وخاصة النساء الآسيويات. ومن بين هذه الطفرات، الطفرة المعروفة باسم EGFR، واحدة من أكثرها انتشاراً. وعادةً ما تحتوي خلايا سرطان الرئة لدى الأشخاص الذين لم يسبق لهم التدخين على عدد من الطفرات التي قد تُسبب المرض، وفقاً لويكي. وتُسمى هذه الطفرات بالطفرات المُحفِزة، إذ تُحفز هذه التغيرات الجينية نمو الورم، مثل جين EGFR الذي يُشفر بروتيناً على سطح الخلايا. ولا تزال أسباب وجود هذه الطفرات المُحفزة وانتشارها بشكل ملحوظ لدى المريضات، خاصة ذوات الأصول الآسيوية، غير مفهومة على الإطلاق. وهناك بعض الأدلة على أن هرمونات الأنوثة قد تلعب دوراً في الإصابة، إذ تكون بعض المتغيرات الجينية التي تؤثر على التمثيل العضوي لهرمون الإستروجين أكثر شيوعاً بين سكان شرق آسيا. وقد يفسر هذا ارتفاع معدل الإصابة بسرطان الرئة المُحفِز بطفرات EGFR لدى النساء الآسيويات، على الرغم من أن البيانات لا تزال أولية للغاية. وبعد اكتشاف الطفرات التي قد تؤدي إلى سرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين، بدأ تطوير عقاقير تُعيق نشاط هذه البروتينات تحديداً. على سبيل المثال، طُرحت أول مثبطات مستقبل عامل نمو البشرة (EGFR) قبل نحو 20 سنة، وأظهر معظم المرضى استجابةً رائعةً. مع ذلك، غالباً ما يؤدي العلاج إلى ظهور خلايا سرطانية مقاومة، مما يؤدي إلى انتكاس الورم. وفي السنوات الأخيرة، بُذلت جهود كبيرة للتغلب على هذه المشكلة، مع ظهور أنواع جديدة من الأدوية في السوق. ونتيجةً لذلك، تحسنت توقعات تشخيص الحالات المصابة بخطى ثابتة. وأوضح ويكي: "يبلغ متوسط معدل البقاء على قيد الحياة للمرضى الحاملين لهذه الطفرات المحفزة عدة سنوات. لدينا مرضى يتلقون علاجاً موجهاً لأكثر من عشر سنوات. وهذه خطوة كبيرة إلى الأمام، بالنظر إلى أن متوسط معدل البقاء على قيد الحياة كان أقل من 12 شهراً قبل نحو 20 سنة". ومع تزايد نسبة الإصابة بسرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين، يؤكد الخبراء على أهمية وضع استراتيجيات وقائية لهذه الفئة. كما ارتبطت عوامل خطر عديدة بهذا الأمر. على سبيل المثال، كشفت دراسات أن غاز الرادون والتدخين السلبي يزيدان من خطر الإصابة بسرطان الرئة لدى غير المدخنين. كما أن التعرض لأبخرة الطهي أو مواقد حرق الخشب أو الفحم في غرف سيئة التهوية قد يزيد من هذا الخطر. ولأن النساء يقضين عادةً وقتاً أطول في الأماكن المغلقة، فإنهن أكثر عرضة لهذا النوع من تلوث الهواء. ومع ذلك، يُعد تلوث الهواء في الأماكن المفتوحة عاملاً أكثر أهمية في الإصابة بسرطان الرئة. ويعد تلوث الهواء الخارجي ثاني أكبر سبب للإصابة بسرطان الرئة بعد التدخين. وكشفت دراسات أن سكان المناطق شديدة التلوث هم أكثر عرضة للوفاة بسرطان الرئة مقارنةً بمن يعيشون في مناطق أقل تلوثاً. ويبدو أن الجسيمات الدقيقة (PM2.5) التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرون (نحو ثلث عرض شعرة الإنسان)، وتوجد عادةً في عوادم السيارات ودخان الوقود الأحفوري، تلعب دوراً هاماً في حدوث الإصابة. ومن المثير للاهتمام أن أبحاثاً أخرى أظهرت وجود صلة قوية بين ارتفاع مستويات هذه الأجسام الدقيقة وسرطان الرئة لدى الأشخاص الذين لم يدخنوا قط، ممن يحملون طفرة مستقبل عامل نمو البشرة. وكان تركيز الأبحاث في معهد فرانسيس كريك في لندن على كيفية تأثير تلوث الهواء في الإصابة بسرطان الرئة لدى من لم يدخنوا أبداً من الحاملين لطفرة مستقبل عامل نمو البشرة. وقال ويليام هيل، باحث ما بعد الدكتوراه في مختبر تطور السرطان وعدم استقرار الجينات بمعهد فرانسيس كريك: "عندما نفكر في العوامل البيئية المسببة للسرطان، عادةً ما نفكر فيها على أنها تُسبب طفرات في الحمض النووي". فعلى سبيل المثال، يلحق دخان السجائر الضرر بحمضنا النووي، مما يؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة. وأضاف: "مع ذلك، تقترح دراستنا [2023] أن الجسيمات الدقيقة (PM2.5) لا تُحدث طفرة في الحمض النووي مباشرةً، بل تُنبه خلايا طافرة كامنة في رئتينا وتُحفزها على بدء مراحل مبكرة من سرطان الرئة". وأشار باحثون إلى أن ملوثات الهواء تمتصها الخلايا المناعية المعروفة باسم الخلايا البلعمية. وتحمي هذه الخلايا الرئة عادةً عن طريق القضاء على الكائنات المُعدية. واستجابةً للتعرض للجسيمات الدقيقة، تُطلق هذه الخلايا رسائل كيميائية تُعرف باسم السيتوكينات، التي تُنبه بدورها الخلايا الحاملة لطفرة EGFR وتدفعها إلى التكاثر. وقال هيل: "يُعد تلوث الهواء وطفرات EGFR ضروريين لنمو الأورام". لافتاً إلى أن فهم كيفية تأثير الجسيمات الدقيقة (PM2.5) على البيئة التي توجد فيها الخلايا الحاملة لطفرات EGFR لتعزيز نمو الأورام، قد يُمهد الطريق لأساليب جديدة للوقاية من سرطان الرئة. والعلاقة بين تلوث الهواء وسرطان الرئة ليست جديدة. ففي ورقة بحثية هامة نُشرت عام 1955 – أثبتت العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة – اقترح الباحثون أن الملوثات الخارجية الناتجة عن حرق الوقود قد تكون سبباً محتملاً. وحتى الآن، يقتصر تركيز السياسات على مجرد مكافحة التبغ. ولكن بعد 75 سنة، بدأ التركيز على تلوث الهواء. انخفضت مستويات تلوث الهواء في أوروبا والولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة، لكن تأثير هذه التغيرات على معدلات الإصابة بسرطان الرئة لم يتضح بعد. وقالت كريستين بيرغ، أخصائية الأورام المتقاعدة في المعهد الوطني للسرطان في ماريلاند في الولايات المتحدة: "ربما يستغرق الأمر من 15 إلى 20 سنة حتى تنعكس تغيرات التعرض للتلوث على معدلات الإصابة بسرطان الرئة، لكننا لسنا متأكدين من ذلك". كما أن الوضع دائم التغير، فمن المرجح أن يكون لتغير المناخ تأثير في المستقبل. وأضافت بيرغ: "مع تزايد خطر حرائق الغابات، يرتفع تلوث الهواء ومستويات الجسيمات الدقيقة (PM2.5) مجدداً في مناطق معينة من الولايات المتحدة". وأشارت إلى أن دراسة واحدة على الأقل أظهرت وجود علاقة بين التعرض لحرائق الغابات وزيادة حالات الإصابة بسرطان الرئة. لذا، فإن التحول من الفحم والنفط والغاز (إلى مصادر طاقة نظيفة) أمر بالغ الأهمية، ليس فقط لإبطاء الاحتباس الحراري، ولكن أيضاً لتحسين جودة الهواء". خفضت منظمة الصحة العالمية في عام 2021، إرشادات المتوسط السنوي لجودة الهواء لهذه لجسيمات الدقيقة إلى النصف، مما يعني أنها اعتمدت نهجاً أكثر صرامة تجاه انتشارها. وقال غانفنغ ليو، باحث ما بعد الدكتوراه في الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) في ليون في فرنسا: "لكن 99 في المئة من سكان العالم يعيشون في مناطق تتجاوز فيها مستويات تلوث الهواء الحدود [المُحدثة] لإرشادات منظمة الصحة العالمية". وفي دراسة حديثة، قدر باحثو الوكالة الدولية لبحوث السرطان أن حوالي 194 ألف حالة من سرطان الرئة الغدي في جميع أنحاء العالم يمكن أن تُعزى إلى الجسيمات الدقيقة (PM2.5) في 2022. ورجح ليو أنه "من المتوقع أن يقع العبء الأكبر على كاهل منطقة شرق آسيا، خاصة في الصين". وقد يزداد عدد وفيات سرطان الرئة الناجمة عن تلوث الهواء في دول مثل الهند، التي تُعد حالياً من بين أعلى مستويات تلوث الهواء، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. ففي دلهي، يتجاوز متوسط مستويات الجسيمات الدقيقة (PM2.5) ميكروغرام لكل متر مربع، وهو ما يزيد بعشرين ضعفاً عن إرشادات منظمة الصحة العالمية لجودة الهواء. وفي المملكة المتحدة، أُصيب 1100 شخصاً بسرطان غدي في الرئة نتيجةً لتلوث الهواء في 2022، وفقاً لدراسة الوكالة الدولية لبحوث السرطان. وتقول هارييت رومغاي، عالمة الأوبئة والمشاركة في الدراسة: "لكن لن تكون جميع هذه الحالات ممن لم يدخنوا من قبل". ويصيب سرطان الرئة الغدي المدخنين أيضاً، خاصةً مدخني السجائر المفلترة. وأضافت رومغاي: "لا يزال هناك الكثير مما لا نعلمه. وهناك حاجة إلى مزيد من البحث لفك تشابك العوامل المختلفة، وكذلك للتعرف على الكثير من الأشياء مثل مدة التعرض لتلوث الهواء التي قد تؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة". ومع استمرار تحسن العلاج، أصبحت فرص النجاة من سرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين أكثر. ومن المرجح أن يكون هذا النوع من سرطان الرئة يوماً ما هو الشكل الأكثر انتشاراً لهذا المرض الذي ارتبط تاريخياً بالمدخنين الذكور الأكبر سناً، مما قد يغير نظرتنا إلى هذا المرض في الثقافة الشعبية. وبحسب ويكي: "للأسف، لا تزال فكرة أن المرضى مسؤولون جزئياً على الأقل عن مرضهم شائعة". واكتشف الأطباء أن مارثا تعاني من طفرة مستقبل عامل نمو البشرة (EGFR)، وتتناول مثبطاً منذ تشخيص حالتها قبل نحو ثلاث سنوات. وقالت مارثا: "إنه ليس قرصاً من الفيتامينات بالتأكيد". وللدواء آثار جانبية سيئة مثل الإرهاق المزمن، وآلام العضلات، ومشاكل جلدية. وأضافت أن الموازنة بين مخاطر وفوائد العلاج الدوائي والحفاظ على جودة حياة معقولة ليس بالأمر السهل دائماً. لكن الدواء يُجدي نفعاً. "والنظرة السلبية للمرض تتغير، وهذا أمر جيد".


BBC عربية
منذ 2 أيام
- BBC عربية
يوم عرفة: الحجاج يؤدون الركن الأعظم على صعيد "جبل الرحمة"
يقف الحجّاج على جبل عرفات يوم الخميس التاسع من ذي الحجة، لأداء الركن الأعظم للحج وسط درجات حرارة مرتفعة دفعت السلطات السعودية إلى دعوتهم جميعا لالتزام الخيام خلال ساعات النهار الأشد حرّا. وتجمّع الحجّاج عند صعيد عرفات الذي يبعد عن الحرم المكي نحو 23 كيلومترا، قبيل بزوغ فجر الخميس، ووصل بعض الحجّاج باكرا للاستفادة من الجو الملطّف نسبيا، حاملين مظلات ملوّنة. من كل جنس ولون تجمع المسلمون على صعيد عرفات للدعاء والاستغفار بقلوب خاشعة وعيون باكية، تبدأ رحلة الحج الروحانية في شهر ذي الحجة، الشهر الأخير من العام الهجري، ويتوافق موسم الحج هذا العام مع الفترة ما بين 4 إلى 9 يونيو/ حزيران من التقويم الميلادي، ويشارك فيه هذا العام أكثر من مليون ونصف المليون حاج. سيدة تقف على جبل عرفات بوجه ملون بالوشوم التي تعبر عن ثقافتها، ووضعت المملكة العربية السعودية شروطا للحج هذا العام تتطلب الحصول على تصريح مسبق وتقديم ما يفيد القدرة الصحية والبدنية على أداء المناسك. نظرا لارتفاع درجات الحرارة التي تصل إلى 45 درجة تستخدم السلطات السعودية أعمدة رش المياه لتلطيف الحرارة. سيدة ترتدي غطاء رأس مزين بالألوان على جبل عرفات، لمواجهة الحرارة المرتفعة، يوصي خبراء الصحة بإجراء فحص كامل للجسم، خاصة للحجاج المسنين ومن يعانون من أمراض مزمنة مثل مرض السكري أو الربو أو السرطان أو أمراض القلب. تكثف السلطات السعودية جهودها لخدمة الحجاج، وتستخدم طائرات مسيرة لمراقبة صعود الحجيج على جبل عرفات لتأمين الحشود ومواجهة أي طوارئ، قالت الحكومة السعودية هذا العام إنها ستوسع قدرات العاملين في مجال الصحة علاوة على إنشاء 400 مبرد مياه بالإضافة إلى زيادة عدد أجهزة رش المياه لمساعدة الحجاج على تحمل مع درجات الحرارة المرتفعة. ما بين الدعاء والرجاء يأمل الحجاج أن يعودوا من الحج مجبورين فائزين بمغفرة الله، ويحرصون على توثيق هذه اللحظات أيضا. ونصحت السلطات السعودية الحجاج بحمل بطاقات على صدورهم تشير إلى التصاريح وبطاقات الحج، بالإضافة إلى تقديم شهادات للتاريخ المرضي تحتوي على بيانات الاتصال في حالات الطوارئ. كما ينبغي أن يعرفوا أماكن المرافق الطبية القريبة منهم. الحجاج يتضرعون إلى الله أن يغفر لهم على جبل عرفات، ونصحت السلطات الحجاج بتنظيم الأنشطة على مدار اليوم لتفادي الخروج في ساعات الذروة، والتي عادةً ما تكون بين الحادية عشرة صباحاً وحتى الثالثة عصراً، وتجنب الأماكن المزدحمة، والبحث باستمرار عن الظل أو الأماكن جيدة التهوية.


BBC عربية
منذ 3 أيام
- BBC عربية
نصائح للحجاج قد تساعد في الحفاظ على صحتهم أثناء أداء مناسك الحج
في كل عام، يخرج ما يقرب من مليوني مسلم من جميع أنحاء العالم في رحلة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في السعودية، لأداء فريضة الحج واستكمال أحد أركان الإسلام الخمسة. وتبدأ هذه الرحلة الروحانية في شهر ذي الحجة، الشهر الأخير من العام الهجري، ويتوافق موسم الحج هذا العام مع الفترة ما بين 4 إلى 9 يونيو/ حزيران من التقويم الميلادي، ومن المتوقع أن يشارك فيه أكثر من مليون مسلم. لكن الرحلة لا تقتصر على شعائر روحانية فقط، فقد تتطلب قوة بدنية للقيام بها. فبين حرارة الصحراء، والحشود الكبيرة، والوقت الطويل الذي يقضيه الحجاج في أداء الشعائر، يحتاج الجسم إلى بذل أقصى جهد لديه. وأشارت بيانات رسمية سعودية إلى أن موسم الحج الماضي شهد وفاة 1300 شخص، معظمهم قطع مسافات طويلة سيراً على الأقدام وسط ارتفاعٍ حادٍ في درجات الحرارة. وقدرت إحصائيات عدد الحجاج العام الماضي بحوالي 1.8 مليون حاج. وفيما يلي بعض النصائح التي قد تساعد الحاج أثناء أداء هذه الفريضة الدينية. على كل من يسافر لأداء الحج أن يستعد جيداً حتى قبل أن يصل إلى الأراضي السعودية. ويوصي خبراء الصحة بإجراء فحص كامل للجسم، خاصة للحجاج المسنين ومن يعانون من أمراض مزمنة مثل مرض السكري أو الربو أو السرطان أو أمراض القلب. ويجب التأكد من تلقي جميع اللقاحات الإلزامية التي تفرضها الحكومة السعودية، بما في ذلك لقاح الاتهاب السحائي، ولقاح كوفيد19 قبل عشرة أيام على الأقل من موعد الحج. كما يجب على المسافرين من البلدان التي تعاني من شلل الأطفال والحمى الصفراء التأكد أيضاً من تلقي جرعات منشطة من اللقاحات المضادة لتلك الأمراض. من إسبانيا إلى مكة... حج على ظهر خيل من الإحرام إلى طواف الوداع... ما هي مناسك الحج عند المسلمين؟ استعدادات ما قبل السفر نظراً للعدد الكبير من الحجاج، تتحمل المنشآت الطبية في السعودية أعباءً تفوق قدراتها التشغيلية، لذا يجب على الحاج الاعتماد على نفسه قدر الإمكان. وإذا كان الحاج يتناول أدوية تحت إشراف الطبيب، يجب عليه التأكد من أن تكون متوفرة طوال مدة الرحلة. وينصح الخبراء بحمل حقيبة طبية واحدة تحتوي على مسكنات الألم، وأدوية الإسهال، ومستلزمات الإسعافات الأولية للإصابات الطفيفة، ومعقمات اليدين، وأقنعة الوجه. كما يُنصح بممارسة تمارين رياضية، خاصة بالنسبة لمن لم يعتادوا على المشي لمسافات طويلة في درجات حرارة مرتفعة. ويتضمن الحج سلسلة من المناسك موزعة على مواقع مختلفة حول مكة المكرمة. وفي المتوسط، يقطع الحاج مسافة تتراوح بين خمسة وثلاثة عشر كيلومتراً يومياً بين هذه المشاعر المقدسة. التعامل مع الحرارة الشديدة وتصل درجات الحرارة في السعودية إلى 51 درجة مئوية. وفي طبيعة الحال، لا يتحمل جسم الإنسان الوقوف أمام فرن بدرجة حرارة مرتفعة. إذ يبدأ الجسم في بذل مجهود شاق حتى يبرد نفسه مع ارتفاع درجات الحرارة إلى حدٍ كبيرٍ، مما قد يؤدي إلى تشنجات حرارية، وإرهاق، وقد يصل الأمر إلى الإصابة بضربة شمس. وعلى الرغم من تحذيرات وزارة الصحة السعودية بتجنب التعرض للحرارة والحفاظ على رطوبة الجسم، إلا أن العديد من الحجاج يصابون بالإجهاد الحراري وضربات الشمس. الحج 2025: السوريون يغادرون من دمشق لا المنافي بعد 12 عاماً من الشتات نظام الحصص والقرعة في الحج: كيف يُحدد من يحجّ ومن ينتظر؟ وقالت الحكومة السعودية هذا العام إنها ستوسع قدرات العاملين في مجال الصحة علاوة على إنشاء 400 مبرد مياه بالإضافة إلى زيادة عدد أجهزة رش المياه لمساعدة الحجاج على تحمل مع درجات الحرارة المرتفعة. وقال وكيل وزارة الصحة السعودية لشؤون السكان عبدالله عسيري لوكالة أنباء فرانس برس "هذا العام، لم نركز على الظروف المرتبطة بالحرارة، لأن الحج يتزامن مع حرارة شديدة. مؤشر الحرارة هذا العام بلغ أعلى مستوياته". ويُنصح أيضاً بترطيب الجسم باستمرار عن طريق شرب الماء حتى دون الشعور بالعطش، وإن أمكن، حمل زجاجات معزولة أو نحاسية للحفاظ على برودة الماء. كما يُنصح بتنظيم الأنشطة على مدار اليوم لتفادي الخروج في ساعات الذروة، والتي عادةً ما تكون بين الحادية عشرة صباحاً وحتى الثالثة عصراً، وتجنب الأماكن المزدحمة، والبحث باستمرار عن الظل أو الأماكن جيدة التهوية. ويُنصح باستخدام واقي من أشعة الشمس (SPF) بمعامل حماية 30 درجة أو أكثر مع إعادة وضعه على البشرة كل ساعتين لتجنب حروق الشمس. كما تُساعد الملابس فاتحة اللون والمسامية على تبريد الجسم لأنها تعكس أشعة الشمس. ويُنصح أيضاً بارتداء أحذية جيدة التهوية مع دعم جيد لأخمص القدم. وتعتبر المظلات فاتحة اللون أو العاكسة للأشعة من الأشياء التي تساعد على إبعاد الحرارة الشديدة عن الجسم. ولا ينبغي تجاهل أي علامات للتعب أو الدوار أو الغثيان، لأنها قد تكون مؤشراً على حالات خطيرة. سلامة الحشود وكلما زاد عدد الحجاج، زاد خطر الإصابة بالعدوى، إذ أن إهمال النظافة قد يحول السعال البسيط إلى عدوى متفشية. وللحد من انتشار الأمراض، يُنصح الحجاج بغسل أيديهم بانتظام بالماء والصابون أو استخدام معقمات اليدين. ويُنصح أيضاً بارتداء الكمامات لتجنب انتشار أي عدوى تنفسية. كما أن العديد من الأماكن المغلقة مُكيّفة، لذا من السهل ارتداء الكمامة في الأماكن الباردة. وينبغي أيضاً متابعة أي إعلانات من السلطات السعودية باستمرار. وقال مسؤولون سعوديون إنهم سوف يستحدثون نُطُم جديدة لتقديم تنبيهات صحية وتنبيهات بأحوال الطقس عند تعرض البلاد لدرجات حرارة شديدة أو عند الازدحام. وينبغي أن يحمل الحجاج باستمرار بطاقات للتاريخ المرضي تحتوي على بيانات الاتصال في حالات الطوارئ. كما ينبغي أن يعرفوا أماكن المرافق الطبية القريبة منهم. الحج رحلة فُرضت على المسلمين مرةً واحدةً في العمر، وعلى الرغم من أن الجميع يسعى لأدائها، لكن الخبراء ينصحون بالاستماع إلى الجسم وإعطاء الأولوية للصحة.