logo
الأردن وسوريا: محاولات لترميم العلاقة بعد عقود من الشد والجذب

الأردن وسوريا: محاولات لترميم العلاقة بعد عقود من الشد والجذب

الأيام٠٩-٠٣-٢٠٢٥

Getty Images
الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في عمان خلال حضوره جنازة، علياء، زوجة الملك حسين
يستضيف الأردن، الأحد، اجتماعاً لدول الجوار السوري، لبحث قضايا رئيسة متعلقة بالأمن ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات وعودة اللاجئين، وفق ما أعلنته وزارة الخارجية الأردنية في بيان رسمي، بمشاركة مسؤولين رفيعي المستوى من الأردن وتركيا والعراق ولبنان وسوريا.
ورغم شُح التفاصيل حول أجندة اللقاء والقرارات - أو التوصيات - المرتقبة عنه، إلا أن توقيت الاجتماع يعكس مدى أهميته في ظل التطورات المتسارعة في سوريا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والتي شهدت سقوط نظام حكم استمر قرابة خمسة عقود، وانتقال السلطة إلى قيادة جديدة تمثل قوى المعارضة.
وفي الأسابيع الأخيرة، اندلعت اشتباكات بين قوات وزارة الدفاع السورية وعناصر تصفها دمشق بـ "فلول النظام السابق"، وهو تطور يُرجَّح أن يكون أحد الملفات على طاولة الاجتماع، في ظل مساعٍ إقليمية لاحتواء التصعيد ومنع انزلاق البلاد إلى موجة جديدة من الصراع.
ويبدو أن عمّان، التي تستضيف الاجتماع، تستعد للعب دور بالتعاون مع "دول الطوق السوري"، لإيجاد أرضية مشتركة تساند مؤسسات الدولة السورية وتدفع باتجاه استقرار البلاد التي عانت من التوتر والاضطرابات لأكثر من عقد ونصف.
ورغم أن العلاقة الأردنية-السورية لم تكن في أفضل حالاتها خلال حكم حافظ الأسد أو نجله بشار، يبدو أن تقارباً ما بدأ يلوح في الأفق، تجلى في سلسلة زيارات متبادلة بين الجانبين، كان آخرها زيارة رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، إلى عمّان.
في هذا التقرير، نستعرض مسار العلاقة بين الأردن وجاره الشمالي، مروراً بمراحل الصراع المباشر، والفتور، وصولاً إلى التقارب الحذر، في ظل مساعٍ مشتركة لاستعادة الاستقرار ورسم مستقبل جديد للعلاقات الثنائية.
ما قبل التأسيس: من وحدة الدم إلى تضارب المشاريع السياسية
تعود جذور العلاقة بين سوريا والأردن إلى فترة ما قبل تأسيس الدولتين الحديثتين، حيث كانت المنطقة جزءاً من بلاد الشام تحت الحكم العثماني، ومع انهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، خضعت المنطقة لإعادة تشكيل سياسية وفق اتفاقية سايكس بيكو (1916)، التي قسّمت بلاد الشام بين النفوذ البريطاني والفرنسي.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، خضعت سوريا للانتداب الفرنسي، بينما أُنشئت إمارة شرق الأردن تحت الانتداب البريطاني عام 1921، بقيادة الأمير عبد الله بن الحسين، الذي كان يسعى لتوحيد بلاد الشام تحت حكم الهاشميين.
في المقابل، كانت سوريا تحت حكم الملك فيصل بن الحسين - وهو شقيق عبدالله أمير الأردن- حتى معركة ميسلون عام 1920، التي أدت إلى فرض الانتداب الفرنسي وإخراج فيصل من الحكم.
Getty Images
الأمير عبد الله بن الحسين، كان يسعى لتوحيد بلاد الشام تحت حكم الهاشميين
وشكّل الأردن قاعدة عبور للثوار السوريين ضد الاحتلال الفرنسي، وقدم الدعم لقادة الثورة السورية الكبرى (1925-1927)، مثل سلطان الأطرش، وهو ما زاد من توتر العلاقات مع فرنسا.
ورغم أن استقلال البلدين حدث في ذات العام 1946، إلا أن العلاقات اتخذت طابعاً جديداً فرّقته "تبعية المشروع السياسي" وجمعته الحدود ورابط الدم الذي يجمع شعبي البلدين.
صراع المسارات: المَلكية في مواجهة القومية العربية
في مرحلة ما بعد الاستقلال (1946-1950)،
وانتهاء الانتدابين الفرنسي والبريطاني أصبحت سوريا جمهورية برلمانية، بينما أعلن الأردن نظاماً ملكياً يرأسه الملك عبد الله الأول.
وسلكت الدولتان منذ استقلالهما مسارين مختلفين، فالأردن كان يميل إلى سياسات متحالفة مع بريطانيا، بينما تبنت سوريا نهجاً جمهورياً، وتحولت إلى مركز لتبني القومية العربية الذي يعارض الملكيات في المنطقة، وكانت الحكومات السورية المتعاقبة تتبنى خطاباً معادياً للمشاريع الهاشمية متماهياً مع المشروع الذي يتوسع آنذاك في القاهرة.
وما زاد حدّة تضارب مسار الدولتين، صعود الحكومات القومية في سوريا بعد سلسلة انقلابات عسكرية، مثل حكومة أديب الشيشكلي (1951-1954) التي زادت من التوتر مع الأردن، وصولاً إلى حكومة شكري القوتلي (1955-1958) التي دخلت في تحالف وثيق مع مصر الناصرية ضد المحور الهاشمي.
في عام 1955، دعمت كل من بريطانيا والولايات المتحدة حلف بغداد الذي ضم العراق وتركيا وإيران لمواجهة النفوذ السوفييتي، وكان الأردن مرشحاً للانضمام، لكن سوريا ومصر قادتا حملة شرسة ضده باعتباره أداة استعمارية، وهو ما أدى إلى احتجاجات واسعة في الأردن وصلت إلى حد تهديد النظام الهاشمي.
وتصاعدت حدة الأزمة الشعبية في عام 1957 بعد سلسلة من التوترات، قام على إثرها الملك حسين بطرد الضباط والقيادات المقربة من سوريا ومصر.
Getty Images
احتجاج لأردنيين ضد حلف بغداد و"حكومته الموالية للغرب"
وفي عام 1958، دخلت سوريا في اتحاد مع مصر تحت اسم "الجمهورية العربية المتحدة" بقيادة جمال عبد الناصر، وقد زاد ذلك من عزلة الأردن، خاصة أن مصر وسوريا كانتا داعمتين للحركات القومية المعادية للملك حسين.
في المقابل، شكل الأردن والعراق الاتحاد الهاشمي (1958) كرد فعل على الوحدة السورية-المصرية، لكنه انهار سريعاً بعد ثورة 14 يوليو/تموز 1958 في العراق التي أطاحت بالملك فيصل الثاني.
ورغم الخلافات، شارك الأردن وسوريا في حرب 1967 ضد إسرائيل، لكن الهزيمة أدت إلى احتلال الضفة الغربية والجولان، وسرعان ما انهار هذا التحالف بأحداث "أيلول الأسود" في عام 1970 بعد الدعم الذي قدمته سوريا البعثية للفصائل الفلسطينية في الأردن بهدف زيادة نفوذها وسيطرتها.
في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، وبالرغم من تحسن العلاقات مقارنة بماضيها، إلا أن التوتر ظلّ يسودها بسبب دعم الأردن للعراق في حربه ضد إيران، بينما انحاز نظام حافظ الأسد إلى الأخيرة في ظل قيادتها الإسلامية الجديدة بعد سقوط نظام الشاه - حليف الأردن السابق.
وفي عام 1994 وقع الأردن اتفاقية وادي عربة - معاهدة سلام مع إسرائيل- ولم يكن المزاج الرسمي السوري راضياً عنها.
عبدالله الثاني وبشار الأسد.. ألفية جديدة وقائدان شابان
مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين غيّر حدثان بارزان شكل القيادة في كل من الأردن وسوريا: توفي الملك حسين بن طلال في 7 فبراير/شباط 1999 بعد صراع مع المرض، وتولى ابنه عبدالله الثاني العرش، ثم توفي الرئيس حافظ الأسد في 10 يونيو/حزيران 2000، وانتقل الحكم إلى ابنه بشار الأسد بعد تعديل طارىء جرى على الدستور السوري.
عند تولي الزعيمان الشابان، سدة حكم بلادهما، حاول كل منهما فتح صفحة جديدة وتحسين علاقتهما، لكن وبالرغم منذ ذلك، كان الخلاف حاضراً في ملفات متعلقة بالاقتصاد والحدود والغزو الأمريكي للعراق و"التدخل السوري في لبنان" والموقف من حركة المقاومة الإسلامية حماس.
لكن الشرخ الأكبر في العلاقة ظهر مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011 والتي شكلت نقطة تحول كبرى في العلاقة بين البلدين، حيث تبنى الأردن موقفاً داعماً للحل السياسي ودعمت عمان بعض الفصائل المعارضة، وهو ما اعتبرته دمشق تدخلاً في شؤونها.
Getty Images
طائرة الرئيس السوري بشار الأسد تصل إلى مطار عمان، في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2000
ويصف مركز كارنيغي للشرق الأوسط، موقف الأردن في هذا الموضع بأنه "انضمّ إلى المعسكر المناهض للأسد على مضض، وكان متخوّفاً من عواقب هذه الخطوة، وخير دليل على ذلك أن عمّان لم تعمد إلى قطع علاقاتها نهائياً مع دمشق".
ومع تدهور الأوضاع في سوريا، زادت التهديدات الأمنية على الحدود بين الجارين، بما في ذلك عمليات التهريب واقتراب الجماعات المتشددة. يقول هنا شهاب المكاحلة، في بحث له عبر منتدى فكرة وهو تابع لمعهد واشنطن، إن المسؤولين الأردنيين ارتأوا ضرورة إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحةً بين المسؤولين الأمنيين والعسكريين نظراً للمخاوف الأمنية المتعلقة بالإرهاب.
ويشير إلى أنه منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، "خشي الأردن من أن أي صراع في سوريا سيساعد المسلحين والجهاديين على الحدود الأردنية على توسيع معاركهم داخل الأراضي الأردنية الشمالية".
ومع تعزز موقف النظام السوري بعد التدخل الروسي في 2015، تغيرت طبيعة العلاقة تدريجياً، وغدا الأردن مهتماً أكثر بإعادة فتح المعابر بين البلدين والتنسيق الأمني المحدود لمجابهة التهديدات جرّاء تعسكر جماعات متشددة قرب حدوده، وتزايد محاولات تهريب المخدرات والتي شكلت مصدر قلق أمني كبير لعمان.
بحلول عام 2018، يقول مركز كارينغي، "أصبح احتمال بقاء الأسد في السلطة شبه مؤكد، ولم تجد عمّان نفسها مجاورة لنظام ساخط وحسب، بل أيضاً لحلفائه روسيا وإيران وحزب الله، وبات عليها التعامل مع التحديات الناجمة عن ذلك".
ويضيف أنه في مواجهة هذا الواقع الجديد، أبدى الأردن رغبة في بناء علاقات أفضل مع جارته الشمالية، وحرص في الوقت نفسه على عدم إثارة حفيظة حلفائه الأساسيين، ولا سيما الولايات المتحدة التي بقيت معادية للأسد بشدّة.
ولعلّ المؤشّر الأبرز على رغبة الأردن في تحسين علاقاته مع سوريا كان قراره بفتح معبر درعا الحدودي بعد أن استعاد النظام السيطرة على المنطقة من أيدي قوات المعارضة في أغسطس/آب 2018.
مرحلة ما بعد الأسد
في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، حمل الرئيس السوري بشار الأسد حقائبه وغادر إلى موسكو، بعد سقوط المحافظات على التوالي بأيدي قوات المعارضة ووصولها إلى مشارف دمشق.
وتولى أحمد الشرع قيادة الحكومة الانتقالية في سوريا ولاقى دعماً أردنياً، حيث كان وزير خارجية المملكة في دمشق بعد ساعات حاملاً "دعمه لتحقيق الأمن لسوريا ووحدة أراضيها واستقرار مؤسساتها". ​
واتفق الأردن وسوريا على تشكيل لجنة أمنية مشتركة لتعزيز أمن الحدود ومكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات، بالإضافة إلى منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية.
ويقول الوزير الأسبق والكاتب الصحفي الأردن سميح المعايطة، في هذا الصدد: "الأردن حسم خياراته منذ اليوم الأول لسقوط بشار الأسد وأعلن عن احترام إرادة الشعب السوري".
ويشير المعايطة في مقالٍ له بصحيفة الرأي المحلية، إلى أن "هذا الاتجاه كان مهما لايجاد طريق مؤثر لرفع العقوبات الأوروبية والأمريكية عن سوريا، فهذا مسار مهم لإنقاذ الاقتصاد السوري وإخراجه من أزماته".
Getty Images
عبدالله الثاني يستقبل أحمد الشرع في مطار ماركا العسكري
وتوّجت المرحلة الجديدة، بزيارة قام بها رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع في فبراير/شباط الماضي إلى الأردن، التقى فيها بالعاهل الأردني، وقد أعرب الأردن عن استعداده لدعم جهود إعادة الإعمار في سوريا، بما في ذلك تزويدها بالكهرباء والغاز، والمساهمة في تخفيف أزمة الطاقة التي تواجهها البلاد.
ورغم التباين التاريخي في النهج السياسي بين البلدين، إلا أن الجغرافيا والمصالح المشتركة فرضت الحفاظ على قنوات التواصل، وإن كانت محدودة لفترات طويلة، خاصة في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي باتت تُملي على عمّان ودمشق التعاون الحذر.
ومع سقوط نظام الأسد وتولي قيادة جديدة في سوريا، يواجه الأردن معادلة جديدة تفرض عليه دوراً داعماً للاستقرار، باعتباره عاملاً أساسياً في التخفيف من أزماته السياسية والاقتصادية والأمنية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

العربُ في خضم زمن جديد
العربُ في خضم زمن جديد

المغرب اليوم

timeمنذ 14 ساعات

  • المغرب اليوم

العربُ في خضم زمن جديد

احتفل العالم في الأيام القليلة الماضية، بمرور ثمانية عقود، على نهاية الحرب العالمية الثانية، وهزيمة الفاشية والنازية، وولادة عالم جديد بكيانات سياسية واقتصادية وآيديولوجيات جديدة. كانت أغلب البلدان العربية آنذاك، تحت الاستعمار أو الحماية والوصاية الأوروبية. الحرب العالمية الأولى أنهت الإمبراطورية العثمانية، التي حكمت الجزء الأكبر من المنطقة العربية، وبعدها جثم الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي، على مساحة واسعة من المنطقة العربية. لم يعرف العرب من قبل التكوين السياسي الذي يُسمى الدولة. بعد موجة الاستقلال قامت الكيانات الجديدة، التي تحمل أسماء تعبّر عن هوياتها الوطنية. كان النظام الملكي هو السائد في حكم التكوين الجديد. التنمية والتطور والسلم الاجتماعي، كانت الأهداف التي تتحرك نحوها الطموحات الوطنية. كان القادة من رجال عركتهم التجارب والمعاناة في زمن التسلط العثماني، والقمع الاستعماري والفقر والأمية. لم تكن لهم مؤهلات تعليمية عالية، ولكنهم امتلكوا الحكمة والفراسة. كان الهدف الأساسي لذلك الجيل من الملوك، هو أن يحققوا لأولادهم وأحفادهم، ما حُرموا هم منه على مدى زمن طويل. النسيج الاجتماعي في كيانات ما بعد الاستقلال، اختلف من بلد عربي إلى آخر. القبيلة هي الوعاء الجامع للسكان في القرى والواحات، أما المدن فكانت تضم شرائح ثقافية واقتصادية ومهنية متنوعة. الأحزاب السياسية لم تقم إلا في القليل من البلدان. ساد السلم الاجتماعي وانطلقت مسيرة التعليم، وترسخت قواعد الإدارة والقانون والأمن. بعد سنوات قليلة من تحقيق حلم الاستقلال، هبَّت عواصف عاتية على الكيانات الوليدة. أولها وأشدها كانت قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وهذا الجرح ظلّ غائراً في العقل والوجدان العربي. الجيش والعَلم والنشيد الوطني، هي العناوين لسيادة الأمة. أسست كل دولة عربية جيشاً لحماية وجودها وحدودها، لكن هذه المؤسسة المسلحة، تحولت في بعض الأقطار قوة استولت على الحكم. حدث ذلك والحرب الباردة العالمية بين الشرق والغرب على أشدها. اصطفت الأنظمة العسكرية إلى جانب الكتلة الشرقية، وارتفع في هذه الأنظمة صوت القومية العربية بشعاراتها وأناشيدها وآيديولوجياتها، وتبنت بعض تلك الأنظمة المسار الاقتصادي الاشتراكي، وبدأت حروب المخابرات العابرة للحدود. تسممت العلاقات السياسية بين الدول العربية، وخاض الإعلام معارك كلامية حادة، وطفحت عبارات الثورية التقدمية والرجعية العميلة... إلخ. اكتُشف النفط في عدد من البلدان العربية، وكان هذا الاكتشاف مصدراً لثروات كبيرة، تباينت سياسات استثمارها من بلد إلى آخر. هناك مَن أنفق تلك الثروة في تكديس السلاح والحروب، ومن سخَّرها للتنمية الشاملة في كل المجالات. دول عربية لم يهبها الله ثروات من باطن الأرض، لكنه وهبها ثروة العقل والحكمة، فحققوا لشعوبهم السلم الاجتماعي والاستقرار، ونجحوا في تحقيق تنمية بقدراتهم الوطنية. شهد العقدان الأخيران من هذا القرن، تطورات إقليمية وعالمية كبيرة، أعادت تشكيل المنظومات والتوازنات السياسية والاقتصادية الدولية. برزت الصين الشعبية قوةً اقتصادية وعسكرية عملاقة، والهند انطلقت في بناء قدراتها العلمية والاقتصادية والعسكرية، وعادت روسيا إلى لعب دور فاعل دولياً، وأوروبا المتحدة في كيان كونفدرالي، فرضت وجودها الدولي. أميركا اللاتينية لم تعد الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأميركية. المنطقة العربية لم يكن لها وجود يُحسب في النظام الدولي، وتُعدُّ من النتوءات والتخوم على خريطة النظام الدولي. لم تنجح المنطقة العربية، في بناء تكامل اقتصادي بينها، أو إقامة تكوين سياسي عامل. شعار الوحدة العربية الذي رفعته الأنظمة التي هتفت بالقومية، ابتلعته عاديات الزمن وتهاوت أنظمته، فزمننا المعيش لا مكان فيه لصخب العواطف وشعارات التعبئة الكلامية. أوروبا لم تتوحد تحت شعار القومية الأوروبية، بل جمعها تماثل فكرها وأنظمتها السياسية الديمقراطية، وتقدمها الاقتصادي والعلمي. اختراق استراتيجي، نقل منطقة الخليج العربي، من منطقة التخوم إلى المكان الفاعل في النظام الدولي الذي يتشكل الآن من جديد. بلدان الخليج أقامت مجلساً للتعاون، وبقي هذا المجلس ثابتاً وفاعلاً، رغم كل الهزات التي شهدتها المنطقة. دول مجلس التعاون العربي، تلعب اليوم دوراً عالمياً، عبر مبادرات السلام، ونجحت في عقد اجتماعات بين الخصمين، روسيا وأوكرانيا، حيث تم تبادل الأسرى بينهما، واستضافت المفاوضات بين أميركا وإيران، وتلعب دوراً كبيراً في رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني في غزة. زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأخيرة، إلى ثلاث دول خليجية وعقد قمة مع قادة كل دول الخليج، وما تم الاتفاق عليه مع الرئيس ترمب، فتحا باباً واسعاً لدخول هذه الدول إلى عقل العالم الجديد. الخليج العربي ينطلق نحو زمن جديد بإنسان جديد.

ما صحة الاتهامات التي وجهها ترامب لرئيس جنوب أفريقيا خلال لقائهما في البيت الأبيض؟ بي بي سي تقصي الحقائق
ما صحة الاتهامات التي وجهها ترامب لرئيس جنوب أفريقيا خلال لقائهما في البيت الأبيض؟ بي بي سي تقصي الحقائق

الأيام

timeمنذ يوم واحد

  • الأيام

ما صحة الاتهامات التي وجهها ترامب لرئيس جنوب أفريقيا خلال لقائهما في البيت الأبيض؟ بي بي سي تقصي الحقائق

Getty Images في مشهد مشحون بالتوتر داخل البيت الأبيض، يوم الأربعاء، وجه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لرئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، اتهامات مثيرة للجدل بشأن ما قيل عن استهداف المزارعين بيض البشرة في بلاده. بدأ اللقاء بين الرئيسين بأجواء اتسمت بالود والمرح، لكن سرعان ما اتخذ اللقاء منحى مختلفاً عندما طلب ترامب من فريقه عرض مقطع فيديو يُظهر في معظمه أحد المعارضين البارزين في جنوب أفريقيا، يوليوس ماليما، وهو يردد أغنية يحثّ فيها على العنف ضد المزارعين بيض البشرة. كما اشتمل الفيديو على مشاهد أظهرت صفوفاً من الصلبان، ادعى ترامب أنها تشير إلى موقع دُفن فيه مزارعون بيض البشرة بعد قتلهم، كما سلّم ترامب للرئيس رامافوزا نسخاًً من مقالات ادعى أنها توثّق حالات عنف مستشرية تستهدف الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا. ولطالما لجأ داعمو إدارة ترامب إلى المبالغة في طرح الادعاءات الرامية إلى ممارسة العنف ضد الأقلية البيضاء، ومن أبرز هؤلاء الداعمين، إيلون ماسك، والمذيع السابق في قناة فوكس نيوز، تاكر كارلسون، الذي قدّم تقارير بشأن ما وصفه بإبادة جماعية مزعومة خلال الولاية الأولى للرئيس، وقد ثبت أن بعض هذه الادعاءات غير صحيح على نحو جلي. هل تدل صفوف الصلبان على قبور مزارعين بيض البشرة؟ YouTube أشار ترامب إلى هذه الصورة المأخوذة من مقطع يظهر صفوفاً من الصلبان على طريق ريفي تضمّن المقطع الذي عرضه ترامب في المكتب البيضاوي مشاهد لصفوف من الصلبان البيضاء تمتد على جانب طريق ريفي، وقال ترامب: "هذه مواقع دفن هنا، إنها مدافن، أكثر من ألف مزارع أبيض". بيد أن تلك الصلبان لا تدل على قبور حقيقية، فالفيديو يعود لاحتجاجات نُظّمت تنديداً بمقتل زوجين من المزارعين بيض البشرة هما، غلين وفيدا رافيرتي، كانا قد قُتلا رمياً بالرصاص في مزرعتهما، بعد تعرّضهما لكمين عام 2020. وتداول مستخدمون المقطع عبر منصة يوتيوب بتاريخ السادس من سبتمبر/أيلول، أي في اليوم التالي للاحتجاجات. وقال روب هوتسون، أحد منظّمي الفعالية، لبي بي سي: "لم يكن الموقع مقبرة، بل كان نُصباً تذكارياً"، مضيفاً أن الصلبان وُضعت كـ "نصب تذكاري مؤقت" تكريماً للزوجين. Google صورة من خدمة "غوغل ستريت فيو" ملتقطة في مايو/أيار 2023، وتظهر أن الصلبان لم تعد قائمة في المكان ولفت هوتسون إلى أن الصلبان جرى تفكيكها لاحقاً. واستطاع فريق بي بي سي لتقصي الحقائق تحديد الموقع الجغرافي للفيديو، وتبين أنه في منطقة ضمن مقاطعة كوازولو-ناتال، بالقرب من مدينة نيوكاسل، وتُبيّن صور خدمة "غوغل ستريت فيو" الملتقطة في مايو/أيار 2023، أي بعد قرابة ثلاث سنوات من نشر الفيديو، أن الصلبان لم تعد قائمة في المكان. هل وقعت إبادة جماعية بحق مزارعين بيض البشرة؟ Getty Images قال ترامب خلال الاجتماع: "كثيرون يساورهم القلق بشأن ما يحدث في جنوب أفريقيا. لدينا العديد من الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يتعرضون للاضطهاد، ويهاجرون إلى الولايات المتحدة، ولذلك نقبل طلبات من عدة أماكن إذا شعرنا بوجود اضطهاد أو إبادة جماعية". كان ترامب قد أدلى سابقاً، في عدة مناسبات، بتصريحات بشأن موضوع "إبادة بيض البشرة"، ويبدو أنه كان يشير إلى هذا الأمر. فخلال مؤتمر صحفي عُقد في وقت سابق الشهر الجاري، قال: "هذه إبادة جماعية تحدث الآن"، في إشارة إلى مقتل مزارعين بيض البشرة في جنوب أفريقيا. وتُعدّ جنوب أفريقيا من بين الدول الأعلى عالمياً من حيث معدلات القتل. ووفقاً لإحصائيات خدمة شرطة جنوب أفريقيا، شهد العام الماضي ما يزيد على 26 ألف حالة قتل. من بين هذه الحالات، بلغ عدد القتلى داخل مجتمع المزارعين 44 شخصاً، من بينهم ثمانية مزارعين. ولا تتضمن الإحصائيات العامة المتاحة لدينا تصنيفاً لهذه الأرقام بحسب العِرق. وعلى الرغم من ذلك، فهي لا تقدم دليلاً يدعم الادعاءات المتكررة التي أدلى بها ترامب بشأن "إبادة بيض البشرة". وفي شهر فبراير/شباط، رفض قاضٍ من جنوب أفريقيا فكرة حدوث إبادة جماعية، ووصفها بأنها "وهمية على نحو واضح" و"غير واقعية". ويجمع اتحاد الزراعة في ترانسفال، الذي يمثل المزارعين، بيانات تقدم نظرة بشأن الهوية العرقية للضحايا، ويعتمد الاتحاد على تقارير وسائل الإعلام، ومنشورات منصات التواصل الاجتماعي، وتقارير أعضائه. وتشير أرقام الاتحاد للسنة الماضية إلى حدوث 23 حالة قتل لأفراد بيض البشرة خلال هجمات على المزارع، فضلاً عن مقتل 9 من أصحاب البشرة السوداء. وحتى الآن خلال هذا العام، سجّل اتحاد ترانسفال الزراعي مقتل ثلاثة من ذوي البشرة البيضاء، وأربعة من ذوي البشرة السوداء في مزارع جنوب أفريقيا. هل دعا مسؤولون في جنوب أفريقيا إلى العنف ضد مزارعين بيض البشرة؟ Getty Images انفصل يوليوس ماليما عن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في عام 2012، وشكل لاحقاً حزب "مقاتلو الحرية الاقتصادية" عرض ترامب، خلال اللقاء المتوتر، مقاطع من تجمعات سياسية شارك فيها الحضور بأداء أغنية "اقتل البور"، وهو مصطلح في جنوب أفريقيا يشير إلى المزارعين من أصل أوروبي، وهي أغنية مناهضة للفصل العنصري يصفها النقاد بأنها تحث على العنف ضد المزارعين بيض البشرة. وكانت محاكم جنوب أفريقيا قد وصفت هذه الأغنية بأنها دعوة تحض على الكراهية، إلا أن أحكاماً قضائية حديثة قضت بجواز غنائها قانونياً في التجمعات، واعتبر القضاة أنها تعبر عن وجهة نظر سياسية ولا تحرض مباشرة على العنف. وادعى ترامب أن الذين كانوا يقودون الغناء "مسؤولون" و"أفراد يشغلون مناصب حكومية". وكان من بين الذين قادوا التجمع يوليوس ماليما، الذي سبق له قيادة جناح الشباب في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم، وكان قد غادر الحزب في عام 2012 ولم يشغل أي منصب رسمي في الحكومة، ويتزعم حالياً حزب "مقاتلو الحرية الاقتصادية"، الذي حصل على نسبة 9.5 في المئة في انتخابات العام الماضي، ودخل صفوف المعارضة ضد التحالف الحزبي الجديد متعدد الأحزاب. ورداً على اتهامات ترامب، أكد رامافوزا أن حزب "مقاتلو الحرية الاقتصادية" يُعد "حزباً صغيراً لأقلية"، مشيراً إلى أن "سياسة حكومتنا تتعارض تماماً مع التصريحات التي أدلى بها". في الفيديو، سُمع شخص آخر يغني عبارة "أطلق النار على البور" في تجمع آخر. إنه الرئيس السابق جاكوب زوما، الذي انتهت ولايته في 2018، ويعود الفيديو إلى عام 2012 عندما كان يشغل منصب الرئاسة، وكان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي قد تعهد بالتوقف عن أداء هذه الأغنية في وقت لاحق. وقد غادر زوما حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لاحقاً، ويتزعم حالياً حزب "رمح الأمة" المعارض، الذي حصل على ما يزيد على 14 في المئة من الأصوات في انتخابات العام الماضي. ما هي الوثائق التي عرضها ترامب كأدلة؟ Reuters ترامب يعرض مجموعة من المقالات التي تدعي أنها الدليل على قتل مزارعين بيض البشرة عرض ترامب، خلال اللقاء، عدداً من المقالات التي ادعى أنها تقدم دليلاً على قتل مزارعين بيض البشرة في جنوب أفريقيا. وظهرت صورة واضحة أثناء حديث ترامب الذي قال: "انظروا! هنا مواقع دفن منتشرة في كل مكان. هؤلاء جميعهم مزارعون بيض البشرة دُفنوا". وتبين أن الصورة ليست من جنوب أفريقيا، بل هي فعلياً من تقرير عن قتل النساء في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد تحققت خدمة بي بي سي لتقصي الحقائق من الصور، مؤكدة أنها مقتطفة من فيديو لوكالة رويترز للأنباء جرى تصويره في مدينة غوما بجمهورية الكونغو الديمقراطية في فبراير/شباط.

الاتحاد الأوروبي يعلن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا
الاتحاد الأوروبي يعلن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا

الأيام

timeمنذ 4 أيام

  • الأيام

الاتحاد الأوروبي يعلن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا

Getty Images وافق الاتحاد الأوروبي، مساء الثلاثاء، على رفع العقوبات المفروضة على سوريا، التي اعتبرت الخطوة "إنجازاً تاريخياً"، ستعزز الأمن والاستقرار والازدهار. وقالت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في التكتل في تدوينة على موقع إكس: "نريد مساعدة الشعب السوري في بناء سوريا جديدة سلمية تشمل جميع السوريين"، مضيفةً: "الاتحاد الاوروبي وقف دائما بجانب السوريين على مدار السنوات الـ14 الماضية، وسوف يستمر في القيام بذلك". وسارع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى توجيه الشكر للاتحاد الأوروبي. وقال في منشور على منصة إكس: "نحقق مع شعبنا السوري إنجازاً تاريخيا جديداً برفع عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على سوريا. كل الشكر لدول الاتحاد الأوروبي، ولكل من ساهم في هذا الانتصار". تهدف هذه الخطوة إلى مساعدة حكام سوريا في الفترة الانتقالية على إعادة بناء البلاد بعد حرب طويلة. وصرّح مسؤولون بأن هذا الإجراء قد يُعاد فرضه إذا لم يحترم القادة السوريون حقوق الأقليات ويتجهوا نحو الديمقراطية. وأشارت المصادر الى أن سفراء الدول الـ27 الأعضاء في التكتل القارّي توصلوا إلى اتفاق مبدئي بهذا الشأن، ومن المتوقع أن يكشف عنه وزراء خارجيتها رسمياً في وقت لاحق اليوم الثلاثاء. وجاء قرار الاتحاد الأوروبي بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي رفع واشنطن عقوباتها عن سوريا. وتطالب الحكومة السورية بتخفيف العقوبات الدولية المفروضة. وقال دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي إن الاتفاق من شأنه أن يؤدي إلى وضع حد لعزلة البنوك السورية عن النظام العالمي وإنهاء تجميد أصول البنك المركزي. ومن المقرر الإبقاء على إجراءات أخرى تستهدف نظام الأسد وتحظر بيع الأسلحة أو المعدات التي يمكن استخدامها لقمع المدنيين. تأتي هذه الخطوة الأخيرة من الاتحاد الأوروبي بعد خطوة أولى في شباط/فبراير تم فيها تعليق بعض العقوبات على قطاعات اقتصادية سورية رئيسية. وكانت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، قد أعربت يوم الثلاثاء عن أملها في أن يتوصل الوزراء المجتمعون في بروكسل إلى اتفاق بشأن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا. وقالت كالاس للصحفيين قبل الاجتماع: "فيما يتعلق بسوريا، آمل أن نتفق على رفع العقوبات الاقتصادية اليوم"، محذرة من أن أوروبا إما أن تمنح سوريا فرصة الاستقرار أو تخاطر بالوصول إلى وضعٍ مشابهٍ لما حدث في أفغانستان. وقال مسؤولون إن الوزراء يدرسون قراراً سياسياً برفع العقوبات الاقتصادية مع الإبقاء على العقوبات المفروضة على نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، واتخاذ تدابير ضد منتهكي حقوق الإنسان. وأفاد دبلوماسيون بأن السفراء توصلوا إلى اتفاق أوليّ صباح الثلاثاء بشأن الاتفاق السياسي لرفع العقوبات الاقتصادية، مشيرين إلى أن القرار النهائي يعود للوزراء. وقالت كالاس: "من الواضح أننا نريد أن تكون هناك وظائف وسبل عيش للشعب (في سوريا)، حتى تصبح دولة أكثر استقراراً". وقد خفّف الاتحاد الأوروبي بالفعل العقوبات المتعلقة بالطاقة والنقل وإعادة الإعمار، بالإضافة إلى المعاملات المالية المرتبطة بها، إلا أن بعض العواصم جادلت بأن هذه الإجراءات لم تكن كافية لدعم التحول السياسي والتعافي الاقتصادي في سوريا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store