logo
الإحساس والمعنى في البيت الشعري.. هل هما شيئان مختلفان؟

الإحساس والمعنى في البيت الشعري.. هل هما شيئان مختلفان؟

الرياضمنذ 4 ساعات

سألتني إحدى طالباتي هل هناك فرق بين الإحساس والمعنى في الشعر؟ مما دفعني للبحث وكتابة هذا المقال، وأرجو أن أوفق فيه للصواب.
يُعدّ الشعر أحد أرقى أشكال التعبير الإنساني، لا لأنه ينقل معنى فحسب، بل لأنه يحمل إحساسًا ينبض بين حروفه. وهنا يبرز سؤال عميق: هل الإحساس في البيت الشعري غير المعنى؟ الإجابة ببساطة: نعم، يختلف الإحساس عن المعنى، لكنهما يتكاملان.
المعنى هو الرسالة التي يريد الشاعر إيصالها، وقد تكون فكرة، موقفًا، حكمة، أو قصة. أما الإحساس هو العاطفة التي يُحمِّل بها الشاعر هذه الرسالة وهو أيضا الشعور، مثل الشوق، الحنين، الألم، الكبرياء، أو الحماسة. قد يحتوي البيت الشعري على معنى واضح يمكن شرحه بسهولة، ولكن ما يجعله خالدًا في الوجدان هو الإحساس الذي يفيض من كلماته. فالمعنى يخاطب العقل، بينما الإحساس يلمس القلب مباشرة.
ومن أمثلة ذلك:
بيت الحنين والندم
ألا ليت الشبابَ يعودُ يومًا
فأخبرَهُ بما فعلَ المشيبُ
المعنى: أمنية بعودة الشباب لتحذيره من آثار الكبر.
الإحساس: ندم وحسرة عميقة، شعور داخلي بالأسى يفوق الكلمات.
بيت التعلق والعجز:
وقفَ الهوى بي حيث أنتَ فليس
لي متأخّرٌ عنهُ ولا مُتقدّمُ
المعنى: الحب جعلني ثابتًا في مكاني، لا أستطيع المضيّ ولا التراجع.
الإحساس: انكسار، تعلق مؤلم، وشعور بالشلل العاطفي.
بيت الفخر والطموح:
إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ
فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ
المعنى: لا ترضَ بالقليل إذا كنت تطمح للمجد.
الإحساس: حماسة وعزيمة، ونبرة تحفيزية تبعث على الفخر.
بيت الحزن من المعلقات:
وقوفًا بها صحبي عليّ مطيّهمْ
يقولون لا تهلكْ أسىً وتجمّلِ
المعنى: أصحابه يطلبون منه أن يتحمل الفراق ويتماسك.
الإحساس: حزن داخلي عميق، وذكرى أليمة يواجهها وسط محاولة للتجمّل.
مما سبق نستطيع القول: إن المعنى في الشعر هو "ما يُقال" وقد يصل إلى القارئ بسهولة، أما الإحساس فهو ما يُشعر به ويعلق بالروح لصدقه؛ فالشعر المؤثر لا يكتفي بإيصال فكرة، بل يهزّ القارئ من الداخل لأنه يفيض بالعاطفة.
وهنا تظهر براعة الشاعر: أن يضع المعنى في قالب من الإحساس، فيبقى البيت حيًّا في قلوبنا مهما طال الزمان.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نافذة على روح الترجمة وألقها
نافذة على روح الترجمة وألقها

عكاظ

timeمنذ 2 ساعات

  • عكاظ

نافذة على روح الترجمة وألقها

يُشكّل كتاب «حدائق الآخرين: كيف وصل الأدب العالمي طازجاً إلى العربية» للأديب عبدالمحسن يوسف، الصادر عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر عام 2021، دعوة مفتوحة للتأمل في فعل الترجمة، ليس بوصفه مجرد نقل للكلمات، بل كرحلة فكرية وجمالية تضيء دروب التواصل بين الثقافات. إنّ هذا السفر الماتع، الذي يصفه المؤلف بأنه «نزهة متمهلة في كتب جميلة قرأتها»، يتجاوز حدود المراجعات النقدية التقليدية ليغوص في أعماق التجربة القرائية، مقدماً رؤية ثاقبة حول كيفية تلقّي الأدب العالمي في الوعي العربي. يُعدّ عنوان الكتاب بحد ذاته مفتاحاً دالاً على مضمونه؛ فـ«حدائق الآخرين» ُيوحي بالانفتاح على عوالم غنية ومتنوعة، هي عوالم الفكر والإبداع الإنساني، بينما عبارة «كيف وصل الأدب العالمي طازجاً إلى العربية» تُبرز الهاجس الأساسي للمؤلف: استكشاف آليات وصول هذه النصوص إلى المتلقي العربي بحيويتها الأصلية، دون أن يفقدها زمن أو لغة بريقها. هذه الطزاجة ليست مجرد جودة شكلية، بل هي جوهر الروح التي يبحث عنها الكاتب في كل نص مترجم، وهي تتجلّى بوضوح في اختياراته وشواهده. ينطلق المؤلف من فرضية بسيطة لكنها عميقة: القصيدة لا يحتملها إلا من امتلأ بها، والترجمة الحقيقية للشعر لا تتم إلا حين يكون المترجم شاعراً في الأصل، يصغي لما بين السطور، ويكتب بالقلب قبل اللسان. يُقدم عبدالمحسن يوسف، بأسلوبه السلس والعميق، سجلاً لجُلّ ما أثّر في وعيه وذاكرته القرائية. يستعرض الكتاب باقة من الأسماء الأدبية العالمية، من شعراء وكتّاب قصص وروايات، مروراً بأسماء مثل بابلو ميدينا، يوسف برودسكي، شيمبورسكا، ياروسلاف سيفرت، هرمان هيسه، فلورنس أنطوني، وبيسوا، وصولاً إلى كالفينو، تشيخوف، وكبلنغ، وكيم أدونيزيو، وميشائيل كروغر وغيرهم. هذا التنوع في الاختيارات لا يعكس فقط سعة اطلاع المؤلف، بل يُشير أيضاً إلى رؤيته الشمولية للأدب، فهو يرى أن الأدب الحقيقي لا يعرف حدوداً جغرافية أو زمنية، بل هو جسر يربط بين القلوب والعقول عبر العصور. ما يُميّز «حدائق الآخرين» هو غوصه في العلاقة بين المترجِم والنص المترجَم. يطرح المؤلف سؤالاً ضمنياً عن السر وراء وصول نص معين إلى القارئ العربي «طازجاً». الإجابة لا تكمن فقط في براعة المترجم اللغوية، بل في قدرته على استيعاب روح النص وثقافته، وفي إيصال هذه الروح إلى لغة أخرى دون تشويه أو تبديل. إنها عملية لا تنفصل عن الذائقة، الحس الفني، والإحساس العميق بالمسؤولية تجاه العمل الأصلي والقارئ على حد سواء. يُبرز يوسف في دراسته الأدبية هذه، أن الترجمة ليست عملية ميكانيكية، بل هي فعل إبداعي بحد ذاته. المترجم الجيد هو الذي يمتلك القدرة على «إعادة خلق» النص بلغة أخرى، محافظاً على نبرته، إيقاعه، وصورته الشعرية. ولعل هذا ما يفسر اختياراته المتنوعة، التي تُشير إلى أن بعض النصوص قد وجدت طريقها إلى العربية بفضل جهود مترجمين استثنائيين استطاعوا أن يكونوا بمثابة «بستانيين» ماهرين حافظوا على ترف زهور «حدائق الآخرين» في تربة اللغة العربية. شواهد على جمال الاختيار والترجمة يقدم عبدالمحسن يوسف نماذج مختارة بعناية فائقة، تُظهر ليس فقط عمق النصوص الأصلية، بل أيضاً جودة الترجمة التي حافظت على جوهرها وجمالها. لنقف عند بعض هذه الشواهد التي تُضيء ذائقة الكاتب: 1. من عالم «يوسف برودسكي»: يُقدّم المؤلف برودسكي نموذجاً للشاعر العميق الذي تتجاوز كلماته الزمان والمكان. يقول: «يوسف برودسكي، شاعرٌ لا يكتبُ عن الشغف، بل هو الشغف نفسه، يتجلّى في كلماته. إنه يتحدّث عن الحب بطريقةٍ تُفجّر في الروح مواجع الغياب والأمل». هذا الوصف التكثيفي لبرودسكي يُشير إلى عمق الرؤية التي يعتمدها المؤلف في تقديم الأدباء، فلا يكتفي بعرض سيرهم الذاتية، بل يلجأ إلى استكشاف جوهر إبداعهم. اختيار برودسكي يُسلّط الضوء على الشعر الفلسفي الذي يتجاوز المباشرة، ويُحلّق في عوالم التأمل الإنساني العميق. 2. إشراقة «الشاعرة البولندية شيمبورسكا»: يُعرّج الكتاب على الشاعرة البولندية الكبيرة شيمبورسكا، المعروفة بأسلوبها الساخر والحكيم في آن واحد، ويُشير إلى نصٍّ يتسم بالبساطة والعمق: «قد لا يهمّ إن كان ذلك حدث أم لا. المهم أنك قرأته. لقد خُلقتَ». هذا المقطع، الذي ينبض بالبساطة الفلسفية، يُلخّص جوهر الإبداع والتلقّي. يوسف يُقدّم هذه الشاهدة ليؤكد أن القراءة فعلٌ يُعيد خلق القارئ، وأن النصوص المترجمة لا تُقدّم مجرد معلومات، بل تُساهم في بناء الوعي والذات. اختيار شيمبورسكا يُبرز التقدير للغة الشعرية التي تستطيع أن تقول الكثير بالقليل، وتُثير التساؤلات الوجودية بلمسة خفيفة. 3. هرمان هيسه و«إذا ما استمرت الحرب»:يُبرز عبدالمحسن يوسف من أعمال هرمان هيسه، الكاتب الذي يغوص في أعماق النفس البشرية والبحث عن الذات، مقطعاً يحمل دلالات عميقة: «عندما تستمر الحرب، تصبح الأرواح هي الجبهة الحقيقية». هذه الجملة المُكثّفة تُشير إلى قدرة الأدب على كشف الحقائق الإنسانية العميقة، متجاوزاً الأحداث الظاهرية. اختيار هذا الاقتباس من هيسه، المعروف بفلسفته وتأملاته في الحرب والسلام والروح البشرية، يؤكد أن «حدائق الآخرين» ليست مجرد استعراض لنصوص جميلة، بل هي دعوة للتفكير في القضايا الكبرى التي تشغل الإنسان. 4. فلورنس أنطوني و«سوداء كليلةِ البارحة»:يختار المؤلف من «سوداء كليلةِ البارحة» لفلورنس أنطوني ما يُجسّد قوة الصورة الشعرية، وربما ما يحمل في طياته إشارة إلى الواقع المعاش أو تجارب إنسانية عميقة: «كم كانت سوداء كليلةِ البارحة، كجرحٍ مفتوح في الروح». هذه الصورة البلاغية العميقة تُظهر كيف يمكن للكلمة أن تتحول إلى لوحة فنية، وكيف تستطيع الترجمة الجيدة أن تنقل هذا العمق الشعوري. اختيار هذا النص يُبرز اهتمام المؤلف بالشعر الذي يرسم الصور الذهنية ويُلامس المشاعر الدفينة. 5. بيسوا و«لستُ ذا شأن»:من كتابات فرناندو بيسوا، الشاعر البرتغالي الشهير الذي اشتهر بتعدّد الأسماء المستعارة والشخصيات الأدبية، ينتقي يوسف ما يُعبّر عن التيه الوجودي واللامبالاة الظاهرية: «لستُ ذا شأن، إلا في تلك اللحظات التي أنسى فيها أنني كذلك». هذه العبارة، التي تُجسّد الوعي بالذات ونفيها في آن واحد، تُشير إلى عُمق التأمل الفلسفي الذي يقدمه بيسوا. اختيارها من قبل عبدالمحسن يوسف يُبرز إعجابه بالأدب الذي يتناول تعقيدات النفس البشرية وتناقضاتها، ويُلقي الضوء على المترجمين الذين يمتلكون القدرة على نقل هذه الدقائق الفلسفية. 6. كيم أدونيزيو في «خاسران على الناصية»: يُقدم المؤلف من «خاسران على الناصية» لكيم أدونيزيو، نصّاً يُلامس جانباً من الضعف الإنساني أو اليأس، لكن بلمسة أدبية: «كلانا خاسران، لكننا نملك هذا الرصيف، وهذه الأضواء الخافتة». هذا المقطع، الذي يجمع بين المرارة وشيء من التعايش مع الواقع، يُظهر حساسية المؤلف في اختيار النصوص التي تُلامس جوانب مختلفة من التجربة الإنسانية. يُبرز هذا الاختيار أيضاً، كيف يمكن للنص أن يكون مُكثّفاً في معناه، وأن يُشير إلى حالات نفسية واجتماعية عميقة. 7. ميشائيل كروغر، في «خطوات وظلال»:يستعرض يوسف من عمل ميشائيل كروغر، مقطعاً يثير التأمل في أثر الزمن وذكرياته: «الخطوات ترحل، والظلال وحدها تبقى تحكي». هذه الجملة الشعرية، التي تتسم بالعمق الفلسفي، تُشير إلى أن الأثر المادي يزول، بينما تبقى الذاكرة والقصص والأثر المعنوي. اختيار هذا الاقتباس يؤكد ميل الكاتب إلى النصوص التي تتناول الأفكار الوجودية وتُحفّز على التأمل. من خلال هذه «الإضاءات» المتناثرة في فضاءات عديدة، ينجح عبدالمحسن يوسف في تقديم رؤية متكاملة للأدب العالمي المترجم، ليس ككيان غريب، بل كجزء أصيل من تجربتنا الثقافية. يُشجع الكتاب القارئ على إعادة اكتشاف نصوص أدبية معروفة، والتعرف على أخرى ربما لم تحظَ بالاهتمام الكافي، كل ذلك من خلال عدسة ناقد وقارئ شغوف يرى في كل كلمة مترجمة جسراً يربط بين أرواح البشر على اختلاف ألسنتهم وثقافاتهم. في الختام، يُعدّ «حدائق الآخرين» احتفاء بالترجمة بوصفها فعلاً حضارياً، وتأكيداً على أن الأدب، في جوهره، لغة كونية تتجاوز الحواجز وتفتح القلوب على مصراعيها لاستقبال «الآخر» بكل جماله وعمقه. هو عملٌ يُلهم القارئ بأن يغدو هو نفسه «بستانياً» يزرع ويحصُد من حدائق الآخرين، لتبقى شجرة الأدب العالمي مُورِقة ومُثمِرة في حدائق اللغة العربية، بفضل الذائقة الرفيعة للمؤلف والمترجمين الذين جلبوا لنا هذه الجواهر. كاتبة وناقدة لبنانية أخبار ذات صلة

الكتابة هويّة
الكتابة هويّة

عكاظ

timeمنذ 2 ساعات

  • عكاظ

الكتابة هويّة

في زمن تقاس فيه الحياة بعدد النقرات على مفاتيح الأجهزة الذكية، وتختزل فيه الأحلام في المقاطع المصغرة والممنتجة، يلح علينا السؤال الأزلي: لماذا نكتب؟ هل نكتب لنُخلد التاريخ أم لنفرغ ما عبأتنا به الأيام؟ لنعلق على هامش الوجود أفكارنا ومشاعرنا أم لننزع الأقنعة عن وجوهه العابسة والمرهقة؟ الكلمات ليست حروفاً تُسرد، بل دماء تُنزف على مذابح الحقيقة والوهم. فالإنسان يموت، والأزهار تذبل، وأوراق الأشجار تتساقط، والنجوم تنفجر، لكن الكلمات تبقى ما بقي الزمان. منذ ألواح سومر وحتى منصات الرقمنة، بقي الكاتب هو الشاهد والمتمرد، يكتب لأن اللغة لا تنسى، ولأن الورقة لا تخون، ولأن السطر الواحد قد يصير دواءً أو سلاحاً. وحين يرفض العالم أن يصغي تكون الكتابة هي الصرخة في وجه العدم. ألم يقل كافكا: «الكتابة شكل من أشكال العبادة»؟ في عصر التسطيح، وحيث تباع العقول بالجملة، تصير البلاغة مقاومة بثورتها، وعندما تتحول اللغة إلى «ميمات» و«هشتاغات» ينهض الكاتب ليكسر القوالب ويفتت صنمية اللحظة، فجملة واحدة من كلماته ربما تعيد تعريف الجمال، أو تؤثر في مناخ غير عادل... ربما تضيء أملاً أو تنبش جرحاً. هل كان غابرييل غارسيا ماركيز يخترع الواقع السحري أم كان يكشف السحر الكامن في واقعنا المهمل؟ إذ ليس كل كاتب نجماً لامعاً، بعضهم مصباح يضيء زاويةً مظلمةً في قبو العالم، أو شمعة تنصهر على طاولة تلميذ حياة. هم (قبس من النور) الذي يضيء ما انطفأ من الوعي الجمعي. بكلمة واحدة يذكروننا بإنسانيتنا، يذكروننا بأننا بشر... نتنفس، ننزف، نحب، نحلم، ونرتعش. أليست هذه هي الرسالة الأخيرة لفيرجينيا وولف في «الأمواج»: «لا شيء كاملاً، لكن كل شيء عميق»؟ إلى كل قارئ أقول: عليك أن تجد الكاتب الذي يشعل النار في عقلك، لا الذي يعبئه بالغبار. وتذكروا أن التاريخ لا يحفظ أسماء الذين رفضوا «كانط» أو أحرقوا «نيرودا»، بل يذكر أولئك الذين منحوا للكلمة أجنحة. الكتابة ليست مهنة، بل هوية. فهل نجرؤ على أن نكون من أهلها ونتحمل مسؤوليتنا نحوها؟ أخبار ذات صلة

الذكاء الاصطناعي و«الدراماتوج» القادم
الذكاء الاصطناعي و«الدراماتوج» القادم

عكاظ

timeمنذ 2 ساعات

  • عكاظ

الذكاء الاصطناعي و«الدراماتوج» القادم

يشهد المسرح، كأحد أقدم أشكال التعبير الإنساني، تحولات غير مسبوقة مع دخول الذكاء الاصطناعي إلى ساحته. فقد أصبح من الممكن اليوم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ليس فقط في دعم الإنتاج المسرحي تقنياً، بل أيضاً في صياغة النصوص، وتحليل أداء الممثلين، بل حتى في أداء الأدوار ذاتها عبر روبوتات أو تمثيل افتراضي أو صناعة مشهديات جمالية وتصميم صورها وأشكالها ومؤثرها الصوتي والضوئي إن أحد أخطر هذه التأثيرات يتمثل في قدرة الذكاء الاصطناعي على توليد نصوص مسرحية بأساليب أدبية متنوعة، تحاكي أنماط كتّاب كبار أو تبتكر أنماطاً جديدة كلياً، ما يفتح آفاقاً إبداعية غير مألوفة. وهو ما يهدد مهنة الكاتب بالزوال قريباً وحلول الدراماتوج الاصطناعي كبديل للمساحة القادمة من النصوص المسرحية الذكية التي تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل طرق وأساليب الكتابة والكاتب وما تم تخزينه في هذه البرمجيات من حالات كتابيه تتبع الحالة المطلوبة في الفكرة وطرق التنفيذ الكتابة والحوارات عبر تقنيات التعرف على الفعل المسرحي مما يسمح بتعديل النصوص لتناسب ذوق المتلقي وتكوينه ومكان العرض وفعل العرض ومدرسة الكتابة وأنماطها. وكما ساهم الذكاء الاصطناعي في الجانب التقني وفي إعداد ملفات العرض وفي تصميم الإخراج، وتحسين إدارة الإضاءة، وعمل الصوت المناسب لعمق اللحظة، والمؤثرات البصرية، وكل ذلك أتاح إمكانات جمالية لم تكن ممكنة من قبل، ونتج عن ذلك مسارح تجريبية يستخدم فيها الذكاء الاصطناعي كممثل رقمي يتفاعل مع الممثلين البشر وصور عرض مذهلة في تكوينها، ونصوص تطرح تساؤلات فلسفية حول طبيعة الكتابة الذهنية والهوية الفنية. إن وصول هذا الذكاء الاصطناعي للكاتب ولفكره وإبداعه جعل الأمور تبدو في غاية الارباك لن يعود هناك كاتب، سيختفي إبداعه وسيكون البديل حالة صناعية يتم فيها توليد النصوص ومحاكاة ما سبق كتابته كونيّاً لتقديم موضوعات محدثة بلغات ولهجات مبرمجة مسبقاً وخلق فرص أن يصبح الأمر متداخلاً جدّاً بين الكائن والممكن، بين المبدع الحقيقي والمبدع الصناعي ورغم هذه الفرص التي قد تتوفر لكتابة سريعة لنصوص عابرة تنسب لغير الذكاء وتسحل بأسماء كتاب مزورين فإن ما يثير فعلاً مخاوف المشتغلين بالمسرح ما يتعلق بفقدان الحس الإنساني في كتابة النص المسرحي وتحول المبدع إلى مُشغّل تقني ودراماتوج يلاحق نصّاً ليس له ما قد يُضعف الروح في النص الذي وأن كان توليده حاليّاً أقل جودة وتمكناً من المنتج الحقيقي، إلا أننا يجب أن نتوقع القادم الملتهم لكل صور الإبداع الإنساني وتحوله لحالة من الصناعة يصبح معها المبدع مجرد دراماتوج ينظم ويرتب ويجمع ويفرق ويعيد ترتيب وتكوين وتجهيز النص بشكل يجعله هو نفسه ترس آلي في مكنة هذا الذكاء. لقطة الختام: قد يشكل الذكاء الاصطناعي أداة قوية يمكن أن تعزز الإبداع المسرحي في مختلف مجالاته، لكنه يتطلب وعياً نقديّاً لضمان بقائه خادماً للمبدع وإبداعه لا بديلاً عنه. أخبار ذات صلة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store