logo
الكتابة هويّة

الكتابة هويّة

عكاظمنذ 6 ساعات

في زمن تقاس فيه الحياة بعدد النقرات على مفاتيح الأجهزة الذكية، وتختزل فيه الأحلام في المقاطع المصغرة والممنتجة، يلح علينا السؤال الأزلي: لماذا نكتب؟ هل نكتب لنُخلد التاريخ أم لنفرغ ما عبأتنا به الأيام؟ لنعلق على هامش الوجود أفكارنا ومشاعرنا أم لننزع الأقنعة عن وجوهه العابسة والمرهقة؟
الكلمات ليست حروفاً تُسرد، بل دماء تُنزف على مذابح الحقيقة والوهم.
فالإنسان يموت، والأزهار تذبل، وأوراق الأشجار تتساقط، والنجوم تنفجر، لكن الكلمات تبقى ما بقي الزمان.
منذ ألواح سومر وحتى منصات الرقمنة، بقي الكاتب هو الشاهد والمتمرد، يكتب لأن اللغة لا تنسى، ولأن الورقة لا تخون، ولأن السطر الواحد قد يصير دواءً أو سلاحاً. وحين يرفض العالم أن يصغي تكون الكتابة هي الصرخة في وجه العدم.
ألم يقل كافكا: «الكتابة شكل من أشكال العبادة»؟
في عصر التسطيح، وحيث تباع العقول بالجملة، تصير البلاغة مقاومة بثورتها، وعندما تتحول اللغة إلى «ميمات» و«هشتاغات» ينهض الكاتب ليكسر القوالب ويفتت صنمية اللحظة، فجملة واحدة من كلماته ربما تعيد تعريف الجمال، أو تؤثر في مناخ غير عادل... ربما تضيء أملاً أو تنبش جرحاً.
هل كان غابرييل غارسيا ماركيز يخترع الواقع السحري أم كان يكشف السحر الكامن في واقعنا المهمل؟ إذ ليس كل كاتب نجماً لامعاً، بعضهم مصباح يضيء زاويةً مظلمةً في قبو العالم، أو شمعة تنصهر على طاولة تلميذ حياة. هم (قبس من النور) الذي يضيء ما انطفأ من الوعي الجمعي. بكلمة واحدة يذكروننا بإنسانيتنا، يذكروننا بأننا بشر... نتنفس، ننزف، نحب، نحلم، ونرتعش. أليست هذه هي الرسالة الأخيرة لفيرجينيا وولف في «الأمواج»: «لا شيء كاملاً، لكن كل شيء عميق»؟
إلى كل قارئ أقول: عليك أن تجد الكاتب الذي يشعل النار في عقلك، لا الذي يعبئه بالغبار.
وتذكروا أن التاريخ لا يحفظ أسماء الذين رفضوا «كانط» أو أحرقوا «نيرودا»، بل يذكر أولئك الذين منحوا للكلمة أجنحة.
الكتابة ليست مهنة، بل هوية.
فهل نجرؤ على أن نكون من أهلها ونتحمل مسؤوليتنا نحوها؟
أخبار ذات صلة

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

4 طرق لتنسيق الوشاح الأكسسوار الأبرز لصيف 2025.. أي تنسيق يعجبكِ أكثر؟!
4 طرق لتنسيق الوشاح الأكسسوار الأبرز لصيف 2025.. أي تنسيق يعجبكِ أكثر؟!

مجلة هي

timeمنذ ساعة واحدة

  • مجلة هي

4 طرق لتنسيق الوشاح الأكسسوار الأبرز لصيف 2025.. أي تنسيق يعجبكِ أكثر؟!

من أبرز الأكسسوارات الرائجة لهذا الموسم، أكسسوار الوشاح المميّز. طبعاً الوشاح من الأكسسوارات المميّزة، وإضافته في أي إطلالة، تزيدها جمالاً وأناقة. اليوم في هذا النص، سوف نتعرف سوياً على أبرز الطرق التي يمكنك إعتمادها في تنسيق الوشاح لهذا الصيف. من أكثر الطرق الشائعة، تنسيق الوشاح عند العنق، ولكن بعد إستعراض إطلالات مختلفة لهذا الموسم، لفت إنتباهنا تنسيقه بأساليب أخرى مختلفة ومميّزة، سنستعرضها سوياً اليوم في هذا النص. إختاري الوشاح لهذا الموسم، وإعتمديه بأساليب مختلفة، في إطلالاتك الصيفية اليومية، للوك لافت مميّز، وعصري، مستوحية من الصور المرفقة في هذا النص، والمرصودة من أهم وأبرز دور الأزياء العالمية، ومن إطلالات Street style. قومي معنا بهذه الجولة السريعة، ولكِ أن تستوحي من التنسيقات المرفقة، إطلالات صيفية مميّزة، غير روتينية أو مملة. تنسيق الوشاح عند العنق من أكثر التنسيقات إعتماداً، تنسيق الوشاح عند العنق. هذا التنسيق المميّز، فعلاً إضافة لأي إطلالة، يمنحك لوك لافت مميّز، وعلى الموضة. كما يمكننا القول، أن هذا التنيق يزيد من أناقة الإطلالة وأنوثتها، مهما كانت بسيطة، وناعمة. من الفضل إختيار خامة صيفية، منعشة، مثل الساتان والحرير، لأنها تناسب أكثر الموسم الصيفي الحار. هنا نستعرض إطلالة مميّزة من Schiaparelli، نُسق فيها وشاح حول العنق، متعدد الألوان، مع إطلالة صيفية باللّون الأخضر الفاتح. هذه الإضافة البسيطة، فعلاً جعلت الإطلالة مختلفة، مميّزة، وشيك. إطلالة من Schiaparelli تنسيق الوشاح عند الخصر من التنسيقات المميّزة لأكسسوار الوشاح، إعتماده على الخصر، وكأنه حزام عريض أو رفيع. يمكنك التحكم بشكل الوشاح، ووضعه على الخصر لتحديده أكثر، لإقفال البلايزر، أو مثلاً إعتماده مع الفساتين الواسعة من عند الخصر. هذا التنسيق، عصري، لافت، وعلى الموضة، يمنحك لوك ستايلش، مختلف وفريد. هنا نستعرض إطلالة من Street style، نُسق فيها بلايزر باللّون البيج، مع واشح من عند الخصر، إعتمد بمثابة حزام، لتصبح البلايز مقفلة ومحدد عند منطقة الخصر. هذه الإضافة جعلت الإطلالة حيوية أكثر، مختلفة وشيك. إطلالة من Street style تنسيق الوشاح على الشعر من التنسيقات البارزة للوشاح لهذا الموسم من صيف 2025، إعتماده على الشعر، كأكسسوار صيفي مميّز وعصري. يمكنك ربط الشعر ولفه بالوشاح، أو يمكنك وضعه على مقدمة الشعر وكأنه قبعة رأس، أو يمكنك أيضاً إعتماده بأسلوب الحجاب الستايلش، كالصورة أدناه. في هذه الصورة، إطلالة مميّزة من Weinsanto، نُسق فيها وشاح لافت بقماش الحرير، متعدد الألوان، مع فستان من نفس النمط. إطلالة شيك، أنيقة، فيها الكثير من الغلامور. هذا التنسيق المميّز، يناسب أكثر السيدات الجريئات، والباحثات عن الإطلالات المميّزة، والشيك. إطلالة من Weinsanto تنسيق الوشاح على الحقيبة يعتبر هذا التنسيق شائعاً اليوم كثيراً، إعتماد الوشاح على الحقيبة، خيار مميّز لافت وعلى الموضة. هنا نستعرض في هذه الصورة من Street style، وشاح باللّون الكحلي، نُسق على حقيبة باللّون الأسود. تنسيق لافت، يمكنك الإستيحاء منه وإعتماده بأسلوب مختلفة، حيث تكون الخيارات متنوعة ومختلفة أيضاً. الجدير بالذكر، أن أكسسوارات الحقيبة لهذا الموسم، رائجة جداً، لذا خيار إعتماد الوشاح عليها، من الخيارات التي تعتبر فعلاً، أنيقة، شيك، وعلى الموضة. إختاري الألوان الصيفية، ونسقيها بأسلوب منعش على قبضة يد الحقيبة، أو بشكلٍ جزئي على جانبها. إطلالة من Street style

أحمد القيسي: المجحف بحق «الهايكو» يسيء إلى نفسه.. وأعيش صراعاً يرسم ملامح نصوصي
أحمد القيسي: المجحف بحق «الهايكو» يسيء إلى نفسه.. وأعيش صراعاً يرسم ملامح نصوصي

عكاظ

timeمنذ 3 ساعات

  • عكاظ

أحمد القيسي: المجحف بحق «الهايكو» يسيء إلى نفسه.. وأعيش صراعاً يرسم ملامح نصوصي

في نصّ الشاعر الدكتور أحمد بن يحيى القيسي، ما في شخصه من محبة وعطاء ووشائج تواصل، ولفت انتباه إلى ما وراء صورة الأشياء، وهو شاعر تحوّلات بوعي، رغم احتفاظه بجذوره الأولى، غير وجل من المُدن التي لم تنزع عنه رداء براءته الأولى؛ ومن يقف على إجاباته في هذا الحوار سيُدرك أن الصدق نبع التجربة الذي لا ينضب، والأدب شعور إنساني وتهذيب ذاتي، قبل أن يكون حبراً على ورق. فإلى نصّ الحوار؛ • ما هي نواة تجربتك الشعرية؟ •• الذات في تعاطيها اليومي مع الأشياء والمواقف واللحظات العابرة، ومع الما ورائيات، وأسئلة الوجود. وما إلى ذلك. أعيش صراعاً داخلياً مع الذات، وهو الذي يرسم ملامح القصيدة التي أكتبها، فالأنا حاضرة في كل نص، ولم أتمكن من الفكاك منها، ربما يراها بعض النقاد مأخذاً، وأراها سمة، وقد تجلت أكثر ما تجلت في مجموعتي «لستُ هنا.. هل رآني أحد؟»، وهي المجموعة التي تجسدت فيها ملامح ذلك الصراع الذي أشرت إليه، حتى مع فكرة (الموت) التي لم أعثر على صورة لها غير الغياب، وإن تنوعت أسبابه. • ماذا عن مغذيات الذائقة المبدئية؟ •• لا بد أن يكون التراث هو المغذي الأول للذائقة، وهو تسلسل طبيعي للتكوين الثقافي، ولا أظن أن أديباً لم تتفتح عيناه على نصوص التراث شعراً ونثراً، أذكر حتى هذه اللحظة شغفي بنصوص ألف ليلة وليلة وأنا في المرحلة الثانوية، وهذا الكتاب حببني في القراءة، وقادني بعد ذلك للغوص في كثير من المصنفات الكبرى. من الشعراء الذين قرأت لهم في البدايات، وكنتُ أرى في تجربتهم امتداداً طبيعياً للشعر القديم شوقي وحافظ والبارودي. • بمن تأثرت شعريّاً في البدايات؟ •• لا أنكر أن نزار قباني هو الاسم الألمع لكثير من شعراء جيلي في البدايات، ربما كان السبب قصائده التي توهجت بأصوات أشهر المغنين العرب. لكن التأثير الجوهري تشكّل مع مجموعة من الشعراء من أمثال محمود درويش وسميح القاسم ومحمد الماغوط، وأمل دنقل، وغيرهم، وهم من مرحلة واحدة. هذه الأسماء لها تأثير بَيّن في معظم التجارب الشعرية العربية التي جاءت بعدهم. • هل كانت القصيدة العمودية ميدانك الأول؟ •• يُحمد لتجربتي أنها لم تكن محدودة، ولم تتوقف عند شكل شعري معين، ففي البداية حاكيت النموذج العربي الأول في الشعر، وهو القصيدة العمودية. لكن لم أكن متعصباً له، فقد كنت أقرأ قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وأبحث عن أرقى نماذجها، وهذا البحث مكنني من العبور إلى أشكال الشعر الأخرى، وغايتي الإبداع. وهو الأهم من وجهة نظري، فالشكل مجرد آنية، والتعصب يجعل المبدع يدور في حلقتي المحاكاة والنظم القاتلتين للإبداع. • متى انتبهت للخط الفاصل بين الشعر والنُظم؟ •• لا يمكن أن أجزم بلحظة اكتشاف معينة، فالأمر أشبه ما يكون بالمعرفة التي تتراكم وتتنامى مع الوقت، والجميل في الأمر أن نكتشف بين حين وآخر أن ذائقتنا تتقدم وترفض نصوصاً كانت تحتفي بها في السابق، لا أنسى أنني في يوم من الأيام كنت مولعاً ببعض القصائد، واليوم عندما أستعيدها أستغرب من إعجابي السابق بها. بحثنا المستمر عن نماذج أعلى هو الذي يجعلنا ندرك أن الشعر ليس مجرد وزن وقافية، أو زخارف بلاغية، أو معرفة بالنحو. فهذه بدهيات لدى الشاعر. • كيف بدأت التحولات نحو التفعيلة ومن كان حادي التحولات؟ •• معظم قصائد التفعيلة التي تمر بنا ليست بعيدة عن النموذج الخليلي، سوى أنها أخلّت بالترتيب العددي المعروف للبحر الشعري، وكثير من شعراء الشطر يكتبونها، أو لهم محاولات فيها على الأقل، ولكن بعض النماذج كانت محفزة على محاكاتها، لأنها مغايرة للنموذج السابق، ليس على مستوى الشكل فحسب، بل وعلى مستوى المضامين، وأساليب التعبير، والجملة الشعرية، والصورة، وغير ذلك، خذ على سبيل المثال الشاعر أمل دنقل؛ الذي أعتبره شخصياً المُجدِّد الحقيقي للقصيدة الحديثة. أما تجربتي الشخصية في قصيدة التفعيلة فقد بدأت بقصيدة (وتسألني)، ولم تكن كل أسطرها تفعيلة، إذ كان جزؤها الثاني عمودياً، وقد كتبتها سنة ٢٠٠٨م. • لماذا كان خيارك الثالث قصيدة النثر؟ لم أعارض أو أعترض يوماً على شكل شعري، لإيماني العميق أن الإبداع لا يتوقف عند حدود شكل معين كما تزعم بعض الأصوات، فقصيدة النثر ليست مهرباً من الإيقاع الخارجي، أو عجزاً عنه، فهي نمط شعري مختلف لغة ومضموناً عن بقية الأشكال، لذلك صمدت، ثم هيمنت على المشهد الثقافي، وسلكت طريقها إلى مبدعيها ومتذوقيها. وأنا أميل إليها أكثر من بقية الأنواع الشعرية، أجد في لغتها وفي تعاطيها مع الأفكار فتنة وسحراً يجذباني لقراءتها، وكذلك لكتابتها. • كيف ترى حضور قصيدة الهايكو عربياً ومحليّاً؟ •• أظن أن قصيدة الهايكو في الأعوام الثلاثة الأخيرة بدأت تثبت حضورها في المشهد، لا أقول إن حضورها يوازي حضور التفعيلة والنثر والخليلية، ولكنه شهد قفزات، لأن المتلقي بدأ يجد النماذج الحقيقية والإبداعية لهذا النص الذي كان يقدمه أكثر ما يقدمه الجاهلون به. في العالم العربي مبدعون تستحق تجاربهم أن يسلط الضوء عليها، ولكنهم بعيدون عن الأضواء، لذلك كان همي في بداية هذا المشروع التعريف بتلك الأسماء التي فاجأت نصوصهم القراء بما تحمله من دهشة. حضور قصيدة الهايكو يتزايد يوماً بعد يوم، ويكفي أن يكون وجود هذا المصطلح مألوفاً في مختلف وسائل الإعلام، فهذا بحد ذاته نقلة نوعية. • بماذا ترد على من يصف قصيدة الهايكو بقصيدة محاكاة لا جذور لها؟ •• قصور الرؤية لدى بعض المهتمين بالأدب يحرضهم على مهاجمة كل جديد قبل أن يُمنح مساحة كي يثبت فيها حضوره أو يتلاشى. والدافع لهذا الهجوم غالباً ما يكون غيرة على الأصالة. قصيدة الهايكو عالمية، أثبتت حضورها في معظم الآداب، وكتبت بمختلف اللغات، وأعتقد أن الغيرة الحقيقية تجعلنا نضم هذا الفن إلى أدبنا لا أن نحاربه من أجل إلغائه، لكي نثبت للعالم أن لغتنا حية، وأن أدبنا منفتح على الآداب العالمية. الأصالة لا تعني الانغلاق، ولو تمسكنا بهذه الرؤية القاصرة لأصبحنا بلا أدب، فأكثر الأجناس التي نكتبها الآن وافدة، ولم يتبق لنا من أدبنا الأصيل سوى القصيدة العمودية. • هل أجحف نقاد وشعراء بحق قصيدة النثر والهايكو؟ •• بالتأكيد، ولكنهم بهذا الإجحاف يسيئون إلى أنفسهم، ما رأيك مثلاً فيمن تنبأ بالعمر القصير لقصيدة النثر، ألم يثبت الوقت خللاً في نظرته لهذا النوع الذي أصبح الأكثر حضوراً في المشهد، حتى على مستوى المنابر والمسابقات. قصيدة الهايكو تشق طريقها الآن، ولها أنديتها، وكتبها، ومجلاتها، ومساحاتها، وفعالياتها، ولن يعيق طريقها في المشهد الأدبي شيء. • ما رأيك بمن يقتحم كل فنّ جديد بدون أدواته الخاصة؟ •• ليست المعرفة بالأدوات فحسب هي التي تجعلنا نقتحم الفن الجديد، بل يجب أن نسأل أنفسنا عما سنقدمه في هذا الفن، ما الإبداع المنتظر؟ فإما أن تقدم ما يشار إليه، وإلا فالأمر سيكون مغامرة باسمك، وستكون عاقبته وخيمة على المبدع. أما المجازفة الأكبر فهي الولوج إلى عوالم فن دون معرفة به. • ألا تخشى من الطارئين على الهايكو؟ •• في هذا الوقت لا، لأن المتصدين لهم كثر، ولست وحدي، والخطر الأكبر على الهايكو زال، فالمشوهون لهذا النص هم أول من قدمه، ثم بعد ذلك جاءت بعض الأندية لتصحح الأخطاء التي ارتكبها السابقون بجهلهم أو بتساهلهم. الهايكو أصبح واضحاً للكثير الآن، وما زال المجتهدون في مضماره يعملون على تقديمه بأنصع صورة. • إلى أين ستذهب القصيدة مستقبلاً، وهل تتوقع صوراً وأجناساً جديدة في ظل حضور الرقمنة؟ •• القصيدة باقية ما بقي الإنسان، فالشعر إكسير العيش، ولا يمكن أن أتخيل مجتمعاً في عصر من العصور بلا شعر. أما ظهور أجناس شعرية جديدة فهذا محتمل، أو على أقل تقدير تغيّر في أسلوب القصيدة، وفي لغتها، فما نكتبه الآن لن يكون ملائما لطبيعة الناس والحياة بعد 100 أو 200 عام من الآن، ولن يتداوله المهتمون إلا بصفته تراثاً. • بين الشعري والنقدي بأيهما ترجح كفة يومياتك؟ •• الشعر أقرب ما يكون إلي، حتى في قراءاتي، أقرأ أكثر ما أقرأ بصفتي متذوقاً لا ناقداً، فالنقد يقتل متعة النص. لذلك أؤجله كثيراً أمام دهشة النصوص التي تقع ما بين يدي. • لمن تقول شكراً من الشعراء والنقاد؟ •• لكل من كان وفيًّاً لتجربته، دون تحديد اسم، وما أكثرهم يا صديقي، ولا نختلف على الأوفياء فهم أشهر من أن نشير إليهم بأسمائهم. • هل من شعراء يفوتهم القطار في كل مرحلة؟ •• نعم، وحتى في هذه المرحلة، ولأسباب كثيرة، بعضهم لا يطور أدواته الشعرية، فيظل يكرر نفسه حتى ينفر منه القارئ، وبعضهم يعجز عن تقديم نفسه بصورة تليق بإبداعه، وغير ذلك من الأسباب. كتب التراث لم تحتفظ بما كتبه جميع الشعراء في العصور الماضية، فبعضهم فُقِدت نصوصه، ولم يصل منها إلا القليل، وقد يتبين لك السبب إن وصلتَ إلى أخبارهم. وفي هذه المرحلة لم يختلف الأمر، فما أكثر المغمورين الذين لم يقدموا أنفسهم، أو لم يعملوا على نصهم ليخرج منافساً. أخبار ذات صلة

نافذة على روح الترجمة وألقها
نافذة على روح الترجمة وألقها

عكاظ

timeمنذ 6 ساعات

  • عكاظ

نافذة على روح الترجمة وألقها

يُشكّل كتاب «حدائق الآخرين: كيف وصل الأدب العالمي طازجاً إلى العربية» للأديب عبدالمحسن يوسف، الصادر عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر عام 2021، دعوة مفتوحة للتأمل في فعل الترجمة، ليس بوصفه مجرد نقل للكلمات، بل كرحلة فكرية وجمالية تضيء دروب التواصل بين الثقافات. إنّ هذا السفر الماتع، الذي يصفه المؤلف بأنه «نزهة متمهلة في كتب جميلة قرأتها»، يتجاوز حدود المراجعات النقدية التقليدية ليغوص في أعماق التجربة القرائية، مقدماً رؤية ثاقبة حول كيفية تلقّي الأدب العالمي في الوعي العربي. يُعدّ عنوان الكتاب بحد ذاته مفتاحاً دالاً على مضمونه؛ فـ«حدائق الآخرين» ُيوحي بالانفتاح على عوالم غنية ومتنوعة، هي عوالم الفكر والإبداع الإنساني، بينما عبارة «كيف وصل الأدب العالمي طازجاً إلى العربية» تُبرز الهاجس الأساسي للمؤلف: استكشاف آليات وصول هذه النصوص إلى المتلقي العربي بحيويتها الأصلية، دون أن يفقدها زمن أو لغة بريقها. هذه الطزاجة ليست مجرد جودة شكلية، بل هي جوهر الروح التي يبحث عنها الكاتب في كل نص مترجم، وهي تتجلّى بوضوح في اختياراته وشواهده. ينطلق المؤلف من فرضية بسيطة لكنها عميقة: القصيدة لا يحتملها إلا من امتلأ بها، والترجمة الحقيقية للشعر لا تتم إلا حين يكون المترجم شاعراً في الأصل، يصغي لما بين السطور، ويكتب بالقلب قبل اللسان. يُقدم عبدالمحسن يوسف، بأسلوبه السلس والعميق، سجلاً لجُلّ ما أثّر في وعيه وذاكرته القرائية. يستعرض الكتاب باقة من الأسماء الأدبية العالمية، من شعراء وكتّاب قصص وروايات، مروراً بأسماء مثل بابلو ميدينا، يوسف برودسكي، شيمبورسكا، ياروسلاف سيفرت، هرمان هيسه، فلورنس أنطوني، وبيسوا، وصولاً إلى كالفينو، تشيخوف، وكبلنغ، وكيم أدونيزيو، وميشائيل كروغر وغيرهم. هذا التنوع في الاختيارات لا يعكس فقط سعة اطلاع المؤلف، بل يُشير أيضاً إلى رؤيته الشمولية للأدب، فهو يرى أن الأدب الحقيقي لا يعرف حدوداً جغرافية أو زمنية، بل هو جسر يربط بين القلوب والعقول عبر العصور. ما يُميّز «حدائق الآخرين» هو غوصه في العلاقة بين المترجِم والنص المترجَم. يطرح المؤلف سؤالاً ضمنياً عن السر وراء وصول نص معين إلى القارئ العربي «طازجاً». الإجابة لا تكمن فقط في براعة المترجم اللغوية، بل في قدرته على استيعاب روح النص وثقافته، وفي إيصال هذه الروح إلى لغة أخرى دون تشويه أو تبديل. إنها عملية لا تنفصل عن الذائقة، الحس الفني، والإحساس العميق بالمسؤولية تجاه العمل الأصلي والقارئ على حد سواء. يُبرز يوسف في دراسته الأدبية هذه، أن الترجمة ليست عملية ميكانيكية، بل هي فعل إبداعي بحد ذاته. المترجم الجيد هو الذي يمتلك القدرة على «إعادة خلق» النص بلغة أخرى، محافظاً على نبرته، إيقاعه، وصورته الشعرية. ولعل هذا ما يفسر اختياراته المتنوعة، التي تُشير إلى أن بعض النصوص قد وجدت طريقها إلى العربية بفضل جهود مترجمين استثنائيين استطاعوا أن يكونوا بمثابة «بستانيين» ماهرين حافظوا على ترف زهور «حدائق الآخرين» في تربة اللغة العربية. شواهد على جمال الاختيار والترجمة يقدم عبدالمحسن يوسف نماذج مختارة بعناية فائقة، تُظهر ليس فقط عمق النصوص الأصلية، بل أيضاً جودة الترجمة التي حافظت على جوهرها وجمالها. لنقف عند بعض هذه الشواهد التي تُضيء ذائقة الكاتب: 1. من عالم «يوسف برودسكي»: يُقدّم المؤلف برودسكي نموذجاً للشاعر العميق الذي تتجاوز كلماته الزمان والمكان. يقول: «يوسف برودسكي، شاعرٌ لا يكتبُ عن الشغف، بل هو الشغف نفسه، يتجلّى في كلماته. إنه يتحدّث عن الحب بطريقةٍ تُفجّر في الروح مواجع الغياب والأمل». هذا الوصف التكثيفي لبرودسكي يُشير إلى عمق الرؤية التي يعتمدها المؤلف في تقديم الأدباء، فلا يكتفي بعرض سيرهم الذاتية، بل يلجأ إلى استكشاف جوهر إبداعهم. اختيار برودسكي يُسلّط الضوء على الشعر الفلسفي الذي يتجاوز المباشرة، ويُحلّق في عوالم التأمل الإنساني العميق. 2. إشراقة «الشاعرة البولندية شيمبورسكا»: يُعرّج الكتاب على الشاعرة البولندية الكبيرة شيمبورسكا، المعروفة بأسلوبها الساخر والحكيم في آن واحد، ويُشير إلى نصٍّ يتسم بالبساطة والعمق: «قد لا يهمّ إن كان ذلك حدث أم لا. المهم أنك قرأته. لقد خُلقتَ». هذا المقطع، الذي ينبض بالبساطة الفلسفية، يُلخّص جوهر الإبداع والتلقّي. يوسف يُقدّم هذه الشاهدة ليؤكد أن القراءة فعلٌ يُعيد خلق القارئ، وأن النصوص المترجمة لا تُقدّم مجرد معلومات، بل تُساهم في بناء الوعي والذات. اختيار شيمبورسكا يُبرز التقدير للغة الشعرية التي تستطيع أن تقول الكثير بالقليل، وتُثير التساؤلات الوجودية بلمسة خفيفة. 3. هرمان هيسه و«إذا ما استمرت الحرب»:يُبرز عبدالمحسن يوسف من أعمال هرمان هيسه، الكاتب الذي يغوص في أعماق النفس البشرية والبحث عن الذات، مقطعاً يحمل دلالات عميقة: «عندما تستمر الحرب، تصبح الأرواح هي الجبهة الحقيقية». هذه الجملة المُكثّفة تُشير إلى قدرة الأدب على كشف الحقائق الإنسانية العميقة، متجاوزاً الأحداث الظاهرية. اختيار هذا الاقتباس من هيسه، المعروف بفلسفته وتأملاته في الحرب والسلام والروح البشرية، يؤكد أن «حدائق الآخرين» ليست مجرد استعراض لنصوص جميلة، بل هي دعوة للتفكير في القضايا الكبرى التي تشغل الإنسان. 4. فلورنس أنطوني و«سوداء كليلةِ البارحة»:يختار المؤلف من «سوداء كليلةِ البارحة» لفلورنس أنطوني ما يُجسّد قوة الصورة الشعرية، وربما ما يحمل في طياته إشارة إلى الواقع المعاش أو تجارب إنسانية عميقة: «كم كانت سوداء كليلةِ البارحة، كجرحٍ مفتوح في الروح». هذه الصورة البلاغية العميقة تُظهر كيف يمكن للكلمة أن تتحول إلى لوحة فنية، وكيف تستطيع الترجمة الجيدة أن تنقل هذا العمق الشعوري. اختيار هذا النص يُبرز اهتمام المؤلف بالشعر الذي يرسم الصور الذهنية ويُلامس المشاعر الدفينة. 5. بيسوا و«لستُ ذا شأن»:من كتابات فرناندو بيسوا، الشاعر البرتغالي الشهير الذي اشتهر بتعدّد الأسماء المستعارة والشخصيات الأدبية، ينتقي يوسف ما يُعبّر عن التيه الوجودي واللامبالاة الظاهرية: «لستُ ذا شأن، إلا في تلك اللحظات التي أنسى فيها أنني كذلك». هذه العبارة، التي تُجسّد الوعي بالذات ونفيها في آن واحد، تُشير إلى عُمق التأمل الفلسفي الذي يقدمه بيسوا. اختيارها من قبل عبدالمحسن يوسف يُبرز إعجابه بالأدب الذي يتناول تعقيدات النفس البشرية وتناقضاتها، ويُلقي الضوء على المترجمين الذين يمتلكون القدرة على نقل هذه الدقائق الفلسفية. 6. كيم أدونيزيو في «خاسران على الناصية»: يُقدم المؤلف من «خاسران على الناصية» لكيم أدونيزيو، نصّاً يُلامس جانباً من الضعف الإنساني أو اليأس، لكن بلمسة أدبية: «كلانا خاسران، لكننا نملك هذا الرصيف، وهذه الأضواء الخافتة». هذا المقطع، الذي يجمع بين المرارة وشيء من التعايش مع الواقع، يُظهر حساسية المؤلف في اختيار النصوص التي تُلامس جوانب مختلفة من التجربة الإنسانية. يُبرز هذا الاختيار أيضاً، كيف يمكن للنص أن يكون مُكثّفاً في معناه، وأن يُشير إلى حالات نفسية واجتماعية عميقة. 7. ميشائيل كروغر، في «خطوات وظلال»:يستعرض يوسف من عمل ميشائيل كروغر، مقطعاً يثير التأمل في أثر الزمن وذكرياته: «الخطوات ترحل، والظلال وحدها تبقى تحكي». هذه الجملة الشعرية، التي تتسم بالعمق الفلسفي، تُشير إلى أن الأثر المادي يزول، بينما تبقى الذاكرة والقصص والأثر المعنوي. اختيار هذا الاقتباس يؤكد ميل الكاتب إلى النصوص التي تتناول الأفكار الوجودية وتُحفّز على التأمل. من خلال هذه «الإضاءات» المتناثرة في فضاءات عديدة، ينجح عبدالمحسن يوسف في تقديم رؤية متكاملة للأدب العالمي المترجم، ليس ككيان غريب، بل كجزء أصيل من تجربتنا الثقافية. يُشجع الكتاب القارئ على إعادة اكتشاف نصوص أدبية معروفة، والتعرف على أخرى ربما لم تحظَ بالاهتمام الكافي، كل ذلك من خلال عدسة ناقد وقارئ شغوف يرى في كل كلمة مترجمة جسراً يربط بين أرواح البشر على اختلاف ألسنتهم وثقافاتهم. في الختام، يُعدّ «حدائق الآخرين» احتفاء بالترجمة بوصفها فعلاً حضارياً، وتأكيداً على أن الأدب، في جوهره، لغة كونية تتجاوز الحواجز وتفتح القلوب على مصراعيها لاستقبال «الآخر» بكل جماله وعمقه. هو عملٌ يُلهم القارئ بأن يغدو هو نفسه «بستانياً» يزرع ويحصُد من حدائق الآخرين، لتبقى شجرة الأدب العالمي مُورِقة ومُثمِرة في حدائق اللغة العربية، بفضل الذائقة الرفيعة للمؤلف والمترجمين الذين جلبوا لنا هذه الجواهر. كاتبة وناقدة لبنانية أخبار ذات صلة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store