
قمة ألاسكا.. بين اختبار النوايا وترسيخ خطوط النار
المبادرة الروسية أثارت جدلًا واسعًا، إذ اعتبرها البعض خطوة لكسر الجمود وإطلاق مسار دبلوماسي، بينما رآها آخرون فخًا سياسيًا يهدف إلى تثبيت واقع السيطرة ومنح روسيا شرعية غير مستحقة لمكاسبها العسكرية.
الموقف الأوكراني جاء حاسمًا وسريعًا. الرئيس فولوديمير زيلينسكي رفض المقترح الروسي بشكل قاطع، مؤكدًا أن بلاده لن تتنازل عن دونيتسك ولن تعترف بأي ضم لأراضيها.
وأضاف أن أي مفاوضات لا يمكن أن تبدأ قبل وقف إطلاق النار بشكل كامل.
مستشار الرئاسة سيرغي ليشينكو عبّر عن هذا الموقف بلغة واضحة حين قال: "لا يمكن التفاوض بينما القصف مستمر، وأي محاولة لذلك هي ابتزاز سياسي." هذه العبارة لخصت رؤية كييف بأن موسكو تحاول استخدام المفاوضات أداة للضغط بينما تواصل هجماتها.
بالنسبة لأوكرانيا، المعادلة واضحة: لا تنازل تحت النار، ولا اتفاق يقيد قدرتها على الدفاع أو يفرض عليها حدودًا جديدة بالقوة. وفي ظل إدراك زيلينسكي لحساسية الرأي العام الداخلي، فإن أي خطوة قد تُفسَّر كخيانة وطنية ستكون كارثية على مستقبله السياسي.
المواقف الأوروبية بدت أكثر توازنًا لكنها مشوبة بالقلق. فالاتحاد الأوروبي رحّب مبدئيًا بأي محاولة لفتح نافذة سلام، لكنه شدد على شروط أساسية: مشاركة أوكرانيا بشكل مباشر في أي اتفاق، عدم الاعتراف بضم الأراضي، وضمان ألا تفرض التسوية قيودًا على الجيش الأوكراني أو على مساعي كييف للانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي.
برزت في بعض العواصم الأوروبية فكرة عقد قمة ثلاثية تضم ترامب وبوتين وزيلينسكي، باعتبارها الطريق العملي الوحيد إذا كان الهدف التوصل إلى تسوية قابلة للحياة. لكن هذه الفكرة ظلت في إطار التداول ولم تتحول إلى مبادرة رسمية.
مبادرة ترامب: ضمانات أمنية جديدة
من جانبه، حاول ترامب أن يطرح نفسه كوسيط قادر على صياغة قواعد أمنية جديدة. فقد دعا إلى إنشاء نظام ضمانات يشبه المادة الخامسة لحلف الناتو، بحيث يُعتبر أي هجوم على أوكرانيا اعتداءً على الولايات المتحدة والدول الأوروبية الضامنة ويستوجب ردًا جماعيًا.
لكن تفاصيل المبادرة ظلت غامضة. هل تشمل تدخلًا عسكريًا مباشرًا في حال تجدد العدوان الروسي؟ أم تقتصر على الدعم السياسي والاقتصادي؟ الأوروبيون أبدوا ترحيبًا حذرًا بالفكرة، لكنهم طالبوا بتوضيحات، خاصة أن أي التزام أمني بهذا الحجم سيعني عمليًا توسيع دائرة الصراع.
قراءة أوكرانية داخلية: بين الإيجابية والواقعية
في حديثه إلى برنامج "التاسعة" على قناة سكاي نيوز عربية، قدّم عماد أبو الرب، رئيس المركز الأوكراني للتواصل والحوار، قراءة عن القمة.
ورأى أبو الرب أن مجرد انعقاد اللقاء يشكل خطوة إيجابية في حد ذاته، موضحًا: "مجرد جلوس الأطراف الكبرى إلى طاولة واحدة واعتراف روسيا عمليًا بأنها تحتاج إلى صفقة، يمثل تطورًا مهمًا لا ينبغي التقليل من قيمته."
لكنه شدد على أن أي تسوية واقعية يجب أن تقوم على ثلاث ركائز مترابطة:
1. "رفض الاعتراف بضم الأراضي المحتلة."
2. "الحصول على ضمانات أمنية معتبرة تحمي أوكرانيا ولا تقيّد قدراتها الدفاعية."
3. "صياغة اتفاق لا يعزل كييف عن العالم ولا يُستخدم كورقة ابتزاز."
وأضاف أبو الرب أن الدستور الأوكراني لا يمنح الرئيس صلاحية التنازل عن الأراضي، معتبرًا أن أي اتفاق يتجاوز هذا السقف سيكون غير دستوري وغير قابل للتنفيذ.
وقال في هذا السياق: "البديل الواقعي هو الاعتراف بوجود احتلال مؤقت والعمل على احتوائه دبلوماسيًا، لا شرعنته أو قبوله كأمر دائم."
بريطانيا: دعم حذر ولكن ثابت
الموقف البريطاني أعلنه رئيس الوزراء كير ستارمر ، الذي أكد استعداد لندن لدعم أي صيغة تضمن أمن أوكرانيا وتوقف القتال. وأوضح أن التحركات الأمبركية والأوروبية تشكل فرصة ينبغي البناء عليها، مع التمسك في الوقت ذاته بمبدأ عدم الاعتراف بتغيير الحدود بالقوة.
يكشف المشهد العام أن قمة ألاسكا لم تكن سوى بداية لمسار طويل مليء بالعقبات. بوتين حاول اختبار الغرب بطرح معادلة تثبت مكاسبه الميدانية، بينما ترامب أراد أن يبرز كوسيط قادر على صياغة نظام أمني جديد يكرّس عودته إلى الساحة الدولية. أما أوروبا، فاختارت السير بين خطين: الانفتاح على أي مبادرة دبلوماسية، والتمسك بالثوابت القانونية والسياسية.
في المقابل، يواجه زيلينسكي تحديًا مزدوجًا: الحفاظ على وحدة الموقف الداخلي الرافض لأي تنازلات، وفي الوقت نفسه البحث عن أي فرصة لالتقاط الأنفاس في حرب تستنزف موارده وشعبه وجيشه يومًا بعد يوم.
مشهد مفتوح بلا نهاية قريبة
الحرب الأوكرانية دخلت عامها الثالث، وما زالت بعيدة عن نهايتها. قمة ألاسكا لم تفتح الباب على مصراعيه لكنها لم تغلقه أيضًا. ما تحقق حتى الآن هو إعادة إطلاق محادثات، اختبار للحدود الممكنة، وتأكيد أن أي اتفاق لا يمكن أن يُفرض على كييف من الخارج.
المرحلة المقبلة ستشهد على الأرجح المزيد من جولات التفاوض غير المباشر، وربما لقاءات إضافية بين الأطراف. لكن حتى الآن، يبدو أن الجميع في مرحلة "جس نبض"، أكثر من الدخول في تسوية شاملة. فالتناقضات بين ما تريده موسكو وما يمكن لكييف قبوله، وبين ما يسعى الغرب لتثبيته وما يخشى التفريط فيه، تجعل الطريق إلى السلام أطول وأكثر تعقيدًا مما توحي به الابتسامات أمام الكاميرات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سكاي نيوز عربية
منذ 32 دقائق
- سكاي نيوز عربية
الألبان الأوروبية تحت المجهر الصيني لعام إضافي
وتشمل المنتجات الخاضعة للتدقيق أنواعا معينة من الجبن ، سواء الطازج أو المصنع. وكان التحقيق قد بدأ في أغسطس 2024، وينظر إليه على نطاق واسع على أنه رد انتقامي على الرسوم الجمركية العقابية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على السيارات الكهربائية الصينية. وهذا ليس الإجراء المضاد الوحيد الذي اتخذته بكين في النزاع التجاري، حيث شملت التحقيقات الصينية أيضا صادرات البراندي ولحم الخنزير من الاتحاد الأوروبي. واتهمت بكين بروكسل بانتهاك قواعد التجارة الدولية من خلال فرض رسوم جمركية إضافية على السيارات الكهربائية. من جانبها، قالت المفوضية الأوروبية إن الرسوم الجمركية مبررة بسبب ما وصفته بدعم الدولة المفرط لشركات السيارات الصينية ، فيما رفضت الصين هذه الادعاءات ونددت بإجراءات الاتحاد الأوروبي ووصفتها بأنها حمائية.


سكاي نيوز عربية
منذ ساعة واحدة
- سكاي نيوز عربية
زيلينسكي: لا ينبغي مكافأة روسيا.. وهذه خطة بوتين
وقال زيلينسكي إن المحادثات ستجمعه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، بمشاركة قادة كل من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وفنلندا، إضافة إلى ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو). وأكد الرئيس الأوكراني أن المجتمع الدولي يسعى إلى "سلام كريم وأمن حقيقي"، في وقت تواصل فيه القوات الروسية استهداف المدنيين و البنية التحتية الأوكرانية ، مشيرًا إلى أن مدن خاركيف وزابوريجيا ومنطقة سومي وأوديسا تعرضت لهجمات واسعة شملت غارات بالطائرات المسيّرة والصواريخ. وأشار زيلينسكي إلى أن الهجوم على خاركيف أسفر عن مقتل 7 أشخاص بينهم طفلة تبلغ من العمر عامًا ونصف، وإصابة العشرات، بينهم أطفال. كما أودت الضربات الصاروخية في زابوريجيا بحياة 3 أشخاص وأصابت 20 آخرين. كما لفت إلى استهداف منشأة طاقة في أوديسا مملوكة لشركة أذربيجانية، معتبرًا ذلك بمثابة "هجوم ليس فقط على أوكرانيا، بل أيضًا على علاقاتها الدولية وأمنها الطاقي". وختم زيلينسكي منشوره بالقول إن " آلة الحرب الروسية تواصل تدمير الأرواح"، مضيفًا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "سيرتكب عمليات قتل استعراضية للضغط على أوكرانيا وأوروبا، وتحقير الجهود الدبلوماسية". ودعا إلى توفير ضمانات أمنية حقيقية وعدم مكافأة روسيا على عدوانها، مؤكدًا أن "الحرب يجب أن تنتهي، وأن على موسكو أن تسمع كلمة توقفوا".


البيان
منذ ساعة واحدة
- البيان
الدولار أمام أسبوع حافل بأحداث جيوسياسية وندوة للبنك المركزي
ارتفع الدولار، اليوم الاثنين، قبيل اجتماع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بينما يترقب المستثمرون أيضاً ندوة يعقدها مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) في قاعة جاكسون هول لاستخلاص مزيد من الأدلة بشأن السياسة النقدية. وتراجع اليورو 0.2 بالمئة أمام الدولار إلى 1.1680 دولار، وخسر الين الياباني 0.2 بالمئة ليصل إلى 147.445 دولاراً، في حين انخفض الجنيه الإسترليني 0.1 بالمئة إلى 1.3544 دولار. وأدى تراجع الرهانات على خفض مجلس الاحتياطي الاتحادي أسعار الفائدة الشهر المقبل إلى دعم الدولار وسط تحركات هادئة في أسواق الصرف الأجنبي اليوم الاثنين. وتتوقع الأسواق الآن بنسبة 83 بالمئة تخفيض مجلس الاحتياطي الاتحادي تكاليف الاقتراض بمقدار ربع نقطة الشهر المقبل، إذ قلص المتداولون من توقعاتهم بشأن خفض الفائدة بعد مجموعة من البيانات، بما في ذلك قفزة في أسعار البيع بالجملة في الولايات المتحدة الشهر الماضي وزيادة قوية أرقام مبيعات البيع بالتجزئة لشهر يوليو. من المقرر أن يلقي رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي جيروم باول كلمة حول التوقعات الاقتصادية وسياسات البنك المركزي في ندوة جاكسون هول، التي ستُعقد في الفترة بين 21 و23 أغسطس. وارتفع الدولار 0.1 بالمئة مقابل سلة من العملات الأخرى اليوم الاثنين، لكنه تكبد خسارة بأكثر من 9.5 بالمئة خلال عام 2025 حتى الآن. والحدث الرئيسي للمستثمرين، اليوم، هو اجتماع في البيت الأبيض بين ترامب وزيلينسكي الذي سينضم إليه بعض القادة الأوروبيين، وسط ضغط واشنطن على أوكرانيا لقبول اتفاق سلام عاجل لإنهاء أكثر الحروب دموية في أوروبا منذ 80 عاماً. والتقى ترامب نظيره الروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة، واتفقا على التعاون لإبرام اتفاق سلام دون وقف إطلاق النار. ولم يطرأ على الفرنك السويسري تغيرا يذكر مسجلا 0.80965، بينما ارتفع الدولار الأسترالي 0.1 بالمئة إلى 0.6515 دولار، وارتفع الدولار النيوزيلندي 0.2 بالمئة إلى 0.5941 دولار. وبالنسبة للعملات المشفرة، توقف ارتفاع بتكوين الحاد وتراجعت عن مستوى قياسي مرتفع. وسجلت في أحدث معاملات هبوطا بلغ 2.2 بالمئة إلى 115.129.46 دولاراً. وهوت عملة إيثر 4.6 بالمئة إلى 4275.85 دولاراً بعد أن وصلت إلى أعلى مستوياتها في أربع سنوات تقريباً الأسبوع الماضي.