
مع الـ"أنا" والهَوى.. ضاعت البوصلة!
رحلة في خفايا النفس، واشتباك الأنا مع الحقّ
حين تخوض نقاشًا مع أحدهم، فتيقّن تمامًا أنك لا تواجه فكرة مقابل فكرة، بل إنك تلامس أعماقًا إنسانية مركبة، وتحتكّ ببُنى نفسية داخلية قد تكتنفها نوازع لا علاقة لها بالحق: كبرياء خفي، أو ميل للغلبة، أو هوى متجذر، أو نفعية مصلحية، أو عاطفة عمياء، أو أحقاد دفينة، أو حتى حب للانتصار للرأي والامتياز عن الناس.. كم من حوارات ظاهرها الفكرة، وباطنها الـ"أنا" وهوى النفس!
باطن النفس البشرية عالم لوحده!
النفس البشرية ليست سطحًا أملس؛ في باطنها بحر تتصارع فيه أمواجه، وما لم يتجرد الإنسان عن أدرانها، فلن يبصر الحق وإن وقف قبالته، بل إن أكثرنا -ونحن نكتب وننصح- لسنا بمنأى عن الوقوع في شِراك هذه الأمراض والنوازع!
باطن النفس البشرية هو من أعقد العوالم التي لا تُدرَك بالحواس، ولا تُقاس بمعايير خارجية.. إنه عالَم تتشابك فيه الدوافع والرغبات، ويتنازع فيه الخير والشر. وفي غمرة هذا الصراع، لا يكون الإنسان على حالٍ واحدة، بل تتبدل وجوهه الداخلية كما تتبدل فصول السنة، وكلها تعيش في مساحة واحدة، تحت جلد واحد.
في واقع الناس: قد يُعرِض بعضهم عن الحق، لا لأنه يجهله، بل لأنه يخشى التصدع مع "الرفاق"، أو لأنه ربط الحق بأشخاص لا بمبادئ، فصار ولاؤه للأسماء لا للقيم، وللرموز لا للهدى
ما المُنقذ؟
الصدق.. الصدق في طلب الحق، والاجتهاد الصادق في السعي إليه، هو القاعدة الصلبة التي ينبغي أن ننطلق منها جميعًا.
هذا الصدق لا تحجبه القدرات، ولا يحدّه مستوى الذكاء؛ فمن يطرق باب الحق بإخلاص، فإن الله يفتح له أبوابه، ويهديه سُبله، ويعلّمه ما لم يكن يعلم.
إعلان
ولا ينجو الإنسان من باطنه إلا بمجاهدة صادقة، لا تستثني شيئًا من النقد، ولا تُبقي رغبةً دون مساءلة، وعلى قدر ما في هذه المجاهدة من مشقة وانصهار فإنه يعقبها لذة ونور ورضا!
جماعةً وأفرادًا، يجب أن نعلم أنّ نقاشاتنا في الدين أو السياسة، في تفاصيل الحياة، في الأسواق والمكتبات والبيوت، أو حتى في الفقه والإيمان والعقيدة.. جميعها تحتاج إلى هذه الروح المتجرّدة، الباحثة عن النور لا الغلبة؛ لأن من لم يُرِد الحق، أو رفض النقد، أو جحد الصواب، فلن يتقدّم قيد أنملة، بل ستتوقف حركة الإصلاح، ويُجمَّد البناء، ويتآكل المجتمع -والفرد قبله- من داخله.
إنها رحلة مستمرة من التنقيب الداخلي، وحين يصدق الإنسان مع نفسه، يعرف طريقه، وتُردّ له البوصلة، ولو بعد طول تيه.
حجاب التماهي مع الجماعة!
ثمة حجاب آخر خفيٌّ خطير، يحول بين الإنسان وبين الوصول إلى الحق، قلّ من يتنبه له أو يُقرّ بسطوته على القلب والعقل، وهو: الذوبان في الجماعة، أو التماهي الأعمى مع الحزب أو التنظيم أو التيار.. ذلك الانتماء الذي يتجاوز الفكرة إلى الهوية، ويتحول من وسيلة إلى غاية، حتى يصبح المرء لا يرى الحق إلا من خلال جماعته؛ فإن نطقت به صدّقه، وإن خالفته أعرض عنه، وإن كان بيّنًا كالشمس!
وقد أشار نبي الله الخليل إبراهيم -عليه السلام- إلى هذا المعنى العميق، حين واجه قومه بقول بليغ، يصف تعلقهم الوثني لا بالأصنام وحدها، بل بروابطهم النفسية والاجتماعية حولها، فقال -كما جاء في القرآن الكريم-: {إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [العنكبوت: 25]. أي: لم تكن عبادتكم للأصنام مجرد عقيدة، بل كانت روابط اجتماعية، ومودّات جماعية، وأُلفة تجمعكم في الدنيا، فصارت تلك الأصنام رمزًا لانتماء لا يُمسّ، ولو خالف التوحيد.
وهكذا في واقع الناس: قد يُعرِض بعضهم عن الحق، لا لأنه يجهله، بل لأنه يخشى التصدع مع "الرفاق"، أو لأنه ربط الحق بأشخاص لا بمبادئ، فصار ولاؤه للأسماء لا للقيم، وللرموز لا للهدى.
ليست المسألة "محتوى الرسالة"، بل "محتوى النفس"، ويمكن إسقاط ذلك كله على أعظم وأجلّ القضايا.. قضية الإيمان بالله والتوحيد، تلك الفكرة التي قامت بها السماوات والأرض، وأرسل الله بها الأنبياء والرسل، من أولهم إلى خاتمهم محمد ﷺ، لم تُقبل أو تُرفض بسبب وضوحها أو غموضها، بل بحسب ما في القلوب من استعداد لقبولها.
تأمّل: نفس الرسالة، نفس النبي، نفس الآيات، نفس الزمان والمكان.. لكن، صدّقها قلب أبي بكر -رضي الله عنه- وتلقّاها بصفاء ومحبة وتفانٍ، فكان صدّيق الأمة.. وأنكرها قلب أبي جهل بكِبرٍ وعنادٍ وجحود، فكان فرعون هذه الأمة.
إذن، فليست المسألة "محتوى الرسالة"، بل "محتوى النفس".. والقضية جدّ خطيرة، وليست مسألةً عابرة إن شئنا أخذنا بها وإن شئنا تركناها! ولهذا -وبهذا- أثنى الله على طائفة من أهل الكتاب لما تجاوزوا ما اعتادوه وما نشؤوا عليه، وقبلوا الحق لما جاءهم، وتلقوا رسالة النبي ﷺ بعيون دامعة، وقلوب خاشعة، فقال تعالى فيهم: {وإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84)} ثم جاءت النتيجة الكريمة بعدها مباشرةً.. {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85)} [سورة المائدة].
إعلان
بما قالوا.. فقط! لأنهم صدّقوا حين سمعوا، وتفاعلوا حين عرفوا، وأقبلت قلوبهم فلم يجادلوا الحق حين أتاهم، بل ضحّوا بكل شيء في سبيله، تجاوزوا هوى النفس، وتخلّصوا من إرث الجحود، وقالوا: سمعنا وآمنا.
النقاش الإيجابي، والتبليغ، والبيان، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فذلك عين ما دعا إليه الدين والعقل والمنطق
ما هو "المِراء/ الجدال" الذي نهى عنه النبي ﷺ؟
من يُجادل من أجل الجدال، ويُخاصم ليُظهِر ذاته لا ليُدرك الحقيقة، فذاك المِراء، وهو نقاش مسموم، يفسد العقل والقلب والروح.. اهرب منه كما تهرب من المجذوم، بل أشدّ، لأنه يُميت قلبك وأنت لا تشعر!
ولذلك، وعد النبي ﷺ ببيت في ربض الجنة لمن ترك "المِراء/ الجدال" ولو كان محقًّا.. لماذا؟ لأن ترك الجدال في هذه الحالة، حين تُدرك أن مَن أمامك لا يطلب الحق، هو في حدّ ذاته نُصرة للحق، وترك الجدال حين تدرك أنّك لا تناقش إلا انتصارًا لنفسك، وحبًّا للتمايز عن الناس، حتى لو كنت مصيبًا، هو في حدّ ذاته انتصار على هوى نفسك! ولأنه من الممكن أن يترتّب على حصائد هذا الجدال العقيم نزاع وفتن وخصومات.
أمّا النقاش الإيجابي، والتبليغ، والبيان، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فذلك عين ما دعا إليه الدين والعقل والمنطق.. فإنما "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئتُ به" (حديث صحيح متنه ومعناه، ضعيفٌ سنده، لكنه يُلخّص القضية كلّها)!
وإن كان لي من نصيحة لنفسي وأحبابي، فهي "أن نستمع أكثر مما نجادل، وأن نتعلّم أكثر مما نتكلم!".
نسأل الله تعالى أن يهدينا لما اختُلف فيه من الحق بإذنه، وأن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
مع الـ"أنا" والهَوى.. ضاعت البوصلة!
رحلة في خفايا النفس، واشتباك الأنا مع الحقّ حين تخوض نقاشًا مع أحدهم، فتيقّن تمامًا أنك لا تواجه فكرة مقابل فكرة، بل إنك تلامس أعماقًا إنسانية مركبة، وتحتكّ ببُنى نفسية داخلية قد تكتنفها نوازع لا علاقة لها بالحق: كبرياء خفي، أو ميل للغلبة، أو هوى متجذر، أو نفعية مصلحية، أو عاطفة عمياء، أو أحقاد دفينة، أو حتى حب للانتصار للرأي والامتياز عن الناس.. كم من حوارات ظاهرها الفكرة، وباطنها الـ"أنا" وهوى النفس! باطن النفس البشرية عالم لوحده! النفس البشرية ليست سطحًا أملس؛ في باطنها بحر تتصارع فيه أمواجه، وما لم يتجرد الإنسان عن أدرانها، فلن يبصر الحق وإن وقف قبالته، بل إن أكثرنا -ونحن نكتب وننصح- لسنا بمنأى عن الوقوع في شِراك هذه الأمراض والنوازع! باطن النفس البشرية هو من أعقد العوالم التي لا تُدرَك بالحواس، ولا تُقاس بمعايير خارجية.. إنه عالَم تتشابك فيه الدوافع والرغبات، ويتنازع فيه الخير والشر. وفي غمرة هذا الصراع، لا يكون الإنسان على حالٍ واحدة، بل تتبدل وجوهه الداخلية كما تتبدل فصول السنة، وكلها تعيش في مساحة واحدة، تحت جلد واحد. في واقع الناس: قد يُعرِض بعضهم عن الحق، لا لأنه يجهله، بل لأنه يخشى التصدع مع "الرفاق"، أو لأنه ربط الحق بأشخاص لا بمبادئ، فصار ولاؤه للأسماء لا للقيم، وللرموز لا للهدى ما المُنقذ؟ الصدق.. الصدق في طلب الحق، والاجتهاد الصادق في السعي إليه، هو القاعدة الصلبة التي ينبغي أن ننطلق منها جميعًا. هذا الصدق لا تحجبه القدرات، ولا يحدّه مستوى الذكاء؛ فمن يطرق باب الحق بإخلاص، فإن الله يفتح له أبوابه، ويهديه سُبله، ويعلّمه ما لم يكن يعلم. إعلان ولا ينجو الإنسان من باطنه إلا بمجاهدة صادقة، لا تستثني شيئًا من النقد، ولا تُبقي رغبةً دون مساءلة، وعلى قدر ما في هذه المجاهدة من مشقة وانصهار فإنه يعقبها لذة ونور ورضا! جماعةً وأفرادًا، يجب أن نعلم أنّ نقاشاتنا في الدين أو السياسة، في تفاصيل الحياة، في الأسواق والمكتبات والبيوت، أو حتى في الفقه والإيمان والعقيدة.. جميعها تحتاج إلى هذه الروح المتجرّدة، الباحثة عن النور لا الغلبة؛ لأن من لم يُرِد الحق، أو رفض النقد، أو جحد الصواب، فلن يتقدّم قيد أنملة، بل ستتوقف حركة الإصلاح، ويُجمَّد البناء، ويتآكل المجتمع -والفرد قبله- من داخله. إنها رحلة مستمرة من التنقيب الداخلي، وحين يصدق الإنسان مع نفسه، يعرف طريقه، وتُردّ له البوصلة، ولو بعد طول تيه. حجاب التماهي مع الجماعة! ثمة حجاب آخر خفيٌّ خطير، يحول بين الإنسان وبين الوصول إلى الحق، قلّ من يتنبه له أو يُقرّ بسطوته على القلب والعقل، وهو: الذوبان في الجماعة، أو التماهي الأعمى مع الحزب أو التنظيم أو التيار.. ذلك الانتماء الذي يتجاوز الفكرة إلى الهوية، ويتحول من وسيلة إلى غاية، حتى يصبح المرء لا يرى الحق إلا من خلال جماعته؛ فإن نطقت به صدّقه، وإن خالفته أعرض عنه، وإن كان بيّنًا كالشمس! وقد أشار نبي الله الخليل إبراهيم -عليه السلام- إلى هذا المعنى العميق، حين واجه قومه بقول بليغ، يصف تعلقهم الوثني لا بالأصنام وحدها، بل بروابطهم النفسية والاجتماعية حولها، فقال -كما جاء في القرآن الكريم-: {إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [العنكبوت: 25]. أي: لم تكن عبادتكم للأصنام مجرد عقيدة، بل كانت روابط اجتماعية، ومودّات جماعية، وأُلفة تجمعكم في الدنيا، فصارت تلك الأصنام رمزًا لانتماء لا يُمسّ، ولو خالف التوحيد. وهكذا في واقع الناس: قد يُعرِض بعضهم عن الحق، لا لأنه يجهله، بل لأنه يخشى التصدع مع "الرفاق"، أو لأنه ربط الحق بأشخاص لا بمبادئ، فصار ولاؤه للأسماء لا للقيم، وللرموز لا للهدى. ليست المسألة "محتوى الرسالة"، بل "محتوى النفس"، ويمكن إسقاط ذلك كله على أعظم وأجلّ القضايا.. قضية الإيمان بالله والتوحيد، تلك الفكرة التي قامت بها السماوات والأرض، وأرسل الله بها الأنبياء والرسل، من أولهم إلى خاتمهم محمد ﷺ، لم تُقبل أو تُرفض بسبب وضوحها أو غموضها، بل بحسب ما في القلوب من استعداد لقبولها. تأمّل: نفس الرسالة، نفس النبي، نفس الآيات، نفس الزمان والمكان.. لكن، صدّقها قلب أبي بكر -رضي الله عنه- وتلقّاها بصفاء ومحبة وتفانٍ، فكان صدّيق الأمة.. وأنكرها قلب أبي جهل بكِبرٍ وعنادٍ وجحود، فكان فرعون هذه الأمة. إذن، فليست المسألة "محتوى الرسالة"، بل "محتوى النفس".. والقضية جدّ خطيرة، وليست مسألةً عابرة إن شئنا أخذنا بها وإن شئنا تركناها! ولهذا -وبهذا- أثنى الله على طائفة من أهل الكتاب لما تجاوزوا ما اعتادوه وما نشؤوا عليه، وقبلوا الحق لما جاءهم، وتلقوا رسالة النبي ﷺ بعيون دامعة، وقلوب خاشعة، فقال تعالى فيهم: {وإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84)} ثم جاءت النتيجة الكريمة بعدها مباشرةً.. {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85)} [سورة المائدة]. إعلان بما قالوا.. فقط! لأنهم صدّقوا حين سمعوا، وتفاعلوا حين عرفوا، وأقبلت قلوبهم فلم يجادلوا الحق حين أتاهم، بل ضحّوا بكل شيء في سبيله، تجاوزوا هوى النفس، وتخلّصوا من إرث الجحود، وقالوا: سمعنا وآمنا. النقاش الإيجابي، والتبليغ، والبيان، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فذلك عين ما دعا إليه الدين والعقل والمنطق ما هو "المِراء/ الجدال" الذي نهى عنه النبي ﷺ؟ من يُجادل من أجل الجدال، ويُخاصم ليُظهِر ذاته لا ليُدرك الحقيقة، فذاك المِراء، وهو نقاش مسموم، يفسد العقل والقلب والروح.. اهرب منه كما تهرب من المجذوم، بل أشدّ، لأنه يُميت قلبك وأنت لا تشعر! ولذلك، وعد النبي ﷺ ببيت في ربض الجنة لمن ترك "المِراء/ الجدال" ولو كان محقًّا.. لماذا؟ لأن ترك الجدال في هذه الحالة، حين تُدرك أن مَن أمامك لا يطلب الحق، هو في حدّ ذاته نُصرة للحق، وترك الجدال حين تدرك أنّك لا تناقش إلا انتصارًا لنفسك، وحبًّا للتمايز عن الناس، حتى لو كنت مصيبًا، هو في حدّ ذاته انتصار على هوى نفسك! ولأنه من الممكن أن يترتّب على حصائد هذا الجدال العقيم نزاع وفتن وخصومات. أمّا النقاش الإيجابي، والتبليغ، والبيان، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فذلك عين ما دعا إليه الدين والعقل والمنطق.. فإنما "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئتُ به" (حديث صحيح متنه ومعناه، ضعيفٌ سنده، لكنه يُلخّص القضية كلّها)! وإن كان لي من نصيحة لنفسي وأحبابي، فهي "أن نستمع أكثر مما نجادل، وأن نتعلّم أكثر مما نتكلم!". نسأل الله تعالى أن يهدينا لما اختُلف فيه من الحق بإذنه، وأن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
الجفاف يهدد الأمن الغذائي في سوريا
أفادت وكالة رويترز أن 75% من محصول القمح السوري مهدد بالضياع بسبب الجفاف الشديد، فيما توقعت منظمة الفاو عجزاً غذائياً يبلغ 2.7 مليون طن من القمح هذا العام. اقرأ المزيد


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
أصوات من غزة.. مأساة النزوح المتكرر وصعوبة التنقل
من تشرد إلى آخر ومن خراب إلى خراب، هكذا يعبّر نازحون في منطقة شمال قطاع غزة عن مأساة النزوح المتكرر، تعبوا من تعداد المرات التي اضطروا فيها للهرب تحت وطأة القصف. اقرأ المزيد المصدر : الجزيرة