
المفتي قبلان : حذارِ من الموقف الخطأ
أضاف :'والملفت أن لهذه الآية وجوهاً وبطوناً، ومن هذه الوجوه التأسيسية 'الميثاق الاجتماعي'، الذي يقوم على ضرورة ضمان السلطة السياسية لمجتمعها وشعبها، وفق مجموع الالتزامات التي تُحقّق الأمن المجتمعي، والتي تتكون منها صيغة الحكم على قاعدة: الشراكة المدنية الضامنة لكلّ فئات المجتمع بالسلطة وعدالتها ومصالحها الوطنية، بعيدا عن نزعة الغلبة أو اللعب والعمل لصالح فريق خارجي هدفه أن ينال من أرضنا أو شعبنا أو مصالحنا الوطنية الضامنة، حتى لا تصل النوبة الى فتنة الدماء والاستسلام والخراب.
والميزة في هذه الآية أن الله تعالى يستعرض الميثاق، ومنه الميثاق الاجتماعي الذي يضمن الحقوق والذمم كافة للخليقة كافة، وعلى رأسها ضمان الدماء والأعراض ونظام المواطنة، بعيداً عن المسمّيات الرسمية التي لا تسمن ولا تغني من جوع'.
وتابع :'ببساطة، لأن السلطة من دون ضامن حقوقي فعلي (من رقابة ونظام حواجز ومحاسبة شديدة وشاملة) تصبح أداة استبداد وفريق عصابة ينهب وينهش البلد والموارد والشعب، فضلا عن وضعه للبلد في منطقة الفشل والضعف، حيث ينتهي به الأمر إلى الزوال. وهذا ما لا يريده المولى سبحانه وتعالى.
والقضية هنا الإنسان أو المواطن، بكل ما تعنيه المصالح الوطنية للعائلة الاجتماعية أو السياسية، بعيدا عن الاختلافات البينية (من ملّة او دين أو عرق أو لون أو لغة او طبيعة اجتماعية وغيرها).
ومع ذلك تبقى قضية الأمن 'الأولوية' في المواثيق كافة، مهما كان اسمها (سواء كانت سماوية أو أرضية). ومن دون أمن كل شيء ينتهي.
وهنا أكّد المولى سبحانه وتعالى في موارد هذا الميثاق على مركزية الضامن الأمني، إذ قال سبحانه {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ}، فبدأ مع الدم كي يمنع فتنة السياسة والإعلام والتحريض والانقسام الذي يضع الناس في وجه بعضها البعض، ولا فرق في ذلك بين لعبة داخلية أو خارجية، ما دام أنها تتعارض مع أصل منظومة الحكم التي تأسّست وفق فكرة مجتمعية تضمن الأرض والعرض والدم وتمنع الفتن، فضلاً عن باقي واجباتها (المالية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والمدنية والسيادية) اتجاه شعبها ورعيّتها ودون تمييز، وذلك لحقيقة ثابتة مفادها: أن السلطة ليست ملكاً لأحد، بل السلطة ملك الوظيفة الحقوقية التي نالت المشروعية على أساسها، ودون ذلك تصبح السلطة فساد وطغيان وأوكار عصابات وأسواق تجارة حتى بسيادة وطنها.
والمبدأ هنا المواطن، أو شعب البلد بكلّ تنوّعاته، ولا يوجد في الأرض كلّها شعب إلا وهو متنوّع ومتعدد ومختلف الثقافة والفكر والدين والملة والعرق وغير ذلك'.
واستطرد المفتي قبلان : إذن وفقاً لمبدأ السلطة أو الحكم لا مشروعية للسلطة او الحكم إلا عبر مواثيق ضامنة للفرد والجماعة وما يلزم في عالم الاجتماع المدني او الاجتماع السيادي بما فيه كل القطاعات المختلفة (يعني من مال ونقد واستثمار وإنتاج وتربية ويد عاملة وأسواق ونشاط مدني وحقوق مشارَكة وأمن وأمان وعدالة اجتماعية وسيادة كيانية)، بعيدا عن نار التمييز والاحتكار.
والمواطنة هنا (كقيمة مصدرية لمشروعية السلطة) تعني مطلق مواطن في البلد الذي يعيش فيه، يعني سواء كان مسيحيا، مسلما، أو بلا عقيدة وملة، بل يكفي فيه انسانيته، وهو عين قوله سبحانه وتعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}، يعني الإنسان بما هو إنسان، ببعد النظر عن الملة واللون والعرق واللغة وباقي الإثنيات المختلفة'.
وقوله سبحانه وتعالى {وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ}، يريد أن الانسان واحد، والنفس واحدة، والمواطن واحد بالقيم الحقوقية التي يتأسّس عليها النظام السياسي أو الاجتماعي الضامن.
من هنا قيل بالأدبيات السياسية بأن البلد شراكة مصالح وأعباء، والسلطة مطالبة بتأدية دورها الكافل لمجموع الحقوق العامة بمجتمعها دون تمييز أو تفريق، وإذا تلكأت السلطة أو أهملت أو فشلت في هذا المجال فقدت شرعيتها بمقدارها، وتفريعاً قالوا: حال تهدّد الأمن السيادي أو المجتمعي فعلى الشعب أن يساهم عبر صيغة تحاكي صيغة السلطة الضامنة للدولة بهدف حماية المصالح الوطنية والشؤون السيادية والاجتماعية وغيرها، والتفريط في هذا المجال خيانة عند الله وعند الناس، وهذا الكلام أممي ومجتمعي وإنساني منذ أول خلق الإنسان'.
وقال :'من باب النموذج، من يتذكّر الاحتلال الإسرائيلي عام 1982 والذي وصل الى العاصمة بيروت، يدرك حجم الأزمة الحقوقية التي طالت شرعية السلطة، وأحيانا بيئة السلطة أو بعض أطرافها لدرجة أن الإسرائيلي سيطر على مفاصل السلطة والبلد، وبدأ يُصهين كل شيء، ومعه بات إنقاذ السلطة والدولة ضرورة شعبية عليا، تنفيذاً للقيمة الحقوقية المأخوذة بالأوطان، وهذا ما قامت به المقاومة بمختلف عناوينها، فيما شكّلت انتفاضة 6 شباط مركز الإنقاذ الوطني للدولة ومؤسساتها، بعدما باتت الدولة بمؤسساتها ملكاً للمشروع الصهيوني. والقضية هنا حقوق الشعب والوطن، لا السماسرة ولا بيّاعي الأوطان.
وبالعودة إلى الآية القرآنية نجدها تتعامل مع الشعب كوحدة نوعية أو عائلة وطنية تتشارك الهموم والمنافع والمسؤوليات، وتعطي السلطة صلاحيات مُقنّنة للقيام بما يلزم عليها في مجال تأمين الحقوق الوطنية الضامنة، سواءً كانت داخلية أو خارجية، وإلا خسرت السلطةُ أصل وجودها القانوني'.
واردف :'ومن هنا قيل: الشعب مطالب بمراقبة السلطة ومطابقة عملها مع المنظومة الحقوقية التي ترعى وجودها ووظيفتها التأسيسية، بما في ذلك الحقوق السيادية للدولة والناس.
وبالأمس واليوم والى الأبد يتضح الفشل السيادي والمفهوم السلطوي للدولة التي لا تدافع عن شعبها ومصالح كيانها السيادية. على أن الدولة مخوّلة اقتناء واستعمال السلاح بهدف حماية مجتمعها وناسها وكيانها وسيادتها، لا العمل كوكيل للعدو أو عرّابه أو لمجرد الاستهتار. وترك هذه الوظيفة خيانة كبرى في مواثيق الله ومواثيق الأمم والبشر'.
اليوم البلد يعاني من عدوان إسرائيلي متوحّش يطال البرّ والبحر والجو، وهو متنوّع بين غارات وتفخيخ واستهدافات لا نهاية لها، فيما السلطة السياسية تعيش في كوكب آخر، وليس لها همّ إلا حصر السلاح الذي لم تستعمله لحماية بلدها وناسها وما يلزم لسيادة نفسها، مع أن أصل مشروعية السلاح الحكومي تتوقّف على حماية البلد والمرافق الكيانية والاجتماعية المواطنية لهذا البلد. وإذا أخذنا ممارسة الدولة المتهرّبة أو المتبرئة من مسؤولياتها طيلة عشرات السنين الماضية معياراً لما يجب أن نقوم به، فإننا ننتهي الى حقيقة مفادها: أن الدولة ومرافقها كانت تصهينت لولا المقاومة التي حرّرت الدولة والمرافق واستعادت لبنان'.
ولفت المفتي قبلان الى ان 'ما نخشاه إصرار البعض على التخلّي عن أسباب القوة التي تحمي بلدها وناسها في وجه أعتى عتاة الظلم والاحتلال والفساد'.
وتوجه الى 'الشعب اللبناني ولكل القوى السياسية 'والقريب والبعيد'، يعرف أن البلد عانى ويعاني من مرارة العدوان الإسرائيلي منذ عشرات السنين، ويعرف أن الدولة لم تهتم لشعبها ولم تحرر شبرا من الأرض، بل تركت الجنوب يحترق، واليوم من الأمس تماما، بحيث أن العدوان الإسرائيلي يطال البر والبحر والجو وينال من المواطن اللبناني وأرضه وسيادته دون وجود أي ضامن أمني من دولتنا، والأعذار واهية وحدّث ولا حرج ومخزية، والمرجلة بالدفاع عن لبنان لا بتطويق السلاح الذي حرّر لبنان. لذلك لا سلاح شرعيا أكبر من سلاح المقاومة والجيش، والجيش والمقاومة شراكة سيادية، ودون هذه السيادة عندها تكون الكارثة، وشرعية السلاح من شرعية الحماية السيادية للبنان، بل التصلّب الخطأ في الموقف هو الذي يهدد لبنان، والقضية ليست قضية إسم وإطار وشرعية لفظية، بل قوة وطنية أثبتت أنها ضامن فعلي في عالم السيادة وحماية الوطن، وعلى الدولة مكافأة المقاومة لا العدو الإسرائيلي الذي لا يزال يمعن بعدوانه وغاراته واستباحته لبلدنا'.
وختم المفتي قبلان :'ما يجري في جنوب النهر إنما يجري تحت عين الدولة التي لا تقوم بواجباتها، وتطويق الطائفة والبيئة الكريمة التي قدّمت تضحيات هائلة طيلة عشرات السنين هو أمر كارثي، والحكومة اللبنانية لا تملك شرعية التنازل عن سيادة لبنان أو وضع البلد في إطار الاستسلام السيادي والضعف الوجودي، والخصومة مع المقاومة أكبر هدية لإسرائيل التي تتوثّب لاحتلال لبنان كما تفعل في الجنوب السوري، والحكومة مطالبة بموقف وطني يليق بجبهات الدفاع السيادي، وحذارِ من الموقف الخطأ لأن البلد قابع على برميل من البارود، والحلّ بالشراكة الوطنية التي تحمي البلد، والعين تبقى على عقلاء الوطن، والقضية هي وطنية لا سياسية، واللحظة تاريخية سيادية، ولا يملك أحد شرعية نزع القوة الدفاعية الوطنية التي تحمي بلدنا لبنان'.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


لبنان اليوم
منذ 11 دقائق
- لبنان اليوم
'شارع ضحايا 4 آب'.. سلام: لن يقف أحد بعد الآن في وجه العدالة
جرى إطلاق اسم 'شارع ضحايا 4 آب' على الطريق الممتدة من تمثال المغترب حتى تقاطع جورج حداد في بيروت أمس، خلال احتفال أقيم برعاية رئيس الحكومة نواف سلام، بدعوة من أهالي ضحايا، شهداء، جرحى ومتضرري تفجير المرفأ، وحضور عقيلة رئيس الحكومة السيدة سحر، والوزراء: الداخلية والبلديات العميد أحمد الحجار، الثقافة غسان سلامة، الشؤون الاجتماعية حنين السيد، الزراعة نزار هاني، إلى جانب النواب: نجاة عون، نقولا الصحناوي، وملحم خلف، ومحافظ بيروت القاضي مروان عبود، إضافة إلى عدد كبير من وسائل الإعلام وأهالي الضحايا. استهلّ الحفل بجولة للرئيس سلام والحضور في 'حديقة ضحايا المرفأ'، التي أنشأتها وزارة الزراعة بالتعاون مع محافظة بيروت وبلديتها، لتخليد ذكرى الضحايا والشهداء. وفي دردشة مع أهالي الضحايا الذين طالبوه بتحقيق العدالة، قال الرئيس سلام: 'لن يقف أحد بعد الآن في وجه العدالة، وإن شاء الله لا تتأخر الحقيقة لأنها السبيل إليها'. وأضاف: 'الحكومة ستوفّر كل ما هو مطلوب منها لكشف الحقيقة في جريمة المرفأ، وستستجيب لكل ما يطلبه منها القضاء'. وعن احتمال انسحاب وزراء 'الثنائي الشيعي' من جلسة الثلاثاء المقبل بسبب رفض وضع جدول زمني لتسليم السلاح، قال سلام: 'لا مخاوف لدي، فهذه ليست مطالب أميركية، بل وردت في البيان الوزاري لحكومتنا، واتفاق الطائف ينصّ أيضًا على بسط سلطة الدولة على أراضيها بقواها الذاتية. هذه مطالب لبنانية، توافَق عليها الجميع، وسنبدأ بوضع آلية تنفيذية لها اعتبارًا من الثلاثاء'. وتحدث باسم أهالي الضحايا وليام نون قائلاً: 'نشكر دولة الرئيس سلام على إدراج أهراءات بيروت في لائحة الجرد، بعد 4 سنوات من المعاناة. نشعر ولأول مرة أن هناك حكومة تصغي لمطالب الناس، ونشكر أيضًا محافظ بيروت والبلدية ووزارة الزراعة على إنشاء هذه الحديقة. أما تسمية الشارع فهي مطلب عمره 4 سنوات، ونشكر كل من ساهم في تحقيقه. نأمل بترجمته إلى قرار ظني ينهي هذا الملف'. كما قال كيان طليس، باسم الأهالي أيضًا: 'تسمية هذا الشارع بأسماء ضحاياه هو أقلّ ما يمكن فعله. ما جرى لم يكن حادثًا بل جريمة نعيش وجعها يوميًا. بيروت لم تنسَ أبناءها، ولا يزال هناك من يطالب بالحقيقة والعدالة. لا يموت حق وراءه مطالب'. وقال الوزير نزار هاني للوكالة الوطنية: 'الهدف من هذه الحديقة هو زرع الأمل، وتحويل الخسارة الكبرى إلى أمل للمستقبل. اليوم زرعنا 75 زيتونة، ونأمل أن نكمل العدد إلى 250 في موسم الزرع في تشرين، ليحمل كل شهيد اسمه على شجرة'. من جهته، شدّد الوزير الحجار على أن 'من حق أهالي الضحايا على الدولة أن تُظهر الحقيقة. على القضاء أن يصدر قراراته، وعلى الحكومة تنفيذها التزامًا بالعدالة'. بدورها، قالت الوزيرة السيد: 'أنا من بين المتضررين، إذ فقدت والدتي في الانفجار. اليوم، من موقعي الوزاري، ألتزم بإدخال كل من تأثر بالانفجار ويعاني إعاقة إلى البرنامج النقدي الشهري، ومنحه بطاقة إعاقة. كما أعمل على تفعيل برامج العلاج النفسي للمتضررين'. وفي ختام الاحتفال، أزاح الرئيس سلام والوفد المرافق الستار عن لوحة 'شارع ضحايا 4 آب'.


OTV
منذ 11 دقائق
- OTV
سلام خلال إطلاقه شارع ضحايا 4 آب: لن يقف أحد بعد الآن في وجه العدالة
أطلق اسم 'شارع ضحايا 4 آب'على الطريق الممتدة من تمثال المغترب إلى تقاطع جورج حداد في العاصمة بيروت، خلال حفل أقيم برعاية رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام، بدعوة من أهالي ضحايا، شهداء، جرحى ومتضرري تفجير مرفأ ، بحضور عقيلة رئيس الحكومة السيدة سحر، ووزراء: الداخلية والبلديات العميد أحمد الحجار، الثقافة غسان سلامة، الشؤون الاجتماعية حنين السيد، الزراعة نزار هاني، والنواب: نجاة عون، نقولا الصحناوي وملحم خلف، محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود، وعدد كبير من الوسائل الاعلامية اضافة الى اهالي ضحايا وشهداء المرفأ . بداية جال الرئيس سلام والحضور على حديقة ضحايا انفجار المرفأ التي اقامتها وزارة الزراعة ومحافظة مدينة بيروت والبلدية لتخليد ذكرى الضحايا والشهداء. وتحدث الرئيس سلام مع الاهالي الذين طالبوه 'بإحقاق حقهم وحق كل الأبرياء'. فرد الرئيس سلام بأنه 'لن يقف احد بعد الآن في وجه العدالة، وان شاء الله لا تتأخر الحقيقة لأنها الطريق الى العدالة'. واشار الرئيس سلام الى ان 'الحكومة ستؤمن كل ما هو مطلوب منها للوصول الى الحقيقة في جريمة المرفأ. ستؤمن كل ما يطلبه منها القضاء'. وردا على سؤال حول امكان انسحاب وزراء الثنائي الشيعي من جلسة يوم الثلاثاء المقبل وعدم قبول وضع جدول زمني لتسليم السلاح، أجاب: 'لا مخاوف لدي أبدا، وهذه ليست مطالب أميركية بل هي واردة في البيان الوزاري للحكومة اللبنانية، واتفاق الطائف يقول ايضا ببسط سلطة الدولة اللبنانية على اراضيها بقواها الذاتية، اذا هذه مطالب لبنانية ومسائل أجمع عليها اللبنانيون، وان شاء الله نضع ابتداء من يوم الثلاثاء آلية تنفيذية لتحقيق ذلك'.


الديار
منذ 7 ساعات
- الديار
"نطالب البيطار بكشف حقيقة تفجير المرفأ" الراعي: على كلّ مسؤول أن يدرك أن المسؤوليّة ليست تسلّطًا بل خدمة وأن الزعامة ليست مصلحة بل شهادة
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد التاسع من زمن العنصرة في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان، والقى عظة قال فيها : "اليوم يتزامن مع الذكرى الخامسة لتفجير مرفاء بيروت، وهو الأعظم في تاريخ البشرية بعد هيروشيما، نصلي أولا لراحة نفوس الضحايا، وشفاء المرضى والمعوقين الكثر، ونعزي أهل الضحايا والمصابين والمتضررين على اختلاف فئاتهم. وإنا نطالب القاضي البيطار بممارسة صلاحياته القضائية كاملة، إظهارا للحقيقة، وصوتا للعدالة، وضمانة للقضاء الحر الذي يعلو الجميع من دون أي حصانة". وتابع: "في إطار الهوية والرسالة للبنان أيضًا هويته ورسالته. فهويته نابعة من تنوعه الغني، ومن تاريخه المشرقي، ومن دوره الريادي في الحرية والتعددية. أما رسالته فأن يكون أرض تلاق وحوار. وجسر تواصل بين الأديان والثقافات، ومنارة فكر وحريات في محيط كثير العتمة. ونتساءل: هل لبنان باقي وفيا لهويته؟ وهل يحمل رسالته بشجاعة ومسؤولية؟ كلنا مدعوون، مسؤولين ومواطنين، إلى أن نعيد للبنان وجهه الحقيقي، نعيد إليه العدل، ونطلق فيه الحرية، ونفتح أمام شبابه أبواب الرجاء، ونبني دولة تليق بتضحيات الآباء وبأحلام الأطفال. على كل مسؤول أن يدرك أن المسؤولية ليست تسلّطاً بل خدمة، وأن الزعامة ليست مصلحة بل شهادة. فليكن في قلوبنا إصرار روحي وأخلاقي على أن ننهض بوطننا، ليس بالكلام فقط بل بالأفعال والمثابرة، وبحكمة من يتعلم من الألم، ويصنع من الجراح رجاء جديدا. يريد الرب يسوع من كل مؤمن ومؤمنة أن يكونا صوتا للحق، وخادمين للمصالحة، وبناة للعدل. هذا ما يحول كل مواطن صالحًا، وكل مسؤول حاملا رسالة تتخطى الحسابات والمصالح الضيقة". وأكد إن "لبنان لا يقسم المواطنين بين أقليات وأكثريات. فمثل هذا المنطق يخفي نزعة نحو السيطرة والغلبة، لا المشاركة الحقيقية، لأن دولتنا المدنية لا تفرز المواطنين إلى أكثريات وأقليات. فالأساس يبقى المواطنة الشاملة". وختم الراعي: "فلنرفع صلاتنا إلى الله لكي يسكب روحه القدّوس على كنيسته وشعبه، ويجدد هويتنا ويقوي رسالتنا، ويجعلنا نعيش نبؤتنا وكهنوتنا وملوكيتنا، ويحررنا من الخوف والخمول، ويلهمنا الجرأة والخير والصدق في الشهادة، والالتزام في الحق ". وبعد القداس، استقبل الراعي المشاركين بالذبيحة الالهية، وقدم له الكاتب انطوان يزبك كتابه الجديد بعنوان" بكفيا الكبرى".