logo
كنوز المغرب المعدنية.. هل تتسيد سوق بطاريات السيارات العالمي؟

كنوز المغرب المعدنية.. هل تتسيد سوق بطاريات السيارات العالمي؟

الجزيرة١١-٠٣-٢٠٢٥

مع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة وخفض الانبعاثات الكربونية، أصبحت السيارات الكهربائية تمثل الحل الأمثل لمستقبل مستدام، إلا أن هذا التحول لا يمكن أن يكتمل دون العنصر الأساسي في هذه المعادلة، وهو بطاريات الليثيوم أيون التي تشكل العمود الفقري للتنقل الكهربائي الأخضر.
ومع تزايد الطلب على هذه البطاريات، تبرز الحاجة الملحة لتأمين موارد المعادن الأساسية اللازمة لتصنيعها، وهنا يظهر دور المغرب، الذي يمتلك كنوزا معدنية هائلة تفتح أمامه فرصا واعدة ليصبح لاعبا رئيسيا في سلسلة إمداد بطاريات الليثيوم أيون على الصعيد العالمي، لكن هذه الفرص لا تخلو من تحديات.
وألقت دراسة مغربية، نشرت في دورية "ساستينابل إينيرجي تكنولوجيز آند اسثمنتس"، الضوء على هذه الفرص والتحديات، وأيد الدكتور ماهر القاضي، الأستاذ المساعد في الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا، والشريك المؤسس لشركة إنتاج البطاريات "نانوتك إنيرجي"، ما جاء في الدراسة من تحليل، مشيرا في تصريحات لـ"الجزيرة نت" إلى فرصة استثمارية قد تساهم في التغلب على التحديات.
واستهل الباحثون من مختبر الكيمياء وفيزياء المواد بكلية العلوم، جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، دراستهم بمراجعة شاملة للأبحاث السابقة لتحديد المعادن الحيوية المستخدمة في بطاريات الليثيوم أيون، ومن هناك، انطلقوا لمناقشة الفرص التي يمتلكها المغرب لتوفير هذه المعادن المهمة.
ووفقا للدراسة، يمتلك المغرب احتياطيات وقدرات إنتاجية كبيرة من المواد الخام اللازمة للبطاريات، بما في ذلك 30 مليون طن متري من الفوسفات، 1.5 مليون طن متري من المنغنيز، 45 مليون طن متري من الكوبالت والنيكل، 5 ملايين طن متري من النحاس، إضافة إلى ترسبات مستقبلية من الحديد، الليثيوم، والجرافيت.
وعلى الرغم من هذه الثروة المعدنية واستقرار المغرب السياسي، أوضح الباحثون أن هناك حاجة إلى تحسين استكشاف وإنتاج هذه المعادن الأساسية، بالإضافة إلى استغلال هذه الموارد التي تصدر حاليا في شكل خام أو نصف مصنع، دون إضافة قيمة كبيرة للاقتصاد الوطني.
لماذا يجب على المغرب اقتحام هذا المجال؟
وتمثل هذه الدراسة قراءة واعية لسوق متنامٍ للسيارات الكهربائية تحت ضغط الاهتمام العالمي بتقليل الاستخدام المفرط للوقود الأحفوري.
وتسبب الاستخدام المفرط لهذا الوقود التقليدي في مشاكل بيئية مثل الاحتباس الحراري وتأثير الدفيئة، حيث يعد تقليل انبعاثات الكربون من قطاع النقل، الذي يسهم بحوالي 15% من الانبعاثات الكربونية العالمية، خطوة حيوية لتقليص الانبعاثات بنسبة 45% بحلول عام 2030، لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، كما هو محدد في اتفاقية باريس.
ويمكن للسيارات الكهربائية، التي تعتمد على تكنولوجيا تخزين الطاقة (أي البطاريات)، أن تقلل بشكل كبير من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن التنقل، ومن المتوقع أن يصل عدد السيارات الكهربائية على الطرقات قريبا إلى 142 مليون سيارة، مما يعكس زيادة كبيرة مقارنة بعدة آلاف في عام 2010 و11.3 مليون سيارة في عام 2020.
والبطارية هي جزء لا يتجزأ من السيارات الكهربائية، وتمثل حوالي 30% من إجمالي تكلفة السيارة، وخلال العقود الثلاثة الماضية، تم تطوير وتقديم عدة تقنيات للبطاريات، ومنذ بدء تسويقها في التسعينيات من قبل شركة سوني، قدمت بطاريات الليثيوم أيون مساهمة كبيرة في قطاع السيارات الكهربائية بفضل خصائصها مثل الكثافة العالية للطاقة، طول عمرها الافتراضي، وانخفاض معدل التفريغ الذاتي، وبحلول عام 2030، من المتوقع أن تمثل بطاريات الليثيوم أيون المستخدمة في السيارات الكهربائية أكثر من 80% من السوق العالمية.
وانطلاقا من هذا الاستعراض، ذهب الباحثون إلى أن المغرب يمكنه الاستفادة من احتياطيات ضخمة من الفوسفات، وهو المعدن الأساسي الذي يدخل في صناعة أحد أنواع بطاريات الليثيوم أيون، إلى جانب معادن أخرى مثل المنغنيز والكوبالت والنيكل والنحاس، ليلعب دورا محوريا في تأمين سلاسل التوريد العالمية للبطاريات، لكن الوضع الحالي يشير إلى أن المغرب يصدر حاليا هذه المواد بشكل خام دون إضافة قيمة كبيرة.
ويقول الباحثون إنه "لتطوير إنتاج محلي للبطاريات، هناك حاجة لتعزيز استكشاف هذه الموارد ورفع مستويات الإنتاج، بالإضافة إلى تبني إستراتيجيات لتحويل هذه المواد إلى منتجات ذات قيمة مضافة عالية تستخدم في صناعة البطاريات، مما يمكن أن يساهم في تعزيز النمو الاقتصادي للمغرب، وخلق فرص عمل جديدة، ودعم الاستدامة البيئية".
مفارقة لافتة.. خمسة أسباب
ولم يشر الباحثون في دراستهم إلى مفارقة لافتة تستحق الاهتمام في سياق استعراض التحديات والفرص، وذلك وفق الدكتور ماهر القاضي، الذي اختير مؤخرا كأحد أكثر 10 قادة مؤثرين في مجال التنقل الكهربي لعام 2025، وفقا لمجلة "سي آي أو لوك" الأميركية.
وقال القاضي: "يوجد أكثر من نوع لبطاريات الليثيوم منها بطارية (ليثيوم نيكل منغنيز كوبالت أكسيد)، وهي الأكثر انتشارا في مجال صناعة السيارات الكهربائية، وبطارية (ليثيوم كوبالت أكسيد)، التي تستخدم بشكل كبير في الأجهزة الإلكترونية المحمولة مثل الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب المحمولة، لكن الأرقام تشير إلى أن سوق البطارية التي تعتمد على خام الفوسفات في تنامٍ كبير، إذ تشكل حاليا 28% من السوق، ومن المتوقع أن تصل إلى 38% عام 2030، وتشير بعض التقديرات إلى أنها ستصبح الأكثر انتشارا خلال 15 عاما".
وانطلق القاضي من هذه المقدمة إلى مفارقة وهي أن "المغرب يحتل قائمة الدول صاحبة المخزون العالمي الأكبر من خام الفوسفات، يليها الصين، ثم مصر، لكن عندما نتحدث عن تكرير خام الفوسفات، فإن الصين تأتي في المقدمة عالميا وبدون أي منازع، ذلك لأنها أدركت أن المستقبل يتجه نحو السيارات الكهربائية، فخططت للسيطرة على سوق تكرير المعادن المستخدمة في إنتاج البطاريات التي تحتاجها هذه السيارات".
وحتى يتحقق الهدف الذي سعت له الدراسة، وهو تبني إستراتيجيات لتحويل خام الفوسفات وغيره من المعادن إلى منتجات ذات قيمة مضافة عالية، يوجه القاضي إلى ضرورة دراسة الأسباب التي جعلت الصين تتقدم حتى على أوروبا وأميركا في سوق تكرير المعادن المستخدمة في إنتاج البطاريات، ويوضح أن أبرز هذه الأسباب هي:
أولا: الاستثمار المبكر في تطوير صناعة تكرير المعادن الضرورية لصناعة البطاريات، والعمل على بناء سلسلة إمداد متكاملة تشمل الاستخراج، التكرير، والتصنيع، وقيام الحكومة والشركات الصينية في هذا الإطار بالاستثمار بكثافة في المناجم في أفريقيا، وأميركا الجنوبية، وأستراليا لتأمين الإمدادات اللازمة من هذه المعادن.
ثانيا: امتلاك بنية تحتية صناعية كبيرة تدعم تكرير المعادن على نطاق واسع، بالإضافة إلى امتلاك شبكات طاقة رخيصة نسبيا يمكنها تشغيل مصانع التكرير التي تحتاج إلى استهلاك ضخم من الطاقة.
ثالثا: وجود خبرة فنية ومصانع قادرة على تشغيل عمليات التكرير بشكل فعال، مما جعلها وجهة رئيسية لتكرير المعادن.
رابعا: تقدم الصين تكاليف إنتاج أقل مقارنة بأميركا وأوروبا بسبب الأجور المنخفضة، كما أن التكاليف العالية الناجمة عن الالتزام باللوائح البيئية تجعل تكرير المعادن في الولايات المتحدة وأوروبا أقل تنافسية بالمقارنة مع الصين.
خامسا: الدعم الحكومي للشركات الصينية العاملة في تكرير المعادن وصناعة البطاريات، لأن الحكومة لديها رؤية إستراتيجية لتأمين السيطرة على سلاسل التوريد العالمية المتعلقة بالطاقة النظيفة والتكنولوجيا المتقدمة، وتكرير المعادن جزء رئيسي من هذه الرؤية.
فرصة استثمارية تستحق الاهتمام
ويرى القاضي أن هناك فرصة سانحة الآن لاستفادة المغرب من التجربة الصينية، حيث ستسعى شركات صينية لإنتاج البطاريات من المغرب، لاستغلال توفر الخامات، وللهروب من تداعيات الحرب التجارية التي تشنها أميركا وأوروبا على الصين.
وتفرض أميركا والصين في إطار تلك الحرب التجارية تعريفات جمركية مرتفعة على المنتجات القادمة من الصين، وهذا من شأنه أن يرفع سعر البطارية بشكل مبالغ فيه، قد يضر من قدرة الصين على المنافسة في هذا المجال، ومن ثم فإن التصنيع في دول أخرى قد يكون حلا تلجأ له الشركات الصينية للهروب من تلك المشكلة.
ويقول القاضي: "بالفعل لجأت مؤخرا شركة (سي إن جي آر) الصينية، الرائدة عالميا في مجال مواد بطاريات الطاقة الجديدة، إلى توقيع اتفاقية مع شركة مغربية لتصنيع بطاريات في المغرب باستثمار قيمته تتعدى ملياري دولار، وستكون نسبة الشركة المغربية وفق هذا الاتفاق 50% من الأسهم، لكن الأهم من ذلك هو أن الخبرة الصينية جاءت إلى الأرض المغربية، وهذه فرصة أكبر للاقتراب من التجربة والاستفادة منها بشكل يسمح بتدشين استثمارات محلية خالصة تستفيد من الحرب التجارية الدائرة بين الصين وأميركا وأوروبا".
ويضيف أن "مصر لديها الفرصة نفسها أيضا، حيث تمتلك ثالث احتياطي عالمي من الفوسفات، وتصدره هي الأخرى بشكل خام دون إضافة قيمة كبيرة".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ثروات تحت الصقيع.. غرينلاند ساحة جديدة للصراع الجيوسياسي العالمي
ثروات تحت الصقيع.. غرينلاند ساحة جديدة للصراع الجيوسياسي العالمي

الجزيرة

time٠٣-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

ثروات تحت الصقيع.. غرينلاند ساحة جديدة للصراع الجيوسياسي العالمي

في أقصى شمال الأرض، تحوّلت غرينلاند من جزيرة نائية سكنها الصمت إلى مسرح تتقاطع فيه الجيولوجيا بالسياسة، والعزلة بالطموح، وسط أطماع دولية تتنازع على طبيعتها البكر وثرواتها الكامنة. وفي تحقيق خاص ضمن سلسلة تقارير قناة الجزيرة عن التنافس العالمي على المعادن النادرة، يصحبنا مراسل القناة محمد البقالي إلى قلب هذه الجزيرة النائية، ليكشف عن تفاصيل تُروى لأول مرة عن معادن دفينة تحت الجليد، تحوّلت إلى محور تنافس بين دول كبرى، على رأسها الولايات المتحدة والصين. وتتمثل هذه المعادن في الليثيوم والكوبالت واليورانيوم، التي تُعدّ اليوم القلب النابض لصناعات المستقبل، هي الوقود الجديد الذي يُشعل صراعات الجغرافيا السياسية. وفي حديثه للجزيرة، يتذكر البحّار "إريك بالو شيكوبسن" الحظة التي تحوّلت فيها حياته، حين دله الجيولوجيون على ترسّبات للذهب قرب مكان إقامته. وبدت له البداية أشبه بحلم وردي: "ظننت أنني سأصبح غنيا"، يقول وقد علت نبرته نغمة حسرة. لكنه، مثل غرينلاند، وقع في فخّ الوهم. اكتشف "شيكوبسن" الذهب بالفعل، لكنه أدرك أن مردوده لا يتجاوز دولارا واحدا في الساعة، فلم يكن الكنز كما تصوّره.. بل لعنة "حمى الذهب" التي قلبت سكينته إلى خوف وهوس. إعلان هذه القصة، رغم خصوصيتها، تتكرر بتفاصيل مختلفة على امتداد الجزيرة، فالاهتمام العالمي بغرينلاند لا يعود فقط إلى جمالها الطبيعي أو تاريخها الفايكنغي، بل إلى ما تُخفيه جبالها من معادن تُستخدم في صناعة السيارات الكهربائية، وتكنولوجيا الطاقة النظيفة، والأنظمة الدفاعية الحديثة. وهو ما يجعل السؤال الذي طرحه البقالي على كبير الجيولوجيين توماس في يوم عاصف بالغ الدلالة: ما الذي يجعل هذه المعادن نادرة؟ ولماذا تُثير كل هذا التنافس الدولي؟ أجاب توماس ببساطة العالم الواثق: "ليست الندرة في عددها، بل في صعوبة استخراجها، وفي الكلفة البيئية والسياسية لذلك". فالمعادن النادرة موجودة في أماكن متعددة حول العالم، لكن غرينلاند تملك ما هو أكثر من الكمية: تملك الجودة، والتنوّع، والأهم التوقيت الجيوسياسي المناسب. إلا أن تلك الثروة لا تخلو من التبعات، فبينما تطمح الحكومات الكبرى إلى مدّ نفوذها داخل الجزيرة، يخشى السكان المحليون أن تتحوّل أرضهم إلى ضحية جديدة لعالم لا يعرف سوى لغة المصالح. انقسام داخلي ويبدو أن موقف السكان الأصليين، الذين عاشوا لقرون على هامش هذه الثروات دون أن يتدخّلوا فيها، بدأ يشهد انقساما داخليا، فبينما يرى البعض في الاستثمارات الخارجية فرصة للنهضة الاقتصادية، يحذّر آخرون من كارثة بيئية وتهديد لهويتهم الثقافية. وقد اشتد هذا الجدل عندما أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب رغبته العلنية في "شراء" غرينلاند من الدانمارك، وأثارت الفكرة دهشة العالم، لكنها لم تكن مجرّد نكتة سياسية. فالإدارة الأميركية آنذاك كانت مدفوعة برؤية إستراتيجية تنظر إلى غرينلاند كمفتاح لموارد نادرة، وكنقطة ارتكاز جيوسياسية في الشمال القطبي، حيث تتسابق الدول لبسط النفوذ في المناطق المتجمدة. ولا يكتمل المشهد دون الإشارة إلى الصين، التي دخلت بدورها على خط المنافسة، مقدّمة عروضا سخية للتنقيب والتعدين، لكن الجزيرة، التي تسعى للحفاظ على توازناتها الدقيقة، تجد نفسها محاصرة بين القوى الكبرى، في حين تنظر شعوبها إلى هذا الصراع بشيء من الريبة والأسى.

تحقيق للجزيرة عن معادن أفغانستان النادرة وتحديات تعوق استغلالها
تحقيق للجزيرة عن معادن أفغانستان النادرة وتحديات تعوق استغلالها

الجزيرة

time٠٢-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

تحقيق للجزيرة عن معادن أفغانستان النادرة وتحديات تعوق استغلالها

اشتهرت أفغانستان منذ قرون بثروات باطنية تستطيع من خلالها التخلص من الفقر، والتقدم بين الدول اقتصاديا، لكن البلاد تواجه منذ 4 عقود تحديات أمنية وسياسية كبيرة في التنقيب وصناعات التعدين. وتابعت الجزيرة -عبر تحقيق خاص أعده الصحفي عمر حلبي- مسار من نقّبوا عن هذه الثروات، وواقع البلاد اليوم في ظل تنافس دولي محتدم على المعادن النادرة. وتعد ولاية غزني واحدة من أفقر الولايات الأفغانية رغم ما في جبالها وأراضيها من ثروات هائلة، وينطبق الحال على ولايات أخرى مثل هلمند وهيرات ونيمروز ولوغر وبدخشان ونورستان وبنجشير وبغلان وكونار. وحرمت الصراعات والحروب أهل هذه المناطق مما تختزنه أراضيهم من ثروات، في وقت يرى فيه الأهالي ثرواتهم الدفنية آمالا بعيدة المنال. وبذل الجيش البريطاني في القرن الـ19 جهودا لتقييم الموارد المعدنية بالمنطقة، في حين أجرى الاتحاد السوفياتي -خلال سبعينيات القرن الـ20- مسوحات واسعة النطاق للموارد المعدنية في البلاد. وعثر الأميركيون على مجموعة من السجلات السوفياتية في مكتبة المسح الجيولوجي الأفغاني بالعاصمة كابل، لتبدأ هيئة المسح الجيولوجي الأميركية ونظيرتها الأفغانية عام 2006 المسح الجيولوجي الأكثر شمولية للبلاد. يقول داود هدف، وهو مهندس جيولوجي أفغاني ونائب رئيس دائرة المناجم في غزني، إن الولاية غنية بالمناجم، خصوصا بالذهب والليثيوم، كاشفا أن الدراسات بدأها الروس وتابعهم خبراء أميركيون، وشدد على ضرورة إجراء دراسات معمقة وتوفّر أموال وفنيين. وأشار داود إلى أن الحكومة الماضية لم تكن متفرغة للمناجم بل للحرب، مؤكدا أن استتباب الأمن الآن وضع حدا للتصرفات التي أضرت بالمناجم بعد أن كانت عرضة للنهب. معادن دفينة وتشير البيانات الأميركية والأفغانية إلى وجود تنوع مذهل من المعادن الدفينة وعناصر التربة النادرة في أفغانستان، سواء من حيث عدد المناجم أو ما تحتويه. وقد يكون مخزون الليثيوم جنوبي البلاد ثاني أكبر احتياطي في العالم، في حين تحتوي أفغانستان على كميات هائلة من الذهب، وأيضا من الحديد والرخام والأحجار الكريمة وخليط من المعادن النادرة كاليورانيوم. ولا تقل أهمية النحاس عن الذهب في أفغانستان، إذ يعد مخزونه في ولاية لوغر وحدها ثاني أكبر احتياطي في العالم. يقول خليل أحمدزي، وهو مهندس جيولوجي مشرف حكومي على منجم النحاس في لوغر، إن هناك عددا كبيرا من المناجم في المنطقة وأهمها النحاس، مشيرا إلى أن الخبراء السوفيات بدؤوا العمل، لكنه توقف بسبب الاجتياح السوفياتي ثم انسحابه. وأكد أحمدزي أن أفغانستان إذا استغلت المناجم لن تحقق الاكتفاء الذاتي فحسب، بل سيتغير وجه البلاد، مشيرا إلى أن "لمناجمنا قيمة فائقة في السوق العالمي كونها لم تستغل بعد". حضور الصين ويبقى حضور الصين أكبر في مجال التنقيب بأفغانستان رغم جهود الأميركيين، إذ وقعت شركة صينية عام 2007 اتفاق تنقيب لمدة 30 عاما في منجم عينك، ثاني أكبر مناجم النحاس في العالم. وتوقف العمل في هذا المنجم عام 2013 لأسباب عديدة، لكن بعد وصول طالبان إلى السلطة، استؤنفت عمليات التنقيب. إعلان ووفق مستشار نائب رئيس الوزراء الأفغاني للشؤون الاقتصادية عبد الله عزام، فإن السبب الرئيسي لتوقف عمل الصينيين في منجم النحاس هو وجود الآثار هناك، مؤكدا أن الحكومة وضعت آلية شاملة لنقل الآثار إلى مكان آمن. وقد قدمت الشركة الصينية عهودا ببدء العمل في أقرب فرصة، في حين لن تسمح الحكومة الأفغانية بمماطلة العمل في المنجم، كما يقول عزام. عراقيل جمة ورغم استتباب الأمن، يعتري طريق صناعات التعدين في أفغانستان عراقيل جمة، أولها دمار البنية التحتية، وليس آخرها عزلة أفغانستان الدولية، إذ لم تنل طالبان اعترافا دوليا بعد. ووجدت الحكومة الأفغانية في الصين سبيلا لنيل الدعم وتطوير الاقتصاد في ظل الشروط التي تضعها واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون لدمجها في المجتمع الدولي. وتبدو بكين حريصة على التعاون مع كابل سواء لتأمين حدودها أو محاولة التحكم بالثروات المعدنية الثمينة، لكن التنافس يبقى قائما مع شركات أجنبية خاصة أخرى (أميركية وغربية وأوروبية شرقية وآسيوية). يقول عزام إن الحكومة الحالية تعمل على إصلاح البنية التحتية، "وتلقينا عروضا كثيرة من شركات أجنبية خصوصا مناجم الليثيوم"، كاشفا توقيع عقود تعدين في 7 مناجم رئيسية. وبعيدا عن المعادن الثمينة، ينشغل الأفغان حاليا بما يقدرون عليه من ثروات بلادهم كالفحم الحجري، إذ غدا الإقبال العالمي عليه واسعا بعد أزمة الطاقة العالمية.

كيف تلاعب العصر الجليدي الأخير بصفائح الأرض التكتونية؟
كيف تلاعب العصر الجليدي الأخير بصفائح الأرض التكتونية؟

الجزيرة

time٢٩-٠٤-٢٠٢٥

  • الجزيرة

كيف تلاعب العصر الجليدي الأخير بصفائح الأرض التكتونية؟

يعتقد كثير من الناس أن تحركات القارات وانشقاق قاع المحيطات هي عمليات بطيئة تحدث على مدى ملايين السنين. لكن دراسة جديدة أجراها عالمان من جامعة كولورادو بولدر بالولايات المتحدة، كشفت أن هذه العمليات قد تتأثر أيضا بتغيرات سريعة في مناخ الأرض، مثل ذوبان الكتل الجليدية الضخمة. فمنذ حوالي 10 آلاف عام، عندما بدأ العصر الجليدي الأخير في الانتهاء، ذابت كتل جليدية هائلة كانت تغطي أجزاء واسعة من أميركا الشمالية، وتدفقت كميات هائلة من المياه إلى المحيطات. وبحسب الدراسة التي نشرت في مجلة "نيتشر"، فإن هذا الذوبان أدى إلى تسريع حركة الصفائح القارية. ويقول الباحث الرئيسي بالدراسة "تاو يوان" -طالب الدراسات العليا بقسم الفيزياء في جامعة كولورادو بولدر- في تصريحات لـ"الجزيرة نت": "عندما قل حجم الجليد بشكل كبير، تسبب ذلك في حركة ضخمة في قشرة الأرض. كان العلماء يعرفون أن ذوبان الجليد يؤدي إلى ارتفاع الأرض، لكن ما وجدناه هو أن الصفائح تحركت أفقيا أيضا بشكل ملحوظ." ارتفاع البحر وتحرك اليابسة اعتمد المؤلفان على نماذج حاسوبية لمحاكاة ما حدث للأرض قبل حوالي 26 ألف سنة. ففي ذلك الوقت، كانت قارة أميركا الشمالية مغطاة بطبقة جليدية تعرف باسم "لوغرانتايد"، امتدت حتى ولاية بنسلفانيا الحالية. ومع بدء الذوبان، ارتفع منسوب مياه البحر بمعدل سنتيمتر واحد سنويا حول العالم، ولكن لم يكن هذا هو التغيير الوحيد، وفقا للدراسة، إذ أظهرت النماذج أن القارة الأميركية تحركت أفقيا بسرعة زادت بنسبة 25%، بينما تسارع التمدد عند منتصف المحيط الأطلسي بنسبة وصلت إلى 40% بين عامي 12 ألفا و6 آلاف قبل الميلاد. وأوضح "يوان" أن هذه النتائج تتحدى الفكرة السائدة بأن تحركات الصفائح الأرضية تحدث فقط بسبب حرارة باطن الأرض، قائلا: "كنا نعتقد لوقت طويل أن العمليات مثل انقسام قاع المحيط وانجراف القارات تتم على مدى ملايين السنين بفعل محرك الأرض الداخلي. وهذا لا يزال صحيحا، لكننا نظهر الآن أن ذوبان الجليد يمكنه أيضا التسبب بحركات كبيرة خلال فترة قصيرة نسبيا، مثل 10 آلاف سنة". نشاط بركاني في آيسلندا لم يقتصر تأثير ذوبان الجليد على تحرك القارات فقط، بل امتد ليشمل النشاط البركاني أيضا، خاصة في آيسلندا التي تقع فوق منطقة من قاع المحيط تعرف بـ"منتصف الأطلسي"، حيث تندفع الصهارة من باطن الأرض إلى السطح، مكونة أراضي جديدة. ويشير الباحثان إلى أن نهاية العصر الجليدي شهدت نشاطا بركانيا مكثفا في آيسلندا، ربما كان سببه ذوبان الجليد من غرينلاند المجاورة، والذي ساعد على تعزيز التمدد في قاع المحيط، مما سمح للصهارة بالخروج بسهولة أكبر. ويقول "يوان": "قد يكون نمط النشاط البركاني في آيسلندا خلال تلك الفترة ناتجا جزئيا عن ذوبان الجليد الذي درسناه". وعلى الرغم من أن ذوبان الجليد الحالي في غرينلاند وغرب القارة القطبية الجنوبية لا يؤثر بعد على حركة القارات، فإن الباحثين يحذرون من أن استمرار هذا الذوبان بوتيرة متسارعة قد يؤدي إلى نتائج مشابهة في المستقبل، خاصة في المناطق القريبة من منتصف المحيطات. ويؤكد الباحث الرئيسي في الدراسة أن صفائح الجليد في غرينلاند وغرب أنتاركتيكا ما زالت تذوب، ومن ثم، يعتقد الباحثان أن هذا الذوبان قد يعزز تمدد قاع المحيط وزيادة النشاط البركاني في المستقبل. ويضيف أن الدراسة تسلط الضوء على الروابط العميقة والمعقدة بين المناخ والنشاط الجيولوجي، وتؤكد أن تغير المناخ لا يقتصر على الطقس ودرجات الحرارة، بل يمتد ليشمل أعماق الأرض نفسها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store