logo
ثروات تحت الصقيع.. غرينلاند ساحة جديدة للصراع الجيوسياسي العالمي

ثروات تحت الصقيع.. غرينلاند ساحة جديدة للصراع الجيوسياسي العالمي

الجزيرة٠٣-٠٥-٢٠٢٥

في أقصى شمال الأرض، تحوّلت غرينلاند من جزيرة نائية سكنها الصمت إلى مسرح تتقاطع فيه الجيولوجيا بالسياسة، والعزلة بالطموح، وسط أطماع دولية تتنازع على طبيعتها البكر وثرواتها الكامنة.
وفي تحقيق خاص ضمن سلسلة تقارير قناة الجزيرة عن التنافس العالمي على المعادن النادرة، يصحبنا مراسل القناة محمد البقالي إلى قلب هذه الجزيرة النائية، ليكشف عن تفاصيل تُروى لأول مرة عن معادن دفينة تحت الجليد، تحوّلت إلى محور تنافس بين دول كبرى، على رأسها الولايات المتحدة والصين.
وتتمثل هذه المعادن في الليثيوم والكوبالت واليورانيوم، التي تُعدّ اليوم القلب النابض لصناعات المستقبل، هي الوقود الجديد الذي يُشعل صراعات الجغرافيا السياسية.
وفي حديثه للجزيرة، يتذكر البحّار "إريك بالو شيكوبسن" الحظة التي تحوّلت فيها حياته، حين دله الجيولوجيون على ترسّبات للذهب قرب مكان إقامته.
وبدت له البداية أشبه بحلم وردي: "ظننت أنني سأصبح غنيا"، يقول وقد علت نبرته نغمة حسرة. لكنه، مثل غرينلاند، وقع في فخّ الوهم.
اكتشف "شيكوبسن" الذهب بالفعل، لكنه أدرك أن مردوده لا يتجاوز دولارا واحدا في الساعة، فلم يكن الكنز كما تصوّره.. بل لعنة "حمى الذهب" التي قلبت سكينته إلى خوف وهوس.
إعلان
هذه القصة، رغم خصوصيتها، تتكرر بتفاصيل مختلفة على امتداد الجزيرة، فالاهتمام العالمي بغرينلاند لا يعود فقط إلى جمالها الطبيعي أو تاريخها الفايكنغي، بل إلى ما تُخفيه جبالها من معادن تُستخدم في صناعة السيارات الكهربائية، وتكنولوجيا الطاقة النظيفة، والأنظمة الدفاعية الحديثة.
وهو ما يجعل السؤال الذي طرحه البقالي على كبير الجيولوجيين توماس في يوم عاصف بالغ الدلالة: ما الذي يجعل هذه المعادن نادرة؟ ولماذا تُثير كل هذا التنافس الدولي؟
أجاب توماس ببساطة العالم الواثق: "ليست الندرة في عددها، بل في صعوبة استخراجها، وفي الكلفة البيئية والسياسية لذلك". فالمعادن النادرة موجودة في أماكن متعددة حول العالم، لكن غرينلاند تملك ما هو أكثر من الكمية: تملك الجودة، والتنوّع، والأهم التوقيت الجيوسياسي المناسب.
إلا أن تلك الثروة لا تخلو من التبعات، فبينما تطمح الحكومات الكبرى إلى مدّ نفوذها داخل الجزيرة، يخشى السكان المحليون أن تتحوّل أرضهم إلى ضحية جديدة لعالم لا يعرف سوى لغة المصالح.
انقسام داخلي
ويبدو أن موقف السكان الأصليين، الذين عاشوا لقرون على هامش هذه الثروات دون أن يتدخّلوا فيها، بدأ يشهد انقساما داخليا، فبينما يرى البعض في الاستثمارات الخارجية فرصة للنهضة الاقتصادية، يحذّر آخرون من كارثة بيئية وتهديد لهويتهم الثقافية.
وقد اشتد هذا الجدل عندما أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب رغبته العلنية في "شراء" غرينلاند من الدانمارك، وأثارت الفكرة دهشة العالم، لكنها لم تكن مجرّد نكتة سياسية.
فالإدارة الأميركية آنذاك كانت مدفوعة برؤية إستراتيجية تنظر إلى غرينلاند كمفتاح لموارد نادرة، وكنقطة ارتكاز جيوسياسية في الشمال القطبي، حيث تتسابق الدول لبسط النفوذ في المناطق المتجمدة.
ولا يكتمل المشهد دون الإشارة إلى الصين، التي دخلت بدورها على خط المنافسة، مقدّمة عروضا سخية للتنقيب والتعدين، لكن الجزيرة، التي تسعى للحفاظ على توازناتها الدقيقة، تجد نفسها محاصرة بين القوى الكبرى، في حين تنظر شعوبها إلى هذا الصراع بشيء من الريبة والأسى.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

موقع الجزيرة نت يطلق صفحة تعنى بقضايا البيئة والمناخ
موقع الجزيرة نت يطلق صفحة تعنى بقضايا البيئة والمناخ

الجزيرة

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

موقع الجزيرة نت يطلق صفحة تعنى بقضايا البيئة والمناخ

أطلق موقع الجزيرة نت صفحة مختصة في قضايا البيئة والمناخ، انطلاقا من حرصه على معالجة القضايا الإنسانية الشاملة، وانحيازه إلى الإنسان في كل مكان، ولكون التغير المناخي وآثاره تعد أهم تحد على الإطلاق يواجه البشرية اليوم. وفي هذا السياق، ستعمل الصفحة ضمن قوالب وأنماط صحفية متنوعة تجمع بين الإخباري والتوعوي والتثقيفي على الاهتمام بقضايا البيئة والمناخ والتلوث، وتفتح ملفاتها. كما ستفرد مجالا للطبيعة وتنوعها، وتضيء على المبادرات المحلية والإقليمية والدولية والحلول الداعمة للاستدامة البيئية من أجل مستقبل أفضل للكوكب والبشرية. فأزمة المناخ باتت واقعا خطيرا تعيشه البشرية اليوم، ما يستوجب إبراز مخاطرها، وتسليط الضوء على الضرر الهائل الذي يسببه الاحتباس الحراري وتداعياته لماذا البيية والمناخ؟ تقتل الحروب والصراعات حول العالم بضع مئات أو الآلاف حول العالم سنويا، في حين يودي تلوث الهواء وحده باعتباره أحد مفردات التلوث البيئي والتغير المناخي بنحو 7 ملايين نسمة سنويا وفق آخر تقارير وكالة الطاقة الدولية. كما تسبب عوامل التغير المناخي الأخرى -من ارتفاع الحرارة والفيضانات والطقس المتطرف وتلوث التربة، والأمراض والأوبئة الناجمة عن كل ذلك- موت مئات الآلاف سنويا، أي أن أكبر خطر يهدد البشرية اليوم بصمت هو الاعتداء على الطبيعة والبيئة من حولنا، والوصول بنقاط التحول المناخي إلى عتبة اللاعودة. وفي وقت تعدّ فيه الصراعات الجيوسياسية الباردة أو الساخنة، سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية، مشاكل ظرفية يمكن إدارتها والتحكم فيها وحلها في النهاية، تبدو مشكلة المناخ العالمي قضية إنسانية عالمية خطيرة حاضرا ومستقبلا، وتهم كل فرد على وجه الأرض. والمشكلة أن قضية التغير المناخي في بعدها الإنساني العالمي وشموليتها وارتباط مخاطرها المؤجلة نسبيا بالتنافس الاقتصادي بين القوى الكبرى، وكذلك البحث عن رفاهية البشر بأي ثمن، جعلت كل الحلول حتى الآن منقوصة وغير فعالة حتى الآن، وهو ما يقود البشرية عمليا إلى نوع من الانتحار البطيء. ورغم أن الاهتمام بمتغيرات البيئة والمناخ يبدو -وفق بعض السرديات- ترفا في مجتمعات ودول تعاني من الفقر والجوع وضعف مستويات التنمية، فإن هذه المجتمعات والدول نفسها تعاني من أخطر آثار هذه المتغيرات، ولا تمتلك الأدوات اللازمة للتصدي لها، ولذلك يصبح الوعي البيئي أداة فعالة لحماية الموارد الطبيعية وتحقيق التنمية. وتدفع دول الجنوب (الفقيرة والنامية)، التي لا تساهم عمليا إلا بنسبة 4% في الاحترار العالمي، أثمانا باهظة للتغير المناخي الراهن الذي تسببت فيه الدول الغنية بالاستغلال المفرط لموارد الأرض منذ الثورة الصناعية. وفي الوقت ذاته، تتراجع دول الشمال عن التزاماتها بمساعدة تلك الدول عبر دفع ديون المناخ التي تشمل ديون التكيف والانبعاثات، ويجسد كل ذلك ما اصطلح على تسميته "اللاعدالة المناخية". التحديات والالتزامات ويأتي استنزاف الطبيعة ومواردها في النهاية نتاجا للنزعة الاستهلاكية المفرطة والجشع الاقتصادي التي تشجعه الشركات، والاستنزاف الذي وصل بالكوكب إلى عتبة انهيار مناخي خطيرة. ولا يمكن إنكار ما تحقق طوال السنوات الماضية على صعيد الدول أو المجتمع الدولي -خصوصا منذ اتفاقية باريس للمناخ عام 2015- من خطوات معقولة "لاستعادة الأرض" ووقف التمادي في إطلاق الانبعاثات التي تسبب الاحتباس الحراري. في المقابل، تأتي حالة التراجع الراهنة في الولايات المتحدة، وعودة سرديات إنكار التغير المناخي بعودة الرئيس دونالد ترامب، والخروج من اتفاق باريس للمناخ لتترك أثرا سلبيا، وحالة من عدم اليقين بشأن سياسات العمل المناخي والبيئي العالمي. وتثبت كل تلك التحولات والوقائع والظواهر المناخية والمخاطر البيئية المتفاقمة أن مشاكل وقضايا البيئة والمناخ الراهنة -والتي تزداد تفاقما- ليست ملفا هامشيا أو مجرد خبر يروى، بقدر ما هي قضية عالمية شديدة الخطورة وعابرة للدول والجنسيات والأجيال، تتطلب يقظة والتزاما ودعما. ويسعى موقع الجزيرة نت من جانبه إلى أن يكون مشاركا في ذلك ودافعا له.

تدمير الأراضي الزراعية وتأثيره على الأمن الغذائي في غزة
تدمير الأراضي الزراعية وتأثيره على الأمن الغذائي في غزة

الجزيرة

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

تدمير الأراضي الزراعية وتأثيره على الأمن الغذائي في غزة

أظهر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة لتحليل صور الأقمار الاصطناعية أن ما يقرب من 81% من الأراضي الصالحة للزراعة في قطاع غزة شهدت انخفاضا عاليا في صحة وكثافة المحاصيل الزراعية. اقرأ المزيد المصدر : الجزيرة

ثروات تحت الصقيع.. غرينلاند ساحة جديدة للصراع الجيوسياسي العالمي
ثروات تحت الصقيع.. غرينلاند ساحة جديدة للصراع الجيوسياسي العالمي

الجزيرة

time٠٣-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

ثروات تحت الصقيع.. غرينلاند ساحة جديدة للصراع الجيوسياسي العالمي

في أقصى شمال الأرض، تحوّلت غرينلاند من جزيرة نائية سكنها الصمت إلى مسرح تتقاطع فيه الجيولوجيا بالسياسة، والعزلة بالطموح، وسط أطماع دولية تتنازع على طبيعتها البكر وثرواتها الكامنة. وفي تحقيق خاص ضمن سلسلة تقارير قناة الجزيرة عن التنافس العالمي على المعادن النادرة، يصحبنا مراسل القناة محمد البقالي إلى قلب هذه الجزيرة النائية، ليكشف عن تفاصيل تُروى لأول مرة عن معادن دفينة تحت الجليد، تحوّلت إلى محور تنافس بين دول كبرى، على رأسها الولايات المتحدة والصين. وتتمثل هذه المعادن في الليثيوم والكوبالت واليورانيوم، التي تُعدّ اليوم القلب النابض لصناعات المستقبل، هي الوقود الجديد الذي يُشعل صراعات الجغرافيا السياسية. وفي حديثه للجزيرة، يتذكر البحّار "إريك بالو شيكوبسن" الحظة التي تحوّلت فيها حياته، حين دله الجيولوجيون على ترسّبات للذهب قرب مكان إقامته. وبدت له البداية أشبه بحلم وردي: "ظننت أنني سأصبح غنيا"، يقول وقد علت نبرته نغمة حسرة. لكنه، مثل غرينلاند، وقع في فخّ الوهم. اكتشف "شيكوبسن" الذهب بالفعل، لكنه أدرك أن مردوده لا يتجاوز دولارا واحدا في الساعة، فلم يكن الكنز كما تصوّره.. بل لعنة "حمى الذهب" التي قلبت سكينته إلى خوف وهوس. إعلان هذه القصة، رغم خصوصيتها، تتكرر بتفاصيل مختلفة على امتداد الجزيرة، فالاهتمام العالمي بغرينلاند لا يعود فقط إلى جمالها الطبيعي أو تاريخها الفايكنغي، بل إلى ما تُخفيه جبالها من معادن تُستخدم في صناعة السيارات الكهربائية، وتكنولوجيا الطاقة النظيفة، والأنظمة الدفاعية الحديثة. وهو ما يجعل السؤال الذي طرحه البقالي على كبير الجيولوجيين توماس في يوم عاصف بالغ الدلالة: ما الذي يجعل هذه المعادن نادرة؟ ولماذا تُثير كل هذا التنافس الدولي؟ أجاب توماس ببساطة العالم الواثق: "ليست الندرة في عددها، بل في صعوبة استخراجها، وفي الكلفة البيئية والسياسية لذلك". فالمعادن النادرة موجودة في أماكن متعددة حول العالم، لكن غرينلاند تملك ما هو أكثر من الكمية: تملك الجودة، والتنوّع، والأهم التوقيت الجيوسياسي المناسب. إلا أن تلك الثروة لا تخلو من التبعات، فبينما تطمح الحكومات الكبرى إلى مدّ نفوذها داخل الجزيرة، يخشى السكان المحليون أن تتحوّل أرضهم إلى ضحية جديدة لعالم لا يعرف سوى لغة المصالح. انقسام داخلي ويبدو أن موقف السكان الأصليين، الذين عاشوا لقرون على هامش هذه الثروات دون أن يتدخّلوا فيها، بدأ يشهد انقساما داخليا، فبينما يرى البعض في الاستثمارات الخارجية فرصة للنهضة الاقتصادية، يحذّر آخرون من كارثة بيئية وتهديد لهويتهم الثقافية. وقد اشتد هذا الجدل عندما أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب رغبته العلنية في "شراء" غرينلاند من الدانمارك، وأثارت الفكرة دهشة العالم، لكنها لم تكن مجرّد نكتة سياسية. فالإدارة الأميركية آنذاك كانت مدفوعة برؤية إستراتيجية تنظر إلى غرينلاند كمفتاح لموارد نادرة، وكنقطة ارتكاز جيوسياسية في الشمال القطبي، حيث تتسابق الدول لبسط النفوذ في المناطق المتجمدة. ولا يكتمل المشهد دون الإشارة إلى الصين، التي دخلت بدورها على خط المنافسة، مقدّمة عروضا سخية للتنقيب والتعدين، لكن الجزيرة، التي تسعى للحفاظ على توازناتها الدقيقة، تجد نفسها محاصرة بين القوى الكبرى، في حين تنظر شعوبها إلى هذا الصراع بشيء من الريبة والأسى.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store