
تحقيق للجزيرة عن معادن أفغانستان النادرة وتحديات تعوق استغلالها
اشتهرت أفغانستان منذ قرون بثروات باطنية تستطيع من خلالها التخلص من الفقر، والتقدم بين الدول اقتصاديا، لكن البلاد تواجه منذ 4 عقود تحديات أمنية وسياسية كبيرة في التنقيب وصناعات التعدين.
وتابعت الجزيرة -عبر تحقيق خاص أعده الصحفي عمر حلبي- مسار من نقّبوا عن هذه الثروات، وواقع البلاد اليوم في ظل تنافس دولي محتدم على المعادن النادرة.
وتعد ولاية غزني واحدة من أفقر الولايات الأفغانية رغم ما في جبالها وأراضيها من ثروات هائلة، وينطبق الحال على ولايات أخرى مثل هلمند وهيرات ونيمروز ولوغر وبدخشان ونورستان وبنجشير وبغلان وكونار.
وحرمت الصراعات والحروب أهل هذه المناطق مما تختزنه أراضيهم من ثروات، في وقت يرى فيه الأهالي ثرواتهم الدفنية آمالا بعيدة المنال.
وبذل الجيش البريطاني في القرن الـ19 جهودا لتقييم الموارد المعدنية بالمنطقة، في حين أجرى الاتحاد السوفياتي -خلال سبعينيات القرن الـ20- مسوحات واسعة النطاق للموارد المعدنية في البلاد.
وعثر الأميركيون على مجموعة من السجلات السوفياتية في مكتبة المسح الجيولوجي الأفغاني بالعاصمة كابل، لتبدأ هيئة المسح الجيولوجي الأميركية ونظيرتها الأفغانية عام 2006 المسح الجيولوجي الأكثر شمولية للبلاد.
يقول داود هدف، وهو مهندس جيولوجي أفغاني ونائب رئيس دائرة المناجم في غزني، إن الولاية غنية بالمناجم، خصوصا بالذهب والليثيوم، كاشفا أن الدراسات بدأها الروس وتابعهم خبراء أميركيون، وشدد على ضرورة إجراء دراسات معمقة وتوفّر أموال وفنيين.
وأشار داود إلى أن الحكومة الماضية لم تكن متفرغة للمناجم بل للحرب، مؤكدا أن استتباب الأمن الآن وضع حدا للتصرفات التي أضرت بالمناجم بعد أن كانت عرضة للنهب.
معادن دفينة
وتشير البيانات الأميركية والأفغانية إلى وجود تنوع مذهل من المعادن الدفينة وعناصر التربة النادرة في أفغانستان، سواء من حيث عدد المناجم أو ما تحتويه.
وقد يكون مخزون الليثيوم جنوبي البلاد ثاني أكبر احتياطي في العالم، في حين تحتوي أفغانستان على كميات هائلة من الذهب، وأيضا من الحديد والرخام والأحجار الكريمة وخليط من المعادن النادرة كاليورانيوم.
ولا تقل أهمية النحاس عن الذهب في أفغانستان، إذ يعد مخزونه في ولاية لوغر وحدها ثاني أكبر احتياطي في العالم.
يقول خليل أحمدزي، وهو مهندس جيولوجي مشرف حكومي على منجم النحاس في لوغر، إن هناك عددا كبيرا من المناجم في المنطقة وأهمها النحاس، مشيرا إلى أن الخبراء السوفيات بدؤوا العمل، لكنه توقف بسبب الاجتياح السوفياتي ثم انسحابه.
وأكد أحمدزي أن أفغانستان إذا استغلت المناجم لن تحقق الاكتفاء الذاتي فحسب، بل سيتغير وجه البلاد، مشيرا إلى أن "لمناجمنا قيمة فائقة في السوق العالمي كونها لم تستغل بعد".
حضور الصين
ويبقى حضور الصين أكبر في مجال التنقيب بأفغانستان رغم جهود الأميركيين، إذ وقعت شركة صينية عام 2007 اتفاق تنقيب لمدة 30 عاما في منجم عينك، ثاني أكبر مناجم النحاس في العالم.
وتوقف العمل في هذا المنجم عام 2013 لأسباب عديدة، لكن بعد وصول طالبان إلى السلطة، استؤنفت عمليات التنقيب.
إعلان
ووفق مستشار نائب رئيس الوزراء الأفغاني للشؤون الاقتصادية عبد الله عزام، فإن السبب الرئيسي لتوقف عمل الصينيين في منجم النحاس هو وجود الآثار هناك، مؤكدا أن الحكومة وضعت آلية شاملة لنقل الآثار إلى مكان آمن.
وقد قدمت الشركة الصينية عهودا ببدء العمل في أقرب فرصة، في حين لن تسمح الحكومة الأفغانية بمماطلة العمل في المنجم، كما يقول عزام.
عراقيل جمة
ورغم استتباب الأمن، يعتري طريق صناعات التعدين في أفغانستان عراقيل جمة، أولها دمار البنية التحتية، وليس آخرها عزلة أفغانستان الدولية، إذ لم تنل طالبان اعترافا دوليا بعد.
ووجدت الحكومة الأفغانية في الصين سبيلا لنيل الدعم وتطوير الاقتصاد في ظل الشروط التي تضعها واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون لدمجها في المجتمع الدولي.
وتبدو بكين حريصة على التعاون مع كابل سواء لتأمين حدودها أو محاولة التحكم بالثروات المعدنية الثمينة، لكن التنافس يبقى قائما مع شركات أجنبية خاصة أخرى (أميركية وغربية وأوروبية شرقية وآسيوية).
يقول عزام إن الحكومة الحالية تعمل على إصلاح البنية التحتية، "وتلقينا عروضا كثيرة من شركات أجنبية خصوصا مناجم الليثيوم"، كاشفا توقيع عقود تعدين في 7 مناجم رئيسية.
وبعيدا عن المعادن الثمينة، ينشغل الأفغان حاليا بما يقدرون عليه من ثروات بلادهم كالفحم الحجري، إذ غدا الإقبال العالمي عليه واسعا بعد أزمة الطاقة العالمية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
موقع الجزيرة نت يطلق صفحة تعنى بقضايا البيئة والمناخ
أطلق موقع الجزيرة نت صفحة مختصة في قضايا البيئة والمناخ، انطلاقا من حرصه على معالجة القضايا الإنسانية الشاملة، وانحيازه إلى الإنسان في كل مكان، ولكون التغير المناخي وآثاره تعد أهم تحد على الإطلاق يواجه البشرية اليوم. وفي هذا السياق، ستعمل الصفحة ضمن قوالب وأنماط صحفية متنوعة تجمع بين الإخباري والتوعوي والتثقيفي على الاهتمام بقضايا البيئة والمناخ والتلوث، وتفتح ملفاتها. كما ستفرد مجالا للطبيعة وتنوعها، وتضيء على المبادرات المحلية والإقليمية والدولية والحلول الداعمة للاستدامة البيئية من أجل مستقبل أفضل للكوكب والبشرية. فأزمة المناخ باتت واقعا خطيرا تعيشه البشرية اليوم، ما يستوجب إبراز مخاطرها، وتسليط الضوء على الضرر الهائل الذي يسببه الاحتباس الحراري وتداعياته لماذا البيية والمناخ؟ تقتل الحروب والصراعات حول العالم بضع مئات أو الآلاف حول العالم سنويا، في حين يودي تلوث الهواء وحده باعتباره أحد مفردات التلوث البيئي والتغير المناخي بنحو 7 ملايين نسمة سنويا وفق آخر تقارير وكالة الطاقة الدولية. كما تسبب عوامل التغير المناخي الأخرى -من ارتفاع الحرارة والفيضانات والطقس المتطرف وتلوث التربة، والأمراض والأوبئة الناجمة عن كل ذلك- موت مئات الآلاف سنويا، أي أن أكبر خطر يهدد البشرية اليوم بصمت هو الاعتداء على الطبيعة والبيئة من حولنا، والوصول بنقاط التحول المناخي إلى عتبة اللاعودة. وفي وقت تعدّ فيه الصراعات الجيوسياسية الباردة أو الساخنة، سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية، مشاكل ظرفية يمكن إدارتها والتحكم فيها وحلها في النهاية، تبدو مشكلة المناخ العالمي قضية إنسانية عالمية خطيرة حاضرا ومستقبلا، وتهم كل فرد على وجه الأرض. والمشكلة أن قضية التغير المناخي في بعدها الإنساني العالمي وشموليتها وارتباط مخاطرها المؤجلة نسبيا بالتنافس الاقتصادي بين القوى الكبرى، وكذلك البحث عن رفاهية البشر بأي ثمن، جعلت كل الحلول حتى الآن منقوصة وغير فعالة حتى الآن، وهو ما يقود البشرية عمليا إلى نوع من الانتحار البطيء. ورغم أن الاهتمام بمتغيرات البيئة والمناخ يبدو -وفق بعض السرديات- ترفا في مجتمعات ودول تعاني من الفقر والجوع وضعف مستويات التنمية، فإن هذه المجتمعات والدول نفسها تعاني من أخطر آثار هذه المتغيرات، ولا تمتلك الأدوات اللازمة للتصدي لها، ولذلك يصبح الوعي البيئي أداة فعالة لحماية الموارد الطبيعية وتحقيق التنمية. وتدفع دول الجنوب (الفقيرة والنامية)، التي لا تساهم عمليا إلا بنسبة 4% في الاحترار العالمي، أثمانا باهظة للتغير المناخي الراهن الذي تسببت فيه الدول الغنية بالاستغلال المفرط لموارد الأرض منذ الثورة الصناعية. وفي الوقت ذاته، تتراجع دول الشمال عن التزاماتها بمساعدة تلك الدول عبر دفع ديون المناخ التي تشمل ديون التكيف والانبعاثات، ويجسد كل ذلك ما اصطلح على تسميته "اللاعدالة المناخية". التحديات والالتزامات ويأتي استنزاف الطبيعة ومواردها في النهاية نتاجا للنزعة الاستهلاكية المفرطة والجشع الاقتصادي التي تشجعه الشركات، والاستنزاف الذي وصل بالكوكب إلى عتبة انهيار مناخي خطيرة. ولا يمكن إنكار ما تحقق طوال السنوات الماضية على صعيد الدول أو المجتمع الدولي -خصوصا منذ اتفاقية باريس للمناخ عام 2015- من خطوات معقولة "لاستعادة الأرض" ووقف التمادي في إطلاق الانبعاثات التي تسبب الاحتباس الحراري. في المقابل، تأتي حالة التراجع الراهنة في الولايات المتحدة، وعودة سرديات إنكار التغير المناخي بعودة الرئيس دونالد ترامب، والخروج من اتفاق باريس للمناخ لتترك أثرا سلبيا، وحالة من عدم اليقين بشأن سياسات العمل المناخي والبيئي العالمي. وتثبت كل تلك التحولات والوقائع والظواهر المناخية والمخاطر البيئية المتفاقمة أن مشاكل وقضايا البيئة والمناخ الراهنة -والتي تزداد تفاقما- ليست ملفا هامشيا أو مجرد خبر يروى، بقدر ما هي قضية عالمية شديدة الخطورة وعابرة للدول والجنسيات والأجيال، تتطلب يقظة والتزاما ودعما. ويسعى موقع الجزيرة نت من جانبه إلى أن يكون مشاركا في ذلك ودافعا له.


الجزيرة
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
تدمير الأراضي الزراعية وتأثيره على الأمن الغذائي في غزة
أظهر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة لتحليل صور الأقمار الاصطناعية أن ما يقرب من 81% من الأراضي الصالحة للزراعة في قطاع غزة شهدت انخفاضا عاليا في صحة وكثافة المحاصيل الزراعية. اقرأ المزيد المصدر : الجزيرة


الجزيرة
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
ثروات تحت الصقيع.. غرينلاند ساحة جديدة للصراع الجيوسياسي العالمي
في أقصى شمال الأرض، تحوّلت غرينلاند من جزيرة نائية سكنها الصمت إلى مسرح تتقاطع فيه الجيولوجيا بالسياسة، والعزلة بالطموح، وسط أطماع دولية تتنازع على طبيعتها البكر وثرواتها الكامنة. وفي تحقيق خاص ضمن سلسلة تقارير قناة الجزيرة عن التنافس العالمي على المعادن النادرة، يصحبنا مراسل القناة محمد البقالي إلى قلب هذه الجزيرة النائية، ليكشف عن تفاصيل تُروى لأول مرة عن معادن دفينة تحت الجليد، تحوّلت إلى محور تنافس بين دول كبرى، على رأسها الولايات المتحدة والصين. وتتمثل هذه المعادن في الليثيوم والكوبالت واليورانيوم، التي تُعدّ اليوم القلب النابض لصناعات المستقبل، هي الوقود الجديد الذي يُشعل صراعات الجغرافيا السياسية. وفي حديثه للجزيرة، يتذكر البحّار "إريك بالو شيكوبسن" الحظة التي تحوّلت فيها حياته، حين دله الجيولوجيون على ترسّبات للذهب قرب مكان إقامته. وبدت له البداية أشبه بحلم وردي: "ظننت أنني سأصبح غنيا"، يقول وقد علت نبرته نغمة حسرة. لكنه، مثل غرينلاند، وقع في فخّ الوهم. اكتشف "شيكوبسن" الذهب بالفعل، لكنه أدرك أن مردوده لا يتجاوز دولارا واحدا في الساعة، فلم يكن الكنز كما تصوّره.. بل لعنة "حمى الذهب" التي قلبت سكينته إلى خوف وهوس. إعلان هذه القصة، رغم خصوصيتها، تتكرر بتفاصيل مختلفة على امتداد الجزيرة، فالاهتمام العالمي بغرينلاند لا يعود فقط إلى جمالها الطبيعي أو تاريخها الفايكنغي، بل إلى ما تُخفيه جبالها من معادن تُستخدم في صناعة السيارات الكهربائية، وتكنولوجيا الطاقة النظيفة، والأنظمة الدفاعية الحديثة. وهو ما يجعل السؤال الذي طرحه البقالي على كبير الجيولوجيين توماس في يوم عاصف بالغ الدلالة: ما الذي يجعل هذه المعادن نادرة؟ ولماذا تُثير كل هذا التنافس الدولي؟ أجاب توماس ببساطة العالم الواثق: "ليست الندرة في عددها، بل في صعوبة استخراجها، وفي الكلفة البيئية والسياسية لذلك". فالمعادن النادرة موجودة في أماكن متعددة حول العالم، لكن غرينلاند تملك ما هو أكثر من الكمية: تملك الجودة، والتنوّع، والأهم التوقيت الجيوسياسي المناسب. إلا أن تلك الثروة لا تخلو من التبعات، فبينما تطمح الحكومات الكبرى إلى مدّ نفوذها داخل الجزيرة، يخشى السكان المحليون أن تتحوّل أرضهم إلى ضحية جديدة لعالم لا يعرف سوى لغة المصالح. انقسام داخلي ويبدو أن موقف السكان الأصليين، الذين عاشوا لقرون على هامش هذه الثروات دون أن يتدخّلوا فيها، بدأ يشهد انقساما داخليا، فبينما يرى البعض في الاستثمارات الخارجية فرصة للنهضة الاقتصادية، يحذّر آخرون من كارثة بيئية وتهديد لهويتهم الثقافية. وقد اشتد هذا الجدل عندما أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب رغبته العلنية في "شراء" غرينلاند من الدانمارك، وأثارت الفكرة دهشة العالم، لكنها لم تكن مجرّد نكتة سياسية. فالإدارة الأميركية آنذاك كانت مدفوعة برؤية إستراتيجية تنظر إلى غرينلاند كمفتاح لموارد نادرة، وكنقطة ارتكاز جيوسياسية في الشمال القطبي، حيث تتسابق الدول لبسط النفوذ في المناطق المتجمدة. ولا يكتمل المشهد دون الإشارة إلى الصين، التي دخلت بدورها على خط المنافسة، مقدّمة عروضا سخية للتنقيب والتعدين، لكن الجزيرة، التي تسعى للحفاظ على توازناتها الدقيقة، تجد نفسها محاصرة بين القوى الكبرى، في حين تنظر شعوبها إلى هذا الصراع بشيء من الريبة والأسى.