
كيف تقرأ أنقرة التصعيد بين إسرائيل وإيران؟
أنقرة- بينما تتجه أنظار العالم إلى التصعيد المتسارع بين إسرائيل و إيران ، تجد تركيا نفسها على خط التماس الجيوسياسي، حيث تتقاطع المخاوف الأمنية مع الحسابات الدبلوماسية والمصالح الاقتصادية الحيوية، وتتعامل أنقرة مع واقع جديد ينذر بإعادة تشكيل خرائط التحالفات والاصطفافات في المنطقة.
وتبرز تركيا كأحد أكثر الأطراف المعنية بتداعيات هذا التصعيد بحكم موقعها الجغرافي المجاور "لبؤر التوتر"، وارتباطها بشبكات نقل الطاقة والمصالح الإستراتيجية في الإقليم العربي وآسيا الوسطى.
وبينما تحاول الحفاظ على توازن دقيق بين انتقادها المعلن للسياسات الإسرائيلية، وتجنب القطيعة مع إيران، تدرك أنقرة أن أي انزلاق نحو مواجهة مفتوحة قد يُلحق ضررا مباشرا بأمنها القومي واستقرارها الداخلي، ويُربك أولوياتها في السياسة الخارجية.
تصعيد مقلق
وأدانت الخارجية التركية بشدة -في بيان- الهجوم الإسرائيلي على إيران، واصفة إياه بأنه "استفزاز سافر وانتهاك صارخ للقانون الدولي"، محذرة من أنه يهدد بجر المنطقة إلى صراع أوسع. وأكدت أن أنقرة لا ترغب في رؤية المزيد من الدماء تراق في الشرق الأوسط، داعية المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لاحتواء التصعيد ومنع تفجر نزاع إقليمي شامل.
يرى المحلل السياسي محمود علوش، أن التصعيد العسكري الراهن بين إسرائيل وإيران لا يغير فقط في طبيعة العلاقة بين أنقرة وطهران، بل يعيد خلط الأوراق على مستوى الإقليم بأسره. واصفا ما يجري بأنه فصل جديد من حرب السابع من أكتوبر، لكنه "أكثر خطورة وتعقيدا".
وقال للجزيرة نت، إن أنقرة تنظر بقلق إلى هذا التصعيد من زوايا متعددة، نظرا لكون إيران دولة جارة، محذرا من أن أي تحرك إسرائيلي أو أميركي يستهدف إسقاط النظام الإيراني قد يُفضي إلى تداعيات ثقيلة على الأمن القومي التركي.
ووفقا له، فإن تراجع النفوذ الإيراني في بعض ساحات المنطقة -مثل سوريا- أتاح فرصا لأنقرة لتعزيز حضورها، لكنه في الوقت نفسه خلق تحديات جديدة، خصوصا مع سعي إسرائيل إلى ملء هذا الفراغ وتكريس نفسها لاعبا محوريا في هندسة توازنات القوة في الشرق الأوسط، وهو ما تعتبره تركيا مصدر قلق إستراتيجي.
ويعتقد علوش، أن تركيا قد تمتلك في هذه المرحلة هامشا للعب دور دبلوماسي فاعل في التواصل بين واشنطن وطهران لاحتواء التصعيد، لكن هذا الاحتمال -في رأيه- يبقى مرهونا بنوايا واشنطن وتل أبيب:
فإن كان الهدف من الضغوط، هو دفع إيران إلى طاولة التفاوض وفق الشروط الأميركية، فقد تنخرط أنقرة في دور وساطة حيوي.
أما إذا كان الهدف يتجاوز ذلك نحو تفكيك النظام الإيراني، فإن تركيا ستكون مضطرة إلى التكيف مع مشهد إقليمي جديد، يحمل في طياته مزيجا من التهديدات والفرص.
حياد مسؤول
من جانبه، يرى المحلل السياسي علي أسمر، أن هذا التصعيد يضع أنقرة أمام واحدة من أعقد لحظاتها الدبلوماسية، إذ تتحرك ضمن حقل ألغام إقليمي يفرض عليها التزام أقصى درجات التوازن. ويؤكد أنها لا تنطلق من مواقف اصطفافية، بل من حرص واضح على حماية استقرار إقليمي بات أكثر هشاشة من أي وقت مضى.
ويوضح للجزيرة نت، أن أنقرة بحكم موقعها ومكانتها الجيوسياسية، محكومة بلعب دور الوسيط لا الخصم، والتصرف بعقلانية مسؤولة، وليس بحياد سلبي. ورغم توتر علاقتها التاريخية مع طهران، خصوصا في الملف السوري، فإن ما يثير قلقها اليوم هو "محاولات إيران إعادة التمركز داخل سوريا بأدوات غير رسمية تغذي الفوضى بدلا من دعم الاستقرار، وهو ما ترفضه تركيا قطعا".
في المقابل، يعتبر الباحث، أن الضربات الإسرائيلية ليست سوى محاولة لصرف الأنظار عن العدوان المتواصل على غزة، مشددا على أن رفض أنقرة لهذا النهج لا يعني انحيازا لإيران، بل رفضا صريحا لمنطق القوة الذي يهدد بانفجار واسع.
ويخلص إلى أن تركيا تنتهج سياسة خارجية "عقلانية وحذرة"، ترفض الحرب المفتوحة، وتدعو إلى حل سياسي شامل في فلسطين، في الوقت الذي تعمل فيه على ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية مستقلة، توازن بين المبادئ والمصالح دون التورط في محاور مغلقة أو مواجهات عبثية.
أهداف إستراتيجية
من ناحيته، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي مصطفى يتيم، أن العملية العسكرية الإسرائيلية تحمل أهدافا إستراتيجية واضحة، يمكن تلخيصها في ثلاثة محاور رئيسية:
استهداف القادة العسكريين الكبار.
تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية.
شل القدرات الدفاعية والعسكرية لطهران.
ويؤكد للجزيرة نت، أن هذه العملية تعكس اختلالا إستراتيجيا واضحا، إذ إنها تظهر مدى هشاشة الردع الإيراني رغم سنوات من المواجهة مع إسرائيل، وهو ما يتجلى في استمرار تل أبيب في تنفيذ اغتيالات وهجمات معقدة داخل العمق الإيراني دون ردع فعال.
ويقول إن الموقف الأميركي في هذا التصعيد ينطوي على دلالات مهمة، فواشنطن لم تعد في موقع القادر على كبح جماح إسرائيل، بل تقف في موقع المتفرج أو المتواطئ الصامت، كما أوحت به تصريحاتها الأخيرة التي اكتفت بتأكيد عدم التدخل ما لم تُستهدف المصالح الأميركية مباشرة.
ويذهب يتيم إلى اعتبار العملية الإسرائيلية جزءا من مسار متصاعد من الأحادية والتفلت من الضوابط الدولية، مؤكدا أن إسرائيل تحاول فرض واقع جديد في الإقليم تقوم فيه بدور القوة الوحيدة القادرة على التدخل في كل الساحات، دون أن تخضع لأي محاسبة قانونية أو سياسية، كما ظهر جليا في عدوانها على غزة.
ويختتم، إن العملية تحمل في طياتها بعدا يتجاوز مجرد الضغط على إيران للتفاوض، لتُلامس فكرة تغيير النظام ذاته، في مشهد يعيد خلط موازين القوة في المنطقة، ويهدد بدوامة صراع يصعب احتواؤها في حال غياب تدخل دولي فاعل، لا سيما من واشنطن.
اضطراب اقتصادي
في السياق، يرى المحلل الاقتصادي بلال بغيش، أن التصعيد العسكري في الشرق الأوسط يأتي في لحظة تتسم بتزايد الاضطرابات العالمية، وكان من المتوقع أن تتصرف دول المنطقة بمزيد من المسؤولية لتفادي مزيد من الفوضى.
ويؤكد للجزيرة نت، أن إيران تُعد بلدا محوريا في معادلات الطاقة وسلاسل الإمداد بين الشرق والغرب، وعليه فإن أي تصعيد في الداخل الإيراني ستكون له انعكاسات مباشرة على مشاريع كبرى مثل مبادرة " الحزام والطريق"، وأمن الإمداد عبر "الممر الأوسط"، إضافة إلى حركة انتقال الطاقة من الخليج عبر مضيق هرمز.
وفي رأيه، سيؤدي هذا الوضع حتما إلى ارتفاع أسعار الطاقة وتزايد الطلب على "الملاذات الآمنة" اقتصاديا، وأن ما جرى بعد الحرب الروسية الأوكرانية سيتكرر الآن بنسخة شرق أوسطية، وهو ما سيعزز من أهمية تركيا كمركز بديل من حلول تجارية وإستراتيجية، وكطريق عبور آمن للموارد والطاقة.
ويقول بغيش، إن أنقرة، بموقعها الجغرافي المحوري وثقلها الاقتصادي والسياسي، ستبرز كأكثر الدول أهمية في إدارة المرحلة المقبلة، لا سيما في ظل بحث القوى الدولية عن بدائل آمنة ومستقرة.
وفي حين يتوقع أن تتعرض الاستثمارات التركية في آسيا الوسطى والتدفقات التجارية والطاقة المرتبطة بها لضغوط سلبية على الأمد القصير، إلا أنه يرى أن المسار العام سيتحول لصالح أنقرة.
ويؤكد أن هذه الأزمة، رغم مخاطرها، ستُسهم على الأمد المتوسط والطويل في تقوية موقع تركيا كممر إستراتيجي ومركز حلول، وتعزز من قدرتها على لعب دور محوري في رسم ملامح الترتيبات الاقتصادية الجديدة في المنطقة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 41 دقائق
- الجزيرة
إيران تعرب عن استيائها من "صمت" وكالة الطاقة الذرية
أعلنت إيران -السبت- أن تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لن يكون كما في السابق، معربة عن استيائها إزاء "صمت" هذه الهيئة بعد شن إسرائيل ضربات على مواقع نووية إيرانية. وقال كاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية الإيراني والمكلّف بالملف النووي في تصريح متلفز إنه "من غير المعقول أن تتعرض هذه المواقع السلمية لهجمات وتلتزم الوكالة الصمت"، مشددا على أن تعاون طهران مع الوكالة التابعة للأمم المتحدة لن يكون كما في السابق. من جهتها، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساء أمس السبت أنها ستعقد اجتماعا طارئا لمحافظي الوكالة الاثنين لبحث هجمات إسرائيل على منشآت إيران النووية. وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن 4 أبنية حيوية في موقع أصفهان النووي في إيران تضررت جراء هجوم أمس، منها منشأة لمعالجة اليورانيوم وأخرى لتصنيع صفائح الوقود النووي. وفي بيان سابق، ذكرت وكالة الطاقة الذرية أنها على اتصال بسلطات الأمان النووي الإيرانية للحصول على معلومات عن حالة المرافق النووية المعنية وتقييم أي آثار أوسع نطاقا قد تترتب على صعيد الأمان والأمن النوويين. وذكّرت الوكالة بأن أي هجوم مسلح وأي تهديد ضد المرافق النووية المخصصة للأغراض السلمية يمثّلان انتهاكا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والنظام الأساسي للوكالة.


الجزيرة
منذ 44 دقائق
- الجزيرة
رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا
ربما هو القدر الجيوستراتيجي لدولة مثل تركيا، أن تُحاط بكرات اللهب المتدحرجة من كل ناحية، والتي تتطلب قدرًا عاليًا من الحكمة في التعامل معها، خشية أن تمتد تلك النيران إلى الداخل التركي نفسه. فلم تكد أنقرة تتنفس الصعداء بزوال نظام بشار الأسد، حتى نشبت النيران مجددًا على حدودها الشرقية مع بدء العدوان الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية، والذي تطور إلى ضربات متبادلة. فإيران ليست مجرد دولة جارة لتركيا تتقاسم معها الحدود، بقدر ما تمثل تاريخًا ممتدًا في عمق الزمان، ربط الدولتين بروابط إثنية وجيوثقافية، خاصة في عهد السلاجقة الذين زحفوا من آسيا الوسطى، وتمركزت دولتهم في غرب آسيا في الجغرافيا التي تمثلها اليوم الجمهورية الإيرانية، قبل أن يمدوا نطاق سيطرتهم إلى الأناضول. لكن مع تأسيس الدولة الصفوية في القرن السادس عشر الميلادي، وحدوث التباين المذهبي، مع تأسيس الدولة العثمانية على أسس وتقاليد سلجوقية، تحولت هذه العلاقة إلى تنافس حاد، وصل إلى حد المواجهة العسكرية التي حسمها العثمانيون في موقعة جالديران عام 1514، والتي قادت لاحقًا إلى "صلح أماسيا" في عهد السلطان سليمان القانوني والشاه طهماسب الأول. هذا الصلح كان بمثابة أول اتفاقية سلام بين الدولتين، ساهمت في رسم حدود الدولتين ومجالات التأثير والتأثر لكلا الطرفين، والتي ترسم ملامح العلاقة بينهما حتى الآن، حتى مع تغيّر أنظمة الحكم في كلتا الدولتين، لكن يبقى العنوان العريض لتلك العلاقة هو "التنافس المحسوب". المتابع لتصريحات كبار المسؤولين الأتراك، يدرك أن أنقرة لم تتفاجأ بهذا التصعيد الإسرائيلي الجديد في المنطقة. ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2024، حذّر وزير الخارجية، هاكان فيدان، من احتمالية نشوب حرب بين إيران وإسرائيل، مشيرًا إلى ضرورة استعداد تركيا لتلك الحرب الإقليمية المتوقعة. أما الرئيس، رجب طيب أردوغان، فلم يقطع إجازته السنوية التي يقضيها في مدينة مرمريس جنوب غرب تركيا، ما يعكس شكلًا من أشكال الاطمئنان حتى الآن، إلا أنه سارع بإصدار بيان عبر حسابه على منصة "إكس" حوى العديد من الركائز التي يمكن أن تشكل الرؤية الأولية لتركيا تجاه العدوان الإسرائيلي، وأهمها: تحميل "إسرائيل" مسؤولية ما يحدث، معتبرًا أن الهجمات تشكل "استفزازًا واضحًا يتجاهل القانون الدولي"، مؤكدًا أنها نقلت إستراتيجيتها المتمثلة في "إغراق المنطقة، وخاصة غزة، بالدماء والدموع وعدم الاستقرار إلى مرحلة خطيرة للغاية". التحذير من سياسة إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التي تحاول "جرّ المنطقة والعالم أجمع إلى الكارثة بأفعالها المتهورة والعدوانية وغير القانونية". ربط هذه الهجمات بمفاوضات البرنامج النووي التي تجريها الولايات المتحدة الأميركية، مع إيران، كذلك ربطها بتزايد الضغوط الدولية ضد "الأعمال اللاإنسانية التي تستهدف غزة". مطالبة المجتمع الدولي بوضع حد للتصرفات الإسرائيلية التي تستهدف الاستقرار والسلم العالمي والإقليمي. في موازاة التحرك الرئاسي، استضافت وزارة الخارجية في أنقرة اجتماعًا رباعيًا مهمًا ضم وزيري الخارجية، هاكان فيدان، والدفاع يشار غولر، إضافة إلى رئيس الأركان، متين غوراك، ورئيس جهاز الاستخبارات، إبراهيم كالن، لبحث تطورات الأزمة. كان واضحًا أن الاجتماع رسالة مزدوجة إلى الداخل التركي، فهي تريد من ناحية طمأنته بجهوزية الدولة واستعدادها للتعامل مع جميع تداعيات الأزمة، ومن ناحية أخرى، رسالة تحفيز بأن تركيا ليست بعيدة عن تلك التداعيات. وباستقراء البيان الذي نشره فيدان على حسابه بمنصة "إكس" عقب الاجتماع، يُلاحظ ربطه الهجوم بما سببته "إسرائيل" في غزة من مأساة إنسانية، وعبثها باستقرار لبنان، إضافة إلى اتجاهها نحو "احتلال سوريا" حسب تعبير الوزير. كما أكد أن "الدبلوماسية هي البديل الوحيد للحرب"، مشيرًا إلى أهمية المفاوضات النووية التي بدأها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، باعتبارها "السبيل الوحيد لحل الصراع الناجم عن النزاع النووي". وهو ما يؤشر إلى توافق الموقف التركي مع نظيره الأميركي في ضرورة الحيلولة دون امتلاك إيران السلاح النووي، وهو أمر مفهوم في ضوء التنافس الإقليمي المحتدم بين الدولتين. كذلك في نطاق استقراء التقدير الإستراتيجي التركي، كانت تصريحات رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي لافتة، والذي اعتبر أن العملية الإسرائيلية ضد إيران "رسالة خبيثة موجهة إلى تركيا"، مؤكدًا أن "الهدف النهائي المخفي هو تركيا". وأضاف بهتشلي أن "وقف إسرائيل مسؤولية تاريخية تجاه الأمن القومي وسلامة واستقرار تركيا في الإقليم"، محذرًا من التعرض لمشاكل غير متوقعة حال إنكار هذه المسؤولية أو إهمالها. والملاحظ أن هذا التحذير لم يكن الأول منه، بل سبق أن حذّر في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 من الأطماع الإسرائيلية، قائلًا: "القضية اليوم ليست بيروت بل أنقرة، والهدف النهائي هو الأناضول". هذا التقدير كان حاضرًا أيضًا في ذهن أردوغان في تلك الفترة، حيث اعتبر أن "النضال الملحمي الذي تخوضه حركة حماس في غزة هو أيضًا من أجل تركيا"، أي أن المقاومة الفلسطينية تمثل رأس الحربة في الدفاع عن تركيا في مواجهة المشروع الصهيوني المتوحش يومًا بعد آخر. مواجهة الأزمة لا نبالغ إذا قلنا إن الحرب الإقليمية تدق أبواب تركيا بشدة، وقد تدفعها "إسرائيل" إليها دفعًا، ربما من خلال تكثيف الهجمات على سوريا، أو محاولة احتلالها من خلال الوصول إلى العاصمة دمشق، وهو ما حذّر منه أردوغان العام الماضي قبل سقوط نظام بشار الأسد. لذا، ففي تقديري أن صانع القرار في أنقرة سيكون محكومًا بعدة محددات إستراتيجية، ستدفع في اتجاه بناء ردود الأفعال حيال التطورات المرتقبة للأزمة، وأبرزها: الحيلولة دون تحقيق "إسرائيل" نصرًا حاسمًا وواضحًا في مواجهتها الحالية مع إيران، لما له من تأثير على نتنياهو في فتح شهيته نحو مزيد من التوسع والتحرش بدول المنطقة، وفي القلب منها تركيا. حيث ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تلك الرغبة منذ عدة أيام، عندما قال خلال استقباله الرئيس الأرجنتيني، خافيير ميلي، في الكنيست إن "الإمبراطورية العثمانية لن تعود". وهي رسالة مبطنة لتركيا وقيادتها بأنه سيحول دون مضي أنقرة في برنامجها الدفاعي المتطور، وصعودها الإقليمي الذي يسير بشكل مطّرد. العمل على منع انهيار النظام الإيراني لما له من تداعيات أمنية بالغة السوء على المنطقة عامة وتركيا خاصة، ربما يشابه ما حدث عقب سقوط نظام الرئيس العراقي السابق، صدام حسين. إذ من المتوقع حينها أن تشهد تركيا موجات لجوء جديدة، وحدوث فراغ أمني في إيران قد يسمح بتمدد الجماعات الإرهابية من جديد. الحفاظ على العلاقات المتميزة مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وعدم التورط في الأزمة بما يؤدي إلى تدهورها، مع استثمار تلك العلاقات في محاولة تقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن، ودفع ترامب إلى لجم الاندفاعة الإسرائيلية، التي لم تكن لتتحرك لولا التنسيق المسبق مع البيت الأبيض. استكمال بناء نظام أمني إقليمي، والذي بدأته تركيا مع سوريا والأردن، لكن من الضروري خلال المرحلة المقبلة بذل الجهد صوب ضم دول مؤثرة أخرى إليه، وفي مقدمتها مصر. إذ أبانت تداعيات طوفان الأقصى الممتد من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أن المواجهة الفردية لأزمات المنطقة غير مجدية، دون تحرك جماعي مدعوم بآليات فعلية على أرض الواقع. بالرغم مما سبق، فإن الضربات التي تتعرض لها إيران، والتي طالت في موجتها الأولى قادة كبارًا في الجيش والحرس الثوري، من المتوقع أن تؤثر على قدرة طهران على مواصلة العمل بذات القوة في ملفات كانت تمثل تهديدًا للأمن القومي التركي، أو تحول دون تعظيم قدرات أنقرة الإستراتيجية، وأهمها ملفان: ملف تنظيم حزب العمال الكردستاني PKK، والذي يرتبط بعلاقات وثيقة بالحرس الثوري الإيراني، سبق أن حذّرت منها أنقرةُ طهرانَ بشكل علني. فالمتوقع أن تؤثر الأحداث على هذا التعاون، ما قد يسرع من قرار حل الحزب وتسليم سلاحه، سواء الموجود منه في جبال قنديل بالعراق، أو وحدات الحماية الكردية YPG في سوريا، أو حتى في النسخة المعروفة بقوات سوريا الديمقراطية "قسد". ملف مشروع ممر "زنغزور" الإستراتيجي، والذي ستتيح إعادة افتتاحه مجددًا الربط بين تركيا وأذربيجان، وهو الأمر الذي لطالما عارضته إيران، معتبرة ذلك تغييرًا للحدود التاريخية، إذ تخشى أن تؤدي إعادة افتتاحه إلى تآكل حدودها الشمالية مع أرمينيا، ومحاصرتها من قبل تركيا وأذربيجان. لذا، فإن أي تراجع للدولة الإيرانية بفعل المواجهة الحالية مع "إسرائيل"، قد يقود تركيا إلى التفكير الجدي في إعادة افتتاح الممر ووصل أراضيها بالقوقاز من جديد. كل المؤشرات تشير إلى استعداد أنقرة المبكر لتلك اللحظة التي قد تندلع فيها حرب إقليمية، والتي أخذت منحى تصعيديًا بالمواجهة الإسرائيلية الإيرانية، سواء من حيث تسريع وتيرة الصناعات الدفاعية، أو تهيئة الرأي التركي لذلك، لكنْ تأكيدًا لن تكون تركيا سعيدة بالوصول إلى تلك النقطة في الوقت الحالي.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
ماذا يعني إنشاء مركز للتعرف على القتلى في تل أبيب؟
طلبت الحكومة الإسرائيلية تعديل أمر يسمح للشرطة بالحصول على معلومات بيومترية مع استمرار هجمات إيران الصاروخية وارتفاع الخسائر البشرية الإسرائيلية جراء ذلك. وذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية أن الحكومة طلبت من الجهات المعنية التصديق على ترتيب جديد يسهل للشرطة التعرف على المفقودين. وفي هذا السياق، كشفت صحيفة يسرائيل هيوم أن فرقا طبية إسرائيلية قررت إنشاء مركز للتعرف على القتلى في بات يام جنوبي تل أبيب ، بعد انهيار مبان في عدد من أحياء تل أبيب الكبرى. ويعني إنشاء هذا المركز أن القتلى الذين سقطوا جراء الهجمات الصاروخية الإيرانية "يصعب التعرف عليهم"، في إشارة إلى حجم التفجير والقدرة التدميرية الكبيرة للصواريخ الإيرانية، وفق مراسل الجزيرة في فلسطين محمد خيري. كما يعني إنشاء المركز أن التقديرات الرسمية بأن الخسائر البشرية الإسرائيلية -قتلى وجرحى- التي قد يعلن عنها قريبا "كبيرة" -حسب خيري- في ظل وجود عشرات لا يزالون تحت الأنقاض، وفقد الاتصال بهم. وكانت القناة ذاتها قد نقلت عن مصادر أن تقديرات المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) تفيد باحتمال مقتل 800 إلى 4 آلاف إسرائيلي بسبب الصواريخ الإيرانية. وارتفع عدد القتلى الإسرائيليين إلى 6 وأكثر من 180 جريحا وعالقين تحت الأنقاض جراء سقوط صواريخ إيرانية في منطقة بات يام، وفق ما أورد قائد شرطة منطقة أيالون في تل أبيب. بدوره، ذكر رئيس بلدية بات يام في تل أبيب أن أكثر من 20 مفقودا تحت أنقاض المبنى الذي تعرض لإصابة مباشرة بصاروخ إيراني، كاشفا أن 61 مبنى تعرض إلى أضرار جراء سقوط صاروخ إيراني بينها 6 سيتم هدمها بالكامل. وتعرّضت إسرائيل -الليلة الماضية- لهجوم صاروخي إيراني على دفعتين، مخلفا دمارا كبيرا وقتلى وجرحى في مناطق بينها تل أبيب وحيفا، في حين قالت مصادر إيرانية إن الصواريخ المستخدمة تكتيكية ومزودة برؤوس شديدة الانفجار. واستهدف الهجوم الأول مدنا في إسرائيل بـ40 صاروخا، بينما استهدف الثاني مدن تل أبيب وروحوف وبات يام جنوب تل أبيب بـ50 صاروخا. وبدأت إسرائيل فجر الجمعة -بدعم ضمني من الولايات المتحدة- هجوما واسعا على إيران بعشرات المقاتلات، سمته "الأسد الصاعد"، وقصفت خلاله منشآت نووية وقواعد صواريخ بمناطق مختلفة واغتالت قادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين. وفي مساء اليوم نفسه، بدأت إيران الرد على الهجوم بسلسلة من الضربات الصاروخية الباليستية والطائرات المسيّرة، مما أسفر عن قتلى وعشرات المصابين، فضلا عن أضرار مادية كبيرة طالت مباني ومركبات.