logo
رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا

رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا

الجزيرةمنذ 9 ساعات

ربما هو القدر الجيوستراتيجي لدولة مثل تركيا، أن تُحاط بكرات اللهب المتدحرجة من كل ناحية، والتي تتطلب قدرًا عاليًا من الحكمة في التعامل معها، خشية أن تمتد تلك النيران إلى الداخل التركي نفسه.
فلم تكد أنقرة تتنفس الصعداء بزوال نظام بشار الأسد، حتى نشبت النيران مجددًا على حدودها الشرقية مع بدء العدوان الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية، والذي تطور إلى ضربات متبادلة.
فإيران ليست مجرد دولة جارة لتركيا تتقاسم معها الحدود، بقدر ما تمثل تاريخًا ممتدًا في عمق الزمان، ربط الدولتين بروابط إثنية وجيوثقافية، خاصة في عهد السلاجقة الذين زحفوا من آسيا الوسطى، وتمركزت دولتهم في غرب آسيا في الجغرافيا التي تمثلها اليوم الجمهورية الإيرانية، قبل أن يمدوا نطاق سيطرتهم إلى الأناضول.
لكن مع تأسيس الدولة الصفوية في القرن السادس عشر الميلادي، وحدوث التباين المذهبي، مع تأسيس الدولة العثمانية على أسس وتقاليد سلجوقية، تحولت هذه العلاقة إلى تنافس حاد، وصل إلى حد المواجهة العسكرية التي حسمها العثمانيون في موقعة جالديران عام 1514، والتي قادت لاحقًا إلى "صلح أماسيا" في عهد السلطان سليمان القانوني والشاه طهماسب الأول.
هذا الصلح كان بمثابة أول اتفاقية سلام بين الدولتين، ساهمت في رسم حدود الدولتين ومجالات التأثير والتأثر لكلا الطرفين، والتي ترسم ملامح العلاقة بينهما حتى الآن، حتى مع تغيّر أنظمة الحكم في كلتا الدولتين، لكن يبقى العنوان العريض لتلك العلاقة هو "التنافس المحسوب".
المتابع لتصريحات كبار المسؤولين الأتراك، يدرك أن أنقرة لم تتفاجأ بهذا التصعيد الإسرائيلي الجديد في المنطقة.
ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2024، حذّر وزير الخارجية، هاكان فيدان، من احتمالية نشوب حرب بين إيران وإسرائيل، مشيرًا إلى ضرورة استعداد تركيا لتلك الحرب الإقليمية المتوقعة.
أما الرئيس، رجب طيب أردوغان، فلم يقطع إجازته السنوية التي يقضيها في مدينة مرمريس جنوب غرب تركيا، ما يعكس شكلًا من أشكال الاطمئنان حتى الآن، إلا أنه سارع بإصدار بيان عبر حسابه على منصة "إكس" حوى العديد من الركائز التي يمكن أن تشكل الرؤية الأولية لتركيا تجاه العدوان الإسرائيلي، وأهمها:
تحميل "إسرائيل" مسؤولية ما يحدث، معتبرًا أن الهجمات تشكل "استفزازًا واضحًا يتجاهل القانون الدولي"، مؤكدًا أنها نقلت إستراتيجيتها المتمثلة في "إغراق المنطقة، وخاصة غزة، بالدماء والدموع وعدم الاستقرار إلى مرحلة خطيرة للغاية".
التحذير من سياسة إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التي تحاول "جرّ المنطقة والعالم أجمع إلى الكارثة بأفعالها المتهورة والعدوانية وغير القانونية".
ربط هذه الهجمات بمفاوضات البرنامج النووي التي تجريها الولايات المتحدة الأميركية، مع إيران، كذلك ربطها بتزايد الضغوط الدولية ضد "الأعمال اللاإنسانية التي تستهدف غزة".
مطالبة المجتمع الدولي بوضع حد للتصرفات الإسرائيلية التي تستهدف الاستقرار والسلم العالمي والإقليمي.
في موازاة التحرك الرئاسي، استضافت وزارة الخارجية في أنقرة اجتماعًا رباعيًا مهمًا ضم وزيري الخارجية، هاكان فيدان، والدفاع يشار غولر، إضافة إلى رئيس الأركان، متين غوراك، ورئيس جهاز الاستخبارات، إبراهيم كالن، لبحث تطورات الأزمة.
كان واضحًا أن الاجتماع رسالة مزدوجة إلى الداخل التركي، فهي تريد من ناحية طمأنته بجهوزية الدولة واستعدادها للتعامل مع جميع تداعيات الأزمة، ومن ناحية أخرى، رسالة تحفيز بأن تركيا ليست بعيدة عن تلك التداعيات.
وباستقراء البيان الذي نشره فيدان على حسابه بمنصة "إكس" عقب الاجتماع، يُلاحظ ربطه الهجوم بما سببته "إسرائيل" في غزة من مأساة إنسانية، وعبثها باستقرار لبنان، إضافة إلى اتجاهها نحو "احتلال سوريا" حسب تعبير الوزير.
كما أكد أن "الدبلوماسية هي البديل الوحيد للحرب"، مشيرًا إلى أهمية المفاوضات النووية التي بدأها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، باعتبارها "السبيل الوحيد لحل الصراع الناجم عن النزاع النووي". وهو ما يؤشر إلى توافق الموقف التركي مع نظيره الأميركي في ضرورة الحيلولة دون امتلاك إيران السلاح النووي، وهو أمر مفهوم في ضوء التنافس الإقليمي المحتدم بين الدولتين.
كذلك في نطاق استقراء التقدير الإستراتيجي التركي، كانت تصريحات رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي لافتة، والذي اعتبر أن العملية الإسرائيلية ضد إيران "رسالة خبيثة موجهة إلى تركيا"، مؤكدًا أن "الهدف النهائي المخفي هو تركيا".
وأضاف بهتشلي أن "وقف إسرائيل مسؤولية تاريخية تجاه الأمن القومي وسلامة واستقرار تركيا في الإقليم"، محذرًا من التعرض لمشاكل غير متوقعة حال إنكار هذه المسؤولية أو إهمالها.
والملاحظ أن هذا التحذير لم يكن الأول منه، بل سبق أن حذّر في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 من الأطماع الإسرائيلية، قائلًا: "القضية اليوم ليست بيروت بل أنقرة، والهدف النهائي هو الأناضول".
هذا التقدير كان حاضرًا أيضًا في ذهن أردوغان في تلك الفترة، حيث اعتبر أن "النضال الملحمي الذي تخوضه حركة حماس في غزة هو أيضًا من أجل تركيا"، أي أن المقاومة الفلسطينية تمثل رأس الحربة في الدفاع عن تركيا في مواجهة المشروع الصهيوني المتوحش يومًا بعد آخر.
مواجهة الأزمة
لا نبالغ إذا قلنا إن الحرب الإقليمية تدق أبواب تركيا بشدة، وقد تدفعها "إسرائيل" إليها دفعًا، ربما من خلال تكثيف الهجمات على سوريا، أو محاولة احتلالها من خلال الوصول إلى العاصمة دمشق، وهو ما حذّر منه أردوغان العام الماضي قبل سقوط نظام بشار الأسد.
لذا، ففي تقديري أن صانع القرار في أنقرة سيكون محكومًا بعدة محددات إستراتيجية، ستدفع في اتجاه بناء ردود الأفعال حيال التطورات المرتقبة للأزمة، وأبرزها:
الحيلولة دون تحقيق "إسرائيل" نصرًا حاسمًا وواضحًا في مواجهتها الحالية مع إيران، لما له من تأثير على نتنياهو في فتح شهيته نحو مزيد من التوسع والتحرش بدول المنطقة، وفي القلب منها تركيا. حيث ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تلك الرغبة منذ عدة أيام، عندما قال خلال استقباله الرئيس الأرجنتيني، خافيير ميلي، في الكنيست إن "الإمبراطورية العثمانية لن تعود". وهي رسالة مبطنة لتركيا وقيادتها بأنه سيحول دون مضي أنقرة في برنامجها الدفاعي المتطور، وصعودها الإقليمي الذي يسير بشكل مطّرد.
العمل على منع انهيار النظام الإيراني لما له من تداعيات أمنية بالغة السوء على المنطقة عامة وتركيا خاصة، ربما يشابه ما حدث عقب سقوط نظام الرئيس العراقي السابق، صدام حسين. إذ من المتوقع حينها أن تشهد تركيا موجات لجوء جديدة، وحدوث فراغ أمني في إيران قد يسمح بتمدد الجماعات الإرهابية من جديد.
الحفاظ على العلاقات المتميزة مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وعدم التورط في الأزمة بما يؤدي إلى تدهورها، مع استثمار تلك العلاقات في محاولة تقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن، ودفع ترامب إلى لجم الاندفاعة الإسرائيلية، التي لم تكن لتتحرك لولا التنسيق المسبق مع البيت الأبيض.
استكمال بناء نظام أمني إقليمي، والذي بدأته تركيا مع سوريا والأردن، لكن من الضروري خلال المرحلة المقبلة بذل الجهد صوب ضم دول مؤثرة أخرى إليه، وفي مقدمتها مصر. إذ أبانت تداعيات طوفان الأقصى الممتد من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أن المواجهة الفردية لأزمات المنطقة غير مجدية، دون تحرك جماعي مدعوم بآليات فعلية على أرض الواقع.
بالرغم مما سبق، فإن الضربات التي تتعرض لها إيران، والتي طالت في موجتها الأولى قادة كبارًا في الجيش والحرس الثوري، من المتوقع أن تؤثر على قدرة طهران على مواصلة العمل بذات القوة في ملفات كانت تمثل تهديدًا للأمن القومي التركي، أو تحول دون تعظيم قدرات أنقرة الإستراتيجية، وأهمها ملفان:
ملف تنظيم حزب العمال الكردستاني PKK، والذي يرتبط بعلاقات وثيقة بالحرس الثوري الإيراني، سبق أن حذّرت منها أنقرةُ طهرانَ بشكل علني. فالمتوقع أن تؤثر الأحداث على هذا التعاون، ما قد يسرع من قرار حل الحزب وتسليم سلاحه، سواء الموجود منه في جبال قنديل بالعراق، أو وحدات الحماية الكردية YPG في سوريا، أو حتى في النسخة المعروفة بقوات سوريا الديمقراطية "قسد".
ملف مشروع ممر "زنغزور" الإستراتيجي، والذي ستتيح إعادة افتتاحه مجددًا الربط بين تركيا وأذربيجان، وهو الأمر الذي لطالما عارضته إيران، معتبرة ذلك تغييرًا للحدود التاريخية، إذ تخشى أن تؤدي إعادة افتتاحه إلى تآكل حدودها الشمالية مع أرمينيا، ومحاصرتها من قبل تركيا وأذربيجان.
لذا، فإن أي تراجع للدولة الإيرانية بفعل المواجهة الحالية مع "إسرائيل"، قد يقود تركيا إلى التفكير الجدي في إعادة افتتاح الممر ووصل أراضيها بالقوقاز من جديد.
كل المؤشرات تشير إلى استعداد أنقرة المبكر لتلك اللحظة التي قد تندلع فيها حرب إقليمية، والتي أخذت منحى تصعيديًا بالمواجهة الإسرائيلية الإيرانية، سواء من حيث تسريع وتيرة الصناعات الدفاعية، أو تهيئة الرأي التركي لذلك، لكنْ تأكيدًا لن تكون تركيا سعيدة بالوصول إلى تلك النقطة في الوقت الحالي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الجيش السوداني وحلفاؤه يتصدون لهجوم عنيف في الفاشر
الجيش السوداني وحلفاؤه يتصدون لهجوم عنيف في الفاشر

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

الجيش السوداني وحلفاؤه يتصدون لهجوم عنيف في الفاشر

الفاشر- أفادت مصادر عسكرية للجزيرة نت بأن الجيش السوداني والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح تمكنوا اليوم الأحد من صد هجوم واسع شنته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في إقليم دارفور غرب السودان. وفي ساعات الفجر الأولى، بدأت قوات الدعم السريع هجومها بقصف مدفعي مكثف، تلاه هجوم بري من الاتجاهين الشمالي والشمالي الشرقي للمدينة. كما حلقت طائرات مسيّرة بكثافة في أجواء المدينة خلال المعارك، مما زاد من حدة التوتر في المنطقة. وأوضحت المصادر أن المواجهات اندلعت في المحورين الشمالي والشمالي الشرقي، حيث استخدمت فيها أسلحة ثقيلة وخفيفة. ونجحت قوات الجيش والمجموعات الحليفة في السيطرة على عدد من الآليات العسكرية وتدمير أخرى، مما يعزز موقف الجيش الدفاعي داخل المدينة المحاصرة. وقال العقيد أحمد حسين مصطفى، المتحدث العسكري باسم القوة المشتركة، للجزيرة نت إن الهجوم أسفر عن مقتل العشرات من عناصر الدعم السريع، بينما فرّ آخرون. وأكد أن القوة المهاجمة، المعروفة باسم الكتيبة الإستراتيجية، تتمتع بتدريب عالٍ وكفاءة متميزة وجاءت بتوجيهات من القائد الثاني للدعم السريع عبد الرحيم دقلو حيث تم تدمير 6 مدرعات وحرق 10 سيارات قتالية، بالإضافة إلى الاستيلاء على عتاد عسكري وأسلحة كانت بحوزتهم. وأضاف أن "المليشيات حاولت التسلل عبر دفاعات المدينة من الناحية الشمالية، لكن وحدات الاستطلاع والمشاة تصدت لهم بقوة، مما أجبرهم على التراجع بعد تكبدهم خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات". كارثة إنسانية بينما تندلع المعارك، يعاني سكان الفاشر من كارثة إنسانية متزايدة، حيث يواجهون نقصا حادا في الماء والغذاء والدواء والمأوى، بالإضافة إلى انعدام الأمن نتيجة القصف المدفعي الذي يستهدف المناطق السكنية. وبحسب الناشط الإغاثي محمد آدم، فإن الحصار المفروض على المدينة جعل الحصول على الغذاء مهمة شبه مستحيلة، مما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار المواد الأساسية، وجعل العديد من الأسر غير قادرة على تأمين احتياجاتها اليومية. وأشار إلى أن "الوضع كارثي، حيث إن الفاشر ليست مجرد ساحة معركة، بل مدينة محاصرة تعاني من الجوع والمرض والخوف. يتطلب الوضع تحركا عاجلا لإنقاذ المدنيين وتخفيف معاناتهم". وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وسّعت قوات الدعم السريع عملياتها إلى 4 ولايات في دارفور، شملت الجنوب والشرق والغرب والوسط، ضمن محاولة للسيطرة على المنطقة، مما أدى إلى ارتكاب مجازر واسعة. وفي أبريل/نيسان الماضي، تخلّت الحركات المسلحة في الفاشر عن حيادها، وأعلنت دعمها للجيش السوداني، مما دفع قوات الدعم السريع إلى محاصرة المدينة ومهاجمة مخيم زمزم المجاور. إستراتيجية الإنهاك ويرى المراقبون أن قوات الدعم السريع، بعد خسارتها العديد من قادتها، لجأت إلى إستراتيجية جديدة تعتمد على فرض حصار مشدد واستنزاف المدينة تدريجيا عبر القصف المدفعي، ومنع الإمدادات، وقطع الخدمات الأساسية. وفي حديثه للجزيرة، قال العقيد أحمد حسين مصطفى إن الدعم السريع لم تعد تعتمد في الآونة الأخيرة كثيرا على الهجمات المباشرة، وبعد هزيمتها في معارك عند أسوار الفاشر، لجأت إلى إستراتيجية الإنهاك التدريجي عبر الحصار والتجويع، وقصف المدنيين من الخارج، في محاولة لإضعاف المقاومة وإجبار السكان على الاستسلام. وأضاف "رغم هذه الظروف الصعبة، لا يزال سكان الفاشر والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح صامدين ومستعدين للتصدي لأي محاولات عدائية. هذه ليست مجرد حرب عسكرية، بل معركة وجودية". ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 حربا أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح ولجوء نحو 15 مليونا، بحسب الأمم المتحدة والسلطات المحلية، في حين قدّرت دراسة أعدتها جامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

مواجهة تستهدف النظام الإيراني والمجتمع المدني بإسرائيل يدفع الثمن لأول مرة
مواجهة تستهدف النظام الإيراني والمجتمع المدني بإسرائيل يدفع الثمن لأول مرة

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

مواجهة تستهدف النظام الإيراني والمجتمع المدني بإسرائيل يدفع الثمن لأول مرة

تشهد المواجهة بين إسرائيل وإيران تصعيدا غير مسبوق، إذ نقلت مصادر إسرائيلية عن جيش الاحتلال اليوم الأحد أن "لدى إسرائيل قائمة كبيرة من الأهداف في إيران لم تُضرب بعد"، مع توقعات برد إيراني عنيف وتصعيد مستمر في الهجمات. وقال محللون -في تصريحات مختلفة للجزيرة نت- إن صمود الطرفين في هذه المواجهة مرهون بقدراتهما على تحمل الضربات المتبادلة، ومدى تحقق الأهداف الإستراتيجية التي دفعتهما إلى دخول هذه المواجهة، وذلك في ظل تحمل المجتمع المدني الإسرائيلي لتداعيات خطيرة يدفع ثمنها لأول مرة في الحروب التي خاضتها إسرائيل بالمنطقة. ويخشى المحللون من أن تتحول المواجهات بين إسرائيل وإيران إلى حرب متعددة الجبهات إقليميا ودوليا، مع تداعيات إستراتيجية واسعة، خاصة أن إسرائيل ترغب في تفكيك النظام الإيراني أو إضعافه إلى حد كبير بما يحقق لها تفوقها الإستراتيجي في المنطقة. وذلك في مقابل رغبة إيرانية في إلحاق هزيمة بإسرائيل تحسّن مكانتها الإقليمية وموقفها في المفاوضات بشأن برنامجها النووي ورفع العقوبات الدولية عنها. صمود الطرفين وعند النظر إلى تفاصيل المواجهة بين الطرفين هذه المرة ستكون مختلفة عن طبيعة الحروب التقليدية السابقة أو الحالية التي خاضتها إسرائيل مع دول المنطقة، من حيث طبيعة الأهداف إستراتيجيا أو مدى الضرر الذي سيتحمله المجتمع المدني لدى الطرفين. فالجبهة الداخلية في إسرائيل يعدّها الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى طرفًا مباشرًا في الصراع وليست مجرد منطقة دعم خلفي. ولذلك يحذر مصطفى من أن قدرة المجتمع الإسرائيلي على تحمل مواجهة طويلة ستبقى محدودة، خاصة في ظل حالة الطوارئ المستمرة والانقسامات السياسية والاحتجاجات الداخلية، بالإضافة إلى الضرر النفسي الناتج عن تهديد صواريخ إيران المستمر. ويضاف إلى ما سبق مدى الضرر الذي لحق بالجبهة الداخلية في إسرائيل نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، والنتائج السلبية التي لحقت بالمجتمع المدني في إسرائيل من تأثير المعارك وطول أمدها، من دون تحقيق الأهداف التي يعلنها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وفيما يتعلق بالجبهة الداخلية في إيران، فإن مدير مركز الرؤية الجديد للدراسات والإعلام في إيران مهدي عزيزي يشير إلى "تماسك الجبهة الداخلية الإيرانية"، مشددًا على أن "النظام الإيراني يتمتع بقاعدة شعبية واسعة واحتياطات إستراتيجية وجغرافية تجعله أكثر قدرة على الصمود رغم الخسائر الحالية" نتيجة الضربات الإسرائيلية. ورغم أن حجم الضرر الذي تتلقاه البنية التحتية الإيرانية من الهجمات الإسرائيلية كبير، فإن إيران لديها قابلية إصلاح الأضرار على المدى المتوسط، وذلك في حال أنها لم تتعرض لضربات متواصلة تُضعف قدرتها الدفاعية بشكل كامل، حسب ما قاله عزيزي. أما الباحث في مركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي، فيرى أن استمرار القتال مرهون بمدى توفر موارد الضرب والتصدي لدى الطرفين، بالإضافة إلى العوامل الخارجية، خاصة إذا تصاعدت المخاوف الدولية من تمدد الصراع. ويؤكد مكي أن الطرفين يمتلكان حتى الآن إرادة القتال والقدرة على الاستمرار، لكن نقطة الانهيار قد تكون قريبة إذا استمرت الهجمات العنيفة المتبادلة، أو في حال عجز أحد الطرفين عن توفير الموارد، أو الحفاظ على التماسك الداخلي. توسع الجبهات وتشير التقديرات إلى أن التدخل الإقليمي والدولي مرشح للتوسع إلى حد كبير، وقد تتدخل أطراف عدة في المواجهات، وحسب المحللين فإن هذه التدخلات قد تكون مباشرة في الصراع وجبهات القتال، وقد تكون عبر الدعم والإسناد سياسيا وعسكريا، مع استبعاد انخراط أي طرف عربي في المواجهة على نحو مباشر. فقد قال الباحث في مركز الجزيرة للدراسات إن التهديدات الإيرانية المتكررة للأطراف الإقليمية تحمل في طياتها رسائل تحذير ضمنية لأذربيجان، بسبب الخلافات التاريخية والجغرافية بين البلدين. مشيرا إلى العلاقات المتينة لأذربيجان مع إسرائيل، حيث تسهم قواعدها العسكرية في تعزيز القدرة الإسرائيلية على استهداف أماكن إستراتيجية في قلب إيران. وعلى المستوى الدولي، يحذر المحللون -في تصريحاتهم للجزيرة نت- من احتمال انخراط الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل مباشر إذا عجزت إسرائيل عن تحقيق أهدافها أو تصاعدت خسائرها، إذ إن فشل إسرائيل سيُضعف مكانتها الإقليمية ويمنح إيران نقاط قوة تفاوضية في أي نقاشات مستقبلية حول ملفها النووي أو العقوبات. وتسلط تصريحات مهدي عزيزي الضوء أيضًا على الدور الاستخباراتي الغربي -لا سيما البريطاني- في توفير دعم لإسرائيل، سواء عبر الرصد الإلكتروني أو العمليات الخاصة على الأراضي الإيرانية. أما من جانب إيران، فتبرز محاولات وساطة تقودها سلطنة عمان وإيطاليا وروسيا، إضافة إلى جهود من السعودية على ضوء موقفها الأخير المؤيد للحوار والحلول السياسية، حسب ما يرى المحللون. ويرى عزيزي أن إيران ترفض أي اتفاق لا يضمن مصالحها الوطنية، وتدفع باتجاه رفع العقوبات الدولية وضمانات بعدم تكرار الهجمات الإسرائيلية، معتبرًا أن الموقف الإيراني يستمد قوته من تماسك الجبهة الداخلية واستعدادها لتحمّل تبعات المواجهة. أهداف إستراتيجية وعند كتابة هذا التقرير، أفادت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية ببدء موجة جديدة من الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل، في حين قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن هناك تقارير عن موجة صواريخ جديدة في طريقها إلى إسرائيل. كما تكشف المصادر الإسرائيلية عن وجود "قائمة كبيرة من الأهداف" لم تُضرب بعد داخل إيران، في إشارة إلى استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية وتصاعدها في المرحلة المقبلة. ويؤكد لقاء مكي أن الأهداف الإسرائيلية لا تقتصر على تعطيل البرنامج النووي الإيراني، بل تمتد لتشمل القدرات الصاروخية وقواعد الحرس الثوري والمنشآت الحيوية والبنى التحتية النفطية والصناعية، وذلك بهدف تقويض قوة النظام الإيراني وزعزعة استقراره داخليا. وفي المقابل، يؤكد مهدي عزيزي أن إيران وسعت بنك أهدافها ليشمل عمق الأراضي الإسرائيلية، مع التركيز على استهداف القواعد العسكرية الإسرائيلية والمنشآت الحساسة والبنية التحتية، بما في ذلك قطاع الطاقة والنقل. ويرى أن لدى إيران قدرة على إلحاق أضرار إستراتيجية بإسرائيل تؤدي إلى حالة إرباك داخلي، خاصة إذا نجحت في تفعيل جبهات موازية في لبنان وغزة. من جهته، يؤكد مهند مصطفى أن إسرائيل تدرك عجزها عن تدمير البرنامج النووي الإيراني كليًا، لكنها تراهن على إرجاعه سنوات إلى الوراء من خلال عمليات التخريب والاستهداف المتواصل، بالإضافة إلى السعي لإضعاف النظام الإيراني وتحقيق حالة إنهاك متراكم، بينما تضع إيران هدفها الرئيسي في منع إسرائيل من تحقيق هذه الأهداف والإبقاء على قوتها الإستراتيجية كعنصر ردع دائم. ويبدو أن المواجهة بين إسرائيل وإيران دخلت مرحلة معقدة، حيث تزداد المخاوف من تصعيد إقليمي ودولي واسع، في ظل بقاء الطرفين في حالة استنفار وإصرار على تحقيق أهداف إستراتيجية عميقة تتجاوز المكاسب الموضعية. المجتمع الدولي للتدخل أو ممارسة ضغوط من أجل وقف التصعيد، خاصة في ظل تصريحات حاليا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن هناك اتصالات واجتماعات تجري الآن من أجل إحلال السلام بين إيران وإسرائيل.

القصف الصاروخي الإيراني يشل النقل الجوي في إسرائيل لليوم الثالث
القصف الصاروخي الإيراني يشل النقل الجوي في إسرائيل لليوم الثالث

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

القصف الصاروخي الإيراني يشل النقل الجوي في إسرائيل لليوم الثالث

أبقت إسرائيل مجالها الجوي مغلقا لليوم الثالث على التوالي، بعد ليلة ثانية من القصف الصاروخي الإيراني، ردا على الضربات التي بدأها الطيران الإسرائيلي على إيران، الجمعة. وقالت وزارتا النقل والخارجية، في بيان مشترك، "نظرا للوضع الأمني ووفقا لتعليمات الجهات الأمنية، المجال الجوي الإسرائيلي مغلق حاليا أمام الطيران المدني، ولا توجد رحلات قادمة أو مغادرة". وأشارت وسائل إعلام محلية إلى أن آلاف الإسرائيليين عالقون في الخارج منذ الجمعة. وبدأت إسرائيل فجر الجمعة هجوما واسع النطاق طال خصوصا مواقع عسكرية ونووية في إيران التي ردت منذ ليل اليوم ذاته، بضربات صاروخية على دولة الاحتلال. وأكد المتحدث باسم هيئة المطارات الإسرائيلية، في بيان، أن مطار بن غوريون الدولي قرب تل أبيب سيبقى مغلقا، وأن "إشعارا بإعادة فتحه سيعمم قبل 6 ساعات على الأقل". وأضاف في بيان "لن يُتخذ القرار باستئناف الرحلات الجوية إلى إسرائيل إلا بعد التأكد من أن ذلك آمن". وأبقت إسرائيل على معابرها البرية مع كل من الأردن ومصر مفتوحة. "العال" تلغي رحلاتها في الأثناء ألغت شركة العال الإسرائيلية للطيران رحلاتها من وإلى العديد من المدن الأوروبية، بالإضافة إلى طوكيو وموسكو حتى 23 يونيو/حزيران بسبب التصعيد بين إسرائيل وإيران. كما ألغت الشركة جميع رحلاتها حتى 17 يونيو/حزيران الحالي. وقالت الشركة "بمجرد الحصول على الموافقات من السلطات الأمنية والملاحية المختصة، سنبذل قصارى جهدنا للسماح لأكبر عدد ممكن من الإسرائيليين بالعودة إلى ديارهم واستئناف جدول رحلاتنا تدريجيا، وتيسير رحلات إنقاذ من وجهات قريبة من إسرائيل". وحذر مجلس الأمن القومي الإسرائيلي من السفر إلى إسرائيل عبر مصر والأردن، على الرغم من فتح حدودهما. وأوضح المجلس "نود التأكيد على أن كلا من سيناء (في مصر) والأردن يخضعان لتحذيرات سفر من المستوى الرابع، ما يشير إلى مستوى تهديد مرتفع، ونوصي بتجنب السفر إلى هاتين المنطقتين، وتكتسب هذه التحذيرات أهمية خاصة خلال هذه الفترة من التوتر المتصاعد". وتابع "بالنسبة للإسرائيليين الموجودين حاليا في الخارج والذين ينتظرون العودة إلى البلاد، نوصي بانتظار المستجدات بشأن هذا الأمر من وزارة النقل". ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصبحت شركة العال إحدى شركات الطيران القليلة التي تسيّر رحلاتها إلى تل أبيب بعد أن ألغت العديد من شركات الطيران الأجنبية رحلاتها بسبب الحرب على غزة. واستأنف عدد من شركات الطيران الرحلات إلى إسرائيل في الآونة الأخيرة قبل تبادل إسرائيل وإيران إطلاق الصواريخ منذ يوم الجمعة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store