
أربع محطات رئيسية في حياة الإمام السجاد (عليه السلام)
تؤكّد المصادر التاريخية أنّ الإمام السجاد عليه السلام كان حاضراً في كربلاء إذ شهد واقعة الطفّ بجزئياتها وتفاصيلها وجميع مشاهدها المروّعة. ومن المتّفق عليه، أنّه كان يوم كربلاء مريضاً أو موعوكاً[1] وللحدّ الذي لا يستطيع الوقوف على قدميه، أو لا تحمله قدماه[2].
وورد ما يشير إلى أنّه قد حضر بعض القتال: "وكان علي بن الحسين عليلاً، وارتُثَّ يومئذٍ، وقد حضر بعض القتال، فدفع الله عنه وأُخِذ مع النساء"[3].
كلّ ذلك وغيره كثير يختزنه الإمام السجّاد عليه السلام ويطوي عليه قلبه وضلوعه، إذ لم يتسنَّ له أن يبذل مهجته، لجرحٍ أصابه، فأخرجه من المعركة، أو مرضٍ شديد أقعده عن المساهمة فيها، فيحمل تلك المشاهد ليستفيد عليه السلام مما شاهده في إبراز وحشية بني أمية وأتباعهم على الملأ.
يستحضر الإمام السجاد عليه السلام مصارع إخوته وأبناء عمومته، فيقف شامخاً في قصر الإمارة بالكوفة وهو يحمل بلاغة جدّه الإمام عليّ عليه السلام وعنفوان أبيه الحسين عليه السلام، فيتحدّث بخطبته أمام الطاغية عبيد الله بن زياد، ويضعه موقف المتّهم المباشر بسفك دماء الأبرياء، عندما رد عليه الإمام علي بن الحسين عليه السلام فقال:
"الله يتوفّى الأنفس حين موتها.. وما كان لنفسٍ أن تموت إلاّ بإذن الله...". فغضب ابن زياد فأراد قتله على جرأته وتجاسره على الطاغية بتلك الأجوبة، فتشبّثت به عمّته زينب وتعلّقت به، وقالت لابن زياد: "يا ابن زياد، حسبُك منّا ما أخذت، أما رويتَ من دمائنا؟ وهل أبقيت مِنّا أحداً؟ أسألك الله ـ إن كنت مؤمناً ـ إن قتلته لمّا تقتلني معه...[4].
أمّا في الشام وحيث الدور الإعلاميّ أكثر تأثيراً من قعقعة السيوف وطعن الرماح مع ما يستبطن من فضح وكشف واحتمال تصفية وقتل، يقف الإمام السجّاد عليه السلام في مجلس يزيد، فينبري بعد أن يحمد الله ويثني عليه مسفّهاً الدعاوى الأموية التي حاولت تشويه نهضة أبيه، وتزييف أهداف ثورته، وعرّف عن نفسه لأنّ في بلاد الشام كانت الصورة عن أهل البيت عليهم السلام غير واضحة، بل مشوّهة تماماً.
فقال: "يا معشر الناس: فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أُعرّفه نفسي، أنا ابن مكّة ومِنى، أنا ابن مروة والصفا، أنا ابن محمّد المصطفى... أنا ابن من علا فاستعلى، فجاز سدرة المنتهى، وكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء مثنى مثنى، أنا ابن من أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن عليّ المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن المقتول ظلماً، أنا ابن المجزور الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتّى قضى، أنا ابن صريع كربلاء، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء، أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن من ناحت عليه الجنّ في الأرض والطير في الهواء، أنا ابن من رأسه على السنان يُهدى، أنا ابن من حرمه من العراق إلى الشام تُسبى... أيُّها الناس إنّ الله تعالى ـ وله الحمد ـ ابتلانا أهل البيت ببلاء حسن، حيث جعل راية الهدى والتُقى فينا، وجعل راية الضلالة والردى في غيرنا..."[5].
وبهذه الخطبة الموجزة أصبح الرمز الذي يقود مسيرة الإحياء ـ إحياء هذا الدين المضيّع ـ الذي شوّهته السلطة الأموية وحكمت أو تحكّمت باسمه... فتراه عليه السلام حين أراد يزيد أن يقطع حديثه بالأذان للصلاة، يُعلِّق على صوت المؤذّن الذي يقول: "أشهد أنّ محمداً رسول الله" بقوله: "يا يزيد! هذا جدّي أم جدّك؟ فإن قلت جدّك فقد كذبت! وإن قلت جدّي، فلمَ قتلتَ أبي وسبيت حرمه وسبيتني؟!"، ثمّ قال مخاطباً الناس: "أيُّها الناس، هل فيكم من أبوه وجدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟" فعلت الأصوات بالبكاء.
وهكذا يتجلّى دور الإمام السجاد عليه السلام في قيادة مشروع الإحياء وثورة التصحيح. ومن هذه المحطّة تبدأ رحلة الألف ميل مسافة وعمقاً من الشام إلى المدينة، ليستأنف الإمام عليه السلام مهمته الرسالية في استكمال هذا المشروع وريادة هذه الثورة.
دوره العلميّ:
ليس الحديث عن الدور العلميّ للإمام السجاد عليه السلام ممّا تجمعه السطور، أو تفي بالتعبير عنه، ولكن حسبها أنّها تأتي بمعالم تفصح بعض إفصاح عن ذلك الدور وما كان يتمتّع به صاحبه من منزلة.
فلقد عاش الإمام زين العابدين عليه السلام في المدينة المنوّرة، حاضرة الإسلام الأولى، ومهد العلوم والعلماء، في وقت كانت تحتضن فيه ثلّة من علماء الصحابة، مع كبار علماء التابعين، فكان بشهادة أكابر أبناء طبقته والتابعين لهم، الأعلم والأفقه والأوثق، بلا ترديد.
فقد كان الزهريّ يقول: "ما كان أكثر مجالستي مع عليّ بن الحسين، وما رأيت أحداً كان أفقه منه". وممّن عرف هذا الأمر وحدّث به الفقيه الشهير سفيان بن عيينة[6]. وبمثل هذا كان يقول الشافعيّ محتجّاً بعليّ بن الحسين عليه السلام على أنّه كان (أفقه أهل المدينة)[7].
هذا، وقد كانت مدرسته تعجّ بكبار أهل العلم من حاضرة العلم الأولى في بلاد الإسلام، يحملون عنه العلم والأدب، وينقلون عنه الحديث، ومن بين هؤلاء: زيد ابنه، وكذلك ثوير بن أبي فاختة، و سعيد بن جبير ويحيى بن أم الطويل، الزهري، وعمرو بن دينار، وغيرهم، وقد حدّث عنه غير هؤلاء من الرجال من خاصّة شيعته من كبار أهل العلم، منهم: أبان بن تغلب، وأبو حمزة الثماليّ، ثابت بن هرمز الفارسي، جابر بن عبد الله الأنصاري، حبيب بن حسان بن أبي الأشرس الأسدي، وغيرهم الكثير[8].
وهذا الجمع الغفير وغيرهم ممّن وصف بالخلق الكثير أخذوا عنه عليه السلام علوم الشريعة من تفسير القرآن الكريم والعلم بمحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه وأحكامه وآدابه، والسُنّة النبوية الشريفة روايةً وتدويناً في عصر كانت ما تزال كتابة الحديث فيه تتأثّر بما سلف من سياسة المنع من التدوين، السياسة التي اخترقها أئمّة أهل البيت عليهم السلام فكتب عنهم تلامذتهم والرواة عنهم الشيء الكثير، إلى أحكام الشريعة، حلالها وحرامها وآدابها، إلى فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عهد عمدت فيه السياسة إلى تعطيل الكثير من الأحكام وتبديل بعض السنن وإحياء بعض البدع، إلى الجهر في نصرة المظلوم، وضرورة الردّ على الظالم، وكشف أساليبه الظالمة للناس.
إنّ مرحلة الإمام السّجاد عليه السلام يُمكن أن تُسجّل منعطفاً مهمّاً بين مرحلتين فاصلتين في عمل أئمّة أهل البيت عليهم السلام:
الأولى: مرحلة التصدّي و الصراع السياسيّ والمواجهة العسكرية ضدّ المنحرفين والمحرّفين من الفاسقين والمارقين والناكثين، وقبلهم الكفرة والمنافقون وأعداء الدين الواضحون.
الثانية: مرحلة المعارضة السياسية الصامتة، أو الرفض المسؤول الواضح للانحراف، أمام الضبابية والزيف الملفّع بالدين، وبعد ذلك بناء القاعدة الشعبية والجماعة الواعية التي تتحمّل عبء الرسالة لمواجهة الانحراف والتحريف اللذين أُغرقت أو استُغرقت فيهما الحالة الدينية تحت شعارات الإسلام نفسها ويافطات الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة.
وتأسيساً على ذلك، كان على الإمام زين العابدين عليه السلام أن يُجذّر في عقول وضمائر الجماعة المؤمنة التي يُراد لها أن تحفظ الإسلام عقيدةً ونظاماً، شريعةً ومنهاجاً، عدّة أمور منها:
1- تركيز ثورة الإمام الحسين عليه السلام في ضمائر الناس باعتباره خرج لطلب الإصلاح في أُمّة جدّه فعلاً، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، داعياً لتحكيم دين الله، ولم يخرج (أشراً ولا بطراً)، بل لم يخرج على إمرة (أمير المؤمنين يزيد!!) ولم ينوِ تمزيق الصفّ المسلم أو تفريق جماعة المسلمين، وبالتالي فإنّه قُتل بسيف أعداء الدين، وليس (بسيف جدّه) كما كان يروّج الإعلام الرسميّ آنذاك، وبعض المؤرّخين المتخلّفين اليوم[9].
2- بناء الجماعة الواعية، أو كما تُسمّى القاعدة الجماهيرية الشعبية، المؤهّلة لحفظ الرسالة وحدودها بعيداً عن الزيف والتزييف وسياسة تسطيح الوعي التي غطّت مساحات عريضة من الجمهور المسلم بحيث أضحت تلك الجماهير لا تفرّق بين المفاهيم ومصاديقها، أو بين الشعارات المرفوعة وضرورة تبنّيها، أو بين الأصيل والطارىء، الأمر الذي يُسبّب الفتنة فعلاً أو يُشعلها، ويحجب الرؤية الواضحة عن النفوس البريئة التي تتأثّر بالشعار ولا تغوص في أعماق الأمور.
3- تعميق مفهوم الإمامة والولاية في الجماعة الخاصّة بعد أن اهتزّت لدى العامّة تحت ضغط الإعلام المزّيف وأبواقه المأجورة، ومن ثمّ توضيح الخرق الفاضح الذي تمَّ خلاله فصل المرجعية الفكرية عن المرجعية السياسية أو الاجتماعية.
4- العمل بدقّة في مقطع زمنيّ بالغ الحساسية، يحسب على الإمام حركاته وسكناته، ويعدّ عليه أنفاسه وكلماته من جهة، وموازنة ذلك مع عمل إعلاميّ وتبليغيّ بالغ الصعوبة والتعقيد لكشف المعالم الحقيقية للدين، بعيداً عن عيون السلطة ورقابتها وأزلامها وجواسيسها المنتشرين في كلّ زاوية وزقاق، من جهة أخرى.
وبهذا استطاع الإمام السجاد عليه السلام أن يقود الأمّة ويكمل الثورة ويحقّق بقية أهدافها، لكن بما ينسجم مع طبيعة المرحلة وتعقيداتها، حتّى لو لم يتسلّم سلطة أو حكماً.
----------------
[1] الشيخ المفيد، محمد بن النعمان، الارشاد، 231. القاضي النعمان المغربي، النعمان بن محمد، شرح الأخبار، ج 3، ص 250.
[2] اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 243 - 244، ومع وضوح هذا النص، فإنّ كلمة (ارتُثَّ) هذه تدلُّ على اشتراكه في القتال، لأنها تُقال لمن حُمل من المعركة بعد أن قاتل وأُثخن بالجراح، فأُخرج من أرضها وبه رمق، كما يقول اللغويون، أو أصحاب فقه اللغة.
[3] مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت، ج2، ص150 (عن كتاب تسمية من قبل مع الحسين، الفضل بن زبير الكوفي الأسدي).
[4] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 435.
[5] ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، ج 4، ص 182.
[6] الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، حسين الأسد، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1413 - 1993م، ط9، ج 4، ص 389.
[7] ابن أبي الحديد، عز الدين أبو حامد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 274.
[8] الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، رجال الطوسي، ص109، وللاطلاع أكثر يراجع كتب علم الرجال.
[9] صائب عبد الحميد، ابن تيمية حياته عقائده، ط2، ص 390.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الزمان
منذ ساعة واحدة
- الزمان
أبناء الشهداء قلادة على جيد الزمن
أبناء الشهداء قلادة على جيد الزمن – منير حداد ما زال أبناء الشهداء، أوفياء لقدسية الدم الذي إرتقى الى السماء إيماناً بالله وولاءً للعراق، يحملون رسالة أهلهم الذين إنفرط عقدهم في الدنيا وتلألأ في الجنة.. نشؤوا شهداء بالوراثة.. ورثة الشهادة أيتاماً تعاندهم لقمة العيش؛ فلا يطخون رأساً، إنما يرزقهم الله فضل مواقف ذويهم الذين إستأمنوهم الله، والله ولي المؤمنين. جسر الأئمة يدرك إبن الشهيد زخم التكليف الرباني الذي إختار أبيه شهيداً وأختاره إبن شهيد؛ لذلك يتصفون بالنزاهة والترفع عن الفساد.. فطرةً «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً»الآية 33 سورة الأحزاب. ثرامات الشعبة الخامسة، الواقعة يمين جسر الأئمة للنازل من الأعظمية الى الكاظمية، تناهشت كل مسامة وخلية في الجسد الطاهر للشهيد الذبيح نزار الشطري «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبِّه لهم» الآية 157 سورة النساء، ولأن الله.. سبحانه وتعالى يتساءل في محكم كتابه.. القرآن الكريم «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان» فاء على علي الشطري.. نجل الشهيد نزار الشطري، بمنصب عن إستحقاق أكاديمي وميداني.. علماً وعملاً ونزاهة إجراءات موثوقة الإيمان بالله والولاء للعراق وخدمة الناس وتشريف المنصب والحفاظ على رفعة إرثه من الشهادة.. لا يشوبها فساد حاشى لله. إذ صوّت مجلس الوزراء على علي الشطري، مديراً عاماً لتسويق النفط.. سومو، في واحد من أدق القرارات صحة.. قرار صائب وضع رجلاً مناسباً في مكانه الصحيح؛ كي يسدد خطى المفصل النفطي الذي يشغله، فضلاً عما ينطوي عليه القرار من إحترام الدماء الزكية الـــــــــــتي صعدت الى السماء السابعة تشكو ظلم الإنسان للإنسان وبطش الطاغية المقبور.. قسوة ظنها تنكل بالمؤمنين في حين عجّلت لهم جنتهم وتركته طريداً ضاقت به الفيافي ولم يجد سوى حفرة تحت أديم ثرى ولايته تكريت التي لم تستقبله! بينما الشهداء في جنات الخلد.. أعناب وكواعب أتراب و… أبناء مباركون في الدنيا والآخرة. علي الشطري، بالإضافة الى والده الذي يتمه في القمائط دون السنتين، فقد عمه داخل التجاويف الظلماء.. أقبية معتقلات الطاغية المقبور؛ إذ أُعدِمَ شاباً في مقتل العمر.. والدته عانت من البعث وتوارت مع علي نزار الى أهلها تخبئه من ظلم وملاحقة الأمن، فكتب الله النجاة «وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ» الآية 9 سورة يس. جدية صارمة نشأ متوازناً على سراط الإيمان، في مجتمع يُجِلُّ قدسية دم والده ويحترم سمو أخلاقه «نفس عصام سودت عصامَ.. وعلمته الكر والإقدام» إذ تميز علي بجدية صارمة ضد البعثيين والسراق، ولسان حاله يقول: -اليزعل من الحق ما أريد رضاه بالباطل! رجل ملتزم عائلياً ووظيفياً، درس بأرقى الجامعات، التي تخرج فيها شخصية مهنية لا ينفذ لها الجهل أو العجز أو الباطل، نزيهاً مهما فسد الآخرون من حوله. فـ… مبارك للمنصب تبوئ علي الشطري نجل الشهيد نزار الشطري، إدارة سومو.. مبارك و.. موفق، سدد الله خطاك في تحويل تاريخ والدك وعمك الى مناهج عمل؛ لأن دم الشهداء فم!


ساحة التحرير
منذ 9 ساعات
- ساحة التحرير
صمود الأنصار في مواجهة الأخطار ومقاومة دول الإستكبار!زهراء اليمن
صمود الأنصار في مواجهة الأخطار ومقاومة دول الإستكبار! الكاتبة (زهراء_اليمن) أراد الله لليمن بأن تكون تلك الشعلة التي لا تنطفي والشمس التي لا تغيب عن هذا العالم المظلم. لقد كانت وما زالت صاحبة المركز الأول في مواجهة الأخطار ومقاومة الإستكبار والوقوف إلى جانب الحق ومناصرة أهله وتقديم الغالي والنفيس في سبيل نصرة المستضعفين والدفاع عن مظلومية وقضايا هذه الأمة منذ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا. كيف لا … وهو البلد الذي يمثل عنوان الكرامة ومنبر الحكمة ومحراب الشجاعة وقبلة الحرية ، وقد كان لأبناءه الكثير من المواقف المشرفة والثابتة في مواجهة الطغيان منذ القدم وهناك العديد من الشواهد التاريخية التي تؤكّـد استجابتهم للعديد من دعوات النصرة والمدد وتقديم العون والسند لكل من استعان بهم أَو استنصرهم وخُصُوصاً في سبيل نصرة هذا الدين والدفاع عن قضايا الأُمَّــة، ومن تلك المواقف التاريخية وقوفهم إلى جانب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ومناصرتهم له وجهادهم معه وتضحياتهم في سبيل هذه الدعوة منذ بدايتها، حَيثُ تميزوا دون غيرهم بصدق الولاء والعزيمة والثبات وكانوا لا يخافون في الله لومة لائم. وهاهو المشهد يتكرر والتأريخ يعيد نفسه في ظل ما يشهده العالم الإسلامي من فتن ومؤامرات ناهيكم عن تصاعد حدة الأزمات المقلقة والحروب الساخنة وما إلى ذلك من الأمور العالقة والأوضاع الشائكة التي أوصلت أمتنا إلى حالة بائسة من التمزق والشتات بسبب الأفكار الهدامة التي زرعها الأعداء في أوساطنا. ومن أعظم تلك المصائب مصيبة فلسطين التي لا تختلف كثيراً عن مظلومية كربلاء حيث أصبحت اليوم من أهم القضايا التي أبتليت بها أمتنا الإسلامية نتيجة السياسة الخاطئة التي باتت تنتهجها الكثير من أنظمة الخيانة والعمالة والتطبيع نعم هاهي غزة تذبح من الوريد إلى الوريد وتتعرض للتدمير والقتل والتهجير القسري والحصار والتجويع والإبادة الجماعية من قبل العدو الصهيوني في ظل تجاهل دولي واسع وصمت إسلامي فاضح وتخاذل مخزًٍ ومعيب من قبل الأنظمة العربية المطبِّعة والعميلة، والتي باتت تناصرُ الجلاد وتدين الضحية، وهو ما عزّز من قوة العدوّ ومكنه من التمادي في سفك الدماء متجاهلاً كُـلّ قوانين الأرض وشرائع السماء. ومن هذا المنطلق نناشد شعبنا اليمني خَاصَّة وشعوب أمتنا العربية والإسلامية عامة بالعودة إلى طريق الحق الذي أمرنا الله به وشيده لنا رسول الهدى والنور سيدنا -محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله – كما ندعوهم إلى التلاحم والتعاضد والوقوف صفاً واحداً في وجه هذا الطغيان الغاشم والعدوّ الظالم، وإيجاد أرضية مفتوحة للتفاهمات السياسية ومعالجة كافة الملفات الشائكة والعمل على لَمِّ الشمل وتوحيد الصف لمناصرة غزة وذلك من خلال التحرك السياسي والعسكري والإقتصادي وفتح أبواب الجهاد للمتطوعين بالإضافة إلى الهبة الشعبية والخروج بمسيرات واحتجاجات واسعة بعيدًا عن التمايز والتحزب ناشدة أُسلُـوب الوعي ومنهجية الدين، وليكن مسارنا واحدًا نتجاوز من خلاله كُـلّ العقبات التي أعاقت هذه الأُمَّــة عن تحقيق أهدافها المرجوة. ولا ننسى أن الطوفان البشري والحشد الجماهيري يُعد من أهم عوامل الضغط النفسي التي تجهض معنويات العدوّ وتضعف قوته وتجعله يظهر أمام العالم بصورة مهزومة ومنكسرة دون تحقيق أهدافه المرجوه التي كان يسعى لتحقيقها من خلال قوته العسكرية. وهذا أقل واجب نقدمه تجاه قضيتنا ونصرةً لإخواننا المظلومين في غزة _كما ندعوا قادة هذه الأمة وعظمائها من ملوك ورؤساء وزعماء وعلماء إلى إستخدام كافة أوراق الضغط على المجتمع الدولي ومطالبته بسرعة رفع الحصار وإنهاء الإحتلال والوقف الفوري لتلك المجازر والمذابح التي تمارسها أيادي الإجرام الصهيوأمريكية وحلفائها بحق إخواننا المظلومين في سوريا ولبنان وفلسطين وكافة الدول العربية والإسلامية التي تتعرض شعوبها للظلم والطغيان . 2025-07-27


موقع كتابات
منذ 16 ساعات
- موقع كتابات
قضية شعب إلى دولة الرئيس المهندس محمد شياع السوداني المحترم
سيدي الرئيس… نخاطبك اليوم بلسان أبناء شعبك، بلهجة العقلاء من قومك، بلسان المحرومين الذين كنتَ في يومٍ من الأيام واحدًا منهم. كنتَ مثلهم، تنتظر مع عائلتك استلام مفردات البطاقة التموينية، وتفرح بمحتوياتها رغم محدودية المواد، إلا أنها تكفي بعض احتياجات العائلة العراقية… واليوم، وبعد مرور عقود من الزمن، ما زال أبناء العراق يحلمون بنصيبهم من خيرات هذا البلد، من نفطه وثرواته الطبيعية التي منحها الله لهم، فتحولت إلى نقمة بدل أن تكون نعمة! يا دولة الرئيس، نسمع بين الحين والآخر عن أموال تختفي، عن أرقام كبيرة ومخيفة تبتلعها أفواه الفساد. وفي المقابل يعيش أكثر من نصف شعبك على رواتب رعاية اجتماعية لا تكفي ثمن دواء… نعم، حتى العلاج أصبح سلعة في الصيدليات الأهلية، بعدما شحّ في مؤسسات الدولة الصحية. أما التعليم، فقد تحول من خدمة مجانية إلى تجارة مربحة. فالمدارس الحكومية أُفرغت من طلابها، ليتكدس الفقراء خلف أسوار المدارس والمعاهد والجامعات الأهلية التي صارت أحلامًا باهظة الثمن، لا يجرؤ عليها ابن الفقير. تتحدثون دومًا عن وضع اقتصادي صعب تمر به الدولة، لكن الشعب ينظر إلى جيرانه من دول الخليج ويتساءل: لماذا لا نعيش كما يعيشون؟ ولماذا حُكم علينا بالفقر وسط الثروات؟ إنه طريق مسدود، بل حلم مكسور. يا دولة الرئيس، إذا أردتم قياس اقتصاد الدولة، فانظروا إلى كل دورة انتخابية.. كل أربع سنوات تختصرها بضعة أشهر من البذخ، حيث تُضخ المليارات في الشوارع كدعاية انتخابية، وتُشترى الذمم، وتُصرف الأموال بلا حساب. من أين جاءت هذه الأموال؟ أليست أموال اليتامى والمساكين والفقراء؟ لقد أرهق شعبك الجوع، وأنهكه العوز، واعلم ان ألحاشية التي تحيط بك ترسم لك صورة زائفة لعراق مرفه لا يشبه واقع الفقراء. ولكن الحقيقة أن خط الفقر اليوم ليس مجرد رقم، بل هو خط دمٍ يفصل بين الطبقات، وقد ظهرت 'حيتان' فساد تتحدث بثروات أرقامها خيالية، لا يمكن جمعها لا من وظيفة ولا من تجارة… بل حتى أكبر الشركات في العراق لا تمتلك أرصدة كالتي يمتلكها بعض السياسيين. فإلى متى هذه الدوامة؟ ألا تسمع كل يوم عن شاب أنهى حياته بسبب البطالة؟ شبابٌ في عمر الزهور قَتلتهم الحاجة واليأس وهم داخل بيوتهم؟! نعم، نخاطبك بلغة العقل، بلغة العراقيين الحقيقيين الذين تعرفهم جيدًا…لانك كنتَ واحدًا منهم، وعشت بينهم، وذُقت ظروف الحصار والحرب مثلهم. لكننا اليوم نقولها لك بمرارة: 'لقد مسّنا الجوع، والله أرحم الراحمين.' فإياك أن تصغي إلى الأقوياء الذين يتسلحون بالمال والنفوذ، وتُعرض عن الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة. إياك أن ينام أحد من شعبك جائعًا، وأنت على رأس دولة تبيع يوميًا ملايين البراميل من النفط، وتجني المليارات من الدولارات! يا دولة الرئيس، لقد مسّنا الضر ونحن نشاهد المهزلة الانتخابية تُعرض كمسرحية هزلية: بدايتها بيع ضمائر، ونهايتها زرع الفساد في كل مفاصل الدولة. فأين يدك الحديدية التي وعدتنا بها؟ أين وعودك التي رددتها علينا بثقة؟ نعلم أنك تعرف كل شيء، لكن يبدو أن الزجاج المظلل في المنطقة الخضراء قد غطّى العيون، فلم تعد ترى الجياع خلفه! يا دولة الرئيس، بالمبالغ التي تُصرف على الحملات الانتخابية، تستطيع أن ترفع الطبقات الفقيرة إلى مستوى الكرامة. ابدأ بالفقراء، بذوي الدخل المعدوم، بالمشمولين بالرعاية الاجتماعية، بالمتقاعدين، وبالموظفين أصحاب الرواتب المحدودة… فهنيئًا لمن خدم شعبه وترك خلفه تاريخًا أبيض ناصعًا لا تلوثه خيانة ولا يطاله الفساد.