
من أوسلو إلى «اليوم الذي يلي»
تتَّسم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في سياستها الخارجية بنوع من البراغماتية المُفرطة، التي لا ترتبط بالتزامات أو توجهات ثابتة، اعتادت أن ترسمها دوائر القرار المعنية بحلّ أو إدارة النزاعات في العالم. هذا بشكل عام. أما بالنسبة إلى الشرق الأوسط، فإن مقاربة ترمب للمشكلة الفلسطينية تضعك أمام مأزق حقيقي، لأنها تقوم على فكرة أن مساحة إسرائيل صغيرة نسبةً إلى إنجازاتها وتفوقها في المنطقة، وأن الفلسطينيين كتلة سكانية يمكن تحريكها كيفما اتُّفق. وهذا رأي شخصي لترمب يُحدد سياسة الولايات المتحدة، وتستغله إسرائيل إلى أبعد الحدود، لكن الأخطر أن تلك الأفكار تُعيدنا إلى بدايات الفكر الصهيوني ومعتقداته المُبكرة.
وبالتالي، نحن فعلياً أمام إدارة تتجاهل الحقوق الثابتة للفلسطينيين التي حددتها الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عهد الرئيس جيمي كارتر (1977)، على قاعدة حقّ تقرير المصير، ضمن تسوية متكاملة تشمل ضمان أمن إسرائيل، وانسحابها من أراضي عام 1967. وقد جاء هذا التوجه بعد مقاربة كيسنجر «خطوة خطوة» بين الإسرائيليين والعرب، التي كانت الولايات المتحدة قد تبنّتها في جنيف عام 1973.
بالتوازي، يخلط ترمب بين ما يُسمى «اليوم الذي يلي الحرب» على غزة من جهة، ومبدأ «حلّ الدولتين» من جهة أخرى. ويستغل بنيامين نتنياهو هذا الالتباس للإيغال في تغيير الوقائع على الأرض، مراهناً على إمكانية أن يذهب معه ترمب إلى حد الاعتراف بضمّ الضفة الغربية، وأيضاً على حلّ اقتصادي في غزة يُفرغها من «حماس»، وينقل جزءاً من سكانها إلى الخارج. وكما راهن بن غوريون على الرئيس الأميركي هاري ترومان، الذي شكّل فرصة لإسرائيل عند نشأتها، يراهن نتنياهو على ترمب لاستكمال مشروعه في توسعة إسرائيل وتصفية حلم الدولة الفلسطينية، وهو ما يسعى إليه اليمين الديني لحسم الصراع.
في المقابل، تشكّل المبادرة المصرية فرصة لمنع تهجير الفلسطينيين، في حال توفرت لها عوامل النجاح الإقليمية والفلسطينية، وإذا تمكّنت من معالجة تداعيات ما يُسمى «طوفان الأقصى» بشكل عاجل.
وبالنظر إلى العامل الإقليمي، فإن وضع غزة أصبح شبه منفصل عن حالة الاستقطاب مع إيران، خاصة بعد انطلاق الحوار بين إيران والولايات المتحدة، وأيضاً عن نظرية «وحدة الساحات» التي استندت إليها حركة «حماس» عندما أطلقت عمليتها في 7 أكتوبر (تشرين الأول). وقد نجحت إسرائيل في تغيير التوازن الإقليمي، ثم العودة إلى الاستفراد بغزة، مع هامش حرية أكبر هذه المرة في تطبيق سياسات التهجير وتغيير المعالم الجغرافية والديموغرافية، خاصة بعد إعلان ترمب عزمه تحويل غزة إلى منطقة عقارية، وبدء البحث عن دول لاستقبال اللاجئين. ولا شك أن تراجع الدور الإيراني في المشهد يُعطي لغزة أملاً جديداً في التأكيد على الحاضنة العربية، ودورها الذي يعمل تحت سقف المبادرة العربية للسلام. وهذا بحدّ ذاته يشكل ضماناً لأهل غزة ولكل فلسطين. من هنا، يأتي النظر إلى العامل الفلسطيني في إنجاح المبادرة المصرية، إذ تختلف دواعيه هذه المرة جوهرياً عن كل المحاولات السابقة لإنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة بين حركتي فتح و«حماس»، خاصة في الشق المتعلق بإدارة غزة، وبتبني طرح جامع وواقعي ومقبول يتماشى تماماً مع الموقف العربي.
في منتصف السبعينات، ورغم اعتراف الولايات المتحدة بالحقوق المشروعة للفلسطينيين، رفضت إسرائيل فكرة الدولة الفلسطينية بذريعة أنها ستتحول إلى قاعدة للتنظيمات الشيوعية على حدودها. وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي، قبِلت إسرائيل في أوسلو، لأول مرة، فكرة الدولة الفلسطينية، تبعاً لتوازن دولي وإقليمي بدّد الذرائع السابقة، ولتحولات في الوضع الداخلي في إسرائيل، وأيضاً نتيجة انتفاضة الفلسطينيين، ولقناعتهم بحدود عام 1967، وتحولهم إلى العمل في الداخل بعد انكشاف الدور الذي لعبته الأنظمة القومية في سعيها لمصادرة القرار الفلسطيني، حيث ملأ حافظ الأسد سجونه بالفلسطينيين في سوريا، وقاتلهم في لبنان، وتسبب في انقسام منظمة التحرير.
وبالتزامن مع إمساك نتنياهو بالمعادلة السياسية الإسرائيلية، ومقتل رابين، برز الدور الإقليمي لإيران كوريث لنظام القومية في محاولة الاستحواذ على القضية الفلسطينية، وتلاقت مصلحة إيران مع نتنياهو على إسقاط أوسلو. وكان الهدف ضرب رموز منظمة التحرير وخياراتها. وقد جاء التعبير الأوضح عن هذا التلاقي في القمة العربية التي انعقدت في بيروت عام 2002، حين مَنعت إسرائيل أبو عمار من مغادرة فلسطين لحضور القمة. وفي الوقت ذاته مَنعت جماعة إيران وسوريا في الدولة اللبنانية بثّ كلمة متلفزة له. ومنذ عام 2007 حتى 7 أكتوبر 2023، تعايش نتنياهو مع غزة تحت سلطة «حماس» في ظل ترتيب يُديم الانقسام الفلسطيني.
واقع الأمر أن الروايتين، الإسرائيلية والإيرانية، نجحتا في إدارة المرحلة التي امتدت من منتصف التسعينات حتى 7 أكتوبر، على قواعد اشتباك مضبوطة تحقق لإسرائيل عوامل انقسام فلسطيني، يكفل تبديد حلّ الدولتين مع الاحتفاظ بحالة «اللاسلم واللاحرب» التي تناسب اليمين، وتؤدي إلى تيئيس الفلسطينيين. أما على المقلب الإيراني، فهي تكفل خلق منظومة كيانات وفصائل تتصدر الصراع مع إسرائيل، وتفرض خياراتها بمواجهة أوسلو والمبادرة العربية، وتقتطع لنفسها حيزاً من الساحة الفلسطينية، بما يكفل الدخول من الباب الفلسطيني لتعزيز الهيمنة الإيرانية في المنطقة. واستمر هذا التساوق حتى 7 أكتوبر، الذي أتى وقعه كبيراً على إسرائيل.
اليوم يأتي تراجع الدور الإيراني، وانتهاء محور الممانعة، ليفرض واقعاً جديداً يطول في تأثيره الساحة الفلسطينية، ويطرح على الفلسطينيين تحدياً جديداً، اسمه «اليوم الذي يلي» والتوازن الذي من شأنه أن يقوم بوجه نتنياهو وترمب وجنوحهما لتصفية القضية الفلسطينية، وهو توازن لا بد أن يُعززه الموقف العربي من جهة والموقف الفلسطيني الداخلي الذي لا شك بات الآن يُدرك مصلحته في ضرورة حماية التضحيات الفلسطينية، بعيداً عن منظومة الطوباويات التي نشرتها إيران طيلة الفترة السابقة!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ 27 دقائق
- سعورس
الذهب يرتفع لأعلى مستوى في أسبوعين وسط مخاوف الديون الأمريكية
ارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 0.3% ليصل إلى 3,324.91 دولارًا للأونصة، اعتبارًا من الساعة 07:05 بتوقيت غرينتش، بعد أن سجل أعلى مستوى له منذ 9 مايو في وقت سابق من الجلسة. وارتفعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي بنسبة 0.4% لتصل إلى 3,326.30 دولارًا. يحوم الدولار، بالقرب من أدنى مستوى له في أسبوعين والذي سجله في الجلسة السابقة، مما يجعل الذهب المسعر بالدولار الأمريكي أرخص لحائزي العملات الأجنبية. وقال كيلفن وونغ، كبير محللي السوق في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى أواندا: "يدعم تراجع الذهب الصعودي ضعف الدولار الأمريكي واستمرار مخاطر الركود التضخمي في الاقتصاد الأمريكي". تجاوز مشروع قانون الضرائب والإنفاق الشامل للرئيس الأمريكي دونالد ترمب عقبة حاسمة يوم الخميس، حيث صوّت مجلس النواب، على نحوٍ متقارب، لبدء نقاش من المتوقع أن يؤدي إلى التصويت على إقراره في وقت لاحق من الصباح. وشهدت وزارة الخزانة الأمريكية طلبًا ضعيفًا على بيع سندات لأجل 20 عامًا بقيمة 16 مليار دولار يوم الأربعاء، وهو ما يُثقل كاهل الدولار الأمريكي وول ستريت أيضًا، مع توتر المتداولين بالفعل بعد أن خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأسبوع الماضي. وقال إيليا سبيفاك، رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في تيستي لايف: "يبدو أن الذهب يستأنف اتجاهه الصعودي على المدى الطويل بعد فشل الاختراق تحت 3200 دولار في الصمود. وأتطلع لعام من أعلى مستوياته عند 3450 - 3500 دولار من هنا". ويُنظر إلى الذهب على أنه استثمار آمن في أوقات الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية ويزدهر في بيئة منخفضة السعر. على الصعيد الجيوسياسي، صرّح وزير الخارجية العماني يوم الأربعاء بأن الجولة الخامسة من المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة ستُعقد في 23 مايو في روما. وارتفع سعر الذهب بفضل التقارير الأخيرة التي أفادت بتخطيط إسرائيل لهجوم على إيران ، على الرغم من أن الإعلان عن مزيد من المحادثات النووية بين طهران وواشنطن ساعد في تهدئة المخاوف من هجوم فوري. لكن الذهب حافظ على معظم مكاسبه التي حققها في وقت سابق من هذا الأسبوع، حيث أفادت التقارير بأن إسرائيل مستعدة لمهاجمة إيران إذا انهارت المحادثات مع الولايات المتحدة. واستمد الذهب دعمًا كبيرًا هذا الأسبوع من تزايد المخاوف بشأن مستويات الدين الأمريكي المرتفعة، خاصة بعد أن أشارت وكالة موديز إلى هذه المسألة كدافع رئيسي لخفض تصنيفها الائتماني للولايات المتحدة مؤخرًا. وشوهد المتداولون يتخلصون من سندات الخزانة الأمريكية والدولار لصالح الذهب وغيره من الملاذات الآمنة، مع ارتفاع عوائد سندات الخزانة بشكل حاد هذا الأسبوع. وشهدت وزارة الخزانة الأمريكية طلبًا ضعيفًا على بيع سندات لأجل 20 عامًا بقيمة 16 مليار دولار يوم الأربعاء. وكان التركيز منصبًا على تصويت مجلس النواب على مشروع قانون شامل لخفض الضرائب والإنفاق، والذي قد يُجرى هذا الأسبوع بعد أن وافقت لجنة في مجلس النواب يسيطر عليها الجمهوريون على مشروع القانون للتصويت عليه. ويرى المحللون أن التخفيضات الضريبية المقترحة وزيادة الإنفاق على الحدود والدفاع قد تزيد من تراكم الديون الأمريكية ، مما يزيد من المخاطر المالية على البلاد. يأتي هذا في ظل استمرار حالة عدم اليقين بشأن التأثير الاقتصادي لسياسات الرئيس دونالد ترامب التجارية، والتي كانت محركًا رئيسيًا لمكاسب الذهب هذا العام. كما ارتفعت أسعار المعادن النفيسة الأخرى مع تراجع الدولار. ارتفع سعر الفضة الفوري بنسبة 0.3% ليصل إلى 33.49 دولارًا للأوقية، وارتفع البلاتين بنسبة 0.2% ليصل إلى 1078.16 دولارًا، بينما تراجع البلاديوم بنسبة 0.7% ليصل إلى 1030.28 دولارًا. من بين المعادن الصناعية، ارتفعت أسعار النحاس يوم الخميس، مستفيدة من تراجع الدولار، ومع استمرار ترحيب المتداولين بمؤشرات المزيد من التحفيز في الصين ، أكبر مستورد للمعادن. ارتفعت العقود الآجلة القياسية للنحاس في بورصة لندن للمعادن بنسبة 0.2% لتصل إلى 9,545.50 دولارًا للطن، بينما ارتفعت العقود الآجلة الأمريكية للنحاس بنسبة 1.3% لتصل إلى 4.7175 دولارًا للرطل. حقق النحاس مكاسب قوية هذا الأسبوع بعد أن خفضت الصين سعر الفائدة الأساسي على القروض لمزيد من تخفيف السياسة النقدية ودعم الاقتصاد. عزز خفض سعر الفائدة هذا الأسبوع التفاؤل بأن الصين ستتخذ المزيد من الإجراءات لدعم النمو، مما قد يعزز بدوره شهية البلاد للنحاس. كما ظل الحوار التجاري بين الصين المتحدة محط أنظار، وسط بعض مؤشرات التوتر بعد الهدنة الأسبوع الماضي.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
لقاء عون ــ عباس ينزع «شرعية» السلاح الفلسطيني في لبنان
نزع لقاء الرئيسين اللبناني والفلسطيني جوزيف عون ومحمود عباس، أمس (الأربعاء)، «شرعية» السلاح الفلسطيني في لبنان، حيث أكدا التزامهما حصر السلاح بيد الدولة. وأعلن الجانبان، في بيان مشترك بعد لقاء جمعهما في بيروت، «التزامهما مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، وإنهاء أي مظاهر خارجة عن منطق الدولة اللبنانية، واحترام سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه». وأكدا إيمانهما بأن «زمن السلاح الخارج عن سلطة الدولة اللبنانية قد انتهى». ورغم إبداء مصادر في حركة «حماس» في لبنان انفتاحها على أي أمر يؤدي إلى استقرار لبنان، فإنها رأت أن «عباس يمثل السلطة الفلسطينية في رام الله، وبالتالي أي قرار بشأن سلاح (حماس) والفصائل لا بد أن يتم بعد التشاور والحوار معها». وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن سلاح «حماس» لم يستخدم داخل المخيمات ولا خارجها، باستثناء مرحلة حرب الإسناد ضد إسرائيل بإشراف المقاومة الإسلامية (حزب الله)، مشيرة في المقابل إلى «لجنة الحوار الفلسطيني - اللبناني التي سيكون لها دور في أي حوار بهذا الشأن».


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
الدولار يواصل تراجعه بعد تعثّر قانون ترمب الضريبي
انخفض الدولار الأميركي، يوم الأربعاء، مستمراً في تراجعه الذي دام يومَيْن مقابل مجموعة من العملات، بعد فشل الرئيس الأميركي دونالد ترمب في إقناع الجمهوريين الرافضين لمشروع قانون إصلاح الضرائب الشامل. كما ساد الحذر بين المتداولين من إمكانية سعي المسؤولين الأميركيين لإضعاف الدولار خلال اجتماعات وزراء مالية مجموعة السبع التي تُعقد حالياً في كندا. ومع تباطؤ تطورات حرب الرسوم الجمركية العالمية التي شنّها ترمب، والتي تسبّبت في تقلّبات حادة في أسعار العملات في الأشهر الأخيرة، لا يزال الموعد النهائي للرسوم الجمركية الذي يقترب من نهاية مهلة التسعين يوماً لفرضها على شركاء الولايات المتحدة التجاريين يلوح في الأفق من دون أي اتفاقيات تجارية جديدة، وفق «رويترز». وبينما تظل الأسواق متفائلة بحذر بشأن حرص البيت الأبيض على استئناف تدفق التجارة بشكل مستدام، يبدو أن المحادثات مع الحليفَيْن المقربَيْن، طوكيو وسيول، قد فقدت زخمها. وقد أسهمت هذه العوامل مجتمعة في إبقاء الدولار تحت الضغط، في الوقت الذي استمرت فيه عوائد سندات الخزانة الأميركية بالارتفاع، مع بقاء الشعار المهيمن «بيع أميركا» يؤثر في قرارات الاستثمار، وإن كان هذا التأثير أقل حدة مما كان عليه في وقت سابق من الشهر الحالي. وأوضح محللو بنك الكومنولث الأسترالي، في مذكرتهم: «لا نعتقد أن الدولار الأميركي -والأصول الأميركية عموماً- في بداية دوامة انحدار». ومع ذلك، يتوقع الخبراء أن يشهد الدولار الأميركي مزيداً من الضعف في عام 2026، بمجرد أن يتلاشى عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية ويدعم انخفاض أسعار الفائدة انتعاش الاقتصاد العالمي. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يُخصص كبار مديري الأموال رأس مال أقل للأصول المقوّمة بالدولار الأميركي مع مرور الوقت. وعلى الرغم من أن خفض وكالة «موديز» لتصنيف الديون السيادية الأميركية يوم الجمعة الماضي لم يؤثر كثيراً في الأسواق، فإنه عزّز السرد الذي يشير إلى تراجع الثقة بالأصول الأميركية بصفتها ملاذات آمنة. ونتيجة لذلك، انخفض الدولار هذا العام مقابل جميع العملات الرئيسية. وفقاً للمحللين المستقلين، من المتوقع أن يُضيف مشروع قانون ترمب الضريبي ما بين 3 و5 تريليونات دولار إلى ديون البلاد. وقد أثر تضخم الدين المالي، والاحتكاكات التجارية، وضعف الثقة في الأسواق الأميركية. وأشار محللو «غولدمان ساكس»، في مذكرتهم البحثية، إلى أن «أسعار الرسوم الجمركية الآن أقل، لكنها لا تزال مرتفعة، وينطبق الأمر نفسه على مخاطر الركود في الولايات المتحدة». وأضافوا: «لا تزال الولايات المتحدة تواجه أسوأ مزيج من النمو والتضخم بين الاقتصادات الرئيسية، ومع إقرار مشروع القانون المالي في الكونغرس، فإن تآكل الاستثنائية الأميركية يُثبت -حرفياً- أنه مكلف في وقت يشهد فيه احتياجات تمويلية كبيرة». وقد يُمثّل مزاد سندات الخزانة الأميركية لأجل 20 عاماً، المزمع عقده لاحقاً، اختباراً حاسماً لشهية المستثمرين تجاه الديون الأميركية طويلة الأجل. وصرّح وزير المالية الياباني كاتسونوبو كاتو، قبيل اجتماع متوقع مع وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، بأن المحادثات بشأن أسعار الصرف ستستند إلى وجهة نظرهما المشتركة بأنّ التقلبات المفرطة في أسعار العملات أمر غير مرغوب فيه. من جانبه، قال الخبير الاستراتيجي في بنك «إم يو إف جي»، ديريك هالبيني: «في حين لا يتوقع المشاركون في السوق أي تعليق صريح من بيسنت بشأن أي تحول في سياسة واشنطن تجاه الدولار، فإن أي إشارة إلى دفع الشركاء التجاريين في آسيا إلى تقليل التدخل في شراء الدولار الأميركي أو وقفه من المرجح أن تؤدي إلى مزيد من التحركات الكبيرة التي تُضعف الدولار». وفي تطور آخر، ارتفع الين مقابل الدولار بنسبة 0.4 في المائة ليصل إلى 143.865، مواصلاً مكاسبه الناتجة جزئياً عن الارتفاع الحاد في عائدات السندات المحلية هذا الأسبوع. كما شهدت الملاذات الآمنة الأخرى، مثل الفرنك السويسري والذهب، مكاسب بعد أن أفادت شبكة «سي إن إن»، يوم الثلاثاء، بأن معلومات استخباراتية جديدة جمعتها الولايات المتحدة تشير إلى أن إسرائيل تستعد لضرب المنشآت النووية الإيرانية. من جهة أخرى، وصل الجنيه الإسترليني إلى أعلى مستوى له منذ فبراير (شباط) 2022 بعد أن أظهرت البيانات أن تضخم أسعار المستهلكين في المملكة المتحدة ارتفع في أبريل (نيسان) بأكثر مما كان متوقعاً، مما قلّص قدرة «بنك إنجلترا» على خفض أسعار الفائدة بسرعة. وقد ارتفع الجنيه بنسبة 0.58 في المائة، ليصل إلى أعلى مستوى له في الجلسة عند 1.347 دولار. كما حافظ اليورو على استقراره، مرتفعاً بنسبة 0.3 في المائة ليُتداول عند 1.1324 دولار. وفي سياق متصل، أكد مسؤولو «الاحتياطي الفيدرالي»، يوم الثلاثاء، مخاوفهم بشأن تأثير السياسات التجارية لإدارة ترمب على الاقتصاد، مع تأكيدهم أن «الاحتياطي الفيدرالي» في حالة ترقب مستمرة.