logo
هل تأخرنا كثيرًا؟ الحل الذي تجاهلناه منذ سنوات! خطة عمل البيانات الموحدة

هل تأخرنا كثيرًا؟ الحل الذي تجاهلناه منذ سنوات! خطة عمل البيانات الموحدة

وطنا نيوز٢١-٠٣-٢٠٢٥

كتب د. رامي شاهين
في زحمة التحديات التي تواجهها الدول اليوم، هناك أزمة لم نلقِ لها بالًا إلا بعد أن تحولت إلى معضلة وطنية تُكبل الابتكار وتؤخر عجلة التنمية. أزمة لم تأتِ فجأة، بل كانت تتراكم بهدوء، تتشكل كطبقات فوق بعضها البعض حتى وصلنا إلى اللحظة التي لا يمكننا فيها التقدّم دون تفكيكها.
البيانات… نعم، البيانات ليست مجرد أرقام ومؤشرات، بل هي روح العصر، وعندما تُدار بشكل فوضوي أو تُترك متناثرة بين الوزارات والمؤسسات، فإنها تصبح عبئًا بدلًا من أن تكون قوة دافعة. منذ سنوات، طُرحت رؤية ثورية لإعادة تشكيل إدارة البيانات على مستوى الدولة، لكن لا أحد استمع حينها، ربما ظنّ البعض أن الأزمة ليست ملحّة، أو أن الحلول التقليدية كافية، لكن اليوم… هل يمكننا تجاهل الحقيقة بعد الآن؟
خطة التحول: القفزة الضفدعية إلى المستقبل!
نحن لا نتحدث عن حلول ترقيعية أو محاولات بائسة لإصلاح ما لا يمكن إصلاحه، بل عن نهج يعتمد على Direct Data Model، كما أوصت به تقارير Gartner، لتحقيق Frog Leap بدلاً من اتباع مسار بطيء نحو التحوّل الرقمي.
1. تأسيس مركز وطني لنماذج اللغة الضخمة (LLM)
المعلومات ليست مجرد بيانات جامدة، بل تحتاج إلى ذكاء اصطناعي يفهمها، يحللها، ويجعلها قابلة للاستخدام. هنا يأتي دور إنشاء مركز LLM يكون العقل المركزي الذي يتعامل مع البيانات، ويحولها إلى معرفة قابلة للتنفيذ، متماشياً مع ثقافة الدولة وبيئتها التنظيمية.
2. تطبيق إطار DAMA لضبط الحوكمة والملاءمة مع الواقع الوطني
إطار DAMA ليس رفاهية، بل ضرورة لضمان حوكمة البيانات بشكل صارم، ولكن بشكل يراعي طبيعة الدولة، نظامها الإداري، وبيئتها الثقافية. لا يمكن استيراد نموذج جاهز وإسقاطه كما هو، بل يجب أن يتكيف مع النظام الاجتماعي والاقتصادي للدولة.
3. التحول إلى نموذج البيانات المباشر Direct Data Model
بدلاً من تجميع البيانات في مستودعات ضخمة بلا هدف، يعتمد هذا النموذج على إبقاء البيانات في مصادرها الأصلية مع توفير طبقة ذكية للوصول إليها ومعالجتها فورًا، مما يقلل الفوضى ويرفع الكفاءة. هذا الأسلوب يعكس ما أوصت به تقارير Gartner، حيث يمكننا القفز مباشرة إلى مستقبل يعتمد على البيانات الفورية، دون الحاجة إلى المرور بمراحل تقليدية طويلة.
4. بناء منظومة بيانات وطنية تتكامل مع النظام الاقتصادي والرقمي (Ecosystem Integration)
يجب ألا تكون البيانات حبيسة المؤسسات الحكومية فقط، بل يجب أن تتكامل مع القطاع الخاص، الأوساط الأكاديمية، والمجتمع المدني، مما يسمح ببناء اقتصاد قائم على المعرفة. البيانات ليست فقط أداة لصانعي القرار، بل يمكن أن تكون قوة اقتصادية تُبنى عليها شركات ناشئة، وتُصمم بها حلول محلية للعالم.
حوكمة البيانات: هل يمكن أن تكون سلاحًا ذا حدين؟
في الأردن، كما في العديد من الدول، يُنظر إلى الحوكمة كأداة للشفافية، لكن في بعض الحالات، قد تتحول إلى وسيلة تعقيد تزيد من البيروقراطية وتخلق بيئة مثالية للفساد المقنّع. كيف؟
كلما زادت مستويات الحوكمة دون وجود إطار عمل متكامل، زاد عدد الإجراءات، وكلما زادت الإجراءات، زادت الحاجة إلى التوقيعات والموافقات، مما يفتح المجال لممارسات غير نزيهة مثل 'التسهيلات الخاصة' أو 'التجاوزات النظامية' لصالح من يملك النفوذ.
ولهذا، فإن الانتقال إلى مؤسسة بيانات وطنية يجب أن يتم وفق استراتيجية واضحة ومدروسة بعناية، وإلا سيقع الأردن مرة أخرى في مصيدة 'Suspension Zone' وفق نموذج CWS، حيث يتم تنفيذ المبادرات بدون فعالية، وتبقى الدولة عالقة بين البيانات المتراكمة غير المستغلة، والأنظمة المعقدة التي لا تسهّل الوصول إلى المعلومات بمرونة.
عناصر نجاح إدارة البيانات على المستوى الحكومي
1. إدارة العمليات (Operation Management)
أي تحول رقمي يحتاج إلى إدارة عمليات فعالة لضمان تكامل الأنظمة، والتنسيق بين المؤسسات المختلفة، وتحديث البنية التحتية بشكل مستمر. يجب إنشاء وحدة مركزية لإدارة العمليات الرقمية، تتولى تنفيذ السياسات والقرارات بشكل عملي وفعال.
2. مستوى المشاركة (Level of Involvement)
نجاح التحول يعتمد على إشراك جميع الجهات الفاعلة، من المؤسسات الحكومية إلى القطاع الخاص والمجتمع المدني. بدون مشاركة حقيقية، ستظل الجهود حبرًا على ورق.
3. التواصل مع الجهات المعنية (Stakeholders Communication)
لا يمكن بناء نظام بيانات وطني بدون وضوح في الرؤية. كل جهة معنية يجب أن تفهم دورها، ومسؤولياتها، وأهداف التحول الرقمي. فشل التواصل يعني فشل المشروع بأكمله.
4. الهيكل الداخلي والتدابير (Internal Structure and Measures)
الهيكل الداخلي لمؤسسة البيانات يجب أن يكون مرنًا، قائمًا على آليات واضحة لضمان استدامة النظام. بدون مقاييس نجاح محددة، سيكون من المستحيل معرفة ما إذا كان التحول يحقق أهدافه أم لا.
ماذا لو استمعنا في 2020؟
خلال أزمة كورونا، طُرحت هذه الأفكار، لكن لم يكن الوقت مناسبًا للاستماع. كانت العجلة تدور في اتجاه آخر، والقرارات تُتخذ بشكل سريع لمعالجة الأزمة المباشرة. لكن اليوم، هل يمكننا الادعاء بأننا نملك رفاهية التأخير؟
إن لم ننفذ هذه الخطة الآن، فسنجد أنفسنا في عام 2030 نحاول حل مشكلات عام 2025، بنفس الطريقة التي نحاول فيها الآن حل مشكلات 2020. الفرق الوحيد أننا سنكون قد أضعنا سنوات أخرى دون إنجاز.
لقد تأخرنا كثيرًا، لكن لا يزال هناك وقت للقفز إلى المستقبل… إذا كنا مستعدين لسماع الحقيقة هذه المرة

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الأردني طارق الأمين مديرًا تنفيذيًا لأكبر شركات الذكاء الاصطناعي العالمية
الأردني طارق الأمين مديرًا تنفيذيًا لأكبر شركات الذكاء الاصطناعي العالمية

عمون

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • عمون

الأردني طارق الأمين مديرًا تنفيذيًا لأكبر شركات الذكاء الاصطناعي العالمية

عمون - أعلنت شركة "هيوماين" عن تعيين طارق أمين رئيساً تنفيذياً جديداً لها، في خطوة تهدف إلى تعزيز موقع الشركة في قطاع الذكاء الاصطناعي وبناء منظومة تقنية عالمية متكاملة. وسيتولى أمين مسؤولية قيادة استراتيجية الشركة نحو تطوير مراكز بيانات متقدمة، وبنية تحتية ذكية، ونماذج ذكاء اصطناعي رائدة، إلى جانب الإشراف على تطبيقات تحويلية تسهم في تعزيز القدرات البشرية وتوسيع استخدامات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات. وستعمل "هيوماين" التي أعلن تأسيسها مع زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية، والتي يرأس ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مجلس إدارتها، على تقديم أحدث نماذج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومن ذلك تطوير أحد أفضل النماذج اللغوية الكبيرة (LLM) باللغة العربية، إلى جانب الجيل الجديد من مراكز البيانات، والبنية التحتية للحوسبة السحابية. وستسهم الشركة في تمكين وتعزيز القدرات في مجال تطوير وتقديم تطبيقات وحلول الذكاء الاصطناعي محليًا وإقليميًا ودوليًا، وفتح آفاق جديدة في الاقتصاد الرقمي. يذكر أن طارق الأمين هو ابن زهدي عبد الرزاق الحسن، الذي شغل منصب أمين عام وزارة الداخلية سابقًا.

الامير محمد بن سلمان يعلن إطلاق شركة «هيوماين» رائداً عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي
الامير محمد بن سلمان يعلن إطلاق شركة «هيوماين» رائداً عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي

أخبارنا

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • أخبارنا

الامير محمد بن سلمان يعلن إطلاق شركة «هيوماين» رائداً عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي

أخبارنا : أعلن ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، اليوم، إطلاق شركة «هيوماين»، إحدى الشركات المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، التي تهدف إلى تطوير وإدارة حلول وتقنيات الذكاء الاصطناعي، والاستثمار في منظومة القطاع. وستعمل «هيوماين»، التي يرأس ولي العهد مجلس إدارتها، على تقديم أحدث نماذج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومن ذلك تطوير أحد أفضل النماذج اللغوية الكبيرة (LLM) باللغة العربية، إلى جانب الجيل الجديد من مراكز البيانات، والبنية التحتية للحوسبة السحابية. وستسهم الشركة في تمكين وتعزيز القدرات في مجال تطوير وتقديم تطبيقات وحلول الذكاء الاصطناعي محلياً وإقليمياً ودولياً، وفتح آفاق جديدة في الاقتصاد الرقمي. ويعمل صندوق الاستثمارات العامة، وعدد من شركات محفظته على تعزيز منظومة الذكاء الاصطناعي من خلال الاستثمار والشراكات الدولية، مع الاستفادة من المزايا التي تتمتع بها المملكة، ومنها الموقع الجغرافي الإستراتيجي بين 3 قارات، ما يسهّل الربط بين شبكات التواصل ويتيح سرعة معالجة كميات ضخمة من البيانات، في حين تسهم معدلات النمو الاقتصادي المتزايدة، وارتفاع نسبة فئة الشباب المهتمين بالتقنيات الحديثة في المملكة في دعم عمليات بناء القدرات والبحث والابتكار في تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتهدف إستراتيجية الصندوق في قطاع الذكاء الاصطناعي إلى تعزيز تنافسية المملكة عالمياً، وذلك في إطار أهدافه بدعم جهود التنمية والتنويع الاقتصادي محلياً. وكانت المملكة قد تصدرت معيار الإستراتيجية الحكومية للذكاء الاصطناعي عالمياً على المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي 2024. وستعمل «هيوماين» على دعم وتنسيق مختلف المبادرات المتعلقة بمراكز البيانات والأجهزة، وتسريع تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، مع توفير منظومة متكاملة للحلول المرتبطة بالاقتصاد الرقمي في مختلف القطاعات الإستراتيجية، مثل الطاقة والرعاية الصحية والصناعة والخدمات المالية. كما ستعزز الشركة جهود التطوير المحلية مع الحرص على الملكية الفكرية للابتكارات، وتحقق تطلعات المملكة في قطاع البيانات والذكاء الاصطناعي، ومنها ترسيخ موقع المملكة كمركز عالمي لتمكين أفضل تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي، وجذب الفرص الاستثمارية وأفضل الكفاءات في القطاع من المملكة والعالم.

د. خالد وليد محمود : الذكاء الاصطناعي وسوق العمل: من يكتب سيناريو المستقبل؟
د. خالد وليد محمود : الذكاء الاصطناعي وسوق العمل: من يكتب سيناريو المستقبل؟

أخبارنا

time٣٠-٠٤-٢٠٢٥

  • أخبارنا

د. خالد وليد محمود : الذكاء الاصطناعي وسوق العمل: من يكتب سيناريو المستقبل؟

أخبارنا : في عصر الذكاء الاصطناعي، لم يَعُد مستقبل الوظائف مجرد سيناريوهات مستقبلية أو تكهنات بعيدة، بل بات واقعًا يتشكّل بسرعة تفوق التوقعات. ما كان يُعتبر ضربًا من الخيال قبل سنوات، أصبح اليوم حقيقة مدعومة بأرقام وتقارير صادرة عن كبرى المؤسسات البحثية والتقنية. الذكاء الاصطناعي لم يَعد يكتفي بأتمتة المهام الروتينية، بل بات يُعيد تشكيل سوق العمل من جذوره، ويبتكر وظائف لم تكن موجودة من قبل، دافعًا بالمهن إلى تحوّل غير مسبوق في النوع والسرعة والمهارات المطلوبة. ووسط هذه التحولات المتسارعة، لم تعد الوظائف الجديدة خيارًا تقنيًا نخبويًا، بل أصبحت ضرورة حتمية تفرضها موجات التغيير، وتُبرز الحاجة إلى مواكبة هذا الواقع الجديد بمرونة واستعداد دائم. فالتغيير الذي كان يستغرق عقودًا بات يحدث خلال أشهر، ومهن الأمس باتت تُستبدل بوظائف لم نسمع بها من قبل، إذ تُجمِع التقارير الحديثة الصادرة عن PwC و Gartner وMcKinsey على أن الوظائف الجديدة ليست ترفًا تقنيًا، بل ضرورة استراتيجية للتكيف مع عالم سريع التغيّر. من أبرز هذه الوظائف، فني الصيانة التنبؤية بالذكاء الاصطناعي (AI Predictive Maintenance Technician) الذي يستخدم خوارزميات لرصد الأعطال قبل وقوعها، ما قد يُوفر على الشركات ما يصل إلى 630 مليار دولار سنويًا، بحسب Cisco Systems وكذلك مهندس سلاسل الإمداد الذكية (Smart Supply Chain Engineer (، الذي يوظف أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين سرعة ودقة تسليم المنتجات؛ إذ أظهرت دراسة لمؤسسة Deloitte أن هذه الوظيفة يمكن أن تقلّص وقت التسليم بنسبة 40% وتخفض الانبعاثات بنسبة 25%. إنها ليست مجرد لحظة تحوّل في سوق العمل، بل ثورة مهنية تقودها الخوارزميات، وتبتكر وظائف لم تُكتب فصولها بعد، وفي قلب هذه الثورة، تتزايد الحاجة إلى مواهب قادرة على فهم هذه التحولات والتفاعل معها بمرونة وكفاءة. فالسؤال لم يَعُد: «ما الوظيفة التي سأشغلها؟»، بل أصبح: «هل وظيفتي المقبلة موجودة أصلًا؟»، في وقت تشير فيه دراسة حديثة لمعهد McKinsey Global (2024) إلى أن 85% من وظائف عام 2030 لم تُخترع بعد. هذا الواقع الجديد يُحتّم على الأفراد والمؤسسات إعادة التفكير في مهاراتهم، وأنماط التعلم، ونماذج العمل، استعدادًا لسوق لا يعترف بالثبات، بل يكافئ القادرين على التكيف المستمر، والتعلّم مدى الحياة. في القطاع القانوني مثلًا، يُعاد تعريف العمل المكتبي مع ظهور محلل العقود الذكية (Smart Contract Analyst)، الذي يدمج بين القانون والبرمجة لفهم وتحليل الوثائق القانونية الرقمية. أما في المجال الأخلاقي، فتبرز حاجة الشركات إلى مهندس أخلاقيات الذكاء الاصطناعي (AI Ethics Engineer) لضمان ألا تتخذ الخوارزميات قرارات متحيزة أو تمييزية، كما تنبأت Gartner بأن 30% من الشركات الكبرى ستوظف هذا الدور بحلول 2026. ضمن الرؤى الاستشرافية التي تقدمها تقنيات الذكاء الاصطناعي نفسها، تم التنبؤ بظهور خمس مهن جديدة بحلول عام 2030، تشمل: مدقق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي (AI Ethics Auditor)، ومهندس الميتافيرس (Metaverse Engineer)، ومطور برامج الحوسبة الكمومية (Quantum Software Developer)، ومعالج نفسي مختص في الإدمان الرقمي (Digital Detox Therapist)، ومهندس التعلم (Learning Engineer). هذه الوظائف – التي لم يكن لها وجود فعلي قبل سنوات قليلة – تعكس ليس فقط التحولات التقنية، بل أيضًا التغير العميق في طبيعة المهارات المطلوبة. وهو ما يفرض على الجامعات ومراكز التدريب إعادة صياغة مناهجها لتتناسب مع هذه الاتجاهات المستقبلية، وتوفير بيئات تعليمية مرنة تُعد الطلبة لشغل أدوار لم يُخترع جزء كبير منها بعد. قصة حقيقية من كوريا الجنوبية تُجسّد هذا التحول: «لي جاي هون»، مهندس ميكانيكي سابق، أعاد تأهيل نفسه ليصبح منسق التفاعل بين البشر والروبوتات (Human-Robot Interaction Facilitator)، ليقود فريقًا في تطوير تجربة العملاء داخل متاجر ذكية تستخدم مساعدين روبوتيين. بعد ستة أشهر من التدريب المتخصص، تضاعف دخله وانتقل إلى إدارة مشاريع تقنية كانت خارج نطاق تصوره المهني السابق. لكن هذا التقدم لا يتوزع بشكل عادل حول العالم. ففي حين تسارع الدول الصناعية إلى إعادة هيكلة أنظمتها التعليمية واستثماراتها في المهارات المستقبلية، تقف الدول النامية، وخاصة العربية، أمام تحديات مضاعفة. ضعف البنية التحتية الرقمية، ونقص التمويل الموجه للبحث والتطوير، يحدان من قدرة هذه الدول على مواكبة التحول. بحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (2023)، فإن فجوة المهارات الرقمية في بعض دول الشرق الأوسط تتجاوز 60%، وهو ما يهدد بتهميشها في الاقتصاد العالمي الجديد. هنا يبرز دور الحكومات كمحرك رئيسي للجاهزية المستقبلية. فبدلاً من التركيز فقط على خلق وظائف تقليدية، عليها تبني سياسات دعم للوظائف الرقمية الجديدة، مثل تقديم حوافز للشركات التي توظف في مجالات الذكاء الاصطناعي، وإنشاء شراكات بين الجامعات ومراكز الأبحاث التكنولوجية، كما فعلت سنغافورة ورواندا بنجاح لافت. في العالم العربي، بدأت مؤسسات وشركات في دول مثل قطر والسعودية والإمارات تولي اهتمامًا متزايدًا بهذه التحولات. على سبيل المثال، أطلقت بعض الجامعات العربية برامج دراسات عليا متخصصة في الذكاء الاصطناعي، تشمل مساقات تتناول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مختلف القطاعات. كما بدأت بعض الشركات الناشئة في المنطقة توظيف مختصين في تصميم واجهات تفاعلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعكس بداية دخول العالم العربي في موجة جديدة من الابتكار الوظيفي. هذا الواقع الجديد يتطلب إعادة نظر شاملة في مفهوم المهارة. فالمهارات التقنية وحدها لم تعد كافية، بل أصبحت المهارات التحليلية والإنسانية مثل التفكير النقدي، والإبداع، والتواصل الفعّال، عوامل حاسمة للنجاح في هذه المهن الناشئة. كما يُعد الاستثمار في منصات التعلم مدى الحياة خطوة ضرورية لتقليل «التآكل المهني السريع»، إذ تشير تقديرات البنك الدولي (2024) إلى أن 40% من المهارات الحالية ستصبح غير صالحة خلال خمس سنوات. المسؤولية اليوم لا تقع على الحكومات فحسب، إذ على الأفراد كذلك أن يعيدوا تعريف علاقتهم بالوظيفة. فالمستقبل سيكون لمن يتقنون فن التعلم المستمر والتكيف السريع، لا لمن يعتمدون على تخصص جامعي واحد مدى الحياة. إن مهارات مثل تحليل البيانات، التفكير النقدي، والقدرة على التعاون مع الخوارزميات، ستكون العملات الجديدة في سوق العمل. المؤكد أن سوق العمل لم يعد كما عرفناه. فبينما استغرقت الثورة الصناعية الأولى قرنًا لتغيير طبيعة المهن، يكفي اليوم تحديث خوارزمية واحدة لإعادة تشكيل صناعة بأكملها. ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى جميع القطاعات – من القانون إلى الطب، ومن الإعلام إلى الخدمات اللوجستية – فإننا أمام تحول يشبه الانتقال من عصر الفلاحة إلى الثورة الصناعية، لكن بوتيرة أسرع بمئة مرة. هذا التسارع غير المسبوق يفرض علينا جميعًا، حكومات وأفرادًا، أن نعيد تعريف جوهر المهارات المطلوبة، ونفكر بمرونة، ونستعد لما هو أبعد من مجرد التغيير: إلى ما يشبه إعادة خلق الإنسان المهني من جديد. عوداً على بدء، فإن المهن الجديدة التي أوجدها الذكاء الاصطناعي تمثّل اليوم فرصة مهمة للعالم العربي ليس فقط لمواكبة التحول الرقمي، بل لقيادته أيضًا في بعض المجالات. ويتطلب ذلك استثمارًا جادًا في التعليم، والبحث، وتوفير بيئة تنظيمية وأخلاقية تُشجّع على الابتكار دون الإضرار بالقيم المجتمعية. وأخيرًا، نقف اليوم على أعتاب مرحلة يُعاد فيها رسم خريطة العمل عالميًا، ومن يتهيأ لها منذ الآن، سيكون الأقدر على حصد ثمارها لاحقًا. فالمستقبل لا ينتظر المترددين، بل ينحاز لمن يملكون الشجاعة لتعلم الجديد، والمرونة لإعادة تشكيل ذواتهم المهنية، والوعي بأن الذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا، بل أداة تفتح أبوابًا لم تُطرق من قبل. إنها لحظة تحوّل، والفرص الكبرى قد لا تأتي مرتين.. فهل نحن فاعلون؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store