
لماذا فجّر نتنياهو قنبلة «إسرائيل الكبرى»؟
آنذاك... كان محسوباً حساب إسرائيل ومصالحها كدولةٍ يمكن أن تعيش في الشرق الأوسط مثل سائر الدول، تحت مظلة سلامٍ يؤسسه التطبيع الذي كاد يصبح شاملاً، لولا طمع إسرائيل في علاقاتٍ طبيعيةٍ بجميع الدول العربية والإسلامية من دون أن تقدّم الاستحقاق البديهي الذي عرضته السعودية، وهو قيام الدولة الفلسطينية التي تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل، انطلاقاً من «المبادرة العربية للسلام» و«مؤتمر نيويورك».
في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وقعت الانتكاسة الكبرى لفكرة السلام العربي الإسلامي الشامل مع إسرائيل، ليدخل الشرق الأوسط حالة حربٍ مركزها غزة، التي تعرّضت ولا تزال لإبادةٍ شاملة، ولتمتد حربها إلى جبهاتٍ عدة وصفها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، متباهياً، بـ«الجبهات السبع»، التي عدّ نتائجها وما تُحدثه من تغيراتٍ في الإقليم بدايةَ تَشكُّل الشرق الأوسط الجديد الذي يتجاوز مجرد التطبيع مع إسرائيل وتكريسها دولةً عادية من دوله، إلى دولةٍ مركزية قائدة، أساس نفوذها وعلاقاتها القوة العسكرية المتفوقة المستندة إلى جدار دعمٍ أميركي.
عرّاب «الحروب السبع» هو نتنياهو، الذي يسجَّل له نجاحٌ لافت في ترويض إدارتين أميركيتين، وضمان دعمهما رغم تحفظاتهما على أدائه بالحرب، وتلكئه في إنهائها، وكذلك ترويضه الحياة السياسية الداخلية، حيث انقسام الدولة والمجتمع بشأن قيادته الحرب؛ مما كرّس ثنائيةً غريبةً نادراً ما تحدث في إسرائيل، هي ظهور أغلبية مريحةٍ للحكومة في البرلمان، مقابل أغلبية للمعارضة في الشارع، وحتى داخل معسكره اليميني حيث الاختلافات الجوهرية بين تشكيلاته، خصوصاً في مسألة تجنيد الحريديم.
لقد تمكّن نتنياهو من ترويض هذه الاختلافات الجوهرية، والبقاء على رأس الدولة وفي مركز القرار، إلى أن تجرى انتخابات مبكرة أو في موعدها.
نتنياهو فجّر في الآونة الأخيرة قنبلةً رآها كثيرون صوتيةً أو دخانيةً أو انتخابية، أعلن فيها عن «تكليفٍ إلهيٍ» توارثه عن الآباء والأجداد بالعمل على تحقيق «إسرائيل الكبرى»، بما يعني أن إسرائيل الحالية بامتدادها الاحتلالي في الضفة وغزة ولبنان وسوريا، لم تعد تكفي لتجسيد «التكليف الإلهي»، ولا بد إذن من بعض أراضي الجوار، والترشيح البديهي لذلك الأردن ومصر!
بحكم موازين القوى البشرية والعسكرية، فليس لدى إسرائيل ما يجعل من تطلعاتها التوسعية الإضافية مشروعاً قابلاً للتحقق، غير أن مجرد إعلان نتنياهو رغبته في «إسرائيل الكبرى»، خصوصاً في ظرفٍ لا تزال فيه المنطقة تعيش حروباً لم تحسم، لا بد من أن يُنتج مناخاً مختلفاً يسمم أجواء الشرق الأوسط ويضع المنطقة كلها تحت هاجس اتساع مساحة النار، بدل تقليصها، واحتمال ولادة ساحات حربٍ جديدةٍ بدل إنهائها.
لماذا فجّر نتنياهو قنبلته؟
في إسرائيل هوسٌ لا علاج له، وصفه بدقة هنري كيسنجر حين قال: «لا توجد في إسرائيل سياسةٌ خارجية، بل داخلية فقط!».
وبفعل التركيبة الخاصة للدولة وناسها ومن يُنتخبون لإدارتها، أو يجلسون على مقاعد المعارضة، فالتي تقود الحياة السياسية فعلاً هي استطلاعات الرأي التي تفرض على السياسيين لغةً ومواقف وحتى برامج، أساسها الحصول على الأصوات قبل الحصول على مزايا للدولة... ولو دُرست تصريحات أقطاب الحكومة والمعارضة، فسوف نجد أن الجامع المشترك بينها هو استرضاء الناخبين، وإذا كان هنالك من اختلافٍ بينها فهو في الأداء فقط، فما يفعله نتنياهو الآن فعله معارضوه ممن كانوا في موقع القرار، وحتى حين يُطاح عبر انتخاباتٍ عامة، فلن يجرؤ بُدلاؤه على تقديم مبادراتٍ سلميةٍ جدية، ما دام الجمهور لا يمنح أصواته لمن يريد سلاماً مع الفلسطينيين!
تشكيلة مواقف هدفها انتخابي، ولكنها ملزمةٌ لأصحابها حين يصلون إلى الحكم.
نتنياهو يسعى إلى «إسرائيل الكبرى»، ويجد من يشتري هذه البضاعة، وسموتريتش يريد ضمّ الضفة وإطلاق الرصاصة القاتلة على الدولة الفلسطينية، ويجد مصفقين له، وبن غفير التقط صورةً مع مروان البرغوثي ووجد مَن عدّ اقتحام زنزانة السجين الأعزل عملاً بطولياً يستحق التصويت له. وهؤلاء الثلاثة هم مجرد نماذج وليسوا كل ما يصدر عن ائتلافهم وسعيهم لإبقائه على قيد العمل.
في حالةٍ كهذه وإسرائيل تملك ما تملك، كيف لنا رؤية شرق أوسط جديد على الصورة التي نريدها ويريدها العالم؟
الإيجابي في الحالة التي يعمل نتنياهو على تسميمها، وعرقلة الجهود الرامية لتوليد شرق أوسط جديد وفق المواصفات التي يريدها العالم، هو ما وصفته إسرائيل بـ«تسونامي الاعترافات» وما أسس له «مؤتمر نيويورك» من مسارٍ جديدٍ سوف تشاغب إسرائيل كثيراً عليه، ولكنها لا تمتلك القدرة على إلغائه وفرض مسارٍ مغاير.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 13 دقائق
- الشرق الأوسط
وزير الخارجية السوري بحث مع وفد إسرائيلي تعزيز الاستقرار في المنطقة
أفادت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) بأن وزير الخارجية أسعد الشيباني، التقى بوفد إسرائيلي في باريس، أمس (الثلاثاء) «لمناقشة عدد من الملفات المرتبطة بتعزيز الاستقرار في المنطقة والجنوب السوري». ويُجري مسؤولون سوريون وإسرائيليون محادثات بوساطة أميركية، حول تهدئة الصراع في جنوب سوريا. وأضافت الوكالة السورية أن النقاشات تركزت على «خفض التصعيد، وعدم التدخل بالشأن السوري الداخلي، والتوصل لتفاهمات تدعم الاستقرار في المنطقة، ومراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء». وتناول الاجتماع أيضاً إعادة تفعيل اتفاقية فض الاشتباك بين إسرائيل وسوريا، الموقعة عام 1974، والتي أُنشئت بموجبها منطقة عازلة تحت إشراف الأمم المتحدة في هضبة الجولان. وكان هذا ثاني اجتماع بين الجانبين في العاصمة الفرنسية خلال أقل من شهر، بعد أن اتفقا في يوليو (تموز) على مواصلة المحادثات، بعد عدم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن تخفيف حدة التوتر في جنوب سوريا. وأفادت تقارير بمقتل مئات في اشتباكات بمحافظة السويداء جنوب سوريا، بين مقاتلين دروز والعشائر البدوية السنية والقوات الحكومية. وتدخلت إسرائيل بغارات جوية لمنع ما قالت إنه قتل جماعي للدروز على أيدي القوات الحكومية. وسلَّطت الاشتباكات التي وقعت الشهر الماضي الضوء على التحديات التي يواجهها الرئيس أحمد الشرع في تحقيق الاستقرار في سوريا والحفاظ على الحكم المركزي، على الرغم من تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة، وإجراء اتصالات أمنية بين الإدارة السورية وإسرائيل.


مباشر
منذ 30 دقائق
- مباشر
الصين تنظم عرضا عسكريا ضخما لذكرى استسلام اليابان بالحرب العالمية
مباشر- ستنظم الصين عرضا عسكريا ضخما الشهر المقبل يشارك فيه عشرات الآلاف في قلب العاصمة بكين لإحياء ذكرى مرور 80 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية بعد استسلام اليابان. وقال مسؤولون عسكريون في مؤتمر صحفي إن مئات الطائرات بما في ذلك طائرات مقاتلة وقاذفات قنابل وكذلك معدات أرضية، والتي لم يسبق أن شوهد بعضها في الأماكن العامة من قبل، ستظهر في العرض العسكري. وسيكون العرض العسكري الذي سيقام في الثالث من سبتمبر أيلول، وهو الثاني من نوعه منذ عام 2015 لإحياء ذكرى الاستسلام الرسمي للقوات اليابانية في عام 1945، عرضا للقوة العسكرية الصينية في الوقت الذي يتابع فيه بعض جيرانها والدول الغربية بقلق استعراض جيش التحرير الشعبي الصيني لقوته منذ سنوات. وسيشهد الرئيس الصيني شي جين بينغ استعراض "يوم النصر" الذي يستمر لمدة 70 دقيقة وتشارك فيه 45 فرقة من القوات في ميدان (تيان آن من) إلى جانب عدد من الزعماء الأجانب وكبار الشخصيات مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي حضر أيضا استعراض عام 2015. وكثفت السلطات الإجراءات الأمنية في وسط بكين منذ إجراء أول تدريبات واسعة النطاق على العرض العسكري في وقت سابق من الشهر الجاري، إذ أقامت نقاط تفتيش وحولت حركة المرور وأغلقت مراكز التسوق والمباني المكتبية. لمتابعة قناتنا الرسمية على يوتيوب اضغط هنا ترشيحات

العربية
منذ 43 دقائق
- العربية
لاحتمال وجود مسيرات.. نظام تحديد المواقع GPS يتوقف بإيران
أعلن وزير الاتصالات الإيراني ، اليوم الأربعاء، بانقطاع نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في البلاد لأسباب أمنية، مرجحاً وجود مسيرات. وأوضح الوزير ستار هاشمي، في تصريح تلفزيوني، أن "الانقطاعات الملحوظة في طيف الترددات وإشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) تعود إلى اعتبارات أمنية واحتمال وجود طائرات بدون طيار". كما أضاف "أثرت هذه الانقطاعات على جودة الاتصالات والأعمال المتعلقة بهذه المجالات". ولجأت السلطات الإيرانية، منذ شنت إسرائيل حربا غير مسبوقة عليها في 13 حزيران/يونيو، إلى التشويش على خدمات الملاحة وتحديد المواقع. وتقول وزارة الاتصالات إن ذلك يتم "لاعتبارات أمنية وعسكرية". أكدت الحكومة عودة الخدمات تدريجيًا بعد الحرب، باستثناء نظام "GPS". كذلك، عمدت طهران إلى التشويش على أنظمة "جي بي إس" حول المواقع العسكرية والحساسة منذ سنوات، لكن الإجراءات الأخيرة تعد من الأطول والأوسع تأثيرًا، وفق "فرانس برس". وحذرت تقارير في وسائل إعلام محلية من أن تلك الإجراءات قد تعود بالضرر على الاقتصاد الرقمي والسلامة العامة بما فيها خدمات الطوارئ. يذكر أن هناك عدد من أنظمة الملاحة في العالم، إلا أن نظام "GPS" يتم تشغيله بواسطة الجيش الأميركي في حين يمتلك الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا أنظمة أخرى.