logo
إيران: توازن المصلحة واستحقاقات المصالحة

إيران: توازن المصلحة واستحقاقات المصالحة

الشرق الأوسطمنذ 10 ساعات

لم تعد معرفة الرابح والخاسر في الحرب الإيرانية - الإسرائيلية هي الموضوع الأكثر أهمية. ثمة مواقف أميركية متباينة من نتائج قصف المفاعلات النووية؛ إذ في الوقت الذي أكد الرئيس دونالد ترمب أن الضربة العسكرية التي شنّتها قواته «دمّرت بالكامل» المواقع النووية الإيرانية الثلاثة التي استهدفتها، فإنه في الواقع، الحسم بنتائج هذه الحرب ما زال مبكراً. ترمب نفى صحّة تقارير إعلامية نقلت عن مصادر استخبارية أنّها لم تؤدِّ سوى لتأخير برنامج طهران النووي بضعة أشهر، وقال ترمب إن «شبكة (سي إن إن) للأخبار الكاذبة، بالتعاون مع صحيفة (نيويورك تايمز) الفاشلة، تضافرت جهودهما لتشويه سمعة إحدى أنجح الضربات العسكرية في التاريخ. المواقع النووية في إيران دُمّرت بالكامل». لكن المؤكد أنه ستتكشف معلومات كثيرة يوماً بعد يوم، قد تبين أن الخطب والمواقف المعلنة للأطراف كافة هي غير ما في الباطن.
يبقى الثابت أن الاعتداء الإسرائيلي والأميركي الذي تعرضت له إيران قد أنهك قدراتها العسكرية والاستخبارية، وأدى إلى فقدان الجيش و«الحرس الثوري» العديد من كبار قادتهم الأصليين، وحتى البدلاء.
الثابت أيضاً، أن براغماتية النظام والنخبة في إيران غلبت الآيديولوجيا. قرار القبول بوقف النار الذي دعا إليه ترمب أعطى الحكم في إيران مساحة ومتنفساً للمراجعة والتقييم، وتحصين ما تبقى مما لم تطله آثار الحرب المدمرة. رغم هذا، ما تزال إيران راهناً صامدة، لكنها معرضة ربما لأن تصبح بعد الحرب أكثر هشاشة تحت ظروف معينة قديمة ومستجدة.
من المسلّمات أيضاً، أن الأزمة ستتواصل حتى تحقق إسرائيل والولايات المتحدة أهدافهما العسكرية، والمتمثلة في تقويض القدرات الصاروخية والنووية لإيران ووقف هجماتها. وبينما تسعى إسرائيل إلى تحجيم «الخطر المباشر»، كما تصفه، تضع واشنطن نصب أعينها ترجمة المكاسب العسكرية إلى مكاسب استراتيجية أوسع، سواء على صعيد البرنامج النووي الإيراني، أو الوضع في غزة، أو الدفع قدماً بـ«اتفاقيات إبراهيم»، إضافة إلى قياس قدرات إيران الحقيقية ما بعد الحرب، وتقدير نياتها وخياراتها المستقبلية بدقة.
الثابت الرابع، أن الضربة الأميركية على المفاعلات قدمت مخرجاً مزدوجاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ الأول هو وقف النار بعد الإعلان الأميركي عن تدمير المفاعلات، وهو الهدف الإسرائيلي الرئيس. والثاني استغلال ما أعطته هذه الحرب من شعبية لفتح الطريق أمام دعوة الإسرائيليين إلى انتخابات عامة مبكرة تسمح له بتشكيل حكومة مختلفة عن الحالية، أقرب إلى التوافق مع الأميركيين وبقية الحلفاء؛ ما يساعد على وقف حرب غزة، ويشكل إشارة إيجابية لحلفاء واشنطن في المنطقة للشروع في مسار للتسوية.
من المسلّم به أيضاً، أن وقف النار بين طهران وتل أبيب، إذا صمد، لن ينسحب على المربع الإسرائيلي -الفلسطيني - اللبناني - السوري الذي ما زال مشتعلاً ومرتبطاً بمدى تأثر القوى المحلية بما حصل في إيران وهضمه، والتعايش مع تراجع المشروع الإيراني الإقليمي العسكري، والاحتفاظ بالدور الآيديولوجي الديني.
هل تؤكد هذه الثوابت نهاية الحرب بعد أن فقدت إيران دفعة واحدة حلفاءها ووكلاءها وقدراتها النووية بحسب الأميركيين والإسرائيليين؟ وما هو المقابل الذي يجعلها تتحمل هذه الخسائر بمعزل عن قضية استهداف النظام، وهي قضية غير محسومة ولا مرجحة وغير مطلوبة لا أميركياً ولا دولياً باستثناء لدى عدد من المتشددين؟
إذا تمكّنت القيادة الإيرانية من اعتماد المرونة البطولية بحسب المرشد، وموازنة تكلفة السياسات المعتمدة منذ ثورة 1979، ومقارنة ذلك بما قد تحققه إذا انفتحت على العالم ورُفعت العقوبات عنها، فستكون أمام خيار استراتيجي حاسم. لكن الحسم لن يكون سريعاً، ويتوقف على تطورات الداخل وتوازن القوى في النظام، ومدى قدرة القيادة على التوفيق بين المصلحة الوطنية والمصالحة. وإذا تحقق هذا التوازن، فقد تتجه التسوية نحو مصالحة حقيقية، لا تفاهمات مؤقتة أو سلام مفروض، وهي مسؤولية أميركية بالدرجة الأولى.
الخوف من المشاريع التوسعية الإسرائيلية لا يؤدي إلا إلى الدوران في حلقة مفرغة تعيد المنطقة إلى الحروب. فرغم تفوقها العسكري والتكنولوجي، تفتقر إسرائيل إلى مقومات مشروع إقليمي حقيقي، سواء من حيث الديمغرافيا أو اللغة أو الدين أو الثقافة. وقد أثبتت الحرب الأخيرة أن الحسم الإسرائيلي مستحيل من دون دعم أميركي مباشر. إلى هذا، فالهيمنة على المنطقة بالقوة وحدها غير قابلة للاستمرار في ظل غياب مشروع سياسي واضح لدى كل من إسرائيل والولايات المتحدة. يمكن لدول الإقليم، إذا تماسكت وسعت إلى مشروع مصالحة شامل، أن تملأ الفراغ الاستراتيجي الذي قد تخلفه الحرب الإسرائيلية - الإيرانية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كندا تستأنف مفاوضات التجارة مع الولايات المتحدة بإلغاء الضريبة الرقمية
كندا تستأنف مفاوضات التجارة مع الولايات المتحدة بإلغاء الضريبة الرقمية

Independent عربية

timeمنذ 33 دقائق

  • Independent عربية

كندا تستأنف مفاوضات التجارة مع الولايات المتحدة بإلغاء الضريبة الرقمية

أعلنت كندا استئناف المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة وإلغاء الضريبة الرقمية على الشركات التكنولوجية الأميركية، التي دفعت الرئيس دونالد ترمب إلى وقف المحادثات. وكانت أوتاوا فرضت ضريبة على الخدمات الرقمية العام الماضي، ومن المتوقع أن تدر 5.9 مليار دولار كندي (4.32 مليار دولار أميركي) خلال خمسة أعوام. وعلى رغم أن الإجراء ليس جديداً، فإن رابطة صناعة الحواسيب والاتصالات الأميركية أشارت أخيراً إلى أن هذا الرسم كان سيحمل مقدمي الخدمات الأميركيين ضرائب بمليارات الدولارات في كندا بحلول 30 يونيو (حزيران) الجاري. وطلبت واشنطن إجراء محادثات لتسوية النزاع في شأن هذه المسألة، لكن ترمب أعلن بشكل مفاجئ، الجمعة الماضي، إنهاء المفاوضات التجارية مع كندا "فوراً"، مؤكداً أن ذلك يأتي رداً على فرض الضريبة، وأوضح أن أوتاوا ستعرف معدل التعريفة الذي سيفرض عليها خلال الأسبوع الجاري. وقال وزير المالية الكندي، فرنسوا فيليب شامبان، في بيان إن ترمب ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني، "اتفقا على استئناف المفاوضات بهدف التوصل إلى صفقة بحلول 21 يوليو (تموز) المقبل". وأضاف أن "كندا ستلغي ضريبة الخدمات الرقمية تمهيداً لاتفاق تجاري شامل مع الولايات المتحدة يعود بالنفع المتبادل". ولم يصدر أي تعليق فوري من البيت الأبيض أو من ترمب. بادرة حسن نية وكان وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، قال لشبكة "سي أن بي سي" الجمعة الماضي، إن واشنطن تأمل في أن تعلق الحكومة الكندية الضريبة الرقمية "كبادرة حسن نية". وأعلن ترمب، الجمعة الماضي، أيضاً إنهاء المفاوضات التجارية بين البلدين الجارين في أميركا الشمالية على خلفية الضريبة الكندية، التي تبلغ نسبتها ثلاثة في المئة وتستهدف الشركات الكبرى ومتعددة الجنسيات مثل "ألفابت" و"أمازون" و"ميتا" التي تقدم خدمات رقمية للمستهلكين الكنديين. وأعفيت كندا من بعض الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها ترمب على دول أخرى، لكنها لا تزال تواجه نظام رسوم منفصلاً. ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) الماضي، فرض ترمب رسوماً جمركية باهظة على واردات الصلب والألمنيوم والسيارات. وتعد كندا من أكبر مصدري الصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة. استقرار في العلاقات التجارية وكان كارني أعلن في 19 يونيو الجاري أن بلاده ستعدل رسومها المضادة، البالغة نسبتها 25 في المئة، على الواردات الأميركية من الصلب والألمنيوم رداً على الزيادة الأميركية، إذا لم يتوصلا إلى اتفاق تجاري خلال 30 يوماً. وشدد رئيس الوزراء الكندي، الجمعة، على أن بلاده "ستواصل خوض هذه المفاوضات المعقدة بما يخدم مصلحة الكنديين". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وكان كارني عد في وقت سابق أن تحقيق نتائج جيدة في المحادثات يتمثل في "إرساء استقرار في العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة"، و"ضمان الوصول السهل للشركات الكندية إلى الأسواق الأميركية"، مع "عدم تقييد تعاملاتنا مع بقية دول العالم". والتقى ترمب وكارني على هامش قمة مجموعة السبع، التي استضافتها كندا في وقت سابق من يونيو الجاري، وحث قادة الدول الصناعية الرئيس الأميركي على التراجع عن حربه التجارية ضد شركاء بلاده. وتترقب عشرات الدول مهلة التاسع من يوليو المقبل، الذي من المقرر أن يبدأ فيه فرض الرسوم الجمركية الإضافية التي اعتمدها ترمب، لتضاف إلى الرسم الحالي البالغ 10 في المئة، وتخوض أطراف عدة مفاوضات مع الولايات المتحدة سعياً إلى إبرام اتفاقات قبل انتهاء المهلة المحددة. تنفيذ التعريفات الجمركية المخفضة على الواردات البريطانية اليوم، دخلت التعريفات الجمركية الأميركية المخفضة على الواردات البريطانية من قطاعي السيارات والطيران حيز التنفيذ، بحسب ما أعلنت الحكومة في لندن، التي تواصل التفاوض مع واشنطن في شأن إعفاءات لقطاع الصلب. وأكدت وزارة التجارة البريطانية في بيان أنه "اعتباراً من اليوم، يستفيد منتجو السيارات والقطاع الجوي الفضائي من تخفيضات كبرى في التعريفات الجمركية... مع دخول الاتفاق التجاري الأميركي–البريطاني حيز التنفيذ". وكان البلدان قد توصلا في مايو (أيار) الماضي إلى اتفاق يقضي بخفض التعريفة الجمركية الأميركية على السيارات الواردة من بريطانيا من 27 في المئة إلى 10 في المئة (بسقف قدره 100 ألف سيارة سنوياً). كما ألغى الاتفاق رسوماً بنسبة 10 في المئة على الواردات من القطاع الجوي، بما في ذلك محركات الطائرات وقطع الغيار. وأشاد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ببدء تنفيذ الاتفاق، معتبراً أنه "سيحمي قطاعات حيوية في الاقتصاد البريطاني، ويوفر مئات الملايين من الجنيهات الاسترلينية سنوياً، ويحمي آلاف الوظائف". في المقابل، ستفتح بريطانيا أسواقها بشكل إضافي أمام واردات الإيثانول، ولحوم البقر، ومنتجات المزارع الأميركية، على رغم مخاوف المستهلكين من جودة هذه المنتجات، وقلق المزارعين البريطانيين على إنتاجهم المحلي. وفي الوقت ذاته، تواصل بريطانيا التفاوض مع الولايات المتحدة في شأن إعفاءات من الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم، التي لا تزال خاضعة لرسوم بنسبة 25 في المئة. وأكدت وزارة التجارة البريطانية "أننا نواصل تحقيق تقدم" في هذا المجال، من دون أن تحدد جدولاً زمنياً للاتفاق. ولا تزال الواردات البريطانية الأخرى خاضعة لرسم الحد الأدنى البالغ 10 في المئة، الذي فرضه الرئيس الأميركي دونالد ترمب على عدد من دول العالم، سواء كانت من شركائه أو خصومه.

كندا تلغي ضريبة الخدمات الرقمية لدفع مفاوضات التجارة مع أميركا
كندا تلغي ضريبة الخدمات الرقمية لدفع مفاوضات التجارة مع أميركا

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

كندا تلغي ضريبة الخدمات الرقمية لدفع مفاوضات التجارة مع أميركا

ألغت كندا ضريبة الخدمات الرقمية التي كانت تستهدف شركات التكنولوجيا الأميركية، في محاولة لتسهيل مفاوضات التجارة مع جارتها، بعد أن وصف الرئيس دونالد ترمب هذه الضريبة بأنها «هجوم مباشر وسافر». جاء قرار إلغاء الضريبة، وهي بنسبة 3 في المائة على الخدمات التي تقدمها شركات التكنولوجيا الكبرى في كندا، قبل ساعات من دخولها حيز التنفيذ في 30 يونيو (حزيران). Government of Canada rescinds digital services tax to advance broader trade negotiations with the United — Finance Canada (@FinanceCanada) June 30, 2025 وقال وزير المالية الكندي، فرانسوا فيليب شامبين، في بيان مساء الأحد: «سيسمح إلغاء ضريبة الخدمات الرقمية للمفاوضات بشأن علاقة اقتصادية وأمنية جديدة مع الولايات المتحدة بإحراز تقدم حيوي، وتعزيز عملنا على خلق فرص العمل وبناء الرخاء لجميع الكنديين». بينما قال رئيس الوزراء مارك كارني إن خفض الضريبة «سيدعم استئناف المفاوضات وصولاً إلى الجدول الزمني المحدد في 21 يوليو (تموز)» للتوصل إلى اتفاق تجاري أُعلن عنه في قمة قادة مجموعة السبع هذا الشهر في كاناناسكيس. وأضاف البيان أن كارني وترمب اتفقا على استئناف المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق. يوم الجمعة، قال ترمب إن الولايات المتحدة «ستنهي» محادثات التجارة مع كندا رداً على الضريبة المفروضة على شركات التكنولوجيا، مما أشعل فتيل حرب تجارية مريرة في أميركا الشمالية بعد أشهر من الانفراج. وكرر ترمب هذه الشكاوى على قناة «فوكس نيوز» يوم الأحد، قائلاً: «إلى أن يُسقطوا بعض الضرائب، أجل. الناس لا يدركون أن التعامل مع كندا سيء للغاية». في ديسمبر (كانون الأول) 2023، قدَّر مكتب الموازنة البرلماني الكندي أن ضريبة الخدمات الرقمية ستزيد إيرادات الحكومة الفيدرالية بمقدار 7.2 مليار دولار كندي (5.3 مليار دولار) على مدى خمس سنوات، وفق ما ذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز». واستهدفت الضريبة، التي أُعلن عنها للمرة الأولى في عام 2020، شركات مثل «ميتا» و«نتفليكس» و«أمازون»، بالإضافة إلى الشركات المحلية. وكان على المتضررين تقديم إقرار ضريبي بحلول نهاية يونيو أو مواجهة غرامة. في حين أن الضريبة كانت إحدى شكاوى ترمب الرئيسية، غير أنها لم تحظَ بشعبية لدى بعض مجموعات الأعمال الكندية. وقالت غولدي هايدر، رئيسة مجلس الأعمال الكندي: «لسنوات عديدة، حذّرنا من أن تطبيق ضريبة أحادية الجانب على الخدمات الرقمية قد يُهدد بتقويض العلاقات الاقتصادية لكندا مع أهم شريك تجاري لها، الولايات المتحدة». وأضافت: «لقد تحقق هذا التطور المؤسف الآن».

الشرق الأوسط ما بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية
الشرق الأوسط ما بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية

العربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربية

الشرق الأوسط ما بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية

على إسرائيل وكل من يدعمها قبول فكرة إعادة تشكيل التوازنات السياسية في المنطقة بأكملها، فلم يعد مقبولاً الترويج للتفرد الإسرائيلي في المنطقة وإذا أرادت إسرائيل أن تصبح جزءا من المنطقة فعليها قبول الاتجاهات الجديدة التي يدفع بها اللاعبون الرئيسون في المنطقة.. الآن يقف الشرق الأوسط على شفا ما يمكن أن يكون أكبر تحدٍ استراتيجي منذ بداية القرن الحادي والعشرين، فالمنطقة تمر بمنعطف صعب المراس من الناحية الاستراتجية فالمواجهة الإسرائيلية الإيرانية فرضت معادلات جديدة في سياق الفضاء السياسي للشرق الأوسط، وفي الحقيقة لم يكن متوقعا أن تنجر أميركا إلى التدخل في تلك الحرب، وكانت النظرية القائمة أن أميركا تسعى لتجنب الدخول في صراع مباشر مع إيران، ولكن ما حدث هو العكس فقد أرسلت أميركا طائراتها المقاتلة (B2) لتدخل الحرب، ولكن إيران في ذات اللحظة أدركت صعوبة أن تنجر إلى حرب لا يمكن الفوز بها لذلك كانت الخيارات المناسبة هي إنهاء الحرب، ومع أن جبهة القتال قد فتحت بين إسرائيل وإيران في البداية إلا أن المعركة أثبتت صعوبة احتواء الصراع وكان ذلك أحد أهم الأسباب الدافعة لدخول أميركا في المعركة. عملياً لم يكن من السهل توقف تلك الحرب دون التدخل الأميركي الذي حدث، هذه الحرب دفعت المنطقة وحتى التفسيرات السياسية لما حدث نحو الغموض والتساؤلات المتناقضة، حتى شعوب المنطقة لم تكن قادرة على استيعاب القصة السياسية التي روتها الحرب بين الدولتين وتبريرات البداية وعناوين التوقف، التفسير الدقيق لما حدث لا بد وأن يمر عبر السلاح النووي الإيراني الذي يمثل عنوان هذه الحرب بل هو سبب نهايتها بهذه الطريقة، وتمثلت المفاجأة السياسية لإسرائيل وحتى أميركا سيادة حالة التوازن في التصريحات السياسية لجميع دول المنطقة، بمعنى دقيق هذه الحرب أعادت تشكيل سياسات دول المنطقة وفرضت حالة من تحاشي المواقف الدبلوماسية الحدية في هذه الحرب. دول المنطقة وخاصة دول الخليج أثبتت أنها قادرة على بناء التوازنات وخاصة بعدما فرضت هذه الحرب نفسها وأجبرت المنطقة أن تتعامل معها، لقد أثبتت المنطقة الخليجية بشكل خاص قدرتها على بناء التوازنات عند المنعطفات الخطيرة، اليوم توقفت الحرب ولكن القصة لم تتوقف بعد، والتفسيرات السياسية لما حدث ما زالت تعيش مرحلة الصدمة وخاصة أن إسرائيل كانت تعتقد أن هجومها على إيران سوف يحصل على تأييد منقطع النظير، ولكن الواقع يقول إن دول المنطقة تدرك أن إسرائيل لم ولن تكون الخيار الذي تنتظره المنطقة مهما كانت أهداف إسرائيل التي ترفعها عندما تدخل حربا أو تمارس هجوما ضد دولة في الشرق الأوسط. توقفت الحرب ولكن نتائجها لم تتوقف فإسرائيل متهمة اليوم بأنها بمثل هذا السلوك تخاطر بزعزعة استقرار المنطقة بشكل خطير، وخاصة أن هذه الحرب لم تكن تتضمن أهداف إستراتيجية بعيدة المدى فيما يخص إسرائيل التي فقدت بهذه الحرب الكثير من الخيال السياسي حول قدراتها، هذه الحرب أسهمت في تبخر الأسطورة الإسرائيلية، فالحقيقة أن هذه الحرب كشفت الواقع الحقيقي للإمكانات الإسرائيلية، لقد تزايدت الشكوك حول القدرات الإسرائيلية، وأثبت الواقع أن زمن الحروب التقليدية انتهى حتى مع استخدام أعتى الأسلحة، لأن أسلحة جديدة دخلت مجال الخدمة بتكاليف رخيصة وقدرات تدميرية أعلى، وهذا ما يمثله سلاح الطائرات بدون طيار وهذا ما طرح الأسئلة المهمة حول قدرة إسرائيل على مجابهة الهجوم بتلك الطائرات والذي يعرض مدنها للكثير من المخاطر. ما بعد هذه الحرب يمكّننا من القول إن لغة القوة والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط تتغير وتذوب بشكل تدريجي متسارع وخاصة مع سقوط الاتجهات السياسية التي تدعم فكرة أن العنف يوفر حلا للمشكلات السياسية، حروب اليوم ليس فيها منتصر أو مهزوم فالجميع قادر على إثبات أنه نال من الطرف الآخر وانتصر عليه، ومعايير القوة أصبحت تخضع للكثير من التحديات، فإسرائيل التي راهنت على إثارة الصراع الذي أدى إلى الدفع بأميركا لدخول الحرب لم تستطع أن تثبت أنها انتصرت في هذه الحرب، وقد سعت إسرائيل إلى التعتيم وبشكل صارم على واقع هذه الحرب على أراضيها ومنعت الإعلام من نشر ما لا تريد أن ينشر وتلك دلالة واضحة على تغير المعايير القواعد في معادلة الشرق الأوسط. على إسرائيل وكل من يدعمها قبول فكرة إعادة تشكيل التوازنات السياسية في المنطقة بأكملها، فلم يعد مقبولاً الترويج للتفرد الإسرائيلي في المنطقة وإذا أرادت إسرائيل أن تصبح جزءا من المنطقة فعليها قبول الاتجاهات الجديدة التي يدفع بها اللاعبون الرئيسون في المنطقة، والتي تهدف إلى استقرار المنطقة وتعزيز مكانتها الدولية وخاصة أن الطرق السياسية نحو استقرار المنطقة لم تعد كما يمكن تصورها قبل عقد من الزمان.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store