
إتيكيت زيارات عيد الأضحى.. أمور ينبغي تجنبها في منازل الأهل والأصدقاء
مع قدوم عيد الأضحى، تعود تقاليد الزيارات واللقاءات العائلية التي تُعد من أبرز مظاهر الفرح والتواصل في المجتمعات العربية. إلا أن بهجة اللقاء قد تعكرها بعض التصرفات العفوية التي تُثقل كاهل المضيف أو تفسد الود بين الأهل والأصدقاء، مما يجعل الالتزام بـ"إتيكيت زيارات العيد" أمرا مهما لضمان راحة الضيف والمضيف على حد سواء، وتحويل اللقاءات من واجبات اجتماعية إلى لحظات ممتعة يسودها الاحترام والبهجة.
إتيكيت عيد الأضحى المبارك
تشير الدكتورة دعاء بيرو، استشارية الإتيكيت والسلوكيات المعتمدة، إلى أن القاعدة الأهم خلال عيد الأضحى هي تجنب الزيارات المفاجئة دون تنسيق مسبق، خصوصا في الأيام الأولى من العيد، نظرا لانشغال أهل البيت بذبح الأضاحي وتوزيعها. وتوصي بتأجيل الزيارات المنزلية للتهنئة إلى ما بعد صلاة الظهر، حتى يتمكن المضيفون من إتمام شعائر العيد وأخذ قسط من الراحة.
وتوضح الدكتورة بيرو أنه إذا كانت الزيارة قصيرة، يكفي تقديم المشروبات والحلوى، أما إذا تجاوزت الساعتين، فمن الأفضل تقديم الطعام. وتشدد على أهمية تنويع المائدة وعدم الاقتصار على اللحوم، مراعاة لاختلاف الأذواق، مشيرة إلى ضرورة إضافة طبق من الدجاج كخيار بديل. كما تنصح بتخصيص غرفة للأطفال، خاصة إذا كانوا في عمر متقارب، ليلعبوا بحرية دون إزعاج الكبار أو إرباك أجواء الضيافة.
كما توصي الدكتورة شريهان الدسوقي، وهي استشارية معتمدة في الإتيكيت والسلوكيات، بمجموعة من الترتيبات قبيل وأثناء عيد الأضحى، أهمها "الانتهاء من تنظيف المنزل جيدا قبيل العيد بوقت كاف وعدم الانتظار حتى اللحظات الأخيرة، لتجنب الإصابة بالإجهاد، كذلك عدم حضور عمليات الذبح للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات، وعدم إطالة فترة الزيارات العائلية".
وتضيف: "في حال قررت الأسرة تناول الطعام في الخارج، فمن الأفضل حجز المطعم قبلها بفترة مع اختيار الأطعمة المفضلة تجنبا للاختيارات العشوائية وإضاعة الوقت في البحث عن مكان مناسب".
واجبات وزيارات الأعياد.. متعة أم عبء نفسي؟
تقول كارول دي لو المدونة في مجال الإتيكيت وأصول الضيافة بمدونتها "بلوسكاي آت هوم" إن ثمة تفاصيل بسيطة تحول مهام الضيافة من متعة إلى عبء نفسي وبدني، وتبدد الأوقات الممتعة في مجموعة من التفاصيل المرهقة والصعبة، لذا توصي بمراعاة مجموعة من النقاط أهمها:
إعداد طاولة تجعل الجميع يشعرون بالراحة، مع حذف أي تفاصيل زائدة عن الحاجة يمكن أن تسبب توترا أو ضيقا.
اختيار نوعيات طعام تتيح البقاء مع الضيوف، وليس البقاء عالقا في المطبخ لإنتاج وجبة مثالية.
جعل المنزل مريحا وليس مثاليا، فلن يفيد أن تمحو علامات الحياة داخل المنزل.
التركيز على المحادثات الجيدة والاستمتاع بالتجمع بدلا من التركيز على الطعام فقط.
الاهتمام بأفكار ومشاعر وتفضيلات الضيوف وطرح الأسئلة عليهم والاستماع باهتمام إلى إجاباتهم.
نصائح خاصة للمضيفين في أوقات الأعياد
بحسب خبيرة الإتيكيت كارول دي لو، فإنه يتوجب على أصحاب البيت اتباع مجموعة من الإرشادات لمنح الضيوف تجربة مريحة في أوقات الأعياد السعيدة أهمها:
التخطيط الدقيق لقائمة الطعام مع التحضير المسبق قدر الإمكان، حتى تتمكن من الاستمتاع بالاحتفالات والاهتمام بضيوفك.
إذا طلب الضيوف أن يقوموا بإحضار طبق معين فمن المفضل أن يتم تحديد الصنف بوضوح وعدم ترك الأمر مفتوحا، فتقول مثلا: "أحضر طاجن بامية"، وليس "أحضر نوع خضار".
المضيف الكريم يمنح ضيوفه بعضا من الطعام المتبقي.
إذا كان لديك ضيوف لا يعرفون بعضهم فقدمهم لبعض وأخبرهم قليلا عن بعضهم البعض.
التأكد من نظافة الحمام ورائحته اللطيفة، وأن يحتوي على مناشف يد مناسبة والكثير من ورق الحمام وقفل جيد، وربما من المناسب أن يكون هناك شمعة معطرة.
اشكر ضيوفك دائما على حضورهم وتمنى لهم رحلة آمنة إلى منازلهم.
مواقف شائعة وأخطاء متكررة للضيوف في الأعياد
يشير خبراء الإتيكيت إلى مجموعة من الأخطاء التي قد يقع فيها الضيوف في أوقات الأعياد والمناسبات العامة، والتي قد تفسد الزيارة بأكملها إن لم يتم الانتباه لها مثل:
عدم إبلاغ المضيف بالمشكلات الغذائية كالحساسية مثلا أو نظام الطعام النباتي، قبل الحدث بوقت كاف، فإذا لم يكن من الممكن تحضير طعام خاص يمكنك أن تحضر طبقك المفضل، وتشاركه مع مضيفك.
عدم طرح المساعدة على المضيف، خاصة في حالة الطهي لأعداد كبيرة، حيث قد يكون من المناسب سؤاله حول إحضار حلوى أو مشروبات أو حتى زهور لتزيين السفرة، أو ربما وجبة إفطار شهية كاستراحة من الطهي في الصباح التالي.
عدم التنبيه على الأطفال باتباع آداب المائدة، وأنه من غير المقبول خوض معركة على الطعام أو الشكوى من أي شيء يقدمه المضيف.
إثارة موضوعات سياسية أو دينية أو قضايا ساخنة أو حساسة أو خاصة.. حيث يفضل دائما أن يدور الحديث حول الموضوعات غير المثيرة للجدل.
عدم الوصول في الوقت المناسب، والذي يكون عادة في غضون 15 دقيقة من الوقت المتفق عليه قبل أو بعد ولكن ليس مبكرا جدا، ولا متأخرا أيضا.
عدم الالتزام بالصنف الذي أخبرت أنك ستحضره، أو عدم تنبيه المضيف إن كنت ستحتاج إلى استخدام الفرن أو الثلاجة.
عدم استخدام المجاملات والتعبيرات اللطيفة بخصوص الطعام والديكور والعادات والأشخاص الموجودين.
استخدام الهاتف المحمول خلال وقت الزيارة.
عدم المشاركة في المحادثات من بقية الضيوف.
الإفراط في تناول الطعام.
عدم عرض المساعدة.
الإصرار على المساعدة أو دخول المطبخ رغم رفض المضيف.
فتح الثلاجة دون إذن المضيف.
في نهاية المطاف، تبقى زيارات العيد فرصة لتعزيز الروابط العائلية والاجتماعية، ولا يتحقق ذلك إلا باللطف والذوق واحترام خصوصية الآخرين. إضافة إلى أن تفادي الأخطاء الشائعة ومراعاة قواعد الإتيكيت البسيطة يضمن تجربة مريحة وممتعة للجميع، ويعكس تقدير الضيف لمضيفه وحرصه على أن يكون جزءا إيجابيا من الأجواء الاحتفالية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
١٠-٠٦-٢٠٢٥
- الجزيرة
إلى أين يأخذك الطريق؟
يقول "رالف والدو إيرسون": هدف الحياة ليس أن تكون سعيدًا، بل أن تكون مفيدًا، أن تكون محترمًا، أن تكون متعاطفًا، أن تعيشها في إحداث بعض الفرق الذي يدل على أنك قد عشت، وعشت جيدًا.. خلق الله الإنسان لغاية.. امتلاك غاية لحياتنا، ووجود أهداف ذات مغزى لكل يوم، يُعطينا سببًا لمواصلة التقدم نحو الأمام. تُعرَّف الغاية بأنها كل ما يمكن أن نعتبره مبدأً ساميًا عامًّا بعيد المدى، وفي الغاية تحدد النوعية، ويمكن الوصول لدرجات منها وليس كلها. ويُعرَّف الهدف بأنه إجراء ملموس قابل للقياس، يحدد كمية، متغيّر، ويمكن تحقيقه كاملًا . فالغاية بحسب هذا التعريف هي الدافع والمحرك الأول لأي إنسان، أي إنها بمثابة المهمة الكبرى أو الرؤية التي من خلالها سيضع الإنسان أهدافه الخاصة، ويسعى إلى تحقيقها، والأهداف من ناحية أُخرى هي الخطوات التي تقطعها على مدى الطريق. يمتاز المسلمون بقوة الغايات؛ فالذي وضع هذه الغايات هو الله -عز وجل- خالق هذا الإنسان، وبهذا تصبح الغاية هي المقصد النهائي للمسلم في حياته، فكل أهدافه وآماله ومشاعره تتجه نحو تحقيق هذه الغاية، وهي مرضاة الله سبحانه وتعالى. عندما تتوافق أهدافك اليومية مع غاية واضحة المعالم، ستتمتع براحة البال والشعور الرائع بأنك على قيد الحياة. وبمجرد أن تعرف هدف حياتك، يمكنك أن ترتب جميع أنشطتك بحيث تدور في فلكه.. وينبغي أن يكون كل شيء تفعله معبرًا عن هدفك. من الأسباب الرئيسية التي تفسر عدم حصول معظم الناس على ما يريدونه أنهم لم يحددوا ما يريدون، لم يحددوا رغباتهم بتفصيل واضح دقيق.. أن تدع الحياة تحدث فحسب، منتظرًا أن تقرر الصدفة أين ينتهي بك الحال، وإلى أين يأخذك الطريق، هذا ليس السبيل للشعور بالسعادة والثقة. في إمكاننا دائمًا اختيار الاتجاه الذي نسير فيه.. بلا غاية، نحن ضائعون ونسير بلا وجهة. عملية الوصول من المكان الذي أنت فيه إلى المكان الذي تريد أن تذهب إليه شبيهة باستخدام تقنية نظام تحديد المواقع العالمي؛ فلكي يعمل النظام يحتاج أن يعرف مكانك الآن، والمكان الذي تود أن تذهب إليه.. وهذا ما يحدث في الحياة، كل ما عليك فعله هو أن تقرر إلى أين تود أن تذهب بجعل رؤيتك واضحة، ثم تحديد وجهتك. توفر الغاية رؤية واسعة وشاملة لما يُراد تحقيقه، أو النتيجة المرجوة التي تهدف إليها.. غالبًا ما تكون طويلة المدى، ويمكن أن تشمل مجموعة من المجالات في الحياة الشخصية أو المهنية؛ بينما الأهداف محددة وقابلة للقياس، وتساعد على تتبع التقدم نحو الغايات. تقوم الأهداف بتقسيم الغاية إلى خطوات أصغر قابلة للتنفيذ، تسهل إدارتها وتقييمها. كلنا نحتاج إلى الإحساس بالغاية، وكلنا نريد لحياتنا أن تكون ذات مغزى، ومن القواعد الثابتة أنّ حس الغاية ضروري للصحة النفسية.. لكل منا غايته التي تختلف عن غايات الآخرين، وتعتمد على آفاقنا ومواهبنا وقدراتنا واهتماماتنا. امتلاك غاية في الحياة مهم جدًّا، لأن ذلك ما يعطي حياتنا مغزى، وحين نمتلك أهدافًا ونعمل على تحقيقها تصبح حياتنا أكثر ثراءً، ونشعر بالرضا عن أنفسنا. إذا كنت تريد إحداث فرق، وعيش حياة ذات معنى، يجب أن تكتشف غايتك! تحتاج إلى البدء بالتفكير في هدفك.. إذا كنت تعرف غايتك وتركز على الذهاب إلى هناك بتصميم شديد، هذا يجعل الطريق أكثر وضوحًا (بمجرد أن تجد غايتك تتمكن من العثور على طريقك).. الخطوة الأولى الضرورية للحصول على الأشياء التي تُريدها في هذه الحياة هي تحديد ما تريد. عندما تستعد لتدوين أهدافك المستقبلية، اسأل نفسك: "ما المهم لي بالفعل؟ ما الهدف من فعل ذلك؟ ما الذي أنا على استعداد للتخلي عنه لتحقيق ذلك؟". عملية التفكير هذه ستزيد من حالة الوضوح بالنسبة لك.. رسمك لأهدافك سيعطيك الدفعة والطاقة لتستيقظ في الصباح، حتى في تلك الأيام التي لا ترغب فيها بمغادرة سريرك! "السر في التقدم هو البدء، والسر في البدء هو تقسيم مهامك المعقدة والمربكة إلى مهام أصغر يسهل التعامل معها، ومن ثم البدء بأولها". الأهداف هي وسيلة لتحقيق غاية، وليست الغرض النهائي من حياتنا؛ فهي -ببساطة- وسيلة لتركيز بؤرة انتباهنا، ولتحريكنا في اتجاه معين. فتحقيق الأهداف في حدّ ذاته لن يجعلنا سعداء على المدى لطويل قواعد رئيسية تساعدك في تنفيذ أهدافك: المبدأ الرئيسي من مبادئ تحقيق الأهداف هو أن تمضي في سبيلك إلى أبعد نقطة يستطيع بصرك رؤيتها، وأنك عندما تصل إلى هذه النقطة ستكون قادرًا على رؤية ما وراءها. الرغبة: الرغبة في الوصول إلى هدفٍ ما، أو تحقيق الحلم، تعتبر أول خطوات تحقيق الأهداف، وأكثرها أهمية. دوِّن أهدافك: تساعد كتابة الأهداف على بلورة الأشياء التي تريد تحقيقها، كما تساعد على تثبيتها في العقل. تحديد الهدف: قرارك لما تريد إنجازه، والسبب، بالإضافة لوضع أكبر قدر ممكن من التفاصيل، واحدة من أهم خطوات تحقيق الأهداف بدقة ووضوح. وضع خطة: لا يكفي تحديد الهدف للوصول إليه، بل يجب وضع خطة لتحديد الطرق والإستراتيجيات التي تُوصل إليه، والتفكير في جميع التفاصيل المتعلقة به، أو العوائق التي ستتم مواجهتها. تحفيز النفس: يجب على المرء تحفيز نفسه للوصول إلى أهدافه، وذلك من خلال تصوّر ذهني بتحقق هذا الهدف، وخلق صور ملهمة. التنفيذ: بعد تحديد الأهداف ووضع الخطط والإستراتيجيات لها، يجب البدء بالعمل والتنفيذ لما تم التخطيط له. وأخيرًا.. الأهداف هي وسيلة لتحقيق غاية، وليست الغرض النهائي من حياتنا؛ فهي -ببساطة- وسيلة لتركيز بؤرة انتباهنا، ولتحريكنا في اتجاه معين. فتحقيق الأهداف في حدّ ذاته لن يجعلنا سعداء على المدى لطويل.. إنّ ما تصبح عليه بعد أن تتخطى العوائق التي تقف في وجه تحقيق أهدافك هو ما يمكن أن يعطيك أعمق وأطول إحساس بالإنجاز. سوف تكتشف بينما تضع أهدافك وتفتح عقلك أن العالم سيفتح أمامك أبواب كنوزه ومكافآته. "للأفعال صوت أعلى من الأقوال، وسوف تبهر نفسك والآخرين".. بمجرد أنّ يتضح لك ما تُريده، وتبقي ذهنك مُركزًا باستمرار على هدفك، ستكتشف كيفية تحقيق الهدف تدريجيًّا؛ فـ"أيّ شيء يمكن أن يتصوره العقل ويؤمن به، يمكن أن يتحقق".


الجزيرة
١٠-٠٦-٢٠٢٥
- الجزيرة
جدال في الحج!
الزمان عام 2000 للميلاد الذي وافق مرور 1420 عامًا على هجرة خاتم النبيين محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام.. كان عامًا لا يُنسى بالنسبة لي، وكيف أنساه وفيه تحقق أملي بأداء فريضة الحج بعد طول اشتياق للبقاع الطاهرة، التي زرتها مرارًا وأنا في المرحلة الابتدائية، بحكم عمل الوالد في السعودية آنذاك؟ وبحكم ولع المصريين بالألقاب، واحترامهم الكبير آنذاك لهذه الفريضة واحتفائهم بمن تمكن من أدائها، فقد كنت أحمل لقب "الحاج" منذ صغري، وكان هذا يضايقني أحيانًا، خصوصًا وقد أصبح لقبًا شبه رسمي لطفل في العقد الأول من عمره. ومنذ ذلك الوقت، ظللت أحلم بالعودة لأداء الحج وأنا شاب مكلف هذه المرة، وبدأت السعي الجاد بعد أن أكرمني الله بالتخرج والعمل، ثم الزواج والإنجاب. حاولت جاهدًا في عام 1999 أن أحصل على تأشيرة حج لأداء الركن الخامس للدين، لكن الأمر لم يتيسر، ثم جاء الفرج في العام التالي ووجدت اسمي بين قائمة حجاج الجمعيات الأهلية، وهذا أحد طرق الحج من مصر، وما أصعبها من طرق بالنظر إلى حصة مصر من الحجاج مقارنة بعدد الراغبين والمشتاقين! النوع الأشهر للحج من مصر آنذاك كان ما يعرف بحج القرعة، حيث يتقدم عدد كبير ربما يقدر بالملايين، ثم تُجري السلطات قرعة تختار منها نحو 35 ألفًا، ينضاف لهم عدد مماثل مما يعرف بحج الجمعيات الأهلية والحج السياحي، ليصل العدد إلى سبعين ألفًا، يمثل حصة مصر آنذاك، حين كان عدد سكانها سبعين مليون نسمة. كانت الرحلة عبر البحر، وكانت المجموعة تتكون من نحو 300 حاج، معظمهم من الريفيين وكبار السن في محافظة كفر الشيخ الواقعة شمالي مصر، وبدا أن كثيرين منهم حديثو العهد بالسفر، بل ربما كانت العاصمة القاهرة هي أبعد مكان سافر إليه بعضهم قبل هذه الرحلة. كنت أنا من بين الشباب القلائل الذين سافروا في تلك الرحلة، وكان يجمع بيننا -فيما شعرت- الشوق إلى أداء المناسك، والاستعداد لبذل كل الجهد من أجل أدائها على أفضل ما يكون. أثناء عملية التسكين بالفندق، سمعت أحدهم يهمس لموظف الاستقبال سائلًا عن الغرف التي تطل نوافذها على الحرم كي يستأثر بها المشرفون، فتغاضيت عن الأمر وقلت لعلي لم أسمع جيدًا، لكن ما توالى حدوثه بعد ذلك كان مهولًا بمجرد أن وصلنا إلى فندقنا في مكة المكرمة -وكان لحسن الحظ أمام الحرم المكي مباشرة، قبل أن تتم إزالته مع المباني المجاورة لاحقًا لإقامة أبراج عملاقة- اكتشفنا أن الرحلة ستكون مليئة بالصعوبات والتعقيدات. فكما ذكرت لكم، الغالبية الساحقة من حجاج هذه المجموعة ممن لم يسبق لهم السفر خارج مصر، ويحتاجون للكثير من المساعدة التي يفترض أن يقدمها مشرفو الرحلة، وهم حسب ما فهمنا أشخاص ذوو خبرة، تم اختيارهم للإشراف على الرحلة مقابل السفر مجانًا، بحيث يكون عملهم الإشرافي بديلًا لآلاف الجنيهات التي كان يُفترض أن يدفعوها. أثناء عملية التسكين بالفندق، سمعت أحدهم يهمس لموظف الاستقبال سائلًا عن الغرف التي تطل نوافذها على الحرم كي يستأثر بها المشرفون، فتغاضيت عن الأمر وقلت لعلي لم أسمع جيدًا، لكن ما توالى حدوثه بعد ذلك كان مهولًا. ففي البداية، اكتشفت مع رفاقي سعيد وإبراهيم وعبدالستار أن بعض الحجاج لا يجدون مكانًا للنوم، مع أن مجموعتنا لها 75 غرفة، يسكن بكل منها 4 حجاج، فلماذا إذن توجد عدة غرف بها 5 حجاج أو حاجات؟ الإجابة جاءت صادمة لنا، وهي أن كل مشرف قد اصطحب معه إما زوجته أو أمه واستأثر معها بغرفة واحدة، وهو ما يعني عجزًا يدفع ثمنه حجاج آخرون، وجدوا أنفسهم محشورين كعدد زائد في غرف ضيقة من الأساس. ولأننا وصلنا قبل بدء المناسك بأيام، فقد كان النشاط الأساسي هو الذهاب إلى الحرم لأداء الصلوات الخمس، لكننا كنا نكتشف عقب كل صلاة أن بعض الحجاج الكهول قد ضلوا طريق العودة إلى الفندق، وعندما نسأل عن المشرفين للمساعدة نجد أنهم مشغولون مع زوجاتهم بالتسوق، أو بالراحة في الغرف الخاصة. لم أجد مع رفاقي بدًا من مصارحة المشرفين بذلك، وعرضنا عليهم التطوع لمساعدتهم فيما يقصرون فيه من أعمال الإشراف التي جاؤوا أساسًا من أجلها، فتقبلوا الأمر على مضض، ولم يفتهم أن ينبهونا إلى أننا نجادل كثيرًا، وهو أمر لا يجوز في الحج حسب تعاليم الدين. في اليوم التالي جدَّت مشكلة تتعلق بمرض أحد الحجاج، فذهبت إلى غرفة أحد المشرفين لإخباره، وبعد تلكؤ إذا بزوجته تفتح الباب، وأتفاجأ به يدخن الشيشة، ويدعوني للمشاركة قبل أن يضيف في فخر أنه أحضرها معه من مصر، فهو لا يطيق لها فراقًا. يومًا بعد يوم تزايدت حالة الغضب لدينا، واضطررنا إلى تلميحات، ظنناها ستكون رادعة للمشرفين، بأنهم جاؤوا مجانًا مقابل عملهم؛ وبالتالي يجب عليهم أداء واجبهم تجاه الحجاج من أجل الإنصاف والعدالة، وكي تكون حجتهم مقبولة، فكان الجواب المتكرر هو نصحنا بأن نتوقف عن الجدال، وتذكيرنا بالآية 197 في سورة البقرة، التي تؤكد صراحة أنه لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. كان الأمر صعبًا علينا ونحن نرى كل يوم، بل كل ساعة، حاجًّا تائهًا أو حاجةً مريضةً أو أمرًا معطلًا، ولا نجد من يفترض أنهم مشرفو الرحلة، وعندما نعاتبهم يشهرون في وجهنا سيف التحذير من الجدال.. واستمر هذا حتى جاء ذلك اليوم، الذي توفي فيه أحد الحجاج من كبار السن في المجموعة. في ذلك اليوم، عندما عدت بعد صلاة الظهر في الحرم، وجدت أحد المشرفين الأربعة يتباهى وسط مجموعة من الحجاج في الفندق بأنه وقف مع المشرفين الآخرين على أقدامهم لنحو ساعتين، كي يكملوا الإجراءات الرسمية المتعلقة بدفن الفقيد! بعد أن ترحمت على الفقيد قلت للمشرفين بأمل: لعل الله أراد خيرًا بهذا الرجل، بحيث تتم صلاة الجنازة عليه أمام الكعبة، وبحضور مئات الآلاف من الحجاج.. وهنا ألقى أحد المشرفين -وكان صاحب منصب مهم في المحافظة- قنبلته البغيضة، وقال في تلعثم: الحقيقة أن الصلاة عليه في الحرم كانت تتطلب إجراءً إضافيًا، وكنا قد تعبنا، فاكتفينا بأن نصلي عليه نحن الأربعة مع بعض الحاضرين في تلك الجهة الرسمية، قبل أن يذهبوا به إلى المقابر! كلما جاء موسم الحج تذكرت ما جرى في تلك السنة، وصدقوني.. لم أشعر بالأسف على ما قلت، ولا أدري: هل شعر أولئك الأربعة بالأسف على ما فرطوا فيه من حقوق الناس، بل وما ظلموا به أنفسهم؟ لم أتمالك نفسي وثرت ثورة عارمة، وأمسكت بتلابيب الرجل، وسألته وأنا أبكي كالأطفال: هل تقصد أنك حرمت الرجل من أن يصلي عليه مئات الآلاف من الحجاج حول الكعبة، لمجرد توفير نصف ساعة إضافية من الجهد؟ للأمانة، بدا أن الرجل قد شعر بالذنب والندم، لكن زميله المشرف الآخر أسرَّها لي على ما يبدو، وانتحى بي جانبًا بعد برهة من الوقت، وقال لي بصوت خفيض -بعد مقدمة قال فيها إني أعجبته كثيرًا لولا جدالي المتكرر- إني يجب أن أراجع نفسي كي لا أفسد حجتي، وأن أدرك أن الله قد نهى تمامًا على الجدال في الحج. أخرجني الرجل عن شعوري أو كاد، فوجدت نفسي أقول له: من قال لك إنه لا جدال في الحج؟ فقال: غريب، أنا فهمت أنك تحفظ كثيرًا من القرآن، ألا تعرف هذه الآية؟ فقلت له منفعلًا: بل في الحج جدال، بل في الحج جدال، وربما أكثر من ذلك.. ولما وجدت الرجل بدأ في الحوقلة والاستغفار محاولًا إظهار الأسف على ما أرتكبه أنا من إثم، طلبت منه أن يبتعد من أمام وجهي كي لا أقدم على ما هو أكثر من الجدال. من يومها، كلما جاء موسم الحج تذكرت ما جرى في تلك السنة، وصدقوني.. لم أشعر بالأسف على ما قلت، ولا أدري: هل شعر أولئك الأربعة بالأسف على ما فرطوا فيه من حقوق الناس، بل وما ظلموا به أنفسهم؟


الجزيرة
٠٩-٠٦-٢٠٢٥
- الجزيرة
كيف استقبل النازحون في مراكز الإيواء بطولكرم عيد الأضحى؟
تزامنا مع احتفالات عيد الأضحى المبارك، يمر النازحون في مراكز الإيواء بمدينة طولكرم بأوضاع اجتماعية واقتصادية صعبة، نتيجة عدم قدرتهم على توفير احتياجاتهم الأساسية. اقرأ المزيد المصدر: الجزيرة