logo
شؤونتطبيع السخافة!

شؤونتطبيع السخافة!

الرياضمنذ 17 ساعات
ليس كل ما نشاهده يمرّ بسلام، ولا كل ما نسمعه يعبر بلا أثر؛ فنحنُ كائنات تتأثّر وتتلوّن -دون وعيٍ أحيانًا- بألوان من نُحاورهم، ونُتابعهم، ونُصغي إليهم، وقد تبدأ المتابعة بدافع الفضول، أو للضحك، أو لأن 'الجميع يفعل ذلك'، ثم تجد نفسك لاحقًا تبتسم لسخافةٍ ما، أو تتسامح مع انحدارٍ ما، أو تُقلّد حركةً أو لفظًا ما.. دون أن تسأل: كيف وصلتُ إلى هذه المرحلة؟
الاعتياد في سلوكنا اليومي عملية تشكيل مستمرة، تُعيد برمجة ذوقنا، وتُعيد تعريف ما نراه طبيعيًّا، وما نعدّه شاذًّا، وقد أشارت نظرية 'الغرس الثقافي' إلى أن التعرّض المتكرر لأي محتوى يجعل العقل يتعامل معه كواقع، لا مجرد تمثيل، فيغدو السلوك المنحرف مألوفًا، وتُصبح السخافة أمرًا طبيعيًّا، والسطحية جذابة، والانحطاط مثيرًا للضحك أو التعاطف، لمجرد أن التكرار فرضها على وعيك كأمرٍ معتاد.
تابعتَ تافهًا؟ ستتلوّن شيئًا فشيئًا بتفاهته، ستتحدّث بلغته، وتضحك على نكاته، وتُعيد نشر مقاطعه، حتى ولو كنت تزعم أنك 'فقط تراقب'.. لأن خوارزميات التطبيقات تبحث عن التفاعل، وتروّج لما يُثير الجدل، ويجلب الإعجابات، لا لما ينمّي الفكر أو يرفع الوعي، فحين تتابع محتوى تافهًا، حتى بدافع السخرية، فإنك تُرسل إشارة إلى المنصة تطلب فيها المزيد.. وكذا متابعتك للسلبيين؛ إذ سيتسرّب السواد إلى داخلك، وكذا الساقطون؛ حيث ستُضعف مناعتك، وستجد نفسك مع الوقت، وتكرار التعرّض، تُصفّق لهم وربما تقلدهم!
نحنُ لا ننتبه غالبًا لخطورة 'التعرّض'، وكيف أن قائمة متابَعاتنا لا تقل أثرًا عن صداقاتنا الواقعية، فالشاشة التي تقرأ منها الآن ليست مجرد هاتف، بل هي بوابةٌ إلى عوالم كاملة، إمّا أن ترتقي بك، أو تهوي بك إلى القاع.. لذلك، لا تكن حياديًّا فيما ترى، ولا متساهلًا فيما تسمع، ولا متسامحًا مع ما تُتابع.. لأن التسلية العابرة قد تُشوّه ذائقتك، وتسرق وقتك ووعيك دون أن تشعر.. فكما نُربّي أبناءنا على اختيار الأصدقاء، يجب أن نُربّي أنفسنا على اختيار المحتوى المناسب، لأن 'التعرّض' أخطر من صديق السوء، ولأن المرء لم يعد بخليله، بل 'بمتابعاته'!
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من الفن الإسلامي للحديث... متاحف إسطنبول تسافر عبر الزمن
من الفن الإسلامي للحديث... متاحف إسطنبول تسافر عبر الزمن

الشرق الأوسط

timeمنذ 14 دقائق

  • الشرق الأوسط

من الفن الإسلامي للحديث... متاحف إسطنبول تسافر عبر الزمن

تزخر المدينة، المعروفة سابقاً باسم القسطنطينية، بالآثار العظيمة الآسرة لثلاث إمبراطوريات - الرومانية والبيزنطية والعثمانية - وهي بمثابة متحف مفتوح. على مدار السنوات القليلة الماضية، أضافت إسطنبول العديد من المتاحف الداخلية أيضاً. تمتد هذه المؤسسات الجديدة عبر تلال المدينة السبعة، وتتميز بمجموعة من المباني الرائعة - حمامات عثمانية مُجددة، ومصانع قديمة مُحوّلة، وهياكل تجريبية جديدة جريئة - ومجموعات متنوعة من كل شيء، من التحف الإسلامية التي تعود إلى قرون مضت إلى الفن المعاصر الرائد. يُعد السفر بين هذه المعالم غوصاً عميقاً في تاريخ المدينة الغني، واستكشافاً لمشهدها الإبداعي الديناميكي في القرن الحادي والعشرين، وهو مشهد سيُسلّط عليه الضوء بشكل أكبر هذا العام في الدورة العشرين من معرض إسطنبول المعاصر، أكبر معرض فني في البلاد، في سبتمبر (أيلول). منحوتة في منطقة خارجية بمتحف إسطنبول للفن الحديث (برادلي سيكر - نيويورك تايمز) سيتعرف محبو المهندس المعماري رينزو بيانو، الذي صمم المقر الجديد الفخم لمتحف إسطنبول للفن الحديث، على عناصر أسلوبية مميزة، مثل الواجهة الخارجية الرمادية الفضية، والأشكال الهندسية الصندوقية، مما يجعل المتحف شبيهاً هيكلياً بمشاريع بيانو الأخرى، مثل متحف ويتني للفن الأميركي والإضافات إلى متاحف هارفارد للفنون. في الداخل، يوجد معرضان للمعارض المؤقتة يكملهما طابق كامل من الفن التركي منذ عام 1945. تساعد اللوحات التي رسمها ألبرت بيتران (فرنسي عاش في إسطنبول) والتصوير الفوتوغرافي الجريء في الشوارع لآرا جولر (الذي يمكن رؤية أعماله أيضاً في متحف آرا جولر) في تمثيل الخمسينات من القرن العشرين، بينما يحمل العمل المشفر بصيغة «إن إف تي» لخليل ألتينديري لعام 2022 (يمثل تجسيداً مخيفاً بالكمبيوتر لأرض قاحلة فيما بعد نهاية العالم) المجموعة إلى اللحظة الحالية. متحف إسطنبول للرسم والنحت (Visit Istanbul) النساء ممثلات بقوة، بمن في ذلك رائدات ما بعد الحرب، مثل فخر النساء زيد، التي تزخر لوحاتها الكبيرة بأشكال هندسية متشابكة ملونة، وسميحة بيركسوي، نجمة الأوبرا التي رسمت لوحات نسائية تشبه الرسوم المتحركة، فكاهية ومؤثرة في آن واحد، بضربات شعرية مرتعشة طفولية. لكن قد تكون إسطنبول نفسها هي النجم الحقيقي للمتحف. فبفضل الألواح الزجاجية الضخمة في الجدران والسطح المزود ببركة عاكسة، تُعرض مساجد المدينة وأبراجها ومياه البوسفور المتلاطمة بشكل دائم. من تأثير مدرسة باربيزون على المناظر الطبيعية العثمانية إلى الشخصيات الرئيسية في التكعيبية الريفية الأناضولية، يُقدم متحف إسطنبول للرسم والنحت، تجربة تعليمية شاملة وانغماساً عميقاً في الفن التركي في القرنين التاسع عشر والعشرين. تأسس المتحف في ثلاثينات القرن الماضي، ويضم أيضاً مبنى جديداً لافتاً على الواجهة البحرية. في الداخل، يغلب اللون الرمادي على التصميم، وتتحول الأجواء إلى طابع صناعي مستقبلي، بفضل الممرات المبطنة بالصفائح المعدنية، وتلك التي تُشبه منصات عرض الأزياء. تبدأ المجموعة بمناظر طبيعية من العصر العثماني، وتُقدم استعراضاً زمنياً متعدد الطوابق للحركات والاتجاهات والمواضيع الفنية. يبدو أن لكل أسلوب فني يمكن تخيله - الواقعية الاشتراكية، والصور الشخصية السياسية، والفن الزخرفي، والتكعيبية، وغيرها الكثير - معرضه الخاص. تبرز في المتحف الأعمال الفنية بين الحربين العالميتين الأولى والثانية منها لوحات نامق إسماعيل، الذي صوّر نساء عصر الجاز بفرشاة كثيفة، ولوحات بلقيس مصطفى، الفنانة التي توفيت في سن مبكرة، عن عمر يناهز 29 عاماً، والأكثر لفتاً للانتباه، لوحة «حفلة تنكرية» المذهلة لعلي عوني جلبي، التي رُسمت عام 1928، وهي عبارة عن عرض كرنفالي صاخب تنبض بروح العشرينات الصاخبة. «بين العوالم» للفنانة تشيهارو شيوتا في متحف إسطنبول للفن الحديث (برادلي سيكر - نيويورك تايمز) لم تُثرِ بلدية المشهد الثقافي في المدينة كما فعلت بلدية إسطنبول. ففي غضون سنوات قليلة، حوّلت البلدية العديد من المنشآت الصناعية القديمة - بما في ذلك مجموعة من صوامع الغاز المهجورة ومحطة ضخ مياه تعود لعام 1902 - إلى مساحات عرض حديثة متعددة الأغراض. يقع التحول الأبرز على طول ممر القرن الذهبي المائي، حيث أُعيد افتتاح مصنع نسيج سابق عمره قرابة 200 عام - كان يُصنّع في وقت ما طرابيش الرجال - العام الماضي بوصفه معرضاً ضخماً يُدعى معرض «آرت إسطنبول». الكتب عنصر أساسي في هذا المعرض. تبيع مكتبة كبيرة أعمالاً ثقافية وتاريخية وسيرة ذاتية ورواية باللغتين التركية والإنجليزية، من «القسطنطينية: الحصار الأخير الكبير، 1453» إلى روايات أورهان باموق الحائز على جائزة «نوبل»، إلى جانب مجلدات مخصصة لفنانين أتراك وعالميين. ولمزيد من التنوع اللغوي، توفر المكتبة الموجودة في الموقع كراسي بذراعين وأرائك وطاولات حيث يمكنك تصفح «موسوعة لاروس للفن الحديث»، أو آلاف العناوين الأخرى. المهندس المعماري العثماني العظيم معمار سنان، الذي شيد العديد من أشهر مساجد وقصور الإمبراطورية العثمانية في القرن السادس عشر، صمم هذا الحمام الذي يعود تاريخه إلى ثلاثينات القرن السادس عشر، كما قامت ورش الخزف العثمانية الشهيرة في إزنيق بتصنيع آلاف البلاط متعدد الألوان المرسوم يدوياً لزخرفة غرف البخار. (يحتفظ متحف اللوفر في باريس ومتحف فيكتوريا وألبرت في لندن ببعض البلاط الكامل النادر المتبقي من الحمام الأصلي). حمام زيرك جينيلي (موقع الحمام) بعد فترة طويلة من الإهمال والترميم، أُعيد ترميم الحمام بشكل فاخر في عام 2023، بفضل عملية تجديد فاخرة استمرت 13 عاماً. عادت الحمامات وجلسات التدليك، إلى جانب بعض الابتكارات الجديدة: مساحات عرض متعددة مخصصة لتاريخ المبنى وتقاليد الحمام. أحدها، في الفناء، يعرض قطعاً أثرية من العصر البيزنطي – مثل أوانٍ زجاجية فاخرة، ومصابيح زيتية من الطين المحروق، وفخار مزجج - اكتُشفت في أثناء الترميم. أما الآخر، وهو ملحق متحفي جديد، فيعرض شظايا من بلاط إزنيق الأصلي للحمامات، إلى جانب أحذية تقليدية بكعب عالٍ كان يرتديها رواد الحمامات في القرون الماضية. صُنعت هذه الأحذية من أخشاب نادرة ومعادن ثمينة وأقمشة مطرزة ومطعمة بعرق اللؤلؤ، وكل زوج منها فريد من نوعه. ويكتمل هذا العرض بصهريج تحت الأرض من العصر البيزنطي (مُصفى من الماء ومُجهز بإضاءة حديثة) يستضيف معارض فنية معاصرة دورية منها معرض «همهمات» المقام حالياً وهو للفنانة أنوشا باين المقيمة في لندن، والذي يتألف من لوحات فنية خاصة بالموقع وأشكال نحتية من مواد متعددة، حتى 15 أغسطس (آب). * خدمة «نيويورك تايمز»

«مقهى الروضة» يختصر روح بيروت و100 سنة من عمرها
«مقهى الروضة» يختصر روح بيروت و100 سنة من عمرها

الشرق الأوسط

timeمنذ 44 دقائق

  • الشرق الأوسط

«مقهى الروضة» يختصر روح بيروت و100 سنة من عمرها

هي قصة حب من نوع آخر، تلك التي كتبها زياد كاج في مؤلفه الجديد «مقهى الروضة». ببراعة الروائي ومن خلال نص مفتوح، يمزج بين التوثيق والعاطفة الشخصية، بين التحقيق الصحافي والحبكة الروائية، بين التأريخ والخيال الأدبي... يؤنسن المؤلف حياة واحد من أشهر وأقدم مقاهي بيروت، الذي لا يزال يتجدد ويستقبل زواره، عابراً السنين والأحداث الجسام، وعلى لسان أصحابه عبارة: «نعيش كأن لا شيء يحدث في الخارج». اقتفاء مسار المقهى يجعلنا نرى فيه مرآة لبيروت، بشغبها، واضطراباتها، وأنسها، وقلقها، ورومانسيتها، ومحطاتها السياسية الهائجة. الكتاب الصادر عن «دار نلسن في بيروت، يقدم «مقهى الروضة» كأنه قرية بيروتية داخل المدينة: ماسح أحذية مسنّ، و«بصّارة» نورية، ونُدُل من جنسيات مختلفة، وأطفال، ومثقفون، وعاشقون، وشيوعيون، وشعراء، وممثلون، وسياسيون... مكان مفتوح لكل الطبقات، على اختلاف الأمزجة والانتماءات، مكان عابر للأزمنة والأحداث. عايش المقهى انسحاب الفرنسيين سنة 1943 بعد أن كان يستقبل جنود الانتداب، واحتُفل فيه بالاستقلال. استضاف اللاجئين الفلسطينيين بعد نكبة 1948، وتفاعل مع مظاهرات 1958، وفيه تابع الرواد صوت الرئيس المصري جمال عبد الناصر وهو يتلو استقالته بعد نكسة 1967، ثم واكب عودة السلم الأهلي، بعد حرب دامية، قبل أن يواكب مرارات ما تبعها. من مقهى بسيط مكوَّن من طاولات خشبية على شاطئ البحر، بنرجيلاته وأحاديث البسطاء، في عشرينات القرن الماضي، مروراً بتحوله إلى ملتقى للمثقفين والكتّاب، ومكان لاجتماعاتهم، والبعض استعاض به عن المكتب، وهناك من اتخذ زاوية يومية ليكتب نصوصه، وهو أيضاً معبر للسياسيين والفنانين. من هنا مرّ الرئيس رفيق الحريري وزوجته نازك، ورئيس الوزراء الأسبق تمام سلام، والنائب إبراهيم منيمنة، والفنانات نانسي عجرم، وفلة، كما أصالة ووردة الجزائرية، وكثر لا يتسع المكان لذكرهم جميعهم. يبدأ الكتاب بقصة حب وألفة بين الراوي وامرأة ترتاد المقهى. تنشأ بين الاثنين عاطفة تنمو بروية، وهما يتشاركان هذا النبض البيروتي الحي في المقهى. «يضحكان معاً كطفلين. يعيدهما المقهى إلى أيام البراءة واحتمال الأحلام. يتبخّر الوقت بينهما كالبخار الصاعد من فنجان الشاي». لكن الحبيبة ذات الملامح الضبابية التي تشبه بيروت بتناقضاتها، وخياراتها، سرعان ما تضطر إلى الرحيل، تاركةً كاتبنا يبحث عن مزيد من المعاني في مكان تختلط فيه المشاعر كما تمتزج ضحكات الأطفال، بقرقعة النرجيلات، وصوت النرد بحفيف ورق الشجر، أمام مشهد البحر الممتد. حين تخبره الحبيبة بنيّتها السفر، لا تطلب منه البقاء ولا الرحيل، لكنها تضع حبّهما في اختبار. «الحبّ والوقت لا يتّفقان»، يقول الكاتب. وإذا كان الحبّ قد انتصر على الزمن لوهلة، فالفراق سيفرض منطقه في النهاية. فإما زواجاً وسفراً، وإما بقاءً وانفصالاً. لذا، ينسحب بصمت، ويتركها تذهب، مخلّفة وراءها «لوعة الفقدان»، وظلّ عطر لا يزول من على الطاولة التي كانت لهما. حكايته مع الحبيبة انتهت لكنها بقيت قابعة في الروح، فهو يستمر في ارتياد المقهى، متأملاً الوجوه، وأحوال العابرين، يراقب كل حركة وصوت، كأنما لم تعد المرأة هي صورة الوطن، وإنما هذه البقعة الصغيرة التي تختصر ببلاغة، كل ما يدور خارجها. فالمقهى في موقع زحفت إليه الأبنية الشاهقة والمطاعم الفخمة والفنادق الفاخرة، وبقي صامداً بروائحه، وبساطته وأناسه العاديين، وكتابه الريفيين، ومثقفيه الباحثين عن واحة وسط الكتل الإسمنتية. «أوليس المقهى هو (العروس) الناجية من الاجتياح العُمراني والباطوني المتوحِّش، عروس صُمِّمت بقوَّة لتبقى متمسِّكة بطرحتها البيضاء وبفستانها الأخضر الذي لطالما زيَّن (رأس بيروت)؟». ولإعطاء نكهة واقعية يترك المؤلف الكلام، لمثقفين أدمنوا المكان، ولا يزالون يرتادونه يومياً. المخرج رفيق علي أحمد، يعدّ المقهى، صباحاً، مكتباً، ومكاناً لإنهاء أشغاله أو لقاء صحافيين، وبعد الظهر للاستمتاع والجُلوس مع النَّاس وسماع أخبارهم ولعب طاولة الزَّهر. «دوامه ثابت لا يتغيَّر، وحالُه كحال المنارة البحريَّة، ودولاب مدينة الملاهي القريبة». لقاءان يوميان لا يفوِّتهما هذا الفنان الذي استوحي غالبية مسرحياته من أجواء المقهى، وكتبها على طاولاته، بين الأشجار، وأمام البحر؛ يجلس أمام «أفُقٌ حُرّ مفتوح، حيث تتحرر مخيِّلتُه الريفيَّة من كلّ قيود. يكتُب ويمزِّقُ ويحفظُ ويُردِّدُ». رفيق علي أحمد لا ينظر إليه على أنه مقهى، بل حديقةٌ، بستانٌ، والمكانُ الوحيد في بيروت «يلّي بتحطّ أجريك ع الأرض، بتحسّ بالتراب. بعد فيه أشجار، بتطلع بتشوف السَّماء والبحر». لا بل المقهى «حديقتَه السريَّة»، وليس كما يمكن أن نتخيله مكاناً للهروب من النَّاس. كثيرون مروا من هنا، بينهم الشاعر عصام العبد الله، الذي يستذكره في الكتاب الصحافيُّ والمَسرحيُّ والمُخرجُ، عبيدو باشا، ويقول عنه إنه في خضمِّ الحوارات الحادة التي كانت تدور، حول مواضيع سياسية خلافية «كان يُديرُ النِّقاشات بحرفيِّة واقتدار، ولا يسمحُ بالصُّراخ أو تبادُل الشَّتائم. حافظ على قواعِد اللُّعبة». عبيدو باشا هو الآخر ركن من أركان المقهى. مداوم مخلص، يعدّ الروضة «صومعته المفضلة». هنا يشعر بالألفة، والبساطة، وببيروت أيام زمان، ويتمتع بعلاقات إنسانية «غير رأسمالية». احتفظ لنفسه بزاوية خاصة ومكان يجلس فيه كل صباح. «يأتي للكِتابةِ والقِراءةِ والتأمُّلِ ولِقاء الأصدِقاء والأحبَّة. تقع زاويتُه الثقافيَّةُ إلى يمين المدخَل، قرب حافَّة تُطلّ على بحر (المسبحِ العسكري) والأُفق البعيد حيث يسرح نظره. يختار تلك الزاوية، التي لا يجلس عليها أحد غيره قبل الظُّهر». يشعر هنا بنبض حي، بينما «المطارح الثانية جُثث». ولا ينقضي السرد دون أن تعرف القصة المفصلة لعائلة شاتيلا التي أسست المقهى، وتناوبت أجيالها المتعاقبة على إدارته. البداية كانت مع عبد الرحمن زكريا شاتيلا، رجل بسيط من رأس بيروت، ورث عن والده الفلّاح، الأرض وحب العائلة. مطلع عشرينات القرن الماضي افتتح مقهى متواضعاً قرب البحر. بالنسبة إليه، كان مساحة فرج توفّر له قوت يومه مع عائلته. عندما سقط الحكم العثماني وجاء الفرنسيون، تبدّلت ملامح المدينة: لبس الناس غير ما كانوا يلبسون، وجاءت النساء إلى الشاطئ بلباس السباحة، وصار الزبائن يتحدثون لغات مختلفة. أمام هذه التحولات، لم يتردّد عبد الرحمن في تطوير المقهى. ابنه البكر بدأ التوسعة بهدوء، وأضاف طاولات جديدة، وطوّر قائمة المأكولات، وخفّض الأسعار ليستقبل العائلات والطلاب والفقراء تماماً كما الأغنياء. في أحد الأيام، دخل المقهى رجل أنيق آتٍ من مدينة حمص، وأُعجب بجمال المكان، واقترح عليه: «سمّوه الروضة، تيمّناً بالروضة التي في بلدي». لم يتردّد عبد الرحمن. ومنذ ذلك الحين، صار الاسم جزءاً من الذاكرة. على مدى عقود، تناوب أبناء العائلة على تسلم مفاتيح المقهى وأداروه بحب؛ حافظوا على الأشجار، وزيّنوا الزوايا بالأصداف، واعتنوا بالنُدُل، وحفظوا أسماء الزبائن، واستفسروا واطمأنوا على مَن يتغيب منهم عن الحضور. وعُرف محمد شاتيلا ومعه الحاجة «أم عبد»، بحكمتهما وبساطة الروح وحسن الضيافة. صمد المقهى في وجه كل الأعاصير: من أحداث 1958، إلى الحرب الأهلية، إلى اجتياح المقاهي الحديثة والمولات. وفي كل مرحلة، ظلّ مقهى الروضة فسحةَ تنفُّس لأبناء المدينة. يرسم الكاتب بالكلمات ملامح المقهى الاستثنائي بصموده، بناسه، بتفاصيله، بتاريخه، ويبدع في بث الروح في نصّه، وهو يجعلك تشعر بأنك تعيش اللحظة التي يتحدث عنها، فتتابع ما يدور في المقهى من تجديدات وتحولات؛ تتذوق أطباقه، وتشرب الشاي على طاولاته. وفي حرص على الاحتفاظ بروح التشويق يترك لك مفاجأة في نهاية الكتاب حول قصة ماسح الأحذية الذي يبدو غامضاً ويثير التساؤلات خلال السرد، لنكتشف خفاياه، ونعرف قصته المثيرة وأسراره المؤثرة.

«روقان» نسرين طافش ضمن أفضل 10 أغانٍ عربية
«روقان» نسرين طافش ضمن أفضل 10 أغانٍ عربية

عكاظ

timeمنذ 2 ساعات

  • عكاظ

«روقان» نسرين طافش ضمن أفضل 10 أغانٍ عربية

حجزت الأغنية الجديدة «روقان» للفنانة السورية نسرين طافش مكانها ضمن قائمة أفضل 10 أغانٍ عربياً على موقع الفيديوهات «يوتيوب» بعد أقل من أسبوع على طرحها. وحققت نسرين طافش بأغنيتها «روقان» أكثر من مليون مشاهدة، وفقاً للمجلة العالمية top10 middle east الموسيقية والترفيهية التي تصدر أسبوعياً. طرحت نسرين طافش أغنية «روقان» الأربعاء الماضي على موقع يوتيوب ومنصات السوشيال ميديا والموسيقى المختلفة، والأغنية من كلمات الشاعر محمود الغنيمي، ألحان مصطفى بسي، توزيع محمود الشاعري، ومكس وماستر إلهامي دهيمة وأحمد حسام، وإخراج الفيديو كليب حسام الحسيني، الذي تم تصويره في الساحل الشمالي. وتميزت أغنية «روقان» بإيقاع صيفي راقص وأجواء مليئة بالحيوية والطاقة الإيجابية، وأطفى الفيديو كليب أجواء منعشة تعكس طاقة صيفية مليئة بالبهجة والإيقاع الراقص، لتقدم نسرين من خلالها ستايلاً غنائياً خفيفاً ومنعشاً، يعكس جانباً مرحاً من شخصيتها، إذ ظهرت في الكليب بإطلالات مرحة ومشاهد ملونة تتماشى مع روح الأغنية. أخبار ذات صلة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store