logo
د. محمد العرب : الجنون: رؤية مفرطة للحقيقة

د. محمد العرب : الجنون: رؤية مفرطة للحقيقة

أخبارنا٢١-٠٤-٢٠٢٥

أخبارنا :
في كل مرة نُصادف فيها شخصاً يتحدث إلى نفسه، أو يحدّق في فضاء لا نراه، نهمس لأنفسنا: لقد فقد عقله ؟ لكن ماذا لو كان قد وجده؟ ماذا لو أن من نسميه (مجنوناً) لم يخرج من الوعي، بل اخترق حدوده، وتجاوز الحجب التي تُبقينا نحن في النسخة الوحيدة التي نعيشها من الواقع؟ ماذا لو كان الجنون ليس فقداناً للعقل، بل اتساعاً مؤلماً في مدى الرؤية؟
الفكر الفلسفي المعاصر، المدعوم بومضات من الفيزياء النظرية، لم يعد يرى الوعي كسلسلة خطية تقبع في دماغ فرد واحد معزول عن الكون، بل كحقل طاقة متداخل، قابل للامتداد، والاختراق، والتداخل مع وعي آخر ومن هنا تُصبح فكرة تعدد النسخ الذاتية في الأكوان الموازية وهي فكرة تنتمي لنظرية الكون المتعدد (Multiverse) أكثر من مجرّد ترف خيالي. إنها تفسير محتمل لحالات يُصنّفها الطب النفسي اضطراباً، وقد تكون في عمقها حالات انكشاف.
ما نسميه (جنوناً) قد لا يكون سوى استقبال حسيّ خارق لبثّ قادم من أكوان أخرى. تخيّل أن كل قرار لم تتخذه، وكل طريق لم تسلكه، وكل حياة لم تعشها تحدث الآن، في مكانٍ ما. والنسخ الأخرى منك تعيش تلك الحيوات. الآن، تخيّل أن وعيك ـ لأي سبب كان ـ التقط تلك الحيوات بالتزامن مع وعيك الحالي. سيكون الأمر مربكاً ، مشوشاً ، بل ومؤلماً حد الانهيار ولكن، هل هو وهم أم إدراك زائد؟
من هنا ، اقترح أن نعيد تعريف الحديث مع النفس من كونه اختلال داخلي إلى محاولة عقلية للتفاوض مع نسخ أخرى منك. المجنون، إذ يهمس أو يصيح أو يضحك دون سبب، لا يُخاطب الفراغ، بل يتلقى إشارة. قد يكون يرى مشهداً يحدث في نسخة موازية، أو يسمع صوتاً لنفسه في زمنٍ آخر. الجنون هنا ليس انفصالاً عن الواقع، بل تداخل عنيف بين واقعين أو أكثر.
علم النفس التقليدي ينظر إلى هذه الحالات باعتبارها تشويشاً إدراكياً أو خللاً في كيمياء الدماغ. لكن هذا لا يمنع أن نعيد مساءلة جوهر التشخيص: من الذي قرّر أن إدراكنا الحالي هو المعيار؟ ماذا لو أن عقولنا، بسبب القيود الاجتماعية والثقافية والبيولوجية، أُجبرت على رؤية نسخة واحدة فقط من الواقع؟ ماذا لو أن الطبيعي هو أن تكون لنا منافذ إلى نسخ متعددة، لكننا خُنقنا داخل وعي أحادي وصار المجنون هو من تسرّب وعيه خارج هذا السجن؟
ثمة تشابه عجيب بين ما يقوله بعض المصابين بالفصام أو الهلوسات، وما تقوله نظريات فيزيائية عن الزمن والواقع. فالبعض منهم يتحدث عن أشخاص لا يراهم غيره أو أحداث تحدث في غير أوانها ، أو أصوات تعرف كل شيء عنه فهل هذه مجرد فنتازيا مريضة؟ أم ومضات من وعيٍ يمرّ خلال طبقات لا نعرفها بعد؟ إن الذين يعيشون تلك الحالات، لا يشعرون بالانفصال، بل بالإجبار على استقبال ما لا يمكن تحمّله. كأن أبواباً قد فُتحت في أدمغتهم، دون إرادتهم، ولم يجدوا كيف يُغلقونها.
في الأساطير القديمة، كان يُقال عن المجانين إنهم (ممسوسون) أو(مكشوف عنهم الحجاب) وبينما نُضحّي اليوم بكل هذه الرؤى لصالح مصطلحات مثل الاضطراب الذهني أو الخلل العصبي يبقى سؤال دفين يتردد في الأعماق: هل نحن نحاول شفاء المجانين أم إسكاتهم؟ هل نحن نخاف عليهم أم منهم؟ من أولئك الذين يخترقون قوانين الوقت والمنطق والمكان؟
من الناحية الوجودية، المجنون يشبه الإنسان الذي لم يحتمل الحقيقة كاملة. نحن نعيش الحقيقة على جرعات، موزعة على أيام وسنوات وأحلام وآلام. أما المجنون، فهو من شرب الكأس دفعة واحدة. ولهذا ارتبك. ولهذا صرخ. ولهذا يتحدث الآن مع نفسه أو قل: مع أنفسه.
في المجتمعات الحديثة، نحن لا نعرف كيف نتعامل مع من يخرج عن النمط، لذلك نحصره في خانة (الخلل) لكن ربما كان من الأجدى أن نُصغي إليهم لا أن نحاكمهم. ربما ما نسميه (هذياناً) هو محاولتهم البائسة لترجمة رؤاهم بلغة لا تستوعبها المفردات العادية. وربما، فقط ربما، هم يحملون مفاتيح لفهم أنفسنا نحن إذا تجرأنا أن نرى.
الجنون، في هذا السياق، لا يعود عاراً ، بل تجربة كونية ولحظة تشظٍ مؤلمة للذات لكنها كاشفة ، إنه اصطدام بين الوعي المحدود، وامتداده الكوني ومن يحترق في هذه اللحظة لا يفنى بل يتحوّل ، وعلينا أن نكفّ عن النظر إليه كغريب، ونبدأ في طرح السؤال الجوهري: ماذا يرى المجنون، ونحن لا نراه؟
لأن الجواب على هذا السؤال قد يغيّر كل شيء...!

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

د. محمد العرب : الجنون: رؤية مفرطة للحقيقة
د. محمد العرب : الجنون: رؤية مفرطة للحقيقة

أخبارنا

time٢١-٠٤-٢٠٢٥

  • أخبارنا

د. محمد العرب : الجنون: رؤية مفرطة للحقيقة

أخبارنا : في كل مرة نُصادف فيها شخصاً يتحدث إلى نفسه، أو يحدّق في فضاء لا نراه، نهمس لأنفسنا: لقد فقد عقله ؟ لكن ماذا لو كان قد وجده؟ ماذا لو أن من نسميه (مجنوناً) لم يخرج من الوعي، بل اخترق حدوده، وتجاوز الحجب التي تُبقينا نحن في النسخة الوحيدة التي نعيشها من الواقع؟ ماذا لو كان الجنون ليس فقداناً للعقل، بل اتساعاً مؤلماً في مدى الرؤية؟ الفكر الفلسفي المعاصر، المدعوم بومضات من الفيزياء النظرية، لم يعد يرى الوعي كسلسلة خطية تقبع في دماغ فرد واحد معزول عن الكون، بل كحقل طاقة متداخل، قابل للامتداد، والاختراق، والتداخل مع وعي آخر ومن هنا تُصبح فكرة تعدد النسخ الذاتية في الأكوان الموازية وهي فكرة تنتمي لنظرية الكون المتعدد (Multiverse) أكثر من مجرّد ترف خيالي. إنها تفسير محتمل لحالات يُصنّفها الطب النفسي اضطراباً، وقد تكون في عمقها حالات انكشاف. ما نسميه (جنوناً) قد لا يكون سوى استقبال حسيّ خارق لبثّ قادم من أكوان أخرى. تخيّل أن كل قرار لم تتخذه، وكل طريق لم تسلكه، وكل حياة لم تعشها تحدث الآن، في مكانٍ ما. والنسخ الأخرى منك تعيش تلك الحيوات. الآن، تخيّل أن وعيك ـ لأي سبب كان ـ التقط تلك الحيوات بالتزامن مع وعيك الحالي. سيكون الأمر مربكاً ، مشوشاً ، بل ومؤلماً حد الانهيار ولكن، هل هو وهم أم إدراك زائد؟ من هنا ، اقترح أن نعيد تعريف الحديث مع النفس من كونه اختلال داخلي إلى محاولة عقلية للتفاوض مع نسخ أخرى منك. المجنون، إذ يهمس أو يصيح أو يضحك دون سبب، لا يُخاطب الفراغ، بل يتلقى إشارة. قد يكون يرى مشهداً يحدث في نسخة موازية، أو يسمع صوتاً لنفسه في زمنٍ آخر. الجنون هنا ليس انفصالاً عن الواقع، بل تداخل عنيف بين واقعين أو أكثر. علم النفس التقليدي ينظر إلى هذه الحالات باعتبارها تشويشاً إدراكياً أو خللاً في كيمياء الدماغ. لكن هذا لا يمنع أن نعيد مساءلة جوهر التشخيص: من الذي قرّر أن إدراكنا الحالي هو المعيار؟ ماذا لو أن عقولنا، بسبب القيود الاجتماعية والثقافية والبيولوجية، أُجبرت على رؤية نسخة واحدة فقط من الواقع؟ ماذا لو أن الطبيعي هو أن تكون لنا منافذ إلى نسخ متعددة، لكننا خُنقنا داخل وعي أحادي وصار المجنون هو من تسرّب وعيه خارج هذا السجن؟ ثمة تشابه عجيب بين ما يقوله بعض المصابين بالفصام أو الهلوسات، وما تقوله نظريات فيزيائية عن الزمن والواقع. فالبعض منهم يتحدث عن أشخاص لا يراهم غيره أو أحداث تحدث في غير أوانها ، أو أصوات تعرف كل شيء عنه فهل هذه مجرد فنتازيا مريضة؟ أم ومضات من وعيٍ يمرّ خلال طبقات لا نعرفها بعد؟ إن الذين يعيشون تلك الحالات، لا يشعرون بالانفصال، بل بالإجبار على استقبال ما لا يمكن تحمّله. كأن أبواباً قد فُتحت في أدمغتهم، دون إرادتهم، ولم يجدوا كيف يُغلقونها. في الأساطير القديمة، كان يُقال عن المجانين إنهم (ممسوسون) أو(مكشوف عنهم الحجاب) وبينما نُضحّي اليوم بكل هذه الرؤى لصالح مصطلحات مثل الاضطراب الذهني أو الخلل العصبي يبقى سؤال دفين يتردد في الأعماق: هل نحن نحاول شفاء المجانين أم إسكاتهم؟ هل نحن نخاف عليهم أم منهم؟ من أولئك الذين يخترقون قوانين الوقت والمنطق والمكان؟ من الناحية الوجودية، المجنون يشبه الإنسان الذي لم يحتمل الحقيقة كاملة. نحن نعيش الحقيقة على جرعات، موزعة على أيام وسنوات وأحلام وآلام. أما المجنون، فهو من شرب الكأس دفعة واحدة. ولهذا ارتبك. ولهذا صرخ. ولهذا يتحدث الآن مع نفسه أو قل: مع أنفسه. في المجتمعات الحديثة، نحن لا نعرف كيف نتعامل مع من يخرج عن النمط، لذلك نحصره في خانة (الخلل) لكن ربما كان من الأجدى أن نُصغي إليهم لا أن نحاكمهم. ربما ما نسميه (هذياناً) هو محاولتهم البائسة لترجمة رؤاهم بلغة لا تستوعبها المفردات العادية. وربما، فقط ربما، هم يحملون مفاتيح لفهم أنفسنا نحن إذا تجرأنا أن نرى. الجنون، في هذا السياق، لا يعود عاراً ، بل تجربة كونية ولحظة تشظٍ مؤلمة للذات لكنها كاشفة ، إنه اصطدام بين الوعي المحدود، وامتداده الكوني ومن يحترق في هذه اللحظة لا يفنى بل يتحوّل ، وعلينا أن نكفّ عن النظر إليه كغريب، ونبدأ في طرح السؤال الجوهري: ماذا يرى المجنون، ونحن لا نراه؟ لأن الجواب على هذا السؤال قد يغيّر كل شيء...!

الجنون: رؤية مفرطة للحقيقة
الجنون: رؤية مفرطة للحقيقة

الدستور

time٢١-٠٤-٢٠٢٥

  • الدستور

الجنون: رؤية مفرطة للحقيقة

في كل مرة نُصادف فيها شخصاً يتحدث إلى نفسه، أو يحدّق في فضاء لا نراه، نهمس لأنفسنا: لقد فقد عقله ؟ لكن ماذا لو كان قد وجده؟ ماذا لو أن من نسميه (مجنوناً) لم يخرج من الوعي، بل اخترق حدوده، وتجاوز الحجب التي تُبقينا نحن في النسخة الوحيدة التي نعيشها من الواقع؟ ماذا لو كان الجنون ليس فقداناً للعقل، بل اتساعاً مؤلماً في مدى الرؤية؟الفكر الفلسفي المعاصر، المدعوم بومضات من الفيزياء النظرية، لم يعد يرى الوعي كسلسلة خطية تقبع في دماغ فرد واحد معزول عن الكون، بل كحقل طاقة متداخل، قابل للامتداد، والاختراق، والتداخل مع وعي آخر ومن هنا تُصبح فكرة تعدد النسخ الذاتية في الأكوان الموازية وهي فكرة تنتمي لنظرية الكون المتعدد (Multiverse) أكثر من مجرّد ترف خيالي. إنها تفسير محتمل لحالات يُصنّفها الطب النفسي اضطراباً، وقد تكون في عمقها حالات انكشاف.ما نسميه (جنوناً) قد لا يكون سوى استقبال حسيّ خارق لبثّ قادم من أكوان أخرى. تخيّل أن كل قرار لم تتخذه، وكل طريق لم تسلكه، وكل حياة لم تعشها تحدث الآن، في مكانٍ ما. والنسخ الأخرى منك تعيش تلك الحيوات. الآن، تخيّل أن وعيك ـ لأي سبب كان ـ التقط تلك الحيوات بالتزامن مع وعيك الحالي. سيكون الأمر مربكاً ، مشوشاً ، بل ومؤلماً حد الانهيار ولكن، هل هو وهم أم إدراك زائد؟من هنا ، اقترح أن نعيد تعريف الحديث مع النفس من كونه اختلال داخلي إلى محاولة عقلية للتفاوض مع نسخ أخرى منك. المجنون، إذ يهمس أو يصيح أو يضحك دون سبب، لا يُخاطب الفراغ، بل يتلقى إشارة. قد يكون يرى مشهداً يحدث في نسخة موازية، أو يسمع صوتاً لنفسه في زمنٍ آخر. الجنون هنا ليس انفصالاً عن الواقع، بل تداخل عنيف بين واقعين أو أكثر.علم النفس التقليدي ينظر إلى هذه الحالات باعتبارها تشويشاً إدراكياً أو خللاً في كيمياء الدماغ. لكن هذا لا يمنع أن نعيد مساءلة جوهر التشخيص: من الذي قرّر أن إدراكنا الحالي هو المعيار؟ ماذا لو أن عقولنا، بسبب القيود الاجتماعية والثقافية والبيولوجية، أُجبرت على رؤية نسخة واحدة فقط من الواقع؟ ماذا لو أن الطبيعي هو أن تكون لنا منافذ إلى نسخ متعددة، لكننا خُنقنا داخل وعي أحادي وصار المجنون هو من تسرّب وعيه خارج هذا السجن؟ثمة تشابه عجيب بين ما يقوله بعض المصابين بالفصام أو الهلوسات، وما تقوله نظريات فيزيائية عن الزمن والواقع. فالبعض منهم يتحدث عن أشخاص لا يراهم غيره أو أحداث تحدث في غير أوانها ، أو أصوات تعرف كل شيء عنه فهل هذه مجرد فنتازيا مريضة؟ أم ومضات من وعيٍ يمرّ خلال طبقات لا نعرفها بعد؟ إن الذين يعيشون تلك الحالات، لا يشعرون بالانفصال، بل بالإجبار على استقبال ما لا يمكن تحمّله. كأن أبواباً قد فُتحت في أدمغتهم، دون إرادتهم، ولم يجدوا كيف يُغلقونها.في الأساطير القديمة، كان يُقال عن المجانين إنهم (ممسوسون) أو(مكشوف عنهم الحجاب) وبينما نُضحّي اليوم بكل هذه الرؤى لصالح مصطلحات مثل الاضطراب الذهني أو الخلل العصبي يبقى سؤال دفين يتردد في الأعماق: هل نحن نحاول شفاء المجانين أم إسكاتهم؟ هل نحن نخاف عليهم أم منهم؟ من أولئك الذين يخترقون قوانين الوقت والمنطق والمكان؟من الناحية الوجودية، المجنون يشبه الإنسان الذي لم يحتمل الحقيقة كاملة. نحن نعيش الحقيقة على جرعات، موزعة على أيام وسنوات وأحلام وآلام. أما المجنون، فهو من شرب الكأس دفعة واحدة. ولهذا ارتبك. ولهذا صرخ. ولهذا يتحدث الآن مع نفسه أو قل: مع أنفسه.في المجتمعات الحديثة، نحن لا نعرف كيف نتعامل مع من يخرج عن النمط، لذلك نحصره في خانة (الخلل) لكن ربما كان من الأجدى أن نُصغي إليهم لا أن نحاكمهم. ربما ما نسميه (هذياناً) هو محاولتهم البائسة لترجمة رؤاهم بلغة لا تستوعبها المفردات العادية. وربما، فقط ربما، هم يحملون مفاتيح لفهم أنفسنا نحن إذا تجرأنا أن نرى.الجنون، في هذا السياق، لا يعود عاراً ، بل تجربة كونية ولحظة تشظٍ مؤلمة للذات لكنها كاشفة ، إنه اصطدام بين الوعي المحدود، وامتداده الكوني ومن يحترق في هذه اللحظة لا يفنى بل يتحوّل ، وعلينا أن نكفّ عن النظر إليه كغريب، ونبدأ في طرح السؤال الجوهري: ماذا يرى المجنون، ونحن لا نراه؟لأن الجواب على هذا السؤال قد يغيّر كل شيء...!

نبضة هاجرة
نبضة هاجرة

الدستور

time١٨-٠٢-٢٠٢٥

  • الدستور

نبضة هاجرة

في البال معلومة «فيزيائية»، لا أدري إن كنت أفهمها حقا، تقول أن ثمة هناك ما يسمى بعمر النصف الإشعاعي للمواد، ويقصد به أن المادة تفقد نصف كميتها، حين يتحول نصفها لطاقة ضوئية او أشعة أخرى غير الضوء الأبيض المرئي، ويقال في الفيزياء بأن كل المواد تطلق أشعة وتفقد من كميتها «كتلتها»، والفرق بينها يكمن بالنشاط الإشعاعي، فهناك مواد ضعيفة أو خاملة إشعاعيا، وبالكاد تطلق إشعاعات تؤثر على كميتها او حجمها او كتلتها كل مليون سنة، بينما ثمة مواد نشيطة إشعاعيا، فحسبوا رياضيا عمر المواد في الكون وليس في الكوكب الأرضي، على أساس تلك المعادلة، التي تبين لنا متى تختفي تلك المواد من الطبيعة، او كم عمرها الفعلي بناء على ما تبقى من كتلتها.. شيء بالكاد أفهمه. وهذا تقريبا ما ما جرى معي قبل أيام، فهي المرة الأولى التي أقوم فيها بعمل تخطيط للقلب، وقال لي الطبيب بعض المعلومات المتعلقة بقلبي، بناء على المخطط وحساباته ومعلوماته، وقفز في الحديث مصطلح «النبضة الهاجرة».. مصطلح أسمعه لأول مرة، وهو مصطلح علمي «طبي»، يعرفه أهل الاختصاص، وتابع الطبيب قائلا: يعني اشي نادر الحدوث، لكنه «ما بخوّف»، فقلت له : كنت اسمع زمان اغنية للمطرب المصري «عبدالحليم حافظ»، من بين كلماتها (قلت إسأل دق قلبي اللي زايد دقتين»، فمن المؤكد ان تلك النبضة جاءت أو ذهبت لذلك الشاعر الذي كتب كلمات الأغنية.. وبحثت قليلا عن هذه الحالة، وعرفت قليلا، لكن أهم ما عرفت ان هذه النبضة، أنها تتداخل مع النبضات الطبيعية للقلب. وتخيلت المشهد، كحال الذي يقف خلف طابور دبكة شعبية، لا يجيد حركاتها، لكنه كلما طاف الطابور يقدم قدمه، ويضربها في الارض مرة واحدة بين اقدام الدبّيكة، ولا يهمّه أن تكون متوافقة مع ضربات أقدام الطابور، او نشازا بينها.. وهو حال طابور وطني أيضا، يهتف ويدبك للوطن، بعلم وبغير علم في أصول الرقص والفن والتعبير عن الفرح والغضب ولا حتى الخوف، ولا يحفل بالمشهد العام، ولا أبالغ لو أضفت بأنه لا يسأل عن نتائج أو كرامة أو احترام. المرحلة الاردنية لتي نمر بها، قاسية، وفيها «نبضة هاجرة»، لا نعرف ولا نبحث عن أسبابها، لكن لكل من يفتعلها ويمارسها بعلم او بغير علم.. لهؤلاء قال الملك ونردد بعده «والله عيب».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store