انفجار مار إلياس، أي كنيسة؟ أي دور؟
في ضواحي دمشق، حيث يتقاطع عبق التاريخ مع وجع الحاضر، دوّى انفجار كنيسة مار إلياس، أحد أقدم الصروح المسيحية في المنطقة، مثيرًا صدمة عميقة لدى المسيحيين، كما لدى كثير من المسلمين في سائر المشرق.
لم يكن الانفجار مجرد عمل عنفي جديد في سجل الصراعات القائمة هناك، انما شكّــل نقطة انعطاف تُجبرنا على إعادة النظر في موقع المسيحيين، ودور الكنيسة، وصمت رجالها، وتواطؤ بعضهم أو تخاذلهم في لحظة باتت تتطلب موقفًا أكثر جذرية ووضوحاً.
لطالما لعبت الكنيسة في المشرق دوراً يتجاوز الإطار الديني، إذ كانت ملاذًا للمستضعفين ومنبرًا للسلام والحوار. لكن في السنوات الأخيرة، انكفأت القيادات الكنسية في غالبيتها إلى الأطر الطقسية، وانحصر صوتها وانحسر إلى حدود عظات المناسبات، بينما كانت الأرض تهتز تحت أقدام رعيتها. معظم البطاركة والمطارنة، الذين يُفترض أن يكونوا صوت المسيحيين أمام السلطة والمجتمع، غابوا في لحظة يتطلب فيها الحضور لا الغياب، والمواجهة لا المجاملة.
على مدى قرون، عاش المسيحيون جنبًا إلى جنب مع المسلمين، في مزيج ثقافي وإنساني فريد. غير أن غياب الخطاب الكنسي "الجريء"، خصوصًا في مواجهة التيارات التكفيرية أو السياسات الإقصائية، جعل من المسيحيين طرفًا ضعيفًا في معادلة مشوشة بل متوترة. من هنا، صار ضرورياً أن تُعيد الكنيسة صياغة خطابها الإسلامي–المسيحي، من منطلق الشراكة الفعلية لا المجاملة الشكلية، عبر خطاب حقيقي للمواطنة والكرامة المتساوية.
الانفجار لا يمكن أن يمرّ بلا محاسبة داخلية. على رجال الدين أن يُسألوا: أين كنتم حين احترقت الكنائس؟ أين كانت كلماتكم حين خُطف الكهنة والرهبان؟ لماذا لم يُــــرفع الصوت عاليًا حين هُجّرت العائلات المسيحية من مناطقها؟ الصمت لم يكن خيارًا "نبيلاً"، بل ربما تواطؤاً غير معلن، يدفع المسيحيون اليوم ثمنه من دمهم ووجودهم.
في هذا السياق القاتم، يبرز موقف بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، يوحنا العاشر، الذي أدان الانفجار بلهجة واضحة، داعيًا إلى حماية المسيحيين لا كمجموعة أقلوية، بل كمكون أصيل في النسيج الوطني السوري. موقفه يفتح الباب أمام إعادة رسم دور الكنسية، بشكلٍ أقرب إلى الدفاع الحقيقي عن ناسها وكل الناس.
الانفجار يطرح علامات استفهام خطيرة حول دور النظام، ومكانة شخصيات غامضة فيه، حين يتردد أن التوتر والارتجاج لا يزال يهزّ الفالق السوري بعد سقوط النظام السابق، من هنا تأتي الأسئلة الباحثة في قلب الأمثلة؛ من المستفيد من ضرب ما تبقى من وجود مسيحي فاعل في سوريا؟ ماذا ومن وراء هكذا انفجار؟ هل هو بداية أم عابر وكفى؟
الإجابات في عالم التكهنات لكن الأيام كفيلة فيها، إلا أن خارطة طريق كنسية لما بعد الانفجار أصبحت مطلباً، بل حاجة ملحة قد يصلح أن تتضمن التالي.
أولها ضرورة عقد مجمع كنسي استثنائي للطوائف كافة لمساءلة الذات وتقييم الأداء، وإطلاق اليد لقيادات مدنية مغطاة كنسياً تكون أكثر جرأة وأكثر استقلالية. وثانيها إطلاق خطاب جديد يتناول الحقوق لا المخاوف، وثالثها دعم المبادرات الشبابية والمدنية لتعزيز حضور المسيحيين خارج الجدران التقليدية، ومحرراً من القضبان غير المرئية. أما رابعها، وقد يصح أن يكون أولها، فتشكيل لجنة تحقيق مستقلة مدعومة دولياً، تطالب بكشف المسؤولين عن الانفجار ومحاسبتهم علناً. وخامسها تعزيز الحوار المسيحي–الإسلامي بعيدًا عن المجاملات، وبمشاركة فعلية من النخب والأبناء من تحت إلى فوق.
الانفجار الذي طال كنيسة مار إلياس لا يجب أن يمر كسواه، وصرخة البطريرك يوحنا، لا يجوز أن تكون في بريّة الشام، بل أن تتردد اصداؤها في الشارع السوري كما اللبناني والمشرقي، وتُسقَط عملياً وعملانياً على واقع جديد.. بغية صناعة مستقبل جديد!
ملحم رياشي -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

المدن
منذ 13 ساعات
- المدن
قراءة هادئة في خطاب البطريرك
حين أطلق البطريرك يوحنّا العاشر (يازجي) صرخته المدوّية، إبّان صلاة الدفن التي أقيمت لضحايا التفجير الإرهابيّ في كنيسة مار الياس في الدويلعة-دمشق، تعاطف معه كُثُر من المسيحيّين في سوريا وخارجها، وذلك على الرغم من أنّ الخطاب بدا انفعاليّاً وغير متماسك في أكثر من موضع - وربّما يكون هذا طبيعيّاً بفعل الارتجال وضغط اللحظة. من حقّ السلطة السياسيّة في سوريا، طبعاً، أن تفنّد بالنقد بعض مضمون هذا الخطاب. لكنّ ما يبدو اليوم أشدّ أهمّيّةً بما لا يقاس، ضرورةُ أن تتفكّر هذه السلطة في مغزى هذا التعاطف مع موقف البطريرك. لماذا يا ترى؟ لماذا شعر كُثُر من المسيحيّات والمسيحيّين في سوريا بأنّ البطريرك ينطق باسمهم كما لو أنّه "رئيس الملّة" إبّان الزمن العثمانيّ؟ لعلّ السبب الرئيس هو تعثّر الدولة السوريّة الجديدة الفاقع حتّى اليوم في أن تصبح دولة. من مذابح الساحل، مروراً بالاشتباكات في جرمانا وصحنايا، وصولاً إلى مجزرة كنيسة مار الياس، يسيطر شعور على كُثُر من السوريّات والسوريّين، لا المسيحيّين وحسب، بأنّ مشروع دولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع في حمى القانون وتوفّر لهم الأمن والأمان، لم يتحقّق بعد بالحدّ الأدنى. يضاف إلى ذلك إحساس بأنّ السلطة السياسيّة غير محايدة تجاه الأديان، بل تحاول، كلّما سنحت لها الفرصة، أن تضيّق على بعض مساحات المجتمع، وأن تأخذه نحو شكل من أشكال الأسلَمة، خَفِر تارةً وسافِر طوراً. حيال الخوف الذي يعتري المسيحيّين (وغيرهم) من الأسلمة وشعورهم بعدم الأمان، من الطبيعيّ أن يضعف التصاقهم بمشروع الدولة، وأن يشتدّ تماهيهم بالجماعة الدينيّة التي ينتسبون إليها، والتي يشعرون بأنّ انتماءهم إليها مهدّد. ولعلّ هذا ما يسوقهم إلى التعاطف مع قادة هذه الجماعة، واستحضار محطّات من ذاكرتهم التاريخيّة كان فيها هؤلاء القادة "رؤساء الملّة" والناطقين باسمها. حيال تقهقر مشروع الدولة وعدم قدرته على فرض ذاته بالسرعة المطلوبة، كان من الطبيعيّ والمشروع والضروريّ أن يحمّل البطريرك الحكومة مسؤوليّة مجزرة الكنيسة، مستخدماً كلمات قاسيةً ومتهكّمة. فالقضيّة قضيّة حياة أو موت. وإذا بقيت سوريا على ما هي عليه اليوم، جمهوريّة موز، الكلمة فيها للرعاع وقطّاع الطرق، سيمعن الناس في الافتقار والهجرة، وربّما انفجرت حرب أهليّة لا تبقي ولا تذر. بيد أنّ مشكلة خطاب البطريرك تكمن في موضعين: أوّلاً أنّه استعاد مذابح العام 1860 في دمشق من دون أيّ مبرّر واضح. ليس الموضوع أنّ الخطاب البطريركيّ ينكأ جراح التاريخ، إذ من حقّنا أن نتكلّم على التاريخ وأن نتفحّصه بالنقد. لكنّ الخطاب أعطى الانطباع أنّ البطريرك يحمّل مسؤوليّة مجزرة الكنيسة للدمشقيّين من أهل السنّة عموماً، وهذه مقاربة إشكاليّة تتجاهل مدى تضامن المسلمين مع المسيحيّين في إثر حادثة الكنيسة. يضاف إلى ذلك أنّ الحديث عن "طوشة 1860"، كما يحلو لأهل دمشق أن يسمّوها، لا يستقيم من دون الحديث عن عبد القادر الجزائريّ، الذي حمى آلاف المسيحيّين ومنع إخوته في الدين من قتلهم. ربطُ مجزرة الكنيسة بمجازر العام 1860، سببه الخوف المتراكم في الوعي الجمعيّ لدى المسيحيّين لأسباب يجدر بالمؤرّخين وعلماء الاجتماع والسيكولوجيا أن يدرسوها. لكن من واجب الخطاب البطريركيّ أن يفكّك هذا الخوف، لا أن يزكيه. المشكلة الثانية في كلمة البطريرك أنّها خاطبت السلطة السياسيّة بإسم المسيحيّين، لكنّها لم تقدّم خطاباً يتكلّم باسم السوريّات والسوريّين عموماً. في الآونة الأخيرة، كثيراً ما استرجع السيّد البطريرك مآثر سلفه مغبوط الذِّكر، غريغوريوس حدّاد. إنّ سيرة البطريرك الحدّاد تُظهر، بما لا يقبل الجدل، أنّ عبقريّة الديناميّة المسيحيّة تكمن في قدرتها على تقديم خطاب لا يتخطّى الخوف المسيحيّ القابع في مطاوي منظومة أهل الذمّة فحسب، بل يذهب إلى الحيّز الذي يتلاقى فيه السوريّات والسوريّون أجمعون بوصفهم أهل أرض واحدة يتشاركون في الهواء والخبز والإبداع والأحلام، ويستطيعون من هذا المنطلق أن يؤسّسوا عقداً اجتماعيّاً قوامه المشترك بينهم، أي المواطنة. هذا البحث عن الحيّز المشترك يملي علينا أن نلقي عنّا، إلى غير رجعة، الغباوة التي تفترض، عن وعي أو عن غير وعي، أنّ دماء المسيحيّين أغلى من دماء سواهم، أو أنّهم يشكّلون في منطقتنا حالةً خاصّةً تبرّر لهم التعالي على سواهم. فالمسيحيّون لا يصبحون حالةً "خاصّة" إلّا عبر إخلاصهم لإنجيل المصلوب. وهذا الإنجيل يعلّمهم شيئاً واحداً: أن يكونوا "غَسَلة أرجُل"، وأن أيّ هويّة أخرى لهم من خارج هذه الهويّة الإنجيليّة تفضي بهم إلى اللامعنى. في غمرة المذبحة، من الصعب أن يختطّ المرء الطريق الذي يأخذنا من الحلقة المفرغة المتّصلة بالهويّة المأزومة، إلى رحاب خطاب يشعر معه الجميع، كائناً مَن كانوا، أنّ أسقف الجماعة المسيحيّة ينطق بإسمهم كما لو كان شيخهم الصوفيّ. لكن هذا تحدّي الكبار. وإذا لم يعكف الكبار على هذه المهمّة، مَن يقوم بها؟

المدن
منذ 13 ساعات
- المدن
فيدان: هناك محاولات لإشعال الفوضى مجدداً في سوريا
حذّر وزير الخارجية التركية هاكان فيدان، من محاولات لإشعال الفوضى مجدداً في سوريا، من خلال استهداف التعايش الأهلي والرموز الدينية، مؤكداً أن استهداف كنيسة مار إلياس في دمشق، هدفه زعزعة الاستقرار. استغلال المرحلة الانتقالية وقال فيدان في مقابلة متلفزة، إن "داعش" الذي تبنى الهجوم على الكنيسة، هو "منظمة تعمل بالوكالة في الأساس"، وإن تركيا ترى هذا النوع من العمليات، هدفه "تحريك بعض الجهات في الداخل والخارج، ونراه جزءاً من سيناريو أوسع لزعزعة الاستقرار". وأضاف أن أنقرة بادرت إلى عقد اجتماع إقليمي، ضم لبنان والعراق والأردن وسوريا، لتنسيق الجهود في مواجهة أي تصعيد أمني، بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر. وأوضح أن بلاده دعت إلى "إنشاء مركز عمليات مشترك لمواجهة خطر داعش، لأن من الواضح أن التنظيم سيحاول استغلال المرحلة الانتقالية، وربما يُستخدم من قبل دول أو جهات أخرى كأداة ضغط". وأكد أن تركيا تحركت على الفور، لكن "ليس كل الأطراف تتحرك بالسرعة ذاتها"، مشدداً على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع داعش من إعادة تشكيل نفسه في هذا الظرف الحساس. وحدة وسلام سوريا وحذّر الوزير التركي من "استفزازات ستستهدف وحدة وسلام سوريا"، مضيفاً أن "المرحلة المقبلة ستشهد محاولات لتعطيل عملية التعافي السياسي والاجتماعي". كما دعا الحكومة السورية للتنبه لهذا الخطر وإبداء استعداد حقيقي للتعاون الأمني. وأكد أن سوريا ستبقي ضمن الأولويات لدى تركيا، قائلاً: "نحن نتابع الملف السوري عن كثب، وسنواصل دعم كل مسار يعزّز الاستقرار ويحول دون عودة الفوضى". والثلاثاء، شيّع مئات السوريين من كنيسة الصليب في حي القصاع شرق دمشق، ضحايا التفجير الإرهابي الذي استهدف كنيسة القديس مار الياس في الدويلعة، الأحد الماضي، وسط إجراءات أمنية مكثفة من الأمن الداخلي السوري. وسقط 27 قتيلاً داخل الكنيسة إثر التفجير الإرهابي الذي تبناه تنظيم "أنصار السنة" الجهادي، الذي ظهر عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد. وسارعت وزارة الداخلية عقب ساعات من التفجير، للقبض على عدد من الأشخاص وقتل اثنين آخرين، قالت إنهم من المتورطين في الهجوم على الكنيسة، وينتمون لتنظيم "داعش" المتشدد. وكان "داعش" قد هدد الرئيس السوري أحمد الشرع وحكومته، بتحركات ميدانية قريبة، على خلفية تقارب الأخير من الولايات المتحدة والغرب، ما اعتبره التنظيم "انحرافاً عن الشريعة" الإسلامية.

القناة الثالثة والعشرون
منذ 17 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
انفجار مار إلياس، أي كنيسة؟ أي دور؟
في ضواحي دمشق، حيث يتقاطع عبق التاريخ مع وجع الحاضر، دوّى انفجار كنيسة مار إلياس، أحد أقدم الصروح المسيحية في المنطقة، مثيرًا صدمة عميقة لدى المسيحيين، كما لدى كثير من المسلمين في سائر المشرق. لم يكن الانفجار مجرد عمل عنفي جديد في سجل الصراعات القائمة هناك، انما شكّــل نقطة انعطاف تُجبرنا على إعادة النظر في موقع المسيحيين، ودور الكنيسة، وصمت رجالها، وتواطؤ بعضهم أو تخاذلهم في لحظة باتت تتطلب موقفًا أكثر جذرية ووضوحاً. لطالما لعبت الكنيسة في المشرق دوراً يتجاوز الإطار الديني، إذ كانت ملاذًا للمستضعفين ومنبرًا للسلام والحوار. لكن في السنوات الأخيرة، انكفأت القيادات الكنسية في غالبيتها إلى الأطر الطقسية، وانحصر صوتها وانحسر إلى حدود عظات المناسبات، بينما كانت الأرض تهتز تحت أقدام رعيتها. معظم البطاركة والمطارنة، الذين يُفترض أن يكونوا صوت المسيحيين أمام السلطة والمجتمع، غابوا في لحظة يتطلب فيها الحضور لا الغياب، والمواجهة لا المجاملة. على مدى قرون، عاش المسيحيون جنبًا إلى جنب مع المسلمين، في مزيج ثقافي وإنساني فريد. غير أن غياب الخطاب الكنسي "الجريء"، خصوصًا في مواجهة التيارات التكفيرية أو السياسات الإقصائية، جعل من المسيحيين طرفًا ضعيفًا في معادلة مشوشة بل متوترة. من هنا، صار ضرورياً أن تُعيد الكنيسة صياغة خطابها الإسلامي–المسيحي، من منطلق الشراكة الفعلية لا المجاملة الشكلية، عبر خطاب حقيقي للمواطنة والكرامة المتساوية. الانفجار لا يمكن أن يمرّ بلا محاسبة داخلية. على رجال الدين أن يُسألوا: أين كنتم حين احترقت الكنائس؟ أين كانت كلماتكم حين خُطف الكهنة والرهبان؟ لماذا لم يُــــرفع الصوت عاليًا حين هُجّرت العائلات المسيحية من مناطقها؟ الصمت لم يكن خيارًا "نبيلاً"، بل ربما تواطؤاً غير معلن، يدفع المسيحيون اليوم ثمنه من دمهم ووجودهم. في هذا السياق القاتم، يبرز موقف بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، يوحنا العاشر، الذي أدان الانفجار بلهجة واضحة، داعيًا إلى حماية المسيحيين لا كمجموعة أقلوية، بل كمكون أصيل في النسيج الوطني السوري. موقفه يفتح الباب أمام إعادة رسم دور الكنسية، بشكلٍ أقرب إلى الدفاع الحقيقي عن ناسها وكل الناس. الانفجار يطرح علامات استفهام خطيرة حول دور النظام، ومكانة شخصيات غامضة فيه، حين يتردد أن التوتر والارتجاج لا يزال يهزّ الفالق السوري بعد سقوط النظام السابق، من هنا تأتي الأسئلة الباحثة في قلب الأمثلة؛ من المستفيد من ضرب ما تبقى من وجود مسيحي فاعل في سوريا؟ ماذا ومن وراء هكذا انفجار؟ هل هو بداية أم عابر وكفى؟ الإجابات في عالم التكهنات لكن الأيام كفيلة فيها، إلا أن خارطة طريق كنسية لما بعد الانفجار أصبحت مطلباً، بل حاجة ملحة قد يصلح أن تتضمن التالي. أولها ضرورة عقد مجمع كنسي استثنائي للطوائف كافة لمساءلة الذات وتقييم الأداء، وإطلاق اليد لقيادات مدنية مغطاة كنسياً تكون أكثر جرأة وأكثر استقلالية. وثانيها إطلاق خطاب جديد يتناول الحقوق لا المخاوف، وثالثها دعم المبادرات الشبابية والمدنية لتعزيز حضور المسيحيين خارج الجدران التقليدية، ومحرراً من القضبان غير المرئية. أما رابعها، وقد يصح أن يكون أولها، فتشكيل لجنة تحقيق مستقلة مدعومة دولياً، تطالب بكشف المسؤولين عن الانفجار ومحاسبتهم علناً. وخامسها تعزيز الحوار المسيحي–الإسلامي بعيدًا عن المجاملات، وبمشاركة فعلية من النخب والأبناء من تحت إلى فوق. الانفجار الذي طال كنيسة مار إلياس لا يجب أن يمر كسواه، وصرخة البطريرك يوحنا، لا يجوز أن تكون في بريّة الشام، بل أن تتردد اصداؤها في الشارع السوري كما اللبناني والمشرقي، وتُسقَط عملياً وعملانياً على واقع جديد.. بغية صناعة مستقبل جديد! ملحم رياشي -نداء الوطن انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News