
المفاوضات مقابل الطعام
ملاحظتان واجبتان في ظل تعثر مفاوضات التهدئة التي تمتد لأشهر الآن.
قبل الخوض بأي شيء فأنا مثل كل الفلسطينيين في غزة وأولئك من غير مناضلي الكيبورد خارجها، ممن يقولون بوقف الحرب بأي ثمن للحفاظ على شعبنا وبقائه. الملاحظة الأولى مدخل فيما الثانية هي جوهر هذا المقال.
الملاحظة الأولى تتعلق بإدارة المفاوضات. قلنا على هذه الصفحة إن نتنياهو يستخدم المفاوضات وسيلة لإطالة عمر الحرب كما لتحسين صورة إسرائيل أمام العالم، فبدلاً من أن يقال إن إسرائيل تقاتل يقال إنها تفاوض على إنهاء الحرب، وهو أمر يمكن استخدامه أيضاً لترويض الجبهة الداخلية.
وفيما نجح في إطالة عمر الحرب وجعل المفاوضات بوابة أوسع لكسب المزيد من الوقت فإنه لم يتمكن من خداع العالم الذي بات أكثر قلقاً من تجاهل إسرائيل لكل المطالب الأممية بوقف الحرب أو بالتخفيف عن سكان قطاع غزة، من خلال وقف المجاعة والحرمان والسماح بإدخال المساعدات وفق الآليات المتبعة سابقاً، وليس عبر توظيف المساعدات لاستكمال التطهير العرقي وحرب الإبادة.
يتعلق بهذا إصرار حماس على التفاوض مع الإدارة الأميركية واعتبار مجرد التفاوض معها بمثابة انتصار واختراق وليس تلاعباً من قبل إدارة رجل الأعمال ترامب (كل شيء سلعة، حتى العلاقة مع الشيطان) بحماس وتوظيفها لخدمة أجندة البيت الأبيض.
لاحظوا كيف صارت حماس ترفض الشيء ثم تقبل به فترفضه إسرائيل، ويقوم ويتكوف بجر حماس للقبول بورقة غامضة يقدم لإسرائيل نسخة معدلة عنها تحافظ على تماسك حكومته فترفضها حماس فتبدو أمام العالم الجهة المعطلة.
وفي حالات سابقة ربما كان آخرها أيضاً إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي حامل الجنسية الأميركية مقابل لا شيء فقط طمعاً في تعميق العلاقة مع واشنطن على حساب معاناة الناس في غزة، فإن حماس عكست عدم وعي بطبيعة القوى الدولية، فيما كان يجب أن تترك مثل هذه الملفات والعلاقات مع القوى الخارجية لجهة التمثيل الفلسطيني الشرعي، أي القيادة الفلسطينية.
وفيما تواجه إسرائيل ضغوطاً دولية شديدة من أجل إنهاء الحرب فإنها تحاول تشتيت الانتباه على رفض الطرف الفلسطيني.
إسرائيل تضع ألف عقبة من أجل أن تستمر الحرب ومن أجل أن تواصل الإبادة، لذلك فإن إنهاء الحرب هو انتصار للبقاء الفلسطيني، ولكن للأسف حماس لا ترى في البقاء الفلسطيني انتصاراً بل في بقائها.
الملاحظة الثانية: نجح نتنياهو في «بيع» حماس طعم السلام الاقتصادي الذي قاتلت القيادة الفلسطينية بشراسة من أجل رفضه، وأظن أن كل ما تتعرض له السلطة من مضايقات من قبل دولة الاحتلال واقتطاعات من المقاصة سببه رفض الرئيس أبو مازن قبول الطرح الذي ابتدعه نتنياهو السلام مقابل الاقتصاد أو أن أسمى غايات الفلسطينيين هو تحسين شروط معيشتهم وتطوير أدوات حياتهم دون أن يكون لهم مطالب سياسية أو حقوقية، فهم ليسوا أكثر من مجموعة بشرية (يمكن تعريفها أنها فلسطينية) ولكن هذه «الفلسطنة» لا تشير إلى كيانية بل إلى هوية ثقافية وليست سياسية ولا حقوقية، وعليه فإن طموحهم لا يجب أن يتعدى كسب فؤاد إسرائيل من أجل أن تسمح لهم بالمزيد من الطعام والشراب والطرق والسفر وغير ذلك.
إن جوهر السلام الاقتصادي قائم على نفي أي مطلب سياسي، وبالتالي ليس فقط نسف السردية الوطنية الفلسطينية حول الحق التاريخي وحول ملكية الأرض وحول طبيعة العلاقة مع الاحتلال بل أيضاً تعزيز نفي الوجود الفلسطيني بشكل كامل وتأكيد السردية المضادة بأن الفلسطينيين وجدوا خطأ في التاريخ، وهو خطأ اعترض مسار التاريخ التوراتي ولكن بدافع إنساني بحت لا بأس من التعامل معهم ضمن مطالب حياتية ضيقة وسلبهم أي توجهات أخرى، بل ومعاقبتهم إن هم فكروا بتبني أي توجهات سياسية. هكذا فإن السلام الاقتصادي ليس إلا نسفاً للحقوق الوطنية.
في حالة غزة نجح نتنياهو في تحويل كل النقاش في المفاوضات مع حماس إلى نقاش حول المساعدات.
وفيما لا يمكن فهم الكثير من مواقف حماس إن لم يكن أغلبها خاصة لمواطن من غزة عاش الحرب فإن إدارتها لملف المساعدات في غزة والسرقات التي تتم والفروقات التي يلاحظها الناس بين فئات المجتمع حيث يتلقى البعض المساعدات ويحظي بسخاء واضح فيما يحرم الآخرون، وبصرف النظر عن ما يمكن أن يقال حول ذلك فإن من يتحمل المسؤولية الكاملة حول ذلك هي الجهة الحاكمة في غزة، أي حماس، لأنها الجهة المسؤولة عن حياة الناس بوصفها سلطة الأمر الواقع هناك.
ما أقوله إن حماس لم تقع في فخ نتنياهو فقط بل إنها تقوم بتزيين الفخ لنفسها أو لعل هذه المساعدات هي مدخلها للحكم ولمواصلة التحكم بحياة الناس.
لم يعد الخلاف على مفتاح التبادل بمعنى عدد المنوي الإفراج عنهم، يبدو أن هذا لم يعد هم حماس، بل إن جل النقاش حول المساعدات وإدارتها، حتى الإعمار لم يعد مطروحاً بشكل كبير، وحول المسافة التي ينسحب منها الجيش.
أيضاً موضوع انسحاب الجيش من غزة وهو أمر لا بد منه، ولكن ألم تخسر حماس المعركة والقتال، لا يمكن أن تقول إنها صمدت حين يجوب الجيش كل شوارع غزة بدباباته، وعليه فإن الحديث عن الانسحاب من غزة أمر مختلف في نتائج الحرب.
ولكن مرة أخرى «حماس» تتعامل وكأن السابع من أكتوبر لم يحدث وأن العالم لم يتغير بعده.
ولكن نتنياهو لم يعد يتحدث عن السلام مقابل الاقتصاد بل الأسرى مقابل الطعام.
وأيضاً الطعام وفق طريقته التي تتم هندستها من أجل تفريغ قطاع غزة من سكانه.
سلام المساعدات هذا عبارة عن تفريغ لكل فكرة الصراع وتحويله من صراع وطني إلى اقتتال حول الطعام وسبل توزيعه وآليات إدارته.
كان الأجدر بحماس ألا تخوض في هذا النقاش، وكان الأجدر بها أن تعرف أن غاية أي نقاش حول الحرب هو إنهاؤها وليس البحث في ترتيبات اليوم التالي.
مرة أخرى حماس تتخطى المطالب الوطنية ولا تتصرف إلا وفق مصلحة حزبية ضيقة خاصة بأجندتها كتنظيم مسؤول عن غزة فيما السؤال الوطني العام في مكان آخر.
لاحظوا كيف أن النقاش كله بات حول غزة، وكيف قادت سياسات حماس إلى فصل النضال في غزة عن مجمل النضال الوطني الفلسطيني.
لا أحد يطلب من أهل غزة أن يتحملوا وحدهم وزر القضية الفلسطينية ولكن لا أحد يقبل أن يكون ثمة صراع لأهل غزة منفصل عن النضال الوطني.
وماذا كانت النتيجة؟ صراع أهل غزة من أجل المساعدات، وفي أحسن الحالات من أجل انسحاب الجيش إلى شرق شارع صلاح الدين الذي لم يكن موجوداً فيه قبل السابع من أكتوبر.
وإذا كانت الأمور تقاس بالخواتيم فهذه هي خواتيم ما جرى. صار هم الناس هو أن تتوقف الحرب، وتدخل المساعدات حتى لو أشرف عليها الشيطان أفضل من أن يسرقها من يدعي الحفاظ عليها من باب «حاميها حراميها»، وأن يخرج الجيش ليس خارج غزة بل أن يعود إلى خطوط وقف إطلاق النار في كانون الثاني. هذا هو حالنا اليوم وهذا ما وصلنا إليه.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فلسطين الآن
منذ 6 ساعات
- فلسطين الآن
كمينٌ صعب في جباليا.. قتلى وجرحى بصفوف قوات الاحتلال
ترجمة خاصة - فلسطين الآن أفادت وسائل الإعلام العبرية، مساء اليوم الإثنين، بمقتل وإصابة عدد من جنود الاحتلال الإسرائيلي في كمين وصفته بـ"الصعب"، نفذته المقاومة الفلسطينية شرق جباليا، شمال قطاع غزة. وفي التفاصيل، نقل الصحفي الإسرائيلي دانيال عميرام أن مقاومين فلسطينيين أطلقوا قذيفة محلية من طراز "ياسين 105" على مبنى كان يتحصن فيه جنود إسرائيليون، ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى، كما أُطلقت قذيفة أخرى باتجاه مروحية إخلاء. من جانبه، ذكر موقع عبري، أن ثلاثة جنود قتلوا في "حدث جباليا"، مع ترجيحات بارتفاع العدد لاحقًا. وأضاف الموقع أن حركة حماس نجحت في إفشال عملية عسكرية واسعة للجيش في المنطقة، وأن قوات الاحتلال بدأت بالانسحاب من كامل موقع الحدث. وفي تطور ميداني آخر، أشار موقع عبري آخر إلى أن المسلحين استهدفوا عربة عسكرية من طراز "هامر" بصاروخ مضاد للدروع في جباليا، مؤكدًا أن "الحدث الصعب" لا يزال جاريًا، وسط مشاركة ثلاث مروحيات في عمليات إجلاء القتلى والمصابين. ولاحقا، أعلنت كتائب القسام أن مجاهديها يخوضون اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال من مسافة صفر، وأقعوا جنود العدو بين قتيل وجريح شرق مخيم جباليا شمال القطاع، مشيرة إلى أن الاشتباكات ما زالت مستمرة.


وكالة الصحافة الفلسطينية
منذ 9 ساعات
- وكالة الصحافة الفلسطينية
"القسام" تعلن استهداف دبابة وجرافة عسكرية إسرائيلية جنوبي خان يونس
غزة - صفا أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس" استهداف جرافة عسكرية إسرائيلية جنوب مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة. وقالت الكتائب في تصريح مقتضب وصل وكالة "صفا"، يوم الاثنين أن استهداف الجرافة تم بقذيفة "الياسين 105" يوم أول أمس السبت في منطقة قيزان النجار جنوبي خانيونس. وفي تصريح آخر أعلنت الكتائب استهداف دبابة إسرائيلية بعبوة "شواظ" وقذيفة "الياسين 105" يوم أمس الأحد في منطقة قيزان النجار جنوبي مدينة خانيونس. وتواصل القسام تصديها لآليات الاحتلال الإسرائيلي وجنوده المتوغلين في قطاع غزة ضمن معركة "طوفان الأقصى"، ومواجهة العدوان المستمر منذ أكثر من عام ونصف. ومنذ 18 آذار/مارس الماضي، استأنفت "إسرائيل" حرب الإبادة على غزة، متنصلة من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى مع حماس استمر 58 يومًا منذ 19 يناير/ كانون الثاني 2025، بوساطة قطر ومصر ودعم أمريكي. ويرتكب الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، خلفت أكثر من 175 ألف مواطن بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.


وكالة خبر
منذ 11 ساعات
- وكالة خبر
اتفاق جيّد أو سيّئ لن يمنع نتنياهو من المواصلة
كلما ظهر بصيص أمل بشأن اتفاق ما، لا يلبث أن يبتعد، فبعد أن وافقت دولة الاحتلال، من دون إعلان رسمي على ورقة الإطار التي ترجمتها من العبرية إلى الإنكليزية، ولحق ذلك إعلان حركة «حماس» الموافقة، جاء الموقفان الأميركي والإسرائيلي بلغة متطابقة، ليعلنا مع تهديد واضح عدم قبول ردّ «حماس». يبدو أن «حماس» وافقت على ورقة ستيف ويتكوف الأولى كأساس، بينما يتحدث الطرفان الأميركي والإسرائيلي عن ورقة جديدة معدّلة تضمن كل شروط دولة الاحتلال، ولا تتيح مجالاً لاستيعاب الحدّ الأدنى من رؤية «حماس». يبدو من ذلك، أن ويتكوف يحاول استثمار الضغط الشديد الذي تمارسه دولة الاحتلال على الصعيدَين العسكري والإنساني، إلى الحدّ الذي يعتقد معه أن «حماس» قاب قوسين أو أدنى من رفع راية الاستسلام. دونالد ترامب يبدو مستعجلاً الوصول إلى تهدئة ما في الشرق الأوسط، بعد أن فقد مصداقيته إزاء إمكانية إحلال السلام في أوكرانيا، وحتى في قطاع غزة، بعد مضيّ أكثر من 4 أشهر على دخوله البيت الأبيض في 20 كانون الثاني المنصرم. الإدارة الأميركية تؤكّد عادتها في ضمان دعم وحماية الدولة العبرية رغم كل ما يقال عن ضيق صدر ترامب من سياسة نتنياهو وائتلافه الفاشي الحكومي. المشكلة في اتفاق الإطار الذي قدمه ويتكوف مؤخراً ويجري السجال بشأنه، يترك للغموض، ومفاوضات لاحقة، بعض القضايا المفصلية، منها موضوع وقف الحرب العدوانية، والانسحاب الإسرائيلي وموضوع تدفق المساعدات الإنسانية. يتحدث ويتكوف عن أن مفاوضات جدّية ستبدأ بعد أن توافق «حماس» على اتفاق الإطار الذي قدمه، وذلك لبحث القضايا الأساسية التي تغفلها ورقة الإطار. ثمة قضيتان مهمتان في هذا الصدد: الأولى، هي أن الحد الأدنى من الثقة بين الفلسطينيين والشريكَين الأميركي والإسرائيلي غير متوفرة، ومن غير الممكن أن تتوفر. الولايات المتحدة ليست وسيطاً، وإنما هي طرف يحمل الموقف الإسرائيلي بحذافيره، ويتفق معه على أن الهدف الأساسي هو الإفراج عن الرهائن من دون أي أفق سياسي. الثانية، تتمثل في غياب الضمانات الأكيدة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه حتى بالشروط الإسرائيلية. ثمة سابقة قريبة تتصل بتجاوز نتنياهو الضمانة الأميركية بشأن الاتفاق السابق، استمراراً لنهج أميركي بشأن كل ما يتعلق بالشعب الفلسطيني وحقوقه. أما الوسطاء العرب، فلا حول لهم ولا قوة إزاء إمكانية توفير مثل هذه الضمانات، ولو كان العرب عموماً جادين في وقف الحرب الدموية على القطاع، لكانوا فعلوا ذلك منذ كثير من الوقت. الإرادة العربية مفقودة، بينما يملكون من الأوراق ما يكفي لممارسة ضغط فعّال على الإدارة الأميركية، وحتى على دولة الاحتلال مباشرة. أوروبا، بدأت تتحرك، وبعض دولها «الوازنة» تتجه لتجاوز المواقف النظرية نحو اتخاذ إجراءات وعقوبات، الأمر الذي يفترض منطقياً أن يشكّل دافعاً للعرب الذين لم يتخذوا حتى الآن أي إجراء عملي يتجاوز سياسة الشجب والمطالبة والاستنكار. حين نحاول قراءة المشهد من موقف مرتفع، بعيداً عن العواطف، فإن الطرف الفلسطيني يبدو في موقف صعب وخطير للغاية. دولة الاحتلال تحتل 75% من أراضي القطاع، وتحشر الناس في منطقة محدودة غير آمنة. ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي سياسة الأرض المحروقة، ويستهدف كل منظومات الحياة الصحية والبيئية والزراعية والإغاثية. القتل بالجملة مستمر، حيث يسقط كل يوم العشرات من الشهداء الأطفال والنساء والمدنيين عدا عشرات الجرحى، الذين لا يجدون الحدّ الأدنى من إمكانية مداواة جراحهم. في قطاع غزة المحاصر يعاني الناس من مجاعة حقيقية، حيث لا يجدون شيئاً سوى أوراق الشجر إن وجدت، وإلّا فإن عليهم أن يتغذوا من أمعائهم الخاوية. الإحصائيات حول القتلى جرّاء الجوع ليست حقيقية، والأرجح أن من يقضي بسبب الجوع يدفن في أقرب مكان، دون أن يذهب إلى المستشفيات. وفي الميدان، لا يمكن المكابرة بشأن قدرات المقاومة البشرية والتسليحية، وحتى توفّر الاحتياجات الضرورية للاستمرار في الحياة، أسوة ببقية البشر الذين يصارعون الموت جوعاً. والمقاومة، أيضاً، لا تزال معزولة عربياً وإسلامياً، إلّا من رحم ربّي، حيث لم يبق إلى جانبها فاعل سوى جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) في اليمن، بينما نجحت الولايات المتحدة في عزل وتجميد الجبهات الأخرى. هذا إذا كنّا سنتجاهل أن بعض العرب يتمنون القضاء المبرم على من يعتبرونهم «إخوان مسلمون» يشكلون عنصر خطر على أنظمتهم. هذا الوضع، الذي لا يحسد عليه الطرف الفلسطيني، يدعو الكثير من الناس في القطاع لأن يطالبوا المقاومة بالموافقة على ورقة ويتكوف رغم اعترافهم بأنه اتفاق سيّئ. وبالنظر لرؤية شاملة، فإن هذا المنطق يبدو طبيعياً، ولا يمكن التشكيك فيمن يعلن قبوله. ولكن هل يكفي ذلك لاتخاذ موقف؟ في الحقيقة، إنه إذا كان الطرف الفلسطيني محشوراً في خيارات صعبة وخطيرة، فإن دولة الاحتلال هي الأخرى تعاني جرّاء استمرار حربها الإجرامية على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة. ثمة تنامٍ في تحركات الرأي العام العالمي، بما في ذلك في أميركا، لصالح القضية الفلسطينية، ووقف الحرب، وإدانة ومحاسبة مرتكبي وجناة الجرائم بحق الإنسانية والقانون الإنساني الدولي. الأمر تجاوز التظاهرات الاحتجاجية والتصريحات إلى التأثير في سياسات ومواقف الحكومات، بما في ذلك الأقرب إلى دولة الاحتلال مثل بريطانيا وألمانيا. ثمة حراك سياسي دبلوماسي دولي، خلال هذا الشهر، على مستوى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، نحو اتخاذ قرارات بوقف الحرب وتدفق المساعدات الإنسانية، وثمة مؤتمر دولي قادم بمبادرة فرنسية سعودية لبحث واتخاذ إجراءات تتصل بثمانية ملفات، تتعلق بالقضية الفلسطينية مع تزايد الاستعداد للاعتراف بالدولة الفلسطينية. هذا عدا ما تعانيه حكومة نتنياهو من ضغوط داخلية شعبية واقتصادية وأمنية جعلت كيانه دولة منبوذة فعلاً. إن كان كل هذا مقروءاً من قبل المقاومة في عملية عضّ الأصابع، فإنني أميل وأنصح نحو أن تختار الموقف الذي ينقذ أهل غزّة من الجوع؛ فمهما كان أي اتفاق، إن كان مقبولاً أو مرفوضاً، فإن المحصّلة هي أن نتنياهو سيواصل فعل كل ما يريد، فإن كان التاريخ لا يشهد على ذلك، فإن ما يجري على جبهة لبنان أقرب دليل.