
دول الجنوب وعالم غربي يتفكك
دول الجنوب وعالم غربي يتفكك
يميل المحللون في بعض الأحيان إلى المبالغة في تفسير الحقائق التي يعلّقون عليها من أجل جذب انتباه الجمهور. فكم من مرة سمعنا أننا شهدنا للتو ثورة استراتيجية، وأنه لن يعود شيء كما كان من قبل؟والحال أنه على الرغم من أن المشهد الدولي يتغير كل يوم، فإنه نادراً ما يشهد ثورات بنيوية تؤدي إلى تغيير في النظام الدولي. فعندما يتولى رؤساء دول أو حكومات جدد مناصبهم، فإنهم قد يحدثون تغييراً في توجهات السياسة الخارجية لبلد ما، من دون أن يحدثوا تغييراً جذرياً فيها، ذلك أن السياسات الخارجية مثلها كمثل ناقلات النفط الكبيرة التي لا يمكن تغيير مسارها فجأة. والعوامل الجغرافية والتاريخية والاقتصادية وغيرها من العوامل تتفوق بشكل عام على عوامل التغيير.
ونتيجة لذلك، فإن نصيب الاستمرارية دائماً ما يكون أكثر أهمية من نصيب الجِدة أو الحداثة. غير أنه مع عودة دونالد ترامب إلى السلطة، يمكن القول إننا نشهد حقاً نهاية عالم وانبثاق عالم آخر جديد مفاجئ.
والواقع أنه من منظور إنساني، تُعد الثورات الاستراتيجية بهذا الحجم نادرة الحدوث. وهنا تمكن الإشارة إلى البيريسترويكا كمثال. فعندما جاء ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة في الاتحاد السوفييتي وأراد تغيير النظام الشيوعي وتجديده والخروج من المواجهة مع الغرب، فشل في تحديث الاتحاد السوفييتي، ثم انهار هذا الأخير من الداخل، معلناً نهاية العالم ثنائي القطبية الذي طبع العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وعندما تولى «دنغ شياو بينغ» السلطة في بكين ووضع حداً للاكتفاء الذاتي «الماوي»، وفتح بلاده على العولمة، غيّر الصين تماماً، وبالنظر إلى أهمية هذا البلد غيّر العالم أيضاً، فلم تعد الصين ذاك البلد الفقير والريفي والمنغلق على نفسه كما كانت في السابق، وإنما بلداً قوياً في قلب العولمة بكل جوانبها. وتحت قيادته، أصبحت الصين لاعباً عالمياً ينافس القوة الأميركية ومرشحة للمرتبة الأولى في العالم.
اختفاء العالم ثنائي القطبية ترافق مع ظهور دول الجنوب، التي كان يُشار إليها في السابق بالعالم الثالث، والتي بات يشار إليها الآن باسم «الجنوب العالمي». وهذا الظهور وضع حداً لاحتكار القوة الذي مارسه العالم الغربي على مدى خمسة قرون، ذلك أن الغرب لم يفقد قوته وإنما فقد احتكاره للقوة.
ميخائيل غورباتشوف احتاج لعدة سنوات من أجل تغيير الاتحاد السوفييتي، والصين تغيرت في ثلاثة عقود، وإنهاء احتكار العالم الغربي للقوة استغرق عدة عقود أيضاً. وبالمقابل، لم يحتج دونالد ترامب سوى لأسابيع قليلة لإحداث ثورة في النظام الدولي. وفي السابق، كان هناك انقسام بين الغرب وروسيا منذ الحرب الأوكرانية، وانقسام آخر بين الغرب ودول الجنوب، وانقسام ثالث بين الصين والولايات المتحدة. ولكن العالم الغربي مات. فالغرب، الذي كان كتلة حضارية متماسكة تحت القيادة الأميركية، لم يعد له وجود. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان أمن الدول الأوروبية يعتمد على حماية واشنطن لها من موسكو، ولكن دونالد ترامب أعلن أن حلف «الناتو» لم يعد معاهدة إلزامية وأنشأ محوراً بين واشنطن وموسكو، على مرأى ومسمع من الأوروبيين.
كما أنه لا يتوانى عن مهاجمة جميع المؤسسات متعددة الأطراف، التي تم إنشاؤها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وخاصة من قبل واشنطن. فالغرب، الذي كان يشكل كتلة موحدة إزاء الجنوب العالمي، بات الآن منقسماً بين الأوروبيين (والكنديين) والولايات المتحدة.
ولهذا، يتعين على الدول الأوروبية أن تعيد النظر في استراتيجيتها، على غرار جميع حلفاء واشنطن، ذلك أنهم باتوا يدركون الآن أنه لم يعد بإمكانهم اعتبار حماية الولايات المتحدة شيئاً من المسلّمات. وهذا تحول كبير في موازين القوى الدولية يؤثر في الحلفاء الأوروبيين.غير أنه بالنسبة للأوروبيين، تُعد القطيعة أكثر دراماتيكية بكل تأكيد. فعلاوة على الجوانب الأمنية، كان العالم الغربي يفرض نفسه ككتلة هوياتية قائمة على القيم المشتركة. ولكن الوضع لم يعد كذلك الآن، إذ ذهب الرئيس الأميركي إلى حد القول إن الاتحاد الأوروبي عدو تم إنشاؤه «للنيل من» الولايات المتحدة. إنه طلاق سريع، أو بالأحرى تطليق. والأوروبيون حائرون وتائهون وخاصة لأنهم كانوا يعتقدون أنهم كانوا دائماً يوفون بالتزاماتهم كحلفاء مخلصين، بل مطيعين.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ 2 ساعات
- العين الإخبارية
ترامب يدفع بأزمة «هارفرد» إلى الأمام.. «عليهم الكف عن طلب المال»
دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جامعة هارفرد إلى الكف عن طلب المال، مدافعاً عن موقفه في الأزمة ودافعاً لها خطوة إلى الأمام. وكان ترامب قد قرر منع الطلاب الأجانب من التسجيل في جامعة هارفرد، في إجراء وصفته الجامعة المرموقة بأنه غير دستوري وعلّقت قاضية تنفيذه. وأثار القرار مخاوف من النيل من استقلال الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية. وقال ترامب اليوم الأحد على منصته "تروث سوشال": "لمَ لا تقول جامعة هارفرد إن نحو 31% من طلابها يأتون من دول أجنبية، فيما هذه الدول، وبعضها ليس صديقاً للولايات المتحدة على الإطلاق، لا تدفع شيئاً مقابل تعليم طلابها، ولا تنوي أن تفعل ذلك؟". وأضاف: "نريد أن نعرف من هم هؤلاء الطلاب الدوليون، وهو طلب معقول بما أننا نعطي هارفرد مليارات الدولارات، لكن هارفرد ليست شفافة تماماً"، داعياً الجامعة إلى "الكف عن طلب" المال من الحكومة الفدرالية. وأعلنت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، الخميس الماضي، إبطال الترخيص الممنوح لبرنامج الطلاب وتبادل الزوار الأجانب في جامعة هارفرد. لكنّ القاضية أليسون باروز في ماساتشوستس علّقت القرار، الجمعة، بعدما رفعت الجامعة دعوى قضائية ضده في وقت مبكر من صباح اليوم نفسه. ولا يُخفي ترامب غضبه إزاء جامعة هارفرد التي تخرج منها 162 من حائزي جائزة نوبل، وذلك لرفضها طلبه الخضوع للرقابة على القبول والتوظيف بعدما اتهمها بأنها معقل لمعاداة السامية و"أيديولوجيا اليقظة". وكانت الحكومة الأمريكية قد ألغت منحاً مخصصة للجامعة بقيمة أكثر من ملياري دولار، ما أدى إلى توقف بعض برامج البحوث. وبحسب موقعها الإلكتروني، تستقبل جامعة هارفرد، المصنفة بين أفضل الجامعات في العالم، نحو 6700 "طالب دولي" هذا العام، أو 27% من عدد الطلاب الإجمالي. وتفرض على طلابها عشرات الآلاف من الدولارات سنوياً كرسوم دراسية. aXA6IDgyLjIzLjIzMi4xNjkg جزيرة ام اند امز GB


الاتحاد
منذ 2 ساعات
- الاتحاد
ترامب يدافع عن قرار منع "هارفارد" من تسجيل طلاب أجانب
دافع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اليوم الأحد، عن قرار إدارته منع الطلاب الأجانب من التسجل في جامعة هارفارد، في إجراء علّقت قاضية تنفيذه. وقال ترامب، على منصته "تروث سوشال": "لم لا تقول جامعة هارفارد إن نحو 31% من طلابها يأتون من دول أجنبية، فيما هذه الدول، وبعضها ليس صديقا للولايات المتحدة على الإطلاق، لا تدفع شيئا مقابل تعليم طلابها، ولا تنوي أن تفعل ذلك". وأضاف "نريد أن نعرف من هم هؤلاء الطلاب الدوليون، وهو طلب معقول بما أننا نعطي هارفارد مليارات الدولارات، لكن هارفارد ليست شفافة تماما"، داعيا الجامعة إلى "الكف عن طلب" المال من الحكومة الفدرالية. وأعلنت كريستي نويم وزيرة الأمن الداخلي الأميركية، الخميس، إبطال الترخيص الممنوح لبرنامج الطلاب وتبادل الزوار الأجانب في جامعة هارفارد. لكنّ القاضية أليسون باروز في ماساتشوستس علّقت القرار، الجمعة، بعدما رفعت الجامعة دعوى قضائية ضده في وقت مبكر من صباح اليوم نفسه. ولا يخفي ترامب غضبه إزاء جامعة هارفارد التي تخرج منها 162 من حائزي جائزة نوبل، وذلك لرفضها طلبه الخضوع للرقابة على القبول والتوظيف. وكانت الحكومة الأميركية ألغت منحا مخصصة للجامعة بقيمة أكثر من ملياري دولار أميركي، ما أدى إلى توقف بعض برامج البحوث. وبحسب موقعها الإلكتروني، تستقبل جامعة هارفرد المصنفة بين أفضل الجامعات في العالم، حوالى 6700 "طالب دولي" هذا العام، أو 27% من عدد الطلاب الإجمالي. وتفرض على طلابها عشرات الآلاف من الدولارات سنويا كرسوم دراسية.


البوابة
منذ 6 ساعات
- البوابة
الرئيس الروسي يهنئ الدول الإفريقبة بمناسبة "يوم إفريقيا"
هنا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدول الإفريقية بمناسبة الاحتفال"بيوم افريقيا". وقال في رسالته التي وزعتها سفارة روسيا بالقاهرة اليوم:"شهد هذا العام التواريخ التذكارية وهي ذكرى مرور 80 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة وكذلك ذكرى مرور 65 عاما على اعتماد اعلان الأمم المتحدة الخاص بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة. وأضاف أن الدول الإفريقية المستقلة اصبحت علي مدار العقود الماضية، الأعضاء النافذين للمجتمع العالمي وحققت الإنجازات المعترف بها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية مشيرا، إلى المشاركة المتعددة الأطراف القائمة في إطار الاتحاد الافريقي والهياكل دون الإقليمية التي تسهم في تعزيز الامن والاستقرار في القارة. وأوضح أن موسكو تدعو دائما إلى توسيع علاقات الصداقة التقليدية مع الشركاء الافريقيين وما يدل على ذلك بشكل كامل قمتي "روسيا-أفريقيا" تم عقدهما في عامي 2019 و2023 واللتين سمحتا لتحديد اتجاهات التعاون الجديدة وأسهمتا في تنسيق الجهود في الشئون الدولية. وذكر بأن المؤتمر الوزاري لمنتدي الشراكة الروسي الافريقي منح عائدا جيدا صيغة الحوار الجديدة ومن المزمع اجراء هذا الاجتماع المقبل في أحد البلدان الافريقية حتى نهاية العام. وأعرب عن ثقته بان بالجهود المشتركة سنضمن مواصلة تعزيز الروابط الروسية الافريقية متعددة الأوجه وذلك لصالح شعوبنا ومن أجل إقامة النظام العالمي متعدد الأقطاب ذي العدالة والديمقراطية.