
قفزة بيتكوين تنعش جدل العملات المشفّرة... ما دور الخليج في المشهد المالي الجديد؟
عملة بيتكوين
إلى مستوى قياسي متجاوزاً 122 ألف دولار خلال تداولات الاثنين، وفقاً لمؤسّسة "كوين ميتريكس"، وسط موجة متجددة من التفاؤل تدفع العملات المشفرة إلى واجهة النقاشات الاقتصادية والسياسية حول العالم. هذا الارتفاع تزامن مع ما وصفته وسائل إعلام أميركية بـ"أسبوع العملات المشفّرة"، إذ يستعد مجلس النواب الأميركي لمناقشة مشروع قانون يُعرف باسم "قانون جينيوس"، يسمح للبنوك التجارية بإصدار عملات مستقرة (stablecoins) بشرط ربطها بأصول تقليدية مثل الدولار.
منذ بداية العام، ارتفعت بيتكوين بأكثر من 31%، بدعم من سياسات إدارة ترامب الرامية إلى دمج الأصول الرقمية ضمن أدوات الاقتصاد الوطني، بما في ذلك أوامر تنفيذية، بعضها لا يزال قيد المناقشة لتخزين بيتكوين كأصل سيادي، ومنع إصدار عملة رقمية للبنك المركزي الأميركي (CBDC). وكانت تحليلات الأسواق منذ الربيع تشير إلى أن العملات المشفرة على أعتاب موجة صعود جديدة. ففي 25 مارس/آذار 2025، نشرت وكالة بلومبيرغ تقريراً توقّعت فيه دخول السوق دورة صعود مدفوعة بتحولات سياسية وازدياد الاهتمام المؤسّسي والبحث عن أدوات تحوّط ضد
التضخم
. وفي 14 إبريل/نيسان، أكّد موقع "كوين ديسك" أن أداء
بيتكوين
أظهر "قدرة على الصمود بارتفاع قدره 5%" رغم اضطراب الأسواق التقليدية، معتبراً أنها تكتسب مجدداً وظيفة "حفظ القيمة" وسط تصاعد المخاطر الاقتصادية.
ومع تجاوز بيتكوين حاجز 122 ألف دولار، تبدو تلك التوقعات قد تحققت بوضوح، ما يعزّز قراءة المؤسسات المالية بأن هذا الصعود ليس مؤقتاً، بل يعكس تحولاً هيكلياً في مكانة العملات المشفّرة داخل
النظام المالي
العالمي.
الغرب متردّد والخليج يتحرك: سباق العملات المشفّرة يتسارع
وبينما تُتابع الأسواق البريطانية بقلق تداعيات هذه التحولات في السياسة الأميركية تجاه العملات المشفّرة، فإن مناطق أخرى وعلى رأسها منطقة الخليج، كانت قد شرعت منذ أشهر بخطوات متقدمة لترسيخ حضورها في الاقتصاد الرقمي العالمي، خطواتٌ تزداد راهنيتها مع الارتفاع التاريخي الأخير لعملة بيتكوين. وتكتسب هذه التطورات أهمية مضاعفة في ظل تدفق استثمارات خاصة وعامة من منطقة الخليج نحو الأصول المشفّرة، ما يجعل من متابعة هذا التحوّل ضرورة لفهم الاتجاهات المالية العالمية وتأثيرها على لندن وسائر العواصم الاقتصادية.
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
شهية المخاطرة ترفع قيمة بيتكوين لمستويات تاريخية
وعلى الرغم من تحفظ بعض دول الخليج، إلّا أن عدداً منها يتجه بخطى واثقة نحو إنشاء بنية مالية رقمية مستقلة. ووفقاً لتقرير نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في 21 مايو/أيار 2025، فإن الإمارات والسعودية على وجه الخصوص ترى في الأصول الرقمية أداة استراتيجية لإعادة تعريف مكانتها المالية بعيداً عن هيمنة الدولار الأميركي. ففي عام 2019، أطلق كل من مصرف الإمارات المركزي ومؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) مشروعاً مشتركاً باسم "عابر" (Project Aber)، لاختبار إصدار عملة رقمية للبنك المركزي تُستخدم في تسويات المدفوعات عبر الحدود. وقد نُشرت نتائج المشروع رسمياً عام 2020، مؤكدة جدوى الاستخدام التقني.
وفي تطور لاحق، انضمت الإمارات إلى مشروع "مبرج " (mBridge)، وهو برنامج تجريبي بالتعاون مع الصين وتايلاند، تحت إشراف بنك التسويات الدولية (BIS)، لتطوير منصة دفع قائمة على تقنية البلوك تشين بين البنوك المركزية. وقد التحقت السعودية بالمشروع عام 2024، بحسب ما أكّدته تقارير رسمية نُشرت على موقع بنك التسويات الدولية، بالإضافة إلى ما أوردته وكالة "رويترز" في الخامس من يونيو من العام نفسه، ما يعكس انخراطاً أعمق في أنظمة التسوية المالية غير التقليدية. ومن جهتها، صادقت الإمارات مؤخراً على أول عملة مستقرة مرخصة رسمياً تُعرف باسم AE Coin، بحسب ما أوردته وكالة "رويترز" وصحيفة "ذا ناشيونال" في تقارير نُشرت أواخر إبريل/نيسان 2025، وتُعدّ هذه العملة جزءاً من جهود تحويل البلاد إلى مركز إقليمي للأصول الرقمية. وقد صدرت العملة عن بنك أبو ظبي الأول بالتعاون مع صناديق سيادية إماراتية، وحصلت على ترخيص مباشر من المصرف المركزي الإماراتي.
وفي حين يرى البعض أن العملات المستقرة تتيح استقلالاً رقمياً أوسع، يشير تقرير كارنيغي إلى أنها قد تُعزز في الواقع من "قوة الدولار الرقمية"، إذ تتيح إجراء معاملات بالدولار عبر شبكات لا مركزية دون المرور بالنظام البنكي الأميركي، ما يُضعف قدرة واشنطن على فرض رقابة مالية، لكنه يُبقي على مركزية الدولار بوصفه عملة تسوية. ويبدو أن هذا التوجّه يجد اهتماماً متزايداً لدى الشباب الخليجي خاصة في السعودية، إذ يشكّل الشباب نحو 63% من السكان. وهو ما جعل المملكة ثاني أسرع سوق نمواً في العملات المشفرة في منطقة الخليج العربي، رغم الحذر التنظيمي.
نمو سوق العملات المشفرة في الخليج
هذا ويُظهر تقرير مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أيضاً، أن القيمة السوقية للعملات الرقمية في دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال ناشئة مقارنةً بالأسواق الغربية، لكنّها تسجّل معدلات نمو قوية، ما يجعلها من أكثر الأسواق الواعدة في هذا المجال. وبحسب التقرير، بلغ حجم السوق نحو 744.3 مليون دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 791.8 مليون دولار بنهاية عام 2025، بمعدل نمو سنوي مركب يُقدّر بـ 16.75% للفترة بين 2025 و2033.
أسواق
التحديثات الحية
بيتكوين تتجاوز 120 ألف دولار لأول مرة في تاريخها
ويُتوقع أن يبلغ معدل انتشار المستخدمين في الخليج نحو 19.32% خلال عام 2025، بينما تستمر الولايات المتحدة في تصدّر السوق العالمية من حيث الإيرادات، التي قد تصل إلى 9.4 مليارات دولار. ويُفسَّر هذا النمو المتسارع في الخليج بدخول فئات جديدة من الشباب والمستثمرين الأفراد، إلى جانب الانفتاح المؤسسي التدريجي في بعض الدول.
في المقابل، أبدت المؤسّسات المالية في المملكة المتحدة حذراً واضحاً. وقال محافظ بنك إنكلترا، أندرو بيلي، حسب صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، إنه "يفضّل ألّا تصدر البنوك التجارية عملات مستقرة خاصة بها"، وحذّر أن توسّع هذا النوع من الأصول الذي تجاوزت قيمته السوقية 200 مليار دولار، قد يهدّد استقرار النظام المالي العالمي. وقد تراجع الجنيه الإسترليني أمام الدولار، بالتزامن مع ارتفاع أسعار الذهب وارتفاع مؤشرَي فوتسي 100 وفوتسي 250، في مؤشر على تحوّط المستثمرين وميلهم نحو الأصول البديلة.
وفي حين تواصل الولايات المتحدة مساعيها لقيادة مشهد العملات المشفّرة، وتتحرك بريطانيا بحذر، يظهر أن منطقة الخليج تتّجه إلى بناء بنية رقمية مالية هجينة: تسعى فيها إلى تحديث أنظمتها المالية وتنويع شراكاتها العالمية واستثمار اللحظة الجيوسياسية الحالية لصياغة حضور رقمي سيادي. وبهذا التوجّه، لا تسعى دول الخليج لمجرد مواكبة التحوّلات المالية العالمية، بل تتحرك بثبات نحو بناء منظومة مالية رقمية ذات طابع سيادي، عبر أدوات تجريبية ومشاريع تسوية غير تقليدية. وفي المقابل، تبدو المملكة المتحدة كأنها تتهيّأ لهذه المرحلة بتحفّظ، من داخل المنظومة التنظيمية القائمة. وتُسلّط قفزة بيتكوين الأخيرة الضوء على هذا التباين بين من يختبر واقعاً مالياً جديداً، ومن يراقبه من خلف الجدران المؤسّسية التقليدية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
العجز المالي المتصاعد يدفع المليارات نحو الائتمان
تشهد سوق السندات تحولًا لافتًا في توجهات المستثمرين، مع بدء سحب مليارات الدولارات من السندات الحكومية الأميركية وتحويلها نحو ديون الشركات ذات التصنيف العالي في الولايات المتحدة وأوروبا. ويأتي هذا التحول في وقت تتزايد فيه الضغوط على المالية العامة الأميركية بفعل تصاعد العجز وارتفاع تكاليف الفائدة، ما يثير تساؤلات حول مستقبل ما كان يُعد لعقود من المسلمات في الأسواق المالية: أن ديون الحكومة الأميركية هي الاستثمار الأكثر أمانًا. يبدي المستثمرون مؤشرات على سحب أموالهم من السندات الحكومية وتحويلها إلى ديون الشركات الأميركية والأوروبية، في تحوّل قد يُعيد صياغة واحدة من "أقدم المسلّمات" في الأسواق المالية. ومع تفاقم العجز المالي في الولايات المتحدة نتيجة خفض الضرائب وارتفاع تكاليف الفائدة، قد تجد الحكومة نفسها مضطرة إلى الاستدانة بشكل متزايد، ما يجعل ديون الشركات خيارًا يبدو أكثر أمانًا في نظر بعض مديري الأموال، بحسب تقرير نشرته "بلومبيرغ". وفي يونيو/ حزيران الماضي، سحب مديرو الأموال 3.9 مليارات دولار من سندات الخزانة، وأضافوا نحو 10 مليارات دولار إلى ديون الشركات الأميركية والأوروبية من الدرجة الاستثمارية، وفقًا لبيانات شركة EPFR Global. وفي يوليو/ تموز، ضخ المستثمرون 13 مليار دولار إضافية في سندات الشركات الأميركية عالية الجودة، في أعلى مشتريات صافية منذ بدء تسجيل البيانات عام 2015، وفق مذكرة صادرة عن استراتيجيي بنك "باركليز" يوم الجمعة. اقتصاد دولي التحديثات الحية تحرّك عاجل من البنك المركزي الصيني لوقف نزيف سوق السندات وبحسب "بلومبيرغ"، بدأ ميكائيل نيزار، مدير المحافظ في شركة Edmond de Rothschild Asset Management، في التحول من السندات الحكومية إلى سندات الشركات منذ نهاية العام الماضي، ولا يزال متمسكًا بهذا التوجه. كما كتب استراتيجيون في شركة BlackRock Inc، في مذكرة الأسبوع الماضي: "لقد أصبحت السندات الائتمانية خيارًا واضحًا للجودة". ورغم أن هذه التحولات لا تزال بطيئة نسبيًا، إلا أنها تعكس تغيرًا تدريجيًا في مراكز الثقة. فالولايات المتحدة لا تمتلك ديونًا بعملة أجنبية، ويمكنها طباعة الدولارات عند الحاجة، وهو ما أبقى على جاذبية سندات الخزانة في أوقات الأزمات. فعندما سادت المخاوف من الحروب التجارية في إبريل/ نيسان، كانت سندات الخزانة الأميركية لا تزال تتفوق أداءً على سندات الشركات، رغم تراجع القطاعين معًا. كما استمر الطلب الأجنبي على سندات الخزانة في الارتفاع، مع تسجيل زيادة في الحيازات خلال مايو/ أيار. ومع ذلك، فإن تقلص الفوارق بين عوائد سندات الشركات ونظيرتها الحكومية خلال الأشهر الأخيرة قد يعكس ضعفًا نسبيًا في الثقة بالديون السيادية الأميركية. وفقدت الحكومة الأميركية آخر تصنيف ائتماني من الدرجة الممتازة في مايو/ أيار، عندما خفضت وكالة Moody's Ratings تصنيفها إلى "Aa1"، مشيرة إلى تفاقم العجز وارتفاع عبء الفوائد، وتوقعت أن تمثل مدفوعات الفائدة نحو 30% من الإيرادات بحلول عام 2035، مقارنة بـ18% في 2024، و9% في 2021. وتُقدّر خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لخفض الضرائب بأنها قد تضيف نحو 3.4 تريليونات دولار إلى العجز الأميركي خلال العقد المقبل، بحسب تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس الأميركي (غير الحزبي). في المقابل، لا تزال أرباح الشركات قوية نسبيًا، رغم بعض المؤشرات التحذيرية. وتُظهر البيانات أن الشركات عالية التصنيف قادرة حاليًا على توليد أرباح كافية لتغطية فوائد ديونها بسهولة، كما أن عدد الشركات التي تجاوزت توقعات الأرباح في هذا الموسم يفوق ما سُجّل في الفترة نفسها من العام الماضي. وتعكس التقييمات المرتفعة لديون الشركات الطلب المتزايد عليها. وبلغ متوسط الفارق بين العوائد على سندات الشركات الأميركية عالية الجودة وسندات الخزانة أقل من 80 نقطة أساس (0.8 نقطة مئوية) في يوليو حتى يوم الخميس، مقارنة بمتوسط قدره نحو 120 نقطة أساس خلال العقد الماضي، وفقًا لبيانات مؤشر "بلومبيرغ". أما بالنسبة لسندات الشركات الأوروبية عالية الجودة المقومة باليورو، فقد بلغ متوسط الفارق نحو 85 نقطة أساس في يوليو/تموز، مقابل 123 نقطة في المتوسط خلال العقد. وبالنسبة لبعض مديري الأموال، تثير هذه التقييمات المرتفعة قلقًا بشأن الجدوى الاستثمارية، فقد خفّض جيرشون ديستنفلد، مدير صندوق في شركة "Alliance Bernstein Holding LP"، مؤخرًا، انكشافه على سندات الشركات لصالح السندات الحكومية. وتتفق معه دومينيك براوينينغر، مديرة صندوق متعدد الأصول في شركة Schroders Investment Management Ltd، التي ترى أن ضيق الفوارق بين العوائد لا يجعل من سندات الشركات خيارًا مغريًا. أسواق التحديثات الحية تراجع إصدارات آسيا وأوروبا من السندات بالدولار وفي حين تبقى BlackRock متفائلة بشكل عام حيال ديون الشركات، إلا أنها قلّلت من حيازاتها في السندات طويلة الأجل عالية الجودة بسبب ضيق الفوارق، وزادت في المقابل انكشافها على السندات قصيرة الأجل. ومع ذلك، يرى عدد من المحللين أن موازين السوق آخذة في التغير. وتعكس هذه التحركات في سوق السندات بداية تحوّل محتمل في ملامح الاستثمار الآمن، حيث لم تعد ديون الحكومات، وعلى رأسها الأميركية، محصنة من التشكيك. فمع تصاعد العجز وتراجع التصنيفات الائتمانية، قد يجد المستثمرون أنفسهم مضطرين لإعادة تقييم مفاهيم الاستقرار المالي. وبينما لا تزال ديون الشركات تحمل مخاطرها الخاصة، إلا أن قوتها التشغيلية وقدرتها على توليد الأرباح تمنحها ميزة نسبية في بيئة مالية مضطربة. ومع استمرار هذا التوجه، قد نشهد مستقبلاً إعادة رسم لمعادلة "الملاذات الآمنة" التي حكمت الأسواق لعقود.


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
"أسبوع السايبر 2025" حلقة جديدة في مسلسل التطبيع بين الإمارات وإسرائيل
في حلقة جديدة من حلقات التطبيع الاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل، تعود هذا الشهر فعالية "أسبوع السايبر 2025" إلى جامعة تل أبيب بوصفها إحدى أبرز التظاهرات الدولية في مجال الأمن السيبراني، وسط مشاركة واسعة من جهات وشركات إماراتية، ما يسلّط الضوء على جدوى هذا التطبيع للدولة الخليجية من الناحية الاقتصادية. وتكشف التفاصيل المنشورة على موقع الملحقية التجارية الإسرائيلية في الإمارات عن ملامح هذا التعاون المتنامي، إذ تُفيد بأن الفعالية، التي نُظّمت في الفترة من 23 إلى 26 حزيران/يونيو الماضي، شهدت حضور آلاف الخبراء من عشرات الدول، إلى جانب مبادرات ومشاريع سيبرانية مشتركة بين أبوظبي وتل أبيب، مثل منصة "كريستال بول" التي طُرحت لأول مرة خلال نسخة سابقة من الحدث. وكانت المصادقة على اتفاق اقتصادي استراتيجي بين إسرائيل والإمارات (CEPA)، الذي دخل حيز التنفيذ في 15 إبريل/نيسان الجاري، قد قدمت برهانًا عمليًا على تحول جوهري في العلاقات بين البلدين وفق محللين، وسلّطت الضوء على جدواها بالنسبة إلى الدول العربية التي تسعى إلى الانخراط في المسار نفسه بعد توقيعها اتفاقيات تطبيع مع دولة الاحتلال. وتستثني الاتفاقية، التي تُعدّ الأولى من نوعها بين إسرائيل ودولة عربية، 96% من السلع من الرسوم الجمركية فورًا أو تدريجيًا، ما اعتبرته تحليلات غربية مؤشرًا على مصالح اقتصادية حقيقية ستجنيها الإمارات، ومنها تقدير أورده موقع "غلف بيزنس" والموقع الرسمي لوزارة الاقتصاد الإماراتية. فالاتفاقية تهدف إلى رفع حجم التبادل التجاري غير النفطي إلى 10 مليارات دولار سنويًا خلال خمس سنوات، مع توقّعات بأن تضيف 1.9 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للإمارات بحلول عام 2030، وهي تقديرات تستند إلى إزالة الحواجز الجمركية وتعزيز تدفق الاستثمارات. وبحسب التقدير نفسه، فإن الاتفاقية تمثل "نموذجًا جديدًا" للتعاون الاقتصادي قد يشجّع دولًا أخرى على تبنّي نهج الشراكات الاقتصادية مع إسرائيل بدلًا من الاقتصار على العلاقات السياسية أو الأمنية. اقتصاد دولي التحديثات الحية العدوان على غزة يفرمل التطبيع الاقتصادي بين إسرائيل وشركائها ويزعم تقدير نشره معهد واشنطن أن مثل هذه الاتفاقيات تعزّز من مرونة اقتصادات الخليج وتنوّعها بعيدًا عن الاعتماد على النفط، وتدعم بناء اقتصادات أكثر استدامة وانفتاحًا على الابتكار والتكنولوجيا. وفي السياق الجيوسياسي، يشير التقدير نفسه إلى أن الاتفاق الاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل لا يقتصر على المصالح الثنائية، بل يحمل أبعادًا استراتيجية أوسع، إذ يعكس رغبة في بناء منظومة إقليمية أكثر ترابطًا اقتصاديًا، ما قد يسهم في تعزيز الاستقرار وجذب الاستثمارات الأجنبية، ويمنح المنطقة قدرة أكبر على مواجهة التحديات العالمية مثل الأمن الغذائي والتحول الرقمي. لكن تقديرًا آخر يسلط الضوء على انعكاسات حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة وتأثيرها على العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل ودول المنطقة، فقد شهدت هذه العلاقات تراجعًا ملحوظًا، وانخفضت السياحة الإسرائيلية إلى الإمارات بشكل كبير، كما جرى تأجيل صفقات استراتيجية، مثل استحواذ شركة "أدنوك" الإماراتية وشركة "بي بي" البريطانية على حصة في شركة "نيو ميد" الإسرائيلية للغاز، بسبب التوترات الإقليمية. وفي ضوء هذه المعطيات، يرى بعض المحللين أن اتفاقية CEPA قد لا تحقق الفوائد الاقتصادية المرجوة للإمارات، بل قد تُعرضها لمخاطر سياسية وأمنية، وتُضعف من مكانتها الإقليمية، خاصة إذا استمرت إسرائيل في سياساتها الحالية تجاه الفلسطينيين ومواصلة حرب الإبادة الجماعية ضد غزة. امتيازات خاصة وفي هذا الإطار، يشير أستاذ الاقتصاد بجامعة نيس الفرنسية آلان صفا، لـ"العربي الجديد"، إلى أن المعطيات الخاصة بالاتفاق الاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل تؤشر إلى تعزيز للاتفاق الأول الذي تم توقيعه بينهما في عام 2023، والذي ركز بشكل أساسي على الخدمات وليس السلع، موضحًا أن اقتصادي الدولتين يشتركان في التخصص بمجالات مشابهة، مثل السياحة والخدمات المالية. ومع ذلك، يلفت صفا إلى أن الاتفاق الذي جرى توقيعه في عام 2023 لم يقدم امتيازات خاصة للإمارات مقارنة بالدول الأخرى التي أبرمت اتفاقيات مع إسرائيل. أما الاتفاق الجديد، فيمنح الإمارات بعض الامتيازات، مثل الحصول على رسوم جمركية منخفضة عند تصدير الخدمات. لكن صفا يلفت إلى أن التبادل التجاري بين الإمارات وإسرائيل، الذي يُقدّر بقيمة 2.5 مليار دولار، لا يزال منخفضًا إذا ما قورن بإمكانات الدولتين الاقتصادية، رغم أنه يعكس زيادة كبيرة مقارنة بما كان عليه الحال قبل الاتفاق، حيث كانت التجارة بينهما لا تتعدى 150 مليون دولار. موقف التحديثات الحية عن التطبيع الاقتصادي مع الاحتلال وموقف الإماراتيين ويوضح صفا أن هذا النمو "يعزز من حجم التبادل التجاري بين الدولتين، لكنه يبقى بعيدًا عن تحقيق إمكاناته الكاملة"، معتبرًا أن "زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض أثرت على العلاقة بين الإمارات والسعودية، ما دفع الإمارات إلى البحث عن شراكات جديدة لتعزيز موقعها الإقليمي. وفي هذا السياق، يأتي التقارب الإماراتي الإسرائيلي، ليس فقط خطوةً اقتصاديةً، بل أيضًا وسيلةً لتحقيق مصالح استراتيجية من المنظور الإماراتي"، حسب تقدير صفا الذي يخلص إلى أن "الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل له جانب اقتصادي، لكن الأبعاد الاستراتيجية له تبدو أكثر وضوحًا وأهمية من الفوائد الاقتصادية المباشرة". بنوك من دون فوائد وفي السياق، يرى الباحث في الاقتصاد السياسي مدير المركز الدولي للدراسات التنموية مصطفى يوسف أن الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية "لم تحقق أي فوائد اقتصادية حقيقية لتلك الدول"، موضحًا أن "المسيرة التي بدأت بمصر والأردن واستمرت باتفاقيات "إبراهام" مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، لم يستفد منها سوى قلة من رجال الأعمال المتنفذين المرتبطين بالحكومات الموقعة". و"على الرغم من الادعاءات بأن هذه الاتفاقيات ستُسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي، إلا أنها في الواقع لم تقدم أي قيمة مضافة لشعوب المنطقة"، حسب ما يرى يوسف، مشيرًا إلى أن اتفاقيات مثل "الكويز"، التي تضمنت مكونًا إسرائيليًا في صناعات المنسوجات المصرية، كانت مجرد أدوات لتحسين صورة الاحتلال الإسرائيلي دوليًا، و"جرى استخدامها لمحاولة تطبيع العلاقات مع شعوب المنطقة عبر بوابة الاقتصاد، رغم الأطماع التوسعية والاستيطانية الإسرائيلية في المنطقة". ويؤكد يوسف أن "هذا التعاون الاقتصادي لا يعدو كونه وسيلة لشرعنة وجود الاحتلال وتبريره أمام شعوب المنطقة"، لافتًا إلى أن "الإمارات تُستخدم أداةً اقتصاديةً من دون الحصول على أي مزايا حقيقية، إذ إن إسرائيل لن تنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى الإمارات أو أي دولة عربية أخرى، حتى لو كانت حليفة استراتيجية، وهو ما تدعمه اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة التي تشدد على منع نقل الأسلحة المتطورة إلى دول المنطقة، بما فيها الإمارات:. وبحسب المتحدث نفسه، فإن "العلاقة الاقتصادية بين الإمارات وإسرائيل امتداد لنموذج استغلال الإمكانات المالية للدول الغنية في المنطقة، حيث يجرى استخدامها بوصفها "بنوكاً من دون فوائد" لصالح إسرائيل، التي تستفيد من هذه الشراكات لتوسيع حصتها السوقية ورفع تصنيفها الائتماني، بينما لا تقدم أي تقنيات أو معرفة علمية ذات قيمة". ويشدد يوسف على أن "فكرة نقل التكنولوجيا من إسرائيل أو إنشاء مصانع لها في الإمارات لتعليم العمالة المحلية هي فكرة مستحيلة تمامًا"، مؤكدًا أن "إسرائيل لن تتخلى عن سيطرتها على التكنولوجيا تحت أي ظرف". اقتصاد عربي التحديثات الحية التطبيع الاقتصادي بين المغرب وإسرائيل... هرولة حكومية ورفض شعبي وفي سياق متصل، يلفت يوسف إلى ارتفاع زخم حملات المقاطعة ضد إسرائيل، ليس فقط من الدول المسلمة والعربية، بل أيضًا من المجتمعات المتعاطفة مع حقوق الإنسان حول العالم، مشيرًا إلى أن "الإمارات، بتبنيها مشروع التطبيع مع الاحتلال، أصبحت جزءًا من القائمة التي تواجه مقاطعة اقتصادية وأكاديمية. فالجامعات الأميركية، على سبيل المثال، تحظر التعامل مع الشركات المرتبطة بإسرائيل، وتفرض حملات مثل BDS (حركة مقاطعة إسرائيل) عقوبات على البضائع والأنشطة التجارية المرتبطة بالكيان الصهيوني، ما يعني أن الإمارات ستواجه حملات كهذه وما يصاحبها من انعكاسات اقتصادية"، بحسب يوسف. ورغم أن الإمارات تروّج هذه الاتفاقيات عباعتبارها "تعاونًا اقتصاديًّا مثمرًا"، إلا أن يوسف يؤكد أن "الواقع يكشف عن تماهٍ كامل مع المشروع الإسرائيلي الذي يعتمد على تطبيع العلاقات مع أنظمة ذات سمعة سيئة في مجال حقوق الإنسان، ما يجعل الولايات المتحدة تتخلى عن مبادئ الحرية والديمقراطية التي تدّعي الدفاع عنها". ويخلص يوسف إلى أن "الإمارات تخسر هويتها الإقليمية من خلال الانخراط في اتفاقيات مثل هذه، تضعها في مواجهة مع محيطها العربي والإسلامي، ويتوقع أن تتزايد العزلة السياسية والاقتصادية نتيجة لهذا التطبيع الذي يفتقر إلى أي مبرر حقيقي"، مشيرًا إلى أن "هذه السياسات لن تجلب سوى الضرر طويل الأمد للإمارات على مستويات عدّة، في القلب منها المستوى الاقتصادي".


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
روبوتات شبيهة بالبشر تجسد في شنغهاي طموحات الصين في الذكاء الاصطناعي
تُجسّد روبوتات شبيهة بالبشر، عُرضت العشرات منها في نهاية الأسبوع خلال مؤتمر عالمي بشأن الذكاء الاصطناعي في شنغهاي ، طموحات الصين في هذا المجال، وأذهلت الكثيرين بقدراتها على أداء مهام متنوعة يؤديها البشر في يومياتهم. ويهدف هذا الحدث السنوي الذي يقام بعنوان "المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي" إلى إبراز تقدم العملاق الآسيوي في هذا القطاع المتطوّر باستمرار، إذ تسعى الحكومة الصينية إلى ترسيخ مكانة البلاد قوةً رائدةً عالمياً في كل من التكنولوجيا والتنظيم، والتفوق على الولايات المتحدة. السبت، في افتتاح المؤتمر، دعا رئيس الوزراء لي تشيانغ إلى الحوكمة الرشيدة وتقاسم الموارد، وأعلن خصوصاً عن إنشاء هيئة، كانت بادرت بكين إلى إطلاقها، تهدف إلى تحفيز التعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي . وأكد أن "إيجاد توازن بين التنمية والأمن يتطلب توافقاً عاجلاً وأوسع نطاقاً من جميع أفراد المجتمع". ويلاحظ مدير البحث والتطوير في شركة ترانسورب المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، ومقرها شنغهاي، يانغ ييفان أن "الطلب مرتفع للغاية حالياً، سواء من حيث البيانات أو السيناريوهات أو تدريب النماذج (...) الجو العام في هذه المجالات حيوي جداً". صحة التحديثات الحية روبوت أميركي ينجز أوّل عملية لاستئصال مرارة بلا تدخّل بشري روبوتات تتفوّق على أميركا هذا العام، يُمثل المؤتمر لحظة فارقة للصين بعد إطلاق نموذج ذكاء اصطناعي محلي من شركة ديبسيك الناشئة، يضاهي بأدائه منافسيه الأميركيين بتكلفة أقل. ويقول المنظمون إن أكثر من 800 شركة شاركت في الحدث، مع عرض أكثر من 3 آلاف منتج، بما يشمل روبوتات شبيهة بالبشر استحوذت على الاهتمام الأكبر من الزوار. وفي أحد الأكشاك، يعزف روبوت على الدرامز على أنغام أغنية "وي ويل روك يو" الشهيرة لفرقة "كوين" البريطانية، بينما تقوم روبوتات أخرى بتحركات تشبه ما يفعله عمال خطوط التجميع، أو تلعب الكيرلنغ ضد خصوم من لحم ودم، أو تقدم المشروبات من آلة بيع. وفي جناح "يونيتري"، يسدد الروبوت G1، الذي يناهز طوله 1,30 متر، الركلات ويدور ويتأرجح مع الحفاظ على توازنه بانسيابية، مُحاكياً مباراة ملاكمة. وقبل افتتاح المؤتمر، أعلنت الشركة، ومقرها هانغتشو (شرق)، عن إطلاق روبوت بشري جديد يحمل اسم R1 بسعر يقل عن ستة آلاف دولار. وتوقف الحاضرون عند مدى تطور هذه الآلات اللافت مقارنةً بما قدّمه معرض العام الماضي. وتدعم الحكومة الصينية الروبوتات، وهو مجال يعتقد بعض الخبراء أن الصين قد تفوقت فيه بالفعل على الولايات المتحدة. (فرانس برس)