
قفزة بيتكوين تنعش جدل العملات المشفّرة... ما دور الخليج في المشهد المالي الجديد؟
عملة بيتكوين
إلى مستوى قياسي متجاوزاً 122 ألف دولار خلال تداولات الاثنين، وفقاً لمؤسّسة "كوين ميتريكس"، وسط موجة متجددة من التفاؤل تدفع العملات المشفرة إلى واجهة النقاشات الاقتصادية والسياسية حول العالم. هذا الارتفاع تزامن مع ما وصفته وسائل إعلام أميركية بـ"أسبوع العملات المشفّرة"، إذ يستعد مجلس النواب الأميركي لمناقشة مشروع قانون يُعرف باسم "قانون جينيوس"، يسمح للبنوك التجارية بإصدار عملات مستقرة (stablecoins) بشرط ربطها بأصول تقليدية مثل الدولار.
منذ بداية العام، ارتفعت بيتكوين بأكثر من 31%، بدعم من سياسات إدارة ترامب الرامية إلى دمج الأصول الرقمية ضمن أدوات الاقتصاد الوطني، بما في ذلك أوامر تنفيذية، بعضها لا يزال قيد المناقشة لتخزين بيتكوين كأصل سيادي، ومنع إصدار عملة رقمية للبنك المركزي الأميركي (CBDC). وكانت تحليلات الأسواق منذ الربيع تشير إلى أن العملات المشفرة على أعتاب موجة صعود جديدة. ففي 25 مارس/آذار 2025، نشرت وكالة بلومبيرغ تقريراً توقّعت فيه دخول السوق دورة صعود مدفوعة بتحولات سياسية وازدياد الاهتمام المؤسّسي والبحث عن أدوات تحوّط ضد
التضخم
. وفي 14 إبريل/نيسان، أكّد موقع "كوين ديسك" أن أداء
بيتكوين
أظهر "قدرة على الصمود بارتفاع قدره 5%" رغم اضطراب الأسواق التقليدية، معتبراً أنها تكتسب مجدداً وظيفة "حفظ القيمة" وسط تصاعد المخاطر الاقتصادية.
ومع تجاوز بيتكوين حاجز 122 ألف دولار، تبدو تلك التوقعات قد تحققت بوضوح، ما يعزّز قراءة المؤسسات المالية بأن هذا الصعود ليس مؤقتاً، بل يعكس تحولاً هيكلياً في مكانة العملات المشفّرة داخل
النظام المالي
العالمي.
الغرب متردّد والخليج يتحرك: سباق العملات المشفّرة يتسارع
وبينما تُتابع الأسواق البريطانية بقلق تداعيات هذه التحولات في السياسة الأميركية تجاه العملات المشفّرة، فإن مناطق أخرى وعلى رأسها منطقة الخليج، كانت قد شرعت منذ أشهر بخطوات متقدمة لترسيخ حضورها في الاقتصاد الرقمي العالمي، خطواتٌ تزداد راهنيتها مع الارتفاع التاريخي الأخير لعملة بيتكوين. وتكتسب هذه التطورات أهمية مضاعفة في ظل تدفق استثمارات خاصة وعامة من منطقة الخليج نحو الأصول المشفّرة، ما يجعل من متابعة هذا التحوّل ضرورة لفهم الاتجاهات المالية العالمية وتأثيرها على لندن وسائر العواصم الاقتصادية.
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
شهية المخاطرة ترفع قيمة بيتكوين لمستويات تاريخية
وعلى الرغم من تحفظ بعض دول الخليج، إلّا أن عدداً منها يتجه بخطى واثقة نحو إنشاء بنية مالية رقمية مستقلة. ووفقاً لتقرير نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في 21 مايو/أيار 2025، فإن الإمارات والسعودية على وجه الخصوص ترى في الأصول الرقمية أداة استراتيجية لإعادة تعريف مكانتها المالية بعيداً عن هيمنة الدولار الأميركي. ففي عام 2019، أطلق كل من مصرف الإمارات المركزي ومؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) مشروعاً مشتركاً باسم "عابر" (Project Aber)، لاختبار إصدار عملة رقمية للبنك المركزي تُستخدم في تسويات المدفوعات عبر الحدود. وقد نُشرت نتائج المشروع رسمياً عام 2020، مؤكدة جدوى الاستخدام التقني.
وفي تطور لاحق، انضمت الإمارات إلى مشروع "مبرج " (mBridge)، وهو برنامج تجريبي بالتعاون مع الصين وتايلاند، تحت إشراف بنك التسويات الدولية (BIS)، لتطوير منصة دفع قائمة على تقنية البلوك تشين بين البنوك المركزية. وقد التحقت السعودية بالمشروع عام 2024، بحسب ما أكّدته تقارير رسمية نُشرت على موقع بنك التسويات الدولية، بالإضافة إلى ما أوردته وكالة "رويترز" في الخامس من يونيو من العام نفسه، ما يعكس انخراطاً أعمق في أنظمة التسوية المالية غير التقليدية. ومن جهتها، صادقت الإمارات مؤخراً على أول عملة مستقرة مرخصة رسمياً تُعرف باسم AE Coin، بحسب ما أوردته وكالة "رويترز" وصحيفة "ذا ناشيونال" في تقارير نُشرت أواخر إبريل/نيسان 2025، وتُعدّ هذه العملة جزءاً من جهود تحويل البلاد إلى مركز إقليمي للأصول الرقمية. وقد صدرت العملة عن بنك أبو ظبي الأول بالتعاون مع صناديق سيادية إماراتية، وحصلت على ترخيص مباشر من المصرف المركزي الإماراتي.
وفي حين يرى البعض أن العملات المستقرة تتيح استقلالاً رقمياً أوسع، يشير تقرير كارنيغي إلى أنها قد تُعزز في الواقع من "قوة الدولار الرقمية"، إذ تتيح إجراء معاملات بالدولار عبر شبكات لا مركزية دون المرور بالنظام البنكي الأميركي، ما يُضعف قدرة واشنطن على فرض رقابة مالية، لكنه يُبقي على مركزية الدولار بوصفه عملة تسوية. ويبدو أن هذا التوجّه يجد اهتماماً متزايداً لدى الشباب الخليجي خاصة في السعودية، إذ يشكّل الشباب نحو 63% من السكان. وهو ما جعل المملكة ثاني أسرع سوق نمواً في العملات المشفرة في منطقة الخليج العربي، رغم الحذر التنظيمي.
نمو سوق العملات المشفرة في الخليج
هذا ويُظهر تقرير مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أيضاً، أن القيمة السوقية للعملات الرقمية في دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال ناشئة مقارنةً بالأسواق الغربية، لكنّها تسجّل معدلات نمو قوية، ما يجعلها من أكثر الأسواق الواعدة في هذا المجال. وبحسب التقرير، بلغ حجم السوق نحو 744.3 مليون دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 791.8 مليون دولار بنهاية عام 2025، بمعدل نمو سنوي مركب يُقدّر بـ 16.75% للفترة بين 2025 و2033.
أسواق
التحديثات الحية
بيتكوين تتجاوز 120 ألف دولار لأول مرة في تاريخها
ويُتوقع أن يبلغ معدل انتشار المستخدمين في الخليج نحو 19.32% خلال عام 2025، بينما تستمر الولايات المتحدة في تصدّر السوق العالمية من حيث الإيرادات، التي قد تصل إلى 9.4 مليارات دولار. ويُفسَّر هذا النمو المتسارع في الخليج بدخول فئات جديدة من الشباب والمستثمرين الأفراد، إلى جانب الانفتاح المؤسسي التدريجي في بعض الدول.
في المقابل، أبدت المؤسّسات المالية في المملكة المتحدة حذراً واضحاً. وقال محافظ بنك إنكلترا، أندرو بيلي، حسب صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، إنه "يفضّل ألّا تصدر البنوك التجارية عملات مستقرة خاصة بها"، وحذّر أن توسّع هذا النوع من الأصول الذي تجاوزت قيمته السوقية 200 مليار دولار، قد يهدّد استقرار النظام المالي العالمي. وقد تراجع الجنيه الإسترليني أمام الدولار، بالتزامن مع ارتفاع أسعار الذهب وارتفاع مؤشرَي فوتسي 100 وفوتسي 250، في مؤشر على تحوّط المستثمرين وميلهم نحو الأصول البديلة.
وفي حين تواصل الولايات المتحدة مساعيها لقيادة مشهد العملات المشفّرة، وتتحرك بريطانيا بحذر، يظهر أن منطقة الخليج تتّجه إلى بناء بنية رقمية مالية هجينة: تسعى فيها إلى تحديث أنظمتها المالية وتنويع شراكاتها العالمية واستثمار اللحظة الجيوسياسية الحالية لصياغة حضور رقمي سيادي. وبهذا التوجّه، لا تسعى دول الخليج لمجرد مواكبة التحوّلات المالية العالمية، بل تتحرك بثبات نحو بناء منظومة مالية رقمية ذات طابع سيادي، عبر أدوات تجريبية ومشاريع تسوية غير تقليدية. وفي المقابل، تبدو المملكة المتحدة كأنها تتهيّأ لهذه المرحلة بتحفّظ، من داخل المنظومة التنظيمية القائمة. وتُسلّط قفزة بيتكوين الأخيرة الضوء على هذا التباين بين من يختبر واقعاً مالياً جديداً، ومن يراقبه من خلف الجدران المؤسّسية التقليدية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
توقعات بإعلان اتفاق تجاري بين واشنطن وبروكسل خلال عطلة نهاية الأسبوع
نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين ودبلوماسيين أوروبيين قولهم يوم الجمعة إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يتوصلان إلى اتفاق تجاري خلال عطلة نهاية الأسبوع وهو تطور من شأنه أن يضع حداً لشهور من عدم اليقين للصناعة الأوروبية، في أعقاب تلويح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم تصل إلى 30% على الصادرات من دول الاتحاد. وبحسب المصادر التي تحدثت إليها الوكالة فمن المتوقع أن يشمل الاتفاق رسوماً رئيسية بنسبة 15% على كل الصادرات الأوروبية باستثناء صادرات الألمنيوم والحديد التي من المحتمل ان تخضع لرسوم جمركية تبلغ 50%. وكان الرئيس الأميركي قد قال الجمعة قبل توجهه إلى اسكتلندا في زيارة خاصة لعدة أيام، إن احتمال التوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي قائم بنسبة 50 % أو أقل، مضيفاً أن دول الاتحاد " في حاجة ماسة إلى إبرام اتفاق". لكن "رويترز" نقلت عن مصدر أوروبي قوله إن "الاتفاق المقترح في أيدي ترامب حالياً"، فيما أشار مصدر آخر مطلع على سير المفاوضات الى احتمال أن تلتقي رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الرئيسَ الأميركي أثناء وجوده في اسكتلندا خلال عطلة نهاية الأسبوع. وسيمضي ترامب عدة أيام في اسكتلندا ضمن زيارته الخاصة التي يتفقد خلالها ملاعب الغولف التي يمتلكها، كما سيلتقي رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، حيث أشار إلى أنه سيبحث معه مزيداً من التفاصيل المتعلقة بالاتفاق التجاري الذي أُبرم سابقاً بين واشنطن ولندن. اقتصاد دولي التحديثات الحية الاتحاد الأوروبي يخطط لمواجهة رسوم ترامب مع الدول المتضررة وتعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كلٌّ منهما للآخر أكبرَ شريكين تجاريين بالنظر إلى إجمالي تبادل السلع والخدمات والاستثمارات. وقد حذرت غرفة التجارية الأميركية مع الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار الماضي من أن استمرار النزاع يهدد علاقات تجارية قيمتها 9.5 تريليونات دولار، وهي الأهم من نوعها في العالم. وكان ترامب قد لوح بفرض رسوم جمركية تبلغ 30% على الصادرات الأوروبية إلى الأسواق الأميركية اعتباراً من أول اغسطس/ آب المقبل، إضافة إلى الرسوم الأعلى على صادرات الصلب والألمنيوم، وهي رسوم حذر مسؤولون أوروبيون من أنها ستقضي على التجارة بين جانبي المحيط الأطلسي. (رويترز، العربي الجديد)


العربي الجديد
منذ 7 ساعات
- العربي الجديد
سائقو توصيل الطلبات في بريطانيا تحت ضغط ملاحقة السلطات وتوجس العامة
تزدحم مفارق شارع "بورتوبلو روود" السياحي في غرب لندن، بعشرات الدراجات الكهربائية والبخارية، التي تذهب وتجيء في سباق لا يتوقف أمام أبواب المطاعم التي يزخر بها الشارع. على كل واحدة منها صندوق لحفظ الوجبة التي من المفترض أن تصل ساخنة وطازجة إلى عنوان ينتظرها خلال دقائق. تحمل الصناديق أيضا علامة حرف "L" للإشارة إلى أن السائق لم يحصل على رخصة القيادة النهائية بعد، إضافة إلى اسم أحد التطبيقات التي يعمل سائقو الدراجات معها مثل "أوبر إيتس" أو "ديليفرو" أو "جست إيت"، وهي تطبيقات تقدر قيمتها السوقية بمليارات الدولارات في حين تصنف معاناة العاملين لديها ضمن ضحايا "العبودية الحديثة"، حسب تقارير حقوقية ومنظمات خيرية بريطانية. ومثلت ظاهرة التوصيل الفوري للطعام إلى منازل الزبائن استجابة عملية لتحديات الإغلاق والقيود الصحية التي فرضتها جائحة كوفيد على بريطانيا في الفترة من 2020- 2022، فضمنت بقاء قطاع المطاعم والمتاجر مفتوحاً في فترات الإغلاق. لكن ما تخيل كثيرون أنها ظاهرة مؤقتة، قد تزول مع زوال أسبابها، نمت وتزايدت بفعل تعود البريطانيين، خاصة في المدن الكبرى، على نمط مريح للحصول على وجباتهم بتكلفة ضئيلة، إذ تشير التقديرات إلى أن 13 مليون بريطاني يستخدمون منصات توصيل الطعام والمشتريات في الوقت الراهن. تقدر قيمة هذا القطاع حالياً بحوالي 13 مليار جنيه إسترليني (حوالي 17.5 مليار دولار)، بينما يقدر عدد المنتسبين للعمل فيه بحوالي 300 ألف شخص يصنفون في إطار "العمالة الرخيصة" أو عمالة الهامش، التي يراها الكثيرون على الطرقات وأمام المطاعم والمتاجر، لكنهم لا يعرفون الكثير عن ظروف عملها. رغم أن هذا القطاع يمنح العاملين فيه حرية اختيار العمل وقتما يريدون، فإنه يحرمهم من حقوق أساسية تضمنها عقود العمل التقليدية وتزايد التوجس تجاه العاملين في هذا القطاع أخيراً بعدما ربط سياسيون محافظون ويمينيون بينه وبين المهاجرين بصورة غير نظامية إلى بريطانيا، وهو ما دفع الحكومة إلى ممارسة ضغوط على منصات التوصيل الكبرى لتشديد التدقيق على العاملين لديها. معظم من تحدثوا لـ"العربي الجديد"، رفضوا نشر مشاركاتهم حتى تحت أسماء مستعارة. بعضهم يشعرون بالخجل من ممارسة هذا العمل ويعتبرونه مؤقتاً أو لأسباب قهرية، وآخرون يمارسونه- بشكل غير قانوني - لأنه النافذة الوحيدة المتاحة للحصول على دخل بينما ينتظرون تقنين أوضاع إقاماتهم، وهو أمر تنبهت إليه الحكومة في الأسابيع الأخيرة وبدأت التضييق عليه بشدة. اقتصاد دولي التحديثات الحية تأميم ثاني شركة خاصة لتشغيل القطارات في بريطانيا مسار اضطراري يُمضي "علي" (اسم مستعار)، القادم من كردستان العراق، 14 ساعة في اليوم ولستة أيام في الأسبوع على ظهر دراجته إما سائقاً لتوصيل وجبة طعام أو منتظراً أمام مطعم لاستلام "أوردر" جديد. كان يتصفح هاتفه وهو لا يزال مرتدياً خوذته عندما طلبت الحديث معه فرفض بداية مبرراً ذلك بأن إنكليزيته ضعيفة، ولا يستطيع التواصل مع الإعلام، لكنه قبل الحديث معي بالعربية لدقائق حتى يصبح "الأوردر" جاهزاً، مشترطاً عدم ذكر اسمه الحقيقي. يقول علي إنه يعمل في هذا المجال منذ سبع سنوات لأنه "لم يجد عملاً آخر، ومعظم الأعمال المتاحة ستكون أكثر مشقة أو خارج لندن حيث أقيم مع زوجتي". ويضيف: "رغم ذلك فلا ضمانة لدخل ثابت أو استمرار في العمل يتراوح دخلي بين 100 جنيه إسترليني في اليوم (14 ساعة عمل) و140 جنيها حداً أقصى، وطبعاً لا دخل في حالة المرض أو الأسباب القاهرة". وبحسبة بسيطة فإن أجر الساعة لعلي عند حده الأدنى هو 7 جنيهات وفي حده الأقصى 11 جنيهاً، قبل خصم الضرائب وتكاليف الوقود وصيانة الدراجة التي يستخدمها، وفي الحالتين- الأدنى والأقصى- يقل دخله كثيراً عن الحد الأدنى للأجر الذي يمكن العيش به في لندن وتقدره الحكومة بحوالي 13.8 جنيهاً للساعة. حين تلاحظ عن كثب العاملين في توصيل الطعام في شوارع لندن ومناطقها المختلفة، ستدرك على الفور أنهم ينتمون إلى فئات محددة دون سواها، طلاب الجامعات الذين يبحثون عن مصدر دخل إضافي لمواصلة دراستهم، أو أبناء أقليات في أدنى السلم الطبقي، أو المهاجرون الجدد. وهو ما يفسره "أمين" -وهو اسم مستعار أيضاً- بأنه نتيجة لسياسات التوظيف "العنصرية" في بريطانيا. توقف أمين، القادم من سورية، أخيراً عن العمل لدى تطبيقات توصيل الطعام، بعد فترة كان خلالها مصدر دخله الرئيسي. يقول لـ"العربي الجديد"، إنه يحمل مؤهلاً أكاديمياً طبياً، وكان يُدرّس بإحدى الجامعات في لندن بينما ينتظر البتّ في طلبه للحصول على اللجوء. يضيف: "فقدت وظيفتي بالجامعة ولم يكن بوسعي تغيير عنواني حتى أتلقى رداً من وزارة الداخلية، فكان هذا العمل واحداً من الأعمال القليلة المتاحة دون تدقيق كبير، وهو أيضاً ما يجعل العاملين فيه عرضة للاستغلال". ويتابع: "أحيانا كنت أقود الدراجة لنصف ساعة لتوصيل طلب واحد، ولا يكترث أحد لذلك، لا يوجد إحساس بالانتماء لفريق أو العمل مع مجموعة، فهو عمل طبيعته العزلة، الكل يلهث بحثاً عن كسب سريع مع نهاية يوم عمل شاق، والتطبيقات تعرف ذلك فتستغل الجميع". قرر أمين التوقف عن العمل بعد مواجهة ما يصفه بممارسات "عنصرية ومجحفة" فالتطبيقات لا تتوقف عن استغلال السائقين وهم في أغلبهم "من المجموعات الهامشية ممن يضطرون بسبب عائق اللغة أو سياسات التوظيف العنصرية للعمل بهذا القطاع لعدم وجود خيار آخر"، بحسب قوله. اقتصاد دولي التحديثات الحية بريطانيا: تراجع حاد لنشاط البناء بأسرع وتيرة منذ كورونا لكن إبراهيم (اسم مستعار) القادم من دارفور في رحلة لجوء استمرت لأكثر من عامين قبل أن يصل إلى بريطانيا، يقول إنه اختار هذا العمل لأنه لا يوجد أمامه بديل حيث لا يحمل أوراقاً رسمية، "أعيش في لندن وأستخدم تطبيق صديق يعيش في مانشستر، وعندما يبدأ العمل بتدقيق بصمة الوجه سيكون وضعي صعبا للغاية وسأفقد هذا العمل". يقول إبراهيم، الذي اشترط أيضاً عدم ذكر اسمه الحقيقي، إنه لا يدفع مقابلاً لصديقه، لكن إيجار التطبيق يتراوح بين 50 و70 جنيهاً إسترلينياً في الأسبوع أي ما يصل إلى مائة دولار. تزايد التوجس تجاه العاملين في هذا القطاع أخيراً بعدما ربط سياسيون محافظون ويمينيون بينه وبين المهاجرين بصورة غير نظامية إلى بريطانيا وحده أحمد، وهو شاب عشريني يدرس إدارة الأعمال في لندن تحدث بإيجابية عن تجربة عمله مع تطبيقات توصيل الطعام. التقيته أمام محطة مترو الأنفاق في "نوتنغ هيل" كان ينتظر تجهيز طلب لتوصيله. وقال لي إنه قدم إلى بريطانيا من تشاد بتأشيرة شرعية قبل سنتين لدراسة الماجستير وإنه يعمل في توصيل الطعام خلال عطلة نهاية الأسبوع فقط، حيث لا تسمح القوانين للطلاب بالعمل أكثر من 20 ساعة أسبوعياً. وأضاف أن "التطبيقات تمنحني حرية العمل في الوقت الذي يناسب دراستي، وتوفر لي دخلاً معقولاً يساعدني في مصاريف الدراسة". يتراوح دخل أحمد بين 50 و60 جنيهاً في وردية تستمر 8 ساعات، يدفع منه إيجار الدراجة الهوائية. يتابع: "يمكن أن يكون الدخل أكبر لو كان معي دراجة كهربائية، لكني أقبل "المشاوير" القصيرة داخل حدود المنطقة، وهذا يكفيني في الوقت الراهن". بذور الاستغلال ضمن سلسلة تقارير عن أوضاع العمال المهمشين في ظروف خطرة، تصف منظمة "Unseen" الخيرية، التي تنشط في مكافحة استغلال العمالة والعبودية الحديثة، آليات العمل في قطاع توصيل الطعام بأنها تعزز استمرار استغلال العاملين وتجاهل حقوق العمل الأساسية الخاصة بهم. وتقول جاستين كارتر نائب رئيس المنظمة في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن غياب الحماية القانونية للعاملين في توصيل الطعام يتفاقم بفعل المنافسة الحادة في عروض الأسعار بين التطبيقات والمتاجر الكبرى، فلكي تحافظ على أرباحها تطرح التطبيقات على زبائنها أسعاراً مخفضة وتوصيلاً أسرع، وهو تنافس يدفع ثمنه العاملون في هذا القطاع، الذين يُجبرون على قبول أجور أقل وساعات عمل أطول للحفاظ على مستوى دخولهم". قضايا وناس التحديثات الحية الاتجار بالبشر... "العبودية الحديثة" تتوسّع عالمياً وتشير كارتر في تصريحاتها لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذه الضغوط "تنعكس بشكل مباشر على ظروف العمل السيئة للعمال. فبدلاً من الأجر بالساعة، يحصلون على أجر مقابل كل توصيلة، مما يجعل من الصعب عليهم ضمان الحد الأدنى للأجور، خاصة مع التخفيضات الأخيرة في رسوم التوصيل. وتترك هذه التخفيضات العمال بعائد أقل، خصوصًا بعد تغطية نفقات مثل الوقود وصيانة الدراجات". وقد تنبهت الحكومة البريطانية الشهر الماضي إلى أن قطاع توصيل الطعام هو الباب الخلفي للعمل بشكل غير شرعي في المدن البريطانية خاصة لندن. وحسب منظمة "Unseen" فإن المنصات لم تؤسس لعلاقة عمل مباشرة بينها وبين من يعملون في التوصيل، فلا عقود ولا اتفاقات، لكنها تشترط على من يعمل لديها ترشيح بدلاء يقومون بالتوصيل في حال عجزه عن القيام بذلك. وقد فتح هذا الوضع بابا لاستغلال المهاجرين غير النظاميين والطلاب تحديداً، إذ يعمل كثيرون منهم تحت حسابات لا يملكونها مقابل التنازل عن جزء من عائدهم اليومي لصاحب الحساب الأصلي الذي يجني دخلا دون مقابل، وعادة ما يتواصل الراغبون في العمل مع أصحاب الحسابات الأصلية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليتم الاتفاق خلال دقائق. أخيراً، تعالت الضجة ضد منصات توصيل الطعام، حين قام وزير داخلية الظل كريس فيليب في الشهر الماضي، بما قال إنه زيارة مفاجئة لأحد الفنادق التي تؤوي طالبي لجوء ليجد الفندق فارغاً خلال ساعات النهار ويتوصل إلى أدلة بأن نزلاءه يعملون لدى تطبيقات توصيل الطعام بشكل غير شرعي. عقب ذلك، استدعت وزارة الداخلية المسؤولين في الشركات الثلاث الكبرى(ديليفرو، أوبر ايتس وجاست ايت) واتفقت معهم على تعزيز إجراءات التحقق من العاملين معها، والتصدي لظاهرة العمل غير القانوني، واستخدام التطبيقات من أشخاص بدلاء. كما التزمت الشركات الثلاث بزيادة استخدام تقنيات التحقق من الوجه والكشف عن الاحتيال، لضمان أن المستخدمين المسجلين فقط هم من يمكنهم العمل عبر منصاتها، لكن المناقشات بين وزارة الداخلية ومسؤولي المنصات الكبرى لم تتطرق إلى تحسين ظروف العمل في القطاع للعاملين المؤقتين، فلماذا تصمت الحكومة على الوضع الراهن رغم الاحتجاجات المستمرة؟ تشير الباحثة القانونية ديلفين ديفسوز، أستاذة القانون المساعد في جامعة نورثومبريا البريطانية في بحث عن الوضعية القانونية للعاملين في منصات توصيل الطعام، إلى أن القوانين البريطانية الراهنة لم تعد قادرة على استيعاب المتغيرات السريعة في نظام العمل، خاصة في ما يتعلق بالمنصات الرقمية والعمالة المؤقتة. مثلت ظاهرة التوصيل الفوري للطعام إلى منازل الزبائن استجابة عملية لتحديات الإغلاق والقيود الصحية التي فرضتها جائحة كوفيد على بريطانيا وترى أن "سائقي توصيل الطعام يعملون في ظروف غير منظمة، بينما يُطلب منهم الالتزام بشروط الاستخدام التي تفرضها هذه التطبيقات، بالإضافة إلى التنافس المتزايد الذي تخلقه هذه الشركات. وتؤدي هذه المعاناة إلى أوضاع هشّة بالنسبة للعاملين مع هذه المنصات الذين لا يمكن وصفهم بـ"موظفين"، رغم اعتمادهم الكامل على هذه التطبيقات كمصدر لدخلهم. هذا الاعتماد يمنح المنصات سلطة مطلقة عليهم، حسب ما تقوله الدراسة. اقتصاد دولي التحديثات الحية اقتصاد بريطانيا سيواجه دورات من الركود وتمثلت هذه التحديات القانونية في عدد من أحكام القضاء البريطاني التي رفضت إضفاء صفة "موظفين" على سائقي تطبيقات توصيل الطعام، خاصة أكبرها ديليفرو. آخر هذه الأحكام أصدرته المحكمة العليا في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، رداً على دعوى قضائية طالبت بحق العاملين لدى "ديليفرو" في تنظيم نقابة عمل خاصة بهم تتفاوض على عقد عمل جماعي. ونص الحكم على أن صفة "موظفين" لا تنطبق على من يعملون لدى هذه التطبيقات، لأنه ليست لديهم ساعات عمل محددة، ويمكنهم العمل مع تطبيقات مختلفة، والأهم أن بوسعهم تفويض شخص آخر للقيام بمهمة التوصيل وهو ما يتعارض مع جوهر التعاقد الشخصي مع الموظف. لكن حكماً قضائياً سابقاً منح سائقي أوبر في قضية مماثلة عام 2021 صفة الموظف بما تنطوي عليه من حقوق مثل الحد الأدنى للأجور والإجازة السنوية والإجازة المرضية، بناء على تحرك جماعي من السائقين وقتها. ويجمع الخبراء على أن معاناة العاملين لدى قطاع توصيل الطعام، أصبحت جزءا مما يسمى باقتصاد العمل المؤقت "gig economy" الذي تعزز بفضل التكنولوجيا الرقمية، وتغير علاقات وأساليب العمل بعد جائحة كورونا. ورغم أن هذا القطاع يمنح العاملين فيه حرية اختيار العمل وقتما يريدون، فإنه يحرمهم من حقوق أساسية تضمنها عقود العمل التقليدية مثل مساهمات الضمان الاجتماعي ومعاشات التقاعد والإجازات المرضية والسنوية. وفي ظل أزمة النمو الاقتصادي في بريطانيا ونقص المطروح من فرص العمل، يبدو هذا الاقتصاد مرشحاً لاستقطاب المزيد إلى صفوف العاملين فيه ليصبح نمطاً سائداً لا فرعياً.


العربي الجديد
منذ 8 ساعات
- العربي الجديد
تحرّك عاجل من البنك المركزي الصيني لوقف نزيف سوق السندات
ضخّ البنك المركزي الصيني ، اليوم الجمعة، سيولة ضخمة في النظام المالي للبلاد، في خطوة تهدف على ما يبدو إلى كبح موجة بيع السندات المتصاعدة، والتي تهدد بزعزعة استقرار الأسواق المالية. فقد ضخ بنك الشعب الصيني 601.8 مليار يوان (ما يعادل 84 مليار دولار) من السيولة قصيرة الأجل عبر عمليات إعادة الشراء العكسي، في أكبر ضخ يومي صافٍ منذ يناير/ كانون الثاني الماضي. وتراجعت عوائد السندات الحكومية الصينية لأجل 30 عاماً بعد 7 أيام متتالية من الارتفاع، كما توقفت العقود الآجلة لهذه السندات عن الانخفاض، منهيةً بذلك أطول سلسلة خسائر منذ أكثر من عامين، وفقاً لـ"بلومبيرغ". الهبوط الحاد في السندات طويلة الأجل أثار قلق السلطات من احتمال اتساع رقعة الخسائر، خاصة في ظل الهدنة التجارية القائمة مع الولايات المتحدة، ومساعي بكين لمكافحة الانكماش، الأمر الذي يُضعف الطلب على أدوات الدين ذات الدخل الثابت. وأظهر أحد المؤشرات البارزة أن ضغوط الاسترداد بين مستثمري السندات بلغت، يوم الخميس، أعلى مستوى لها منذ أكتوبر/ تشرين الأول، ما يعكس حجم الخطر، لا سيما بعد أن تضاعفت تقريباً حيازات الصناديق من السندات الحكومية خلال العامين الأخيرين. وفي مذكرة تحليلية، أشار محللو شركة "هوتاي للأوراق المالية" لـ"بلومبيرغ"، ومن بينهم تشانغ جيتشيانغ، إلى أنه استناداً إلى تجارب سابقة، فإن سوق السندات قد يواجه ضغوطاً أكبر بمجرد انطلاق عمليات الاسترداد، حيث تؤدي سحوبات العملاء المتلاحقة إلى اضطرار مديري الصناديق لبيع المزيد من السندات. وأضافوا أن منع وقوع حلقة تغذية راجعة سلبية يتطلب من البنك المركزي تعزيز السيولة من خلال عمليات السوق المفتوحة أو العودة إلى شراء السندات، أو عبر تباطؤ ارتفاع سوق الأسهم. وتتزايد المؤشرات على احتمالية تسارع وتيرة البيع، إذ بلغ صافي ما سحبه المستثمرون المحليون من السندات نحو 120 مليار يوان خلال 3 جلسات فقط حتى يوم الخميس، بحسب "هوتاي للأوراق المالية". وأفادت صحيفة محلية بأن أكثر من 90% من أصل 3182 صندوق سندات مشترك مستثمر في ديون متوسطة وطويلة الأجل، تكبد خسائر خلال الفترة بين الإثنين والأربعاء. وفي السوق الأولية، باعت وزارة المالية يوم الخميس سندات سيادية خاصة لأجل 30 عامًا بعائد متوسط قدره 1.97%، وهو الأعلى منذ مارس/آذار ضمن المزادات على هذا النوع من السندات. ومن المحتمل أن يؤدي انتقال السيولة من سوق السندات إلى سوق الأسهم إلى رفع تكاليف الاقتراض بالنسبة للاقتصاد الحقيقي، بحسب ما نقلت "بلومبيرغ". أسواق التحديثات الحية المركزي الصيني يخفّض أسعار الفائدة في جولة جديدة من تحفيز الاقتصاد وامتدت الضغوط أيضًا إلى سوق الائتمان، حيث ارتفع العائد المتوسط على السندات الشركاتية المصنفة AAA لأجل ثلاث سنوات بمقدار 11 نقطة أساس هذا الأسبوع، مسجلًا بذلك أكبر قفزة أسبوعية منذ فبراير، وفقًا لمؤشر "تشاينا بوند". وفي ظل هذا التحوّل في السيولة، يرى لين سونغ، كبير الاقتصاديين لمنطقة الصين الكبرى في بنك ING، أنه من الضروري أن يحافظ بنك الشعب الصيني على وفرة السيولة لتجنّب مخاطر انكماش حاد. وتعكس هذه التطورات مدى حساسية سوق السندات الصينية تجاه تحولات السيولة وثقة المستثمرين، في وقت تسعى فيه بكين لتحقيق توازن دقيق بين دعم الاقتصاد المتباطئ والحفاظ على استقرار الأسواق المالية. وبينما يراقب المستثمرون خطوات بنك الشعب الصيني المقبلة، تبقى فعالية هذه التدخلات مرهونة بقدرة السلطات على تهدئة المخاوف وكبح دوامة التراجعات قبل أن تتسع دائرة العدوى المالية.