اليوم التالي لسوريا
من بعد سقوط نظام الاسد كَثُرَت الاراء ورُسِمَت العديد من السيناريوهات من تنبؤات برنارد لويس الى حلم البناء والوحدة لـ 54 عاما من الاجرام والقهر والتنكيل تشرق شمس الحرية على أطلال الشام الجريح في الثامن من ديسمبر 2024م من بعد سقوط نظام المجرم بشار الاسد ودحر ميليشيات ايران التي فتكت بالشعب السوري وعلى راسه الطائفية السنية تحت غطاء وعباءة الدين ودعمها لحزب الأسرة الواحدة في الحكم ونهبها لعقود وعقود ثروات هذا البلد الغني في كل ما فيه.
وهذا الذي توافق مع سياسة فرنسا التي اتبعتها في سوريا إبان الانتداب الفرنسي آنذاك سياسة تشجيع الاقليات وتمكينها لإضعاف الأكثرية فشجعت الطائفية وأنشأت جيش مبنيًا على أسس طائفية وكانت تلك نواة الجيش بعد الاستقلال.
هذه المرحلة في سوريا تسودها الضبابية حيث لا نعلم ما الغد في سوريا، ما هي السيناريوهات القادمة؟
ماذا عن ماضي الهيئة؟ هل ستتكرر تجربة العراق وليبيا وغيرها أم سيُتَعَلَّم من الدرس؟ وماذا عن شكل الحكم والسلطة الذي سيكون مفتاح لإنهاء الاقصاء في سوريا؟
"الشرق الأوسط الجديد"
والذي سطر فلسفته المستشرق البريطاني الأمريكي برنارد لويس، اعتمادا على الطائفية وصعود الإسلام الراديكالي.
انهيار مفهوم الدولة الوطنية وبروز الطائفية والعرقية.
تتمثل فكرته الأسمى حول تفكك مخرجات سايكس بيكو وتحولها الى فتات "تقسيم المقسم" حيث يقول في كتابه تاريخ الشرق الأوسط: "إسقاط الخلافة العثمانية لا يجب أن ينتهي عند تقسيمها إلى دول كثيرة مستقلة حتى وإن كانت دائمة الولاء.. فالعرب يحنون دائماً إلى الماضي بتدهور حاضرهم.. ومن السهل جدا عليهم العودة إلى لملمة دولتهم الراشدة بمجرد التفافهم وراء تيار راديكالي رافض لكل حوار.. يجب إعادة صياغة الخرائط وتفتيت الإمبراطورية الميتة إلى دول عرقية ودينية ومذهبية وقبلية هكذا يعود العرب إلى زمن ما قبل قدوم محمد.
مخطط برنارد لويس لتقسيم سوريا هو تقسيمها إلى دولة علوية في الساحل ودولة سنية في حلب وإدلب ودولة كردية في الشمال.
نعود إلى ايران ومشروعها التي لن تتخلى عنه بهذه السهولة
حلم الامبراطورية الفارسية من قم إلى مارون الراس ايران لن تتقبل فكرة هزيمتها أولا في لبنان "حزب الله" ثم الشام وسقوط حليفها الأزلي وضياع مشروعها في المنطقة
لذلك ستعمل جاهدًا محاولة لاستثارة فلول النظام السابق لاثارة الفوضى في سوريا وضمان حالة عدم الاستقرار لتعود من أول وجديد لتدخل هي وميليشياتها سوريا.
ماذا عن اسرائيل حيث انهالت الاتهامات على حكومة سورية الجديدة بأنها صناعة أمريكية صهيونية.
اسرائيل ترى سقوط الأسد ليس في صالحها بل وترى صعود الإسلاميين المسلحين كما وصفتهم خطر يهدد أمنها القومي لذلك نرى استنفارها وتوغلها في جنوب سوريا؛ ولم نرها من قبل تقصف سوريا وخاصة المناطق والقواعد العسكرية لأنها وبكل بساطة على الأقل كانت تأمن من نظام الأسد.
سوريا بلد غني بكل ما فيه وبلد مطمع لكثير من البلدان الاقليمية والقوى العظمى لذلك سنرى في الفترات القادمة تضارب المصالح ومحاولات التدخلات وصعود التوترات في سوريا.
بالتالي هناك عدة عوامل تشير إلى الوضع الايجابي، الخطاب الوحدوي في كل مناسبة ومؤتمر وطني يتحدث فيه الرئيس عن ضرورة وحدة أبناء سوريا بعيدا عن اختلاف الطوائف والأديان والمذاهب والمقابل من المجتمع السوري التكاتف والوحدة لإنجاح وبناء سوريا الجديدة وعليهم الابتعاد عن كل ما يبث الفرقة والنزعة بين صفوف الشعب الواحد وكما قال جلالة الملك عبدالله في بيان رسالة عمان 2004:
"حربنا اليوم ليست بين الشعوب أو المجتمعات أو الأديان، بل هي حرب تجمع كل المعتدلين من جميع الاديان والمعتقدات ضد كل المتطرفين من جميع الاديان والمعتقدات".
وأيضا اقليميًا ودوليا هناك قوى داعمة لاستقرار سوريا لأن أمن سوريا من أمنها القومي، تركيا مثلا فإنها تدعم سوريا ووحدتها أولا لأنها تخاف من انفصال الأكراد وتأسيس اقليمهم الخاص بهم في سوريا الأمر الذي سيعمل على شيطنة الأكراد في تركيا والذي عددهم ليس بقليل ثانيا المشروع الفارسي والمشروع الصهيوني أيضًا بالمنطقة يؤثر بشكل أو بآخر على الأمن القومي لتركيا.
وتهافتت الأصوات من داخل سوريا وخارجها معارضين ومؤيدين عن مدى شرعية تسلم الحكم للقائد احمد الشرع لعلهم كانوا ينتظرون شرعية دستورية لتسلم المنصب لكن هذا ليس بالساهل لأن موضوع سوريا دستوريا وداخليا معقد جدا ومؤسساته القانونية والدستورية غير كفؤ وتتكون من بقايا النظام وقد حُلَّت لذلك وصول احمد الشرع للسلطة كان بالشرعية الثورية الحكومة الانتقالية وهو المتعارف عليه عند سقوط الانظمة بثورات الشعوب وبقيادة الفصائل.
سوريا اليوم لا تقبل التجزئة ولا التقسيم
والمساحة الجغرافية في سوريا لا تسمح باللامركزية الفدرالية وهناك حديث عن وحدة فدرالية او كونفدرالية بين قطاعات الشعب السوري الواحد
فنقول ("تقسيم المقسم لا يمكن أن يؤتي ثماره")
ممكن أن يكون الأقرب للمناسب هو اللامركزية الادارية حيث تكون الحكومة المركزية هي القوة المسيطرة على جميع اراضي الدولة وعلى سيادتها ولكنها بالمقابل تعطي صلاحياتها المركزية في العاصمة للوحدات الادارية والمحافظات حتى تسهل على المواطنين عدم القدوم الى العاصمة لانجاز معاملاتهم او المطالب التي يسعون اليها.
توحيد سوريا يتطلب "بسمارك سوري" يمتلك رؤية استراتيجية ويفهم موازين القوة، ويستخدم مزيجًا من المفاوضات والقوة لتحقيق الوحدة الوطنية وهذا الذي رأيناه مبدأيا في القائد أحمد الشرع، وأيضًا العمل تقليل النفوذ الأجنبي وتعزيز الهوية الوطنية التي تضررت بسبب الحرب الأهلية.
سوريا أُنتُهكت وعانت على مدى عقود وليس بطاقتها تحمل المزيد من الاعباء
وكأنها تُنشد الغفران عن آثام لم ترتكبها
نأمل من حكومة سوريا الجديدة تطبيق العدالة الانتقالية لكي لا يضيع حق مظلوم ونأمل من شعبها من جميع الطوائف والأديان أن يحفظوا هذا النصر العظيم وأن لا يعودوا للوراء لتعود سوريا وتأخذ مكانها الذي تستحق.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

الدستور
منذ 11 ساعات
- الدستور
الاستقلال 79
الاستقلال ليس مجرد يوم نحتفل به كل عام، بل هو شعور يجري في عروقنا ودمائنا، وهو كما الروح نعيش بها ولا نراها. بيد أن الاستقلال - خصوصًا في هذه الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم - بتنا نشعر به في كل يوم، وفي كل لحظة ننظر فيها لما يجري من حولنا لندرك عظمة نعمة الاستقلال التي حبى الله بها الأردن. وللدلالة على ما أقول دعونا نستعرض النقاط التالية:1 - الاستقلال له معانٍ ودلالات، وفي مقدمتها نعمة الأمن والأمان، وإلا فهناك كثير من الدول في الإقليم والعالم لديها يوم وطني تحتفل به بالاستقلال، لكن عن أي استقلال تتحدث وهي لا تنعم لا بالأمن ولا بالأمان؟ والشواهد على ذلك كثيرة، ولا داعي لذكر أسماء دول عربية وأفريقية وحتى أوروبية، وفي كافة قارات العالم.2 - الاستقلال له صور ودلالات سياسية وأخرى اقتصادية، تؤكد على استقلال البلد، والأردن منذ استقلاله في العام 1946 وقراره السياسي والاقتصادي حرّ، مرجعيته مصلحة الوطن العليا. وقد تحمّل الأردن نتيجة هذا القرار المستقل نتائج كبيرة، ودفع أثمانًا كبيرة تمثلت بضغوطات اقتصادية وسياسية، نجح الأردن بقيادة الهاشميين على مدى عقود، بل ولأكثر من قرن، في الصمود في وجه الأعاصير، تسنده وتلتف من حوله جبهة داخلية متماسكة لا تحني هاماتها إلا لخالقها جلّ وعلا.3 - كي لا نذهب بعيدًا ونتصفح في أوراق التاريخ، لنقرأ واقع حال الأردن اليوم، ونحن نحتفل بعيد الاستقلال الـ79، لنجد أن الأردن ثابت على مبادئه، ويجسد استقلاله باستقلال قراره السياسي بتمسكه بقضيته المركزية، وولاءات جلالة الملك الثلاث (لا للتوطين - لا للتهجير - لا للوطن البديل)، والقدس خط أحمر. فالأردن ستبقى «بوصلته فلسطين وتاجها القدس الشريف»، وسيبقى الأردن هذا موقفه الثابت والراسخ والمستقل رغم كل الضغوطات.4 - رغم ضعف الإمكانات الاقتصادية، إلا أن الأردن لم ولن يساوم، ولا بأي ثمن، على مبادئه ومواقفه الثابتة والراسخة. ولذلك فهو ماضٍ في مشاريع الاكتفاء الذاتي اقتصاديًا، وقد حقق نتائج مرضية، ويواصل العمل من خلال رؤى التحديث الثلاث - وتحديدًا رؤية التحديث الاقتصادي 2033 - لرفع معدلات النمو وخلق مليون وظيفة وصولًا إلى رضا المواطن. وهذا ترجمة حقيقية لمعنى من معاني الاستقلال.5 - رغم رفع شعار «الأردن أولًا»، إلا أن الأردن لم يتخلَّ يومًا عن أمّتيه العربية والإسلامية، بل لم يتخلَّ عن البشرية جمعاء، انطلاقًا من تبنّيه رسالة السلام - وهي رسالة الإسلام - في ذات الوقت. وهذا سرّ من أسرار احترام العالم للأردن، ملكًا وشعبًا، لأنّ الأردن بقيادته الحكيمة صمّام أمان للإقليم والعالم، وداعٍ رئيس من دعاة السلام ونبذ العنف ومحاربة الإرهاب.6 - على مدى تاريخ الأردن الزاخر بالإنجازات والعطاء، مسيرة نهضة وبناء يقودها الهاشميون، وحولهم جيش عربي مصطفوي يذود عن حمى الوطن ويدعم استقلاله، وشعب أصيل معطاء يبني وطنه في كافة القطاعات والمجالات، ويساهم في بناء الأردن جيلًا بعد جيل.*باختصار: معاني الاستقلال متواصلة، تواصل الزمان وديمومة المكان، والاستقلال نعمة عظيمة لا يدرك عظمتها إلا من فقدها. وأكرر: لننظر لما يجري حولنا في الإقليم والعالم، لندرك نعمة الاستقلال التي ننعم بها بفضل الله أولًا، وبحكمة وحنكة القيادة الهاشمية المظفّرة، ويقظة جيشنا الباسل وأجهزتنا الأمنية بكافة قطاعاتها من أمن عام وفرسان الحق، وبعطاء الأردنيين النشامى على مدى العصور، والتفافهم - كما الجسد الواحد - في جبهة داخلية موحّدة ومتماسكة في وجه الخطوب والتحديات والفتن، التي تتكسّر سهام سمومها دائمًا على حائط الوحدة الوطنية والشعب الأردني العظيم.حمى الله الأردن، ملكًا وولي عهد وجيشًا وشعبًا، وكل عام والجميع بألف خير.


أخبارنا
منذ 19 ساعات
- أخبارنا
خادم الحرمين الشريفين يصدر توجيهه باستضافة 1300 حاج وحاجة من 100 دولة لأداء مناسك الحج
أخبارنا : وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- باستضافة (1300) حاج وحاجة من (100) دولة لأداء مناسك الحج لهذا العام 1446هـ، وذلك ضمن برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة والزيارة، الذي تنفذه وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد. وبهذه المناسبة، رفع معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد المشرف العام على برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين، ولصاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- على هذا التوجيه الكريم، الذي يعكس ما تقوم به القيادة الحكيمة في خدمة قضايا الأمة الإسلامية، ويؤكد رسوخ المملكة العربية السعودية في موقعها الريادي للعالم الإسلامي. وأوضح أن الوزارة بدأت فور صدور التوجيه الكريم، تسخير جميع الإمكانات والطاقات لتقديم أفضل الخدمات للضيوف، حيث تم إعداد خطة تنفيذية متكاملة تشمل برامج إيمانية وثقافية وعلمية، وزيارات ميدانية لأبرز المعالم الإسلامية والتاريخية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، إلى جانب تنظيم لقاءات مع عدد من العلماء وأئمة الحرمين الشريفين، مما يعزز الأثر الروحي والمعرفي لهذه الرحلة المباركة. وعدّ برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة والزيارة من المبادرات النوعية والمتميزة التي تهدف إلى توثيق الصلات مع القيادات الدينية والعلمية والفكرية في العالم الإسلامي، وتعزيز التواصل الحضاري والدعوي، مشيرًا إلى أن البرنامج استضاف منذ انطلاقته عام 1417هـ قرابة 65 ألف حاج وحاجة من 140 دولة، وفرت لهم الوزارة منظومة متكاملة من الخدمات اللوجستية والدينية والصحية والثقافية، بدءًا من لحظة ترشيحهم وحتى عودتهم إلى بلدانهم بعد أداء مناسك الحج. وأكد معاليه أن هذه الاستضافة تُمثل صورة مشرقة من صور عطاء المملكة الذي لا ينضب في خدمة الإسلام والمسلمين، وتجسد رؤية المملكة في تعميق علاقاتها مع الشعوب الإسلامية وتعزيز الحضور الإيجابي عالميًا، تحقيقًا لمستهدفات رؤية 2030 في بُعدها الإسلامي والإنساني، سائلًا الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، وأن يجزيهما خير الجزاء على ما يقدمانه من جهود جليلة لخدمة الإسلام والمسلمين، وأن يديم على المملكة أمنها واستقرارها وريادتها في شتى المجالات. ــ واس

عمون
منذ يوم واحد
- عمون
الاستراتيجية الأردنية بعيد الاستقلال تحول لا ثبات!
في أقل من أسبوعين، كان مسؤولان بريطانيان عسكريان في عمّان؛ الأول مستشار مجلس الأمن القومي البريطاني، والثاني كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية. وقد يكون رئيس وزراء مالطا في عمّان ومباحثاته الموسعة مع أعلى مراتب المسؤولية السياسية الأردنية في الدولة ما يتفق ضمنيًا مع عنوان المقالة. في الفصل التمهيدي، يمكن أن زوّار عمّان، في أعلى مستوياتهم، يرون أن هذه العاصمة في استراتيجيتها تحمل سؤالًا وجوابًا: كيف أن النظام العربي يُعاد تشكيله بعد 7 أكتوبر، حرب الإبادة وتطوّرها إلى حرب التجويع على غزة، وعودة ترامب للبيت الأبيض بعنفوان بارز، مُلخصة بإعادة هيبة أمريكا في العالم.! وبعد سقوط نظام الأسد التابع لطهران، ونزع أنياب حزب الله، وتصفيات متتالية لقيادات سياسية وعسكرية من طراز رفيع لحركة حماس، وببزوغ مشروع عقاري للحل في غزة من بين رُكامها الحجري والبشري، تطوّر إلى "ريفييرا غزة"، ثم مشروع عربي تمويلي، ليكون سؤال وجواب زوّار عمّان قد صاغته جولات متواصلة مرهقة للملك في أوروبا، ودول اجتماع العقبة، وداخل المؤسسات الأمريكية التمثيلية: الاقتصادية، المالية، الاستخبارية، العسكرية، الدفاعية، وصنّاع الرأي العام، للوقوف على أبعاد المرحلة الجديدة لأمريكا، وقراءة دقيقة للقوى والتيارات التي تصنع التغيير وتدير دفة إدارة البيت الأبيض، خصوصًا المجمع الصناعي العسكري المالي الأمريكي ودوره في عسكرة السياسة. ولا ننسى استفزازات متتالية للكيان ضد الأردن ونهجه الإنساني، الذي أراد أردنًا يصبغ ويطبع البعد الإنساني على تنازع البقاء وصراع الأمم والشعوب والمصالح. قد تكون عمّان واستراتيجيتها، منذ تحول الثقل والوزن نحو موسكو (الاتحاد السوفيتي السابق) ونحو الاتحاد الأوروبي، قد قادها الراحل الكبير الحسين بن طلال الباني منذ عام 1964، واستمرت في عهد الملك عبد الله الثاني، وخصوصًا حين تم تدويل ربيع سوريا بفوضاها وكثافة فصائل التطرف التي عشّشت في سوريا، وهي من كل حدب وصوب. وبالضرورة، كان واجبًا أن تقفز أمن حدودنا الشمالية وضمان عدم اختراق السيادة الأردنية إلى المقدمة، أما من الميليشيات أو من تجّار ومروّجي المخدرات، فكان لا مناص من التنسيق السياسي والأمني، وبالضرورة البحث الجدي عن صناعة أفق للتسوية في سوريا وعودة السلم الأهلي لربوعها، دون أن يكون ذلك على حساب القضية الأم وأحداث لبنان المتتالية. هذا كان في زمن وفترة التحولات الجيوسياسية والحرب الباردة، بحيث امتلك رؤى تعزيز مواقف الأردن على الساحة الدولية، وسعى لضمان دعم روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقًا) للأردن. وفي ظل توترات العالم العربي، مرّت في الثمانينات تغييرات كبيرة بفعل الأحداث في فلسطين والضفة ولبنان والعراق والسودان ومصر وليبيا وتونس، ومن زاوية توزيع وتنويع خيارات الأردن الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية وتحقيق التوازن في السياسة الخارجية، ودور الأردن كطرف مؤثر في القضايا الإقليمية والدولية، مما أثْرى علاقات الأردن مع القوى الكبرى في العالم. وخارج إطار السيطرة السياسية، إما بالولاء أو التبعية أو كليهما، وبالاتفاق الضمني أو التقاسم المصلحي، لكل من الدولتين العظميين: بريطانيا وأمريكا. ولأجل ذلك كانت نشأته (أي الأردن) وازدهاره، بخلاف استمراره تحت رحمة الإنعاش الاقتصادي الخارجي، إما من أمريكا أو بريطانيا، وكلاهما تملكان استراتيجية التحول لا الثبات، وفق متغيرات العصر ومصالحهما العليا.! أن ندرك، والعام الجديد على الأبواب، أن التغيير الحقيقي الصحيح لا يكون إلا بتطبيق حرفي لمنظومة التحديث السياسي، والرؤية الاقتصادية، والتحديث الإداري، التي بين طيّاتها الحرص على السيادة الوطنية، والقرار المستقل، والتحالفات والاتفاقيات الاستراتيجية. هي ما نذهب إليه إلا لخدمة مصالح الأردن، وبتزامن مع تمتين لحمة النسيج الاجتماعي ووحدة الأردنيين، مقدمةً لمشروع وحدة الأمة، بمزيد من الحكم الرشيد، وبالاستمرار في تنقيح الدستور الأنقى وتعديله، وتجهيز برامج للحكم الإداري والاقتصادي والتعليم والسياسة الخارجية المتوازنة، بالطبع لا تخرج إلا عن استراتيجية وطنية لا تراعي أحدًا ولا تتزلف لأحد، ولا هي "في جيب أحد"، اللهم مع ما يجري من مستجدات في الإقليم من حولنا بوعي، فنتجنّب أن نضل أو نُستغل.! واضح أنه من الغباء الاعتقاد أن استراتيجية الأردن خاضعة أو منجذبة تارةً لأمريكا، وحين تدير ظهرها له أو تختلف الرؤى السياسية، فيُحتل "مسك الأردن من الكتف الذي يؤلمه"، فيلوذ نحو لندن أو بروكسل. وربما تذهب ببعض خبثاء السياسة والمتآمرين عليه تاريخيًا، إلى أنه يمارس دورًا وظيفيًا صنعه دهاقنة تل أبيب وجنرالات التلمود – لا سمح الله. وكأننا دولة وكيان كرتوني تتقاذفه الرياح، بينما مئة وخمس سنوات من عمره، وتسع وسبعون سنة مضت على استقلاله، وربع قرن من حكم الملكية الرابعة، لا ندرك أننا نصنع من تلاشي مفهوم الدولة – بفعل كثافة التدخلات الآتية من النظام الدولي وسرعة الأحداث التي تنذر بالانهيار – إلى دولة كأمر منطقي بالنظر إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي والمصالح الاقتصادية والسياسية، إلى دولة "فاتحة طريق" على خيارات تعزيز السيادة، وتعظيم وتفعيل القرار المستقل، وتحولات للثبات في كل شيء، إلا خلع ثوابتنا بالمقامرة بمصالح الأردن شعبًا ودولة، وأنه ارتسم على خارطة الشعوب الحية المؤمنة بالمستقبل.!