logo
هل دُمر البرنامج النووي الإيراني أم كانت ضربة استعراضية؟

هل دُمر البرنامج النووي الإيراني أم كانت ضربة استعراضية؟

معا الاخباريةمنذ 9 ساعات

طهران – معا – في عملية عسكرية هي الأكبر منذ سنوات، شنت الولايات المتحدة الأميركية فجر الجمعة 13 يونيو/حزيران 2025، هجوماً جوياً واسعاً على ثلاثة من أبرز المواقع النووية الإيرانية، شملت منشآت فوردو، نطنز، وأصفهان، مستخدمة طائرات الشبح B‑2 وقنابل خارقة للتحصينات من طراز GBU‑57، وصواريخ توماهوك دقيقة التوجيه.
وأفادت وزارة الدفاع الأميركية بأن ثلاث قاذفات B‑2 أقلعت من قاعدة وايتمان في ولاية ميزوري، وأسقطت 14 قنبلة خارقة للتحصينات على أهداف تحت الأرض في المنشآت الثلاث، وهي قنابل نادرة تمتلك الولايات المتحدة منها ما يقارب 60 فقط، ما يعني استخدام حوالي 23% من مخزونها الاستراتيجي في هذه العملية.
بالتزامن، أطلقت غواصات أميركية في الخليج العربي صواريخ كروز من نوع توماهوك باتجاه أهداف تابعة للبنية التحتية النووية الإيرانية، وسط مشاركة أكثر من 125 طائرة حربية من مختلف الأنواع في الغارات التي استمرت زهاء نصف ساعة.
ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب العملية بأنها "ناجحة للغاية"، وقال إن البرنامج النووي الإيراني "أصبح شيئاً من الماضي". أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فقد أعلن أن "إسرائيل والولايات المتحدة أنقذتا العالم من خطر نووي محقق"، في إشارة إلى ما وصفه بـ"التدمير الكامل" لقدرات إيران النووية.
إلا أن هذه التصريحات قوبلت بتشكيك واسع، إذ أشارت تقارير استخباراتية وصحفية إلى أن إيران كانت قد نقلت كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب إلى مواقع بديلة قبيل الضربة، ويُعتقد أن لدى طهران منشآت نووية سرية غير معروفة لم تشملها الضربة. كما أفادت صور الأقمار الصناعية بأن منشأة "أراك" لم تتعرض لأي قصف، رغم أهميتها في إنتاج البلوتونيوم.
وبحسب معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن، فإن المواقع المستهدفة قد تعرضت لأضرار جسيمة، لكن لا توجد أدلة حاسمة على تدمير الأنظمة المحصنة تحت الأرض، خاصة في فوردو التي تقع على عمق كبير داخل الجبل.
وفي تطور لافت، صوت البرلمان الإيراني اليوم، الأربعاء 25 يونيو/حزيران 2025، على قرار يلزم الحكومة بوقف التعامل كلياً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، بما في ذلك منع دخول مفتشي الوكالة إلى جميع المنشآت النووية، المعلنة وغير المعلنة. القرار، الذي صادق عليه المجلس بالأغلبية، اعتُبر في طهران "رداً سيادياً على العدوان الأميركي"، بينما اعتبرته أطراف دولية مؤشراً خطيراً على انغلاق كامل لمسار التفاوض والرقابة.
وبعد الضربة الأميركية بيومين، أطلقت إيران 14 صاروخاً باليستياً باتجاه قاعدة العديد الجوية في قطر التي تضم قوات أميركية. إلا أن السلطات القطرية كانت قد تلقت إشعاراً مسبقاً من طهران بالضربة، وتم إخلاء القاعدة قبل وقوع الهجوم، الذي لم يسفر عن أي خسائر بشرية أو مادية تذكر.
مصادر دبلوماسية أكدت أن قطر لعبت دوراً محورياً في احتواء التصعيد، حيث أجرت القيادة القطرية اتصالات مباشرة مع طهران وواشنطن، ونجحت في دفع الطرفين إلى القبول بوقف غير معلن لإطلاق النار.
هذا التطور أعاد طرح أسئلة ملحة حول حقيقة القدرات النووية الإيرانية ومدى معرفتها من قبل الغرب. فمع خروج الوكالة الدولية للطاقة الذرية من المشهد، واستمرار الغموض حول مواقع سرية محتملة لم تُقصف، يخشى مراقبون أن تكون الضربة الأميركية قد أصابت الواجهة فقط، بينما بقي العمق النووي الإيراني قائماً وبعيداً عن الأنظار.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المستقبل النووي الإيراني بعد الحرب
المستقبل النووي الإيراني بعد الحرب

جريدة الايام

timeمنذ 2 ساعات

  • جريدة الايام

المستقبل النووي الإيراني بعد الحرب

قبل حوالى أسبوعين، شنت إسرائيل حرباً معلنة الأهداف على إيران لتدمير قدراتها النووية، في أول مواجهة معلنة ومباشرة بين البلدين، بعد عقود من العداء وحروب ظل غير مباشرة. ورغم هجومها على المنشآت النووية والعلماء النوويين، من بين أهداف أخرى، اعتبرت إسرائيل أنها تحتاج لتدخل أميركي ينجز المهمة من خلال استخدام القنابل الأميركية الخارقة للتحصينات. وجاء التدخل الأميركي باستهداف المنشآت الثلاث النووية المعروفة فوردو وناتانز وأصفهان، يوم الأحد الماضي، والذي اعتبره الخطاب الرسمي الأميركي ناجحاً في تحقيق الأهداف بدقة بالتدمير الكامل للقدرات النووية الإيرانية. وشكل ذلك الحدث نهاية لتلك الحرب بعد أن استهدفت إيران قاعدة العديد الأميركية في قطر كرد اعتبار إيراني عن الهجوم الأميركي، في ضربة بدت وكأنها مرتبة، في إطار اتفاق أوسع أوقف هذه الحرب. ارتبطت تلك النهاية للحرب بما أعلنه قبل ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في أعقاب الضربة الأميركية، بالرغبة في إنهاء تلك الحرب، التي حققت أهدافها وفق ادعائه، ورفضه استكمال حرب استنزاف مع إيران، وفق تعبيره. ولا ينفصل ذلك عن الثمن المكلف الذي دفعته إسرائيل في تلك الحرب، والتي قدرت بأكبر تكلفه تتكبدها منذ حرب العام ١٩٤٨، واكتشافها بالدليل القدرات الهجومية والدفاعية الإيرانية. يكشف واقع ما بعد الحرب، وفق ملاحظات خبراء مخضرمين، حاضر المشروع النووي الإيراني، ونتائج قد تقلب المعادلات التي تدعي إسرائيل والولايات المتحدة أنه تم إرساؤها بعد الحرب. لم تنتهِ قضية المشروع النووي الإيراني مع نهاية هذه الحرب، بل قد تكون قد بدأت معها مرحلة جديدة في هذا المشروع. فبغض النظر عن ادعاءات الأطراف المتحاربة بالنصر، بدأت تحليلات لا يمكن تجاهلها تشير إلى عدم تحقيق الضربة الأميركية للهدف الإسرائيلي بتدمير البرنامج النووي الإيراني. فقد أكد تساحي هنغبي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، أنه «من المستحيل تدمير البرنامج النووي الإيراني بالقوة وحدها». وخلص تقييم استخباراتي أميركي تابع لوزارة الدفاع إلى أن الضربات العسكرية الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية نهاية الأسبوع الماضي لم تُدمر المكونات الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، ولكن يمكن تأخيره بضعة أشهر فقط. ويرى ذلك التقييم أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب لم يُدمر، وإن أجهزة الطرد المركزي إلى حد كبير «سليمة». وزعمت إيران أنها نقلت معظم اليورانيوم المخصب لديها إلى موقع غير معلوم قبل أن تشن الولايات المتحدة غاراتها الجوية على منشآتها النووية. وقال مارك فينو رئيس قسم انتشار ونزع الأسلحة في مركز جنيف للسياسات الأمنية إن إيران توقعت الضربات الأميركية على منشآت التخصيب الثلاث الرئيسة، وتوقع أن إيران قامت بالفعل بنقل مخزون اليورانيوم المخصب. ويسهل نقل اليورانيوم المخصب «على هيئة غاز» إلى مواقع سرية وآمنة، عبر أنابيب محدودة الحجم. كما أنه وعلى الرغم من أن تدمير اليورانيوم المخصب لا يتسبب بانفجار نووي، إلا أنه يؤدي إلى إطلاق غاز سام محدود الضرر، يصيب الموظفين المتواجدين في موقع الانفجار، إلا أن ذلك الغاز لم يتسرب بعد الضربات، الأمر الذي يرجح احتفاظ إيران بعد باليورانيوم عالي التخصيب. كما أن مكونات أجهزة الطرد المركزي صغيرة وسهلة النقل، ويفترض أن تكون إيران قد احتفظت بجزء كبير منها، بعيداً عن الضربات المتوقعة، كما أن العاملين في هذه المنشآت العلنية منها والسرية، لم يتواجدوا في تلك المنشآت عند استهدافها، ولا يزال معظمهم على قيد الحياة. وتستطيع إيران أيضاً تصنيع أجهزة الطرد المركزي، التي تحسن نسب تخصيب اليورانيوم، وقامت بتطوير أداء تلك الأجهزة عبر السنوات، الأمر الذي يرجح الفرضية أعلاه. قبل الضربات، كانت إيران تملك حوالى ٢٢ ألف جهاز طرد مركزي، حسب التقديرات. واعتبر رافائيل جروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرّض العديد منها لأضرار بعد استهداف منشأة نتانز وفوردو، نظراً للطبيعة الحساسة لتلك الأجهزة تجاه الاهتزازات. ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أنه لا يُعرف عدد أجهزة الطرد المركزي التي تملكها إيران بالفعل، وتلك التي تمكنت من إخفائها في أماكن سرية. وأكدت صحيفة التليجراف نقلاً عن خبراء، قدرة طهران على إعادة بناء المعدات الحيوية، بما في ذلك أجهزة الطرد المركزي. أعلنت إيران، قبل شن إسرائيل هجومها عليها بساعات، نيتها استبدال أجهزة الطرد المركزي القديمة في منشأة فوردو بأخرى من الجيل السادس الأسرع زمنياً في إنجاز التخصيب. كما أن إيران تمتلك مسحوق خام اليورانيوم المركز المستخرج من المناجم الصحراوية الإيرانية، والذي تقوم المنشآت النووية الإيرانية بتحويله إلى اليورانيوم المخصب. ولفتت كيلسي دافنبورت، الخبيرة في «آرمز كونترول أسوسييشن» أنه لا يمكن القضاء على المعرفة التي اكتسبتها طهران، على الرغم من اغتيال علماء نوويين. إن تدمير المنشآت النووية باختصار لا يعني نهاية المشروع النووي الإيراني، لأن المنشآت المعلنة التي دمرت لا تشكل إلا جزءا من المشروع فقط، لكن المواد الخام والإمكانيات العلمية والقدرات الصناعية المحلية كلها بقيت حاضرة. وتمتلك طهران أكثر من ٤٠٠ كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة ٦٠ في المائة، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. ورغم إمكانية تصنيع أكثر من قنبلة نووية وفق تلك المعطيات، إلا أن تحسين نسبة التخصيب لأكثر من ٩٠ في المائة، يمكن إيران من إنتاج أكثر من قنبلة نووية بحجم مناسب، تمكن الصواريخ البالستية الإيرانية، التي أثبتت نجاعتها خلال هذه الحرب الأخيرة على حملها. حاولت إيران طوال العقود الماضية بعد انكشاف سر مشروعها النووي في العام ٢٠٠٢ طمأنه العالم الغربي بسلميّة مشروعها، وأبدت استعدادها للتعاون. وكانت إيران من بين أوائل الدول التي انضمت لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مع احتفاظها بحقها في الاحتفاظ بالمشروع النووي السلمي، الذي تضمنه الاتفاقية. وأصدر المرشد الإيراني الأعلى فتوى في العام ٢٠٠٣ تحظر امتلاك واستخدام السلاح النووي في البلاد. كما وقعت إيران مع الولايات المتحدة في العام ٢٠١٥ اتفاقاً نووياً يفرض قيوداً ورقابة على مشروعها النووي. ووافقت إيران على تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 3.67 في المئة فقط لمدة ١٥ سنة، وإبقائه بعيداً عن المستويات اللازمة للإنتاج العسكري، وخفض مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة ٩٨ بالمئة. كما تم تجميد مشروع بناء مفاعل الماء الثقيل في أراك بموجب ذلك الاتفاق. وخضعت إيران لأشد مستوى من الرقابة الدولية لمشروعها النووي، مقارنة مع أي دولة أخرى في العالم. ورغم ذلك واجه الاتفاق النووي معارضة إسرائيلية، تسببت في فتور العلاقة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، دون أن تفقد العلاقات بين البلدين بالطبع زخمها. وانسحب دونالد ترامب من الاتفاق في العام ٢٠١٨، انسجاماً مع الرغبة الإسرائيلية، دون أن تتمكن الدول الغربية الكبرى، التي ضمنت الاتفاق من حمايته. كشف الهجوم الإسرائيلي على إيران، والضربة الأميركية اللاحقة عليها، بعد تجربة طويلة من محاولات الالتزام مع الغرب في إطار مشروع نووي سلمي عدم جدوى تلك المحاولات، ما يفسر إمكانية تنفيذ التهديد الإيراني، الذي جاء قبل الحرب مباشرة، بالانسحاب من اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي، والتي تتيح ذلك لأعضائها. يأتي ذلك في ظل التسريبات المتكررة لمعلومات إيران النووية من قبل الوكالة الدولية إلى جهات معادية لإيران، ما شكل إخلالاً جسيماً بمبدأ الحياد، ويشكك في نزاهة منظومة الرقابة الدولية. كما أن تلك المنظومة الدولية قد عجزت عن حماية المشروع النووي الإيراني، عندما قامت إسرائيل والولايات المتحدة باستهدافه والاعتداء عليه، وفق الاتفاقية. إن الانسحاب من المعاهدة سينقل إيران إلى وضع «الغموض النووي»، وهو ما سيجعل الدول الأخرى تتعامل معها كدولة نووية محتملة، سواء في العلاقات الدبلوماسية أم في السياسات الردعية والعقابية، والذي يعد تحوّلاً إستراتيجياً في معادلة الردع. كانت حرب الـ ١٢ يوماً ما أرادته وخططت له إسرائيل طويلاً، لكن نتائجها لم تأتِ كما تمت أو اعتقدت. فالواقع يشير إلى أن ما بعد الضربة لن يكون كما قبلها، وأن كل الأطراف باتت تراجع أوراقها في ضوء معادلة جديدة. فقد حذّر محللون من أن البرنامج النووي الإيراني قد يتحول إلى مشروع سري بالكامل بانتقاله للظل، حتى الإعلان عن عسكرته. ورأت صحيفة «بوليتيكو» أن الضربات الأميركية لإيران ربما تُعجل بقرارها السياسي نحو تصنيع سلاح نووي. فتوازن الردع أو الردع النووي في المنطقة بين إيران وإسرائيل يأتي لصالح المنطقة، ويشجع صعود أقطاب أخرى، دون أن يبقى ذلك حكراً على إسرائيل، الدولة الأكثر اعتداءً على دول المنطقة منذ تأسيسها العام ١٩٤٨. وقد أشار المنظر الواقعي كينيث والتز لتلك الخلاصة من قبل، عندما رأى أن إيران النووية من شأنها أن تساعد على استقرار المنطقة. ومن المعروف أن امتلاك السلاح النووي يشكل قوة ردع بشكل أساس، دون توقع استخدامها. فامتلاك السلاح النووي من قبل القطبين السوفييتي والأميركي خلال الحرب الباردة منع حدوث حرب عالمية ثالثة، طوال كل تلك العقود الماضية. كما أن امتلاك ذلك السلاح من قبل الهند وباكستان يعد السبب الأهم في عدم انفجار حرب نووية بين البلدين حتى الآن، كما أن امتلاك الدولة للسلاح النووي يمنحها قوة ردع ومكانة ونفوذاً عسكرياً وسياسياً على المستوى الإقليمي والدولي، ويكبد كلفة عالية في حال الاشتباك معها، ويجعل حدود العلاقات معها تدور في إطار الاحتواء والتفاوض والتفاهم بعيداً عن مهاجمتها، كما يتعامل العالم مع كوريا الشمالية حالياً.

انتهت الحرب وتغيّرت المعادلات!
انتهت الحرب وتغيّرت المعادلات!

جريدة الايام

timeمنذ 2 ساعات

  • جريدة الايام

انتهت الحرب وتغيّرت المعادلات!

الدخول في مُساجلات ليس لها معيار حول الذي انتصر، وحول الذي لم ينتصر، وكيف انتصر هذا الفريق، وكيف انهزم الفريق الآخر ليس له أيّ قيمة، لا علمية، ولا منطقية طالما أنّ معيار النصر والهزيمة ليس محدّداً، ولا هو معرف بمؤشّرات قابلة للقياس. للتدليل على ذلك تعالوا نأخذ مثالاً واحداً فقط. لنفترض أنّ معيار النصر والهزيمة هو معيار تدمير الأصول الإيرانية لبرنامجها النووي، على اعتبار أنّ الهدف المعلن من هذه الحرب كان تدمير هذا البرنامج أو إضعافه، أو إعاقة تطوّره، أو منع تحوّله إلى برنامج عسكري لتصنيع القنابل والرؤوس النووية، إذا افترضنا أنّ هذا هو المعيار فنحن أمام عدّة أسباب تجعل عملية القياس عملية مشكوكاً في أهميتها، ومشكوكاً في موضوعيتها إلى أبعد الحدود. ضربة الصدمة والترويع التي قامت بها دولة الاحتلال كانت، وكما ثبت بكلّ الوقائع تستهدف إسقاط النظام، ولم يكن «هدف» البرنامج النووي هو الهدف، بدليل أنّ الولايات المتحدة الأميركية قد دخلت على خطّ «تدميره» بعد أيّام من شنّ الهجوم الإسرائيلي على كلّ شيء في إيران. 200 طائرة مقاتلة، ومئات من الصواريخ التي انطلقت من البحر، لاغتيال أكثر من 400 شخصية سياسية وعسكرية وأمنية، بمشاركة أكثر من 8000 آلاف من قوى المعارضة، وآلاف من عملاء الموساد والمخابرات الغربية، ثم الإعلام الإسرائيلي الذي بدأ يتحدّث عن إزالة النظام، وبدأ يخاطب الشعب الإيراني مباشرة بتوجيه من أعلى المستويات السياسية، ثم دخول الرئيس الأميركي نفسه دونالد ترامب على خطّ «تغيير النظام» تلميحاً ثم تصريحاً.. كل ذلك يعني أنّ «التركيز» على البرنامج النووي كان سياقاً، وليس أكثر، وغطاءً على هدف إسقاط النظام، وتحوّل الحديث عن البرنامج النووي إلى هدف، ثم إلى ذريعة بسبب فشل هدف إسقاط النظام. أقصد أنّ معيار تحقيق الهدف من هذه الحرب، ومكانة هذا الهدف في قراءة معادلة النصر والهزيمة ملتبسة إلى حد بعيد، لأنه يصبح مطلوباً منّا في هذه الحالة أن نقبل قياس نتائج وتبعات ليس لها أيّ صلة مباشرة بالمقدّمات والأسباب التي نقيسها. ولو افترضنا جدلاً وسجالاً أنّ كل هذه الحملة الهجومية الضارية كانت مجرّد «تحضيرات» لهدف تدمير البرنامج النووي فعلاً، وأنّ علينا قياس النتائج بالمقدّمات وفق هذا الهدف تحديداً فالمسألة هنا، أيضاً، أكثر التباساً، وأكثر تعقيداً. هنا نحن أمام معايير علمية لا تقبل الحسم على شاشات «الجزيرة» و»العربية» و»العربية الحدث». هنا ليست تصريحات بنيامين نتنياهو، ولا حتى ترامب هي معيار النجاح من عدمه، وخصوصاً هذين الاثنين تحديداً بسبب سجلّهما الحافل بالأكاذيب والمراوغة والخداع، لأنّ المعيار هنا هو التسرّب، وليس غيره. يستحيل أن يتمّ تدمير ثلاثة مفاعلات تحتوي على مئات الأطنان، إن لم نقل أكثر، من المواد المشعّة، سواء كانت معالجة، أو في طور المعالجة، وآلاف من أجهزة الطرد المركزي، وعلى معادن أخرى مساعدة ولا ينتج عن «التدمير» الذي تحدّثت عنه الأوساط الإعلامية العربية تحديداً، ثم ما تشدّق به نتنياهو وترامب تباعاً دون أن يثبت حتى الآن على الأقلّ وجود أيّ نوعٍ من التسرّب. واضح، وسيتمّ الكشف عن مزيد من الوضوح في الأيام القادمة، أنّ الإيرانيين قد احتاطوا بدرجات أعلى من توقّعات نتنياهو وترامب، بل إن كل ما قيل عن الضربات الأميركية لمفاعل «فوردو» كانت تتعلّق باختراق حاجز الـ (90) متراً من الخرسانة، وبمداخل المفاعل، وهو أمر كما يبدو حتى الآن، وكما بدأت أوساط متزايدة في دولة الاحتلال، وفي «الغرب» بالكشف عنه.. واضح أنّ كلّ ما قيل عنه حتى الآن بات في موضع الشكّ والغموض. الحاجز الخرساني على ما يبدو ليس سوى الطبقة السطحية من المفاعل، لأنّ هناك مئات من الأمتار الصخرية، وأخرى من الطبقات الغرانيتية الصلبة، والتي يُقال إن اختراقها أصعب من اختراق الخرسانة المسلّحة. باختصار كان مستحيلاً تدمير المفاعل إلّا بالسلاح النووي، وهو مفاعل آمن تماماً، ولا يُستبعد أبداً أنّ إيران نقلت إلى المفاعل نفسه كلّ ما أرادت تأمينه قبل الهجوم الإسرائيلي، أو أنها أمّنت كلّ المواد التي تؤدّي «مهاجمتها» إلى التسرّب بالطريقة الآمنة. ونعود هنا إلى تحقيق الأهداف من عدمها. لا النظام سقط، ولا البرنامج النووي تدمّر، والخسائر الإيرانية مهما كانت باهظة ــ وهي باهظة فعلاً ــ ليست على صلة مباشرة بأيّ من أهداف الحرب على إيران، فكيف انتصر نتنياهو، وما هو معيار هذا الانتصار؟ إيران لم تبدأ الحرب، وكان هدفها هو التصدّي للعدوان على أراضيها، وأن تحفظ وتحافظ بقدر ما هو ممكن ومتاح على مقدّراتها، وكان لها ذلك بدليل أن فشل الأهداف الأميركية والإسرائيلية قد أدّى إلى تحوّل الحرب إلى تقاصف تتفوّق به دولة الاحتلال جوّاً واستخباريّاً، وتتفوّق به إيران قصفاً صاروخياً دقيقاً ومؤلماً، وبما يعادل في بعض الأحيان القوّة التدميرية للغارات الجوّية. وبالاستناد إلى قدرٍ مهم وكبير من المعلومات الاستخبارية، ومن هذه الزاوية بالذات فقد تفوّقت إيران في ثلاث مسائل على أعلى درجات الأهمية: الأولى، هي ذهول المجتمع الإسرائيلي من شدّة ودقّة القصف الإيراني، وهو القصف في/ وعلى مراكز المدن الإسرائيلية، وهي مسألة تحصل للمرّة الأولى بهذا القدر من الأذى والإيلام والتدمير. وقد رأينا عمليات الهروب، ولاحظنا علامات اليأس والإحباط بادية بكلّ وضوح، وكانت المدن الرئيسة على أبواب نزوح أعداد ضخمة، بعد حالة من الإرهاق النفسي، ومن النزول إلى الملاجئ وصولاً إلى تحذيرات رسمية إسرائيلية بأن الوضع لم يعد يحتمل المزيد. الثانية، سقوط مدوّ للدفاع الجوّي الإسرائيلي، واستباحة الأجواء، عندما يتعلّق الأمر بالصواريخ الإيرانية الثقيلة والمتطوّرة، مقابل استباحة الأجواء الإيرانية أمام الطيران الحربي الإسرائيلي حتى ولو كانت الاستباحة الإسرائيلية للأجواء الإيرانية أكبر وأوسع وأشمل. الثالثة، هي ضرب منشآت حسّاسة إسرائيلية، وأهداف على أعلى درجات الأهمية من التدمير، مقابل تدمير في إيران دون أن يكون للتفوّق الإسرائيلي أفضلية كبيرة في نوعية الأهداف المدمّرة. فبأيّ معنى كان هناك انتصار إسرائيلي وأميركي على إيران، وما هي مقاييس هذا الانتصار مقارنة بالأهداف، ومقارنة بالأهداف المباشرة تحديداً، الصريحة والمواربة؟ فإذا كانت الأهداف الإسرائيلية والأميركية هي تغيير الشرق الأوسط، ووضعه تحت الهيمنة الإسرائيلية كما يقول نتنياهو، فهل كانت هذه الحرب في ما أفرزته من نتائج وتبعات في خدمة هذه الأهداف أم بالضدّ منها تماماً؟ لقد تبيّن بوضوح لم يعد يقبل الجدل أنّ دولة الاحتلال، بكلّ ما تملكه من قوّة وبطش وجبروت وغطرسة عاجزة عن الدفاع الإستراتيجي عن نفسها، وهي تحتاج إلى كلّ قوّة وجبروت أميركا لتأمين مثل هذا الدفاع، وتحتاج إلى كلّ مقدّرات «الغرب» الاستخبارية، والتقنية لتأمينه، وتحتاجه كلّه، أيضاً، لتأمين وجودها وبقائها قبل أن تحتاج إلى توفير شروط انتصارها، مع أنّها استندت في هذه الحرب منذ صبيحة «طوفان الأقصى» الشهيرة، وإلى يومنا هذا إلى كلّ هذا الدعم، وإلى واقع عربي وإسلامي لم يكن على هذه الدرجة من التخاذل والهوان، إذا لم نقل على هذه الدرجة من المساهمة الفاعلة، المعلنة والمخفية في مجهودات الدولة العبرية لتغيير الشرق الأوسط، وقلب معادلاته، وفي محاولة تأسيس واقع من الهيمنة عليه. ولسوء حظّ دولة الاحتلال فقد تبيّن الآن أن أميركا لم تعد ترغب، ولم تعد قادرة على التورّط في حروب كبيرة، ولا التورّط في المشاركة المباشرة فيها، ولسوء حظّها، أيضاً، فإنّ التخاذل والهوان العربي والإسلامي ليس فقط هو من النوع المؤقّت تاريخياً، وإنّما تحوّل في ضوء نتائج هذه الحرب تحديداً إلى عابر، وسينقلب سريعاً على شروط تخاذله نحو استدارات سريعة، بل ونحو مفاجآت لم تخطر للذين خطّطوا لها. وأمّا المجتمع الإسرائيلي فقد فهم وأدرك بعمق لم يسبق له أن أدركه من قبل، أنّ زمن الحروب «البعيدة» عن هذا المجتمع قد ولّى إلى غير رجعة، وأنّ على الإسرائيلي أن يدفع ثمناً باهظاً من أمنه، ومن استقراره، ومن وجوده، ناهيكم عن رغد عيشه، ورفاهيته، وهو تحوّل إلى أعلى درجات الأهمية في معادلات الصراعات المستقبلية كلّها، لأن خيار التمسّك بالبقاء في الدولة العبرية، وفي تحمل تبعات هذا التمسك قد بدأ بالتحوّل التدريجي، وقد لا يكون تدريجياً بالكامل، من خيار معيشي، إلى خيار مشفوع بالانتماء العقائدي والسياسي، وهو بهذا المعنى سيتحوّل إلى نزف بشري نوعي وجديد وخطير على وجود ومستقبل الدولة العبرية. كل هذا دون أن نتحدث عن الخسائر الاقتصادية، وهروب رؤوس الأموال، وتكاليف إعادة الإعمار والترميم، والخسائر التي أصيب بها جيش الاحتلال، وتردّي كلّ المستويات المعيشية، ودون أن نتحدّث عن العزلة الدولية، ودون العودة السريعة إلى أعلى درجات الانقسام السياسي، وربما الاجتماعي والديني مع نهاية هذه الحرب. بالمقابل، إيران تحرّرت الآن من وكالة الطاقة الذرّية ودورها، وتحوّلت الوكالة من سلاح بيد «الغرب»، إلى سلاح بيد إيران بالتهديد الإيراني بتعليق التعاون معها في أيّ ظرفٍ مناسب. وطالما أن إيران تمتلك كل مقوّمات التصنيع العسكري للسلاح النووي كما يدّعي «الغرب» كلّه فقد تتوفّر لها فرصة جديدة تختلف بعد هذه الحرب عمّا كانت عليه قبلها. ناهيكم أنّ كل عاقل يعرف أنّ تصريح ديمتري مدفيدف نائب الرئيس الروسي حول القدرة على امتلاك الرؤوس النووية من قبل إيران إذا أردت لم تكن للتسلية والمزاح، وفي ظنّي أنّه كان يتحدث عمّا حصل، وليس عمّا يمكن أن يحصل. وإيران لديها فرصة الآن لبناء منظومات جديدة للدفاع الجوّي أكثر نجاعة ممّا كانت تمتلك، ولديها فرصة لاستخلاص العِبر من مخزونها وترسانتها الصاروخية، بحيث تصبح الأخيرة خارج أيّ حرب قادمة جديدة على المسّ بها. معادلة النصر والهزيمة واضحة أشدّ الوضوح، وهي مهما كانت ملتبسة فإنها في كلّ الأحوال ومطلقها قد غيّرت المعادلات لمصلحة إيران، أما انعكاسات الحرب الإبادية والاقتلاع على قطاع غزّة، وعلى فلسطين، فهي عنوان وعناوين المقالات القادمة.

هل قرّب العدوان الأمريكي – الإسرائيلي ، إيران من القنبلة النووية؟ بقلم د. خالد جاسر سليم
هل قرّب العدوان الأمريكي – الإسرائيلي ، إيران من القنبلة النووية؟ بقلم د. خالد جاسر سليم

شبكة أنباء شفا

timeمنذ 5 ساعات

  • شبكة أنباء شفا

هل قرّب العدوان الأمريكي – الإسرائيلي ، إيران من القنبلة النووية؟ بقلم د. خالد جاسر سليم

هل قرّب العدوان الأمريكي – الإسرائيلي ، إيران من القنبلة النووية؟ ، بقلم د. خالد جاسر سليم في أعقاب العدوان الإسرائيلي – الأمريكي المفاجئ على إيران، والذي استمر اثني عشر يومًا، بدأت تتبلور مؤشرات على احتمال حدوث تحول في العقيدة النووية الإيرانية، لا سيما في ظل الانكشاف الصارخ لنقاط الضعف في بنية الردع الاستراتيجي للدولة. فقد كشفت الضربات المركزة عن فشل منظومات الدفاع الجوي في التصدي للهجمات التي استهدفت منشآت نووية وقواعد عسكرية وبُنى تحتية حيوية، وأظهرت في الوقت ذاته هشاشة منظومة القيادة والسيطرة، وغياب التكامل الشبكي بين الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي، وضعف قدرتها على مجاراة التفوق التكنولوجي الأمريكي. هذا بالإضافة إلى ما اعتُبر إخفاقًا استخباراتيًا جسيمًا، وصفه بعض الخبراء الغربيين بـ'الهزيمة الاستخبارية الوجودية'، خاصة بعد استهداف شخصيات عسكرية رفيعة وعلماء في المجال النووي داخل العاصمة طهران، دون قدرة واضحة على الردع المسبق أو الحماية الوقائية. وعلى الرغم من أن إيران تمكنت خلال ساعات من إعادة بناء جزء من بنيتها العملياتية، بل ونفذت ضربات ألحقت خسائر في مواقع حساسة داخل الكيان الإسرائيلي، فإن هذه الاستجابة قد أسهمت في دفع تل أبيب إلى طلب تدخل أمريكي لفرض وقف لإطلاق النار، وهو ما أعلنه الرئيس ترامب لاحقًا. وفي ضوء هذا الواقع الجديد، تبرز تساؤلات مركزية داخل دوائر القرار الإيراني والإقليمي والدولي حول مستقبل العقيدة النووية، وجدوى الاستمرار في النهج الحالي. وانطلاقًا من هذه اللحظة المفصلية، يقوم هذا المقال على توظيف منهجية تحليل القوى (Field Force Analysis) لتفكيك العوامل المؤثرة في احتمالية اتخاذ إيران قرارًا استراتيجيًا بامتلاك القنبلة النووية. ويركز التحليل على تحديد القوى الدافعة (Driving Forces) التي تُعزز هذا الاتجاه، مقابل القوى المعطّلة (Restraining Forces) التي تُثني طهران عن هذا الخيار. هذا السياق فتح الباب أمام نقاش جدي دوائر القرار الإيراني حول جدوى الاستمرار بسياسة 'الغموض النووي' التي انتهجتها الجمهورية الإسلامية لعقود، حيث تزداد احتمالية أن تتجه طهران نحو خيار التصعيد النووي من خلال رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 90%، وهو المستوى اللازم لصنع سلاح نووي، بما يشكّل خروجًا صريحًا عن مسار الاتفاق النووي الموقّع عام 2015 والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عام 2018. مثل هذا التحول لن يكون مجرد رد فعل رمزي، بل محاولة واعية لفرض معادلة ردع جديدة على غرار النموذج الكوري الشمالي، تضمن منع تكرار الضربات الاستباقية من قبل الولايات المتحدة أو الكيان الإسرائيلي، واستعادة الهيبة والردع العسكري الإيرانيين. وفي قلب هذا التوجه، يتصاعد الجدل الداخلي حول الفتوى الدينية التي أصدرها المرشد الأعلى علي خامنئي والتي تحرّم إنتاج واستخدام السلاح النووي، حيث بدأت بعض الأصوات داخل المؤسسة السياسية والأمنية الإيرانية تطرح سؤالًا مفصليًا: هل آن الأوان لتجاوز الاعتبارات الأيديولوجية لصالح حسابات واقعية تقوم على توازنات القوة والمصالح الوطنية؟ خاصةً في ظل قناعة متزايدة بأن الردع لا يُبنى بالنوايا والقيم والاخلاق، بل بامتلاك أدوات القوة التي تُفرض بها قواعد اللعبة في الإقليم. ولعل هذا التخوّف من غياب وسائل الردع التقليدية، هو ما قاد – سابقًا ويقود حاليًا – العديد من منتقدي الاعتداء على إيران إلى التأكيد أن الخيار الوحيد المتاح أمامها الآن للدفاع عن نفسها هو امتلاك القدرة النووية الرادعة، باعتبارها الضامن الوحيد لردع أي عدوان مستقبلي. ويبدو أن هذا التحول النظري في المقاربة الإيرانية لا يظل حبيس الجدل الداخلي فقط، بل بدأ يأخذ ملامح ميدانية ملموسة، كما يظهر في ما أُعلن مؤخرًا من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأكدته إيران، بشأن قيام الأخيرة بنقل أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب (60%) إلى مواقع غير معروفة. ورغم أن طهران لم تقدّم تفسيرًا لهذا التحرك، إلا أن التحليل يشير إلى ثلاثة احتمالات رئيسية مترابطة: أولها أن يكون الهدف هو استخدام هذه الكميات في عملية تصنيع نووي سريع؛ ثانيها تجنّب وقوع كارثة إشعاعية في حال تعرض المنشآت لهجمات جديدة؛ أما الاحتمال الثالث فهو استخدام هذا المخزون كورقة تفاوضية في أي مسار سياسي قادم، خاصة في ظل انكشاف هشاشة الاتفاقات السابقة وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي دون التزام في العام 2018. ويكتسب هذا التوجه بعدًا إضافيًا مع ما صدر مؤخرًا عن البرلمان الإيراني من توصية صريحة بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية(NPT)، وهي خطوة تحمل دلالات متعددة، تتراوح بين كونها أداة ضغط تكتيكية موجهة إلى المجتمع الدولي لانتزاع مكاسب تفاوضية، وبين كونها مؤشرًا مبكرًا على تحوّل نوعي محتمل في العقيدة النووية الإيرانية نحو فكّ الارتباط تدريجيًا عن الالتزامات القانونية والأخلاقية التي قيّدت طهران لعقود. كما يأتي هذا التطور الميداني في سياق الغموض الذي لا يزال يكتنف مستوى الضرر الحقيقي الذي لحق بثلاثة من أبرز المواقع النووية الإيرانية وهي نطنز وأصفهان وفوردو، ففي حين تؤكد الرواية الأميركية أن هذه المنشآت قد 'دُمّرت بالكامل'، تُصرّ مصادر أخرى – من بينها الحكومة الإيرانية – على أن الأضرار كانت طفيفة، وأن العمل جارٍ بالفعل لإعادة تأهيل المواقع واستعادة قدراتها التشغيلية. إلى جانب العوامل الخارجية، تبرز ضغوط داخلية متزايدة من التيار المتشدد في إيران، الذي بات يطالب علنًا بضرورة امتلاك سلاح نووي بوصفه الضامن الوحيد لبقاء النظام وسط بيئة دولية متقلبة وعدائية. هذا التيار يجد في فشل الردع التقليدي وانهيار منظومات الحلفاء الإقليميين – لا سيما ضعف قدرة حزب الله على الردع غير المباشر – حافزًا إضافيًا لتسريع التصعيد النووي. كما أن فقدان الثقة في الضمانات الدولية، خاصة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وتجاهلها للمسارات الدبلوماسية، قد يدفع طهران إلى التخلي عن الرهان على المجتمع الدولي، واعتماد منطق الواقعية السياسية التي تربط تحقيق المصالح الوطنية بموازين القوة وليس بحسن النوايا. رغم وجاهة هذا الطرح داخل بعض الدوائر الإيرانية، يبقى خيار تصنيع القنبلة النووية محفوفًا بتحديات جسيمة على المستويين العسكري والسياسي. أولى هذه التحديات تتمثل في التهديدات الصريحة المتكررة التي أطلقها الكيان الإسرائيلي، والذي أكد – على لسان قياداته العسكرية والسياسية – أنه لن يسمح لإيران بالوصول إلى العتبة النووية، وأنه مستعد لتنفيذ ضربة استباقية واسعة النطاق تُفشل أي محاولة إيرانية في هذا الاتجاه. ولا يقلّ الموقف الأميركي حدة، إذ شدد الرئيس دونالد ترامب في أكثر من مناسبة خلال الأزمة الأخيرة على أن 'إيران لن تمتلك أبدًا سلاحًا نوويًا'، مضيفًا في أحد خطاباته: 'لن نسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم داخل ايران'، في إشارة واضحة إلى أن مجرد العودة إلى التخصيب العالي يُعد خطًا أحمر يستدعي ردًا مباشرًا. ويكشف هذا التصعيد اللفظي عن موقف أميركي متشدد لا يكتفي بالتحذير، بل يلوّح بخيارات عملية، سواء عسكرية أو سياسية، في حال اتخذت طهران خطوات فعلية نحو العتبة النووية. إلى جانب ذلك، فإن أي تحرك نووي من هذا النوع سيجعل طهران عرضة لحزمة جديدة من العقوبات الدولية المشددة، تقودها واشنطن وبدعم أوروبي محتمل، الأمر الذي من شأنه أن يعيد إيران إلى دائرة العزلة السياسية والاقتصادية، ويقوّض محاولاتها للخروج من أزماتها الداخلية المتفاقمة. انطلاقًا من ذلك، فإن توقيت تنفيذ هذا السيناريو يظل مرهونًا بتطورات المشهد السياسي والعسكري في الأشهر والسنوات المقبلة. فمن غير المرجح أن تقدم إيران على هذه الخطوة خلال الأشهر الستة القادمة، نظرًا للكلفة العالية وردود الفعل المتوقعة فضلا عن ان الأولوية هي ترميم القدرات الداخلية التي تضضرت بفعل العدوان والتي تحتاج الى مدى متوسط الى طويل. أما على المدى المتوسط، أي في غضون سنة إلى سنتين، فقد يصبح هذا الخيار في مستوى متوسط من حيث القابلية للتحقق إذا استمرت التهديدات وتراجعت فرص التسوية السياسية. أما على المدى البعيد، فإن فشل كل المسارات التفاوضية، واستمرار العدوان، قد يجعل من هذا السيناريو مرجحًا بشكل كبير. خلاصة القول إن إيران، رغم إدراكها للمخاطر الجسيمة المرتبطة بالتحول الكامل نحو الخيار النووي، أصبحت أمام مسار لا بد من النظر إليه بجدية متزايدة، بوصفه ورقة ضغط وردع استراتيجية يصعب استبعادها. لا يُطرح هذا الخيار بوصفه المسار الأول أو المفضل، لكنه بات أكثر احتمالًا مما كان عليه قبل العدوان، خاصة إذا ما استُنفدت البدائل الأخرى، وثبُت أن قوة الردع لا تُبنى فقط على القدرات الصاروخية أو دعم الحلفاء الإقليميين، بل على ما تفرضه موازين القوة من احترام.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store