logo
هل يصمد اتفاق الفيول العراقي أمام زلزال مضيق هرمز؟

هل يصمد اتفاق الفيول العراقي أمام زلزال مضيق هرمز؟

في لحظة حاسمة من التصعيد الإقليمي، يواجه لبنان خطر انقطاع شامل في التيار الكهربائي وسط اضطراب سوق الطاقة العالمية وتهديد إيراني جدي بإغلاق مضيق هرمز. ومع اعتماد البلاد شبه الكامل على الفيول العراقي، يصبح أي خلل في الإمدادات تهديداً مباشراً لأمنه الطاقوي واستقراره الاجتماعي. التهديد الإيراني، الذي عاد إلى الواجهة من جديد، لم يعد مجرّد ورقة إعلامية بل تحوّل إلى أداة ضغط جيوسياسية تستعملها طهران في وجه التصعيد الإسرائيلي المتواصل، وسط تضييق الخيارات السياسية أمامها.
يقف لبنان، المستورد بالكامل للمحروقات، في موقع بالغ الهشاشة. أي تعطيل جزئي في حركة الملاحة النفطية قد يدفعه إلى أزمة طاقة كارثية، في ظل اتفاق نفطي هشّ مع بغداد وغياب أي مخزون استراتيجي فعّال. والسؤال المطروح: هل يمتلك لبنان خطط طوارئ حقيقية؟ وهل بإمكانه الصمود في وجه عاصفة نفطية قد تُغلق كل قنوات الإمداد؟
مضيق هرمز
يمرّ عبر مضيق هرمز يومياً ما بين 17 و20 مليون برميل من النفط الخام، أي ما يقارب 20 % من الإمدادات العالمية، بالإضافة إلى ربع تجارة الغاز المسال في العالم. هذا الممر البحري الحيوي الذي لا يتعدى عرضه 33 كيلومتراً في أضيق نقاطه، يشكّل نقطة ارتكاز استراتيجية لأسواق الطاقة الدولية.
إيران، من خلال النائب إسماعيل كوثري، أعلنت أنها "تدرس جدياً" خيار الإغلاق، في رد مباشر على الهجمات الإسرائيلية الأخيرة. وقد تسبب هذا التهديد بارتفاع فوري في سعر برميل برنت إلى ما فوق 90 دولاراً، فيما تُقدّر مؤسسات متخصصة أن أي تعطيل جزئي قد يدفع الأسعار إلى 130 دولاراً، أما الإغلاق الكامل فقد يتجاوز سعر البرميل عتبة الـ 200 دولار.
فيول العراق... اتفاق هشّ
يعتمد لبنان على اتفاقية مقايضة حكومية مع العراق، تتيح تزويده بكميات شهرية من الفيول الثقيل مقابل خدمات لبغداد، ويتم تجديد هذه الآلية كل ستة أشهر، وقد مُدّد العمل بها في آذار 2025.
لكن هذا الاتفاق، رغم ضرورته، يقف اليوم أمام تحديات متفاقمة، أبرزها:
• احتمال تعديل بغداد لشروط الاتفاق في حال تجاوز الأسعار سقفاً معيّناً؛
• تعقيدات الشحن نتيجة التوتر في مضيق هرمز؛
• تجربة صيف 2024، حين تأخرت الشحنات لأكثر من أسبوعين، وأدخلت البلاد في عتمة شاملة؛
• انعدام المخزون الطارئ، ما يجعل لبنان مكشوفاً بالكامل لأي خلل بحري أو سياسي.
العتمة تقترب؟
أي خلل في تسليم شحنات الفيول، يهدّد لبنان بعواقب فورية وخطيرة، منها:
• ارتفاع كبير في أسعار المحروقات محلياً، مع انعكاسات مباشرة على النقل والتوزيع والإنتاج؛
• تفاقم عجز مؤسسة كهرباء لبنان، في ظل تآكل احتياطياتها الدولارية؛
• انفجار اجتماعي محتمل نتيجة تصاعد كلفة تشغيل المولدات وارتفاع الفاتورة الطاقوية للمواطنين والمؤسسات.
العاصفة بدأت
من جهتها، حذّرت خبيرة النفط والطاقة كريستينا أبي حيدر من أن إغلاق مضيق هرمز، وقالت لـ "نداء الوطن"، إذا نُفّذ التهديد بإغلاق المضيق، لن يصيب فقط الأسواق العالمية، بل سينعكس مباشرة على إيران نفسها، إذ إن جزءاً كبيراً من صادراتها النفطية إلى الصين والهند يمرّ عبر هذا الممر. هذا النوع من التصعيد، وإن استُخدم سابقاً كأداة ضغط، إلا أنه في حال تنفيذه سيحمل تكلفة اقتصادية باهظة على طهران قبل غيرها.
تسارع التطورات، وتغيّر نبرة بعض العواصم الدولية، ومؤشرات ميدانية متراكمة، تُنذر – وفق تقييمها – باحتمال اندلاع مواجهة واسعة قد تشمل أطرافاً دولية وإقليمية، ما يعني دخول ملف الطاقة في صلب المعركة.
وتُحذّر التقديرات من قفزة في أسعار النفط قد تتجاوز 150، وربما 200 دولار للبرميل، ما سيؤثر ليس فقط على المحروقات، بل على الاقتصاد العالمي، الغذاء، النقل، وسلاسل التوريد. في لبنان، تبدو الصورة أكثر قتامة. لا بدائل حقيقية للفيول العراقي، ولا بنية تخزين قادرة على امتصاص أي تأخير. العقود الحالية لا تمر جميعها عبر الأطر الدستورية، وبعضها لا يتمتع بحماية قانونية كافية. في حال تعثّرت أي شحنة، يعود لبنان مباشرة إلى العتمة، كما حصل عام 2024.
مؤسسة كهرباء لبنان، بحسب أبي حيدر، تُدير الوضع بأسلوب يومي ارتجالي. لا خطة بديلة، لا جدول واضح للاستيراد، والتمويل يتم من خلال حسابات دولارية تُستنزف تباعاً من دون رؤية مستدامة. التهديد لم يعد نظرياً. أزمة الطاقة في لبنان باتت مرهونة بتوازنات إقليمية تفوق قدرته على التأثير فيها، لكنه سيكون من أوائل الدول المتضرّرة إذا تعطّل أي جزء من منظومة الإمداد.
الوقت لم يعد في صالح لبنان
أمام هذا المشهد المقلق، يجد لبنان نفسه على مفترق طرق حاسم في ملف الطاقة، حيث لم يعد بالإمكان التعويل على الحلول الظرفية أو التعايش مع الأزمات المتكررة. فالتهديدات الإقليمية المتسارعة، وهشاشة الاتفاقات النفطية القائمة، وانعدام المخزون الطارئ، كلها مؤشرات تنذر بانزلاق في أية لحظة، قد يقود إلى انقطاع شامل في التيار الكهربائي، وما يحمله ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة.
ورغم تعويل اللبناني على الحلول البديلة التي تدخل المولدات الخاصة من ضمنها، إلا أن ذلك لا يغني عن ضرورة إيجاد حل جذري لهذا الملف. وإذا كان وزير الطاقة جو الصدي يعمل بطريقة منهجية لزيادة الإنتاج من خلال إنشاء معامل جديدة، وتطبيق قانون الطاقة الذي لم يُطبّق خلال سنوات طويلة، إلا أن الوصول إلى النتائج المرجوة تحتاج إلى مزيد من الوقت. وحتى تأتي الخطط ثمارها، سيبقى وضع الكهرباء في لبنان هشّاً ومعرّضاً في كل لحظة لانتكاسة أو أكثر.
جوزيان الحاج موسى - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

البتكوين تتراجع دون 100 ألف دولار
البتكوين تتراجع دون 100 ألف دولار

المدن

timeمنذ ساعة واحدة

  • المدن

البتكوين تتراجع دون 100 ألف دولار

سجّلت العملات المشفّرة تراجعات حادة اليوم الأحد، على وقع التطورات الجيوسياسية المتسارعة في الشرق الأوسط، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تنفيذ غارات جوية استهدفت منشآت نووية إيرانية، في تصعيد غير مسبوق للأزمة بين طهران وتل أبيب. وهبطت البتكوين، العملة الرقمية الأكبر في العالم من حيث القيمة السوقية، بنسبة 4.13 في المئة لتكسر حاجز 100 ألف دولار، مسجّلة 99.237 دولاراً، قبل أن تقلص خسائرها تدريجياً إلى نحو 3 في المئة. أما الإيثريوم، ثاني أكبر العملات المشفّرة، فانخفضت بنسبة 8.52 في المئة لتبلغ 2.199 دولاراً، مواصلة أداءها الضعيف خلال الأسبوع الماضي، والذي شهد تراجعاً عاماً فاق 5 في المئة في سوق الأصول الرقمية. وجاء هذا الهبوط بعد تأكيد ترامب أن المقاتلات الأميركية قصفت ثلاث منشآت نووية إيرانية: فوردو، نطنز، وأصفهان. وأعاد دخول واشنطن المباشر على خط المواجهة رسم مشهد الحرب في المنطقة، ودفع المستثمرين إلى التحوّط عبر الخروج من الأصول عالية المخاطر، مثل العملات المشفرة، التي تُعرف بتقلباتها الشديدة في أوقات الاضطراب الجيوسياسي. ويخشى محللون من أن يستمر الضغط على العملات الرقمية إذا ما استمرت حالة الغموض بشأن مسار التصعيد بين إيران، إسرائيل، والولايات المتحدة، أو في حال صدرت ردود فعل عسكرية إيرانية جديدة. ومنذ بداية العام، سجلت بتكوين مكاسب قوية دفعتها لتجاوز عتبة 100 ألف دولار للمرة الأولى في تاريخها، إلا أن المستجدات الأمنية الأخيرة قد تهدّد هذه المكاسب في حال استمر القلق العالمي بشأن استقرار المنطقة.

من لبنان إلى سوريا والعراق: سيناريوهات سوداوية لاقتصادات المنطقة
من لبنان إلى سوريا والعراق: سيناريوهات سوداوية لاقتصادات المنطقة

المدن

timeمنذ ساعة واحدة

  • المدن

من لبنان إلى سوريا والعراق: سيناريوهات سوداوية لاقتصادات المنطقة

يزداد المشهد الاقتصادي العالمي ضبابية، مع استمرار الحرب بين إسرائيل وإيران لا سيما بعد دخول الولايات المتحدة الأميركية مباشرة على خط الاستهداف... وسط غياب أي أفق حالياً لتسوية الصراع بين الجانبين. ما يعني أن الخيارات العسكرية لا تزال متقدمة، وهذا ما يؤدي إلى حصول ارتدادات لا تطال اقتصادات كل من إيران وإسرائيل فحسب، بل أيضاً المنطقة والاقتصاد الإقليمي والعالمي. ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران في الثالث عشر من حزيران، بدأت الأسواق العالمية بإظهار حساسية مفرطة تجاه أي تطوّر ميداني، تمثّلت بارتفاع حاد في أسعار النفط، وتذبذب البورصات، واضطراب سلاسل الإمداد. في هذا السياق، تطرح تساؤلات جوهرية حول مصير الاقتصاد العالمي، ومقدار تأثر دول المنطقة بهذا النزاع المفتوح. النفط والغاز على خط النار تُجمع تقديرات مراكز الأبحاث والمؤسسات المالية على أن استمرار الحرب أو توسعها سيؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط، وسط ترجيحات بوصول برميل النفط إلى 130 أو حتى 150 دولاراً، بحسب "جي بي مورغان" و"آي إن جي". ويتوقّع أن تشهد أسعار الغاز الطبيعي قفزات مماثلة، خصوصاً إذا استُهدفت منشآت الإنتاج أو تعطلت الإمدادات في الخليج، أو أُغلق مضيق هرمز، ما سيفاقم أزمة الطاقة عالمياً ويرفع معدلات التضخم. ومن المحتمل أن تزيد تلك التقديرات تشاؤماً مع اقتراب إيران من اتخاذ قرار إغلاق مضيق هرمز، عقب استهداف واشنطن لمنشأتها النووية. الطيران وأزمة النقل البحري توقفت العديد من شركات الطيران الدولية عن تسيير رحلاتها إلى وجهات في الشرق الأوسط، مع إعلان بعض الدول إغلاق أجوائها جزئياً أو كلياً. هذا الانكماش في حركة النقل الجوي انعكس سلباً على أسهم شركات الطيران، التي سجلت تراجعاً بين 3.7 في المئة و10 في المئة، مع توقعات بتكبّد خسائر إضافية إذا استمر التعليق أو توسّع نطاقه. ويضع التصعيد في المنطقة مضيق هرمز، الذي يمر عبره نحو 30 في المئة من تجارة النفط العالمية، في دائرة الخطر. فتهديدات إيران الجدية بإغلاق المضيق تُثير قلقاً حقيقياً من تعطّل سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار الشحن البحري، وخسائر فادحة في التجارة الدولية، لاسيما بعد توصية مجلسا لشورى الغيراني في السعاات الماضية بإغلاق المضيق وترك القرار للمجلس الأعلى للأمن القويمي، ما يرفع من تهديد الأمن الاقتصادي للمنطقة والعالم. تأثيرات الحرب على اقتصادات المنطقة تأثيرات الحرب نبدأ من مصر التي تأثرت فيها البورصة سلباً، ومنيت بخسائر تجاوزت 90 مليار جنيه (نحو 1.8 مليار دولار)، فيما تراجعت قيمة الجنيه أمام الدولار وسط موجة بيع، مع تحمّل الموازنة أعباء إضافية بفعل ارتفاع أسعار النفط. كما ألغت شركات سياحية أجنبية عديدة رحلاتها إلى مصر، ما يهدد موسم الصيف، ويعني خسائر محتملة في السياحة والدولار السياحي. وإذا توسعت الحرب لتشمل الملاحة، فإن عائدات قناة السويس ستكون مهددة بالتراجع. من جهته، يواجه الأردن أزمة بالأمن الطاقوي، إذ يعتمد الأردن بشكل كبير على استيراد الغاز لتوليد الكهرباء. ومع ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً، من المتوقع أن ترتفع كلفة الإنتاج، وتتحمل شركة الكهرباء الوطنية أعباء إضافية، ما قد ينعكس على تعرفة الكهرباء للمواطنين. السياحة، التي تُعد رافعة أساسية للاقتصاد الأردني، تتأثر أيضاً بتعليق الرحلات وإغلاق الأجواء. أما لبنان فيعاني تداعيات مزدوجة، فالبلد يعاني أساساً من أزمة اقتصادية خانقة، ويشكل ارتفاع أسعار الطاقة تهديداً مباشراً للقطاعات الإنتاجية والخدمية. تراجع الرحلات الجوية من وإلى بيروت، وتوقف شركات طيران عن العمل في الأجواء اللبنانية، يعيدان التذكير بحساسية الاقتصاد اللبناني تجاه الاستقرار الإقليمي، خاصة في قطاع السياحة الذي يشكل شرياناً حيوياً للبلاد. أما سوريا ورغم التخفيف الدولي التدريجي من العقوبات، وتنامي الحديث عن إعادة الإعمار، جاءت الحرب لتضع حداً مؤقتاً لهذه الفرص. تراجعت الليرة السورية بنسبة 10 في المئة خلال أيام، ما يعني مزيداً من التضخم، وسط عزوف المستثمرين عن الدخول إلى الأسواق السورية، وتوقف النشاط السياحي الواعد. وليس العراق بأفضل حالاً، فالعراق يعتمد على الغاز الإيراني لتوليد الكهرباء، وأي استهداف للمنشآت الإيرانية يعني نقصاً حاداً في الإمدادات. كما أُغلقت المطارات العراقية وتوقفت حركة الطيران، بينما تراجع الدينار مقابل الدولار، وسط مخاوف من تضخم جديد يطال المواد الغذائية المستوردة من إيران. ورغم عدم دخول دول الخليج بشكل مباشر في الحرب، فإن بورصاتها كانت من أوائل المتأثرين. شهدت مؤشرات الأسواق في السعودية والكويت وقطر والإمارات تراجعات قوية، مع تسجيل انخفاضات في بورصة الكويت بلغت دفعت إلى تعليق التداول في وقت سابق. كما سجل مؤشر أبوظبي أدنى مستوياته خلال 7 أسابيع، ومؤشر سوق دبي تراجع لأدنى مستوياته خلال شهر. وفي حال استمر الصراع أو توسع ليشمل سلاحاً نووياً أو استراتيجياً، فإن المنطقة بأسرها ستواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية غير مسبوقة، تهدد استقرارها لعقود. ولا يحمل المشهد على تراجع التصعيد، والسيناريوهات القادمة تبدو أكثر قتامة، خصوصاً مع ازدياد انعدام الثقة، وغياب الحلول السياسية. ومع دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة حساسة من التعافي، فإن أي هزات إضافية ستقود إلى إرباك في الأسواق، وتغييرات طويلة الأمد في موازين التجارة والطاقة والسياحة في الشرق الأوسط.

نزوح "استباقي" من الضاحية: شهية أصحاب العقارات تلهب الإيجارات
نزوح "استباقي" من الضاحية: شهية أصحاب العقارات تلهب الإيجارات

المدن

timeمنذ ساعة واحدة

  • المدن

نزوح "استباقي" من الضاحية: شهية أصحاب العقارات تلهب الإيجارات

يترقب أهالي الضاحية الجنوبيّة تطورات الحرب الإيرانية- الإسرائيليّة. هذه الحرب التي تقام خارج الحدود اللبنانيّة، لكنها قد تنعكس عليهم بشكل مباشر في أي لحظة، وتهدد حياتهم وتؤثر على أعمالهم، وتسلب منهم الأمان والطمأنينة. لذلك، تشهد هذه المنطقة تحديدًا موجة نزوح نحو مناطق أخرى أكثر أمانًا، الأمر الذي فتح شهية أصحاب الشقق السكنية لاستغلال هذا الظرف الاستثنائيّ ووضع الشروط التعجيزية أمامهم. ارتفعت أسعار الشقق السكنية في غالبية المناطق اللبنانيّة، حتى تلك الشعبية التي لم تكن مرغوبة لدى فئة كبيرة من المواطنين. ويعود ذلك لارتفاع الطلب على الشقق السكنية في مناطق أخرى بعيدة نسبيًا عن الضاحية الجنوبيّة. يتوجس السكان من شبح الحرب، ومن تحليق الطيران الإسرائيليّ فوق مبانيهم وقصفها من دون إنذار. المُسيرات الإسرائيلية تحلق بشكل متواصل فوق أرزاقهم ومنازلهم، وهي رسالة واضحة بأن إسرائيل لا تزال حاضرة، وجاهزة لتنفيذ أي غارة ولقصف أي مبنى، بمعزل عن انشغالها بالحرب مع إيران. شروط تعجيزيّة يشرح علي ضاهر، سمسار يعمل في مجال العقارات في حديثه مع "المدن" أسباب ارتفاع الشقق السكنية، موضحًا أن هناك مئات العائلات التي قررت ترك الضاحية والابتعاد عنها، والتفتيش عن أماكن أخرى خارج العاصمة بيروت، ما سبب تحليقاً للإيجارات. ويضيف: "أتلقى عشرات الاتصالات اليومية لأشخاص يطلبون منازل سكنية خارج الضاحية الجنوبيّة، وانعكس هذا الأمر على الأسعار، فالشقة السكنية الصغيرة خارج الضاحية تلامس الألف دولار أميركي، ويطلب صاحبها دفع عدة أشهر بشكل مسبق، لكن هذا الأمر يشكل صعوبة على كل من يرغب بالنزوح، فهو بحاجة حاليًا بالحد الأدنى لأكثر من 4 آلاف دولار أميركي". عانى اللبنانييون خلال الحرب من صعوبة في إيجاد منازل بديلة وآمنة لهم. إذ فرضت عليهم الكثير من الشروط، وهذا الأمر يتكرر في الوقت الراهن، بسبب التطورات العسكرية الأخيرة في المنطقة. فالضاحية الجنوبية تلقت خلال الأسابيع الأخيرة الكثير من الضربات الإسرائيليّة، وقد تتعرض لتدمير أقسى، في حال قرر حزب الله مساندة إيران هذه المرة، خصوصًا بعد بيان الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم الأخير، الذي ذكر فيه أن حزب الله "ليس على الحياد.."، وأتى هذا البيان بالتزامن مع ارتفاع وتيرة التحذيرات الإسرائيلية للبنان، ومطالبته بعدم التدخل بهذه الحرب. لذلك، يطالب أصحاب الشقق السكنية بضرورة الدفع المسبق، وتحديدًا 6 أشهر كاملة، إضافة إلى شهر عمولة، أي للمكتب الذي ساعد في تأمين هذه الشقة، وشهر تأمين، أي في حال قرر المستأجر ترك المنزل فجأة، وشهر للوكيل القانوني للشقة (من الشروط الجديدة التي تطلب من العائلات). انعكاس الآية يتبين أن هذه الشروط وضعت خلال الأسابيع الأخيرة. فمنذ لحظة وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، وعودة الأهالي إلى منازلهم في الضاحية الجنوبية وفي جنوب لبنان، انخفضت أسعار الشقق السكنية بشكل كبير في باقي المناطق، لكن ارتفع الطلب على الشقق في الضاحية الجنوبية. ويضيف ضاهر لـ"المدن": لحظة انتهاء الحرب، ارتفع الطلب كثيرًا على شقق داخل الضاحية الجنوبية، وارتفعت أسعار الإيجارات من 450 دولار أميركي للشقة المؤلفة من 4 غرف إلى 800 دولار أميركي. أما الشقق المؤلفة من 5 غرف فلامست أسعارها الألف وطلب أصحابها دفع إيجار لعدة أشهر مسبقًا. إلا أن الأمر تبدل بعد فترة، وخصوصًا بعد أن بدأت مرحلة وضع الخرائط الإسرائيلية، وتحديد مبانٍ في الضاحية الجنوبية ومطالبة السكان بإخلائها، فتضاعفت نسبة الطلب على شقق خارج الضاحية، وارتفعت الأسعار مجدداً. ويشير ضاهر إلى أن هناك عدداً من السكان لا يرغبون بمغادرة الضاحية بشكل كليّ. رفضوا بيع منازلهم، وفتشوا عن أماكن بديلة للسكن بشكل مؤقت. كما أن هناك عائلات ترفض المكوث في أي مناطق أخرى، كي لا تتعرض لأي مشاكل، وهم من عوائل الشهداء. من أجل ذلك يفضلون عدم مغادرة الضاحية حتى وإن كانت المنطقة تتعرض لاستهدافات إسرائيليّة. والسبب الآخر، هو أن الشروط التي تطلب من العائلات صعبة بسبب الضائقة المالية، فنلاحظ أن موجة النزوح مرتفعة، لكن يقابلها بقاء الكثير من الأهالي، لعدم قدرتهم على تأمين آلاف الدولارات للانتقال لأماكن أخرى. أسئلة "سياسية" عادت السيدة منى إلى منزلها في منطقة صفير بعد ترميمه، وكانت تغادر منزلها في كل مرة ينشر أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، المربعات الحمراء، لكنها تعود فجر اليوم التالي. لكن الضربات الإسرائيلية الأخيرة كانت تبعد عنها أمتارًا قليلة، وقررت خوفًا من فقدان منزلها أن تفتش عن منزل آخر للانتقال إليه. تروي لـ"المدن" ما حصل معها خلال الأسابيع المقبلة، قائلةً: "اتصلت بالعديد من أصحاب الشقق المتوفرة، طلبوا مني آلاف الدولارات، ودفع 4 أشهر أو 6 أشهر بشكل مسبق، علمًا أن المنازل قديمة جدًا وتكاد تكون غير صالحة للسكن، وفي بعض المنازل المياه غير متوفرة بشكل دائم، وكذلك الأمر لناحية المصعد الكهربائي، أي أن مقومات الحياة الطبيعية ليست موجودة، إلا أن أسعارها مرتفعة بشكل لافت. وبعض أصحاب الشقق طلبوا مني الإجابة على عدة أسئلة للتأكد من الطائفة والديانة، ومن مكان إقامتي القديم. وهناك من اكتفى بالقول "نعتذر، لا نملك أي منازل للايجار"، وأقفل خط الاتصال". وتضيف: "هناك صعوبة في إيجاد منازل أخرى، لذلك الكثير من العائلات لم تغادر منازلها بعد. وبعد عودتنا إلى الضاحية بدأنا بترميم منازلنا رغم المخاوف من عودة الحرب مرة أخرى، وتدمير الأحياء ثانيةً". وعليه، تتجدّد معاناة الأهالي بصمتٍ مؤلم. هؤلاء الذين يأملون في استعادة القليل من الطمأنينة التي كانوا يتمتعون بها قبل حوالى العام، يرغبون بالوصول إلى الحلقة الأخيرة من كابوس الحرب، للعودة إلى أشغالهم والبقاء في منازلهم. فهم يهابون الحرب المدمرة، ويتمنون أن لا تنعكس هذه الحرب عليهم، وأن لا يتدخل حزب الله فيها أيضًا. فهم يدركون جيدًا أنها ستكبدهم خسائر بشرية ومادية فادحة ربما أكثر من المرة الأخيرة!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store