
استرجاع إقليم وادي الذهب..ذكرى مجيدة طافحة بأسمى القيم الوطنية والذود عن حمى الوطن
وأوضح السيد الكثيري، خلال مهرجان خطابي نظم بالداخلة تخليدا للذكرى الـ 46 لاسترجاع إقليم وادي الذهب، أن هذه الذكرى المجيدة 'طافحة بأسمى القيم الوطنية المثلى، وما تجسده من معان عميقة ودلالات رمزية تنبض بما يخالج النفوس من مشاعر التمسك بمقومات الهوية المغربية الأصيلة والثوابت الوطنية الخالدة والذود عن حمى الوطن وحياضه ووحدته'.
وأبرز في السياق، أن الحفاظ على الذاكرة التاريخية وصيانتها وضمان استمراريتها، يكتسي القيمة الرمزية والمكانة الأساسية التي أنيطت بالأجيال السالفة وأوكلت مسؤولية صيانتها للأجيال الحاضرة وتتحمل الأجيال القادمة مسؤولية استدامتها وإشعاعها.
وبعد أن توقف عند مختلف المحطات المشرقة من نضالات الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجاهد، واستحضر ذلك التاريخ الحافل بعظيم الأعمال وروائع الأمجاد، وتلك الدرر التي جسدت التلاحم بين القمة والقاعدة، قال السيد الكثيري إن المغرب وعبر كل حقبه وأزمنته التاريخية كان، وسيظل، حصنا حصينا وقلعة منيعة في وجه الأطماع والتحرشات الأجنبية بفضل شهامة وشجاعة أبنائه وشدة بأسهم وقوة شكيمتهم في التصدي للوجود الاستعماري والوقوف في وجه المتربصين بالوطن وإحباط مخططاتهم.
وتابع أنه مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تكالبت القوى الاستعمارية على المغرب، وبدأ مسلسل تجزيئ وتقسيم ترابه المقدس، لكن الكفاح الوطني الطويل والشاق الذي خاضه العرش العلوي الأبي والشعب المغربي الوفي على مدى السنين، أفضى في نهاية المطاف إلى اعتراف فرنسا وإسبانيا باستقلال المغرب وبأن تقسيم البلاد وتجزئتها لم يكن إلا إجراء إداريا استعماريا، وأنه من الطبيعي والمنطقي إعادة توحيدها ولم شمل أبنائها.
وبعد العودة الميمونة لجلالة المغفور له محمد الخامس من المنفى إلى أرض الوطن في 16 نونبر 1955، وشروعه في خوض معركة استكمال الوحدة الترابية، كانت الاستجابة الفورية لسكان الأقاليم الجنوبية، إذ قدموا إلى الرباط لتجديد بيعة الرضا والرضوان وإعلان تجندهم المستمر لاستكمال ملحمة الكفاح وتحقيق الوحدة الترابية، معربين عن تعلقهم بأهداب العرش العلوي المجيد، وانخراطهم بقوة ضمن طلائع جيش التحرير بالجنوب المغربي الذي ما لبث أن انطلقت ملاحمه ضد القوات الفرنسية والاسبانية في عدد من المعارك ومن بينها 'أم العشار' و'مركالة' و'السويحات' سنة 1956 و'الرغيوة' و'وادي الصفا' و'آيت باعمران' سنة 1957 و'الدشيرة' سنة 1958.
وأضاف السيد الكثيري أنه لم يكن انتهاء عهد الحجر والحماية إلا بداية لملحمة الجهاد الأكبر لبناء المغرب الجديد الذي كان من أولى قضاياه تحرير ما تبقى من تراب المملكة من نير الاحتلال، مذكرا أنه في هذا الظرف، جاءت زيارة جلالة المغفور له محمد الخامس، أكرم الله مثواه، إلى محاميد الغزلان وخطابه التاريخي بها يوم 25 فبراير 1958، الذي كان دعوة صريحة من جلالته لمواصلة درب الكفاح من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة.
وتابع أنه لم يمض على هذه الزيارة الملكية سوى شهر ونصف حتى تحقق استرجاع إقليم طرفاية في 15 أبريل 1958، ليتم بعد ذلك استرداد مدينة سيدي إفني إلى حظيرة الوطن يوم 30 يونيو 1969، مبرزا أن مسلسل استكمال الوحدة الترابية توج بتنظيم المسيرة الخضراء المظفرة التي أبدعتها العبقرية الفذة لجلالة المغفور له الحسن الثاني، طيب الله ثراه، لاسترجاع الأقاليم الصحراوية المغتصبة، ولترتفع راية الوطن خفاقة في سماء مدينة العيون في 28 فبراير 1976 إيذانا بإجلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية.
وفي يوم 14 غشت 1979، يضيف السيد الكثيري، كان أبناء إقليم وادي الذهب على موعد مع التاريخ، كما دأبهم دائما، حينما توجه ممثلوهم من الشرفاء والشيوخ والوجهاء والأعيان والعلماء وسائر ممثلي القبائل الصحراوية إلى عاصمة الم لك، الرباط، مجددين لأمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين جلالة المغفور له الحسن الثاني، آيات ولائهم وإخلاصهم ومعبرين عن تمسكهم بالعرش العلوي المنيف، سيرا على هدي أبائهم وأجدادهم، واصلين الحاضر بالماضي ومؤكدين تشبثهم بمغربيتهم والتزامهم الدائم بالوحدة الترابية المقدسة من طنجة إلى الكويرة. وشدد على أن الاحتفاء بهذه الذكرى المجيدة يعد مناسبة للتأكيد على التعبئة المستمرة واليقظة الموصولة لأسرة المقاومة وجيش التحرير كسائر فئات وأطياف المجتمع المغربي وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل صيانة الوحدة الترابية وتثبيت المكاسب الوطنية. وفي هذا السياق، أبرز أن ملف القضية الوطنية حقق انتصارات تلو أخرى برهنت عن أحقية المملكة في استكمال وحدتها الترابية المشروعة، مشيرا إن المنتظم الدولي أدرك وجاهة ومصداقية المقترح المغربي القاضي بمنح حكم ذاتي للأقاليم الجنوبية المسترجعة، وتحقيق إدماجها الاقتصادي والاجتماعي في الكيان الوطني الموحد من طنجة إلى الكويرة. وبهذه المناسبة، تم تكريم خمسة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وهم من صفوة أبناء هذه الربوع المجاهدة، وذلك في إطار تكريس ثقافة الاعتراف والوفاء والعرفان برجالات المغرب الأبرار الذين أخلصوا للوطن وأسدوا وضحوا ذودا عن حريته واستقلاله ووحدته.
من جهة أخرى، خصصت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير إعانات مالية لعدد من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وأرامل المتوفين منهم عرفانا بما أسدوه خدمة للوطن، وتعدادها 45 إعانة مالية كإسعاف اجتماعي بغلاف إجمالي قدره 90.000 درهم.
وعرف هذا المهرجان الخطابي، على الخصوص، حضور والي جهة الداخلة – وادي الذهب عامل إقليم وادي الذهب، وعامل إقليم أوسرد، و رؤساء المجالس المنتخبة، وعدد من المنتخبين ورؤساء المصالح الخارجية، وشخصيات مدنية وعسكرية، وأعضاء المقاومة وجيش التحرير المرافقين للمندوب السامي، بالإضافة إلى أفراد من أسرة المقاومة وجيش التحرير بالجهة وذوي الحقوق.
ح/م

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشروق
منذ 2 ساعات
- الشروق
"صديقي اللدود"
ظنّ أحد الإخوة أنني سويت في الكلمة التي نشرتها في هذا العمود في يوم 7-8 – 2025 بين الروائيين وطار وبوجدرة في موقفهما من الإسلام، في حين إن طاهر وطار قال في آخر حياته إنه كان مسلما، وكثيرا ما كان يقسم بالله- عزّ وجلّ- في حديثه ، بينما سمع الجميع بوجدرة في حواره مع قناة الشروق وهو يجاهر بعقيدته، و'كل الناس معافى إلا المجاهرون'. من أجل ذلك، لم أسوّ بين الروائيين، بدليل أنني استرحمت الله- الرحمن الرحيم- لوطار، بينما استهديت الله- الهادي لكل خير- لبوجدرة. وحسابنا جميعا على الله ذي الرحمة الواسعة، الذي امتّنّ على الجميع بكتابتها على نفسه، كما قال في كتابه الكريم: 'كتب ربكم على نفسه الرحمة'. أما علاقتي بالروائيين، فأنا لم ألتق ببوجدرة إلا مرتين أو ثلاثا، إحداهما في الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، عندما وضع في الشركة روايته 'الرعن' من أجل نشرها، ومرة، في المعرض الدولي للكتاب، حيث اشتريت من الجناح الذي كان جالسا فيه كتابه 'زكاة التاريخ'. وأما وطار، فقد قرأت اسمه أول مرة في سنة 1963، وأنا تلميذ في السنة الأولى من التعليم المتوسط في ثانوية ابن خلدون في حي بلوزداد، حيث كنت 'مدمنا' على قراءة جريدة أسبوعية، كان يصدرها وطار، تحت عنوان 'الجماهير'، وكانت 'شمالية' النزعة، ولكنني لم أكن آنذاك أفرق أيديولوجيا بين يمين و'شمال'، والحمد لله، الذي عَصَمنِي من الوقوع في حمأة الشمال. ثم تعرفت مباشرة على الروائي وطار في منتصف السبعينيات، بعدما عينت رئيسا لقسم الكتاب العربي في الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، وكنت- بحكم مسؤوليتي- أقابل الأخيار والفجار من الكتاب، وأقرأ الغث والسمين مما يراد نشره، فكان وطار من المترددين عليّ لمتابعة نشر رواياته… وتوطدت العلاقة بيننا- رغم اختلافنا أيديولوجيا- إلى درجة أنه كان يناديني: 'صديقي اللدود'. كما كنت أتردد عليه في جمعية 'الجاحظية'، وأحضر بعض نشاطاتها، ومنها تكريمه للشيخ عبد الرحمن الجيلالي، والأستاذ محمد الميلي، لأنه كان أحد أساتذته في معهد الإمام عبد الحميد بن باديس. كما نظم ندوة تحت عنوان: 'الدولة الإسلامية' ودعاني إلى أن أشارك فيها رفقة ثلاثة أساتذة، وقد تساءلت: هل هذا الطلب ابن فكره أم ابن أذنه، ولم أهتد إلى الآن إلى الجواب- وقد استجبت لدعوة وطار رفقة الصديق عبد الرزاق قسوم، ولم يحضر الأستاذان الآخران. و'لعل لهما عذرا'. وفي مرضه الذي توفاه فيه الله الذي يتوفى الأنفس، زرناه في بيته بحيدرة (الدكتور قسوم، وكاتب هذه الأسطر)، وقد فرح بالزيارة، وفرحنا بها، لأننا رأينا في البهو الذي كنا جالسين فيه مصحفا كبيرا محمولا على حامل، مما يدل على أن آخرته كانت أحسن من أوليّته. رحم الله البر الرحيم الطاهر وطار، وآتى رشيد بوجدرة رُشده. وهدى الجميع لما يحبه ويرضاه، فالأمر لله من قبل ومن بعد.


إيطاليا تلغراف
منذ 6 ساعات
- إيطاليا تلغراف
أساس التمكين وشرطه الأول .. الإيمان بالله تعالى
د. علي الصلابي نشر في 17 أغسطس 2025 الساعة 19 و 00 دقيقة إيطاليا تلغراف بقلم الدكتور علي محمد الصلابي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إن الفرد بغير الإيمان الحقيقي بالله، ريشة في مهب الريح، لا تستقر على حال، ولا تسكن إلى قرار، والإنسان بغير الدين الإسلامي يتحول إلى حيوان شره، أو وحش مفترس، لا تستطيع الثقافة الوضعية ولا القانون الجاهلي أن يحدا من شراهته أو يمنعاه من الافتراس. والمجتمع بغير دين صحيح، وإيمان قوي، مجتمع متوحش مظلم متألم، وإن لمعت فيه بوارق الحضارة المهترئة وامتلأ بأدوات الرفاهية وأسباب النعيم الحسي، فهو مجتمع البقاء فيه للأقوى، لا للأفضل والأتقى، مجتمع تقرأ التعاسة والشقاء في وجوه أصحابه، وإن زينوا وجوههم بأنواع الأصباغ والمحسنات، وركبوا الطائرات، وسكنوا العمارات واغتصبوا أعظم الثروات، فهو مجتمع تافه رخيص هزيل، لأن غايات أهله غايات ساذجة، سطحية هزيلة لا تتجاوز شهوات البطون والفروج، قال تعالى: ' وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ' [محمد: 12]. بخلاف مجتمع الإيمان والإسلام المبني على الحب في الله والرضا بكل ما صدر عن الله عز وجل واهب الحياة ومنشئ الخلق، وصاحب الأمر والنهي المطلق في الوجود كله، وهذا أمر طبيعي، في أن يحب الإنسان ربه، وخالقه ورازقه، لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، وأي إحسان كإحسان من خلق فقدر وشرع فيسر، وجعل الإنسان في أحسن تقويم، ووعد من أطاعه بجنة الخلد التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. لهذا كله ولأكثر منه، أحب المؤمنون ربهم حبًا لا يقاس بغيره مما هو دونه، فقدموا أنفسهم وأهليهم وأموالهم في سبيل الله، بلا تردد أو منة، بل اعتبروا ذلك تفضلاً من الله عليهم، أن فتح لهم باب الجهاد والاستشهاد في سبيله ويسر لهم أسبابه، فقاموا بذلك الواجب خير قيام (1). إن الإيمان الحقيقي بالله، هو الذي ينبعث منه الحب في الله الذي يحرك إرادة القلب، ويوجهها إلى المحبوبات وترك المحظورات، وكلما ازداد الإيمان بالله في نفس المؤمن كلما ازدادت المحبة في الله لديه قوة وصلابة، وتحول المر حلوًا، والكدر صفاء، والألم شفاء، والنصرة جهادًا، والابتلاء رحمة، والإحجام عن نصرة أهل الحق خيانة، وتراجعًا عن الإسلام. فالحب في الله أخص من الرضا وأعمق أثرًا حيث إنه الضمان الوحيد لترابط المجتمع واحترام حقوقه (2)، ولذلك ورد في الحديث الشريف: « لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» (3). فحقيقة المحبة في الله لا تتم إلا بموافقة الباري جل وعلا في حب ما يحب وبغض ما يبغض (4). ولذلك فأكمل الخلق وأفضلهم وأعلاهم إيمانًا من كان أقربهم إلى الله في محبته، وأقواهم في طاعته، وأتمهم عبودية له (5). وهذه الصفات تستلزم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبة ما جاء به من عند الله، ومحبة المؤمنين بهذا الدين، وإيثارهم على النفس بالمال والنصرة والتأييد والانضمام في حزبهم حيث إنهم حزب الله من انضم إلى حزب الله فقد أفلح في دنياه وأخراه. إن الإيمان بالله، والحب في الله، وما يترتب عليهما قواعد متلازمة ينبني بعضها على البعض الآخر، ويتأثر اللاحق منها بالسابق، فإذا قوي الإيمان بالله في نفس المؤمن ازداد الحب في الله، وازدادت الأفعال المترتبة على ذلك، حتى تصبح الجماعة المسلمة، كخلايا الدم في الجسم تعمل لغرض واحد، وهدف واحد، وفي إطار واحد، عند ذلك تصبح الجماعة المسلمة بنية حية قوية صامدة قادرة على أداء رسالتها ودورها العظيم في حق نفسها، وفي حق البشرية جمعاء (6). ولذلك جعل الله تعالى رابطة الدين والإيمان فوق كل الروابط الجاهلية الفاسدة مثل رابطة الدم، ورابطة اللون أو اللغة، أو رابطة الوطن أو الإقليم أو رابطة الحرفة، أو الطبقة، أو غير ذلك من الروابط الجاهلية التي تختلف اختلافًا جذريًا مع أصول الإسلام ومنطلقاته في الموالاة والمعاداة والحب والبغض، قال تعالى: ' يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ' [الحجرات:13]. فالمقياس لتفاوت الأفراد في الإسلام هو التقوى والعمل الصالح، وهذا المبدأ يحقق العدل بالنسبة لكافة المنتمين إليه، ويسع العالم أجمع دون أي تمييز بينهم فيما عدا التقوى والعمل الصالح (7). إن الإيمان الحقيقي يجعل من أتباعه أخوة متحابين يعملون على رضا مولاهم العظيم، قال تعالى: ' وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ' [آل عمران:103]. إن الفهم الصحيح لحقيقة الإيمان وكلمة التوحيد لها آثار في حياة الإنسان، وتلك الآثار لها أثر في التمكين، فمن أهم هذه الآثار: 1- ما تنشئه في النفس من الأنفة وعزة النفس بحيث لا يقوم دونه شيء لأنه لا نافع إلا الله، وهو المحيي والمميت، وهو صاحب الحكم والسلطة والسيادة. ومن ثم ينزع من القلب كل خوف إلا منه سبحانه، فلا يطاطئ الرأس أمام أحد من الخلق، ولا يتضرع إليه، ولا يتكفف له، ولا يرتع من كبريائه وعظمته، لأن الله هو العظيم القادر، وهذا بخلاف المشرك والكافر. 2- ينشأ من الإيمان بهذه الكلمة من أنفة النفس وعزتها: تواضع من غير ذل، وترفع من غير كبر، فلا يكاد ينفخ أوداجه شيطان الغرور ويزهيه بقوته وكفاءته لأنه يعلم ويستيقن أن الله الذي وهبه كل ما عنده قادر على سلبه إياه إذا شاء، أما الملحد فإنه يتكبر ويبطر إذا حصلت له نعمة عاجلة. 3- المؤمن بهذه الكلمة: يعلم علم اليقين أنه لا سبيل إلى النجاة والفلاح إلا بتزكية النفس والعمل الصالح. 4- من آثار الإيمان الصحيح عدم تسرب اليأس، والبعد عن القنوط، لأنه يؤمن أن الملك والخزائن لله رب العالمين، لذلك فهو على طمأنينة وسكينة، وأمل، حتى ولو طرد العبد أو أهين وضاقت عليه سبل العيش. 5- من آثار كلمة الإيمان والتوحيد في نفس العبد إعطاء قوة عظيمة من العزم والإقدام والصبر والثبات والتوكل والتطلع إلى معالي الأمور ابتغاء مرضاة الله تعالى، مع شعوره أن وراءه قوة مالك السماء والأرض، فيكون ثباته ورسوخه وصلابته التي يستمدها من هذا التصور، كالجبال الراسية، وأنى للكفر والشرك بمثل هذه القوة والثبات؟. 6- من آثار الإيمان الحقيقي تشجيع الإنسان وامتلاء قلبه جرأة؛ لأن الذي يجبن الإنسان ويوهن عزمه شيئان: حبه للنفس والمال والأهل، أو اعتقاده أن هناك أحدًا غير الله يميت الإنسان، فإيمان المرء بلا إله إلا الله يرفع عن قبله كلاً من هذين السببين، فيجعله موقنًا بأن الله هو المالك الوحيد لنفسه وماله، فعندئذ يضحي في سبيل مرضاة ربه بكل غال ورخيص عنده. وينزع الثاني بأن يلقي في روعه أنه لا يقدر على سلب الحياة منه إنسان ولا حيوان ولا قنبلة ولا مدفع، ولا سيف ولا حجر، وإنما يقدر ذلك الله وحده. من أجل ذلك لا يكون في الدنيا أشجع ولا أجرأ ممن يؤمن بالله تعالى، فلا يكاد يخيفه أو يثبت في وجهه زحف الجيوش، ولا السيوف المسلولة، ولا مطر الرصاص والقنابل. 7- ومن ثمار الإيمان الصحيح، التحلي بالأخلاق الرفيعة والتطهر من الأخلاق الوضيعة. 8- ومن ثمار الإيمان على العبد تجعله حريصًا على التمسك بشرع الله تعالى ومحافظًا عليه. 9- ومن ثمار الإيمان تربية العبد على أن يكون جنديًا من جنود الدعوة التي تسعى لتحكيم شرع الله وتمكين دينه سبحانه وتعالى. إن من شروط التمكين لدين الله تعالى في الأرض تحقيق الإيمان الذي يريده الله وبيَّنه رسوله صلى الله عليه وسلم وتجسد في حياة أصحابه. إن الإيمان المطلوب هو الذي يبعثنا على الحركة والهمة، والنشاط والسعي، والجهد والمجاهدة، والجهاد والتربية، والاستعلاء والعزة، والثبات واليقين (8). يقول الشيخ حسن البنا رحمه الله تعالى مفرقًا بين إيمان خامل وإيمان عامل، إيمان المسلم القاعد وإيمان المسلم الداعية تحت عنوان «إيماننا»: «والفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في الإيمان بهذا المبدأ، أنه عندهم إيمان مخدر نائم في نفوسهم، لا يريدون أن ينزلوا على حكمه ولا أن يعملوا بمقتضاه.. على أنه إيمان ملتهب مشتعل قوي يقظ في نفوس الإخوان المسلمين، ظاهرة نفسية عجيبة نلمسها ويلمسها غيرنا في نفوسنا نحن الشرقيين: أن نؤمن بالفكرة إيمانًا يخيل للناس حيث نتحدث إليهم عنها أنها ستحملنا على نسف الجبل وبذل النفس والمال واحتمال المصاعب ومقارعة الخطوب حتى ننتصر بها أو تنتصر بنا، حتى إذا هدأت ثائرة الكلام وانفض نظام الجمع، نسي كل إيمانه وغفل عن فكرته، فهو لا يفكر في العمل لها، ولا يحدث نفسه بأن يجاهد أضعف الجهاد في سبيلها، بل قد يبالغ في هذه الغفلة وهذا النسيان، حتى يعمل على ضدها وهو يشعر أو لا يشعر.. أو لست تضحك عجبًا حين ترى رجلا ً من رجال الفكر والعمل والثقافة في ساعتين اثنتين متجاورتين من ساعات النهار: ملحدًا من الملحدين، وعابدًا مع العابدين» (9). المصادر والمراجع: ( ) انظر: كتاب الإيمان وأثره في الحياة، د. يوسف القرضاوي، ص5-12. (2) انظر: الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية، محماس بن عبد الله الجلعود، (1/245). (3) رواه مسلم، كتاب الإيمان، بيان لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، (1/74) رقم: 93. (4) انظر: مجموعة التوحيد، ابن تيمية، ص 422-423. (5) انظر: مجموعة التوحيد، ص 422، 423. (6) انظر: الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية، محماس بن عبد الله الجلعود، (1/246). (7) المصدر نفسه (1/246). (8) انظر: في ظلال الإيمان، سيد قطب، ص 63. (9) رسائل حسن البنا، ص16. (10) فقه النصر والتمكين، علي محمد الصلابي، ط1، مكتبة التابعين، القاهرة، 2001، ص 188-213. إيطاليا تلغراف السابق اعتقال مسؤول سيبراني إسرائيلي بأمريكا بتهم اعتداءات جنسية على أطفال


الجمهورية
منذ 10 ساعات
- الجمهورية
حادث سقوط حافلة بوادي الحراش: وزير الداخلية يواصل تقديم واجب العزاء الى عائلات الضحايا
واصل وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية, السيد إبراهيم مراد, اليوم الأحد, تقديم واجب العزاء الى عائلات ضحايا حادث انحراف حافلة لنقل المسافرين وسقوطها في مجرى وادي الحراش, حيث تنقل إلى بلديتي الرويبة وهراوة (الجزائر العاصمة) لمواساة عائلات أربع ضحايا, حسب ما أفاد به بيان للوزارة. وأوضح ذات المصدر أنه "مواصلة لتقديم واجب العزاء لعائلات ضحايا حادث انحراف حافلة لنقل المسافرين وسقوطها في مجرى وادي الحراش, تنقل وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية, السيد إبراهيم مراد, مرفوقا بالسيد عبد النور رابحي, والي ولاية الجزائر, الى بلديتي الرويبة وهراوة لمواساة عائلات المغفور لهم بإذن الله كرميش محمد, دردوري خديجة, شويح وهيبة وقاسمي مروان". وأشار البيان إلى أن "السيد الوزير قدم تعازي السيد رئيس الجمهورية وخالص تضامنه مع أسر الضحايا", كما عبر عن "عميق التأثر والمواساة تجاههم خلال هذه المحنة".