
حرب شاملة بين الهند وباكستان: هل دخلت باكستان دائرة التطويق الأمريكي-الهندي الإسرائيلي؟!إدريس آيات
#جيوسياسية/ حرب شاملة بين الهند وباكستان: هل دخلت باكستان دائرة التطويق الأمريكي-الهندي-!لإسرائيلي؟
إدريس آيات
-أو هنا لماذا الهند وباكستان على حافة النار: وماذا عن المخاوف أن تتحول حرب الظل إلى مواجهة نووية! (إدريس آيات)
بداية الأحداث والاشتباكات الراهنة!
شهدت الهند في 22 أبريل 2025 هجومًا 'إرهابيًا' في منطقة بفهلجام بكشمير الهندية، استهدف مجموعة من السائحين الهندوس وأودى بحياة 26 شخصًا . أثار هذا الهجوم غضبًا شعبيًا واسعًا في الهند، التي سارعت إلى اتهام جماعات متشددة مقرها باكستان بتنفيذه. حددت السلطات الهندية هوية ثلاثة مهاجمين، اثنان منهم باكستانيو الجنسية، معتبرةً أنهم إرهابيون مدعومون عبر الحدود . في المقابل، نفت إسلام آباد أي صلة لها بالحادث وطلبت إجراء تحقيق محايد، إذ أكدت رفضها للإرهاب بجميع صوره .
شكل هذا الاعتداء السبب المباشر للأزمة، لكنه تراكم على أسباب غير مباشرة مزمنة. فالنزاع المستمر منذ عقود حول إقليم كشمير ذو الأغلبية المسلمة يعد جذور التوتر الدائم بين البلدين . كما تغذّي الديناميكيات الداخلية حالة التأهب؛ إذ تتبنى نيودلهي حكومة قومية متشددة توعّدت مرارًا بـ«مطاردة ومعاقبة» منفذي الهجمات الإرهابية ، ما يزيد الضغط للرد بقوة على أي اعتداء.
وفي باكستان، يُواجه قادة البلاد أزمات اقتصادية وأمنية داخلياً ويواجهون ضغوطًا من الجيش والجمهور للوقوف بحزم أمام الهند، خاصة مع اقتراب استحقاقات سياسية وانتخابية مهمة. يُضاف إلى ذلك الاعتبارات الأمنية المتبادلة، حيث يتهم كل طرف الآخر بدعم حركات تمرّد على أراضيه: فالهند تتهم باكستان بتمويل وتشجيع التمرد المسلح في كشمير ، بينما تقول باكستان إنها لا تقدم سوى دعم 'معنوي ودبلوماسي' لحق الكشميريين في تقرير المصير وتلمّح في المقابل إلى تورط المخابرات الهندية في تأجيج اضطرابات بإقليم بلوشستان المضطرب. وقد برز ذلك في مايو 2025، عندما تعرضت دورية للجيش الباكستاني لهجوم دامٍ من قبل متمردي 'جيش تحرير بلوشستان'، حيث سارعت باكستان إلى اتهام وكلاء هنود بدعم منفذي الهجوم – وهي تهمة أصبحت سردية متكررة في مثل هذه الحوادث .
هذا المناخ من انعدام الثقة المتبادل رسّخ معضلة أمنية دائمة، بحيث يرى كل بلد في تعزيز الآخر لأمنه تهديدًا له.
وهكذا؛ تفاقمت الأزمة سريعًا بعد هجوم بفهلجام. حيث اتخذت الهند إجراءات عقابية ضد باكستان حتى قبل الرد العسكري؛ فقد أعلنت تعليق بعض بنود معاهدة مياه سند الموقعة عام 1960 – وهي اتفاقية حيوية لتقاسم مياه الأنهار – واعتبرت ذلك ورقة ضغط استراتيجية . من جانبها أغلقت باكستان مجالها الجوي أمام الطيران الهندي . ومع تصاعد التصريحات النارية بين الجانبين، وصل التوتر ذروته مع إطلاق الهند عملية عسكرية محدودة داخل الأراضي الباكستانية بعد حوالي أسبوعين من الهجوم الإرهابي، مما أدخل المنطقة في أخطر مواجهة لها منذ عقدين.
الهند وباكستان على حافة حرب شاملة، أو حين حين احترق الليل في سماء كشمير:
في مساء السابع من مايو الجاري، لم تكن السماء وحدها تمطر نارًا، بل سقطت حسابات القوة في ميزان غير متكافئ بين الطموح الهندي والحذر الباكستاني. فقد أطلقت نيودلهي عملية 'سيندور' كضربة انتقامية، رُسمت بصواريخ كروز فرنسية (SCALP-EG) وقنابل موجهة (HAMMER)، مدعومة بوحشها الأسرع من الصوت 'براهموس'. بدا المشهد، في أول وهلة، وكأنه إعلان عن تفوق جوي هندي يريد أن يُترجم نيرانه إلى سردية الردع.
لكن في كشمير، حيث لا تنام البنادق، بدا الرد الباكستاني أكثر من مجرد تصدٍ؛ كان بيانًا استراتيجياً مكتوبًا بحروف PL-15، صواريخ جو-جو صينية الصنع، انطلقت من مقاتلات J-10C، التي تحركت بإرشاد من طائرات Saab Erieye، لتدير مواجهة حاشدة شملت مئات الطائرات، في واحدة من أوسع المناوشات الجوية في جنوب آسيا منذ حرب كارجيل.
وسرعان ما تغير مسار السرد: طائرتان هنديتان سقطتا — بينهما طراز رافال F3R وسو-30 أو ميغ-29، بحسب ما تسرب من بيانات عسكرية متضاربة — لترتد الضربة إلى الداخل، وتنكشف ثغرات في منظومة التقدير الهندية، ليس فقط في الاستخبارات، بل في عمق التنسيق والجاهزية.
على مدى ثلاثة أيام حتى هذه اللحظة، تصاعدت وتيرة الضربات بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، لتتحول قواعد الدفاع الجوي إلى مسارح اختبار حيّ.
وإن كان من دلالة تُستخلص، فهي أن نيودلهي أساءت قراءة جاهزية خصمها. باكستان، رغم قيود الاقتصاد وأعباء الداخل، أظهرت مهارة تنسيقية لافتة، مستفيدة من سنوات من التمارين المشتركة مع تركيا، والصين، بل وحتى الولايات المتحدة. وفي الوقت الذي خسرت فيه الهند مقاتلة رافال — أغلى ما في ترسانتها — بصمتٍ رسمي ثقيل، ربحت باكستان جولة معنوية واستراتيجية، عززت من خلالها صورة طياريها الذين يُدرّبون اليوم نُخَب الطيران في الخليج.
أما دول الإقليم والعالم، فقد اختارت مواقعها بحذر: الصين وتركيا قدمتا دعماً مفتوحًا لإسلام آباد ( باكستان)، بينما اكتفت واشنطن، عبر نائب رئيسها فانس، بلغة رمادية عن 'الحياد'، رغم التقارب المعلن مع الهند. وحدها إسرائيل، كالعادة، انحازت بدبلوماسية واضحة إلى نيودلهي، في موقف لا يخلو من دلالات استراتيجية.
-التحالف الثلاثي بين الولايات المتحدة والهند وإسرائيل ضد باكستان
رغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف إطلاق النار بين الطرفين قبل ساعات من تجدد الاشتباكات المسلحة التي قد تودي إلى حرب شاملة، إلا أنّ واشنطن ليست محايدة إطلاقًا، ولا تصلح وسيطًا نزيهًا.
حيث؛ شهدت السنوات الأخيرة تقاربًا استراتيجيًا متناميًا بين كل من واشنطن ونيودلهي وتل أبيب، ما اعتبره مراقبون تحالفًا ثلاثيًا غير رسمي يستهدف تضييق الخناق على الجماعات المتشددة في باكستان.
تبرر الولايات المتحدة دوافعها بالتزامها بمحاربة المتطرفين الإسلاميين داخل باكستان، لكن الحقيقة هي رغبتها في دعم الهند كقوة إقليمية موازنة لصعود الصين . وقد صرّح محللون بأن واشنطن تجد تقارب الهند وإسرائيل ملبّياً لمصالحها الاستراتيجية، حيث قالت دراسة صادرة عن جامعة الدفاع الوطني في إسلام آباد إن الولايات المتحدة تؤيد قيام 'محور هندي-إسرائيلي حيوي' وتعلن صراحة دعمها لـ'هند قوية مزدهرة مدعومة بالخبرات التكنولوجية الإسرائيلية'.
أما بالنسبة للهند، يحقق هذا التعاون مكاسب عدّة؛ فمن جهة تحصل نيودلهي على تكنولوجيا عسكرية متطورة وخبرات استخباراتية من واشنطن وتل أبيب تساعدها في التفوق على خصمها التقليدي (باكستان)، خاصة في مجالات مثل الدفاع الصاروخي والطائرات المسيرة وأنظمة المراقبة المتقدمة .
ومن جهة أخرى، تستفيد الهند دبلوماسيًا عبر اصطفافها مع قوى غربية وإقليمية كبرى في مواجهة اتهامات باكستان لها. أما إسرائيل، فلها مصلحة في كبح جماح الحركات الإسلامية وفي تعزيز شراكتها مع قوة آسيوية صاعدة كالهند، سواء لأسباب اقتصادية (سوق السلاح الهندية الضخمة) أو جيوسياسية (تطويق التهديدات الممتدة من إيران إلى باكستان). وقد شهدنا تعبيرًا جليًا عن هذا التنسيق الثلاثي خلال هذه الفترة؛ إذ سارعت إسرائيل إلى دعم حق الهند في الدفاع عن نفسها عقب ضرباتها داخل باكستان، وصرّح السفير الإسرائيلي في نيودلهي صراحةً: 'إسرائيل تدعم حق الهند في الدفاع عن نفسها. على الإرهابيين أن يعلموا أنه لا مكان للاختباء من جرائمهم البشعة' . كما نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة تضامن مع نظيره ناريندرا مودي منددة بـ'الهجوم الإرهابي الهمجي في بفهلجام' ومؤكدة أن إسرائيل تقف مع الهند في حربها ضد الإرهاب .
إضافيًا يعتمد هذا التحالف بحكم الواقع على التنسيق الأمني والاستخباراتي الوثيق. فمن المرجح أن أجهزة الاستخبارات الهندية (RAW) والأميركية (CIA) والإسرائيلية (الموساد) تتبادل المعلومات حول تحركات الجماعات المتطرفة المتمركزة في باكستان. وعلى المستوى العسكري، كثّفت الهند تعاونها التدريبي والتقني مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل للحصول على ميزة نوعية: فالهند حصلت على طائرات استطلاع مسيّرة وأنظمة رادار وصواريخ دقيقة التوجيه من إسرائيل، كما أبرمت اتفاقيات لوجستية واتصالات دفاعية مع واشنطن تتيح تبادل البيانات الحساسة في الوقت الحقيقي. ومن الجانب الآخر، تنظر باكستان بعين الريبة إلى هذا المحور الثلاثي وتعتبره تحالفًا معاديًا يهدف إلى محاصرتها دوليًا وتقويض أمنها القومي. ويشير محللون في إسلام آباد إلى أن التقارب الأمريكي الهندي الإسرائيلي أدى إلى تصعيد سباق التسلح في المنطقة وإخلال التوازن الاستراتيجي على حساب باكستان ، ما يدفع إسلام آباد أكثر نحو تعزيز تحالفها مع الصين ككفة موازنة.
التقارب الصيني مع باكستان: الأبعاد الاقتصادية والعسكرية والجيوسياسية
غنّيٌ عن البيان، القول بأنّ الصين وباكستان تتمتعان بعلاقات توصف تقليديًا بأنها 'صداقة في جميع الأحوال الجوية'، نشأت منذ عقود بدافع مواجهة الهند إقليميًا .
هذا التقارب ازداد عمقًا في السنوات الأخيرة على خلفية مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث أصبحت باكستان حجر الزاوية في هذه المبادرة عبر مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC).
وتبلغ قيمة الاستثمارات في هذا الممر نحو 50 مليار دولار، ويهدف إلى ربط مقاطعة شينجيانغ الصينية بميناء غوادَر الباكستاني على بحر العرب . لهذا البعد الاقتصادي أهمية قصوى: فبالنسبة لبكين، يؤمن لها منفذًا بحريًا استراتيجيًا إلى المحيط الهندي يتجاوز مضيق ملقا الخاضع للرقابة الأميركية، ويعزز وصولها للأسواق في جنوب آسيا والشرق الأوسط . وبالنسبة لإسلام آباد، يمثل طوق نجاة اقتصادي وفرص تنمية لبنيتها التحتية، فضلاً عن توطيد علاقتها بأقوى قوة منافسة للهند.
على الصعيد العسكري، تُعتبر الصين المموّل الرئيسي لتسليح باكستان. فقد زودت بكين إسلام آباد بأنظمة أسلحة متقدمة ساهمت في تحديث الجيش الباكستاني، من مقاتلات JF-17 Thunder المطوّرة مشتركًا، إلى دبابات الخالد، وصولاً إلى اتفاق لتزويد باكستان بثماني غواصات حديثة. وتشير تقارير حديثة إلى أن باكستان تستعد لتكون أول مشترٍ أجنبي لمقاتلات الجيل الخامس الصينية الشبحية (المعروفة بمشروع J-35)، ما سيعزز قدرات سلاحها الجوي بشكل نوعي . كذلك تعاونت الصين مع باكستان في تطوير برنامجها النووي والصاروخي منذ بداياته، بهدف ضمان امتلاك إسلام آباد قوة ردع كافية بمواجهة التفوق الهندي. هذا التعاون الدفاعي الوثيق يجعل إسلام آباد حليفًا عسكريًا أساسيًا لبكين في جنوب آسيا، حيث ترى الصين أن تقوية باكستان تصب في مصلحتها لكبح الهند وإشغالها إقليميًا . وفي المقابل، تعتمد باكستان على الصين لتحديث قواتها ومجاراة الإنفاق العسكري الهندي المتزايد.
على الصعيد الجيوسياسي الأوسع، ينظر البلدان لبعضهما كـشريكين استراتيجيين في مواجهة الهيمنة الغربية. فبالنسبة للصين، توفر باكستان عمقًا استراتيجيًا في جنوب آسيا وممرًا إلى الخليج العربي، إضافة إلى شريك يصوّت معها في المحافل الدولية. وبالفعل، غالبًا ما وقفت بكين دبلوماسيًا إلى جانب إسلام آباد في الأمم المتحدة، خصوصًا عبر استخدام حق النقض لصالح باكستان لمنع إدراج قيادات جماعات كشميرية على قوائم الإرهاب . أما باكستان، فترى في الصين ضامنًا قويًا لأمنها؛ إذ لوّح محللون صينيون بأن بكين لن تتردد في الوقوف مع باكستان ضد أي تهديد وجودي. وقد نقلت تقارير أن استراتيجيًا صينيًا بارزًا توعد بالدفاع عن باكستان في مواجهة أي تهديد عسكري أعقب حادث بفهلجام ، في رسالة تحذير ضمنية للهند. ورغم بعض التوترات الخفية مؤخرًا – مثل امتعاض الصين من ضعف تأمين باكستان لرعاياها في إقليم بلوشستان حيث تعرضوا لهجمات إرهابية ، وخلافات حول تفاصيل تشغيل ميناء غوادَر – إلا أن التحالف الصيني الباكستاني يظل راسخًا. وتواصل بكين ضخ الاستثمارات والقروض في باكستان رغم مصاعب الأخيرة المالية، كما تستمر في إجراء مناورات عسكرية مشتركة (مثل تمرين 'محارب-8' لمكافحة الإرهاب عام 2024 بمشاركة 300 جندي صيني ). بكلمات أخرى، تعتبر الصين باكستان حجر ارتكاز إقليمي في استراتيجيتها الكبرى، سواء لموازنة النفوذ الهندي-الأميركي أو لتأمين طرق تجارتها البرية والبحرية عبر آسيا.
!! زاوية أخرى جيوسياسية للنظر: لماذا لا أؤمن بمجموعة بريكس- وأؤمن فقط بالمحور الصيني الروسي؟
لقد ظللت أردّده لما يُقارب 3 سنوات، وسأخطّه مرةً أخرى هنا، وسجلّوه عنّي كتوقّع وتنبّؤ آخر من تنبؤاتي الجيوسياسية التي أثبتت الأحداث صحتّها.
فعلى الرغم من تصاعد الحديث عن تحالف 'بريكس بلس' كقوة استراتيجية مناهضة للغرب، فإنني لا أؤمن فعليًا بقدرته على الاضطلاع بهذا الدور. ويرجع هذا الشك أساسًا إلى تناقض بنيوي عميق في عضويته. فالصين – أحد الأعضاء الرئيسيين – تدعم خصوم الهند الإقليميين مثل باكستان وتنسج معهم شراكات استراتيجية وثيقة. في المقابل، الهند نفسها عضو في التحالف، لكنها ترتبط في الوقت عينه بتحالفات أمنية واقتصادية وثيقة مع الغرب وتعدّه شريانًا حيويًا لأمنها القومي ونموها الاقتصادي. هذا التباين الصارخ بين توجهات الصين والهند داخل التحالف، ثم ارتباط بعض أعضاء المجموعة الجدد بالغرب ولعبها ' الدور الوظيفي للولايات المتحدة الأمريكية' يخلق حالة من عدم الاتساق الاستراتيجي ويقوض فكرة وقوف 'بريكس بلس' كجبهة موحدة متماسكة ضد النفوذ الغربي.
ولا تتوقف التناقضات عند هذا الحد؛ فروسيا، وهي عضو بارز آخر في التحالف، تضيف إلى المشهد تعقيدًا إضافيًا. عززت موسكو في السنوات الأخيرة تحالفها مع بكين وباتت تدعم مواقف الصين بصورة وثيقة، والمفارقة أن الصين حليف وثيق لباكستان، العدو اللدود للهند الحليفة التقليدية لموسكو. هذا التشابك في شبكة التحالفات يولّد توازنات متنافرة وشراكات متناقضة داخل 'بريكس بلس'، مما يجعل من الصعب اعتباره كتلة متجانسة ذات هدف استراتيجي موحد. وبناءً على ذلك، أرى أن التحالف الصيني–الروسي هو المرشح الحقيقي لتشكيل قطب مناهض للغرب، وصياغة عالم متعدد الأقطاب؛ وليس تحالف بريكس أو بريكس بلس، لأن الأخير أقرب إلى زواج غير تقليدي منه إلى محور استراتيجي موحد.
—-
ختامًا، يظهر التصعيد الأخير لعام 2025، والاشتباكات العنيفة التي تجري في سماء البلدين الليلة، قرب نيودلهي من جهة وإسلام أباد من جهة أخرى؛ كيف تتداخل العوامل المباشرة (كحدث إرهابي مروّع) مع القضايا البنيوية العميقة (كقضية كشمير والتحالفات الإقليمية) لتدفع الهند وباكستان إلى حافة الهاوية.
وبرغم نجاح الضغوط الدولية في الحيلولة دون انفجار حرب شاملة نهار اليوم، فإن عناصر الاشتعال لا تزال كامنة لتصل لحرب ضروس بعد الضربات المتبادلة الليلة، بعد ساعات قليلة من إعلان وقف إطلاق نار لم يصمد. حيث يستمر انعدام الثقة والتنافس على الردع وسباق التحالفات في تغذية دورة أزمات دورية بين البلدين. وبينما تمكنت القيادتان حتى الآن من تجنب تجاوز الخطوط الحمراء النووية، يبقى التوتر مرشحًا للتصاعد مستقبلًا ما دامت إسرائيل وأمريكا والصين تُغذي هذا التصعيد بغية تحقيق مكاسب جيو-استراتيجية.
إن إدارة هذه العلاقة المعقدة تتطلب رؤية إستراتيجية بعيدة المدى من الطرفين، لضمان ألا تتحول أي شرارة عابرة إلى نار حرب تأتي على الأخضر واليابس في جنوب آسيا، لكن لا يُمكن تحقيق ذلك في أي منطقة رسمت فيها بريطانيا حدودها لأنها تتعمّد -دائما- أن تترك نقطة اشتعال، وإذا كانت أمريكا هي الضامنة لأمن ذلك الإقليم، فإنّها ستعمل دائماً على التناقضات بين البلدين، يزكّي نيران الحرب في المنطقة، ثم تحاول الرجوع كرجل الإطفاء.
2025-05-12
The post حرب شاملة بين الهند وباكستان: هل دخلت باكستان دائرة التطويق الأمريكي-الهندي الإسرائيلي؟!إدريس آيات first appeared on ساحة التحرير.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الحركات الإسلامية
منذ 5 أيام
- الحركات الإسلامية
تبادل الاتهامات بدعم الإرهاب.. عقبة في طريق السلام بين الهند وباكستان
في أبريل 2025، شهدت العلاقات بين الهند وباكستان توترًا متصاعدًا إثر تبادل الاتهامات بشأن دعم الإرهاب، وسط تصاعد في الاشتباكات العسكرية على الحدود خاصة في منطقة كشمير المتنازع عليها، مما أعاد إلى الواجهة النزاع القديم بين الجارين الإقليميين. تركز هذه التطورات على هجوم نفذه مسلحون في إقليم جامو وكشمير الذي تديره الهند، ما دفع نيودلهي إلى تحميل إسلام آباد مسؤولية تمويل ودعم الجماعات المسلحة، وهو ما نفته باكستان بشدة. اتهامات هندية مجددا بدعم الإرهاب: قال وزير الدفاع الهندي، راجناث سينغ، في تصريحات مؤخرا أن صندوق النقد الدولي يجب أن يعيد النظر في قرض بقيمة مليار دولار لباكستان بزعم أنه "يمول الإرهاب". واضاف: "أعتقد أن جزءًا كبيرًا من المليار دولار القادمة من صندوق النقد الدولي سوف يُستخدم لتمويل البنية التحتية للإرهاب في باكستان. أي مساعدة اقتصادية تُمنح لباكستان ليست سوى تمويل للإرهاب." ورغم اعتراضات الهند، وافق صندوق النقد الدولي على مراجعة برنامج القروض لباكستان، مما أتاح لها الحصول على دفعة بقيمة مليار دولار. وأوضحت وزارة المالية الهندية أن الهند امتنعت عن التصويت على المراجعة، معربة عن "مخاوف بشأن فعالية برامج صندوق النقد الدولي في حالة باكستان نظرا لسجلها الضعيف". من جانبها، رفضت باكستان هذه الاتهامات، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية، شفقت علي خان، إن محاولة الهند لعرقلة الدعم الدولي لباكستان تعكس "إحباط نيودلهي". وأضاف: "إن محاولة انتقاد مؤسسة مثل صندوق النقد الدولي دليل على هذا اليأس". تصعيد خطير في كشمير: اندلعت اشتباكات عسكرية بين القوات الهندية والباكستانية على طول خط السيطرة في كشمير الأسبوع الماضي، في أسوأ أعمال عنف عسكري بين البلدين منذ عقود. أسفرت المواجهات عن مقتل نحو 70 شخصًا من الجانبين، بينهم مدنيون وجنود. وترجع هذه المواجهات إلى هجوم نفذه مسلحون على سياح في جامو ، وهو الهجوم الذي اتهمت فيه الهند باكستان بدعم الجماعات التي نفذته، فيما نفت إسلام آباد هذه الاتهامات، معتبرة إياها "محاولة من الهند لتبرير سياساتها القمعية في كشمير". بعد تصاعد العنف، توصل الطرفان إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بداية من يوم السبت، بعد وساطة دولية، كان من ضمنها زيارة وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، إلى إسلام آباد لبحث سبل خفض التوتر. تاريخ طويل من الخلافات تعود جذور النزاع بين الهند وباكستان إلى تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، عندما قُسمت الإمبراطورية البريطانية إلى دولتين مستقلتين هما الهند وباكستان، مع إقليم كشمير المتنازع عليه ذي الأغلبية المسلمة، والذي ظل نقطة خلاف مركزية بين الجانبين. منذ ذلك الحين، اتهمت الهند باكستان بدعم وتمويل الجماعات المسلحة التي تعمل على زعزعة استقرار كشمير، مثل جماعة "جيش محمد" و"عسكر طيبة"، والتي تنشط داخل الهند وتنفذ هجمات تستهدف المدنيين والقوات الأمنية. في المقابل، تتهم باكستان الهند باستخدام "إرهاب الدولة" لقمع السكان المسلمين في كشمير، واتهامات مماثلة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، إضافة إلى اتهامات بأن الهند تدعم جماعات مسلحة داخل الأراضي الباكستانية. بلغ النزاع ذروته في عدة مناسبات، منها هجوم بولواما في عام 2019 الذي أسفر عن مقتل 40 جنديًا هندياً، وهو الهجوم الذي ردت عليه الهند بضربات جوية داخل الأراضي الباكستانية، متهمة إياها بتدريب ودعم الإرهابيين، وهو ما نفته إسلام آباد. وتعكس الاتهامات المتبادلة واقعًا معقدًا من عدم الثقة والتوترات السياسية العميقة بين الهند وباكستان. ويرى محللون أن هذه الاتهامات تُستخدم في أحيان كثيرة كأداة سياسية لكسب الدعم الداخلي وتبرير الإجراءات الأمنية والعسكرية. وترى الهند في دعم باكستان للجماعات المسلحة تهديدًا وجوديًا لأمنها الوطني، وتتبنى سياسات صارمة ضد التمويل والدعم اللوجستي لتلك الجماعات، وتستخدم باكستان من جهتها، الاتهامات الهندية لتبرير سياساتها في كشمير وتسليط الضوء على "انتهاكات حقوق الإنسان" التي تطال المدنيين في الإقليم، وتعتبر هذه الاتهامات محاولة هندية لإبقاء النزاع على حاله، وتؤدي هذه الديناميكية إلى تفاقم التوترات وتعطيل أي فرص للحوار السياسي أو الحلول السلمية، كما ترفع من احتمالات التصعيد العسكري على الحدود. تلعب الأزمة الاقتصادية دورًا هامًا في المشهد الباكستاني الحالي، حيث تعاني باكستان من ديون ضخمة وأزمة مالية حادة وصلت إلى حافة التخلف عن السداد في 2023، مما دفعها إلى طلب دعم صندوق النقد الدولي. وفي هذا السياق، وافق الصندوق على خطة إنقاذ بقيمة 7 مليارات دولار شملت قرضًا بقيمة مليار دولار، مما ساعد في تخفيف الأعباء المالية مؤقتًا. ولكن الهند أعربت عن معارضتها لهذه المساعدات بسبب المخاوف من أن تمويل باكستان قد يُستخدم لدعم الإرهاب، وهذا التوتر الاقتصادي يعكس جزءًا من الصراع الأوسع، حيث تستغل كل دولة الأوضاع الاقتصادية والسياسية لتقوية موقفها في النزاع. تُعد الاتهامات المتبادلة بدعم الإرهاب حجر عثرة أساسي أمام تحسين العلاقات بين الهند وباكستان، حيث تعزز حالة العداء وعدم الثقة بين الطرفين، على الرغم من محاولات متكررة لاستئناف الحوار، فإن أي محادثات بين البلدين غالبًا ما تنهار بسبب هذه الاتهامات وتصاعد العنف، مما يجعل مسار السلام هشًا وغير مضمون. ويظل مستقبل العلاقات مرهونًا بإرادة سياسية حقيقية من الطرفين لخفض التصعيد، وتبني سياسات تتيح فتح قنوات حوار جادة تستند إلى احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.


ساحة التحرير
منذ 6 أيام
- ساحة التحرير
تنامي الإرهاب بغرب أفريقيا: مأساة بلا جمهور وضحايا بلا تغطية!إدريس آيات
تنامي الإرهاب بغرب أفريقيا: مأساة بلا جمهور وضحايا بلا تغطية! إدريس آيات تشهد منطقة غرب أفريقيا تصاعدًا خطيرًا في الهجمات الإرهابية، بمعدل يفوق ما يحصل في كثير من بقاع العالم. وفق أحدث تقرير لمعهد الاقتصاد والسلام الأسترالي، تحتل المرتبة الأولى عالميًا في معدلات الإرهاب، إلى جانب حضور ست دول أفريقية بين أعلى عشر دول تضررًا (مالي، النيجر، نيجيريا، الصومال، الكاميرون). وهو ما يجعل هذه المنطقة «بؤرة الإرهاب» في العالم؛ إذ يشير التقرير إلى أن دول غرب أفريقيا تمثّل نحو نصف الوفيات الإرهابية العالمية. ورغم تراجع عدد الهجمات الإجمالي (انخفض 17% في بوركينا 2023–2024)، إلا أن الوفيات تقفز بنحو 68%، كما شهدت البلاد هجومًا وحشيًا في أغسطس/2024 راح ضحيته 200 شخص في قرية واحدة. وفي نيجيريا المجاورة، سجل الهجوم الكبير في ولاية يوب يومًا داميًا راح ضحيته 150 قتيلاً مطلع العام، ما يؤكد أن العنف الانتقالي يمتد أيضًا إلى دول غرب أفريقيا الكبرى. ووفق تحليل لوكالة رويترز استنادًا إلى بيانات مركز مراقبة النزاعات (ACLED)، تضاعفت هجمات الجماعات المتطرفة في المنطقة منذ 2021، من معدّل 128 هجومًا شهريًا عام 2021 إلى نحو 224 شهريًا عام 2024. هذه الأرقام المرعبة تثير الاستغراب: كيف لمجلس الأمن الدولي أن يتجاهل مأساة شبه يومية في غرب أفريقيا كما لو كانت ساحة مظلومة خارج حسابات الأمم المتحدة؟ مثلاً، في الشرق الأوسط، اكتسبت إرهاصات الإرهاب دعمًا دوليًا واسعًا حينما مسّتْ مصالح القوى الكبرى. فمنذ 2014 قادت الولايات المتحدة تحالفًا عسكريًا دوليًا ضد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، بمئات الطائرات والجنود ومستشارين متكاملين مع الجيش العراقي وقوات سوريا الديمقراطية. ونتيجة لهذه الحملة المشتركة، تقلصت مقاتلو «داعش» في «خلافته» إلى أقل من ألف عنصر بنهاية 2023. بالمقابل، حين اشتد العنف في منطقة غرب أفريقيا، اكتفت القوى الكبرى بإسناد المهمة لفرنسا بشكل منفرد. لم تشهد المنطقة على غرار الشرق الأوسط تشكّل تحالف دولي واسع للحماية وإعادة الاستقرار، بل ركّزت الدول الغربية على حماية حدودها وثرواتها. ما حدث هو صورة طبق الأصل عن نظرية أنطونيو غرامشي في الهيمنة الثقافية: إذ تُقنع الطبقة الحاكمة الرأي العام العالمي أن مصالحها هي المصلحة العامة المطلقة، وأن مثلاً، بقاء غرب أفريقيا بلا تحالف دولي عريض هو «أمر طبيعي» يدعو لصمت الأصابع. النتيجة أن إعلامًا دوليًا يعالج مواجهات مكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا كما لو كانت شأناً داخليًا دون أولوية عابرة للحدود. فبينما صُوّرت الحملة الدولية على داعش بأنها معركة شرعية ضد تهديد عالمي، تُعامل هجمات تنظيمات (القاعدة وداعش) في غرب القارة السمراء باعتبارها حروبًا إقليمية بلا توصيف مماثل. ولاحقًا، اكتُشفت أنّ عملية 'برخان' الفرنسية في منطقة الساحل، هي الأخرى كانت «تواجدًا استعمارياً» لم تكن تغرب أن تُنهي الإرهاب، مما زاد من معاناة المدنيين، مع ذلك لم تكن تُغطى مجازرها، في حين غطى الإعلام نجاحات التحالف ضد الإرهاب في الشرق الأوسط بلغة النصر والرعاية الدولية. هذا التناقض في المعايير يفضحه أيضًا فقدان اهتمام دولي حقيقي بأزمات السياسة والاستقرار في غرب أفريقيا بالمقارنة مع التصدي لداعش العراقي السوري حين مست مصالحه. التهميش العرقي والأبعاد الجيو-اقتصادية إلى جانب المصالح المادية، ثمة بعد عرقي ضمني في صياغة هذه الاهتمامات. حياة الشعوب السوداء في السودان وهايتي، وغيرها «لا تحظى بالتغطية الإعلامية نفسها» كما تلاحظ مؤسسة The New Humanitarian، فرؤيتنا تتجاهل 'حياة السودان وميانمار وإثيوبيا وهايتي' بشكل روتيني وفقًا لتقريرها الأخير. ينطبق الأمر كذلك على دول غرب أفريقيا. فلا صوت يعلو عندما تُسفك دماء 'الأفارقة السود' كما يحدث لو كانت جماعات مرتزقة تتقاتل بعيدًا عن الشاشة الإخبارية السائدة. فالضحايا في باريس أو أوكرانيا يُشيّعون بمعية مئات الصحفيين والسياسيين، في حين تمضي مذبحة في قرية في موزمبيق أو حملات إعدام في نيجيريا في إطار 'توتر محلي' غير مستحق للمنصة العالمية. هذا الاختزال لعذابات الشعوب الإفريقية يثير شعورًا عميقًا بالغبن والازدواجية: كيف يُطلب من دول المأساة أن تحتسب حقها من الاهتمام الإنساني حين يُعامل العالم معاناتها على أنها إحصائية ثانوية؟ عطفًا على ما سبق؛ لا يمكن تجاوز العوامل الاقتصادية التي تفسر هذا التجاهل. ففي حين تقدّر أهمية بترول الخليج العربي أن يتحكم بالنفط العالمي، تظل ثروات غرب أفريقيا شبه خفية خلف الستار. فمثلاً النيجر هي خامس أكبر منتج لليورانيوم في العالم (حوالي 10% من الإنتاج العالمي، مع خامات عالية الجودة)، إلا أن العالم لم يتحالف لحمايتها بنفس الحماسة التي حماه لمصانع النفط العراقية. وتسيطر شركة «أورانو» الفرنسية على مناجم النيجر، مفضّلة إبقاء التكنولوجيا في حِيازتها بدل مشاركة التكنولوجيا لحماية المدنيين الأبرياء. وعلى الجانب الآخر، تعدّ مالي من أكبر منتجي الذهب في إفريقيا؛ فقد سجّلت إنتاجًا قياسيًا بلغ نحو 70 ألف كغم عام 2024. وتملك بوركينا فاسو أيضًا احتياطات غنية من الذهب. وفي موزمبيق اكتُشف احتياطي غاز هائل (يقدّر بنحو 65 تريليون قدم مكعب)، وعُقدت صفقة استثمار بـ 20 مليار دولار لإنشاء مصفاتي تسييل غاز. ومع ذلك، لم تتم معاملتها مثل حقول النفط في منطقة الشرق الأوسط: فالتركيز الدولي كان على إنشاء مبادرات تجارية ضخمة لشركات الطاقة الكبرى، بينما حُكم على السكان المحليين بالنزوح والعنف. أضف إلى ذلك التبعية المالية: فالنيجر ومالي وبوركينا تودع نصف احتياطيها الإلزامي في الخزينة الفرنسية وتستخدم عملتها «فرنك أفريقي» المرتبطة باليورو. وهذا كله يبرز منطق الاستعمار الحديث؛ إذ تورد هذه البلدان المعادن والطاقة بـثمن بخس في حين تُحتكر أوروبا التصنيع والأرباح. إذا كانت الشكوى في السابق هي أن الشرق الأوسط «قنبلة موقوتة» لأجل نفطه، فنحن أمام قنبلة موقوتة أكبر في إفريقيا: لا تقل ثروات المنطقة أهمية إنارةً للمصانع العالمية، ومن المنطق أن ينال توفير حمايتها نفس القدر من الاهتمام الدولي، وهذا التقاعس بالضبط هو الذي يفسّر توجّه بعض الدول الأفريقية مؤخرًا نحو شُركاء مختلفين في مكافحة الإرهاب. الأبعاد الجيوسياسية يتكشف أيضًا وقع الصراع الجديد على صعيد المصالح الكبرى. فمنطقة غرب أفريقيا يقبع خارج أولويات النظام العالمي التقليدي. تغطي حروب أوكرانيا والشرق الأوسط معظم اهتمام الصحافة والمجالس الدولية، فتبقى مواجهات أفريقيا جنوب الصحراء خارج أجندات «العالم». إلا أن تجاهل هذه الحقبة يؤتي بمردودات سلبية بالضرورة: فقد ذكرت تقارير الأمم المتحدة أن مسار الهجرة من غرب أفريقيا إلى أوروبا قد تصاعد بنسبة 62% خلال النصف الأول من 2024، إذ بلغ عدد المهاجرين الوافدين إلى جزر الكناري من هذه الدول نحو 17.3 ألفًا مقابل 10.7 آلاف قبل عام. ورغم أن هذه موجة إنسانية كبرى، فإن البلدان الغربية استقبلتها بإجراءات أمنية وإغلاق الحدود أكثر منها بدعم استقرار الدول التي يغادر منها الناس. بالمقابل، أدت إخفاقات الحكومات المحلية وتصاعد العنف إلى موجات انقلاب عسكري (مالي وبوركينا والنيجر)، مما دفع البعض للتوجه نحو بكين، وموسكو، بل حتى تركيا، معلنين أنها بديل لشركائهم الغربيين. والمحصلة الجيوسياسية أن شبه دول جهادية بدأت تظهر في أحضان فوضى غرب أفريقيا والصحراء الكبرى، تحيط بها مراكز قوى عالمية بأذرع ضعيفة. ومع طرد القوات الأمريكية والأوروبية بعد الانقلابات، صار المجال مفتوحًا لقوى منافسة لكسب النفوذ دون مراقبة. فالأفكار الغرامشية عن «الهيمنة الطالعة» تنطبق هنا أيضاً: إذ يرضخ النظام الإعلامي والسياسي للفكرة القائلة بأن أفريقيا ليست على رأس الأولويات. ختامًا، ليس الغرض من هذه الصرخة، إعادة عزف اللحن المألوف عن ازدواجية المعايير، ولا استدرار عواطف القارئ بشكوى التهميش العرقي الذي اعتاد عليه كثير من الكتّاب الأفارقة. بل هو جرس إنذار حقيقي لما هو آت: فالتطورات الجارية اليوم تنذر بفتح الباب أمام موجة إرهابية أكثر اتساعًا، وعنفًا، وتنظيمًا مما شهده العالم في دير الزور والموصل. موجة قد لا تكتفي بتهديد أرواح الأبرياء، بل ستطال مصالح كبرى، وشركات عابرة للحدود، بل ورعايا تلك الدول، واقتصادات إقليمية ودولية صامتة اليوم، وحينها سيكون الثمن فادحًا، والخسائر جماعية. فإذا كان العالم قد قرّر — بصمته أو تواطئه — أن أرواح الفقراء المهمشّين لا تستحق المخاطرة، وأن حياة طفل في غرب أفريقيا لا تُقاس بذات المعيار الذي تُقاس به حياة طفل في كييف أو باريس، وإذا باتت دموع الأمهات في تومبوكتو تُعدّ هامشًا على دفتر الأحزان العالمي، فمتى إذن سيتحرّك التحالف الدولي ومجلس الأمن لحماية مصالح القوى الكبرى بغرب أفريقيا؟ أليست مناجم الذهب واليورانيوم والغاز، التي باتت اليوم في مرمى الفوضى، هي ما يحرك السفن ويستنفر القرارات ويستجلب الاجتماعات العاجلة؟ إن الصمت عن غرب أفريقيا اليوم هو خيار أخلاقي محفوف بالعواقب. فكل يوم يُترك فيه الأطفال وحدهم في وجه رصاصة الإرهابيين، وكل قرية تُمحى دون أن ترفّ عينٌ في مجلس الأمن، هو يومٌ يُراكم الكارثة المقبلة. ليست المسألة إن كانت الفوضى ستطال المصالح الدولية، بل متى. وعندما يحدث ذلك، لن يكون السؤال: كيف حدث؟ بل: لماذا انتظرنا طويلًا، بينما كانت النار تشتعل أمام أعيننا، فقط لأنها لم تكن تحرقنا بعد؟ 2025-05-15 The post تنامي الإرهاب بغرب أفريقيا: مأساة بلا جمهور وضحايا بلا تغطية!إدريس آيات first appeared on ساحة التحرير.


ساحة التحرير
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- ساحة التحرير
حرب شاملة بين الهند وباكستان: هل دخلت باكستان دائرة التطويق الأمريكي-الهندي الإسرائيلي؟!إدريس آيات
#جيوسياسية/ حرب شاملة بين الهند وباكستان: هل دخلت باكستان دائرة التطويق الأمريكي-الهندي-!لإسرائيلي؟ إدريس آيات -أو هنا لماذا الهند وباكستان على حافة النار: وماذا عن المخاوف أن تتحول حرب الظل إلى مواجهة نووية! (إدريس آيات) بداية الأحداث والاشتباكات الراهنة! شهدت الهند في 22 أبريل 2025 هجومًا 'إرهابيًا' في منطقة بفهلجام بكشمير الهندية، استهدف مجموعة من السائحين الهندوس وأودى بحياة 26 شخصًا . أثار هذا الهجوم غضبًا شعبيًا واسعًا في الهند، التي سارعت إلى اتهام جماعات متشددة مقرها باكستان بتنفيذه. حددت السلطات الهندية هوية ثلاثة مهاجمين، اثنان منهم باكستانيو الجنسية، معتبرةً أنهم إرهابيون مدعومون عبر الحدود . في المقابل، نفت إسلام آباد أي صلة لها بالحادث وطلبت إجراء تحقيق محايد، إذ أكدت رفضها للإرهاب بجميع صوره . شكل هذا الاعتداء السبب المباشر للأزمة، لكنه تراكم على أسباب غير مباشرة مزمنة. فالنزاع المستمر منذ عقود حول إقليم كشمير ذو الأغلبية المسلمة يعد جذور التوتر الدائم بين البلدين . كما تغذّي الديناميكيات الداخلية حالة التأهب؛ إذ تتبنى نيودلهي حكومة قومية متشددة توعّدت مرارًا بـ«مطاردة ومعاقبة» منفذي الهجمات الإرهابية ، ما يزيد الضغط للرد بقوة على أي اعتداء. وفي باكستان، يُواجه قادة البلاد أزمات اقتصادية وأمنية داخلياً ويواجهون ضغوطًا من الجيش والجمهور للوقوف بحزم أمام الهند، خاصة مع اقتراب استحقاقات سياسية وانتخابية مهمة. يُضاف إلى ذلك الاعتبارات الأمنية المتبادلة، حيث يتهم كل طرف الآخر بدعم حركات تمرّد على أراضيه: فالهند تتهم باكستان بتمويل وتشجيع التمرد المسلح في كشمير ، بينما تقول باكستان إنها لا تقدم سوى دعم 'معنوي ودبلوماسي' لحق الكشميريين في تقرير المصير وتلمّح في المقابل إلى تورط المخابرات الهندية في تأجيج اضطرابات بإقليم بلوشستان المضطرب. وقد برز ذلك في مايو 2025، عندما تعرضت دورية للجيش الباكستاني لهجوم دامٍ من قبل متمردي 'جيش تحرير بلوشستان'، حيث سارعت باكستان إلى اتهام وكلاء هنود بدعم منفذي الهجوم – وهي تهمة أصبحت سردية متكررة في مثل هذه الحوادث . هذا المناخ من انعدام الثقة المتبادل رسّخ معضلة أمنية دائمة، بحيث يرى كل بلد في تعزيز الآخر لأمنه تهديدًا له. وهكذا؛ تفاقمت الأزمة سريعًا بعد هجوم بفهلجام. حيث اتخذت الهند إجراءات عقابية ضد باكستان حتى قبل الرد العسكري؛ فقد أعلنت تعليق بعض بنود معاهدة مياه سند الموقعة عام 1960 – وهي اتفاقية حيوية لتقاسم مياه الأنهار – واعتبرت ذلك ورقة ضغط استراتيجية . من جانبها أغلقت باكستان مجالها الجوي أمام الطيران الهندي . ومع تصاعد التصريحات النارية بين الجانبين، وصل التوتر ذروته مع إطلاق الهند عملية عسكرية محدودة داخل الأراضي الباكستانية بعد حوالي أسبوعين من الهجوم الإرهابي، مما أدخل المنطقة في أخطر مواجهة لها منذ عقدين. الهند وباكستان على حافة حرب شاملة، أو حين حين احترق الليل في سماء كشمير: في مساء السابع من مايو الجاري، لم تكن السماء وحدها تمطر نارًا، بل سقطت حسابات القوة في ميزان غير متكافئ بين الطموح الهندي والحذر الباكستاني. فقد أطلقت نيودلهي عملية 'سيندور' كضربة انتقامية، رُسمت بصواريخ كروز فرنسية (SCALP-EG) وقنابل موجهة (HAMMER)، مدعومة بوحشها الأسرع من الصوت 'براهموس'. بدا المشهد، في أول وهلة، وكأنه إعلان عن تفوق جوي هندي يريد أن يُترجم نيرانه إلى سردية الردع. لكن في كشمير، حيث لا تنام البنادق، بدا الرد الباكستاني أكثر من مجرد تصدٍ؛ كان بيانًا استراتيجياً مكتوبًا بحروف PL-15، صواريخ جو-جو صينية الصنع، انطلقت من مقاتلات J-10C، التي تحركت بإرشاد من طائرات Saab Erieye، لتدير مواجهة حاشدة شملت مئات الطائرات، في واحدة من أوسع المناوشات الجوية في جنوب آسيا منذ حرب كارجيل. وسرعان ما تغير مسار السرد: طائرتان هنديتان سقطتا — بينهما طراز رافال F3R وسو-30 أو ميغ-29، بحسب ما تسرب من بيانات عسكرية متضاربة — لترتد الضربة إلى الداخل، وتنكشف ثغرات في منظومة التقدير الهندية، ليس فقط في الاستخبارات، بل في عمق التنسيق والجاهزية. على مدى ثلاثة أيام حتى هذه اللحظة، تصاعدت وتيرة الضربات بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، لتتحول قواعد الدفاع الجوي إلى مسارح اختبار حيّ. وإن كان من دلالة تُستخلص، فهي أن نيودلهي أساءت قراءة جاهزية خصمها. باكستان، رغم قيود الاقتصاد وأعباء الداخل، أظهرت مهارة تنسيقية لافتة، مستفيدة من سنوات من التمارين المشتركة مع تركيا، والصين، بل وحتى الولايات المتحدة. وفي الوقت الذي خسرت فيه الهند مقاتلة رافال — أغلى ما في ترسانتها — بصمتٍ رسمي ثقيل، ربحت باكستان جولة معنوية واستراتيجية، عززت من خلالها صورة طياريها الذين يُدرّبون اليوم نُخَب الطيران في الخليج. أما دول الإقليم والعالم، فقد اختارت مواقعها بحذر: الصين وتركيا قدمتا دعماً مفتوحًا لإسلام آباد ( باكستان)، بينما اكتفت واشنطن، عبر نائب رئيسها فانس، بلغة رمادية عن 'الحياد'، رغم التقارب المعلن مع الهند. وحدها إسرائيل، كالعادة، انحازت بدبلوماسية واضحة إلى نيودلهي، في موقف لا يخلو من دلالات استراتيجية. -التحالف الثلاثي بين الولايات المتحدة والهند وإسرائيل ضد باكستان رغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف إطلاق النار بين الطرفين قبل ساعات من تجدد الاشتباكات المسلحة التي قد تودي إلى حرب شاملة، إلا أنّ واشنطن ليست محايدة إطلاقًا، ولا تصلح وسيطًا نزيهًا. حيث؛ شهدت السنوات الأخيرة تقاربًا استراتيجيًا متناميًا بين كل من واشنطن ونيودلهي وتل أبيب، ما اعتبره مراقبون تحالفًا ثلاثيًا غير رسمي يستهدف تضييق الخناق على الجماعات المتشددة في باكستان. تبرر الولايات المتحدة دوافعها بالتزامها بمحاربة المتطرفين الإسلاميين داخل باكستان، لكن الحقيقة هي رغبتها في دعم الهند كقوة إقليمية موازنة لصعود الصين . وقد صرّح محللون بأن واشنطن تجد تقارب الهند وإسرائيل ملبّياً لمصالحها الاستراتيجية، حيث قالت دراسة صادرة عن جامعة الدفاع الوطني في إسلام آباد إن الولايات المتحدة تؤيد قيام 'محور هندي-إسرائيلي حيوي' وتعلن صراحة دعمها لـ'هند قوية مزدهرة مدعومة بالخبرات التكنولوجية الإسرائيلية'. أما بالنسبة للهند، يحقق هذا التعاون مكاسب عدّة؛ فمن جهة تحصل نيودلهي على تكنولوجيا عسكرية متطورة وخبرات استخباراتية من واشنطن وتل أبيب تساعدها في التفوق على خصمها التقليدي (باكستان)، خاصة في مجالات مثل الدفاع الصاروخي والطائرات المسيرة وأنظمة المراقبة المتقدمة . ومن جهة أخرى، تستفيد الهند دبلوماسيًا عبر اصطفافها مع قوى غربية وإقليمية كبرى في مواجهة اتهامات باكستان لها. أما إسرائيل، فلها مصلحة في كبح جماح الحركات الإسلامية وفي تعزيز شراكتها مع قوة آسيوية صاعدة كالهند، سواء لأسباب اقتصادية (سوق السلاح الهندية الضخمة) أو جيوسياسية (تطويق التهديدات الممتدة من إيران إلى باكستان). وقد شهدنا تعبيرًا جليًا عن هذا التنسيق الثلاثي خلال هذه الفترة؛ إذ سارعت إسرائيل إلى دعم حق الهند في الدفاع عن نفسها عقب ضرباتها داخل باكستان، وصرّح السفير الإسرائيلي في نيودلهي صراحةً: 'إسرائيل تدعم حق الهند في الدفاع عن نفسها. على الإرهابيين أن يعلموا أنه لا مكان للاختباء من جرائمهم البشعة' . كما نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة تضامن مع نظيره ناريندرا مودي منددة بـ'الهجوم الإرهابي الهمجي في بفهلجام' ومؤكدة أن إسرائيل تقف مع الهند في حربها ضد الإرهاب . إضافيًا يعتمد هذا التحالف بحكم الواقع على التنسيق الأمني والاستخباراتي الوثيق. فمن المرجح أن أجهزة الاستخبارات الهندية (RAW) والأميركية (CIA) والإسرائيلية (الموساد) تتبادل المعلومات حول تحركات الجماعات المتطرفة المتمركزة في باكستان. وعلى المستوى العسكري، كثّفت الهند تعاونها التدريبي والتقني مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل للحصول على ميزة نوعية: فالهند حصلت على طائرات استطلاع مسيّرة وأنظمة رادار وصواريخ دقيقة التوجيه من إسرائيل، كما أبرمت اتفاقيات لوجستية واتصالات دفاعية مع واشنطن تتيح تبادل البيانات الحساسة في الوقت الحقيقي. ومن الجانب الآخر، تنظر باكستان بعين الريبة إلى هذا المحور الثلاثي وتعتبره تحالفًا معاديًا يهدف إلى محاصرتها دوليًا وتقويض أمنها القومي. ويشير محللون في إسلام آباد إلى أن التقارب الأمريكي الهندي الإسرائيلي أدى إلى تصعيد سباق التسلح في المنطقة وإخلال التوازن الاستراتيجي على حساب باكستان ، ما يدفع إسلام آباد أكثر نحو تعزيز تحالفها مع الصين ككفة موازنة. التقارب الصيني مع باكستان: الأبعاد الاقتصادية والعسكرية والجيوسياسية غنّيٌ عن البيان، القول بأنّ الصين وباكستان تتمتعان بعلاقات توصف تقليديًا بأنها 'صداقة في جميع الأحوال الجوية'، نشأت منذ عقود بدافع مواجهة الهند إقليميًا . هذا التقارب ازداد عمقًا في السنوات الأخيرة على خلفية مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث أصبحت باكستان حجر الزاوية في هذه المبادرة عبر مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC). وتبلغ قيمة الاستثمارات في هذا الممر نحو 50 مليار دولار، ويهدف إلى ربط مقاطعة شينجيانغ الصينية بميناء غوادَر الباكستاني على بحر العرب . لهذا البعد الاقتصادي أهمية قصوى: فبالنسبة لبكين، يؤمن لها منفذًا بحريًا استراتيجيًا إلى المحيط الهندي يتجاوز مضيق ملقا الخاضع للرقابة الأميركية، ويعزز وصولها للأسواق في جنوب آسيا والشرق الأوسط . وبالنسبة لإسلام آباد، يمثل طوق نجاة اقتصادي وفرص تنمية لبنيتها التحتية، فضلاً عن توطيد علاقتها بأقوى قوة منافسة للهند. على الصعيد العسكري، تُعتبر الصين المموّل الرئيسي لتسليح باكستان. فقد زودت بكين إسلام آباد بأنظمة أسلحة متقدمة ساهمت في تحديث الجيش الباكستاني، من مقاتلات JF-17 Thunder المطوّرة مشتركًا، إلى دبابات الخالد، وصولاً إلى اتفاق لتزويد باكستان بثماني غواصات حديثة. وتشير تقارير حديثة إلى أن باكستان تستعد لتكون أول مشترٍ أجنبي لمقاتلات الجيل الخامس الصينية الشبحية (المعروفة بمشروع J-35)، ما سيعزز قدرات سلاحها الجوي بشكل نوعي . كذلك تعاونت الصين مع باكستان في تطوير برنامجها النووي والصاروخي منذ بداياته، بهدف ضمان امتلاك إسلام آباد قوة ردع كافية بمواجهة التفوق الهندي. هذا التعاون الدفاعي الوثيق يجعل إسلام آباد حليفًا عسكريًا أساسيًا لبكين في جنوب آسيا، حيث ترى الصين أن تقوية باكستان تصب في مصلحتها لكبح الهند وإشغالها إقليميًا . وفي المقابل، تعتمد باكستان على الصين لتحديث قواتها ومجاراة الإنفاق العسكري الهندي المتزايد. على الصعيد الجيوسياسي الأوسع، ينظر البلدان لبعضهما كـشريكين استراتيجيين في مواجهة الهيمنة الغربية. فبالنسبة للصين، توفر باكستان عمقًا استراتيجيًا في جنوب آسيا وممرًا إلى الخليج العربي، إضافة إلى شريك يصوّت معها في المحافل الدولية. وبالفعل، غالبًا ما وقفت بكين دبلوماسيًا إلى جانب إسلام آباد في الأمم المتحدة، خصوصًا عبر استخدام حق النقض لصالح باكستان لمنع إدراج قيادات جماعات كشميرية على قوائم الإرهاب . أما باكستان، فترى في الصين ضامنًا قويًا لأمنها؛ إذ لوّح محللون صينيون بأن بكين لن تتردد في الوقوف مع باكستان ضد أي تهديد وجودي. وقد نقلت تقارير أن استراتيجيًا صينيًا بارزًا توعد بالدفاع عن باكستان في مواجهة أي تهديد عسكري أعقب حادث بفهلجام ، في رسالة تحذير ضمنية للهند. ورغم بعض التوترات الخفية مؤخرًا – مثل امتعاض الصين من ضعف تأمين باكستان لرعاياها في إقليم بلوشستان حيث تعرضوا لهجمات إرهابية ، وخلافات حول تفاصيل تشغيل ميناء غوادَر – إلا أن التحالف الصيني الباكستاني يظل راسخًا. وتواصل بكين ضخ الاستثمارات والقروض في باكستان رغم مصاعب الأخيرة المالية، كما تستمر في إجراء مناورات عسكرية مشتركة (مثل تمرين 'محارب-8' لمكافحة الإرهاب عام 2024 بمشاركة 300 جندي صيني ). بكلمات أخرى، تعتبر الصين باكستان حجر ارتكاز إقليمي في استراتيجيتها الكبرى، سواء لموازنة النفوذ الهندي-الأميركي أو لتأمين طرق تجارتها البرية والبحرية عبر آسيا. !! زاوية أخرى جيوسياسية للنظر: لماذا لا أؤمن بمجموعة بريكس- وأؤمن فقط بالمحور الصيني الروسي؟ لقد ظللت أردّده لما يُقارب 3 سنوات، وسأخطّه مرةً أخرى هنا، وسجلّوه عنّي كتوقّع وتنبّؤ آخر من تنبؤاتي الجيوسياسية التي أثبتت الأحداث صحتّها. فعلى الرغم من تصاعد الحديث عن تحالف 'بريكس بلس' كقوة استراتيجية مناهضة للغرب، فإنني لا أؤمن فعليًا بقدرته على الاضطلاع بهذا الدور. ويرجع هذا الشك أساسًا إلى تناقض بنيوي عميق في عضويته. فالصين – أحد الأعضاء الرئيسيين – تدعم خصوم الهند الإقليميين مثل باكستان وتنسج معهم شراكات استراتيجية وثيقة. في المقابل، الهند نفسها عضو في التحالف، لكنها ترتبط في الوقت عينه بتحالفات أمنية واقتصادية وثيقة مع الغرب وتعدّه شريانًا حيويًا لأمنها القومي ونموها الاقتصادي. هذا التباين الصارخ بين توجهات الصين والهند داخل التحالف، ثم ارتباط بعض أعضاء المجموعة الجدد بالغرب ولعبها ' الدور الوظيفي للولايات المتحدة الأمريكية' يخلق حالة من عدم الاتساق الاستراتيجي ويقوض فكرة وقوف 'بريكس بلس' كجبهة موحدة متماسكة ضد النفوذ الغربي. ولا تتوقف التناقضات عند هذا الحد؛ فروسيا، وهي عضو بارز آخر في التحالف، تضيف إلى المشهد تعقيدًا إضافيًا. عززت موسكو في السنوات الأخيرة تحالفها مع بكين وباتت تدعم مواقف الصين بصورة وثيقة، والمفارقة أن الصين حليف وثيق لباكستان، العدو اللدود للهند الحليفة التقليدية لموسكو. هذا التشابك في شبكة التحالفات يولّد توازنات متنافرة وشراكات متناقضة داخل 'بريكس بلس'، مما يجعل من الصعب اعتباره كتلة متجانسة ذات هدف استراتيجي موحد. وبناءً على ذلك، أرى أن التحالف الصيني–الروسي هو المرشح الحقيقي لتشكيل قطب مناهض للغرب، وصياغة عالم متعدد الأقطاب؛ وليس تحالف بريكس أو بريكس بلس، لأن الأخير أقرب إلى زواج غير تقليدي منه إلى محور استراتيجي موحد. —- ختامًا، يظهر التصعيد الأخير لعام 2025، والاشتباكات العنيفة التي تجري في سماء البلدين الليلة، قرب نيودلهي من جهة وإسلام أباد من جهة أخرى؛ كيف تتداخل العوامل المباشرة (كحدث إرهابي مروّع) مع القضايا البنيوية العميقة (كقضية كشمير والتحالفات الإقليمية) لتدفع الهند وباكستان إلى حافة الهاوية. وبرغم نجاح الضغوط الدولية في الحيلولة دون انفجار حرب شاملة نهار اليوم، فإن عناصر الاشتعال لا تزال كامنة لتصل لحرب ضروس بعد الضربات المتبادلة الليلة، بعد ساعات قليلة من إعلان وقف إطلاق نار لم يصمد. حيث يستمر انعدام الثقة والتنافس على الردع وسباق التحالفات في تغذية دورة أزمات دورية بين البلدين. وبينما تمكنت القيادتان حتى الآن من تجنب تجاوز الخطوط الحمراء النووية، يبقى التوتر مرشحًا للتصاعد مستقبلًا ما دامت إسرائيل وأمريكا والصين تُغذي هذا التصعيد بغية تحقيق مكاسب جيو-استراتيجية. إن إدارة هذه العلاقة المعقدة تتطلب رؤية إستراتيجية بعيدة المدى من الطرفين، لضمان ألا تتحول أي شرارة عابرة إلى نار حرب تأتي على الأخضر واليابس في جنوب آسيا، لكن لا يُمكن تحقيق ذلك في أي منطقة رسمت فيها بريطانيا حدودها لأنها تتعمّد -دائما- أن تترك نقطة اشتعال، وإذا كانت أمريكا هي الضامنة لأمن ذلك الإقليم، فإنّها ستعمل دائماً على التناقضات بين البلدين، يزكّي نيران الحرب في المنطقة، ثم تحاول الرجوع كرجل الإطفاء. 2025-05-12 The post حرب شاملة بين الهند وباكستان: هل دخلت باكستان دائرة التطويق الأمريكي-الهندي الإسرائيلي؟!إدريس آيات first appeared on ساحة التحرير.