
إنجاز غير مسبوق على مستوى المنطقة
تعد تقنية تعديل القواعد الوراثية من الابتكارات العلمية التي تبشر بثورة في الأبحاث البيولوجية والطبية، إذ تفتح آفاقًا جديدة لعلاج الأمراض المستعصية. لكن في ظل هذا التطور، تثار تساؤلات حول الأبعاد الدينية، الأخلاقية، والاجتماعية لهذا الإنجاز العلمي المذهل.
أهنئ الكادر الطبي البحريني على نجاحه في استكمال علاج أول مريض بفقر الدم المنجلي في الشرق الأوسط، باستخدام تقنية زراعة النخاع بالتعديل الجيني "CRISPR".
يُعتبر هذا إنجازًا غير مسبوق على مستوى المنطقة، حيث تم الاعتماد على علاج "كاسغيفي" بعد تقييم دقيق لمعايير السلامة والجودة.
استغرقت العملية ستة أشهر، بالتنسيق مع شركة Vertex Pharmaceuticals، وبتكلفة بلغت 800 ألف دينار.
أشاد سمو ولي العهد رئيس الوزراء، خلال زيارته للمريض أمجد المحاري، بهذا الإنجاز، مؤكدًا حرص المملكة على تطوير القطاع الصحي وتقديم أفضل مستويات الرعاية الطبية، مما يعكس رؤيتها الطموحة في أن تصبح مركزًا عالميًا للطب المتقدم.
العلم والخيال
لطالما استلهم الأدب خيال العلماء، كما هو الحال مع رواية "فرانكنشتاين" للكاتبة الإنجليزية ماري شيلي، والتي نشرت عام 1818، إذ طرحت فيها تساؤلات عن حدود التدخل البشري في الطبيعة.
اليوم، بفضل تقنية CRISPR، أصبح بإمكاننا تعديل أو تغيير جينات الكائنات الحية، بل حتى إعادة تشكيل كائنات منقرضة، مثل الماموث الصوفي، من خلال استخراج حمضها النووي من خصلات الشعر المجمدة.
يعتبر العلماء مثل جورج تشرتش، تشانج، ولوتشيانو مارافيني، من رواد تعديل الجينات البشرية، حيث تمكنوا من تطوير تقنيات لإعادة برمجة الصفات الوراثية، ما يفتح الباب أمام إمكانيات لا حصر لها.
التحديات الأخلاقية والدينية
يثير التعديل الجيني تساؤلات فلسفية وأخلاقية، خاصة عندما يتعلق الأمر بتعديل الخط الإنتاشي (Germline)، إذ قد تنتقل التعديلات إلى الأجيال القادمة.
وقد أبدى علماء الدين الإسلامي وجهات نظر متباينة حول هذا الموضوع:
يرى بعض العلماء أن التعديل الجيني قد يكون مقبولًا إذا كان يهدف إلى علاج الأمراض وتحسين الصحة، شريطة التأكد من عدم وجود أضرار جانبية.
بينما يحذر آخرون من أنه قد يتعارض مع الفطرة البشرية، استنادًا إلى الآية الكريمة: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} (النساء: 119)، والتي تُفسر على أنها تحذير من التعدي على النظام الطبيعي الذي وضعه الله.
هناك أيضًا تخوف من استخدام التعديل الجيني لأغراض تجميلية أو لتعزيز صفات بشرية معينة، مما قد يخلق تفاوتًا بين الأفراد ويؤدي إلى تفاقم الفجوات الاجتماعية.
التأثيرات العلمية والطبية
أدى اكتشاف الحمض النووي DNA في خمسينيات القرن الماضي، على يد جيمس واتسون وفرانسيس كريك، إلى إحداث نقلة نوعية في علم الوراثة، مما مهد الطريق لاكتشاف تقنية CRISPR-Cas9 التي تتيح تعديل الجينات بدقة متناهية.
استخدامات تقنية CRISPR: تشمل علاج أمراض وراثية مثل فقر الدم المنجلي، بيتا الثلاسيميا، وبعض أنواع السرطان.
التحديات العلمية: يواجه العلماء تحديات مثل احتمال حدوث تعديلات غير مقصودة في الحمض النووي، والاستجابات المناعية التي قد يسببها النظام الجيني المعدل.
آفاق المستقبل: تشير الأبحاث إلى إمكانية استخدام التعديل الجيني في تحسين مقاومة الأمراض، تأخير الشيخوخة، وربما تعزيز القدرات الذهنية والجسدية.
التطبيقات الطبية لتقنية CRISPR
خضعت أول مريضة لعلاج فقر الدم المنجلي بتقنية CRISPR في الولايات المتحدة عام 2019، حيث تم تعديل جين "BCL11A" لتعزيز إنتاج الهيموجلوبين الجنيني. اليوم، تقدم تسعة مراكز طبية في الولايات المتحدة هذا العلاج، كما أن المملكة المتحدة أصبحت أول دولة خارج أمريكا تعتمد تقنية "كاسغيفي" رسميًا.
على الرغم من الجدل القائم حول هذه التقنية، فإن الدين والعلم ليسا بالضرورة على طرفي نقيض. إذ يمكن للدين أن يوجه استخدام العلم نحو أهداف إنسانية نبيلة، مثل علاج الأمراض المستعصية، في إطار الضوابط الأخلاقية والتشريعية التي تحافظ على كرامة الإنسان.
الخلاصة
تقنية CRISPR تفتح آفاقًا غير مسبوقة في مجال الطب والهندسة الوراثية، لكنها تثير أيضًا تساؤلات أخلاقية واجتماعية ودينية عميقة. وبينما تستمر الأبحاث في هذا المجال، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين الاستفادة من هذه التكنولوجيا المتقدمة، واحترام القيم الإنسانية والأخلاقية التي تحكم المجتمع.
إذا استُخدمت هذه التقنية بحكمة، فقد تمثل ثورة علمية غير مسبوقة تساهم في تحسين صحة الإنسان وتعزيز جودة الحياة، ولكن إذا أُسيء استخدامها، فقد تؤدي إلى تداعيات لا يمكن التنبؤ بها على مستقبل البشرية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ 9 ساعات
- البلاد البحرينية
التمريض.. عمل إنساني رائع للبشرية
منذ فترة بسيطة احتفل العالم باليوم العالمي للتمريض، وهو اليوم الذي تم اختياره للاحتفاء بأبناء تلك المهنة الإنسانية وإعطائهم دفعة لمواصلة العطاء والتميز. والحقيقة أن التمريض من أكثر المهن التي تحتاج لهذا الاحتفاء وهذا الدعم لما يقدمه المنتسبون لهذه المهنة من عمل إنساني رائع للبشرية، ولابد أن ندعمهم ونشد على أيديهم كما نشد على أيدي الجيوش التي تحمي الحدود ورجال الأمن الذين يحرسون الأمن، فهم أيضًا يقدمون لنا شيئًا عظيمًا. واليوم العالمي للتمريض يهدف إلى تسليط الضوء على هذه المهنة الشريفة والمنتسبين إليها والاحتفاء بهم وتشجيعهم على المزيد من العطاء، وإعطائهم دفعة معنوية جديدة، ومعرفة ما لديهم من مشكلات ومتاعب للعمل على تذليلها، ولكي يستطيعوا أن يواصلوا عملهم الإنساني في بيئة عمل تحفظ لهم كرامتهم وراحتهم. وفي هذا اليوم يجري تكريم الممرضات والممرضين ممن أدوا عملهم بتفان وإخلاص وتوجيه رسالة تحية ودعم للمنتسبين لهذه المهنة على مستوى العالم. ونحن في مملكة البحرين نوجّه هذه الرسالة إلى المنتسبين إلى هذا القطاع الذي يشكل العمود الفقري للمهن الطبية ويسهر على راحتنا، ونشد على أيديهم جميعًا ونقول لهم إنكم تستحقون منا الكثير من الشكر والتقدير، ويبقى التقدير والمكافأة لمهنتكم ولكل المهن الإنسانية من عند الله.


البلاد البحرينية
منذ 2 أيام
- البلاد البحرينية
آل عصفور: تعامد الشمس فوق الكعبة المشرفة بالتزامن مع ولادة هلال ذي الحجة 1446 هجربة
أفاد الباحث الفلكي محمد رضا آل عصفور بأن الشمس ستتعامد بمشيئة الله فوق الكعبة المشرفة يوم الثلاثاء الموافق 27 مايو 2025، لحظة رفع أذان الظهر في المسجد الحرام في تمام الساعة 12:18 ظهرًا بتوقيت مكة المكرمة، في ظاهرة فلكية تحدث مرتين سنويا بسبب ميلان محور الأرض بزاوية قدرها 23.5 درجة أثناء حركة الشمس الظاهرية وانتقالها من خط الاستواء إلى مدار السرطان في نهاية شهر مايو ، وعند عودة الشمس جنوبا إلى خط الاستواء قادمة من مدار السرطان في منتصف شهر يوليو من كل عام. وأوضح آل عصفور أن ظاهرة التعامد تحدث عندما تكون الشمس في أقصى ارتفاع لها وتكون عمودية على الكعبة المشرفة بزاوية قدرها 90 درجة تقريبا، مما يؤدي إلى اختفاء ظل الكعبة وجميع الأجسام المجاورة لها بشكل كامل، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة تُعد فرصة مثالية لضبط اتجاه القبلة بدقة في أي نقطة حول العالم واقعة ضمن نطاق النهار، إذ يشير اتجاه الظل حينها إلى الجهة المعاكسة للقبلة تماما. وأضاف آل عصفور أن هذه الظاهرة تتزامن هذا العام مع يوم ولادة هلال شهر ذي الحجة 1446 هجرية، مبينا أن تحديد بداية الشهر قد يختلف من دولة لأخرى تبعاً للموقع الجغرافي وظروف تحري الهلال فيها. فوفقاً للحسابات الفلكية الخاصة بمكة المكرمة، سيحدث الاقتران المركزي في تمام الساعة 06:02 صباحًا من يوم الثلاثاء الموافق 27 مايو 2025 الساعة 06:02 صباحاً. وعند غروب شمس في الساعة 06:57 مساءً، سيكون عمر القمر حوالي 13 ساعة، وسيمكث في السماء حوالي 38 دقيقة بعد غروب الشمس، ويغرب عند 07:35 مساءً، مرجحا أن يكون يوم الأربعاء الموافق 28 مايو 2025 غرة شهر ذي الحجة للعام 1446 هجرية استنادًا إلى المعايير الفلكية المعتمدة في المملكة العربية السعودية، وبناءاً عليه سيكون الوقوف بعرفة يوم الخميس الموافق 5 يونيو، بينما يكون يوم عيد الأضحى المبارك الجمعة الموافق 6 يونيو.


الوطن
منذ 2 أيام
- الوطن
برنامج ولي العهد للمنح الدراسية العالمية.. نافذة على المستقبل
أحلام 20 طالباً متميزاً في البحرين، تجد لها فرصة للتحقق على أرض الواقع.. هذا ما يحدث كل عام على مدى ربع قرن، من خلال برنامج ولي العهد للمنح الدراسية العالمية، والذي أطلق الدفعة السادسة والعشرين قبل أيام والتقى بهم سمو ولي العهد رئيس الوزراء ليهنئهم. لا أستطيع أن أتخيل مشاعر هؤلاء الطلبة أو حتى أولياء أمورهم، وما يمكن أن تمثل لهم هذه النافذة على المستقبل من إشراقة لأيام جميلة سوف تأتي عليهم جميعاً، خاصة وأن لقاء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة للفائزين وأولياء أمورهم لم يخلُ من عبارات الدعم والتشجيع من سموه. ولقد قرأت ما كتبه بعض الطلبة الفائزين بالمنح الدراسية العالمية، والذي نشرته صحيفة «الوطن» قبل أيام، والذي عبر عن النزر المتيسر من مشاعر هؤلاء الطلبة وامتنانهم لهذه الفرصة العظيمة، وتأكيدهم على ضرورة رد الجميل إلى الوطن بخدمته عند الانتهاء من الدراسة والابتعاث، وهو ما يؤكد على مبدأ الاستثمار في الإنسان وهو مبدأ أصيل في المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم حفظه الله ورعاه. فرغم أن هذا البرنامج يأتي من ديوان سمو ولي العهد، إلا أنه ترجمة حقيقية لأحد فروع هذا المشروع الإصلاحي، وتنفيذاً لهذا المبدأ، استطاع سموه أن يخلق منه كوادر وطنية درست في أفضل الجامعات العالمية لتطور قدرات البحرين في مجالات مثل الهندسة، الطب، التكنولوجيا، العلوم، والإدارة، يعملون في القطاع الحكومي وشركات التقنية، والبنوك وفي الأكاديميات العلمية وريادة الأعمال. الطريف في مجموعة الطلبة الذين تحدثوا أن أغلبهم يفكر في دراسة الهندسة بأنواعها، وهو ما يؤشر إلى مدى التغير في الأفكار لدى الشباب وإدراكهم لحجم التغير في ديناميكيات سوق العمل، ويأتي هذا من الخلفية العلمية لهذا الجيل ممن اختارهم البرنامج من المتفوقين وممن اجتازوا عدة اختبارات وشاركوا في محاضرات وورش عمل صقلت خبراتهم وكشفت لهم ملامح مستقبل التوظيف خلال العقد القادم. أمر آخر لفت انتباهي في حديث الطلبة هو التأكيد على أهمية المثابرة والعمل، فلم تأتيهم فرصة منحة الدراسة بسهولة، ولكنها كانت نتيجة تحقيقهم لاشتراطات ومعايير صارمة، من التميز الأكاديمي بألا يقل معدل المشاركين عن 95% واجتياز اختبارات اللغة الإنجليزية واختبار القدرات القيادية لديهم. حقيقة ترسخها قيادة مملكتنا الرشيدة بأن الإنسان هو محور هذا الوطن، فمن المهم أن يكون البحريني على أعلى صفات التقدم والعلم والتطور، وأن يواكب العالم وربما يسبقه في أمور كثيرة، وسترى بلادنا مزيداً من الحصاد الثري في الجيل القادم والأجيال المتتالية.