
وقف النار في إيران: هدنة يتهددها الخطر
في الواقع، وبدرجات متفاوتة في الحدة والتنوع في المواقع، فإن هذه الحرب بدأت قبل أكثر من أربعة عقود، حينما داهمت السلطات الثورية الجديدة البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في طهران، وسلمتها لزعيم منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، الذي كان ضيفاً خاصاً على الخميني. وبعد بضعة أشهر، كرّر النظام الثوري الجديد الأمر نفسه باقتحام السفارة الأميركية، واحتجاز دبلوماسييها رهائن.
وبحسب القانون الدولي، تُعد البعثات الدبلوماسية أو السفارات جزءاً من أراضي الدولة صاحبة البعثة، ويُعدّ الهجوم المسلح عليها سبباً مباشراً للحرب. وفي العام التالي، ردّت الولايات المتحدة عندما أمر الرئيس جيمي كارتر بعملية فاشلة لاختراق الأراضي الإيرانية، ما أكد حالة الحرب المستعرة بين البلدين.
وشكّلت حرب إيران مع العراق، التي استمرت ثماني سنوات، «فاصلة» مؤقتة، شحنت خلالها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل أسلحة ومعلومات استخباراتية إلى طهران، لمساعدتها ضد نظام صدام حسين في بغداد.
بعد ذلك، جرى استئناف الحرب مع إسرائيل، عندما بدأت طهران بتشكيل جيوش صغيرة تعمل بالوكالة عنها في لبنان، وسعت إلى تجنيد مرتزقة محتملين من بين مختلف الفصائل الفلسطينية المسلحة.
وبحلول أوائل الثمانينات، كانت طهران، المتحالفة مع نظام الأسد في دمشق، قد حوّلت لبنان إلى ساحة معركة ضد كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
وفي التسعينات، بدأت طهران حرباً منخفضة الشدة ضد القوات الأميركية في العراق، بينما واصلت عبر وكلائها حرب استنزاف ضد إسرائيل ـ وهي حروب لا تزال مشتعلة حتى يومنا هذا.
وكان من الضروري التذكير بهذه الأحداث، لتوضيح أن التصعيد الأخير له أسباب أعمق من مجرد القلق بشأن سعي إيران إلى امتلاك ترسانة نووية ـ وهو أمر أكد جميع مديري الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من هانز بليكس إلى محمد البرادعي ورافائيل غروسي، مراراً أنه من المتعذر عليهم تأكيده.
وبالتأكيد، فإن نظرية «واحد في المائة» الشهيرة في إدارة المخاطر، تتطلّب أخذ احتمال وصول عدو خطير إلى السلاح النهائي على محمل بالغ الجدية ـ وهو ما فعله جميع رؤساء الولايات المتحدة منذ بيل كلينتون، عبر محاولات متعددة لـ«احتواء» إيران، دون جدوى حتى الآن.
والآن، هل يعني ذلك أن النظام الحالي في طهران من غير المرجّح تماماً أن يتخلى مؤقتاً عن البُعد العسكري المحتمل لمشروعه النووي؟
وإذا حكمنا من خلال تصريحات كثير من شخصيات النظام ـ آخرهم الرئيس مسعود بزشكيان، وبطريقة غير مباشرة المرشد علي خامنئي ـ فقد تكون الإجابة: «لا» بتحفّظ.
وقد لمّح النظام إلى استعداده للنظر في تجميد البُعد العسكري المحتمل للمشروع النووي ـ ينفي وجوده أساساً ـ مقابل أربعة تنازلات من الولايات المتحدة وحلفائها، بما في ذلك إسرائيل.
المطلب الأول: السماح للنظام بحفظ ماء وجهه، والادعاء بتحقيق نصر عظيم ضد أميركا وإسرائيل. وهذا بالضبط ما تفعله طهران حالياً، سواء في الداخل، أو بمساعدة دوائر مناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل، على مستوى العالم.
المطلب الثاني: إلغاء جميع العقوبات المفروضة على إيران.
المطلب الثالث: أن تتعهد الولايات المتحدة وحلفاؤها بعدم التفكير في أي خطط لتغيير النظام في إيران أو دعمها. ويعني ذلك قطع العلاقات مع العشرات من جماعات المعارضة الإيرانية.
أما المطلب الرابع: وربما الأصعب على أي إدارة أميركية مجرد التفكير في قبوله، وهو الاعتراف بـ«حق الجمهورية الإسلامية» في تصدير نموذج حكمها، وقيمها الإسلامية، وحملتها من أجل «العدالة العالمية»، تماماً مثلما تسعى واشنطن إلى نشر قيمها الخاصة.
بمعنى آخر، تقول طهران: دعونا نفعل ما نريد، ونعدكم بألا نصنع القنبلة التي لطالما قلنا إننا لا ننوي بناءها أصلاً.
وقد جرى توصيل هذه الرسالة بشكل غير مباشر عبر مقابلة تكر كارلسون الحصرية مع الرئيس بزشكيان، حيث جاء فيها: نريد أن نتباهى بنصر عسكري كبير، وسنسمح لكم بادعاء نصر دبلوماسي كبير، من خلال العودة إلى طاولة المفاوضات.
وشكل وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس دونالد ترمب، فترة استراحة داخل دراما دموية بدأت قبل ما يقارب نصف قرن.
وخلال هذه الهدنة، هناك ثلاث ساعات زمنية تدق في الخلفية:
الأولى: ساعة الحياة السياسية والبدنية للمرشد، ورغم تعرضها للاهتزاز، فإنها تبدو قابلة للاستمرار حتى الآن.
الثانية: ساعة الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، التي قد تحوّل الرئيس ترمب إلى رئيس مشلول من دون صلاحيات فعلية، إذا نجحت أداة إيلون ماسك السياسية الجديدة في سلب الجمهوريين ستة مقاعد في الكونغرس، ومقعدين أو ثلاثة في مجلس الشيوخ. وفي الوقت ذاته، قد يتمكن خصوم بنيامين نتنياهو السياسيون الكثيرون في إسرائيل من الإطاحة به.
لذلك، يرى المطلعون على بواطن الأمور في طهران أنه من الضروري تمديد الهدنة الحالية ـ ولو عبر التفاوض ـ إلى أن تتلاشى «السحابتان الكبيرتان» اللتان تتخذان شكل ترمب ونتنياهو، مثلما تتلاشى شبورة الصباح.
الثالثة: ساعة الغضب الشعبي الزائد في إيران، ويرى كثير من الناس أن ما يمرون به هو فشل تاريخي، مصحوب بإذلال غير مسبوق ومعاناة يومية قاسية.
ويبدو وقف إطلاق النار الحالي أقرب إلى فترة استراحة محفوفة بالمخاطر، في خضم حرب بدأت قبل ما يقارب نصف قرن، ولا يبدو أنها تقترب من نهايتها.
موجز القول، كان هذا فحوى رسالة وكالة «تسنيم»، الناطقة باسم «الحرس الثوري»، الثلاثاء الماضي: «الوضع السياسي الحالي لا يقتصر على خيارين فقط: الصمود أو الاستسلام. ويكمن الجانب الثالث في تغيير المسار، الذي يعني منح العدو انتصاراً لم يحققه بالحرب».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
وكالة أنباء «فارس»: إصابة الرئيس الإيراني في ساقه خلال الحرب مع إسرائيل
كشفت وكالة أنباء «فارس» الإيرانية أن الرئيس مسعود بزشكيان أصيب في ساقه جراء هجوم إسرائيلي استهدف اجتماعاً للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عقد في الطوابق السفلية من مبنى غرب طهران يوم 16 يونيو الماضي خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل. وأوضحت الوكالة، اليوم (الأحد)، أن 6 قنابل استهدفت مدخل المبنى ومخرجه، في محاولة لإغلاق منافذ الهروب، مؤكدة أن الهجوم نفذ بطريقة مماثلة لتلك التي استخدمت لاغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بمنطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت. يذكر أنه في 13 يونيو 2025، شنت إسرائيل هجوماً على إيران، وضربت مواقع عسكرية ونووية، واغتالت قادة عسكريين كبار وعلماء نوويين. في حين ردت إيران بإطلاق طائرات مسيرة وصواريخ على إسرائيل. وأدت حرب الـ12 يوماً إلى تدخل أمريكي في الصراع، وقصفت الولايات المتحدة في 22 يونيو موقع تخصيب اليورانيوم تحت الأرض في فوردو جنوب طهران، ومنشأتين نوويتين في أصفهان ونطنز (وسط). وردت طهران مستهدفة قواعد عسكرية في قطر والعراق، من دون تسجيل أية إصابات، قبل أن يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في 24 يونيو الماضي وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران. أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
إيران تؤكد هروب سجناء خلال القصف الإسرائيلي لـ«سجن إيفين»
أكدت السلطات الإيرانية، اليوم (السبت)، أن بعض السجناء فروا بعد الهجوم الصاروخي الإسرائيلي على «سجن إيفين» في العاصمة طهران، خلال الحرب القصيرة، التي دارت بين الدولتين في الشهر الماضي. وقال المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية، أصغر جهانجير، إن عدداً صغيراً من السجناء تمكَّن من الهرب بعد القصف الذي وقع قبل 3 أسابيع تقريباً. ولم يقدِّم عدداً محدداً. ومضى المتحدث يقول إن 5 سجناء كانوا بين الـ71 شخصاً على الأقل الذين قُتلوا. ونقلت وكالة «إيلنا» شبه الرسمية ووسائل إعلام إيرانية أخرى عن متحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية أن السجناء الـ5 الذين قُتلوا في الضربة التي وقعت في 23 يونيو (حزيران)، كانوا مدانين بجرائم مالية. ولم يذكر المتحدث أسماء الضحايا أو يُقدِّم أي تفاصيل إضافية. شخصان يركبان دراجة نارية في حين تظهر في الخلفية آثار الضربة الإسرائيلية على «سجن إيفين» (رويترز) ونقل الموقع الإخباري الرسمي للسلطة القضائية (ميزان أونلاين)، عن المتحدث باسمها، أصغر جهانجير، قوله إن «عدداً محدوداً فقط» من السجناء قُتلوا. وأضاف أن «عدداً ضئيلاً من السجناء» فروا أيضاً، وأن السلطات ستعيدهم قريباً إلى الحجز، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس». وأوضح جهانجير أنه لم يصب بأذى خلال الهجوم أي من السجناء المحتجزين في «سجن إيفين» بتهمة التعاون مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد). ووصفت إسرائيل الهجوم بأنه صفعة رمزية ضد الحكومة الإيرانية. وقال سجناء سابقون ونشطاء إن الهجوم عرَّض حياة المعتقلين السياسيين للخطر. كما أن كثيراً من الأوروبيين مسجونون في «إيفين».


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
«الأركان الإيرانية»: مستعدون لحرب تستمر 10 سنوات إذا لزم الأمر
نقل التلفزيون الرسمي الإيراني، اليوم (الأحد)، عن محمد رضا آشتياني نائب رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية قوله إن معدات إيران لم تتعرَّض لأضرار كبيرة، مشيراً إلى أن إيران لديها من المعدات ما يكفي لخوض حرب تستمر لـ10 سنوات إذا لزم الأمر. وشدَّد آشتياني على أن «المعدات ليست بالأمر الأهم، بل الأهم هي الروح المعنوية. يُقال إن الروح المعنوية تشكل 3 أرباع القوة». وأمس، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، قولهم إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أخبر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في اجتماع خاص خلال زيارته واشنطن، بأن إسرائيل ستضرب إيران إذا استأنفت برنامجها النووي. وأضافوا أن ترمب لم يعترض على خطة نتنياهو لضرب إيران إذا استأنفت برنامجها النووي، ولكنه أخبره بأنه يُفضِّل المفاوضات. ولكن الصحيفة نقلت عن مسؤول إسرائيلي لم تسمِّه، القول إن إسرائيل لن تسعى بالضرورة للحصول على موافقة أميركية صريحة لضرب إيران. وأضاف أن مدى الضغط الذي يمارسه ترمب على نتنياهو للمحافظة على مسار دبلوماسي مع طهران، يعتمد على مدى جدية إيران في استئناف برنامجها النووي. وتابع: «إيران لن تستطيع استعادة اليورانيوم من منشأتَي نطنز وفوردو؛ بسبب حجم الدمار الذي لحق بهما».