
العقيدة «حين تتداخل الأدوار وتنهار الأوطان»
في خضم النقاشات المتصاعدة حول الهوية والانتماء، كثيراً ما يُطرح الخلط بين العقيدة الدينية والعقيدة الوطنية، وكأنهما وجهان لعملة واحدة. غير أن هذا التصور المبسّط لا يصمد أمام التمحيص الواعي الذي يبني الدولة ويحافظ على كيانها، ولا أمام الحقائق الاجتماعية، ولا أمام التجارب التاريخية. فبين العقيدتين اختلاف جوهري في الطبيعة، والمصدر، والدور، والأثر.
كما تعلمون فإن العقيدة الدينية تنبع من ضمير الفرد، حيث إنها علاقة بين الإنسان وربه، تتفاوت بين شخص وآخر من حيث المذهب، والممارسة، ودرجة التدين. الدين منظومة إيمانية روحية، لا تُقاس بالمظهر، ولا تُفرض بالقانون، ولا يُحتكر تفسيرها من طرف دون آخر، منبعها القلب، وغايتها الإخلاص، ومساحتها الضمير.
بينما العقيدة الوطنية وهي ركيزة بناء الدولة، فهي التزام جماعي ينبثق من الشعور بالمصير المشترك، والانتماء إلى كيان سياسي واحد «دولة». الوطنية لا تسأل عن مذهبك، بل عن ولائك، ولا تُقاس بعدد الركعات، بل بمدى احترامك للقانون، واستعدادك للتضحية من أجل وحدة وطنك واستقراره.
وإذا كان الاختلاف في الدين مقبولاً فطرياً وإنسانياً، فإن الاختلاف في الولاء الوطني يُعد خللاً في البناء الجماعي. وهناك تجارب واقعية تؤكد خطورة الخلط بينهما واعتبارهما واحدا أو تقديم العقيدة الدينية على الوطن:
• في لبنان، حين تحوّلت الطوائف إلى حصص سياسية، واحتكر كل مذهب تمثيل جزء من الوطن، ضاعت الدولة، وتفككت الهوية الجامعة، وتحول الوطن إلى «تحالف طوائف» بدلاً من «وحدة وطن».
أخبار ذات صلة
• في أفغانستان، فقد حوّلت طالبان مفهوم الوطن إلى انعكاس لتصور ديني ضيق، فتم إقصاء فئات واسعة من المجتمع لا لشيء إلا لاختلافهم في التأويل، وكأن المواطنة لا تُكتسب إلا عبر «تذكرة فقهية».
وهنا تبرز الإشكالية الأخطر: حين تُختزل العقيدة الوطنية في شكل ديني واحد، فإنها تتحول إلى أداة إقصاء لا أداة وحدة. بل يُصبح كل مختلف في شعائره، موضع شك في ولائه. وهذا لا يهدد فقط التعددية، بل ينسف فكرة الوطن من أساسها.
«فالمسجد والكنيسة والمعبد... أماكن إيمان. لكن الوطن هو البيت الكبير الذي يحتضنها جميعاً».
إن الأوطان لا تُبنى بالشعارات الدينية، بل بعقود مدنية تحترم الدين دون أن تُختزل فيه. الدين يبقى في القلب، والوطن في المسؤولية المشتركة. فلا يجوز أن يُستخدم أحدهما لابتزاز الآخر.
حين نخلط بين العقيدة الدينية والعقيدة الوطنية، فإننا لا نخدم الدين، ولا نحمي الوطن، بل نفتح الباب لفتنة مستترة باسم الطهر، وتفكك خفي باسم الغيرة. إن حماية الدين تتم بتجريده من الاستغلال السياسي، وحماية الوطن تبدأ حين نُدرك أن وحدتنا لا تقوم على التشابه، بل على الاتفاق في المصير رغم اختلاف المسارات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
ولاية سابعة توالياً لرئيس الاتحاد اللبناني هاشم حيدر
حاز رئيس الاتحاد اللبناني لكرة القدم، هاشم حيدر، ولاية سابعة توالياً على رأس هرم اللعبة الشعبية في بلاد «الأرز» بالتزكية؛ إذ لم يتقدم أحد لمنافسته في الانتخابات المقبلة المحددة في 28 يونيو (حزيران) المقبل. ويترأس حيدر (66 عاماً) الاتحاد اللبناني منذ عام 2001، في أعقاب «زلزال» التلاعب حينها، ما أدى إلى تدخل الاتحاد الدولي «فيفا»، وتمكن بعدها من الحفاظ على المنصب الرياضي طيلة 24 عاماً، غالبيتها بالتزكية باستثناء انتخابات 2021، حين نافسه لاعب النجمة السابق موسى حجيج، وسيستمر حيدر في قيادة اللعبة حتى 2029. ويتولى حيدر منصب نائب رئيس الاتحاد الآسيوي الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة، كما أسندت إليه رئاسة لجنة الإصلاح المنوط بها تحديث قوانين الاتحاد القاري بما يتلاءم مع تطلعات الكرة الآسيوية وسبل تطورها. وأشار حيدر إلى أن الأمور ستصبح رسمية بعد الجمعية العمومية، وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «لا شك في أن المسؤولية أكبر في ظل المرحلة الراهنة التي تشهدها البلاد والتي تحتاج تضافر جهود الجميع بعيداً عن أي اختلافات». وتابع: «لم نألُ جهداً في توفير أفضل الظروف للعبة، على الرغم من الصعاب الكثيرة خلال الفترة السابقة التي شهدت أزمات كبيرة في البلاد اقتصادية ومعيشية وأمنية، وصولاً إلى الحرب الأخيرة، وقد عملنا لتحصين الأندية والحفاظ على وجودها من خلال مساعدات قدمها الاتحاد». وإزاء الوضع العام في لبنان، فقدت كرة القدم مقومات صمودها بسبب انعدام أي دعم رسمي لها، حيث تئن غالبية الأندية تحت أزمات مالية ولا ملاعب كبيرة جاهزة لاستضافة المباريات؛ إذ لا يوجد ملعب واحد يتوافق مع معايير الاتحادين الآسيوي والدولي، في حين يكاد الاتحاد اللبناني الوحيد في العالم الذي ليس له موازنة من حكومة البلاد، وتحصر مداخيل الاتحاد اللبناني بما يقدمه نظيراه الدولي والآسيوي لتنفيذ برامج محددة الأهداف. وأشار إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد مواصلة خطط التطوير، وأضاف: «اللجنة التنفيذية التي ستنبثق عن الجمعية العمومية المقبلة ستكون فريق عمل موحّداً ومتجانساً، وتوحيد الرؤى خلف شعار تطوير اللعبة، ولا سيما المنتخبات الوطنية، وهذا الأمر بمنزلة الواجب الوطني؛ إذ ثمة عمل كبير في مجالات اكتشاف ورعاية المواهب، وتوسيع قاعدة المشاركة الكروية لدى الفئات العمرية المختلفة، بما يضمن استدامة التطور الفني والبشري».


العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
نواف سلام في مرمى نيران "حزب الله"
بلغ تهجُّم "حزب الله"على رئيس الحكومة نواف سلام حدّ "التنّمر السياسي" العالي السقف ومن دون ضوابط. قناة "المنار"، الناطقة باسم "الحزب"، تقول في مستهل نشرتها الإخبارية الثلثاء الفائت: "... أما الصوت الذي يعلو في غير ميدان أولوية اللبنانيين فهو صوت سلام المنشغِل بإنهاء تصدير الثورة الإيرانية على أمل ألّا يقرر هو تصدير ثورته ونجاحاتها في الحكم إلى العالم، فرئيس حكومة تستجدي المال والكهرباء وعاجزة عن وقف العدوان وإعادة الإعمار، أولوياتها نزع السلاح والسلام". لم يقف استهزاء وتنمّر "حزب الله" على الرئيس سلام، عند هذا الحد، بل عاجله بـ "صلية" أكثر عنفاً في أحد التقارير التلفزيونية الذي ورد فيه: "في وقتٍ كان فيه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون يعبّر عن حرصه على علاقات متوازنة مع جميع المكوّنات اللبنانية، اختار رئيس الحكومة نواف سلام أن يُعيد إلى الواجهة سرديةً مهملة عن "تصدير الثورة الإيرانية إلى لبنان"، مسجّلًا، من خارج الواقع والسياق، موقفاً رافضاً لذلك "الوهم". تصريحات سلام لم تمرّ بصمت. إذ بدا متأبطاً رضى نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، التي سارعت إلى الترحيب بموقفه عبر منصة "أكس"، ما أضفى على خطابه صبغةً خارجيةً واضحة، تعزز الانطباع بفقدان التوازن في خطاب السلطة التنفيذية. وهكذا، دخل رئيس الحكومة إلى قمّة الإعلام العربي في دبي ليطلق موقفاً سياسياً صرفاً يتصل بالشأن الداخلي اللبناني، ناسجاً على منبر إعلامي ما يُفترض أن يُناقش في المؤسسات الدستورية اللبنانية. ولم يكتفِ سلام بذلك، بل أدخل ملف "السلاح" إلى خطابه، في سياق إعلامي لا يُرجّح أن يُثمر دعماً اقتصادياً أو مالياً للبنان، كما قد يتوهّم البعض. فالأزمة اللبنانية أعمق من مجرّد استعراضات خطابية، ولا تُحلّ بلغة التصعيد. قال سلام ما قاله، لكن السؤال المطروح الآن: كيف سيتعامل الرئيس عون مع لغة "الرأس الثاني" في السلطة التنفيذية، حين تصطدم بمسار العهد وخياراته السياسية؟ وهل تكرّس هذه المواقف شرخاً إضافياً في بيت الحكم؟ أم تُقرأ في سياق "الرسائل" السياسية المتبادلة، داخلياً وخارجياً؟ واضح أن "حزب الله" يحاول الإضاءة على موقف كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ويصر على تباين في الموقفين. وأكثر من ذلك فإنه يعتمد لغة التخوين بحق رئيس الحكومة. وعليه، فإذا كان "حزب الله" جاداً في اتهاماته، فلماذا لا يطلب عقد جلسة نيابية لاستجواب الحكومة بشبهة "الخيانة" وليطالب بإسقاطها؟ إذا لم يفعل تكون مواقفه مجرد "شعبوية" لإرضاء بيئته كلامياً بعدما بدأ التململ يتسرب إلى هذه البيئة؟


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
بعد الشطرنج...«طالبان» تريد حظر لعبة كرة الطاولة
طالبت حركة «طالبان» في ولاية دايكندي الأفغانية بإزالة رؤوس لاعبي كرة قدم الطاولة من المجسمات، وإلا فستُحظر اللعبة لأسباب دينية. يلعب الأولاد الأفغان كرة قدم الطاولة على جانب الطريق في مزار الشريف 29 مايو 2025 (أ.ف.ب) أعلنت حركة «طالبان» في ولاية دايكندي الأفغانية أنها ستحظر لعبة كرة قدم الطاولة إذا لم تُزل رؤوس اللاعبين من المجسمات. وجاء ذلك وفقاً لما نقلته وكالة «يو إن إن» (UNN) عن قناة «أفغانستان إنترناشيونال» البريطانية الموجهة للجالية الأفغانية. وأفادت مصادر محلية للقناة بأن جماعة «طالبان» في ولاية دايكندي ترى أن مجسمات اللاعبين المصغرة تشبه الأصنام، وهو ما تعدّه محرّماً في الإسلام. وأوضحت المصادر أن «طالبان» طالبت أندية كرة قدم الطاولة بإزالة رؤوس المجسمات ليستمر السماح باللعب. وإذا لم يتم الامتثال لهذا الطلب، فستحظر اللعبة بشكل كامل. وحتى الآن، لم تصدر «طالبان» بياناً رسمياً بشأن هذا الحظر. جدير بالذكر، أن حركة «طالبان» الأفغانية قامت خلال السنوات الأربع الماضية بتقييد أو حظر مختلف الألعاب والأنشطة الترفيهية في أفغانستان بشكل متزايد. على سبيل المثال، أوقفت إدارة الرياضة التابعة لـ«طالبان» أنشطة اتحاد الشطرنج الأفغاني، معلنة أن لعبة الشطرنج «حرام». ومنعت «طالبان» قبل أيام لعبة الشطرنج بزعم أنها تُستخدم في القمار، كما منعت لعبة البلياردو، عادَّةً إياها «مضيعةً للوقت»، وأغلقت المقاهي التي تقدم الشيشة بحجة أنها «تفسد أخلاق الشباب وتشجع على الاختلاط»، وكذلك أغلقت صالات ألعاب فيديو. وشمل التضييق الرياضات القتالية، حيث منعت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رياضة الفنون القتالية المختلطة، ووصفتها بأنها «عنيفة بشكل مفرط»، وأوقفت جميع البطولات المرتبطة بها. وفي خطوات أكثر تشدداً، منعت «طالبان» النساء من ممارسة أي نوع من أنواع الرياضة، كما فرضت قيوداً على الشباب في رياضات مثل كرة القدم والكرة الطائرة، وصلت لإجبارهم على ارتداء ملابس لا تظهر فيها تفاصيل أجسامهم وألا تكون ملابسهم قصيرة فوق الركبة. وتأتي هذه القيود الصارمة في وقت يعاني فيه الشباب الأفغاني ارتفاع معدلات البطالة وتراجع فرص العمل، وسط غياب شبه تام لأي مساحات للترفيه أو التطور الذاتي. طلاب أفغان يحضرون فصلاً دراسياً في الهواء الطلق بسبب نقص مبنى مدرسي ممول من «مؤسسة شيرزاد الخيرية» بمناطق نائية في قندهار 29 مايو 2025 (إ.ب.أ) وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن معدل البطالة بين الشباب والنساء في أفغانستان يتجاوز 50في المائة، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «هشت صبح» المحلية، مع توقعات بارتفاع نسب البطالة لأرقام غير مسبوقة في ظل القيود المتزايدة على فرص العمل والمشاركة الاقتصادية. ويرى مراقبون أن استمرار هذه الإجراءات يؤدي إلى مزيد من العزلة والإحباط داخل المجتمع، ويدفع مجموعة واسعة من الشباب إلى التفكير في الهجرة أو الانخراط في أعمال غير مشروعة، في ظل غياب الأمل بأي انفراج قريب. وينتقد كثير من الشباب في أفغانستان مسؤولي وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي أصبحت تتدخل حتى في شؤونهم وحياتهم الخاصة تحت مبرر «إصلاح المجتمع وفق الشريعة»، ويطالبون بوقف تجاوزات موظفيها في الأماكن العامة.