logo
الهشاشة الاجتماعية

الهشاشة الاجتماعية

وهج الخليج١٨-٠٤-٢٠٢٥

بقلم: مسلم بن أحمد العوائد
الهشاشة، تعني حالة من الضعف الشامل في جوانب متعددة من حياة الفرد، نفسية، وصحية، واقتصادية،و ثقافية وامنية، وغيرها، وعندما تتغلغل هذه الهشاشة في المجتمع، فإن تداعياتها تؤدي الى تفكك النسيج الاجتماعي، فتظهر العصبيات، وتسوء العلاقات والشك بين المجتمع والسلطات، و يبرز الطغاة من الرويبضات، حينها ينقسم المجتمع الى فئات منها:
فئة الأقوياء: الذين يُمنحون الفرص الاقتصادية والمناصب الرسمية المهمة والخاصة، ويتمتعون بالحماية الأمنية والحصانة القانونية. وفئة التابعين: الذين يقبلون بأن يكونوا تبعًا للأقوياء، وغايتهم إرضاء 'الكبار' لتحقيق مصالح شخصية ضيقة. وفئة المطبلين: الذين يتولون مهمة التبرير والدفاع عن الأقوياء. وفئة التنكيل، الذين يتولون التنكيل بخصوم المطبلين وأسيادهم.
ثم فئة الحائرين: الذين اصابهم الصم من التطبيل والبكم من التنكيل.
هذا قبل..
اما بعد..
المجتمعات هي الشعوب، والشعوب هي الأوطان. فماذا لو أصيب مجتمع ما، في وطن ما، بفيروس الهشاشة الاجتماعية؟ وكيف سيكون ترتيبه بين الدول في لوائح النمو والازدهار والتنمية المستدامة؟الإجابة واضحة: لن يكون له مكان في محافل النجاح، حتى لو تغنى المطبلون بتاريخ يمتد آلاف السنين، وهتفوا وكتبوا تقارير اعلامية مزخرفة ومؤشرات لامثيل لها في العالم. فالهشاشة تَجِّبُ ما قبلها.
ولكن كيف تصاب المجتمعات بالهشاشة؟ اجمع الخبراء على أن الفساد، وخاصة القانوني، من أبرز أسباب الهشاشة الاجتماعية. فالقانون مثلا لا يُطبق على القوي الذي يأخذ ولا يعطي، بل ويمنحهم الحصانة التامة، وكذلك الفقر الناتج عن جشع الأقوياء، والعنصرية أو المذهبية الحارقة، التي تنخر في الجسد الاجتماعي، حتى لا تبقي به لحما او عظما، وكذلك الازدواجية في التعامل مع مكونات المجتمع المختلفة. حيث يُحاسَب بعض الأفراد أو الجماعات حساباً عسيراً على أفعال قانونية أو حتى بسيطة، بينما يُغضّ الطرف عن مخالفات واضحة وصريحة يرتكبها آخرون، لا لشيء إلا لانتمائهم لمكون قريب من فئة الاقوياء. مع العلم ان هذه الازدواجية والتناقضات واضحة للصغير والكبير والقريب والبعيد، في الفضاء الرقمي، هذا الغبن في التعامل
يقوّض ثقة المكونات الاجتماعية بمؤسسات الدولة، و يعمّق من هشاشة المجتمع.
اخيرا…
الخطط والإستراتيجيات الوطنية تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والصحية والتقنية وغيرها. لكن، مهما بلغت من اتقان مهني وفني ومالي واداري، فإنها تظل حبرًا على ورق، إذا استشرى الفساد، حيث يعتبر الخبراء أن انتشار ثقافة الفساد يُعتبر مؤشرًا حتميًا على انتهاء مرحلة وبداية مرحلة.
ختامًا…
علاج الهشاشة الاجتماعية؛ يبدأ بقرارات حازمة من السلطات العليا، و اهمها اختيار قيادات مؤهلة ونزيهة تمتلك عقيدة راسخة لا تتزعزع أمام المال أو المنصب أو التهديد أو الاتهامات الملفقة. وفي ذات الوقت، ازالة اسباب الفساد، ومن ذلك؛ محاسبة الفاسدين واعوانهم على رؤوس الاشهاد، هذا العلاج السريع، اما العلاج الطويل الأمد: تشكيل لجان عامة وسرية لمتابعة تطبيق الاستراتيجيات الوطنية، والأداء الفعلي للمسؤولين الكبار والصغار، وفتح الابواب المغلقة. غير أن الحصن الحصين هو نزاهة القضاء. فمتى ما كان القضاء عادلاً ومستقلاً، تراجعت آثار الهشاشة وتماسَك المجتمع من جديد. وقد عبّر عن هذه الحقيقة الزعيمان تشرشل وديغول عقب الحرب العالمية الثانية بقولهم: 'إذا كان القضاء بخير، فالبلاد بخير.' ذلك أن العدل هو أساس الاستقرار، وهو صمّام الأمان في وجه الفوضى والتفكك. فعلى كل رجل رشيد يخاف على دينه ووطنه ومجتمعه وتاريخه أن يتحمل مسؤوليته في الوقاية من الهشاشة الاجتماعية، وإذا ظهرت بوادرها، فيجب الإسراع باجتثاث الفساد وأهله دون تأخير، فالتأجيل يُغلغل الهشاشة في الجسد الاجتماعي، وتبدأ اعصابه بالضمور التدريجي حتى يصبح عاجزا تماما.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

روسيا تسيطر على قريتين شرق أوكرانيا.. وكييف تعلن إسقاط 41 مسيرة خلال الليل
روسيا تسيطر على قريتين شرق أوكرانيا.. وكييف تعلن إسقاط 41 مسيرة خلال الليل

عمان اليومية

timeمنذ يوم واحد

  • عمان اليومية

روسيا تسيطر على قريتين شرق أوكرانيا.. وكييف تعلن إسقاط 41 مسيرة خلال الليل

روسيا تسيطر على قريتين شرق أوكرانيا.. وكييف تعلن إسقاط 41 مسيرة خلال الليل ترامب يخاطب بوتين مع وصول جهود إنهاء حرب أوكرانيا إلى "طريق مسدود" عواصم " وكالات": نقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزارة الدفاع في موسكو القول اليوم إن القوات الروسية سيطرت على قرية نوفولينيفكا في منطقة دونيتسك شرق أوكرانيا وحي مارين السكني الواقع في منطقة سومي شمال أوكرانيا. وتحرز روسيا تقدما في المنطقة الصناعية في شرق أوكرانيا منذ بداية الصراع الشامل في فبراير 2022، وبدأت قوات موسكو في الآونة الأخيرة التوغل في منطقة سومي بعد طرد قوات كييف من منطقة كورسك الروسية المتاخمة لها. نرامب وبوتين تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم بشأن السلام في أوكرانيا بعد أن قالت واشنطن إن الطريق مسدود أمام إنهاء أكثر الصراعات دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وإن الولايات المتحدة قد تنسحب. وأرسل بوتين آلاف القوات إلى أوكرانيا في فبراير 2022 لتندلع أخطر مواجهة بين روسيا والغرب منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. ودعا ترامب مرارا إلى إنهاء "حمام الدم" في أوكرانيا، الذي تصوره إدارته على أنه حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا. وتحت ضغط من ترامب، التقى ممثلون من البلدين المتحاربين في إسطنبول يوم الجمعة للمرة الأولى منذ مارس 2022، بعد أن اقترح بوتين إجراء محادثات مباشرة فيما طالب الأوروبيون وأوكرانيا بوقف فوري لإطلاق النار. وقال مسؤول في البيت الأبيض إن المكالمة تجري الآن. وقبل الاتصال الهاتفي بوقت قصير، قال جيه.دي فانس نائب الرئيس الأمريكي لصحفيين إن واشنطن تدرك أن الطريق نحو إنهاء الحرب صار مسدودا، وإذا لم تكن موسكو مستعدة للمشاركة، فإن الولايات المتحدة ستضطر في النهاية إلى القول إنها ليست حربها. بانسداد أفق المحادثات بشأن إنهاء الحرب وإن واشنطن ستضطر في النهاية إلى الانسحاب من تلك المساعي إذا لم تكن موسكو مستعدة للمشاركة فيها. وأضاف في أثناء استعداده لمغادرة إيطاليا "ندرك أن هناك بعض الجمود وأعتقد أن الرئيس سيقول للرئيس بوتين: 'انظر، هل أنت جاد؟ هل أنت صادق في هذا؟" وتابع "أعتقد بصراحة أن الرئيس بوتين لا يعرف تماما كيف ينهي تلك الحرب"، مضيفا أنه تحدث للتو مع ترامب. وقال إن الأمر "يتطلب جهودا من الجانبين. أعلم أن الرئيس مستعد للقيام بذلك، لكن إذا لم تكن روسيا مستعدة لفعل هذا، فسنقول في نهاية المطاف إن هذه ليست حربنا". وقال "سنحاول إنهاءها لكن إذا لم نتمكن من إنهائها، فسنقول في النهاية: 'أتعلمون؟ كان الأمر يستحق المحاولة لكننا لن نبذل جهدا بعد الآن'". إسقاط 41 مسيرة أعلن سلاح الجو في أوكرانيا، في بيان عبر تطبيق تليجرام، اليوم، أن الدفاعات الجوية الأوكرانية أسقطت 41 من أصل 112 طائرة مسيرة معادية أطلقتها روسيا على الأراضي الأوكرانية الليلة الماضية. وقال البيان إن القوات الروسية شنت هجمات على أوكرانيا، خلال الليل، باستخدام 112 طائرة مسيرة من طراز شاهد، وطرازات أخرى خداعية تم إطلاقها من مناطق بريانسك، وكورسك، وشاتالوفو، وأوريل، وميلروفو الروسية، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الوطنية الأوكرانية "يوكرينفورم". وأضاف البيان أنه تم صد الهجوم من قبل وحدات الدفاع الجوي ووحدات الحرب الإلكترونية وفرق النيران المتنقلة التابعة لسلاحي الجو والدفاع الجوي الأوكرانيين. وقال البيان إنه بحلول الساعة 30:9 صباح اليوم، تمكنت الدفاعات الجوية الأوكرانية من تحييد 76 طائرة مسيرة معادية من طراز "شاهد" (وطرازات أخرى) في شرق وشمال ووسط أوكرانيا. وأضاف البيان أن القوات الأوكرانية أسقطت 41 طائرة مسيرة من طراز شاهد وطرازات أخرى." وقال البيان إن 35 طائرة مسيرة خداعية اختفت من على شاشات الرادار دون التسبب في أي أضرار. وأفاد البيان بوقوع أضرار في مناطق خاركيف، وسومي، ودونيتسك، وتشيركاسي، وكيروفوهراد، نتيجة للهجوم الروسي. ويتعذر التحقق من هذه البيانات من مصدر مستقل. حظر منظمة العفو حظرت روسيا منظمة العفو الدولية، وصنفتها على أنها " منظمة غير مرغوب فيها" في أحدث خطوة لقمع المعارضة والنشطاء حيث يعني هذا التصنيف وفقا لقانون في عام 2015 أن أي تواصل مع هذه المنظمات يمثل جريمة جنائية. ويعد القرار الذي أصدره مكتب المدعي العام الروسي، وتم الاعلان عنه في بيان على شبكة الإنترنت، أحدث خطوة ضمن القمع المستمر ضد منتقدي الكرملين والصحفيين والنشطاء، الذي وصل لمستويات غير مسبوقة عقب غزو موسكو لأوكرانيا في شباط 2022. ويعني هذا القرار أنه يجب على المنظمة وقف أي عمل في روسيا، كما أنه يعرض للمحاكمة أي شخص يتعاون معها أو يدعمها . وتضم قائمة" المنظمات غير المرغوب فيها " في روسيا حاليا 223 كيانا، من بينها شبكات إخبارية مستقلة وجماعات حقوقية. واتهم مكتب المدعي العام في بيانه اليوم المنظمة بإدارة " مشاريع معادية لروسيا" وأنشطة تهدف " لعزل روسيا سياسا واقتصاديا". ولم تعلق منظمة العفو الدولية على الفور على هذه الخطوة. عمل شاق ووقت طويل قال الكرملين أن العمل لحلّ النزاع في أوكرانيا سيكون "شاقا" و"قد يحتاج لوقت طويل"، بحسب ما نقل الإعلام الرسمي عن الناطق باسمه قبل دقائق من بدء مكالمة هاتفية بين الرئيسين الروسي والأميركي. وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف "هناك الكثير من العمل الشاق بانتظارنا وهو قد يحتاج إلى وقت طويل في بعض المجالات"، مشيرا إلى أن "التسوية تنطوي على عدد كبير من التفاصيل الدقيقة والمعقّدة التي يجب مناقشتها بعناية".

مكالمة مرتقبة بين ترامب وبوتين.. اليوم
مكالمة مرتقبة بين ترامب وبوتين.. اليوم

جريدة الرؤية

timeمنذ 2 أيام

  • جريدة الرؤية

مكالمة مرتقبة بين ترامب وبوتين.. اليوم

موسكو-رويترز من المقرر أن يتحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الاثنين بشأن السلام في أوكرانيا، في وقت يطالب فيه القادة الأوروبيون الكرملين بقبول وقف فوري لإطلاق النار لوضع حد للصراع الأكثر دموية في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية. ونشر بوتين الآلاف من القوات في أوكرانيا في فبراير شباط 2022، مما أدى إلى أخطر مواجهة بين روسيا والغرب منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. ودعا ترامب مرارا إلى إنهاء "حمام الدم" في أوكرانيا، الذي تصوره إدارته على أنه حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا. وتحت ضغط من ترامب، التقى ممثلون من البلدين المتحاربين في إسطنبول في الآونة الأخيرة للمرة الأولى منذ مارس آذار 2022، بعد أن اقترح بوتين إجراء محادثات مباشرة فيما طالب الأوروبيون وأوكرانيا بوقف فوري لإطلاق النار. وكتب ترامب على منصة تروث سوشيال "سيكون موضوعا الاتصال وقف 'حمام الدم' الذي يقتل في المتوسط أكثر من خمسة آلاف جندي روسي وأوكراني أسبوعيا، والتجارة". وأوضح "نأمل أن يكون يوما مثمرا وأن يتم وقف إطلاق النار وأن تنتهي هذه الحرب العنيفة للغاية، الحرب التي ما كان يجب أن تحدث من الأساس". وأضاف ترامب، الذي استبعد إحراز تقدم بشأن السلام حتى يجتمع مع بوتين، أنه سيتحدث إلى بوتين في الساعة العاشرة صباحا بتوقيت شرق الولايات المتحدة (1400 بتوقيت جرينتش) اليوم الاثنين. وقال الكرملين إن الاستعدادات للمكالمة جارية. وقال ترامب، الذي أوضحت إدارته أن روسيا قد تواجه عقوبات إضافية إذا لم تأخذ محادثات السلام على محمل الجد، إنه سيتحدث أيضا إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وأعضاء في حلف شمال الأطلسي.

الهند على صهوة فيل
الهند على صهوة فيل

جريدة الرؤية

timeمنذ 3 أيام

  • جريدة الرؤية

الهند على صهوة فيل

الطليعة الشحرية انتفض فارس هندي نبيل على صهوة فيله الرقمي متزودًا بأنظمة تحديد المواقع يُعلن بدء معركته العنصرية المُقدسة في استماتة لاستعادة مجدٍ لم يملكه يومًا. حمل الفارس خريطة استعمارية بريطانية صفراء و"شاي ماسالا" ويتطلع بكل جبروت سافر نحو الخليج صارخًا "إليكم أيها الناس، أنا وريث الإمبراطورية، حامي الديانة، مُحرر البحار، وآخذ مباركة قداسة البقرة قبل أيّ مُهمة دبلوماسية". ويمتلك الفارس الهندي جيوشًا خفية في موانئ ليست ببعيدة تنتظر إشارة البدء، فتلك الحقول النفطية والثروات ما هي إلا تيجان لا تزهو سوى على رأس الفارس الهندي الوطني النبيل، وحين تسأل النبيل عن الأقليات المُضطهدة في بلاده يتمتم باستخفاف: "أوه، تلك مجرد رياح… لا تستحق القتال، الطواحين الأهم هناك، في الموانئ ليست ببعيدة!". وهكذا يُواصل مغامرته المقدسة، غير مدرك أن خوذته مصنوعة من قدر ضغط، وسيفه من ملعقة فضية مسروقة من مائدة التاج البريطاني، فهل نلوم "دون كيشوت الهند"، أم نلوم من يصفق له؟ منذ أيام كنَّا أمام كوميديا استعلائية بتمويل نووي فحين نرى دولة كانت ضحية الاستعمار البريطاني لأكثر من 200 عام تُقلّد مستعمرها بنفس الأدوات، ولكن بلغة بوليوُدية. الهند التي كانت تصرخ من "قهر الرجل الأبيض"، قررت اليوم أن ترتدي زيه العسكري، وتمسك دفتره الاستعماري، وتضيف عليه بهارات هندوسية قومية بطعم العنصرية، تريد أن تصبح إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، لا حبًا في الشمس؛ بل لتسطع فوق رؤوس الأقليات والمجتمعات المجاورة، تمامًا كما فعل تشرشل ولكن بنكهة اليوغا والكاري. استقلت الهند عام 1947، وزودت فترة الاستعمار الهند بميراث مؤسساتي وقانوني وثقافي ما زالت تستثمره حتى اليوم. شرعت الهند في رحلة بناء الدولة الحديثة ومع اقتصاد يُعد من الأسرع نموًا في العالم، وجيش ضخم، وقوة ناعمة ممتدة، بدأت الهند تتحول من دولة نامية إلى قوة عالمية تسعى لقيادة العالم من الجنوب وأن تعادل ميزان القوى مع الصين. ومع رغبتها في لعب دور عالمي، بدأت الهند صناعة نسخة خاصة بها من الإمبراطورية البريطانية، ولكن بأسلوبها العصري، وأدواتها الخاصة مثل الاقتصاد، والتكنولوجيا، والجاليات، والدبلوماسية. وفي عهد ناريندرا مودي منذ 2014، أصبح هذا الطموح أوضح، مدعومًا بخطاب قومي شعبوي يدعو إلى "استعادة عظمة الهند". وثيقة السياسة البحرية الهندية 2020. تمثَّلت خطة العمل الأولى لرئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، بَعْد إعادة انتخابه لولاية ثالثة في تعزيز الشراكات الاستراتيجية للهند مع الدول الجُزرية في منطقة المحيط الهندي، وهو ما يأتي في سياق أشمل يرتبط بتعزيز مكانة الهند في قارة إفريقيا باعتبارها جزءًا مُهمًا من الجنوب العالمي الذي تسعى الهند إلى قيادته. وإن كانت استراتيجية مودي تَستهدِف بالأساس حماية المصالح البحرية الهندية وتعميق تعاونها الاقتصادي والعسكري مع شركائها الأفارقة، إلّا أنها تشكل ذراع نفوذ للوبي الغربي بقيادة الولايات المتحدة ويطوق الخليج العربي جغرافيًا؛ مما يوفر للهند إمكانية النفاذ غير المُقيَّد إلى تلك المنطقة الحيوية؛ ومن ثم مساعدتها على تحقيق أهدافها وأهداف الإمبريالية الرأسمالية الغربية. ولم يكن هذا التموضع والاستراتيجية الهندية البحرية إلّا استكمالًا مما يعرف بـ"سياسية الجوار أولًا Neighborhood First Policy"" الهندية، وقد أدى إنشاء الصين أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في جيبوتي في عام 2017 بمقربة من جزر المالديف، إلى دفع الهند نحو تكثيف علاقاتها مع موريشيوس إلى ما هو أبعد من الشراكة التقليدية؛ إذ قدَّمت الهند لها 100 مليون دولار لشراء مُنتجات دفاعية. كما افتتحت الدولتان بشكل مُشترَك مهبطًا للطائرات ورصيفًا على جزيرتي "أغاليغا" الواقعتين في المحيط الهندي، حتى تتمكن الهند من مراقبة الأنشطة الصينية عن كثب. وعلى الرغم من أن الهند تتفادى أية توترات ظاهرة مع الصين، وتتفادى كذلك الدخول معها في منافسة مباشرة، فإنَّ التحركات الصينية تُمثِّل للهند بوصلة للتحرك، وليس أدل على ذلك من فَتْح الهند خط شراكة جديد مع تنزانيا وموزمبيق في جنوب شرق القارة الإفريقية، ودخولها معهما في تدريبات مُشترَكَة؛ وهو ما ردت عليها الصين بالمثل، ومع نفس الدولتين، من خلال إجراء تدريبات بحرية مُشترَكَة مما يُمثِّل جولة من جولات المنافسة المحتدمة بين الصين والهند داخل وخارج محيطهما الجغرافي. بناءً على ما سبق، يمكن لنا تفهُّم سبب المناوشات الأخيرة بين الجارتين النوويتين الهند وباكستان؛ فالهند بقيادة "دون كيشوت مودي" تسير بخطى واثقة وفق استراتيجية إمبريالية عنصرية، فلن تقوم دول عظمي تدَّعي الديمقراطية بتوسيخ كفيها في نِزال لا تعلم نتيجته، وعليه سيتم إرسال أول مهرج نبيل يمتلك طموحًا عنصريًا مُقدسًا ليستكشف ساحة النزال. قد تَمنع الأسلحة النووية الحرب الشاملة، لكنها لا تمنع الضربات المحدودة أو المناوشات الجوية والبرية. وقد شهدت العلاقات الهندية الباكستانية تصعيدًا خطيرًا عسكريًا حادًا يُعد الأخطر منذ عقود، مما أثار مخاوف من اندلاع نزاع شامل بين القوتين النوويتين. الأزمة بدأت في 22 أبريل الماضي بهجوم إرهابي في منطقة باهالجام بكشمير الهندية، أسفر عن مقتل 26 سائحًا، معظمهم من الهندوس. واتهمت الهند جماعات متطرفة مقرها باكستان بالمسؤولية عن الهجوم، مما دفعها إلى إطلاق عملية "سندور" في 7 مايو؛ حيث شنت ضربات جوية استهدفت ما وصفته بـ"بنى تحتية إرهابية" داخل باكستان ومناطق كشمير الخاضعة لإدارتها. وردت باكستان بإسقاط خمس طائرات هندية، بينها 3 من طراز "رافال" الفرنسية، وشنّت هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ على مناطق هندية، مما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين وعسكريين. تزامنًا مع العمليات العسكرية، تعرضت الهند لهجمات سيبرانية واسعة النطاق، استهدفت بنى تحتية حيوية مثل السكك الحديدية والمطارات وشبكات الاتصالات أشارت تقارير إلى تورط مجموعات هاكرز مدعومة من دول مثل باكستان وتركيا والصين في هذه الهجمات. وأظهرت الأزمة هشاشة الاستقرار في جنوب آسيا وفي هذه البيئة، والطرف الذي يُبدع في استخدام القوة المحدودة، دون أن يتجاوز "الخط الأحمر النووي"، سيكون هو المُتفوِّق سياسيًا وعسكريًا. وقد أظهرت باكستان تفوقت تكتيكيًا في لحظة حرجة، وأظهرت فعالية عسكرية سريعة ومُوجَّهة. ويتضح أن تيار التغير قادم في آليات الردع واستراتيجية التوسع والنفوذ والحلم بأن تكون الهند العنصرية المقدسة قوة عالمية لا مجرد قوة إقليمية سيدفع كل تلك الآمال والطموح بـ"دون كيشوت الهند" إلى تعزيز التحالف مع واشطن وتل أبيب؛ لدمج أدوات جديدة في استراتيجيتها منها الحرب السيبرانية والتفوق الفضائي. الفشل الذي حاق بشركات التصنيع العسكرية الغربية مثل Lockheed Martin، Dassault، Raytheon، وغيرها والتي استمدت قوتها من "هيبة الردع لا بيع السلاح"، ذلك الفشل الذريع في تحقيق تفوق واضح، ضربَ سمعة التصنيع الغربي، خصوصًا في أعين الدول الصاعدة التي تبحث عن جودة وكفاءة قبل الولاء السياسي. أحرج التفوق الباكستاني الصيني شركة Dassault Aviation الفرنسية وهزت هيبة عرش الثقة بسقوط طائرات رفال الفرنسية واختراق الأنظمة الدفاعية الهندية، فكل دولة تخطط لشراء الرافال ستُعيد حسابتها. وقد تبدأ دول صغيرة ومتوسطة بالنظر بجدية إلى السوق الصيني والتركي وحتى الروسي. الصين وباكستان استفادتا إعلاميًا من تصوير إسقاط رافال ونجاح المسيرات، وروّجت لذلك كمؤشر على نهاية التفوق الغربي. قد تشهد الأسواق العالمية طفرة تكنولوجية عالية ويرتفع الاستثمار في الحروب السيبرانية والمسيّرات؛ فالحرب الحديثة لم تعد تعتمد فقط على الطائرات المأهولة؛ بل على إعادة تصميم أنظمة دفاعية هجينة مثل الأنظمة متعددة المهام القادرة على التعامل مع المسيرات الصغيرة، الهجمات الإلكترونية، والتشويش. غيَّر التفوق الباكستاني- المدعوم تكنولوجيًا من الصين- مشهد المعركة، وضرب في عمق "عقيدة السوق" الغربية القائمة على الهيمنة التكنولوجية وكبح جماح أحلام فارس هندي نبيل يعتلي صهوة فيله يحاول الولوج عبر بوابة الاستعلاء القومي؛ ليُصحح التاريخ ويقود ما كانت مستعمَرة إلى إمبراطورية طموحة!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store