
البنك الدولي يلاحق صفقات الكهرباء: هل تحمي "الشطارة" الفساد؟
ومن النقاط التي يجب حسمها في مسار الإصلاح، هي مصير مشروع شركات مقدّمي الخدمات الذي أنشئ بهدف المساهمة بإصلاح القطاع، فتحوَّلَ إلى سببٍ رئيسٍ لتدميره.
رحلة مقدمي الخدمات
بدأ مشروع شركات مقدّمي الخدمات في آب 2012، وكان من المفترض به أن ينتهي بعد 4 سنوات، إلاّ أنّه لا يزال قائماً حتى اللحظة بموجب تمديدات متكرّرة، رغم فشله في إنجاز أهدافه. وتتولّى المشروع 3 شركات رئيسة هي شركة BUS التي تملك معظم أسهمها شركة BUTEC، وشركة KVA التابعة لشركة خطيب وعلمي، وشركة NEU التابعة لشركة دبّاس. وكلّ شركة من هذه الشركات الثلاثة، تسند إلى شركات فرعية، بعض المهام على أرض الواقع.
ومن المفترض بالمشروع أن يطوِّر القطاع ويحسّن إنتاجية الكهرباء والجباية والتوزيع، وكذلك ضبط الهدر ومنع التعديات وتركيب العدادات الذكية بدلاً من العدادات القديمة. ورغم تركيب بعض العدادات في أكثر من منطقة، إلاّ أنّها بقيت بلا جدوى بفعل عدم إنجاز السنترال المركزي الذي يتحكّم بقراءة العدادات لحجم الاستهلاك. أمّا التوزيع وضبط التعديات فحدّث بلا حرج، في حين أنّ مستوى الفوترة والجباية تراجع كثيراً مقارنة بما كان عليه قبل المشروع.
ومع هذا الفشل، بات المشروع مجالاً للسمسرة عن طريق التحاصص السياسي، فوافق مجلس الوزراء في العام 2019 على تشريع دخول شركة رابعة إلى المشروع، من خارج أي مناقصة قانونية تضمن الشفافية والمنافسة. وكاد أن يوافق أخيراً على إدخال شركة خامسة بذات الأسلوب، لولا خروج الموضوع إلى العلن وكشف "المدن" له، وهو ما أدى إلى سحبه من جدول الجلسة
أهداف القرض
أمام هذا الواقع، يهدف مشروع قرض البنك الدولي إلى "تحسين موثوقية شبكة الكهرباء عبر التقليل من الانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي، بواسطة إعادة تأهيل الأصول الكهربائية مثل محطات التحويل وشبكات النقل، وتعزيز إدارة الشبكة عبر التحكّم والمراقبة المتقدمة، فضلاً عن إنشاء مركز وطني جديد للتحكم بالطاقة". ووفق اتفاقية القرض، يندرج ضمن الأهداف تحسين الأنظمة التجارية في مؤسسة كهرباء لبنان؛ إذ يسعى المشروع إلى تحسين هذه الأنظمة عبر تنفيذ تقنيات متقدمة تشمل نظام تخطيط موارد المؤسسات، ونظام القياس الذكي. وهذه التحسينات ستساهم في تعزيز إدارة العمليات المالية، إدارة الموارد البشرية، تخطيط المشاريع، وهذا ما يقلل من التكاليف التشغيلية ويزيد الكفاءة. وستساعد هذه الأنظمة في تحسين جمع الفواتير وتحصيل الإيرادات، بما يعزز استدامة المؤسسة مالياً على المدى الطويل".
بالتوازي مع ذلك، لم يُشِر البنك إلى مشروع مقدّمي الخدمات حصراً، لكنّ أهداف القرض المتعلّقة بزيادة الإنتاج وتقليص الخسائر وتعزيز الجباية، تطال بلا منازع، مهام مقدّمي الخدمات. أمّا التطرّق إلى التدقيق المالي، فيعني تضييق الخناق على مهام مقدّمي الخدمات؛ إذ إنّ المشروع أدّى إلى هدر المال العام بشتّى الوسائل، منها الأكلاف المضخَّمة لرواتب موظفين ومياومين يحظون بدعم سياسي، فضلاً عن تأخير تحويل أموال الجباية إلى حساب مؤسسة الكهرباء في مصرف لبنان، وتعمّد إبقاء الأموال في حسابات الشركات في المصارف الخاصة، فضلاً عن تضخيم أكلاف الأشغال... وغير ذلك. فاتفاقية القرض نصّت على أنّه ينبغي "على المقترضين إعداد، في غضون 45 يوماً كحدّ أقصى من نهاية كل فصل، تقارير مالية عن أجزاء المشروع، وتقديمها. ويجب أن يغطّي كل تدقيق البيانات المالية للمشروع، فترة سنة مالية واحدة تبدأ بالسنة المالية التي يُجرى فيها السحب الأول (من أموال القرض)".
إنهاء العقود خطوة إصلاحية
تظهر الإصلاحات كضرورة حتمية لإنقاذ لبنان من أزمته التي تلفّ مختلف القطاعات. وكتأكيد الحسم في هذا المجال، فإنّ كل الجهات الدولية المانحة تصرّ على الإصلاحات قبل تمويل أي مشروع. أمّا مشروع مقدّمي الخدمات، فحازَ على توصية بإنهائه، وبوجه خاص عبر تقارير شركة نييدز Needs التي تعاقدت معها مؤسسة كهرباء لبنان لتقديم خدمات استشارية، من ضمنها استشارات تتعلّق بمقدّمي الخدمات وأدائهم. فأوصت الشركة بضرورة وقف المشروع وعدم تمديده.
وأبعد من ذلك، تكشف مصادر من بين الشركات التي تقدّمت إلى مناقصة مشروع مقدّمي الخدمات، أنّ "المشروع فُصِّلَ على قياس الشركات الثلاثة". وتشرح في حديث لـ"المدن"، أنّه في العام 2012 "كان من المفترض أن تتوزّع الأعمال على 7 مناطق، وهو الأمر الذي يسمح للكثير من الشركات بالتقدّم للمناقصة واستلام جزء من المهام، لكن فوجئنا بتقليص المناطق إلى ثلاثة، وبالتالي زيادة عدد المشتركين والمهام على كل شركة، وهذا ما أدّى إلى انسحاب الشركات الأصغر التي لا قدرة لها على التزام العمل بمناطق أوسع وبعدد مشتركين أكبر".
علماً أنّ شركة BUS لُزِّمَت الأشغال من شمال بيروت الإدارية حتى منطقة شمال لبنان، وشركة KVA لزّمت منطقة بيروت الإدارية والبقاع، أمّا المنطقة جنوب بيروت الإدارية حتى الجنوب اللبناني، فلزّم لشركة NEUC.
وتلفت المصادر النظر إلى أنّ "تمديد مهلة المشروع أرهق الشركات الفائزة أيضاً، وبات الاستمرار به ضمانة للتنفيعات السياسية لا غير، وهو ما أكّدته عملية فصل المهام في بعض المناطق عن الشركات الأم وتلزيمها لشركات كانت في الأصل متعهّداً فرعياً". وتختم المصادر بالقول إنّ "الإصلاح في قطاع الكهرباء يجب أن يتضمّن إنهاء مشروع مقدّمي الخدمات سريعاً".
من العام 2012 حتى اليوم، تدرّج مشروع مقدّمي الخدمات من كونه نموذجاً للإصلاح على المستوى النظري، إلى كونه أحد أهم الصفقات التي تهدر المال العام في قطاع الطاقة، فضلاً عن كونه شاهداً حياً على ضرورة الإصلاح في إدارات ومؤسسات الدولة ووزاراتها، إثر تشابك المصالح السياسية لتمرير المخالفات والفضائح في المشاريع. وبالتالي، فإنّ تركيز المجتمع الدولي على الإصلاح، وتضمين اتفاق قرض البنك الدولي بنوداً رقابية، قد يكون ذلك طريقاً لوقف الصفقات وإعادة بناء قطاع الكهرباء عبر الشفافية والاستقلالية والمحاسبة. إلاّ إذا تسلّلت "الشطارة" اللبنانية لتقوِّضَ أهداف الإصلاح وتضمن استمرار الفساد وحماية مشاريع الهدر، وهو ما يجب أن يتنبّه إليه البنك الدولي في سياق رقابته على إصلاح القطاع. وعلى سبيل المثال، قد يذهب جزء من أموال القرض إلى شركات مقدمي الخدمات بصورة غير مباشرة تحت عنوان تسديد مستحقات في قطاعيّ النقل والتوزيع، أو عناوين أخرى تستفيد منها الشركات، وهو ما حصل في سلفة الخزينة التي أقرّها مجلس الوزراء مطلع العام 2023 لتمويل شراء الغاز أويل، فحصل مقدّمو الخدمات على مبلغ غير محدّد، أتى ضمن 54 مليون دولار أُقرّت "لتسديد مستحقات عقود التشغيل والصيانة ومصاريف قطاعات الإنتاج والتوزيع" . وإن كان البنك لا يتدخل في آلية تنفيذ كهرباء لبنان لأشغالها وعقودها، إلاّ أنّ الحزم في مراقبة كيفية صرف أموال القرض، قادر على منع تمويل مشاريع الهدر والفساد .
المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة
.png%3Fw%3D745%26h%3D535%26fit%3Dcrop&w=3840&q=100)

الجمهورية
منذ 42 دقائق
- الجمهورية
قواعد جديدة: لا إعلانات سياسية أوروبية في «ميتا»
وأعلنت «ميتا» يوم الجمعة الماضي، أنّها ستوقف الإعلانات السياسية على منصاتها في دول الاتحاد الأوروبي، في خطوة جديدة ضمن الصراع الدائر حول تنظيم أنشطتها. وابتداءً من تشرين الأول، ستتوقف الشركة عن عرض الإعلانات المتعلقة بالقضايا السياسية أو الانتخابية أو الاجتماعية، بحسب بيان أصدرته، عازيةً القرار إلى تنظيم مرتقب من الاتحاد الأوروبي بشأن شفافية الإعلانات السياسية. ويُمثل قرار «ميتا» بسحب الإعلانات السياسية أحدث مثال على التوتر المتصاعد بين شركات التكنولوجيا الكبرى والمشرّعين الأوروبيِّين، الذين يضغطون من أجل رقابة أكثر صرامة. وقد خضعت هذه الشركات إلى تدقيق خاص في ما يتعلّق بكيفية تعاملها مع الإعلانات والخطابات السياسية. وفرض المنظمون في الاتحاد الأوروبي غرامات مالية ضخمة على شركة «ميتا» بسبب انتهاكات أخرى، بما في ذلك غرامة لمكافحة الاحتكار بلغت 230 مليون دولار في شهر نيسان، وغرامة بقيمة 1,3 مليار دولار في عام 2023 بسبب طريقة تعاملها مع بيانات المستخدمين. وتحمل تغيّرات «ميتا» في سياستها بشأن الإعلانات السياسية آثاراً على المشهد السياسي في المنطقة، إذ يُقدّر أنّ الحملات الانتخابية أنفَقت عشرات ملايين اليوروهات عبر منصاتها للوصول إلى الناخبين. وأُقرّ التنظيم الجديد، الذي سيدخل حيّز التنفيذ في تشرين الأول، بهدف مواجهة المخاوف من التدخّل الأجنبي والمعلومات المضلّلة خلال الانتخابات في دول الاتحاد الـ27. وأوضح مسؤولون أوروبيّون في حينه أنّ القواعد الجديدة ستُسهّل على المواطنين التعرّف على الإعلانات السياسية و»اتخاذ قرارات مستنيرة». بموجب القانون، يتوجّب على منصات التكنولوجيا التي توزّع الإعلانات السياسية عبر الإنترنت الإفصاح عن مصدر هذه الإعلانات والالتزام بقيود تُحدّد من يمكن استهدافه بها. كما ستُحظَر الإعلانات السياسية المموّلة من خارج الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر الثلاثة التي تسبق أي انتخابات أو استفتاء. وأشارت «ميتا» إلى أنّ التنظيم الجديد تجاهل الفوائد التي تعود على المعلنين والجمهور المستهدف. وأوضحت الشركة أنّها اتخذت «قراراً صعباً» بسحب الإعلانات السياسية، مشيرةً إلى «متطلّبات غير قابلة للتطبيق وغموض قانوني» يفرضه التنظيم الجديد. وجاء في بيانها: «على رغم من انخراطنا المكثّف مع صنّاع السياسات لشرح هذه المخاوف، تُركنا أمام خيار مستحيل. مرّة أخرى، نرى كيف تؤدّي الالتزامات التنظيمية إلى إزالة منتجات وخدمات شائعة من السوق، ممّا يُقلّل من الخيارات ويحدّ من المنافسة». ويأتي هذا القرار بعد خطوة مماثلة أعلنتها شركة «غوغل» في تشرين الثاني، إذ قرّرت أيضاً وقف الإعلانات السياسية في الاتحاد الأوروبي بسبب صعوبة الامتثال لمتطلبات التنظيم الجديد. وسيقتصر هذا القرار على المعلنين السياسيِّين ضمن الاتحاد الأوروبي على منصات «ميتا». وأوضحت الشركة، أنّ السياسيِّين والمرشحين وغيرهم من المستخدمين، سيظلون قادرين على إنتاج ومشاركة محتوى سياسي، «لكنّهم لن يتمكنوا من الترويج له عبر الإعلانات المدفوعة». وقد اتهَم منظمو الاتحاد الأوروبي شركة «ميتا» بأنّها لا تمتلك الضمانات الكافية لمنع انتشار المعلومات المضلّلة، بما في ذلك الإعلانات المضلّلة، التي ساهمت في تعميق الانقسام السياسي والتأثير على نتائج الانتخابات. من جهتها، أكّدت «ميتا» أنّ لديها بالفعل آليات كافية للتعامل مع هذه القضايا.


النشرة
منذ 4 ساعات
- النشرة
الاتحاد الأوروبي فتح تحقيقًا في استحواذ شركة "أدنوك" الإماراتية على "كوفيسترو" الألمانية
أعلنت المفوضية الأوروبية فتح تحقيق في استحواذ شركة بترول أبوظبي الوطنيّة (أدنوك) على "كوفيسترو" الألمانيّة للكيميائيّات، على خلفيّة مخاوف متعلّقة بالمنافسة. وأوضحت السّلطة التنفيذيّة في الاتحاد الأوروبي ، أنّ "لدى المفوضيّة مخاوف أوّليّة من إمكان تشويه الإعانات الخارجيّة المقدّمة من الإمارات للسّوق الدّاخليّة للاتحاد الأوروبي"، مشيرةً إلى أنّها تجري تحقيقًا لتحديد إن كانت الإعانات الإماراتيّة سمحت لـ"أدنوك" بالتفوّق على المنافسين في عرض الاستحواذ على الشّركة، وستساعدها في ضخّ استثمارات في "كوفيسترو"، تُحدث خللًا في السّوق. وكانت قد وافقت "كوفيسترو" المصنِّعة للبلاستيك، على عرض "أدنوك" الّذي قدّر قيمتها بنحو 12 مليار يورو (13,3 مليار دولار) في تشرين الأوّل الماضي. وجاءت عمليّة الاستحواذ في وقت تعصف أزمة بقطاع الكيميائيّات الألماني الرّئيسي، الّذي يساهم في نحو خمسة في المئة من إجمالي النّاتج المحلّي للبلاد.


صدى البلد
منذ 5 ساعات
- صدى البلد
كواليس أخطر مفاوضات مصرية بعد حرب الخليج.. من دفع الفوائد إلى شطب الديون
صرح السفير محمد كامل عمرو، وزير الخارجية الأسبق، بأن الدبلوماسية المصرية لعبت دورًا كبيرًا، في إسقاط الديون العسكرية الأمريكية عن مصر، عقب الغزو العراقي للكويت، مؤكدًا أن السفارة المصرية في واشنطن، كانت في ذلك الوقت على علاقة قوية بالكونجرس الأمريكي. قروض عسكرية بفوائد مرتفعة تهدد المساعدات وأضاف" عمرو"، خلال لقائه على قناة "النيل للأخبار"، أن مصر كانت مدينة للولايات المتحدة بقروض عسكرية، حصلت عليها خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، وكانت هذه القروض بفوائد تتجاوز ٪8. وأوضح وزير الخارجية الأسبق، أن تلك القروض كانت "متأخرة"، وبحسب القانون الأمريكي، فإن أي دولة تقترض من الولايات المتحدة ولا تسدد الفوائد المستحقة لمدة عام، يتم وقف جميع المساعدات الأمريكية عنها، مما دفع مصر إلى ضرورة دفع الفوائد في مواعيدها. مبارك يتدخل وبوش يوافق على إسقاط الديون وأشار "عمرو"، إلى أنه بعد حرب الخليج، طلبت السفارة المصرية من وزارة الخارجية الأمريكية، إسقاط الديون المصرية، بناءً على تشجيع من الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، الذي استند إلى وعد سابق من الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر. وتابع: "وافق الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب على الطلب، وقدمه إلى الكونجرس، ورغم وجود معارضة داخله، إلا أنه في النهاية تمت الموافقة على إسقاط الديون، التي كانت تُقدَّر حينذاك بـ6٫7 مليار دولار". واختتم وزير الخارجية الأسبق تصريحه، بالتأكيد على أن إسقاط هذه الديون ،ساهم في تحقيق طفرة اقتصادية كبيرة لمصر، كما تم على إثرها ،توقيع الاتفاقية الثانية مع صندوق النقد الدولي.