logo
جهود تسوية الحرب في أوكرانيا أمام منعطف حاسم

جهود تسوية الحرب في أوكرانيا أمام منعطف حاسم

البيان٠١-٠٥-٢٠٢٥

تواجه جهود تسوية الحرب في أوكرانيا منعطفاً حاسماً، مع مؤشرات على الإحباط الأمريكي من وتيرة المحادثات، ففي تحوّل لافت، عبّر الرئيس دونالد ترامب عن امتعاضه من مسار المفاوضات، بعد أيام فقط من وصفها بـ «الإيجابية».
وسط هذا المناخ المتوتر، لم تتردد إدارة ترامب في التلويح بالانسحاب من جهود الوساطة، مشيرة إلى أنها لن تستمر في رعاية المفاوضات، ما لم يتم إحراز تقدم ملموس.
تعيد تلك التطورات خلط الأوراق السياسية على الساحة الأوروبية، وإثارة مخاوف الحلفاء من احتمال تخلي الولايات المتحدة عن دورها التقليدي، كضامن رئيس للأمن الأوروبي في مواجهة التمدد الروسي.
وفي ظل تناقض التصريحات الأمريكية، وتضارب الرسائل بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية، يستمر الحراك الدبلوماسي المحموم بين واشنطن وكييف، وموسكو، مع سعي أوروبا لتأمين دور أكثر فاعلية في أي تسوية قادمة، ومع تمسك روسيا بالاعتراف بالأراضي التي سيطرت عليها.
تفاؤل حذر
أستاذ ومدير دراسات أوروبا الوسطى بجامعة كاليفورنيا، البروفيسور روبرت إنجلش، يقول لـ «البيان»، إن الطرفين بعيدان عن التوصل إلى اتفاق «ولا نعلم إذا كانا يتبادلان التنازلات خلف الكواليس حول الأراضي والتعويضات، أو تخفيف العقوبات على روسيا»، لكنه في الوقت نفسه يلفت إلى أن «فريق ترامب يواصل القول بأن الاتفاق قريب».
ويضيف: «لكنهم قالوا ذلك عدة مرات من قبل، ولم يتحقق.. ربما هذه المرة سيكون الوضع مختلفاً، إذ يعتمد الكثير على المفاوضات بين فريق ترامب وروسيا.. وأشك في أن روسيا وأوكرانيا سيتفقان على الجلوس معاً، حتى يتم التوصل إلى النقاط الرئيسة تحت الوساطة الأمريكية».
وفي المجمل، يعتقد إنجلش بأن «ثمة بصيص أمل في موافقة أوكرانيا الضمنية على عدم معارضة السيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم، على الأقل ليس في الوقت الحالي». ويشير إلى ما وصفه بـ «التنازل الكبير»، لجهة اتجاه الولايات المتحدة إلى أن تخطو خطوة أبعد، وتعترف رسمياً بالقرم كجزء من روسيا «لكن لا أحد من حلفاء واشنطن الأوروبيين يُوافق على هذه الخطوة، ولذلك، قد تبقى الولايات المتحدة وحيدة في هذا الموقف لبعض الوقت.. وكلما طالت فترة بقاء القرم في أيدي روسيا، ازدادت روسيا رسوخاً»، على حد تعبيره.
كما أن ثمة خلافاً آخر يتعلق بعضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي، إذ يقول المسؤولون الأوكرانيون، إنهم يُدركون أنهم لن يُمنحوا العضوية كجزء من اتفاق السلام هذا، ويبدو أن روسيا تُدرك أنها لن تحصل على التزام دائم، لا يُمكن لأوكرانيا الانضمام إليه أبداً، وبالتالي: سيوافق الطرفان على استبعاد الناتو من اتفاقية السلام.
وسيطرت روسيا على القرم في 2014، قبل أن تضم أربع مناطق أخرى من أوكرانيا، بعد فبراير 2022. وتتمسك موسكو بتلك المناطق، وتضع الاعتراف بملكيتها كورقة أساسية في المفاوضات، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، أخيراً، عندما سُئل عن شروط بلاده المسبقة للجلوس على طاولة المفاوضات مع كييف. واختص القرم بالتأكيد على أنها «مسألة محسومة»، وجزء من الأراضي الروسية.
الدور الأمريكي
وبعد مرور 100 يوم على ولاية ترامب الثانية، يرى الكاتب والمحلل السياسي، ديمتري بريجع، أن التطورات تكشف عن واقع أكثر تعقيداً مما كان متوقعاً، فرغم تعهد ترامب بإنهاء الحرب في أوكرانيا، فإن طبيعة الصراع لا تسمح بحلول سريعة، منبهاً إلى أن الفجوة بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، لا تزال قائمة، وتتسع. يأتي ذلك في وقت ترفض فيه أوكرانيا تقديم تنازلات جوهرية، بينما تصر روسيا على ضمانات أمنية.
وبالتالي، فإن المحادثات، رغم الزخم الإعلامي، لا تشهد تقدماً حقيقياً نحو تسوية شاملة، وفق بريجع، الذي يوضح في هذا السياق، أن جولات المحادثات «تبدو مجرد إدارة للأزمة، بدلاً من إنهائها».
ويعتقد بأن الرؤية البراغماتية لترامب، تحاول تجاوز الحساسيات الدبلوماسية، لكن تواجه مقاومة من مؤسسات أمريكية، ترى في إضعاف روسيا هدفاً استراتيجياً بعيد المدى. كما أن الداخل الأوكراني أيضاً يعاني من انقسام عميق، ما يجعل أي اتفاق هشاً.
وعلى الرغم من الخطاب المتفائل أحياناً، فإن التسوية الحقيقية لا تزال غائبة في المرحلة المقبلة، وسيعتمد الرهان على قدرة واشنطن وموسكو على فرض تهدئة طويلة الأمد، مع بقاء تداعيات الحرب جزءاً من توازن القوى في أوروبا.
وفي أحدث تصريحاته، قال وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، إن ثمة تقدماً حقيقياً قد تم إحرازه في محادثات إنهاء الحرب، لكنّه أقر بصعوبة «الخطوة الأخيرة» في المفاوضات، كما دعا الطرفين لتقديم تنازلات للتوصل لاتفاق منشود، وقال إن بلاده لديها خيارات لمحاسبة أي من الطرفين ممن يحول دون تحقيق السلام.
يأتي ذلك في وقت لوحت فيه واشنطن بالانسحاب من جهود الوساطة. كما نقلت فيه تقارير غربية أن المسؤولين الغربيين يخشون أن يكون الرئيس ترامب على وشك الانسحاب من المحادثات، وترك الأمر لأوروبا.
اتساع الهوة
بدوره، يعتقد أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور محمد عطيف، بأن «التطورات الأخيرة، ربما تشير إلى تضاؤل فرص نجاح مفاوضات إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، في ضوء الشروط الجديدة التي طرحتها موسكو، والتي تتسم بتشدد ملحوظ، يعكس سعيها إلى تثبيت مكاسب ميدانية وسياسية، يصعب قبولها من قبل الجانب الأوكراني وداعميه الغربيين».
في المقابل، يثير التلويح الأمريكي بالانسحاب من العملية التفاوضية - سواء كخيار استراتيجي للضغط، أو كمؤشر على إعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية الأمريكية- مخاوف جدية بشأن مستقبل المسار السلمي للنزاع، حسبما أوضح عطيف لدى حديثه مع «البيان».
وتبعاً لذلك، فإن ثمة فجوة بين مواقف الطرفين، التي لم تشهد تقليصاً فعلياً، بل ازدادت اتساعاً، ما يجعل إمكانية التوصل إلى تسوية عبر التفاوض أمراً أكثر تعقيداً.
والجدير بالذكر، أن غياب أطر ضامنة وفعالة للتفاوض، وضعف الآليات الدولية لفرض حلول وسط، سيعزز ذلك من احتمالات استمرار النزاع بصيغ متعددة، سواء عبر حرب استنزاف طويلة الأمد، أو عبر تجميد النزاع بشكل غير رسمي.
وفي تصور أستاذ العلاقات الدولية، فإن «البيئة الجيوسياسية الراهنة، المتمثلة في تشدد المطالب الروسية، وتردد الالتزام الغربي، تنذر بمؤشرات، التي قد تسهم في تآكل فرص الحل السياسي، وتفتح الباب أمام مزيد من التعقيد في النزاع، بما ينعكس سلباً على استقرار النظام الدولي، ويعيد طرح إشكاليات فاعلية النظام متعدد الأطراف في إدارة الأزمات الدولية الكبرى»، على حد اعتقاده.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أكسيوس: ساعر حذر نتنياهو من "خطأ" وقف مساعدات غزة
أكسيوس: ساعر حذر نتنياهو من "خطأ" وقف مساعدات غزة

سكاي نيوز عربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • سكاي نيوز عربية

أكسيوس: ساعر حذر نتنياهو من "خطأ" وقف مساعدات غزة

ونقل الموقع عن مسؤول إسرائيلي، أن إصرار الحكومة على مواصلة العمليات العسكرية دون اعتبار للكلفة السياسية، يضر بمكانة إسرائيل الاستراتيجية. وقال المسؤول إن إسرائيل أصبحت معزولة تقريبا عن معظم شركائها التقليديين بسبب موقفها في الحرب وسلوكها حيال القضايا الإنسانية. كما أفاد موقع أكسيوس أن جدعون ساعر رأى أن إسرائيل ستضطر للرضوخ واستئناف المساعدات بغزة تحت الضغط. ووفقا لأكسيوس، فقد تصاعدت الضغوط بشدة في وقت سابق من هذا الشهر عندما شنّت الحكومة الإسرائيلية عملية واسعة في غزة وتدميرها بالكامل، بدلا من قبول صفقة لتحرير الرهائن وإنهاء الحرب. وطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكبار مساعديه، بنيامين نتنياهو بضرورة إنهاء الحرب والسماح بدخول المساعدات، مع أن ترامب لم يعلن معارضة ترامب، على عكس القادة الآخرين في الغرب مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

"مطروح للنقاش" يرصد جدوى "القبة الذهبية" في ظل تصاعد المخاوف الاقتصادية
"مطروح للنقاش" يرصد جدوى "القبة الذهبية" في ظل تصاعد المخاوف الاقتصادية

البوابة

timeمنذ 2 ساعات

  • البوابة

"مطروح للنقاش" يرصد جدوى "القبة الذهبية" في ظل تصاعد المخاوف الاقتصادية

عرض برنامج "مطروح للنقاش" الذي تقدمه الإعلامية مارينا المصري، عبر شاشة "القاهرة الإخبارية"، تقريرًا تلفزيونيًا تحليليًا بعنوان: "هل ينجح مشروع القبة الذهبية في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة؟"، ناقش خلاله تداعيات الاستراتيجية الاقتصادية والتجارية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتأثيرها على مشروعه الدفاعي الطموح المعروف باسم "القبة الذهبية". أوضح التقرير أن إعلان ترامب نيّته فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على أوروبا، و25% على الهواتف غير المصنعة في الولايات المتحدة، أعاد إشعال مخاوف الحرب التجارية، وأدى إلى انخفاض أسعار الأسهم العالمية وتراجع قيمة الدولار إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2023. وأشار إلى أن هذه التطورات جاءت بعد فترة من الهدوء الحذر في الأسواق، أعقبت سنوات من التوترات الاقتصادية العالمية التي أشعلتها سياسات ترامب التجارية خلال ولايته الأولى. في ظل هذه الأوضاع، يواجه مشروع "القبة الذهبية" – وهو منظومة دفاع صاروخية أمريكية متطورة يسعى ترامب لتطويرها خلال ثلاث سنوات – تساؤلات جادة حول جدواه وكلفته، التقرير بيّن أن التمويل الضخم المطلوب لتنفيذ المشروع قد يصطدم بعقبات حقيقية ناجمة عن العجز المتزايد في الميزانية الأمريكية وتراجع ثقة المستثمرين في الاقتصاد الأمريكي. أغلبية الشباب الأمريكيين يعتقدون أن أوضاعهم المالية كانت ستكون أفضل لولا الرسوم الجمركية استعرض التقرير نتائج استطلاع أجرته وكالة بلومبيرج، أظهر أن أغلبية الشباب الأمريكيين يعتقدون أن أوضاعهم المالية كانت ستكون أفضل لولا الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب، بينما توقع 69% من المشاركين ارتفاع أسعار السلع الأساسية كنتيجة مباشرة لهذه الرسوم.

القوة الناعمة الإماراتية.. مفهوم عالمي جديد
القوة الناعمة الإماراتية.. مفهوم عالمي جديد

البيان

timeمنذ 2 ساعات

  • البيان

القوة الناعمة الإماراتية.. مفهوم عالمي جديد

تعد دولة الإمارات العربية المتحدة، إحدى الدول السباقة في تطبيق مبادئ القوة الناعمة، واستغلال أدواتها منذ إعلان الاتحاد في عام 1971، وذلك حتى قبل ظهور هذا المصطلح، الذي صاغه السياسي والأكاديمي الأمريكي جوزيف ناي في عام 1990، فمصطلح القوة الناعمة يعد مصطلحاً حديثاً نسبياً، إلا أن القوة الناعمة موجودة كممارسات منذ القدم، من خلال أدوات متعددة، كالدبلوماسية الدولية والسياسة الخارجية للدول والإعلام والثقافة والسياحة والرياضة، وغيرها من أدوات جذب الآخر، التي تتبناها الدول والمؤسسات. لقد عرَّف جوزيف ناي مفهوم القوة الناعمة، بأنه قدرة دولة ما أن تجعل دولة أخرى تريد ما تريده الدولة الأولى، ولكن في عام 2004، توسع استخدام هذا المصطلح بشكل كبير جداً من قبل السياسيين والأكاديميين والباحثين والخبراء، بالإضافة إلى انتشاره من خلال وسائل الإعلام، وذلك مع صدور كتاب «القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولة»، والذي ألفه جوزيف ناي نفسه، وليس من المبالغة القول بأن مصطلح القوة الناعمة قد تحول إلى مصطلح علمي، وأنه في طريقه إلى أن يكون أحد التخصصات العلمية المهمة في فرع العلوم الإنسانية والاجتماعية. وفي المقابل، فإن القوة الناعمة يناقضها مصطلح القوة الصلبة، المتمثلة في قدرة التأثير في الآخر من خلال الإكراه وإصدار الأوامر، باستخدام إحدى وسيلتين، هما القوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية، وقد ظهر لاحقاً مصطلح آخر، يعبّر عن عملية المزج بين استخدام كل من القوة الناعمة والقوة الصلبة في آن واحد، وهو ما يسمى بـ «القوة الذكية»، ومن أبرز النماذج لاستخدام القوة الذكية، هو ما قام به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فترة رئاسته الأولى، من تعامل مختلف عن سابقيه، بما يخص الملف الكوري الشمالي، فقد كان يستعرض قوته الناعمة من خلال الترويج الدائم لمبادرته بمد يد السلام والتفاوض مع الرئيس الكوري الشمالي، وفي نفس الوقت، يستمر باستخدام القوة الصلبة الأمريكية، من خلال العقوبات الاقتصادية المفروضة على كوريا الشمالية. لقد برزت القوة الناعمة الإماراتية، وبدأت عالميتها من خلال القائد المؤسس، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- فقد كانت شخصيته الصادقة النقية، وفكره الوحدوي الجمعي، أحد أهم وسائل جذب الآخرين وكسب قلوبهم، كما حرص -رحمه الله تعالى- على نقل هذا الفكر إلى كل إماراتي، سواء كان مسؤولاً أو مواطناً عادياً، وقد قامت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة باستكمال هذا النهج وتطويره، من خلال عمل استثنائي، ليس له مثيل على مستوى العالم، ففي عام 2017، تم تشكيل مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات، والذي «يهدف لتعزيز سمعة الدولة عالمياً، ويختص برسم السياسة العامة واستراتيجية القوة الناعمة للدولة». وهذه الاستراتيجية تشمل مختلف المجالات الدبلوماسية والعلمية والثقافية والإنسانية والاقتصادية، التي تعمل على ترسيخ التواصل مع المحيطين الإقليمي والعالمي. كل ذلك أدى إلى ريادة دولة الإمارات العربية المتحدة في مؤشر القوة الناعمة لعدة سنوات، كان آخرها في عام 2025، فقد تصدرت الإمارات هذا المؤشر عربياً، واحتلت المركز العاشر عالمياً، من خلال أضخم تصنيف عالمي، وأكثرها مصداقية في مجال القوة الناعمة، حيث شمل التصنيف 193 دولة، وبمشاركة أكثر من 170 ألف مستجيب متخصص في مجالات الأعمال وصنع السياسات، وغيرهم من أفراد المجتمع المدني، واستطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة -التي تم تأسيسها في عام 1971- تجاوز عدد كبير من الدول ذات الاقتصادات المتقدمة، مثل النرويج وفنلندا والدنمارك وإسبانيا والنمسا وهولندا وروسيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة. إن عملية سرد القصة التي تتضمن الكيفية التي استطاعت هذه الدولة الفتية الوصول بها لهذا المستوى، لا يمكن التعبير عنها من خلال مجلدات ضخمة، أو برامج وثائقية طويلة، ولكن سأحاول في هذا المقال أن أقوم باستعراض النموذج العالمي للتجربة الإماراتية في مجال القوة الناعمة، من خلال التحليلات التالية: إن الدور الرئيس للقوة الناعمة لأي دولة، يكون من خلال تعزيز سمعتها الخارجية، وفرض احترامها، ولا يكون ذلك موجهاً فقط للمجتمع الدولي أو للدول الأخرى، بل يوجه أيضاً إلى شعوب الدول الأخرى، ويكون ذلك من خلال السياسة الخارجية المتزنة للدولة، ومواقفها على الساحة الدولية. تعد دولة الإمارات العربية المتحدة، صاحبة أقوى نفوذ عربي وإقليمي في مجال القوة الناعمة، وواحدة من أهم اللاعبين الرئيسين في هذا المجال على مستوى العالم، ويعود الفضل في ذلك إلى الفكر الحكيم والمستنير للمؤسس -المغفور له بإذن الله- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فقد كان سابقاً لعصره، عندما استطاع، وبفضل حكمته وتبنيه لسياسة خارجية متزنة، جذب عدد كبير من الدول الكبرى في المنطقة والعالم نحو ملفات عديدة، تبنتها دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما استمرت به القيادة الحالية للدولة، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله. ولا يسع المجال هنا لذكر جميع المواقف السياسية التي تبنتها دولة الإمارات، وأدت إلى نتائج تم الإشادة بها من قبل المجتمع الدولي، فقد نجحت في إنهاء حالة الحرب بين إثيوبيا وإريتريا، من خلال جهودها ومبادرتها المتمثلة في توقيع اتفاقية سلام بين البلدين، بعد عقدين من الحروب بينهما، كما استطاعت أن تقوم بدورٍ لم تستطع الدول العظمى في العالم أن تلعبه في الحرب الروسية الأوكرانية، فدولة الإمارات تعد أهم وسيط مقبول لدى الطرفين، وقد قامت بجهود استثنائية في هذا الملف، من خلال المحادثات الهادفة إلى التهدئة وتسوية الحرب، والوساطة في مجال تبادل الأسرى، وتقديم الدعم الإنساني. منذ الإعلان عن فوز مدينة دبي بتنظيم هذا الحدث الدولي في عام 2013، وبإجمالي 116 صوتاً من أصل 167 صوتاً، بدأت التقارير الصحافية والبرامج التحليلية بالتحدث عن ضرورة استفادة دبي من تنظيم هذا الحدث، خاصة أنه يقام لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وبمجرد بداية أحداث المعرض، أثبتت دبي أن تلك التقارير كانت مخطئةً في تحليلها للواقع، فقد تبيّن أن معرض إكسبو، هو أكبر مستفيد من ارتباطه بهذه المدينة العالمية، كما أثبتت الوقائع أن استضافة دبي لهذا المعرض، قد ساهمت بالتعريف به لعدد كبير من سكان العالم، بل إن الكثيرين في منطقتنا وخارجها، لم يسبق لهم أن سمعوا عن هذا المعرض العالمي، إلا بعد الإعلان عن ترشح مدينة دبي، وذلك بالرغم من تنظيمه بشكل مستمر منذ عام 1851 م، وفي عواصم ومدن عالمية لها شهرتها ووزنها. لقد منحت دبي معرض إكسبو 2020 هذا الترويج الدعائي، خلال أحد أسوأ الأزمات التاريخية التي مرت بالعالم، وهي جائحة «كورونا»، فقد حقق المعرض أرقاماً قياسية في عدد الزوار، حيث بلغ إجمالي عدد الزوار 23 مليون زائر، بالإضافة إلى 200 مليون زيارة افتراضية، في ما وصف بأنه أكبر تجمع عالمي خلال جائحة «كورونا». أنشئ المركز الدولي للتميز في مكافحة التطرف العنيف، والمعروف باسم مركز «هداية»، بناء على مبادرة قدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة، أثناء انعقاد اجتماع المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية في عام 2011، وتم تأسيس المركز في العام الذي يليه، وبعضوية 12 دولة ومنظمة دولية، وهي: الإمارات ومصر والولايات المتحدة الأمريكية والمغرب والجزائر وإندونيسا والمملكة المتحدة وهولندا وكندا وأستراليا وتركيا، بالإضافة إلى منظمة الاتحاد الأوروبي. وتقديراً لدور الإمارات القيادي في مجال مكافحة التطرف، فقد تم اختيار أبوظبي مقراً للمركز، حيث يعمل المركز على مكافحة التطرف والتطرف العنيف، من خلال برامج وبحوث واستشارات تقدم لكل من الحكومات والمؤسسات وأفراد المجتمع المدني، من أجل تحقيق هدف رئيس، يتمثل في تحقيق استدامة الوقاية والمكافحة من التطرف والإرهاب. إن مركز «هداية»، يعد أحد أهم أذرع القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة، كونه الأول من نوعه في العالم، ويعد حالياً أحد أهم المنظمات الدولية غير الحكومية، التي توفر الآليات لدعم جهود الحكومات في مواجهة التطرف العنيف، حيث وصل تأثيره لأكثر من 21 ألف مستفيد، في ما يقارب 100 دولة، وذلك من خلال أكثر من 200 برنامج، لترسيخ مبادئ التواصل والحوار، وبناء القدرات، وتقديم الدعم لضحايا الإرهاب، بالإضافة إلى النشاطات المتعلقة بالبحث العلمي في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف على المستوى الدولي. تعد جائحة «كورونا» حدثاً تاريخياً، مر على البشرية بشكل وسرعة لم يسبق لهما مثيل، وقد تسببت هذه الجائحة بأكبر أزمة اقتصادية عالمية عُرفت خلال القرنين الماضيين، كما شهد العالم سقوط العديد من الدول -منها دول عظمى- في مجال كيفية التعامل مع هذه الأزمة. وفي المقابل، فقد مثلت هذه الأزمة فرصة سانحة لإبراز مدى تطور دولة الإمارات العربية المتحدة في مجالات التقنية والبنية التحتية ومرونة القوانين والتشريعات، بالإضافة إلى الصورة الإيجابية لمدى تلاحم القيادة مع الشعب، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين وزواراً أيضاً، في مشهد لم يُشاهد في أي مكان خارج دولة الإمارات. لقد تبنت حكومة دولة الإمارات عدداً من استراتيجيات الاستجابة للجائحة على المدى الفوري والقصير والمتوسط والطويل، لا بل أعلنت الحكومة الإماراتية عن إعداد استراتيجية مخصصة لفترة ما بعد التعافي من الجائحة، شملت مختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والخدمية. لم تكتفِ الإمارات بذلك، بل وضعت على عاتقها -وبتواضع- مسؤولية تقديم المساعدة لكل المتأثرين من الأزمة، دون استثناء، سواء كانت دولة أو منظمة دولية أو حتى أفراد، دون أن تقوم بالإعلان عن ذلك، وقد تفاجأ العالم بأن معظم المبادرات والمساعدات والدعم الإنساني الذي قدم في القارات الست، كانت تحمل بصمةً إماراتيةً. لقد أثبتت دولة الإمارات العربية المتحدة، أن القوة الناعمة للدولة تضاهي، بل تتفوق على القوة العسكرية لأي دولة أخرى في العالم، ويتضح ذلك من خلال النتائج المتميزة التي حققتها الدولة في مختلف المجالات، فدولة الإمارات العربية المتحدة، تقوم بعقد تحالفات سياسية، واتفاقيات اقتصادية وتجارية، مع أقوى الدول في العالم، كما استطاعت أن تكون أحد أكبر الاقتصادات على مستوى العالم، بالرغم مع عدم اعتمادها على النفط، وذلك عائد إلى كونها أهم نقطة جذب لرؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية، وجدير بالذكر، أن دولة الإمارات، وبفضل قوتها الناعمة، استطاعت أن تفرض احترام المواطن الإماراتي على المستوى الدولي، وهو ما شجع معظم دول العالم على استقبال الحاملين للجواز الإماراتي دون قيود أو شروط، أو تأشيرات، حتى أصبح الجواز الإماراتي «أقوى جواز في العالم».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store