logo
داخل قلب إيران النووي: منشآت وتخصيب واختبار الردع

داخل قلب إيران النووي: منشآت وتخصيب واختبار الردع

المدنمنذ 16 ساعات

في ساعات الفجر الأولى من اليوم، تعرّضت منشأة نطنز النووية الإيرانية لهجوم جديد بطائرات مسيّرة، هو الأعنف منذ سنوات، ما أدى إلى انفجارات متتالية داخل المجمع تحت الأرضي، وفق ما أفادت به مصادر أمنية إيرانية وشهود عيان من محيط مدينة كاشان.
ورغم تكتم السلطات عن طبيعة الأضرار، تحدثت مصادر محلية عن انبعاثات كيميائية غير معتادة، وانتشار فرق الطوارئ البيئية في القرى المجاورة. كذلك تعرضت منشأة فوردو النووية ومنشأة آخرى في أصفهان للقصف الإسرائيلي.
يأتي هذا الاستهداف في وقت تشهد فيه المنطقة توتراً غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، وسط تحذيرات من انزلاق الأمور إلى مواجهة مفتوحة، لكن الضربات الأخيرة أثارت قلقاً أعمق من مجرد التصعيد السياسي أو العسكري: ماذا لو تسببت هذه الهجمات في تسرّب إشعاعي أو كارثة بيئية؟
تشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى أن استهداف منشآت نووية فعالة – كتلك الموجودة في نطنز أو فوردو – قد يؤدي إلى انتشار مواد مشعة، وتعطيل شبكات الرصد النووي، وتهديد حياة آلاف المدنيين، ليس فقط داخل إيران بل عبر الحدود أيضاً.
شبكة سرية ومحصنة في قلب الجغرافيا
وتتزايد هذه المخاطر بسبب امتداد البرنامج النووي الإيراني على شبكة معقدة من المنشآت الموزعة بين الهضاب الوسطى والجبال المحصنة، تتنوع مهامها بين التخصيب، والتحويل، والتبريد بالماء الثقيل، فضلاً عن مواقع لا تزال خاضعة للجدل الدولي.
1- منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم
وتأتي نطنز على رأس هذه المنشآت، التي تُعد قلب المشروع النووي الإيراني، وتقع وسط البلاد قرب مدينة كاشان، وتحتوي على آلاف أجهزة الطرد المركزي القديمة والمتطورة، وتُستخدم لتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهي نسبة تقترب من العتبة العسكرية.
وعمدت إيران، بعد سلسلة من الهجمات السابقة، أبرزها الهجوم السيبراني الشهير بـ"ستوكسنت" عام 2010 والتفجير الغامض عام 2020، إلى نقل الأنشطة الأساسية إلى أعماق الأرض داخل منشأة تحت جبلية يصعب استهدافها عسكرياً.
2- مفاعل آراك للماء الثقيل
كما يقع مفاعل آراك للماء الثقيل، إلى الجنوب الغربي من طهران، الذي أُثيرت حوله شكوك متكررة بسبب إمكانياته لإنتاج البلوتونيوم، وهو المادة الانشطارية البديلة لصناعة السلاح النووي.
وقد وافقت إيران على إعادة تصميم المفاعل ضمن اتفاق 2015، إلا أن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاحقاً أشارت إلى نشاط جزئي أعيد إليه بعد انهيار الاتفاق.
3- منشأة فوردو المحصنة
أما منشأة فوردو، فتقع تحت جبل قرب مدينة قم، وهي واحدة من أكثر المواقع تحصيناً في إيران، وقد بُنيت لتكون منيعة ضد أي هجوم جوي مباشر.
واكتُشفت هذه المنشأة عام 2009، وتقوم حالياً بتخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة طرد مركزي من أجيال متقدمة، في تحدٍ صريح للاتفاقيات النووية السابقة.
ويساهم الطابع العسكري للموقع، وموقعه الجغرافي، في جعله نقطة توتر مستمرة في الحسابات الإسرائيلية والغربية.
4- منشأة إصفهان (UCF) لتحويل اليورانيوم
وفي مدينة أصفهان، تعمل منشأة تحويل اليورانيوم (UCF) على تحويل "الكعكة الصفراء" إلى غاز سداسي فلوريد اليورانيوم (UF6)، وهي خطوة محورية في دورة الوقود النووي. ولطالما اعتُبرت هذه المنشأة حلقة وصل أساسية بين استخراج اليورانيوم الخام ومرحلة التخصيب في نطنز وفوردو.
5- المواقع السرية أو "المريبة"
وبعيداً عن المواقع المعلنة، تشير تقارير استخباراتية متقاطعة إلى وجود مواقع سرية لا تخضع لرقابة الوكالة الدولية، مثل الموقع الذي كشفت عنه إسرائيل عام 2018 في تورقوز آباد جنوب طهران.
كما كشفت صور أقمار صناعية حديثة عن أعمال حفر وإنشاءات تحت الأرض قرب نطنز، يُعتقد أنها تهدف إلى بناء منشآت نووية أكثر تحصيناً لا تستطيع حتى القنابل الموجهة اختراقها.
وتدل هذه البنية المعقدة على أن إيران تبنّت استراتيجية تقوم على التوزيع والتخفي والتأمين العميق لمواقعها النووية، في مواجهة تهديدات الاستهداف الجوي والضربات السيبرانية، إلا أن هذا التعقيد الفني والهندسي لا يُخفي حقيقة أن أية ضربة عسكرية مباشرة لهذه المنشآت، خاصة تلك التي تحتوي على مواد مشعة، قد تؤدي إلى كارثة بيئية تتجاوز الحدود الإيرانية نفسها.
من حلم الشاه إلى صراع الجمهورية
ويعود البرنامج النووي الإيراني إلى بدايات سبعينيات القرن الماضي، حين كانت إيران، تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي، والذي كان حليفاً وثيقاً للغرب وتحديداً للولايات المتحدة.
وأطلقت طهران في تلك الفترة، مشروعاً طموحاً للطاقة النووية بدعم من واشنطن وبرلين وباريس، شمل بناء مفاعل بوشهر ومفاعلات بحثية أخرى لأغراض مدنية وطبية، في إطار "برنامج الذرة من أجل السلام"، ولم تكن النوايا العسكرية حاضرة على السطح آنذاك، بل كانت إيران تسعى إلى أن تصبح القوة العلمية الأكبر في المنطقة.
لكن الثورة الإسلامية عام 1979 غيرت كل شيء، توقف البرنامج فجأة، وهُجرت المواقع النووية، في ظل عداء مفتوح مع الغرب واتهامات متبادلة بالخيانة العلمية، حتى أعادت طهران إحياء برنامجها النووي بهدوء، بعد نهاية الحرب الإيرانية العراقية، معتمدة على شبكة من التعاونات التقنية مع الصين، وروسيا، وأطراف آسيوية أخرى، إلى جانب جهد كبير في بناء قدرات محلية.
وشهد عام 2002 نقطة التحول الكبرى، حين كشفت المعارضة الإيرانية في الخارج عن منشأتين نوويتين سريتين: نطنز وآراك.
وفجرت هذه المعلومات أزمة دولية، وسرعان ما دخلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الخط، وبدأت التحقيقات والزيارات، وواجهت طهران لأول مرة اتهامات علنية بأنها تُخفي بُعداً عسكرياً لبرنامجها النووي.
وخضعت إيران لعقوبات دولية متصاعدة، خاصة بعد امتناعها عن الكشف الكامل عن أنشطتها، ورفضها وقف تخصيب اليورانيوم، ووسط هذا التصعيد، دخلت طهران في مفاوضات شاقة مع القوى الكبرى، أسفرت أخيراً عن التوصل إلى الاتفاق النووي التاريخي في 14 يوليو/تموز 2015 (JCPOA)، مع مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا).
نصَ الاتفاق على تقليص أنشطة التخصيب، وتقليل عدد أجهزة الطرد المركزي، وتعديل مفاعل آراك، والسماح برقابة صارمة من الوكالة الدولية، مقابل رفع تدريجي للعقوبات، لكن هذا التوازن لم يدم طويلاً، حيث أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق، في مايو/أيار 2018، وأعاد فرض العقوبات الاقتصادية على طهران في إطار حملة "الضغط الأقصى"، وهو ما اعتبرته إيران خرقاً جوهرياً للاتفاق.
وردت طهران بخفض تدريجي لالتزاماتها، فعادت إلى تخصيب اليورانيوم بنسب مرتفعة، واستأنفت بناء أجهزة طرد مركزي متطورة، وأوقفت التعاون مع فرق التفتيش في بعض المواقع.
ومع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، ظهرت مؤشرات أولية على العودة للمفاوضات، لكن الجمود ظل سيد الموقف، لا سيما بعد تصاعد التوتر الإقليمي والهجمات المتكررة التي طالت منشآت نطنز وفوردو واغتيال العالِم النووي محسن فخري زاده أواخر 2020.
وتقف إيران اليوم، وبعد أكثر من عقدين من الكشف عن أول منشأة سرية، على عتبة نووية فعلية، حسب تقييمات إسرائيلية وأميركية، مع امتلاكها أكثر من 100 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، في حين تؤكد طهران أنها لا تسعى إلى سلاح نووي، لكنها تحتفظ بـ"الحق السيادي الكامل" في تطوير برنامجها دون قيود.
العقل الغامض وراء الطموح النووي الإيراني
ولا يمكن فهم البعد العسكري المحتمل للبرنامج النووي الإيراني دون التوقف عند شخصية محسن فخري زاده، العالم النووي الأبرز في إيران، الذي قاد ما يُعرف داخل أجهزة الاستخبارات الغربية باسم "مشروع عماد" – وهو البرنامج السري الذي يشتبه بأنه كان يسعى لتطوير سلاح نووي خلال تسعينيات القرن الماضي وحتى عام 2003.
وهو ضابط في الحرس الثوري وحاصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء النووية، كان يتمتع بنفوذ واسع داخل المؤسسات العلمية والعسكرية، وكان اسمه محجوباً عن الإعلام، حتى كشفت عنه إسرائيل عام 2018 ضمن ما قالت إنه "أرشيف نووي إيراني مسروق"، وحسب الوثائق التي عُرضت آنذاك، لعب فخري زاده دوراً مركزياً في تصميم رؤوس نووية قابلة للتحميل على صواريخ باليستية.
ومثّل اغتياله في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 قرب طهران، في عملية معقدة نُفذت بتقنية عالية واتُّهمت بها إسرائيل، نقطة تحول في النظرة الدولية للبرنامج النووي الإيراني، ولم يُعثر على بديل واضح له داخل المؤسسة النووية، رغم محاولات طهران التعتيم على دوره الحقيقي.
وترى بعض التحليلات أن اغتياله أبطأ التقدم التقني العسكري للبرنامج، فيما تؤكد أطراف أخرى أن البنية التحتية أصبحت مؤسسية إلى درجة لا تتأثر برحيل الأفراد.
ويجسد وجود فخري زاده في قلب هذه المنظومة، ثم اغتياله، التحول العميق الذي شهده البرنامج النووي الإيراني: من مشروع علمي بإشراف حكومي، إلى نظام مركزي مزدوج الطابع، تقوده أجهزة أمنية وعسكرية، ويغذيه طموح علمي لا يخلو من أهداف استراتيجية أعمق.
الطموح المقنّع
ورغم تأكيد طهران المتكرر على الطابع السلمي لبرنامجها النووي، فإن الشكوك حول نواياها العسكرية لم تتوقف منذ اللحظة التي كُشف فيها عن منشأة نطنز عام 2002، وقد تعززت هذه الشكوك بفعل المعطيات التي جمعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتقارير استخباراتية غربية، وكذلك التصريحات الصريحة من المسؤولين الإسرائيليين.
ويقبع ما يُعرف بملف "الأبعاد العسكرية المحتملة" للبرنامج الإيراني، والذي يُشار إليه داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية اختصاراً بـ "PMD "، في صلب هذه الاتهامات، ويتضمن هذا الملف أنشطة ذات طابع مزدوج (مدني/عسكري) قامت بها إيران في مراحل مختلفة، تشمل اختبارات على تفجير تقليدي يحاكي الانفجار النووي، وتصميم رؤوس نووية صغيرة، ومحاولات تصنيع مفجرات ذات إشعال مزدوج، وهي تقنية تُستخدم في السلاح النووي.
ونشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً غير مسبوق، في عام 2011، أشار إلى أن إيران نفذت أنشطة "متناسقة" ذات صلة بتطوير سلاح نووي حتى عام 2003، وربما بعده.
كما أورد التقرير أن إيران لم تقدّم تفسيرات مقنعة حول بعض المواقع، خاصة منشآت بارشين العسكرية، حيث اشتُبه بقيام تجارب على تفجيرات عالية الشدة، وتم رصد محاولات واضحة لإزالة آثار هذه الأنشطة.
ورغم أن اتفاق 2015 جاء في جزء منه لتسوية هذه المسائل، إلا أن كثيراً من الأسئلة ظلت معلقة، سيما بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في عام 2018، عن "سرقة الأرشيف النووي الإيراني" من أحد مستودعات طهران، كاشفاً عن وثائق وصور وتصاميم تؤكد – بحسب زعمه – أن إيران كانت تعمل بشكل منسق على تطوير سلاح نووي، تحت إشراف محسن فخري زاده، عبر مشروع يُدعى "عماد".
من جانبها، نفت المؤسسة الأمنية الإيرانية صحة هذه المزاعم، واعتبرتها جزءاً من حملة إسرائيلية لعرقلة أي تقارب دولي معها، لكن الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة وأجهزة الاستخبارات الأوروبية، لم تتجاهل هذه المعلومات، وأخذتها بعين الاعتبار عند تقييم مستوى التهديد الإيراني.
الزمن اللازم
ويُعد مفهوم "الزمن اللازم لصنع سلاح نووي" – أو ما يُعرف اصطلاحاً بـ "Breakout Time" أحد أكثر المؤشرات حساسية في تقييم الخطر النووي الإيراني، وهو يشير إلى الفترة الزمنية التي تحتاجها دولة لامتلاك كمية كافية من اليورانيوم عالي التخصيب (بنسبة 90%) تكفي لصنع قنبلة نووية واحدة، إذا قررت تجاوز التزاماتها والانسحاب من اتفاقاتها.
وقُدّر هذا الزمن في الحالة الإيرانية، قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015، بنحو شهرين إلى ثلاثة أشهر، بفضل مخزون كبير من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% وقدرات تخصيب متقدمة، لكن بعد دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، وهدم أجهزة الطرد المركزي وتقليص المخزون إلى أقل من 300 كلغ بنسبة 3.67%، ارتفع زمن "الاختراق" إلى نحو عام كامل.
هذا التوازن اختل بالكامل بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018، إذ عادت إيران تدريجياً لتخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، ثم 60%، وهي نسبة لم تُسجل من قبل في تاريخ البرنامج.
ووفقاً لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في منتصف 2024، فإن إيران راكمت ما يزيد عن 100 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهو ما يكفي لتقليص الزمن اللازم لصنع سلاح إلى ما دون الأسبوعين، إذا اتُّخذ قرار سياسي بالذهاب نحو درجة التخصيب العسكري.
ومع أن تخصيب اليورانيوم لا يعني بالضرورة إنتاج سلاح، إلا أن الخطوة الأخطر تتعلق بـ"تحويل المواد" إلى رأس نووي، وهي عملية تتطلب خبرة هندسية معقدة ونقل المواد إلى موقع تصنيع سري.
وتبقى تقديرات وكالات الاستخبارات الغربية متباينة، فبعضها يؤكد أن إيران لا تزال تفتقر إلى آلية تفجير موثوقة، بينما تشير أخرى إلى أن "النية السياسية فقط هي ما يفصل طهران عن السلاح"، لكن التحذير الأخطر جاء من وزير الدفاع الإسرائيلي في مارس 2025، حين قال:"إيران لم تعد على العتبة النووية، لقد وضعت يدها على المقبض، وتنتظر اللحظة السياسية المناسبة لفتح الباب".
في المقابل، تواصل طهران التأكيد على أن برنامجها موجه حصرياً لأغراض سلمية، وتعتبر الحديث عن "breakout time" أداة سياسية لتبرير التهديد والضغط والعقوبات.
توازن ردع أم صراع إرادات؟
ومنذ انكشاف طبيعة البرنامج النووي الإيراني في مطلع القرن الحادي والعشرين، انقسم المشهد الدولي إلى ثلاثة محاور رئيسية في التعاطي مع هذا الملف: محور المواجهة، ومحور الدبلوماسية الحذرة، ومحور التواطؤ الصامت.
الولايات المتحدة: الضغط الأقصى
شكّلت واشنطن الطرف الأكثر تأثيراً في صياغة مسار البرنامج النووي الإيراني، ودفعت بقوة نحو التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، في عهد باراك أوباما، معتبرة أنه الخيار الأفضل لضمان تأخير أي طموح عسكري إيراني دون اللجوء للحرب.
لكن مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، انقلبت السياسة رأساً على عقب، إذ انسحب من الاتفاق عام 2018، وأعاد فرض عقوبات قاسية على إيران تحت شعار "الضغط الأقصى".
ومع إدارة جو بايدن، ظهرت مؤشرات على العودة إلى التفاوض، لكن الشكوك المتبادلة، والهجمات المتبادلة عبر الوكلاء في الإقليم، إضافة إلى الأزمة الأوكرانية وتقارب إيران مع روسيا، أعاقت الوصول إلى اتفاق جديد.
وتبقى واشنطن اليوم في موقع المناور الحذر، وتخشى أن تدفع أي حرب مباشرة مع إيران إلى إشعال المنطقة، لكنها في الوقت نفسه لا تقبل بوضع يسمح لطهران بالوصول إلى القنبلة.
أوروبا: الدبلوماسية في مأزق
التزمت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة – أطراف الاتفاق النووي – لسنوات بخط دبلوماسي، يدعو للحوار مع طهران مع الإبقاء على العقوبات الأوروبية المتعلقة بحقوق الإنسان والصواريخ الباليستية.
ومع الانهيار التدريجي للاتفاق، فقدت العواصم الأوروبية الكثير من نفوذها، وتحول دورها إلى وسيط عاجز بين واشنطن وطهران.
في العامين الأخيرين، ومع تسارع تخصيب اليورانيوم، ارتفعت لهجة التحذير الأوروبية، خاصة من باريس، التي دعت إلى فرض "آلية الزناد" لإعادة العقوبات الأممية على إيران، لكنها لم تُفعّلها عملياً، في ظل توازنات دقيقة داخل مجلس الأمن.
روسيا والصين: حليفان انتهازيان
في المقابل، تُعد موسكو وبكين من أبرز حلفاء طهران على المستوى السياسي والاقتصادي، لكن علاقتهما بالملف النووي تبقى براغماتية بحتة، فقد دعمتا الاتفاق النووي في 2015، ورفضتا انسحاب واشنطن، كما عارضتا مراراً أي تصعيد عسكري ضد إيران، وفي حين تستفيد روسيا من التقارب مع طهران في مواجهة الغرب، ترى الصين في إيران مورداً للطاقة وشريكاً استراتيجياً في مشروع "الحزام والطريق".
ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، تعزز التنسيق العسكري الإيراني–الروسي، ما دفع الغرب إلى الربط بين السلوك النووي الإيراني والدور الإيراني في تسليح روسيا، خصوصاً عبر الطائرات المسيّرة.
إسرائيل: استراتيجية الضربات الوقائية
وتبقى إسرائيل الطرف الأكثر عداءً للبرنامج النووي الإيراني، وتعتبره تهديداً وجودياً مباشراً، ومنذ أكثر من عقد، تبنّت تل أبيب سياسة الردع الوقائي، من خلال ضربات سيبرانية، واغتيالات لعناصر البرنامج، واستهداف مخازن ومنشآت حساسة، دون إعلان رسمي.
الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، سواء بقيادة نتنياهو أو غيره، شددت على أن "إيران لن تُسمح لها بامتلاك سلاح نووي"، وأبقت خيار العمل العسكري المنفرد مفتوحاً، حتى دون غطاء أميركي، وفي السنوات الأخيرة، نقلت إسرائيل المواجهة من السر إلى العلن، وبدأت بتنفيذ ضربات بطائرات مسيّرة داخل العمق الإيراني، في رسائل مباشرة إلى طهران والعالم.
دول الخليج: قلق استراتيجي
وتنظر دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، إلى البرنامج النووي الإيراني بريبة شديدة، خاصة في ظل غياب الشفافية، وتزامنه مع مشروع صاروخي متطور ونفوذ إقليمي متصاعد، وقد دفع هذا القلق بالرياض وأبوظبي إلى تطوير برامج نووية سلمية خاصة بهما، وسط دعوات داخل دوائر القرار السعودي إلى امتلاك "خيار ردع متوازن" في حال امتلكت إيران سلاحاً نووياً.
ومع توقيع الاتفاق السعودي-الإيراني برعاية صينية عام 2023، ظهرت مؤشرات على تخفيف حدة المواجهة، لكن الثقة الإقليمية ما تزال هشة، خاصة مع استمرار الضربات الجوية المتبادلة في ساحات أخرى.
استراتيجية إيران لحماية برنامجها من القصف
ومع تصاعد الهجمات الجوية الإسرائيلية داخل العمق الإيراني، وتكرار حوادث "التخريب الغامض" في منشآت نطنز وفوردو، بدأت طهران تعتمد بشكل متسارع على استراتيجية التحصين تحت الأرض، بوصفها خط الدفاع الأخير أمام أي عمل عسكري قد يستهدف بنيتها النووية.
هذا التوجه لا يعد جديداً بالكامل، لكنه أخذ بعداً أكثر اتساعاً وخطورة بعد عام 2020، فقد شرعت إيران في بناء منشآت نووية جديدة داخل أعماق الجبال، باستخدام تقنيات هندسية متطورة، تجعل الوصول إليها عسكرياً بالغ التعقيد، حتى بالنسبة للقنابل الخارقة للتحصينات.
أبرز هذه المواقع الجديدة يقع على بعد بضعة كيلومترات من منشأة نطنز الأصلية، وقد كشفت عنه صور أقمار صناعية في 2023، وتشير التحليلات إلى أن الموقع يتضمن ممرات أنفاق تمتد إلى أعماق تزيد على 100 متر تحت الأرض، مع أنظمة تهوية مدروسة لإبقاء أجهزة الطرد المركزي في درجات حرارة مستقرة.
وتمثل هذه المنشآت المحصنة، تحوّلاً استراتيجياً مزدوجاً: من جهة، هي رد مباشر على الضربات السيبرانية والجوية التي طالت المواقع المكشوفة، ومن جهة أخرى، ترفع من كلفة أي ضربة إسرائيلية أو أميركية محتملة، سواء من الناحية اللوجستية أو السياسية، خصوصاً إذا نتج عنها تسرب إشعاعي أو أضرار بيئية.
لكن هذه الاستراتيجية لا تخلو من مخاطر، فكلما زادت إيران من اعتمادها على المواقع تحت الأرض، كلما ازداد الشك الدولي بأن ما يجري إخفاؤه هو أنشطة لا تخضع للرقابة الدولية، أو ربما اختبارات ذات طابع عسكري.
وفي ظل تراجع التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإزالة بعض كاميرات الرقابة، بات القلق الغربي مشروعاً من أن "البرنامج خرج عن الرادار".
ولم تُخفِ إسرائيل، قلقها من هذه التطورات، ففي تصريحات لمسؤولين أمنيين نُشرت في أوائل 2024، وصف أحد الجنرالات موقع نطنز الجديد بأنه "حصن نووي أسوأ من فوردو"، مؤكداً أن "القنبلة لا تكفي، نحتاج إلى ما بعد القنبلة".
وهكذا، تبدو إيران وقد أعادت هندسة برنامجها النووي تحت الأرض، ليس فقط لحمايته، بل لإعادة تعريف المعادلة بالكامل: من الردع بالتخصيب، إلى الردع بالتحصين.
بين الدبلوماسية المعطلة وشبح المواجهة
ومع وصول البرنامج النووي الإيراني إلى نقطة حرجة – تقنياً واستراتيجياً – لم يعد الجدل الدولي يدور حول "هل تملك إيران القدرة؟" بل حول "متى وكيف ستقرر استخدام هذه القدرة؟"، وبين تعثر المفاوضات، وتكثيف التخصيب، وتصاعد الهجمات العسكرية المتبادلة، تبرز ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل هذا الملف.
1-
العودة إلى طاولة المفاوضات
يبقى هذا السيناريو مفضلاً لدى العواصم الأوروبية والولايات المتحدة وتقوم فكرته على إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، أو التوصل إلى اتفاق بديل مصغّر (Plan B) يجمّد التخصيب عند سقف محدد مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، غير أن نجاح هذا المسار مشروط بتراجع إيران عن خطواتها التصعيدية، وعودة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراقبة المواقع الحساسة، وهو ما ترفضه طهران ما لم تُرفع العقوبات النفطية والمصرفية أولاً، في المقابل، تواجه الإدارة الأميركية ضغوطاً سياسية من الكونغرس والرأي العام الأميركي، تجعل أي "تنازل" لإيران عبئاً انتخابياً.
2-
الانزلاق إلى مواجهة عسكرية محدودة
ومع استمرار الهجمات داخل العمق الإيراني، وتهديدات إسرائيل المتكررة بشن "ضربة استباقية"، تبرز احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية محدودة، تستهدف المنشآت النووية والمواقع العسكرية الإيرانية، إما من جانب إسرائيل منفردة، أو ضمن تنسيق مع الولايات المتحدة.
هذا السيناريو ينطوي على مخاطر هائلة، من بينها رد إيراني واسع عبر جبهات متعددة (لبنان، سوريا، العراق، اليمن)، وإمكانية تحول الضربة إلى حرب إقليمية مفتوحة، لكنه أيضاً يحظى بدعم داخل الدوائر الأمنية الإسرائيلية التي ترى أن "كل يوم تأخير يزيد كلفة المواجهة".
3-
التحول إلى سياسة "الغموض النووي"
السيناريو الثالث والأكثر خطورة يتمثل في أن تصل إيران إلى العتبة النووية ثم تتوقف، دون الإعلان عن امتلاك سلاح، ودون نفي ذلك بشكل واضح، على غرار ما فعلته إسرائيل نفسها في عقود سابقة.
هذه الاستراتيجية تمنح طهران قوة ردع دون كسر رسمي للاتفاقيات الدولية، وتضع خصومها أمام معادلة ردع غير متكافئة، إلا أن تطبيق هذا النموذج يفتح الباب أمام سباق تسلح إقليمي، مع دعوات سعودية متزايدة لتطوير برنامج نووي "رديف"، وربما انهيار كامل لنظام عدم الانتشار النووي في الشرق الأوسط.
كلفة التعامل مع القنبلة الإيرانية
وإذا افترضنا – كما تشير بعض التقديرات الاستخباراتية الغربية – أن إيران تملك المعرفة التقنية والمواد الكافية لتصنيع سلاح نووي، فإن التعامل مع هذا الواقع يضع العالم أمام خيارين شديدي التناقض والخطورة: تفكيك القنبلة أو منع استخدامها عبر ضربة استباقية قد تفضي إلى تفجيرها قسراً.
أولاً: تفكيك السلاح النووي الإيراني – خيار معقّد سياسياً وتقنياً
ويتطلب تفكيك سلاح نووي أولاً اعترافاً رسمياً بامتلاكه، ثم دخول إيران في مسار تفتيش صارم شبيه بما حدث في أوكرانيا وجنوب إفريقيا في التسعينيات، ويتضمن هذا المسار:
1- تقديم إعلان شامل عن عدد القنابل ومواقعها.
2- تسليم المواد الانشطارية (يورانيوم أو بلوتونيوم عالي التخصيب).
3- تفكيك أجهزة التفجير النووي (detonators) والأنظمة الباليستية المرتبطة.
لكن هذا السيناريو يصطدم بعدة عقبات، أبرزها أن إيران لم تعترف حتى الآن بامتلاك سلاح نووي، و"التراجع" قد يُعد هزيمة سياسية أمام خصومها، بالإضافة إلى أن وجود البنية التحتية العسكرية المحصنة يجعل التحقق من التفكيك الكامل أمراً بالغ الصعوبة، كما يتطلب التفاهم مع قوى كبرى متصارعة (أميركا، روسيا، الصين)، وهو ما يبدو مستبعداً حالياً.
ومع ذلك، يبقى التفكيك، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الخيار "الأكثر استقراراً واستدامة"، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية إيرانية غير متوفرة حالياً.
ثانياً: تفجير السلاح – كارثة مخفية خلف كل ضربة
في حال اختارت إسرائيل أو الولايات المتحدة شن ضربة استباقية تستهدف منشأة يُشتبه بأنها تضم سلاحاً نووياً إيرانياً، أو قررت إيران استخدام السلاح فعلياً في لحظة مواجهة وجودية، فإن النتائج قد تكون كارثية.
لأن تفجير قنبلة نووية – سواء اختباري أو حربي – سيؤدي إلى:
1- إطلاق موجة حرارية وتفجيرية قادرة على تدمير مدينة بأكملها.
2- انبعاث إشعاعي طويل الأمد يهدد ملايين السكان.
3- تساقط نووي يلوث التربة والمياه والهواء في محيط آلاف الكيلومترات.
4- انهيار البيئة السياسية والأمنية في الشرق الأوسط، مع انطلاق سباق تسلح نووي لا يمكن ضبطه.
وحتى إن لم يتم تفجير القنبلة عمداً، فإن استهداف منشأة تخزين مواد انشطارية أو ورشة تسليح نووي قد يؤدي إلى "انفجار تقني" أو تسرّب إشعاعي يُشبه تفجيراً قذراً (Dirty Bomb)، يدمج بين الخطر البيئي والرعب السياسي.
وهكذا، فإن كل من مساري التفكيك أو التفجير يحملان صعوبات استثنائية، لكن الفرق بينهما في المحصلة هو أن التفكيك يحتاج شجاعة سياسية، أما التفجير فهو نتيجة لفشل جماعي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وول ستريت جورنال: البنية الأمنية الإيرانية تنهار... ما هي خيارات خامنئي؟
وول ستريت جورنال: البنية الأمنية الإيرانية تنهار... ما هي خيارات خامنئي؟

النهار

timeمنذ ساعة واحدة

  • النهار

وول ستريت جورنال: البنية الأمنية الإيرانية تنهار... ما هي خيارات خامنئي؟

وضع الهجوم الإسرائيلي المدمر على إيران الجمهورية الإسلامية في خطر وجودي، وكشف عن نقاط ضعف عميقة في أجهزة الاستخبارات التي أبقت المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في السلطة لما يقرب من أربعة عقود. أطلقت طهران عشرات الصواريخ الباليستية على تل أبيب يوم الجمعة بعد أن نفذت طائرات حربية إسرائيلية موجات من الغارات في أنحاء إيران الخميس، مستهدفةً منشآتها النووية، ومقتل عدد من كبار قادتها وعلمائها. كانت هجمات إسرائيل بمثابة أخطر ضربة في المواجهة التي اندلعت بين الخصمين اللدودين في 7 تشرين الأول 2023. لم تتمكن إيران حتى الآن من الرد بالمثل. وتم اعتراض معظم الصواريخ التي أطلقتها على تل أبيب أو تسببت في أضرار طفيفة. وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إن خامنئي يواجه خيارات صعبة. فقد أدى الصراع الإيراني العنيف مع إسرائيل إلى إضعاف جيشها. ويخاطر أي رد انتقامي إضافي بعدم كفاية ردع الهجمات المستقبلية، مما يدفع إسرائيل إلى الرد بقوة أكبر. ومن المرجح أن تُواجه أي هجمات على سفن الشحن في البحر الأحمر أو غيرها من المصالح أو الأفراد الأميركيين ردًّا أميركيًا، وهو أمرٌ سعى خامنئي تاريخيًا إلى تجنُّبه. وسيُنظَر إلى الرضوخ للضغوط وإبرام اتفاق نووي مع الولايات المتحدة يُقيِّد بشدة قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم في أعين أنصار خامنئي المتشددين، الذين يعتمد عليهم بشكل متزايد، على أنه استسلامٌ غير مقبول. لعقود، كان خامنئي مهندس التوسع العسكري والسياسي الإيراني في الشرق الأوسط، مستخدمًا الحرس الثوري وشبكته من الميليشيات الشيعية المتحالفة معه. وقد رسخ حكمه في الداخل من خلال بناء ولاء قوي بين مؤيديه، وفرض دولة مراقبة شاملة لقمع من لم يدعموه. وتقول الصحيفة إنه من المرجخ أن يقضي الحاكم الثمانيني، الذي قاد إيران منذ عام 1989، خريف حياته في القتال، ليس من أجل التوسع، بل لإنقاذ الجمهورية الإسلامية التي ساهم في بنائها لتصبح قوة إقليمية عظمى. قال أفشون أوستوفار، الأستاذ المشارك في كلية الدراسات العليا البحرية في مونتيري، كاليفورنيا: "إذا كان صادقًا مع نفسه، فسيعترف بأنه خسر. كل ما عمل من أجله ينهار أمام عينيه. لقد جنحت السفينة التي كان يقودها". تفاخر خامنئي بالقوة العسكرية الإيرانية، لكنها ظلت حتى وقت قريب دون اختبار. تغير ذلك مع هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023. ومنذ ذلك الحين، وأثناء حربها على غزة، قتلت إسرائيل ما يقرب من اثني عشر قائدًا عسكريًا إيرانيًا رفيع المستوى، بمن فيهم، يوم الجمعة، قائد الحرس الثوري، ورئيس أركان القوات المسلحة، والقائد الذي أشرف على برنامج الصواريخ الباليستية. كما شلّت إسرائيل حليفَي إيران الإقليميين الرئيسيين، حماس وحزب الله، بينما أُطيح بحليف آخر هو الرئيس السوري بشار الأسد، في كانون الأول. بعد تعزيز الوجود العسكري في المنطقة، بما في ذلك نشر مقاتلي ميليشيات مدججين بالسلاح على الحدود مع إسرائيل، قلل خامنئي وكبار مستشاريه بشكل كبير من شأن استعداد إسرائيل لمواجهتها بالقوة، وفقًا لحميد رضا عزيزي، الزميل الزائر في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية. حتى مع تصاعد التوترات إلى درجة دفعت الولايات المتحدة إلى سحب دبلوماسييها من العراق في وقت سابق من هذا الأسبوع، يبدو أن كبار قادة المؤسسة الأمنية الإيرانية لم يُوضعوا في منشآت آمنة. وقال عزيزي: "استُهدف معظمهم في منازلهم. هذا يُظهر مستوى من الثقة المفرطة غير مفهوم، حقًا، في وضع كهذا". وترى الصحيفة أن الطريقة التي تمكنت بها إسرائيل من اختراق الاستخبارات الإيرانية واستهداف كبار مسؤوليها على ما يبدو وقتما تشاء تُمثل مشكلة للمرشد الأعلى. أولًا، إنها تجعل خامنئي نفسه عرضة للاستهداف. إذا كان هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "هو في الواقع القضاء على الجزء من البرنامج النووي الذي يُمكن تسليحه، وإسقاط النظام، فإن ذلك سيتطلب جهدًا أكبر بكثير"، كما يقول راسموس كريستيان إيلينغ، الأستاذ المشارك في الدراسات الإيرانية بجامعة كوبنهاغن. وأضاف: "وربما هذا ما سنراه في الأسابيع المقبلة". ثانيًا، يعتمد حكم خامنئي جزئيًا على كونه ضامنًا للأمن القومي. فعلى الرغم من عدم شعبيتها في الداخل، فقد وفرت الجمهورية الإسلامية لعقود أمانًا نسبيًا لمواطنيها من الحروب والهجمات الإرهابية التي عصفت بالدول المجاورة. منذ تولي خامنئي السلطة بعد فترة وجيزة من حرب استمرت ثماني سنوات مع العراق، وهي واحدة من أسوأ الحروب العالمية في القرن الماضي، أبقت إيران القوى المعادية بعيدة عن أراضيها. على مدى العقد الماضي، بينما قتل تنظيم "داعش" عشرات الآلاف في العراق وأفغانستان المجاورتين، نفذت الجماعة المتطرفة أربع هجمات كبرى في إيران أسفرت عن مقتل نحو 150 شخصاً وهو عدد أقل من عدد القتلى خلال نفس الفترة في فرنسا. إن البنية الأمنية المتداعية المحيطة بخامنئي قائمة منذ الأيام الأولى للجمهورية الإسلامية. وتعهد الثوار الذين أطاحوا بالشاه عام 1979 بحماية دولتهم الدينية الجديدة من الانتفاضة التي أشعلوها.ولتحقيق هذه الغاية، أسسوا الحرس الثوري الإسلامي وجهاز استخبارات واسع الانتشار. وقد كشفت إسرائيل عن هشاشة كليهما بشكل متزايد. بين عامي 2010 و2012، اتهمت طهران إسرائيل بقتل أربعة علماء نوويين داخل إيران. وفي عام 2020، قُتل محسن فخري زاده، الذي يُعتبر أبا برنامج الأسلحة النووية الإيراني في التسعينيات والألفينيات، برصاصة رشاشة يتم التحكم فيها عن بُعد في هجوم إسرائيلي جريء يُشتبه في أنه من تنفيذه. منذ 7 أكتوبر 2023، قتلت إسرائيل عددًا من كبار القادة الإيرانيين في سوريا. واغتالت إسرائيل القيادي السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في دار ضيافة بطهران بوضع قنبلة في غرفته. وفي يوم الجمعة، استهدفت عدة قادة إيرانيين بارزين في آنٍ واحد. ووفقًا لمسؤول أمني إسرائيلي، نُفذ جزء من الهجوم على أنظمة الدفاع الجوي وقاذفات الصواريخ باستخدام طائرات مسيرة متفجرة وأسلحة موجهة أخرى، هُرِّبت إلى إيران من قِبل عملاء من جهاز التجسس الإسرائيلي الموساد. ومع ذلك، من غير المرجح أن ينتهز الإيرانيون الفرصة لإثارة انتفاضة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن قادتهم سيبذلون ما يلزم لحماية حكمهم، كما قال أوستوفار. وأضاف: "على الرغم من أن إيران فقدت قدرتها على شن حرب جادة ضد خصومها، إلا أنها لا تزال قادرة على شن حرب جادة ضد مواطنيها...أعتقد أن هذا وقتٌ خطيرٌ للغاية على الشعب الإيراني". إيران في وضع أضعف بكثير خارج حدودها. فقد تم القضاء على أداة الردع التي طالما استخدمتها - ميليشياتها الإقليمية - بشكل كبير. ولم تنجح هجماتها الصاروخية على إسرائيل خلال العام الماضي إلى حد كبير. مع ذلك، سيطالب أنصار خامنئي المتشددون، الذين يعتمد عليهم، بردٍّ حازم على ما يعتبرونه حملةً إسرائيليةً مستمرة، وفقًا لعزيزي. ومن غير المرجح أن يُفضّلوا استئنافًا فوريًا للمفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، والتي كان من المقرر استئنافها في جولة سادسة يوم الأحد. وقال: "الخيار بين مواصلة هذه الحرب، أو الانخراط بكامل القوة، أو الاستسلام. من الواضح بالفعل للمسؤولين داخل النظام أنه بغض النظر عن ردّهم وكيفية ردّهم، ستستمر إسرائيل".

بعد ضربة إسرائيل.. إيران تكشف حالة محطة فوردو النووية
بعد ضربة إسرائيل.. إيران تكشف حالة محطة فوردو النووية

صوت لبنان

timeمنذ ساعة واحدة

  • صوت لبنان

بعد ضربة إسرائيل.. إيران تكشف حالة محطة فوردو النووية

سكاي نيوز عربية قال المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية شبه الرسمية إن طهران أكدت تعرض موقع فوردو النووي لأضرار محدودة عقب هجمات إسرائيل. وأضاف كمالوندي: "هناك أضرار محدودة في بعض المناطق في موقع فوردو لتخصيب اليورانيوم. نقلنا بالفعل جزءا كبيرا من المعدات والمواد، ولم تقع أضرار جسيمة ولا توجد مخاوف إزاء التلوث". وتابع المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية: "لا يوجد قلق من تلوث نووي في محطة فوردو النووية". منشأة نطنز النووية والجمعة، أكد كمالوندي، عن وقوع تلوث داخل منشأة نطنز النووية. وأوضح كمالوندي: "تم رصد التلوث، كيميائيا كان أو إشعاعيا، داخل الموقع فقط، ولا توجد مؤشرات على تلوث خارجي". وأضاف: "لا داعي للقلق بشأن المناطق المحيطة، لكننا بحاجة إلى تنفيذ بعض عمليات التنظيف داخل المنشأة". الضربة الإسرائيلية نفذت إسرائيل موجة جديدة من الضربات على إيران ظهر الجمعة، التي استهدفت في إحداها مفاعل نطنز النووي مجددا، مع حديث عن أضرار لحقت بمنشآت تخصيب تحت الأرض، فيما تقول إيران أن الأضرار سطحية. وأعلنت وسائل إعلام إيرانية، قيام إسرائيل بتنفيذ موجة جديدة من الهجمات على الأراضي الإيرانية، بما في ذلك على موقع نطنز النووي. وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن أنه استهدف أكبر منشأة لتخصيب اليورانيوم في نطنز خلال الهجوم على إيران، وأضاف أن مجمعا تحت الأرض متعدد الطوابق في المنشأة النووية في نطنز قد تعرض لأضرار. ووفقا لهذا البيان، فإن الموقع المستهدف في نطنز كان يعمل منذ سنوات في إطار جهود إيران لامتلاك سلاح نووي.

موجات جديدة من الضربات ومقتل جنرالين إيرانيين... إسرائيل تحذّر: طهران ستحترق!
موجات جديدة من الضربات ومقتل جنرالين إيرانيين... إسرائيل تحذّر: طهران ستحترق!

النهار

timeمنذ ساعة واحدة

  • النهار

موجات جديدة من الضربات ومقتل جنرالين إيرانيين... إسرائيل تحذّر: طهران ستحترق!

تستمر الضربات بين إسرائيل وإيران لليوم الثاني على التوالي، وقد ذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية اليوم السبت أن نائبين لرئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية قتلا في هجمات إسرائيلية، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي شن ضربات على عشرات منصات إطلاق الصواريخ في إيران. وأكّد رئيس هيئة الأركان وقائد سلاح الجو في بيان أن "الطريق إلى إيران أصبح معبّداً"، وأضافا أن القوات "تتحرّك طبقاً لخطط عملياتها والمقاتلات ستستأنف ضرب أهداف في طهران". ولم يتضح توقيت مقتل القائدين، لكن مقتلهما أُعلن اليوم السبت، وهما العميد غلام رضا محرابي مسؤول شؤون الاستخبارات بهيئة الأركان، والعميد مهدي رباني مسؤول العمليات في هيئة الأركان العامة. وقال التلفزيون الإيراني الرسمي اليوم إن نحو 60 شخصا بينهم 20 طفلا قتلوا في هجوم إسرائيلي على مجمع سكني في العاصمة طهران. وأفادت محافظة همدان بسقوط قتيل و5 جرحى في هجوم إسرائيلي. وذكرت مواقع إخبارية إيرانية أن شخصين قتلا في هجوم إسرائيلي على موقع للصواريخ في مدينة أسدآباد بغرب البلاد. وأدت الهجمات الإسرائيلية على إيران منذ أمس الجمعة إلى مقتل ما لا يقل عن 78، بينهم مسؤولون عسكريون كبار، فيما تعد أكبر هجمات إسرائيلية على الإطلاق على إيران. وأطلقت إسرائيل موجة جديدة من الغارات تستهدف مصافي تكرير النفط في تبريز بمحافظة أذربيجان. موجة جديدة من الغارات الاسرائيلية تستهدف مصافي تكرير النفط في تبريز بمحافظة اذربيجان في ايران — Annahar النهار (@Annahar) June 14, 2025 وأفادت وكالتا "فارس" و"مهر" الإيرانيتان أن إسرائيل نفّذت ضربات جديدة السبت على مدن تضم دفاعات وقواعد عسكرية في غرب وشمال غرب إيران. وأوردت الوكالتان أن الضربات استهدفت مدينة تبريز (شمال غرب) ومناطق في محافظات لورستان وهمدان وكرمنشاه. من جهة ثانية، قال بهروز كمالوندي المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية لوكالة أنباء "الطلبة" الإيرانية شبه الرسمية إن طهران أكدت تعرض موقع فوردو النووي لأضرار محدودة عقب هجمات إسرائيل. وأضاف كمالوندي: "هناك أضرار محدودة في بعض المناطق في موقع فوردو لتخصيب اليورانيوم... نقلنا بالفعل جزءا كبيرا من المعدات والمواد، ولم تقع أضرار جسيمة ولا توجد مخاوف إزاء التلوث". في المقابل، حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي من أن طهران ستحترق إذا استمرت في إطلاق الصواريخ على المدنيين الإسرائيليين. وقال في بيان "يأخذ الديكتاتور الإيراني مواطني إيران رهائن، ما يُجبرهم وخاصة سكان طهران على دفع ثمن باهظ جراء الأذى الفادح الذي يلحق بمواطني إسرائيل. إذا استمر خامنئي في إطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، فستحترق طهران". وأعلن الجيش الإسرائيلي السبت شن ضربات على عشرات منصات إطلاق الصواريخ في إيران، بعدما أعلن استهداف منظومات الدفاع الجوي في منطقة طهران بسلسلة من الضربات خلال الليل. وقال الجيش في بيان إن قواته الجوية "تواصل ضرب عشرات منصات إطلاق الصواريخ أرض أرض في إيران". وذكر أن 7 جنود أصيبوا بجروح في الضربات الصاروخية الإيرانية الليلية. وأوضح مسؤول عسكري إسرائيلي لـ"رويترز" أن موقعي أصفهان ونطنز النوويين الإيرانيين تضرّرا بشكل كبير جراء الغارات الإسرائيلية على المنشأتين. وأضاف المسؤول أن إيران ستستغرق أكثر من بضعة أسابيع لإصلاح الأضرار في الموقعين. وأشار إلى أن إسرائيل هاجمت أكثر من 150 هدفاً في إيران بمئات المقذوفات. "حتى إشعار آخر" وأعلنت هيئة الطيران المدني الإيرانية السبت إغلاق أجواء إيران "حتى إشعار آخر"، على ما ذكرت وكالة "إرنا" الرسمية السبت. وقالت وكالة "ارنا": "لن يتم تسيير أي رحلات جوية في أي من مطارات البلاد حفاظا على سلامة الركاب... حتى إشعار آخر". بدورها، أعلنت متحدّثة باسم مطار بن غوريون، المطار الدولي الرئيسي في إسرائيل الواقع قرب تل أبيب، السبت إغلاقه حتى إشعار آخر. وقالت المتحدّثة ليزا دايفر لوكالة "فرانس برس" "لا يوجد تاريخ أو يوم محدد لإعادة فتح المطار". "الحرب ستتوسع" الى ذلك، قال مصدر عسكري إيراني لوكالة أنباء "فارس" إن الحرب ستتوسع خلال الأيام القادمة. وأضاف: "الحرب ستتوسع في الأيام القادمة لتشمل كل المناطق المحتلة والقواعد الأميركية بالمنطقة". وأفاد: "المعتدون سيكونون هدفا لردنا الحاسم والواسع النطاق... القيادات العسكرية تؤكد أن المواجهة لن تقتصر على التحركات المحدودة التي نفذت الليلة الماضية". وتابع: "الضربات الإيرانية ستتواصل وستكون مؤلمة للغاية للمعتدين وستجعلهم يندمون".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store