الترويكا الأوروبية وإيران.. مفاوضات على وقع طبول التصعيد
وفي الخلفية، يلوح شبح إعادة تفعيل آلية "سناب باك"، التي قد تعيد إيران إلى دائرة العقوبات الدولية الكاملة، مما ينذر بتداعيات خطيرة على المستويين الإقليمي والدولي.
تصعيد إيراني قبل التفاوض.. تكتيك أم استراتيجية؟
طهران أعلنت عن "اتفاق مبدئي" لاستئناف المحادثات النووية مع الترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا)، لكن هذا الانفتاح الدبلوماسي لم يمنع إيران من رفع سقف تهديداتها.
تصريحات وزير الخارجية عباس عراقجي بأن "الأوروبيين لا يملكون أي أساس أخلاقي أو قانوني لتفعيل آلية سناب باك"، ترافقت مع تلويح علني بإجراءات تصعيدية غير مسبوقة، أبرزها زيادة التخصيب والانسحاب من المعاهدة النووية، بل وتصنيع أجهزة طرد مركزي متقدمة وتصديرها.
هذا التناقض بين التصعيد السياسي والاستعداد التفاوضي يعكس نمطا إيرانيا متكررا: التلويح بالخطر لكسب الوقت أو تحسين شروط التفاوض، فهل تنجح هذه الاستراتيجية مجددا؟
أوروبا على حافة الخطر الصاروخي
رسم الكاتب والباحث السياسي هلال العبيدي، في مداخلته ضمن برنامج "التاسعة" على "سكاي نيوز عربية"، مشهدا أكثر قتامة لموقف أوروبا، مؤكدا أن "دول شرق أوروبا تقع في مرمى الصواريخ الباليستية الإيرانية"، وهو ما يجعل الملف النووي قضية أمن قومي أوروبي من الدرجة الأولى.
وأشار العبيدي إلى أن التهديد لا يقف عند تخصيب اليورانيوم ، بل يمتد إلى "برامج صاروخية متقدمة تعمل بالوقود الصلب والسائل بمدى يصل إلى 6000 كيلومتر، وقادرة على حمل رؤوس نووية بوزن 1800 كيلوغرام"، مما يجعل التهديد الوجودي حقيقيا لا نظريا.
وأضاف العبيدي: "بكلمات واضحة، أوروبا لا تملك ترف الانتظار أو المجاملة، والرهان على تهدئة طهران بات أقرب للمقامرة، خصوصا مع اقتراب انتهاء صلاحية العقوبات الدولية في أكتوبر، مما يعطي إيران هامش تحرك خطير إذا لم تُفعّل آلية سناب باك".
الترويكا الأوروبية: بين الرغبة في الحل والخشية من التصعيد
رغم الخلافات التاريخية بين أوروبا والولايات المتحدة حول كيفية إدارة الملف الإيراني، كما أشار العبيدي، فإن هناك اليوم توافقا مبدئيا بين الطرفين حول ضرورة التصدي لبرنامج طهران النووي، ويبدو أن الترويكا الأوروبية تتحرك وفق مبدأ "ردع الخطر الإيراني" لا احتوائه فقط.
فأوروبا، كما يشرح العبيدي، لا تخشى فقط القنبلة النووية بحد ذاتها، بل أيضا "طموحات طهران بتخصيب اليورانيوم إلى نسب عالية"، وهو ما يتجاوز بنود اتفاق 2015 بمراحل.
ولهذا تسعى القوى الأوروبية للوصول إلى تفاهم "عالي المستوى" مع إيران يضمن وقف التخصيب وتجميد التطوير النووي، لا مجرد العودة الشكلية للاتفاق.
لكن هذه الجهود تقابلها عراقيل سياسية داخل إيران، واشتراطات واضحة من عراقجي، الذي أكد أن "أي جولة تفاوض جديدة يجب أن تكون قائمة على مبدأ الاتفاق العادل والمتوازن"، متهما واشنطن بأنها من غادرت طاولة المفاوضات، بينما اختارت طهران الحل الدبلوماسي.
الوقت ينفد.. والموعد الحاسم في أغسطس
تحذر لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني من أن الضغوط الأوروبية قد تدفع طهران نحو قرارات قاسية، تتجاوز التهديد إلى الفعل، وهو ما أكد عليه العبيدي بقوله: "إذا لم تصل الترويكا الأوروبية مع إيران إلى اتفاق بحلول نهاية أغسطس، فنحن مقبلون على تفعيل آلية سناب باك، وهذا يعني نهاية الاتفاق النووي والعودة إلى العقوبات الشاملة".
وتشمل هذه العقوبات حظر توريد الأسلحة ، تجميد الأرصدة، منع السفر، وقيود صارمة على المواد ذات الاستخدام المزدوج، وهي إجراءات ستكون كارثية على الاقتصاد الإيراني المتعثر، وقد تدفعه إلى حافة الانهيار.
لكن الأخطر، كما يرى العبيدي، هو رد الفعل الإيراني المحتمل، والذي قد يكون عسكريا أو نوويا أو دبلوماسيا صادما، خصوصا مع الغموض الذي يحيط بمصير مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة داخل إيران.
سلّط العبيدي خلال مداخلته الضوء على الدور الروسي، معتبرا أن موسكو تستخدم الملف الإيراني كورقة ضغط في مفاوضاتها المتعلقة بالحرب في أوكرانيا.
ورغم التحالف الاستراتيجي المعلن بين إيران وروسيا، فإن الكرملين "حافظ على مسافة" حين اشتعلت الحرب بين إيران وإسرائيل مؤخرا، مما يدل على براغماتية روسية تتجاوز الشعارات.
ويعتقد العبيدي أن الروس يفاوضون الأميركيين والأوروبيين "خلف الأبواب المغلقة" بشأن إيران، بما يخدم مصالحهم في ملفات أخرى.
وهذا يعني وفق العبيدي أن إيران قد تجد نفسها معزولة حتى من شركائها المفترضين، إذا ما مضت في التصعيد ورفضت التفاهم.
خيارات إيران.. والتصعيد المحسوب
مع اقتراب المهلة الأوروبية من نهايتها، تجد إيران نفسها أمام مفترق طرق حرج:
- الخيار الأول: التوصل إلى تفاهم مع الترويكا الأوروبية يضمن وقف التخصيب عند مستويات منخفضة مقابل تجميد العقوبات، وربما تقديم حوافز اقتصادية.
- الخيار الثاني: التصعيد عبر تخصيب بنسبة تفوق 60 في المئة أو الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار، ما سيؤدي حتما إلى تفعيل "سناب باك" ودخول مرحلة جديدة من العقوبات والعزلة وربما المواجهة.
ويرى العبيدي أن "الكرة الآن في ملعب إيران"، وإذا لم تُحسن طهران إدارة الملف، فـ"التصعيد قادم في نهاية أغسطس"، محذرا من أن أي رد فعل عسكري أو نووي قد يفتح الباب لتحالف دولي جديد ضد إيران، يقوده الغرب بدعم إقليمي، وربما بمشاركة إسرائيل.
مفاوضات الفرصة الأخيرة
في ظل الجمود مع واشنطن، تراهن طهران على كسب الوقت عبر المحادثات مع الأوروبيين، لكن التهديدات التي تطلقها لا تعزز موقفها بقدر ما تُسرّع خطوات الرد المقابل.
أوروبا لم تعد تقبل بسياسة "حافة الهاوية"، والولايات المتحدة تراقب عن كثب، فيما روسيا والصين تحافظان على مواقف مرنة تخدم مصالحهما الخاصة.
الموعد الحاسم في أغسطس قد يكون فرصة أخيرة للدبلوماسية قبل أن تتدحرج كرة النار، وما ستقرره طهران في الأسابيع المقبلة سيحدد مستقبل الاتفاق النووي، وربما شكل النظام الإقليمي بأسره في مرحلة ما بعد 2025.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 4 ساعات
- صحيفة الخليج
عمار بن حميد يرحب بسفير تركيا ويتمنى له التوفيق
استقبل سمو الشيخ عمار بن حميد النعيمي، ولي عهد عجمان، رئيس المجلس التنفيذي، أمس بالديوان الأميري، لطف الله غوكتاش، سفير الجمهورية التركية لدى الدولة، الذي قدم للسلام على سموه، بمناسبة تسلمه مهام عمله الجديد. ورحب سمو الشيخ عمار بن حميد النعيمي، بالسفير التركي، متمنياً له التوفيق في مهامه الجديدة، بما يسهم في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، وسبل تطويرها لما فيه مصلحة الشعبين الصديقين. من جانبه، أعرب لطف الله غوكتاش عن سعادته بلقاء سمو ولي عهد عجمان، متوجهاً بالشكر لسموه على حسن الاستقبال وكرم الضيافة، مشيداً بما تشهده دولة الإمارات عموماً، وإمارة عجمان خصوصاً، من نهضة وازدهار على مختلف الصعد. حضر اللقاء الدكتور مروان المهيري مدير عام الديوان الأميري بعجمان، ويوسف محمد النعيمي مدير عام دائرة التشريفات والضيافة.


سكاي نيوز عربية
منذ 8 ساعات
- سكاي نيوز عربية
عاد لواجهة القرار الأمني في إيران.. من هو علي لاريجاني؟
من هو علي لاريجاني؟ ويمثّل هذا التعيين عودة لاريجاني إلى المنصب الذي تولّاه سابقا بين عامي 2005 و2007، عندما قاد مفاوضات طهران النووية مع القوى الغربية، قبل أن يستقيل بسبب تباينات في الرؤى داخل أروقة السلطة. ورغم ترشّحه ثلاث مرات للانتخابات الرئاسية في إيران ، كان آخرها في الانتخابات المبكرة لعام 2024 بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي، إلا أن مجلس صيانة الدستور استبعده في كل من عامي 2021 و2024، ما اعتُبر مؤشرا على تراجع نفوذ التيار المحافظ المعتدل داخل المؤسسة الحاكمة، وتصاعد هيمنة الجناح المتشدد. ويُعد لاريجاني من السياسيين البارزين في إيران، حيث تولّى مناصب حساسة أبرزها رئاسة البرلمان، ووزارة الثقافة والإرشاد، وهيئة الإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى تمثيله المباشر للمرشد الأعلى في بعض المحطات. كما ينتمي إلى عائلة نافذة دينيا وسياسيا، من أبرز رموزها شقيقه صادق لاريجاني الذي شغل رئاسة السلطة القضائية. ويُنظر إلى المجلس الأعلى للأمن القومي باعتباره أحد أهم مؤسسات صنع القرار في إيران، لا سيما في القضايا الاستراتيجية كالأمن الإقليمي والبرنامج النووي، وتخضع قراراته لموافقة المرشد الأعلى قبل تنفيذها. ويأتي هذا التعيين في توقيت بالغ الحساسية، في ظل احتدام التوتر مع إسرائيل والولايات المتحدة، ويُعتقد أن إعادة لاريجاني إلى هذا الموقع يُعبّر عن توجه النظام للاستفادة من خبرته الطويلة وعلاقاته الواسعة داخل هياكل الدولة لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة.


صحيفة الخليج
منذ 9 ساعات
- صحيفة الخليج
محمد بن راشد: الإمارات رسّخت نهضتها التنموية بفضل طموحات لا تعرف حدوداً
التقى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، جمعاً من أعيان البلاد وعدداً من الشيوخ ورجال الأعمال والتجار والمستثمرين والوزراء وكبار مسؤولي الجهات والدوائر الحكومية وشبه الحكومية، إلى جانب عدد من القيادات التنفيذية في مؤسسات القطاع الخاص، وذلك في مجلس «المضيف» بدار الاتحاد في دبي. وقال سموه: «الإمارات رسّخت نهضتها التنموية بفضل طموحات لا تعرف حدوداً، ومنهج دولة يضع التقدم والريادة هدفاً لا حياد عنه، وتضع الإنسان في قلب التنمية وتعتبر الشراكة مع العقول المبدعة والاستثمارات الجادة الطريق الأسرع نحو المستقبل».