logo
لماذا الحُكم الإمامي في اليمن يُعتبَر بيئة خصبة لانتشار الفساد والجرائم؟

لماذا الحُكم الإمامي في اليمن يُعتبَر بيئة خصبة لانتشار الفساد والجرائم؟

خبر للأنباءمنذ 2 أيام
إضافة لقيام الحوثيين باحتواء الانتهازيين والمجرمين واللصوص وقُطَّاع الطُرُق والمُهرِّبين لزيادة سوادهم وتسريع عملية إخضاع الناس، فقد ساندهم كثير مِمَّن ينتمون إلى السلالة التي قَدِمَت إلى اليمن قديمًا وادَّعت بأنَّها الأحقُّ بحُكم اليمنيين، سواء كانت هذه الأسَر تسكن في الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب، زيدية أو شافعية أو صوفية أو لادينية.
الحكم الإمامي قائم على سلالة ترى بأنها مُميَّزة بناء على نظرية دينية خاصة بها (الولاية)، وبناء على ذلك فان على اليمنيين أن يُقدِّسوها، ولن ينالوا رضا الله عَزَّ وجَلَّ إلَّا إذا أحبُّوا أفراد هذه السلالة وأطاعوها وفضَّلوها على كُلِّ شيء حولهم. فالسلطة لها بشكل مُطلق، ولها خمس ثروات اليمنيين ومداخيلهم، كما على اليمنيين أن يتبرَّكوا بها ويُميِّزوها في المجالس واللقاءات، ولا يُسْمَح لمَن لا ينتمي إليها بالزواج منها.
يختلف الحكم الإمامي عن النظام الملكي. ذلك لأنَّ الأوَّل حكم ثيوقراطي كهنوتي يستعبد اليمنيين باسم الدين وأكذوبة الحق الإلهي أوَّلًا. ثانيًا لأنَّ الإمامة قائمة على حُكم السلالة العرقية وليس الأسرة. في دول مختلفة، تحكم أسَر ملكية مُعَيَّنة وأعداد مَن ينتمون إليها قليل جدًّا ضِمْن نظام ملكي يُعطي مناصب محدودة للغاية لمَن ينتسب للأسرة المالكة، فيما عدا ذلك يشترك كافة أفراد المجتمع ومُكوِّناته في إدارة وتسيير مؤسسات البلاد. لكن الإمامة في اليمن يعني حُكم الأقلية السلالية بالمُطلق.
بناءً على نظرية البطنين الإمامية في اليمن، فإنَّ كُلَّ فرد من أفراد هذه السلالة هو ملك وحاكم ورئيس وقائد ومدير وصاحب المال والجاه والسلطة في المكان الذي يتواجد فيه وفق معتقدها الديني العنصري. وإذا كان عدد هذه السلالة 200 ألف شخص مثلًا، فكُلُّ فرد منهم يعتبر ملكًا على المنطقة التي يعيش فيها أو المؤسسة التي يعمل بها على أساس إقصاء بقية اليمنيين ليبقوا مجرد تابعين بلا حيلة أو أي تأثير.
ولتبسيط المسألة أكثر.. قبل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، كانت هذه السلالة مثلها مثل بقية اليمنيين متواجدة في كُلِّ مؤسسات الدولة. وزراء ووكلاء ومديري إدارات وقيادات عسكرية وصحفيين وتجار ورجال أعمال وأطباء وقيادات حزبية. لم تتعرض للإقصاء، بل رُبَّما كانت أوفر حظًّا في الحصول على المناصب بسبب التعليم العالي الذي حصلت عليه في المراحل السابقة. لكن وبمجرد ما سيطرت على صنعاء عسكريا، قامت بتسريح مَن لا ينتمي لسلالتها من المناصب المدنية والعسكرية العُليا والمتوسطة، وعملت على استهداف مُمنهَج لرجال الأعمال وإنشاء قطاع خاص بها كما أشرنا في الأبواب السابقة، بل استهدفت المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني المحلية التي لا ينتمي أصحابها إلى نفس السلالة في واحدة من أبشع صور الفصل العنصري في الوقت الحاضر.
فمنصب الرئيس والوزير والوكيل والمدير العام ورئيس القسم وقادة الجيش والألوية والكتائب والسرايا وكل المناصب القيادية العسكرية والمدنية والتجارية والثقافية يجب أن تكون أوَّلًا للسلالة، ومَن جاء من خارجها تربطه علاقة مصاهرة أو ولاء مُطلق ليستخدم كغطاء لتمكينها لا أكثر.
تجد مَن ينتمون للسلالة ويسكنون في عواصم المدن أو في جبال المحويت الشاهقة، أو وديان تهامة أو هضاب إب أو تعز أو أقصى الجوف النائية هُم أصحاب المكانة والجاه والسُلطة والأموال والأراضي والمناصب والتجارة، ويتحكمون بكُلِّ صغيرة وكبيرة، مقابل أغلبية اليمنيين الذين ليس لهُم حول ولا قوة، ويعيشون على فتات ما يُرْمَى لهُم، وهذا الأمر لا يمكن أن تراه في أيَّة دولة ملكية. فعدد الأسرة الحاكمة في الدول الملكية قليل جدًّا، وتُعطَى لهُم مهام ووظائف محدودة جدًّا، وتترك باقي مناصب الدولة لبقية مكونات الشعب.
ولأنَّ السُلطة الممنوحة لهذه السلالة تُعتبَر إلهية ومستمدة من الدين بحسب اعتقاد الحوثيين، فإنَّ أتباع هذه الجماعة لا يخضعون لأيَّة عملية رقابية، ولا يقبلون مبدأ الشفافية، ولا يُسْمَح بمحاسبتهم، بالرغم من حديثها المُتكرِّر عن مكافحة الفساد والرقابة والمُحاسَبة. ومَن ينتقدها يُعتبَر عميلًا ومُرتزِقًا وخائنًا وطابورًا خامسًا. وبسبب إضفاء هالة من القداسة على بعض الأشخاص ممن بيدهم مقاليد الأمور، تصبح عملية مكافحة فسادهم كفرا وضلالا بل ومواجهة مع الله تعالى و«ارتهان للشيطان» في نظر أتباعهم.
هذا الواقع الذي يتكرَّر منذ أن جاء يحيى الرَسِّي مع جيش الطبريين إلى اليمن حتى اليوم، وكان من أهم الأسباب التي أدَّت إلى عدم استقرار الفترات التي حكم فيها الأئمة بطبيعة الحال. رُبَّما يتحمّل المواطن فساد النخبة السياسية والحكومات إلى حين، لكنَّهُ لا يستطيع التعايش مع فساد ولصوصية عِرْقية بأكملها تستمر إلى ما لا نهاية تحت تهديد السلاح واستغلال الدين. فالموظف الحكومي يشاهد بأنَّ الوزراء والوكلاء ومديري العموم ورؤساء الأقسام والوحدات ينتمون لسلالة واحدة.. والجندي يشاهد الوزير والرتب العسكرية والاستخباراتية والأمنية والمواقع القيادية الكبيرة والصغيرة كُلّها تذهب لصالح أفراد من ذات السلالة.. والمواطن في الحي والقرية يشاهد عاقل الحي وشيخ الحارة والأمين الشرعي ومدير قسم الشرطة والمباحث والمسؤول عن توزيع سلعة غاز الطهي وفواتير الكهرباء ينتمون لنفس السلالة أو المقربين منها. والتاجر ورجل الأعمال الذي يشاهد الاستهداف المُمنهَج لهُم من قبل هذه الجماعة لدفعهم للإفلاس أو مغادرة اليمن أو الدخول معهم في شراكة غير عادلة، وفي المقابل مُنِحَ التجار ورجال الأعمال الذين ينتمون للسلالة كُلَّ الامتيازات والتسهيلات والدعم والقروض من أجل تنمية أنشطتهم التجارية المتناسلة. كذلك الحقوقي والإعلامي يشاهد هذه السُلطة السلالية وهي تغلق منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام التي يرأسها يمنيون لا ينتمون لها، ويُنشئون منظمات ووسائل إعلام خاصة بهم.
تاريخيًّا، كانت هذه الممارسات العنصرية وعمليات السطو على مُقدَّرات اليمنيين أحد أسباب الغضب الشعبي المُتكرِّر والذي كان يتحوَّل إلى ثورات مُستمِرَّة ضد الحكم الإمامي، ولهذا لم يستقر اليمن منذ فترة طويلة. وقد أشارت المؤرخة الروسية إيلينا جولوبوفسكايا لهذه المسألة باقتضاب شديد في سياق حديثها عن دوافع الشعب اليمني لإنجاز ثورة 26 سبتمبر 1962م، ضد نظام الحكم الإمامي العنصري بقولها: «وكان أحد الأسباب التي أدَّت إلى الثورة في البلاد، تطلُّع طبقات المجتمع اليمني المختلفة إلى اجتثاث سُلطة الأئمة الأوتوقراطية الإقطاعية، وطغمة السادة التي عاقت تطوُّر الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والتي أبقت البلاد في مستوى البلدان الأكثر تخلُّفًا، والدول العتيقة في العالم».
ما سبق بعض الأسباب التي تجعل استقرار سيطرة الحكم السلالي مسألة صعبة للغاية.. لأن الاستقرار مرتبط بالحفاظ على كرامة اليمني وليس توفير الرغيف وحسب.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تسليم الأسلحة أصبح واجبا
تسليم الأسلحة أصبح واجبا

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 37 دقائق

  • إيطاليا تلغراف

تسليم الأسلحة أصبح واجبا

إيطاليا تلغراف الدكتور أحمد الريسوني الجيوش العربية تعدادها بالملايين، وأسلحتها لا تعد ولا تحصى. ومن حين لآخر تقوم الدول العربية، رغما عنها، بشراء أسلحة جديدة، تراكمها فوق الأسلحة القديمة.. وترتبط الدول العربية بمعاهدة للدفاع المشترك، تم توقيها في 2 رمضان سنة 1369هـ الموافق 17 يونيو سنة 1950م، وتم تأكيدها وتتميمها في عدة قمم عربية.. وتنص المادة 3 من هذه المعاهدة على 'أن تتشاور الدولُ المتعاقدة فيما بينها بناءً على طلب إحداها كلمَّا هددت سلامةَ أراضي أية واحدة منها أو استقلالها أو أمنها، وفي حالة خطر حرب داهم أو قيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها تبادر الدولُ المتعاقِدةُ على الفور إلى توحيدِ خطَطِها ومساعيها في اتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية التي يقتضيها الموقف'. وفي المادة 4: 'رغبةً في تنفيذ الالتزامات السالفة الذكر على أكمل وجهٍ تتعاون الدول المتعاقدة فيما بينها لدعمِ مقوِّماتها العسكرية وتعزيزها وتشترك بحسَبِ مواردها وحاجاتها في تهيئة وسائلها الدفاعية الخاصة والجماعية؛ لمقاومة أي اعتداء مسلح' وفي مارس 2015، وافقت القمة العربية المنعقدة بمصر على 'إنشاء قوة عربية مشتركة لصيانة الأمن القومي العربي التزاماً بميثاق الجامعة العربية، والوثائق العربية ذات الصلة، بما فيها معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة'. وكشأن سائر قرارات الجامعة العربية، فإن معاهدة الدفاع العربي المشرك ظلت حبرا على ورق، وجعجعة بلا طحين.. والصحيح أنها ولدت ميتة. وقد تعرضت عدة دول عربية، فضلا عن فلسطين، لاعتداءات عسكرية متعددة، لم تحرك شعرة واحدة في معاهدة الدفاع العربي المشترك.. بل وصل الانحدار والتردي والتبعية، إلى حد دخول دول عربية في تعاون وتحالف عسكري وأمني مع العدو الصهيوني..! ومؤخرا رأينا ما رأينا من العربدة العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان وسوريا.. وما زلنا نعيش أطوار حرب الإبادة الوحشية، ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. فأين هي الجيوش العربية؟ وأين هي أسلحتها المتراكمة؟ وأين معاهدة الدفاع المشترك؟ وأي فائدة أو مردودية للأموال العربية الخيالية، التي تنفق وتهدر على الجيوش وأسلحتها، بينما الشعوب في أمس الحاجة لتلك الأموال؟ والأدهى والأمرُّ الآن هو أن تنضم دول عربية إلى إسرائيل وأمريكا، في مطالبة المقاومة الفلسطينية واللبنانية بتسليم أسلحتها، مع المشاركة بالفعل في تنفيذ هذه الجريمة الخيانية التاريخية. وعليه، فقد آن الأوان لتسليم الأسلحة.. تسليم الأسلحة العاطلة والباطلة، إلى السادة المقاومين والمجاهدين، المدافعين عن الأوطان والمقدسات والحقوق المسلوبة.. أتذكر هنا الشعار الإسلامي الذي نادى به العلامة علال الفاسي رحمه الله، وهو: (الأرض لمن يحرثها)، أتذكره وأقول: (الأسلحة لمن يستحقها، والأسلحة لمن يستعملها في محلها). فالشعوب تنفق على الأسلحة للدفاع عن نفسها؛ عن حوزتها وأرضها وحقوقها وكرامتها، فهي أسلحة مملوكة للشعوب.. فيجب على الحكام استعمالها حيث تريد الشعوب، وإلا وجب عليهم تسليمها إلى مستحقيها المجاهدين. فهذا هو (تسليم الأسلحة)، الشرعي الوحيد. وهو (تسليم الأسلحة) الذي يأمر به الله عز وجل، وليس نزع الأسلحة وتسليم الأسلحة، الذي يأمر به الأعداء. وقد أوصى الله تعالى المجاهدين بقوله: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 102]. إيطاليا تلغراف الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف

رئيس الجمهورية يعزي في وفاة ضحايا سقوط حافلة لنقل المسافرين في واد الحراش بالجزائر العاصمة
رئيس الجمهورية يعزي في وفاة ضحايا سقوط حافلة لنقل المسافرين في واد الحراش بالجزائر العاصمة

الجمهورية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجمهورية

رئيس الجمهورية يعزي في وفاة ضحايا سقوط حافلة لنقل المسافرين في واد الحراش بالجزائر العاصمة

تقدم رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون , بأخلص التعازي وأصدق المواساة إلى عائلات ضحايا حادث انحراف حافلة لنقل المسافرين وسقـوطها من الجسر في مجرى واد الحراش بالجزائر العاصمة مساء اليوم الجمعة. وقال رئيس الجمهورية في نص التعزية: " بكل حزن وأسى أترحم على أرواح المواطنين الذين وافتهم المنية إثر الحادث الأليم الذي تسبب فيه سقوط حافلة نقل بواد الحراش. وبهذا المصاب الجلل الذي تأثرنا به جميعا, أتقدم بتعازي الخالصة و صادق المواساة لأسر الضحايا و أدعو الله القدير أن يغفر لموتانا وان يسكنهم فسيح الجنان وأن يلهم ذويهم جميل الصبر والسلوان و الشفاء العاجل للجرحى إن شاء الله. إنا لله وإنا إليه راجعون".

رئيس الجمهورية يعزي في وفاة ضحايا سقوط حافلة لنقل المسافرين في واد الحراش بالجزائر العاصمة – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري
رئيس الجمهورية يعزي في وفاة ضحايا سقوط حافلة لنقل المسافرين في واد الحراش بالجزائر العاصمة – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري

التلفزيون الجزائري

timeمنذ 2 ساعات

  • التلفزيون الجزائري

رئيس الجمهورية يعزي في وفاة ضحايا سقوط حافلة لنقل المسافرين في واد الحراش بالجزائر العاصمة – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري

تقدم رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون , بأخلص التعازي وأصدق المواساة إلى عائلات ضحايا حادث انحراف حافلة لنقل المسافرين وسقـوطها من الجسر في مجرى واد الحراش بالجزائر العاصمة مساء اليوم الجمعة. وقال رئيس الجمهورية في نص التعزية: ' بكل حزن وأسى أترحم على أرواح المواطنين الذين وافتهم المنية إثر الحادث الأليم الذي تسبب فيه سقوط حافلة نقل بواد الحراش. وبهذا المصاب الجلل الذي تأثرنا به جميعا, أتقدم بتعازي الخالصة و صادق المواساة لأسر الضحايا و أدعو الله القدير أن يغفر لموتانا وان يسكنهم فسيح الجنان وأن يلهم ذويهم جميل الصبر والسلوان و الشفاء العاجل للجرحى إن شاء الله. إنا لله وإنا إليه راجعون'.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store