logo
هل تحولت قوة إسرائيل الغاشمة عبئا دبلوماسيا عليها؟

هل تحولت قوة إسرائيل الغاشمة عبئا دبلوماسيا عليها؟

الجزيرةمنذ 3 أيام
منذ عام 2007، تحوّل الحصار الإسرائيلي الممتد على غزة من إجراء أمني إلى أداة عقاب جماعي وشكل من أشكال السيطرة الكاملة على السكان، واعتمدت إسرائيل على سياسة ممنهجة لعزل قطاع غزة اقتصاديًّا وإنسانيًّا.
واعتبرت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش الحصار عقابًا جماعيًّا ينتهك القانون الدولي الإنساني.
ولم يكن هذا الحصار مؤقتًا، بل إستراتيجية طويلة الأمد هدفها كسر إرادة المقاومة وتفكيك الجبهة الداخلية.
وكما ورد في تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا، 2024) "أدى الحصار إلى انهيار البنى الأساسية في القطاع، بما في ذلك القطاع الصحي والمياه والكهرباء، مما تسبب بأزمة إنسانية مزمنة".
ومنذ اندلاع حرب غزة 2023-2025، انقلب المشهد الإستراتيجي رأسًا على عقب، فإسرائيل التي اعتادت لعب دور المحاصِر، باتت تواجه موجات غير مسبوقة من العزلة السياسية والدبلوماسية، كما سيبينه هذا التقرير.
تطور أدوات الحصار الإسرائيلي
تحوّل "الاحتواء" من مفهوم أمني إلى ممارسة سياسية شاملة، تستند إلى سيطرة على تدفق السلع والوقود والدواء، وفرض قيود على الحركة حتى في الحالات الطارئة.
وتشير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) إلى أن كلفة الحصار على الاقتصاد الفلسطيني تجاوزت 16 مليار دولار منذ عام 2007، مما يعكس بوضوح أن الهدف لم يكن الردع فقط، بل الخنق المنهجي والهيمنة الشاملة على الحياة اليومية.
لم يقتصر الحصار الإسرائيلي على الإجراءات العسكرية والقيود الجغرافية، بل تطوّر ليشمل أدوات تكنولوجية متقدمة، أبرزها الرقابة الرقمية والتجسس السيبراني، ونتيجة لذلك بات الحصار يشمل التحكم في المعابر الرقمية والمالية، بل حتى في المحتوى الإلكتروني.
فقد أشار تقرير " أمنستي إنترناشيونال" (2023) إلى أن إسرائيل استخدمت أنظمة مراقبة متطورة لتتبع تحركات السكان الفلسطينيين، بما في ذلك استخدام برامج تجسس مثل "بيغاسوس" لتعقّب الناشطين والصحفيين.
تحوّل الحصار الإسرائيلي أيضا إلى شكل مركّب يتجاوز إغلاق المعابر وتجفيف الموارد، فإسرائيل تخوض معركة على الرواية، تسعى فيها لتطويق السردية الفلسطينية داخل الحدود الجغرافية والرقمية، معتمدةً على أدوات إعلامية وسيبرانية وحملات تشويه مستمرة.
ووفقًا لمقال نشره مركز "مدى الإعلامي" (2024)، فإن المنصات الغربية الكبرى خضعت لضغوط إسرائيلية لحظر المحتوى الفلسطيني وتجريم السرديات المقاومة بوصفها "تحريضًا".
وبهذا الشكل، اتسع نطاق الحصار ليشمل الوعي والإدراك، فبات الفلسطينيون محاصَرين حتى في قدرتهم على التعبير عن واقعهم.
الردع بالمقاومة قلب موازين التأثير والوعي
في مواجهة ذلك، لم تعد المقاومة الفلسطينية مجرد صاروخ وبيان، بل غدت منظومة ذكية توزّع صور المعاناة وتعيد بناء سرديتها وإيصالها إلى العالم، فانقلبت معادلة الخوف والردع الإسرائيلية، وباتت معاناة غزة تصحح وعي العواصم الغربية والشباب.
ومع تصاعد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ، دخلت الرواية الفلسطينية مرحلة جديدة من التأثير، فالمحتوى الرقمي المقاوم لم يَعُد عفويًّا أو مشتتًا، بل بات يستند إلى خوارزميات ذكية لتحسين الانتشار، واستهداف الرأي العام الغربي بلغته وأساليبه.
يقول الباحث الأميركي مايكل ترافيرس في دراسته عن "حرب السرديات الرقمية في الشرق الأوسط" (جامعة ستانفورد ، 2024) "إن إسرائيل فشلت في الحفاظ على صورتها كضحية في ظل تصاعد محتوى مرئي مؤثر من غزة يَفضح جرائم القصف، وينتج وعيًا عالميًّا جديدًا".
لقد أسهم الذكاء الاصطناعي في كسر احتكار الرواية الإسرائيلية التي كانت تُحكم السيطرة على منصات الإعلام الغربية، وحوّل الفلسطيني من "عنصر غائب" إلى فاعلٍ رقمي يصوغ خطابًا مغايرًا للنسق السائد.
كانت الغارات الإسرائيلية على غزة تهدف تقليديًا إلى إخماد المقاومة وفرض الردع بالقوة، لكن مع توالي المجازر، بدأ هذا "الردع" يرتد على إسرائيل في ساحات الدبلوماسية والشارع العالمي. تقول المحللة السياسية داليا شنايدرلين في صحيفة هآرتس (يونيو/حزيران 2025) "إن ما تعتبره إسرائيل ضربة إستراتيجية في غزة يتحوّل إلى هزيمة دبلوماسية في نيويورك وجنيف ولندن".
فالاحتجاجات الطلابية في جامعات أميركية، وتعليق اتفاقيات جامعية وتجارية، واستدعاء السفراء، وحتى الدعوات العلنية لفرض عقوبات، كلها مؤشرات على انتقال الحصار من الجغرافيا إلى الدبلوماسية، وذلك ما جعل إسرائيل تدفع ثمنًا سياسيًّا باهظًا لكل طلعة جوية.
الحصانة الإسرائيلية في مهبّ المقاومة والأسئلة الأخلاقية
طورت المقاومة الفلسطينية أدواتها من البنى التحتية الميدانية إلى المنصات الرقمية والميدانية المدمجة، فكما استطاعت بناء شبكة أنفاق تقوض التفوق التكنولوجي الإسرائيلي، طوّرت أيضًا شبكات إعلامية ومجتمعية تخترق وعي الجمهور العربي والعالمي.
فوفقا لتقرير معهد "تشاتام هاوس" البريطاني (مايو/أيار 2025) "لم تعد المقاومة الفلسطينية مجرد ظاهرة عسكرية بل مشروع وطني متعدد الأبعاد، قادر على التأثير في الرأي العام وصياغة رمزية جديدة للردع".
هذه التحولات أجبرت إسرائيل على التعامل مع أشكال جديدة من التهديد، تتجاوز الصواريخ والأنفاق، لتصل إلى قنوات التليغرام، وصنّاع المحتوى، وشبكات التأثير المتنوعة التي باتت تُربك النخب الحاكمة في تل أبيب.
وتحت ركام المستشفيات المدمرة تتلاشى الأساطير القديمة، فالدعم الغربي لم يعد شيكًا مفتوحًا بلا مساءلة، إذ ينهض الشارع والبرلمانات ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان لتواجه حكوماتها بأسئلة أخلاقية تهز الحصانة الإسرائيلية حتى في واشنطن.
ولطالما شكّل الدعم الأميركي لإسرائيل ركيزة إستراتيجية في السياسة الخارجية لواشنطن، لكن سند هذا الدعم بات يتآكل أخلاقيًّا وشعبيًّا داخل الولايات المتحدة.
وفي استطلاع رأي أجراه معهد بيو للأبحاث في مارس/آذار 2025، أبدى 62% من الشباب الأميركيين (تحت 30 عامًا) رفضهم للدعم العسكري غير المشروط لإسرائيل، معتبرين أن "القصف في غزة لا يمثل القيم الأميركية".
ورغم استمرار إدارة دونالد ترامب الثانية في إمداد إسرائيل بالسلاح، فإن الأصوات المعارضة داخل الكونغرس والحزب الديمقراطي وحتى في الجامعات والأوساط الأكاديمية بدأت تُشكّل ضغطًا ملموسًا.
وكتب توماس فريدمان في نيويورك تايمز (أبريل/نيسان 2025) "لم تعد العلاقة بإسرائيل قابلة للاستمرار في صورتها القديمة، ما لم تواكبها مساءلة حقيقية عن سلوكها العسكري".
الاتحاد الأوروبي من الشراكة إلى المراجعة
كان الاتحاد الأوروبي دومًا شريكًا اقتصاديًّا وسياسيًّا لإسرائيل، لكن حرب غزة الأخيرة وضعت هذه العلاقة على محك المراجعة. فقد جُمّدت اتفاقيات علمية مع جامعات إسرائيلية، ودعا البرلمان الأوروبي في جلسة خلال أبريل/نيسان 2025 إلى "إجراء تحقيق دولي مستقل في جرائم الحرب بغزة".
ورغم الحذر الذي تتسم به سياسات العواصم الأوروبية الكبرى، فإن موجة الضغوط الشعبية داخل دول مثل أيرلندا وإسبانيا وبلجيكا دفعت إلى مواقف أكثر جرأة. نقلت الغارديان في مايو/أيار 2025 عن مسؤول أوروبي قوله "لم نعد قادرين على التغطية على ما يحدث في غزة من دون فقدان مصداقيتنا الحقوقية عالميا". هذا التحول لا يعني، بحسب مراقبين، القطيعة مع إسرائيل، بل بداية انكفاء ناعم، عنوانه المصلحة الأوروبية أولًا، لا الحصانة الإسرائيلية المطلقة.
كذلك شهدت المؤسسات الحقوقية الغربية تحوّلًا واضحًا في خطابها، فقد انتقلت من "القلق" إلى "الإدانة" الصريحة، وذلك ما أعاد سؤال المساءلة الدولية إلى الواجهة. ففي مايو/أيار 2025، أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريرًا بعنوان "غزة تحت النار -سياسة العقاب الجماعي الإسرائيلية"، وصنّف القصف جريمة محتملة ضد الإنسانية.
وأعلنت المحكمة الجنائية الدولية أنها تنظر في ملفات مرتبطة بالقصف المتعمد على المستشفيات ومخيمات النزوح. ووفق دراسة صادرة عن منظمة العفو الدولية ، فإن "نظام الحصانة الذي تمتعت به إسرائيل طوال عقود بات مهددًا أمام حجم الانتهاكات المسجلة".
هذه الأصوات لا تغير السياسة الدولية فورًا، لكنها تُعيد تشكيل الإطار الأخلاقي والقانوني الذي كانت إسرائيل تتحرك ضمنه بحرية شبه مطلقة.
المفارقة الإسرائيلية.. دولة تقصِف وتخشى العزلة
رغم الضربات القاسية التي وُجّهت إلى غزة، يعيش الداخل الإسرائيلي حالة من التوتر النفسي والانقسام المجتمعي العميق. فكل صاروخ يسقط على غزة ينفجر صداه في تل أبيب مخاوف وانقسامات؛ تتصدع الثقة بالجيش ويتهامس الشارع: هل انتصرنا حقًا، أم علقنا في فخ عزلة دولية آخذة بالاتساع تلتهم الشرعية؟
ووفق استطلاع نشره معهد الديمقراطية الإسرائيلي في يونيو/حزيران 2025، فإن 48% من الإسرائيليين يرون أن "انتصار غزة المعنوي والإعلامي بات خطرًا على صورة إسرائيل أكثر من الصواريخ نفسها".
ولم يعد القلق فقط من الأنفاق، بل من مشاهد الشهداء الأطفال على شاشات العالم، ومن تغيّر الرواية العالمية التي طالما أعطت إسرائيل تفوّقًا أخلاقيًّا.
وكتب المحلل الإسرائيلي نحميا شتراسر في صحيفة هآرتس "نقصف ونُعاقَب دوليا. نرد بقوة لكننا نُحاكم أخلاقيًّا. هذا ثمن لم نكن نعرفه".
وهكذا، أصبحت القوة العسكرية الإسرائيلية في حالات كثيرة عبئًا سياسيًّا وإعلاميًّا على القيادة. يقول الباحث عاموس هارئيل في هآرتس (يونيو/حزيران 2025) "القوة الزائدة بلا غطاء شرعي تُنتج عزلة، لا ردعًا".
وقد انعكس ذلك على صانع القرار الإسرائيلي الذي بات حائرًا بين الإصرار على الحسم العسكري والخوف من الكلفة الأخلاقية والاقتصادية والسياسية، كما ظهرت داخل المؤسسة العسكرية مواقف تدعو إلى إعادة تقييم جدوى استمرار العمليات، في ظل شلل سياسي وإخفاق في إحداث تأثير إستراتيجي حاسم.
نقد الرواية الإسرائيلية
لطالما استفادت إسرائيل من خطاب "الدولة الصغيرة المهددة"، لكن هذا الخطاب بدأ يتهاوى تحت ثقل الصور الآتية من غزة.
فقد أظهر تقرير "مرصد انحياز الإعلام" الصادر في مايو/أيار الماضي أن نسبة التغطية النقدية للسياسات الإسرائيلية في الإعلام الغربي تضاعفت مقارنة بعامي 2021 و2022.
في حين وصفت قناة 4 البريطانية ما يحدث في غزة بأنه "قصف انتقامي بلا حدود"، وكتبت لوموند الفرنسية "إسرائيل تواجه غزة بالسلاح وتواجه العالم بالتبرير".
هذه التحولات في التغطية الإعلامية تعكس تبدلًا في موقع إسرائيل من كونها ضحية إلى مَن يُحمَّل المسؤولية، ويعمق هذا الانزياح في الوعي الإعلامي عزلة إسرائيل، ويفقدها أوراقها الأكثر حساسية في المعارك غير التقليدية: الصورة والرواية والمظلومية.
سيناريوهات المستقبل والمقارنة بالأبارتهايد
تفكّك اتفاقيات التطبيع ، وتصاعد حملات المقاطعة، وتهديد المحاكم الدولية، وتحوّل الفضاء السيبراني إلى جبهة مشتعلة، كلها صور ترسم لوحة مستقبلية مفتوحة لإسرائيل.
بدأ بعض المحللين يقارنون بين إسرائيل في حقبة ما بعد حرب غزة 2023–2025 ونظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا. وهذه المقارنة لم تعد حكرًا على الناشطين الفلسطينيين، بل تتردد في أروقة مراكز بحث غربية.
فقد نشر معهد كارنيغي في يونيو/حزيران الماضي تقريرًا بعنوان "إسرائيل ما بعد غزة: خطر العزلة الأخلاقية"، حذّر فيه من تقويض مكانة إسرائيل في المؤسسات الدولية، واحتمال فرض عقوبات رمزية أو حتى اقتصادية على المدى المتوسط.
ومع دعوات في الأمم المتحدة لتعليق عضوية إسرائيل في بعض الوكالات الأممية، وتهديدات بإصدار مذكرات توقيف ضد مسؤولين عسكريين، يبدو سيناريو العزلة أقرب من أي وقت مضى. وإذا تزايدت المقارنات مع نظام الأبارتهايد، فإن إسرائيل ستدخل مرحلة جديدة من الضغط السياسي المشابه لما عاشته بريتوريا في الثمانينيات.
ورغم أن إسرائيل راهنت على مشروع التطبيع كمدخل للاندماج الإقليمي، فإن حرب غزة الأخيرة أعادت خلط الأوراق.
ففي الوقت الذي حافظت فيه بعض الدول العربية على علاقاتها الرسمية مع تل أبيب، شهد الشارع العربي تصعيدًا في الرفض الشعبي، وخرجت مظاهرات عارمة في عمّان والرباط والمنامة والقاهرة.
وأشار تقرير صادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (مايو/أيار 2025) إلى "تصاعد التوتر بين الأنظمة والشارع العربي، وذلك ما يضع مشاريع التطبيع أمام معضلة أخلاقية وأمنية".
ومع استمرار الحرب، تتهاوى رواية إسرائيل كدولة ضحية أمام صور الأطفال تحت الأنقاض، ولا ينذر استمرار هذا المسار فقط بتآكل شرعيتها، بل يرسم مشهدًا جيوسياسيًّا جديدًا تتبدّل فيه مواقع القوة والردع داخل الإقليم وعلى مستوى المسرح الدولي.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كيف ضخّم كتاب "مدينة القدس زمن الحروب الصليبية" الوجود اليهودي في المدينة؟
كيف ضخّم كتاب "مدينة القدس زمن الحروب الصليبية" الوجود اليهودي في المدينة؟

الجزيرة

timeمنذ 29 دقائق

  • الجزيرة

كيف ضخّم كتاب "مدينة القدس زمن الحروب الصليبية" الوجود اليهودي في المدينة؟

لم يعدم الإسرائيليون فرصة من أجل تبرير وجودهم في التاريخ والجغرافيا الفلسطينية، وخصوصا في مدينة القدس ، واستغلوا في ذلك كل الممكنات وكل المستحيلات بالعنف وبالكذب وليِّ عنق الحقيقة والتاريخ من أجل تبرير وجودهم في الأرض المحتلة بدعوى أن لهم فيها حقا تاريخيا. وعندما بارت حججهم المدعومة بالعنف وظفوا مؤرخيهم، كلّا في مجاله، من أجل دس الأكاذيب بقلب الحقائق التاريخية، لعلهم بذلك يحصلون على ما لم يحصلوا عليه بالبندقية والدبابة. ويأتي كتاب "مدينة بيت المقدس زمن الحروب الصليبية" لعالم الآثار الإسرائيلي أدريان بوس كمثال كبير على ذلك، إذ يسرد لنا الكتاب الكثير من الحقائق التاريخية والشهود الأثرية التي ظهرت من خلال الحفريات والتنقيبات التي قامت بها فرق التنقيب، ولكنه في ذات الوقت يدس السم في العسل، ويحاول خلق دور لليهود مع بداية الاستيلاء الصليبي على القدس، ويضع دائما اليهود في الصورة، ويعطيهم دورا لم يكن لهم، ويستدعيهم من غيابات التاريخ الوهمي إلى قلب العصر الحديث. الحقبة الصليبية وجاء في مقدمة مترجم الكتاب أن الحروب الصليبية (1097 – 1291) كانت صداما عسكريا ومواجهة حضارية بين الشرق العربي تحت الحكم الإسلامي والغرب الأوروبي الكاثوليكي، تمخضت أحداثها عن قيام كيان صليبي تحت سماء بلاد الشام " سوريا ، لبنان ، فلسطين ، الأردن" وهو 3 إمارات صليبية هي: الرها وأنطاكية وطرابلس، كما تمخضت أحداثها عن قيام مملكة بيت المقدس وكانت عاصمتها بيت المقدس أولا، ثم انتقلت العاصمة إلى عكا بعد معركة حطين 1187م. واستمر هذا الكيان ما يقرب من 200 عام، ما بين عامي 1098م الذي شهد تأسيس إمارتَي أنطاكية والرها، وعام 1291م الذي شهد طرد البقايا الصليبية ببلاد الشام على يد السلطان المملوكي الأشرف خليل بن قلاوون. ويفنّد مترجم الكتاب الدكتور علي السيد علي الادّاعاءات التي ساقها مؤلف كتاب "مدينة بيت المقدس زمن الحروب الصليبية" المتمحورة حول دور اليهود المختلق في مدينة القدس فترة الحروب الصليبية. أقسام الكتاب ينقسم الكتاب إلى 3 أبواب، الأول عن مدينة العصور الوسطى، والثاني عن الآثار الباقية من مدينة بيت المقدس تحت الحكم الصليبي، والثالث بعنوان الفنون وتراث الحروب الصليبية في فنون العصور الوسطى في مدينة بيت المقدس، وبيت المقدس في فنون العصور الوسطى. ورغم ما ورد في الكتاب من ادعاءات منافية للواقع والحقائق التاريخية؛ فإنه يحوي معلومات على جانب كبير من الأهمية، وسرد كامل عن الآثار الباقية في مدينة بيت المقدس من العصر الصليبي، من تحصينات أسوارها التي تبلغ 4 كيلومترات طولا، وإعادة بناء واستحداث عدد من البوابات والأبراج والقلاع، إذ تم بناء قصور ملكية وتقسيم أحياء المدينة، وخارج الأسوار تم بناء العديد من الكنائس والأديرة وتنظيم الشوارع والميادين والأسواق والمباني العامة، وتم تحديد مباني الصناعات والحرف والتجارة والمنشآت التجارية والمالية والأماكن الخاصة الخالية ومصادر المياه ومواردها العامة والصرف الصحي والمقابر داخل وخارج المدينة وآثار الفنون والتراث في عصر الحروب الصليبية. مدينة العصور الوسطى في القرن الـ20 ولا تزال شواهد وآثار القدس شاهدة على عراقة وعروبة المدينة العتيقة وأسواقها ومساجدها وأديرتها وكنائسها وحاراتها ومحلاتها القديمة التي لا علاقة لليهود بها كما يسجل الكتاب: "لا تزال مدينة بيت المقدس القديمة (الحالية) مدينة من مدن العصور الوسطى، بالرغم من التحولات التي جرت بها في القرنين الـ12 والـ13 الميلاديين، حيث لم تعد الأسوار تُستخدم كحصون، ولم تعد هناك بوابات تغلق ليلا، وبرغم تآكل الرقعة الزراعية التي تستخدم لزراعة الفواكه والخضراوات أمام المد العمراني أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20، وبالرغم من مدها بشبكات الغاز والكهرباء والمياه والصرف الصحي، وباستثناء الحي اليهودي الذي تمت إعادة بنائه وتوسعته عام 1967م، فإن المدينة تكاد تكون طبق الأصل لما كانت تبدو عليه منذ 900 سنة مضت، لدرجة أن الزائر لها في القرن الـ12 لا يكاد يجد مشقة في التجول فيها. ويقول المترجم: عقب الغزو الصليبي لمدينة بيت المقدس لم يكن لليهود وجود في المدينة، وهذا ما سجله الرابي الإسباني أبراهام هيّا حوالي (1120- 1129) "لا يوجد يهودي واحد في بيت المقدس في أيامنا"، إلا أنه تم تسجيل يهودي واحد يعيش في بيت المقدس على الأقل في بدايات عام 1146م، وحوالي عام 1170م ذكر الرحالة اليهودي بنيامين التطيلي يهوديا واحدا يعمل بالصباغة ويسكن بالقرب من برج داود. أما الرابي بتاحيا الرابوني، والذي زار المدينة ما بين عامي 1184 و1187م فإنه يذكر يهوديا واحدا يعمل بالصباغة ويدعى الرابي أبراهام، وكان مطلوبا منه أن يدفع ضرائب ثقيلة للملك نظير السماح له بالبقاء في المدينة، في حين كان هناك مسلمون يعيشون تحت الحكم الصليبي، واستدل على ذلك من سجلات جماعة فرسان الإسبتارية، وهي فرقة عسكرية صليبية ساهمت بشكل بارز في الحروب الصليبية. عقب الغزو الصليبي لمدينة بيت المقدس لم يكن لليهود وجود في المدينة، وتم تسجيل يهودي واحد يعيش في بيت المقدس على الأقل في بدايات عام 1146 بعد الحروب الصليبية. خلق دور لليهود أظهر المؤلف اهتماما فائقا بالآثار، وأهمل كثيرا من الجوانب التاريخية وبخاصة الجانب الثقافي منها، وليس هذا فحسب، بل لم يكن موضوعياً في تناوله لبعض القضايا التاريخية. إعلان ففي الفصل الأول يذكر أن الصليبيين قاموا بإنشاء عدد من المستشفيات والأسواق والشوارع المغطاة والحمّامات العامة على أنها منشآت جديدة على المدينة، وفي الواقع كانت كل هذه المنشآت موجودة ومعروفة من قبل، واستفاد منها سكان المدينة في ظل الحكم الإسلامي قبل قدوم الصليبيين وبعدهم. وفي الفصل الثاني ذكر أن المدينة كانت قليلة السكان تحت الحكم الفاطمي، وأن عدد سكانها اقترب من 20 ألفا، مستشهدا بالرحالة الفارسي ناصر خسرو، وهذا خطأ تاريخي أو كذب من المؤلف، فقد ذكر ناصر خسرو في رحلته ما نصه أن في مدينة بيت المقدس 20 ألف رجل غير النساء والأطفال، وبذلك يكون عدد سكانها على أقل تقدير ما يقارب 50 ألفا، إن لم يزد العدد عن ذلك. وفي الفصل الثاني أيضا خالف المؤلف الواقع التاريخي ومنطق الأحداث في سرده لأحداث الاستيلاء على المدينة عام 1099م من قبل الصليبيين حين ذكر: "وأنه لمقاومة الغزوة الصليبية على بيت المقدس تم حشد السكان، ومعظمهم من المسلمين واليهود على امتداد أسوار المدينة". محاولا بذلك خلق موقف دفاعي لليهود، مناقضا بذلك الحقيقة، وهي أن أهل الذمة من مسيحيين ويهود كانوا ممنوعين من الالتحاق بالجندية، وأن الجيوش الإسلامية تولت مهمة الدفاع عن كل مدينة خضعت لهم. ويحاول مرة أخرى خلق دور لليهود مع بداية استيلاء الصليبيين على القدس عند سرده لما بعد الغزو وقلة السكان الصليبيين لكثرة من عاد منهم إلى أوطانهم، ويقول: "إن قرار منع من نجا من الموت من مسلمين ويهود من العودة إلى بيت المقدس لم يكن مجديا"، لأنه معروف جيدا لكل دارس لتاريخ الحروب الصليبية أن الفرنجة كما أحدثوا في المسلمين مذبحة رهيبة راح ضحيتها حوالي 70 ألفا، فإنهم قضوا على الجماعة اليهودية في معبدهم لأنهم لم ينسوا لهم موقفهم العدائي للمسيح عليه السلام. "ذكر المؤلف أن المسلمين كانوا قلة عند بداية الحكم الإسلامي للمدينة، عاشت في منطقة الحرم القدسي الشريف، وهذا دس وكذب على الحقائق التاريخية". وفي الفصل العاشر يعمد المؤلف إلى المغالطة التاريخية في حديثه عن تقسيم المدينة إلى أحياء سكنية وفق الأصول الدينية والعرقية، فيذكر أن المسلمين كانوا قلة عند بداية الحكم الإسلامي للمدينة، عاشت في منطقة الحرم القدسي الشريف، وهذا دس وكذب على الحقائق التاريخية، فمن الطبيعي أن المسلمين يقطنون الحرم القدسي، كما عاش اليهود في المنطقة الجنوبية الغربية من جبل صهيون، والمعروف أن مسيحيي بيت المقدس بزعامة البطريرك صفرونيوس طلبوا من الخليفة عمر بن الخطاب ألا يسمح لليهود بالإقامة معهم في مدينتهم، وأن سماحة الإسلام سمحت لليهود بزيارة المدينة على أن يغادروها عندما يدخل الليل، احتراما لرغبة المسيحيين من أهلها، إذن كيف سمح لليهود بالعيش فيها؟ وما هذه أو تلك إلا محاولات لخلق دور تاريخي لهم في المدينة المقدسة، وهو دور مزعوم وباطل ومخالف للواقع التاريخي. ويحاول المؤلف ليِّ الحقائق التاريخية كما سجل في الفصل الـ11 عندما عمد إلى شرح الدرس الذي استفادته إسرائيل من الحركة الصليبية لتأكيد كيانها عندما قال: "مثلما سبق أن فعل الصليبيون منذ عام 1140م، (عمدوا) إلى بناء العديد من المستوطنات ما بين عسقلان وبيت المقدس، ونشر عدد من القلاع على طول هذه المنطقة لمنع إغارات المسلمين والتي اتخذت من عسقلان مركزا لشن حرب استنزاف على العدو، وعمدت كذلك إلى اتهام المسلمين أصحاب الأرض الشرعيين بأنهم عصابات تشن الهجوم على المستوطنين الصليبيين". سرقة الحرِف ويعود المؤلف إلى قلب الحقائق التاريخية في الفصل الـ16 وهو يتحدث عن الحِرَف، فيذكر أن صباغة الملابس كادت أن تكون وقفا على اليهود، ويستشهد في ذلك بالرحالة بنيامين التطيلي الذي زار القدس حوالي عام 1172م، ويزعم أنه قال: "إن بيت المقدس بها ورشة لصباغة الملابس يدفع عنها اليهود إيجارا سنويا بسيطا لملك بيت المقدس الصليبي". إعلان وبالرجوع إلى نص رحلة بنيامين التطيلي فقد جاء فيها: "وفيها معمل للصباغة يستأجره اليهود من ملك القدس سنويا، ويبلغ عددهم في هذه المدينة نحو الـ200". ومع ما في النص من تحوير فإننا نرى أن هذا العدد مبالغ فيه، ذلك أن الرحالة فتاحية اليهودي الذي زار القدس بعد بنيامين بـ10 سنوات فقط لم يجد فيها إلا يهوديا واحدا يدعى إبراهيم الصباغ، كان يؤدي لملك القدس ضريبة فادحة. الافتراء على صلاح الدين ومن الأمور اللافتة للنظر أن استرداد صلاح الدين الأيوبي لمدينة بيت المقدس بعد موقعة حطين عام 1187م يعد أمرا صعبا على نفس المؤلف، فما من سيئة إلا ويحاول أن ينسبها إلى صلاح الدين، ففي الفصل الـ19 على سبيل المثال، وهو يتحدث عن الصرف الصحي للمدينة يقول: "وربما تم تدمير الصرف الصحي على يد صلاح الدين عندما أمر بهدم الكنيسة العليا". ويشير المؤلف إلى أن المدى الذي وصلت إليه جهود الفرنجة في عمليات البناء والتشييد ليس له ما يوازيه في تاريخ المدينة منذ العصر البيزنطي، وذلك يعود للنجاح الكبير للحج من الحجاج المسيحيين تحت الحكم الصليبي. وفي منتصف القرن الـ12 استعادت "بيت المقدس" مكانتها وربما توسعت وازداد عدد سكانها عما كان عليه قبل فترة الحكم الصليبي، وتمت تعلية أسوارها وتوسعة القلعة وبناء قصر ملكي جديد، وتحسين شبكة المياه والصرف الصحي، وبدأت مملكة بيت المقدس تدخل عصرا سياسيا جديدا منذ عام 1774م مع بداية حكم الملك الشاب بلدوين الرابع، الذي كان مصابا بمرض الجذام، وفي عام 1815 أصبح عاجزا عن إدارة شؤون المملكة بسبب شدة المرض. وفي خاتمة الكتاب يعترف المؤلف صراحة بالقصور في ذكره للنواحي الاجتماعية والتاريخية والاجتماعية في بيت المقدس في ظل الحكم الصليبي، ويرجع ذلك إلى الكم غير المتناهي من المعلومات الأثرية. تأليف: أدريان بوس ترجمة: علي السيد علي الطبعة: الأولى تاريخ نشر الكتاب: 2001 تاريخ نشر الترجمة: 2010 عدد صفحات الكتاب: 428.

الأمين العام لحزب الله: نواجه خطرا وجوديا ولن نسلّم سلاحنا لإسرائيل
الأمين العام لحزب الله: نواجه خطرا وجوديا ولن نسلّم سلاحنا لإسرائيل

الجزيرة

timeمنذ 29 دقائق

  • الجزيرة

الأمين العام لحزب الله: نواجه خطرا وجوديا ولن نسلّم سلاحنا لإسرائيل

حذّر الأمين العام ل حزب الله نعيم قاسم من أن لبنان ومقاومته أمام تهديد وجودي هو أكبر خطر يهدد البلاد، وأعرب عن رفض الحزب تسليم سلاحه لإسرائيل. وقال قاسم، خلال تأبين نظّمه حزب الله أمس الجمعة للقائد بصفوفه علي عبد المنعم كركي، المعروف بالحاج أبو الفضل، إن المقاومة لم تستطع أن تمنع إسرائيل من الاستمرار في عدوانها على لبنان، لكنها استطاعت أن توقفها عند حد بالاتفاق الذي عقدته الدولة اللبنانية مع إسرائيل، وأصبح لزاما على إسرائيل أن تنسحب من الأراضي اللبنانية وأن توقف عدوانها. وأضاف "يعني نحن سلّمنا إلى هذه المرحلة الدولة اللبنانية، لأنها هي المسؤولة بالأصل، وإنما تصدّت المقاومة عندما لم تكن الدولة حاضرة. عندما أعلنت أنها حاضرة، وأصبحت الظروف مواتية من جهتنا ومن جهة الدولة في أن تقوم بهذا العمل، تسلّمت الدولة هذه المسؤولية". وقال قاسم "نحن أمام خطر اسمه إسرائيل وأميركا، وأمام مشكلة اسمها حصرية السلاح في الداخل. عندما نكون أمام خطر ومشكلة، نعالج الخطر ثم نذهب إلى المشكلة، لا نذهب إلى المشكلة والخطر داهمٌ علينا جميعا. العدوان ومواجهة العدوان أهم مشكلة تواجه لبنان". وتساءل عن أسباب استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان رغم الاتفاق، وقال إن هناك مشروع اتفاق جديد طرحته أميركا، وإن مبرره الوحيد هو نزع سلاح حزب الله في كل لبنان. وتابع "السؤال: لماذا تريدون نزع سلاح حزب الله؟ قال حتى تطمئن إسرائيل، لأن هذا مطلب إسرائيلي. أي ضعوها في بالكم، نزع سلاح حزب الله هو مطلب إسرائيلي". وأوضح قاسم أن نصوص الاتفاق الجديد الذي قدمته أميركا تضم مطالب بنزع سلاح المقاومة مقابل بعض الانسحابات الجزئية الإسرائيلية وفي أوقات متفاوتة، وأضاف "أي أيضا مطلوب منّا أن نقدم الإضافة، وإسرائيل هي ستقرر متى تقدّم". وقال الأمين العام لحزب الله "لا استسلام لدينا وإسرائيل لن تتسلم السلاح منا". وأكد أن صد الخطر الإسرائيلي يكمن في بقاء قوة المقاومة والتماسك بينها وبين الدولة اللبنانية. وقال قاسم "نحن كحزب الله وحركة أمل ومقاومة، نحن كخط سيادي يريد استقلال لبنان، نحن الذين نؤمن بأن لبنان وطن نهائي للبنانيين، نحن الذين نعتبر أن أبناءنا يجب أن يعيشوا في هذا البلد أعزة، كرماء، مرفوعي الرأس، نشعر بأننا أمام تهديد وجودي، تهديد وجودي للمقاومة وبيئة المقاومة، والمناصرين للمقاومة، وتهديد وجودي للبنان بكل طوائفه". وأكد الأمين العام لحزب الله أن صد هذا الخطر هو في بقاء قوة المقاومة، والتماسك بينها وبين الدولة "وتعاون كل الأطراف اللبنانيين على تمرير هذه المرحلة، بتطبيق إسرائيل للاتفاق". ودعا قاسم للضغط على أميركا وفرنسا والأمم المتحدة، والجهات الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار ، لإخراج إسرائيل من لبنان وإجبارها على تنفيذ الاتفاق.

عبد القادر الشهابي خطاط فلسطين الأول
عبد القادر الشهابي خطاط فلسطين الأول

الجزيرة

timeمنذ 29 دقائق

  • الجزيرة

عبد القادر الشهابي خطاط فلسطين الأول

خطاط الحكومة الفلسطينية وأول من وضع كراريس لتعليم الخط العربي في فلسطين ، ولد في مدينة القدس عام 1881م، وتوفي عام 1945م، وتتلمذ على يده عدد من الشخصيات البارزة. المولد والنشأة وُلد عبد القادر الشهابي في مدينة القدس عام 1881م. وهو من أبرز الخطاطين في زمانه. لُقّب بـ"خطاط حكومة فلسطين"، وهي الحكومة التي أُعلن عن قيامها عام 1920م. الدراسة والتكوين العلمي درس الشهابي فن الخط على يد الخطّاط التركي محمد عزّت في مدينة إسطنبول ، صاحب كراسة الخطوط العثمانية التي تعد من أشهر المراجع في خطّي الرقعة والديواني العثماني. وتضم مجموعة من الخطوط، منها: الثلث والنسخ والرقعة والديواني والجلي ديواني والفارسي، كما تحتوي على شروحات مفصّلة للحروف واتصالاتها، إضافة إلى جُمل وتراكيب كتابية نموذجية. الوظائف والمسؤوليات عمل مدرسا في دار المعلمين والمدرسة الرشيدية، وهو أول من وضع كراريس لتعليم الخط العربي في فلسطين، وقد أعيد طبعها في زمن الاحتلال البريطاني وفي العهد الأردني، واشتهر أيضا بخبرته في مضاهاة الخطوط وكشف التزوير. كان الشهابي شخصية اجتماعية بارزة في القدس، وعُرف بلقب "خطاط فلسطين الأول"، إذ لم ينافسه أحد من معاصريه في هذا الفن. اتخذ مكتبا في الطابق الثاني من حوش الشاويش، على يمين المدخل، بجوار مسجد أبي بكر الصديق. وبعد أن تضرر المسجد جرّاء زلزال عام 1346هـ/1927م، توقفت الصلاة فيه، فاستُعيض عنه بمكتب الخطاط عبد القادر الشهابي. الإنجازات في ديسمبر/كانون الأول 1927م وجّه عبد القادر الشهابي رسالة احتجاج إلى الحكومة اعتراضا على ضعف جودة الخط العربي المستخدم في النقد الفلسطيني. وأوضح عبد القادر في رسالته أن واجبه بصفته خطاطا ومحترفا في هذا الفن يحتم عليه أن يعبّر عن رأيه فيما رآه من "إساءة إلى الخط العربي"، مستندا في ذلك إلى خبرته الطويلة وممارسته المستمرة لهذا الفن. وقال إن نظرة عامة إلى النماذج المطبوعة من النقد الجديد تكشف عن حقيقة مؤسفة، وهي أن الحكومة أثناء تصميمها للعملة أهملت جانبا كان من المفترض أن يحتل المقام الأول، وهو الخط العربي. فخرج النقد الفلسطيني الجديد -كما قال- "صورة لا صلة لها بفن النقد أو قيمته الجمالية، فإذا جاز وصفه بالدقة، فهو مجرد قطع معدنية مخصصة للتداول، لا أكثر". وأضاف أن هذا النقد "جاء شاهدا على تدهور كبير في فن الخطوط النقدية، وبدا كأنه سُجل في صفحات التاريخ بخط سقيم وفن عليل". وانتقد الحكومة بشدة لاعتمادها قرارات منفردة دون الرجوع إلى أهل الاختصاص من أهل الفن والخبرة، مما أدى إلى "نقوش ركيكة ومليئة بالقصور على مستوى التصميم والدقة من جميع النواحي". وجاء في نص رسالته "لا أعلم، أهو من فرط العناية المنقطعة النظير أن تُرتكب أخطاء فاحشة، بحيث تضاف 3 نقاط إلى كلمة (فلسطين)، حتى بدت وكأنها تحوّلت إلى (فلنطين)؟! وليس هذا فحسب، فإن عامل الكرم والجود الذي أُغدق على كلمة (فلسطين)، قد قوبل ببخل فجّ في ناحية أخرى من كتابة النقد، حيث ضُرب بحرف الميم من كلمة (خمسون) عرض الحائط، حتى بُترت الكلمة لتصبح (خسون)! فهلا دلنا أحد على معجم لغوي يفسّر لنا معنى هذه الكلمة؟ وهل يُعقل أن يبلغ الإهمال هذا الحد؟!". وإضافة إلى اهتمامه بالخط، كان عبد القادر الشهابي من أوائل من أدخلوا تقنيات الحفر والزنكوغراف الحديثة إلى فلسطين. ففي عددها الصادر بتاريخ 17 أبريل/نيسان 1929، نشرت جريدة صوت الشعب إعلانا يفيد بافتتاحه عددا من المكاتب والفروع لتوسيع نشاطه المهني. وجاء في نص الإعلان "من المعلوم أني أتعاطى صناعة الحفر والزنكوغراف بأنواعه حسب الطرق الفنية الحديثة، وأصبح الفرع الأهم في مدينتي الأصلية، التي لم أزل أثابر على رقيّها وتقدّمها، مع القيام بكل ما يتعلّق بالكتابة بأنواعها. وقد رأيت من الضروري توسيع نطاق إدارة العمل، فاستجلبت الأجهزة الحديثة، واتخذت مقرا لي في حي البقعة الفوقا قرب قهوة الملك جورج، وأنشأت فروعا أخرى، منها: مكتب حسن أفندي عويضة في باب الخليل، مكتب الحاج محمد أفندي الأفغاني في باب خان الزيت بالقدس، مكتب الحاج عبد الحميد الأفغاني في شارع إسكندر عوض بمدينة يافا". وكانت لعبد القادر الشهابي بصمات فنية مميزة في عدد من المعالم الدينية والتاريخية في فلسطين. ومن أبرز أعماله تدوين آيات قرآنية وأسماء المتبرعين لإعادة الترميم على الأعمدة والدعامات التي أُضيفت أثناء عملية الترميم في المصلى القبلي، وذلك بتكليف من المجلس الإسلامي الأعلى عام 1925، إضافة إلى نقوشه على الباب الغربي للمسجد العمري في القدس. ويظهر توقيع الخطاط عبد القادر الشهابي على نصب في ساحة المهد بمدينة بيت لحم ، وتحديدا على قاعدة "نجمة المغتربين"، وهي سارية تعلوها نجمة خماسية، إذ استعانت به لجنة تحسين البلدة ليخطّ النقوش على القاعدة الحجرية. ومن أبرز أعماله المدنية أيضا، كتابته اسم "البنك العربي" عام 1931، والذي أصبح لاحقا عنصرا بارزا في الهوية البصرية للبنك. كما أهدى ملك المغرب محمدا الخامس خاتما فضيا يحمل اسمه، لاستخدامه في توقيع المستندات الرسمية، وأهدى النحاس باشا في مصر لوحة تضم آية قرآنية بخطه. وقد كُرّم الشهابي بمنحه "وسام النهضة العربي"، تقديرا لإسهاماته الكبيرة في ميادين التعليم والفن. أبرز تلاميذه من أبرز تلاميذ الخطاط عبد القادر الشهابي، المؤرخ والمؤلف نقولا زيادة، الذي ذكر معلمه في سياق حديثه عن الفرق بين نسخ الكتب وطباعتها، مشيرا إلى أنه في وقت كان فيه نسخ الكتب لا يزال الأساس في انتشارها وكانت الطباعة في بداياتها، كان العديد من أهل العلم يحرصون على الإشارة إلى من علمهم فن الخط. وقد كانت شهرة المعلم تساهم في زيادة الطلبات على الناسخ الذي أتقن نسخ المصحف، مما كان يعود عليه بعائدات مالية مرتفعة من الكتابة والنسخ. ومن بين أبرز الخطاطين أيضا الذي تتلمذوا على يده، محمد صيام، المعروف بلقب "شيخ خطاطي فلسطين"، وهو من أبناء قرية لفتا المهجرة. يقول صيام عن بداياته "كنت شغوفا بقراءة القرآن الكريم، وانتقل هذا الشغف إلى خط هذا الكتاب العظيم، فكنت أستخدم الورق الشفاف لنقل الخط من المصحف، وكانت النتيجة مبهرة، ولاقت إعجاب زملائي في المدرسة الرشيدية". ويتابع قائلا "في المدرسة كان الأستاذ عبد القادر الشهابي يشجعني ويأخذ بيدي، وكان خطاطا بارعا لا يُضاهى في فلسطين. قال لي ذات مرة: إذا طورت نفسك، فسيكون لك شأن عظيم في المستقبل". وامتثل صيام لنصيحة أستاذه، وسافر إلى مصر وتتلمذ على يد الخطاط الكبير سيد إبراهيم. جهود غير مقدرة كشفت صحيفة مرآة الشرق في عددها الصادر بتاريخ 15 مارس/آذار 1930م عن قرار صدر من إدارة المعارف بإنهاء خدمة الأستاذ عبد القادر الشهابي، دون أي تقدير لسنوات خدمته، التي امتدت على مدى 27 عاما، ووصفت الصحيفة هذا القرار بأنه "ظلم بيّن". وجاء في نص الخبر "الأستاذ عبد القادر الشهابي خطاط متمكن، مارس هذا الفن منذ زمن بعيد، وله فيه آراء وخبرات قيّمة. وقد كان كثير السفر إلى البلدان العربية، ولا سيما مصر، حيث لقي ترحيبا واسعا من الصحف المصرية أثناء زيارته إلى القاهرة". وتتابع الصحيفة: "لقد أُبلغ من قِبل إدارة المعارف بإنهاء خدمته، دون الإشارة إلى مسيرته الطويلة في سلك التعليم، أو الاعتراف بجهوده السابقة. وفي هذا القرار ظلم واضح نأمل أن يُعاد النظر فيه وتصحيحه". توفي الشهابي في مدينة القدس عن عمر ناهز 64 عاما، سنة 1945، ودُفن في مقبرة باب الرحمة. وقد ورث عنه فن الخط ابنه رشاد الشهابي، وواصل مسيرة والده الفنية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store