logo
العولمة وحرب ترامب الاقتصادية

العولمة وحرب ترامب الاقتصادية

البيان١١-٠٤-٢٠٢٥

يرى علماء الاقتصاد أن العولمة اصطلاح اقتصادي، لأن هدفها الاستراتيجي خلق سوق عالمي تنداح فيه كل الموانع والحواجز، ما يساعد على تحقيق فكرة نهاية التاريخ التي روج لها فوكوياما، الأمريكي الجنسية، الياباني الأصل، كأن العولمة الاقتصادية نذير لخلع العباءة الوطنية وإلباس الجميع زياً موحداً، كما أنها تؤدي إلى محو الجغرافيا وتقليص ظل الدولة، بعبورها للحدود من خلال الشركات متعددة الجنسيات.
ولعل أكثر المستجدات الفكرية التي ترفض ربط العولمة بعجلة الاقتصاد تلك القنبلة التي فجرها أستاذ علم الاقتصاد الاجتماعي آلان كايي، وأستاذ الاجتماع الفرنسي، بيير بورديو، فعندهما أن الإنسان كائن اجتماعي وليس كائناً اقتصادياً بالدرجة الأولى، وأنه من الأفضل من الآن إيجاد بديل للنظام العالمي الجديد، والبحث عن مؤشرات جديدة يقاس بها تقدم الدول وتخلفها، بعيداً عن أطروحات البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، لأنهما من أسباب إفقار دول العالم الثالث غير النفطية، ومثال على ذلك دول الاتحاد الأوروبي التي تغرق واحدة تلو الأخرى تدريجياً في بحر الديون، وهي لم تستفق بعد من إغماءة الأزمة الاقتصادية العالمية، وهي حسب آخر التقارير المنشورة بحاجة إلى 500 مليار دولار للتخلص من أعباء تلك الديون، وأن البنك الدولي ليس بمقدوره سوى توفير 200 مليار، إذاً إلى أين تقودنا عولمة الاقتصاد؟!.
ويرى كايي في هذا السياق أنه من المناسب والأفضل للدول النامية والناشئة عدم التعاطي مع النموذج الغربي الرأسمالي، الذي لا تزال الدول النامية تستلهم منه تجاربها بتقليد أعمى ظناً من بعض قادتها أنه يوصل إلى طريق الخلاص والرفاهية الاجتماعية، بينما كل الدلائل تؤكد أن هذا النموذج يعيش اليوم المرحلة الأخيرة في حياته، على حد تعبيره، وهو محكوم بالزوال المؤكد، ومن ثم لم يعد بالإمكان الدفاع عنه!
بينما يرى غاري ريتشاردسون، أستاذ التاريخ الاقتصادي بجامعة كاليفورنيا، أن السياسات الأخيرة التي طرحها ترامب تحمل أوجه تشابه واضحة مع تلك التي اتبعتها أمريكا في القرن التاسع عشر، حينما كانت الرسوم الجمركية، وليس ضرائب الدخل، تشكل المصدر الرئيس لإيرادات الحكومة، غير أن الخطر الماثل الآن أمام الاقتصاد العالمي هو أن ترامب يعمل على إعادتنا إلى ثلاثينيات القرن الماضي، حين أشعلت تعريفات «سموت-هولي» سيئة السمعة في الولايات المتحدة سلسلة من ردود الفعل الانتقامية الدولية، التي غالباً ما يوجه إليها اللوم في تعميق أزمة الكساد الكبير.
وقد تكون المخاطر الحالية أشد من نواحٍ عدة، فالتجارة ليست أكثر أهمية فحسب مما كانت عليه في الثلاثينيات، بل إن الاقتصاد العالمي اليوم مبني على سلاسل توريد متشابكة تشهد تدفق البضائع والمكونات عبر حدود متعددة، ويدعم ذلك كله إطار من التعاون الدولي.
وفي معركته ضد العولمة يدفع ترامب باباً كان مفتوحاً جزئياً بالفعل لاشتعال الأوضاع، فقد أدى فقدان الوظائف الصناعية لصالح المكسيك والصين والدول الأقل تطوراً، إضافة إلى الأزمة المالية العالمية، إلى تقويض ثقة الناس في المنظومة الاقتصادية التقليدية لفترة ما بعد الحرب، وغير صعود الصين الآراء السياسية كذلك، فإذا كانت بكين منافساً جيوسياسياً محتملاً لواشنطن فربما كان منطقياً من الناحية الاستراتيجية أن تسعى الولايات المتحدة لكبح النمو الاقتصادي الصيني المتسارع، وهي سياسة تبناها بحماس الرئيس السابق، جو بايدن، خلال سنواته الأربع في البيت الأبيض.
وقد جاء ترامب ليمزج هذه المشاعر السلبية تجاه التجارة مع منهجه النفسي الخاص، مع أن عصر العولمة تميز بمفهوم «الكل رابح»، حيث يمكن لكل الأطراف الاستفادة من التسويات، أما ترامب المتأثر بخبرته كمطور عقاري يتنافس على قطع الأراضي، فيؤمن بأن المفاوضات لا يمكن أن تفرز سوى فائز واحد، ويفخر بعدم تراجعه أبداً أو إظهاره لأي علامة ضعف.
وإذا كانت هناك نظرية موحدة وراء التعريفات الجمركية لترامب فيمكن العثور على بعض ملامحها في ورقة بحثية واسعة الانتشار من نوفمبر الماضي لستيفن ميران، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين لترامب حالياً، فهي توضح كيفية استخدام التعريفات لتعزيز القطاع الصناعي الأمريكي.
وقد طرح ترامب مؤخراً رؤية مغايرة تماماً لتلك الحقبة التاريخية، مقدماً نظرية غير مسبوقة وغير متداولة بين المؤرخين الاقتصاديين، مفادها أن الكساد الكبير ما كان ليحدث أبداً لو أن الولايات المتحدة احتفظت بنظام اقتصادي قائم على التعريفات الجمركية بدلاً من تحولها قبل عقود من ذلك إلى الاعتماد على ضريبة الدخل كمصدر رئيس للإيرادات.
مما لا شك فيه أن تحديات العالم القائم تحتم بروز اقتصاد جديد؛ اقتصاد اجتماعي معرفي يبنى على أنقاض مخلفات العولمة الاقتصادية؛ اقتصاد يتأسس على الاعتراف بخصوصية الآخر، وتبني مفاهيم الشراكة والتعاون وتبادل المنافع بين الشعوب، والإبقاء على ثقافاتها وإرثها الحضاري، بعيداً عن الهيمنة والتبعية والإقصاء؛ ذلك أن مواجهة العالم القائم تتطلب مواجهة تحدياته.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بـ"قرار الطلاب الأجانب".. إدارة ترامب تعاقب جامعة هارفارد
بـ"قرار الطلاب الأجانب".. إدارة ترامب تعاقب جامعة هارفارد

سكاي نيوز عربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • سكاي نيوز عربية

بـ"قرار الطلاب الأجانب".. إدارة ترامب تعاقب جامعة هارفارد

وترامب مستاء من الجامعة التي تخرّج منها 162 فائزا بجوائز نوبل ، لرفضها طلب إدارته إخضاع عمليات التسجيل والتوظيف لهيئة إشراف، على خلفية اتّهامه إياها بأنها "مؤسسة يسارية متطرفة معادية للسامية" ومنخرطة في "أيديولوجيا اليقظة (Woke)" التي لا ينفك يوجّه إليها انتقادات حادة. وجاء في رسالة وجّهتها وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نويم إلى رابطة "آيفي ليغ" التي تضم 8 من أشهر جامعات البلاد "بمفعول فوري، تم إبطال الترخيص الممنوح لبرنامج الطلاب وتبادل الزوار الأجانب بجامعة هارفارد"، في إشارة إلى النظام الرئيسي الذي يُسمح بموجبه للطلاب الأجانب بالدراسة في الولايات المتحدة. في الشهر الماضي، هدّد ترامب بمنع الجامعة من تسجيل الطلاب الأجانب إذا لم توافق على طلب الإدارة الخضوع لإشراف سياسي. وكتبت نويم في رسالتها: "كما شرحت لكم في رسالتي في أبريل، فإن تسجيل الطلاب الأجانب هو امتياز". وشدّدت الوزيرة على "وجوب أن تمتثل كل الجامعات لمتطلبات وزارة الأمن الداخلي، بما فيها متطلبات الإبلاغ بموجب أنظمة برنامج الطلاب والزائرين، للاحتفاظ بهذا الامتياز". وتابعت: "نتيجة لرفضكم الامتثال لطلبات متعددة لتزويد وزارة الأمن الداخلي معلومات ذات صلة، وإبقائكم على بيئة غير آمنة في الحرم الجامعي معادية للطلاب اليهود وتشجّع توجهات مؤيدة لحماس وتطبّق سياسات التنوع والمساواة والإدماج العنصرية، فقد فقدتم هذا الامتياز". شكّل الطلاب الأجانب أكثر من 27 بالمئة من المسجّلين في هارفارد في العام الدراسي 2024-2025، وفق بيانات الجامعة.

فيديو من الكونغو ضمن أدلة ترامب على «الإبادة بجنوب أفريقيا»
فيديو من الكونغو ضمن أدلة ترامب على «الإبادة بجنوب أفريقيا»

العين الإخبارية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العين الإخبارية

فيديو من الكونغو ضمن أدلة ترامب على «الإبادة بجنوب أفريقيا»

كان مفاجئا طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عرض مقاطع فيديو لما قال إنه "أدلة على الإبادة في جنوب أفريقيا"، وذلك خلال استقباله في المكتب البيضاوي الأربعاء الرئيس سيريل رامابوسا. ترامب الذي سبق أن اشتبك لفظيا مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في فبراير/شباط الماضي، في القاعة ذاتها، غير مجرى اللقاء مع رئيس جنوب أفريقيا الذي كان يتحدث عن تطوير العلاقات مع أمريكا، بأن طلب من موظفيه إطفاء الأنوار وعرض مقاطع فيديو، قال إنها تتضمن مشاهد لـ"مدافن المزارعين البيض" في جنوب أفريقيا. لكن وكالة "رويترز" قالت إن الرئيس الأمريكي عرض مشهد من تم التقاطه في جمهورية الكونغو الديمقراطية كجزء من "الأدلة على عمليات قتل جماعي لمواطنين بيض في جنوب أفريقيا". كما قال ترامب وهو يرفع نسخة مطبوعة من مقال مصحوبا بالصورة خلال الاجتماع "هؤلاء جميعا مزارعون بيض يتم دفنهم". وأكدت "رويترز" أن الفيديو الذي نشرته في 3 فبراير/شباط الماضي، وتحقق منه فريق تقصي الحقيقة التابع للوكالة، يظهر عمال إغاثة وهم يرفعون أكياس جثث في مدينة جوما بالكونغو. ولم يرد البيت الأبيض على طلب للتعليق. رد رامابوسا وسعى رئيس جنوب أفريقيا لتدارك الموقف مع ترامب، وقال إن "ما سمعتموه لا يعبر عن سياسة الحكومة. نحن حكومة متعددة الأحزاب وبعض الأحزاب تنتهج سياسات مختلفة عن الحكومة". لكن ترامب رد بأن "بعض ما شاهدتموه قام به مسؤولون في الحكومة". ليعود رئيس جنوب أفريقيا ساعيا إلى تدارك الموقف بدبلوماسية، وقال إن وزير الزراعة يرافقه في زيارته إلى واشنطن وهو أبيض، لافتا إلى أن مواجهة هذه الجرائم يحتاج إلى دعم تقني ويمكن للولايات المتحدة أن تساعد في هذا الشأن. وأضاف: "لهذا أنا هنا لبحث ما يمكن أن نتشارك فيه. أفضل الحديث والتفاوض في تلك الأمور بعيدا عن وسائل الإعلام". جذور الخلاف وسبق أن انتقد ترامب جنوب أفريقيا، مشيرا إلى عدم رضاه عن سياسة الإصلاح التي تنتهجها بشأن الأراضي ودعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها ضد إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة، أمام محكمة العدل الدولية. وخفضت إدارة ترامب التمويل لجنوب أفريقيا في فبراير/شباط، ومنحت وضع اللجوء لمجموعة من الأقلية البيضاء هناك، قائلة "إنهم يواجهون تمييزا عنصريا"، وهو اتهام تنفيه حكومة جنوب أفريقيا. وكان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، قرر طرد سفير جنوب أفريقيا في واشنطن إبراهيم رسول في مارس/آذار الماضي. وقال إنه "يؤجج التوترات العرقية ويكره البلاد ورئيسها دونالد ترامب". وأغضب "قانون مصادرة الأراضي" في جنوب أفريقيا، ترامب الذي اعتبر أنه ينطوي على تمييز ضد المزارعين البيض. aXA6IDE1NC4yMS4yNC41MiA= جزيرة ام اند امز ES

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store