logo
"حياؤهنّ، عفّتهن، وطبيعتهنّ الفيزيولوجية"

"حياؤهنّ، عفّتهن، وطبيعتهنّ الفيزيولوجية"

المدنمنذ 3 ساعات

"عندما نقول أن المرأة هي نصف المجتمع؛ فإننا نعني ذلك، لا نقولها مجاملةً ولا سياسة، سنعمل على أن تحصل المرأة على حقوقها بما يحقّق التوازن الذهبي بين عفّتها وحيائها، وبين دورها في المجتمع". هذا ما قاله الرئيس السوري أحمد الشرع في لقائه بوفد نسائي مؤخراً ليتحدّث عن دور المرأة، في مناسبة عيد الأضحى المبارك.
تعدّدت المناسبات والحديث واحد. فمنذ قيام الخليقة، والجدلية سيدة هذا الحديث: المرأة كتلة من العواطف، طبيعتها الفيزيولوجية، تحمّلت، صبرت فوق طاقتها، ركيزة أساسية، نصف المجتمع... كل هذه تذكرني بمقولة لزياد الرحباني: "لشو بكل رواية بدك تقول كلنا أخوة؟ إذا كلكن أخوة شو في لزوم تضل تقولا؟". وطالما المجتمع يؤمن بدورنا كنساء، نحن نصفه الآخر والأنداد، فلنضع نقطة على السطر ونبدأ بالعملي!
والعملي الذي طبقته الحكومة الحالية جرى بالشكل التالي: عزل القاضيات كونهن يعملن بمهنة لا تتناسب و"فيزيولوجيتهن"، مُثّلت المرأة على استحياء بحقيبة وزارية واحدة، أصدر قرار وزاري يحدد أين يمكنها ارتداء البوركيني وأين ترتدي البكيني... دعونا من السياسة، وأنا لا أريد أن أحمّل الرجل ما لم يقله، إذ بدا لقاء الشرع بالنساء عفوياً، وإلى جانبه السيدة الأولى التي تمنيت لو أن الكاميرا سجّلت ما قالته في هذا اللقاء -في حال تحدّثت- وهذا الحشد الكبير من النسوة ليت صوت إحداهن وصل إلى مسمعنا. ماذا ناقشت؟ ماذا كان مطلبها من رئيس البلاد؟ أي أفق وعدها به؟ تلك الأسئلة كلها غابت وستبقى غائبة في كل محفل يتحدّث فيه الرجل عن المرأة بلسانه لا بلسانها.
ماذا يريد الرجل من المرأة؟
في سهرة شبابية، شكا صديق يكلّله الحزن من أنه لا يحظى بنصفه الحلو، فقد تعثّر في الخطوبة ثلاث مرات، وكان هو من ينهي العلاقة ليمضي بحثاً عن ضالّة ليس يدريها. فزجره صديقه المستمع قائلاً: "إنت بدك ياها عفيفة وقحـ(...) سوا". فالشاب الحزين هجر الأولى لأنها قطة مغمضة، وترك الثانية لأنه شعر بأنها "متفتّحة" زيادة عن اللزوم. حسناً ماذا تريد أيها الشرقي؟!
تقول آمنة نصر، وهي أستاذة جامعية، بأن كل ما يريده الشرقي من المرأة هو الطاعة، ويربط تلك الطاعة بالشأن الديني حتى لا تُكسر.
أخ يوبخ أخته، ثم يتطور الأمر إلى الضرب، مؤكداً مع كل ضربة بأن الدين لا يجيز لها البيات خارج منزلها. لطالما أُعجبت بتلك الفتاة التي قررت الانفصال عن زوجها من دون أن أعلم دوافعها، أعجبت بشجاعتها. إلا أني سرعان ما أيقنت بأن المرأة في هذه البلاد لا تمتلك حقّ القرار. وإن امتلكته بالزواج، فهو ترف لن تناله بالطلاق. أسأل نفسي: من أين جلبت تلك الفتاة العشرينية الشجاعة لهكذا قرار؟ تحتفظ بولديها، تربيهما وحدها، تتحدّى العالم بأسره وتقول لا، لا أريد إلا ما أريد. كل أولئك الرجال يريدون التقرّب من الله بتطبيق "شريعته"، فيمنع الرجل زوجته من ممارسة حقّها في العمل بحجة القوامة، يضربها إن تمرّدت...وفقاً للشريعة! يطلبها لبيت الطاعة، تسجد له مجازاً لأن الدين أمرها، وتصبر عليه لتحصل على الجنة. في المقابل يصادرون إرثها، متعامين عن أن للذَّكَر حظ الأنثيَين!
جدّتي أم فصيح
كان جدي محبّاً للزراعة، يزرع القمح، والعصفر المضني في قطافه، سرّاً. يخبر جدتي بصوت متهدّج عندما يحين موعد الحصاد، ليجرف البيت سيلاً يرغي ويزبد احتجاجاً، فالمرأة الثمانينية لم تعد قادرة على مشقّة الحصاد. تحصد جدتي المحصول بمفردها، فنحن الصغار ندوّر أعشاش العصافير ولا نساعد. أما جدي فغير قادر على الحصاد، لماذا، لم أكن أعلم، وما زلت...
جدتي لأمي تبتاع لوازم النوڤوتيه الذي يملكه جدي، وكلّما احتاج سلعةً، ساومت بحنكة التاجر وفاصَلت بائع الجملة حتى تحصل عليها بثمن معقول جداً، الجميع يسلّم على "الحاجة أم فصيح" أثناء مرورها في سوق الصوف وسوق الخياطين.
نساء كثيرات لم تمنعهن طبيعتهن الفيزيولوجية تلك من ممارسة أعمال الرجال. تحمل وتُرضع وتسعى وتربّي، ثم تستغربون كيف صبرت على أيام الثورة العجاف ولم تُحنِ الظهر؟! إلى جدتي وكل من سار على دربها، كيف سأقنعهن بأنهن نصف المجتمع؟! إني لأسمع ضحكاتهن تجلجل فتملأ كتب الفلاسفة ونظريات الجندر واحتماليات الذكاء الاصطناعي.
تقول سيدة والحسرة تملأ صوتها بأنها كرهت زوجها سبعين عاماً لأنها غُصبت عليه، وها هي تكرهه الآن وهو راقدٌ في قبره بلا حول ولا قوة:" تزوجتُه ليستطيع أخي أن يتزوج أخته"، تقولها وقهر العالم يجدل حبالها الصوتية. كلنا يعلم زواج المقايضة في المجتمعات المحافظة، وما إن يختلف زوجان، حتى يتم التفريق بين المقايضَين وإن كانا على وفاق. إذاً أين هي المناصفة؟
"وليّ أمري"
لم تعد خافية على أحد شيطنة كل امرأة تتجرّأ لتبوح برأيها وفكرتها حول ما يجري في سوريا. ناشطات سياسيات وحقوقيات وصحافيات يتعرضن لأبشع الصفعات في وسائل التواصل. أراقب ما تنشره الصديقات من مضايقات ولسان حالي يقول: أتفهّم قوامة الرجل وما يمنحه لذاته من حقّ الاستهزاء بصاغرات العقل والدين، لكن ماذا عن المرأة التي تؤيده وتشدّ على يده؟
التناقض ما زال مرافقاً لنون النسوة، فكما كانت عبر العصور آلهة وملكة، كانت شيطاناً أو شيئاً يمكن سلبه الحياة. وأد البنات، الرق، كل هذا لم ينته اليوم، لكن الحداثة قَولَبته. سلب الإرادة من أبسط الأشياء، كحرية اللباس، تمارسه قوانين مجتمعية سنّتها العادات بالتقادم. وهلامية مفهوم العفة الذي يتسع ويضيق بحسب رغبة ولي الأمر. وما الحلّ؟
قال ابن رشد: "كل نقص يُنسب للمرأة، ليس له من مأتن إلا التربية؛ فلو ربينا هذا وذاك بالطريقة نفسها فإننا سننتج ذاتَين قادرتَين على الفعل والإضافة". طبّق والدي هذه القاعدة في تنشئتنا، ومنحني وأخواتي ثقة الرجال، حتى أنه يمازحني أحياناً حين أشكو من اسمي الذي لطالما أوحى بأني شاب، فيضحك ويقول: "مو أنتِ أخت الرجال أصلاً؟". وهذا ما قاله النبي محمد: "الرجال شقائق النساء"، إلا أن المجتمع الذكوري يحرّفه بحج "الطبيعة الفيزيولوجية، العفة، الحياء..."
هاتفني أحد أقاربي غاضباً إذ قرأ لي منشوراً أنتقد فيه الحكومة، وقد علّق عليه شخص مجهول الهوية بألفاظ نابية. لن أناقش حرية التعبير وأدب الاختلاف. ما لفتني هو اللهجة المتشنّجة لقريبي الذي "أمَرَني" بأن أكفّ عن الكتابة "فلعائلتنا صيتها الطيب وأنتِ تهدمينه بكتاباتك الرعناء". وقال: "لا أريد أن أقرأ لك بعد اليوم ولا منشور. لا خير ولا شر، انتهى!". فكّرت قليلاً؛ ماذا لو كنتُ رجلاً، هل كان "ولي الأمر" ليخاطبني هكذا؟!

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

في ذكرى استشهادهما: ولدي مُسلم وانتصار الدم على السيف
في ذكرى استشهادهما: ولدي مُسلم وانتصار الدم على السيف

شبكة النبأ

timeمنذ ساعة واحدة

  • شبكة النبأ

في ذكرى استشهادهما: ولدي مُسلم وانتصار الدم على السيف

التاريخ الذي يذكر قادة فاتحين، وملوك فرضوا سيادتهم لفترة من الزمن، يقف إجلالاً واحتراماً لطفلين صغيرين ذبحا عند شط الفرات، وتم دفنهما دون رأسيهما، ليس لأنهما كانا في صفوف جيش منتصر، بل كانا في جبهة الحق والفضيلة التي لا تقرّ بالظلم والفتك وكل مفردات الرذيلة والباطل... عندما أردت الكتابة عن ذكرى استشهاد ولدي مسلم بن عقيل، قفزت في ذهني فجأة مقولات لمنظري الحركة الصهيونية يقولون فيها: "العالم لا يشفق على المذبوحين، لكنه يحترم المحاربين"! و"الاحذية الثقيلة هي التي تصنع التاريخ"! ومع الفارق الكبير بين هذه المناسبة وهذه الاقوال، ربما يعترض عليّ القارئ الكريم لطبيعة العلاقة بين الاثنين، لكن أجدني ملزماً هذه الأيام تحديداً بالاسهام –ما أمكن- في بلورة مفاهيم محورية في قضيتنا الحضارية مع الآخرين، علّها تكون نافذة لفهم ما يجري من الاحداث السياسية في المنطقة تيمّناً بهذه المناسبة الأليمة، ولنعرف ما اذا كان حقاً؛ السيف والرصاص و"الحذاء العسكري الثقيل" هو من يحدد المهزوم من المنتصر، أم ثمة عوامل اخرى ربما لم تتضح للعالم الذي أراه اليوم معتقلاً بأكمله في معسكر العنف والقسوة والظلم. العلاقة العضوية بعاشوراء القصة معروفة للجميع، تتناقلها الاجيال ويتداولها الابناء عن الاجداد، نظراً لما فيها من إثارة للمشاعر والعواطف، فأي انسان سويّ في هذا العالم لا يهتزّ من جريمة ذبح طفلين صغيرين بدم بارد، لا لذنب ارتكبوه سوى انتمائهما الى أهل بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله، الرافض للظلم والطغيان، و الداعي لتطبيق قيم السماء. من قتل الطفلين الصغيرين؛ ابراهيم ومحمد؛ ولدي مسلم بن عقيل، كان مؤمناً بمخلفات الجاهلية، ومن اتباع منهج العنف والقسوة التي جاهد رسول الله ومن بعده أمير المؤمنين لمحاربتها، وتبيين خطلها كخيار للانتصار والغلبة، ومن ثم أدرك انسان اليوم هذه الحقيقة بفطرته السليمة أن "العنف يولد العنف"، بيد أن النظرة الضيقة الى المال والسلطة والجاه يقفز على القيم الانسانية والاخلاقية، فيبدو الربح السريع تفوقاً، والانتصار بالقتل او التهميش وإلغاء الآخرين ذكاءً سياسياً وعسكرياً، ولعل هذا ما أعطى المصداقية لمقولات مثل: "التاريخ يكتبه المنتصرون"، بمعنى؛ لا مكان للمقتول والفاقد للإمكانيات العسكرية والمالية والسياسية في هذا العالم، ولهذا الكلام جانب صغير من الصحّة، فالمنتصرون موجودون في التاريخ قطعاً، ولكن العبرة بالنتائج، وضحاياهم ايضاً موجودون، وللقرآن الكريم كلمة أخرى حاسمة ذات البعد الحضاري: {العَاقِبَة للمُتقين}. نفس هذا الرجل الذي قتل ولدي مسلم بن عقيل طمعاً بالجائزة، لما دخل على عبيد الله بن زياد في الكوفة طرح بين يديه رأس الولدين ظنه منه أن يأخذ بالمقابل الجائزة، فالتفت اليه ابن زياد: "ومن قال لك أن تضرب عنقهما؟! اذهب لا جائزة لك". ابن زياد، الأمير المنصوب من قبل يزيد بن معاوية، كان على علم بعدد الرجال والفتيان في معسكر الامام الحسين، عليه السلام، ومنهم؛ هذان الولدان لمسلم بن عقيل، وكانت معهما أخت لهما يُقال لها: "حميدة"، هي الوحيدة التي بقيت من آل عقيل في المدينة بعد واقعة عاشوراء. تتبع الطاغية أثرهما بعد عملية الاجتياح الغاشم لخيام نساء الامام الحسين بعد استشهاده، و بين لهيب النيران، ودخان الخيام، وعمليات السلب والنهب والترويع التي مارسها الجيش الأموي ضد عترة رسول الله، صلى الله عليه وآله، تمكن ابراهيم ومحمد من الهروب بعيداً عن ساحة المعركة باتجاه بساتين النخيل، ولجأوا عند امرأة صالحة، ليتكرر مشهد لجوء والدهم مسلم من قبل تلك المرأة الصالحة في الكوفة (طوعة). هذا الحدث كان يعد قدحاً في الانتصار العسكري لابن زياد وللمؤسسة العسكرية الأموية، فقد كاد أن يقتل الامام زين العابدين في مجلسه، عندما عرف بوجود شاب بعد مقتل كل أولئك الرجال، ولكن عمته العقيلة زينب حالت دون ذلك، لذا جدّ في طلب الولدين معلناً جائزة نقدية لمن يعثر عليهما، فما كان خطر الولدين على الدولة الأموية، وهما في وضع يحتاجان فيه الى الملجأ والأمان؟ الأسر، والسبي، والاستعباد، والاستضعاف، من مفردات الثقافة الجاهلية، فالقبيلة المتفوقة هي التي لديها الأسرى من الرجال والنساء، تحولهم عبيد تفعل بهم ما تشاء، وتستحوذ على أموالهم وممتلكاتهم، إنها ثقافة الغزو الجاهلية من اجل اهداف شخصية دنيئة، وهو المشهد الذي حرص الأمويون لترتيبه في الكوفة والشام للإيقاع بأهل بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله، دونما رادع من دين او ضمير، بل حتى قرار طواف موكب السبايا في طرقات الكوفة، ثم اختيار الطريق الأطول نحو الشام ليطلع أكبر عدد من سكان المناطق الاسلامية بما أنجزه الحاكم المنتصر، كان ضمن السيناريو الجاهلي المقيت للشماتة بانتصار الحق في المعارك التي قادها رسول الله، وأمير المؤمنين ضد الجاهلية والبغاة والمنافقين. ولكن؛ التاريخ الذي يذكر قادة فاتحين، وملوك فرضوا سيادتهم لفترة من الزمن، يقف إجلالاً واحتراماً لطفلين صغيرين ذبحا عند شط الفرات، وتم دفنهما دون رأسيهما، ليس لأنهما كانا في صفوف جيش منتصر، بل كانا في جبهة الحق والفضيلة التي لا تقرّ بالظلم والفتك وكل مفردات الرذيلة والباطل، وهي على استعداد للتضحية بكل شيء حتى "لا يزول الحق من مقره ويغلب الباطل على أهله"، كما نقرأ في دعاء الندبة، ثم يكونوا الحجة البالغة على الناس أجميعن ليعرفوا كيفية اختيار جبهتهم وموقفهم، وحتى: "لا يقول أحدٌ لولا أرسلت الينا رسولاً منذراً وأقمت لنا علماً هادياً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى".

الحرس الثوري: موجة جديدة ضمن 'الوعد الصادق 3'.. والطائرات المسيّرة تخترق دفاعات العدو
الحرس الثوري: موجة جديدة ضمن 'الوعد الصادق 3'.. والطائرات المسيّرة تخترق دفاعات العدو

المنار

timeمنذ 2 ساعات

  • المنار

الحرس الثوري: موجة جديدة ضمن 'الوعد الصادق 3'.. والطائرات المسيّرة تخترق دفاعات العدو

أصدر الحرس الثوري الإيراني، فجر السبت، بيانًا حول الموجة الثامنة عشرة من عملية 'الوعد الصادق 3″، في ما يلي نصه: بيان رقم 15 للعلاقات العامة في الحرس الثوري: تم تنفيذ الموجة الثامنة عشرة من عملية الوعد الصادق 3 في وسط فلسطين المحتلة ومطار بن غوريون ضدّ الأهداف العسكرية ومراكز الدعم العملياتي لجيش الكيان الصهيوني باستخدام عدد كبير من الطائرات الانتحارية والقتالية من طراز شاهد 136 والصواريخ الدقيقة العاملة بالوقود الصلب والسائل، وقد تم تدمير الأهداف المحدّدة مسبقًا بنجاح بفضل الله وقوته. من الجدير بالذكر أن عدة أسراب من طائرات شاهد 136 نفذت مهامها بشكل متواصل في أجواء الأراضي المحتلة الليلة، ولم تتمكّن أحدث منظومات الدفاع الجوي من اعتراضها، واضطرّ الصهاينة كالعادة إلى الفرار نحو الملاجئ. ستستمر العمليات المركبة من الصواريخ والطائرات المسيّرة بشكل مستمر وموجّه. المصدر: مواقع اخبارية

"حياؤهنّ، عفّتهن، وطبيعتهنّ الفيزيولوجية"
"حياؤهنّ، عفّتهن، وطبيعتهنّ الفيزيولوجية"

المدن

timeمنذ 3 ساعات

  • المدن

"حياؤهنّ، عفّتهن، وطبيعتهنّ الفيزيولوجية"

"عندما نقول أن المرأة هي نصف المجتمع؛ فإننا نعني ذلك، لا نقولها مجاملةً ولا سياسة، سنعمل على أن تحصل المرأة على حقوقها بما يحقّق التوازن الذهبي بين عفّتها وحيائها، وبين دورها في المجتمع". هذا ما قاله الرئيس السوري أحمد الشرع في لقائه بوفد نسائي مؤخراً ليتحدّث عن دور المرأة، في مناسبة عيد الأضحى المبارك. تعدّدت المناسبات والحديث واحد. فمنذ قيام الخليقة، والجدلية سيدة هذا الحديث: المرأة كتلة من العواطف، طبيعتها الفيزيولوجية، تحمّلت، صبرت فوق طاقتها، ركيزة أساسية، نصف المجتمع... كل هذه تذكرني بمقولة لزياد الرحباني: "لشو بكل رواية بدك تقول كلنا أخوة؟ إذا كلكن أخوة شو في لزوم تضل تقولا؟". وطالما المجتمع يؤمن بدورنا كنساء، نحن نصفه الآخر والأنداد، فلنضع نقطة على السطر ونبدأ بالعملي! والعملي الذي طبقته الحكومة الحالية جرى بالشكل التالي: عزل القاضيات كونهن يعملن بمهنة لا تتناسب و"فيزيولوجيتهن"، مُثّلت المرأة على استحياء بحقيبة وزارية واحدة، أصدر قرار وزاري يحدد أين يمكنها ارتداء البوركيني وأين ترتدي البكيني... دعونا من السياسة، وأنا لا أريد أن أحمّل الرجل ما لم يقله، إذ بدا لقاء الشرع بالنساء عفوياً، وإلى جانبه السيدة الأولى التي تمنيت لو أن الكاميرا سجّلت ما قالته في هذا اللقاء -في حال تحدّثت- وهذا الحشد الكبير من النسوة ليت صوت إحداهن وصل إلى مسمعنا. ماذا ناقشت؟ ماذا كان مطلبها من رئيس البلاد؟ أي أفق وعدها به؟ تلك الأسئلة كلها غابت وستبقى غائبة في كل محفل يتحدّث فيه الرجل عن المرأة بلسانه لا بلسانها. ماذا يريد الرجل من المرأة؟ في سهرة شبابية، شكا صديق يكلّله الحزن من أنه لا يحظى بنصفه الحلو، فقد تعثّر في الخطوبة ثلاث مرات، وكان هو من ينهي العلاقة ليمضي بحثاً عن ضالّة ليس يدريها. فزجره صديقه المستمع قائلاً: "إنت بدك ياها عفيفة وقحـ(...) سوا". فالشاب الحزين هجر الأولى لأنها قطة مغمضة، وترك الثانية لأنه شعر بأنها "متفتّحة" زيادة عن اللزوم. حسناً ماذا تريد أيها الشرقي؟! تقول آمنة نصر، وهي أستاذة جامعية، بأن كل ما يريده الشرقي من المرأة هو الطاعة، ويربط تلك الطاعة بالشأن الديني حتى لا تُكسر. أخ يوبخ أخته، ثم يتطور الأمر إلى الضرب، مؤكداً مع كل ضربة بأن الدين لا يجيز لها البيات خارج منزلها. لطالما أُعجبت بتلك الفتاة التي قررت الانفصال عن زوجها من دون أن أعلم دوافعها، أعجبت بشجاعتها. إلا أني سرعان ما أيقنت بأن المرأة في هذه البلاد لا تمتلك حقّ القرار. وإن امتلكته بالزواج، فهو ترف لن تناله بالطلاق. أسأل نفسي: من أين جلبت تلك الفتاة العشرينية الشجاعة لهكذا قرار؟ تحتفظ بولديها، تربيهما وحدها، تتحدّى العالم بأسره وتقول لا، لا أريد إلا ما أريد. كل أولئك الرجال يريدون التقرّب من الله بتطبيق "شريعته"، فيمنع الرجل زوجته من ممارسة حقّها في العمل بحجة القوامة، يضربها إن تمرّدت...وفقاً للشريعة! يطلبها لبيت الطاعة، تسجد له مجازاً لأن الدين أمرها، وتصبر عليه لتحصل على الجنة. في المقابل يصادرون إرثها، متعامين عن أن للذَّكَر حظ الأنثيَين! جدّتي أم فصيح كان جدي محبّاً للزراعة، يزرع القمح، والعصفر المضني في قطافه، سرّاً. يخبر جدتي بصوت متهدّج عندما يحين موعد الحصاد، ليجرف البيت سيلاً يرغي ويزبد احتجاجاً، فالمرأة الثمانينية لم تعد قادرة على مشقّة الحصاد. تحصد جدتي المحصول بمفردها، فنحن الصغار ندوّر أعشاش العصافير ولا نساعد. أما جدي فغير قادر على الحصاد، لماذا، لم أكن أعلم، وما زلت... جدتي لأمي تبتاع لوازم النوڤوتيه الذي يملكه جدي، وكلّما احتاج سلعةً، ساومت بحنكة التاجر وفاصَلت بائع الجملة حتى تحصل عليها بثمن معقول جداً، الجميع يسلّم على "الحاجة أم فصيح" أثناء مرورها في سوق الصوف وسوق الخياطين. نساء كثيرات لم تمنعهن طبيعتهن الفيزيولوجية تلك من ممارسة أعمال الرجال. تحمل وتُرضع وتسعى وتربّي، ثم تستغربون كيف صبرت على أيام الثورة العجاف ولم تُحنِ الظهر؟! إلى جدتي وكل من سار على دربها، كيف سأقنعهن بأنهن نصف المجتمع؟! إني لأسمع ضحكاتهن تجلجل فتملأ كتب الفلاسفة ونظريات الجندر واحتماليات الذكاء الاصطناعي. تقول سيدة والحسرة تملأ صوتها بأنها كرهت زوجها سبعين عاماً لأنها غُصبت عليه، وها هي تكرهه الآن وهو راقدٌ في قبره بلا حول ولا قوة:" تزوجتُه ليستطيع أخي أن يتزوج أخته"، تقولها وقهر العالم يجدل حبالها الصوتية. كلنا يعلم زواج المقايضة في المجتمعات المحافظة، وما إن يختلف زوجان، حتى يتم التفريق بين المقايضَين وإن كانا على وفاق. إذاً أين هي المناصفة؟ "وليّ أمري" لم تعد خافية على أحد شيطنة كل امرأة تتجرّأ لتبوح برأيها وفكرتها حول ما يجري في سوريا. ناشطات سياسيات وحقوقيات وصحافيات يتعرضن لأبشع الصفعات في وسائل التواصل. أراقب ما تنشره الصديقات من مضايقات ولسان حالي يقول: أتفهّم قوامة الرجل وما يمنحه لذاته من حقّ الاستهزاء بصاغرات العقل والدين، لكن ماذا عن المرأة التي تؤيده وتشدّ على يده؟ التناقض ما زال مرافقاً لنون النسوة، فكما كانت عبر العصور آلهة وملكة، كانت شيطاناً أو شيئاً يمكن سلبه الحياة. وأد البنات، الرق، كل هذا لم ينته اليوم، لكن الحداثة قَولَبته. سلب الإرادة من أبسط الأشياء، كحرية اللباس، تمارسه قوانين مجتمعية سنّتها العادات بالتقادم. وهلامية مفهوم العفة الذي يتسع ويضيق بحسب رغبة ولي الأمر. وما الحلّ؟ قال ابن رشد: "كل نقص يُنسب للمرأة، ليس له من مأتن إلا التربية؛ فلو ربينا هذا وذاك بالطريقة نفسها فإننا سننتج ذاتَين قادرتَين على الفعل والإضافة". طبّق والدي هذه القاعدة في تنشئتنا، ومنحني وأخواتي ثقة الرجال، حتى أنه يمازحني أحياناً حين أشكو من اسمي الذي لطالما أوحى بأني شاب، فيضحك ويقول: "مو أنتِ أخت الرجال أصلاً؟". وهذا ما قاله النبي محمد: "الرجال شقائق النساء"، إلا أن المجتمع الذكوري يحرّفه بحج "الطبيعة الفيزيولوجية، العفة، الحياء..." هاتفني أحد أقاربي غاضباً إذ قرأ لي منشوراً أنتقد فيه الحكومة، وقد علّق عليه شخص مجهول الهوية بألفاظ نابية. لن أناقش حرية التعبير وأدب الاختلاف. ما لفتني هو اللهجة المتشنّجة لقريبي الذي "أمَرَني" بأن أكفّ عن الكتابة "فلعائلتنا صيتها الطيب وأنتِ تهدمينه بكتاباتك الرعناء". وقال: "لا أريد أن أقرأ لك بعد اليوم ولا منشور. لا خير ولا شر، انتهى!". فكّرت قليلاً؛ ماذا لو كنتُ رجلاً، هل كان "ولي الأمر" ليخاطبني هكذا؟!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store