logo
هل تهاجم إسرائيل إيران رغم تحذيرات ترامب؟

هل تهاجم إسرائيل إيران رغم تحذيرات ترامب؟

جريدة الاياممنذ يوم واحد

قبل يومين، صرح الرئيس ترامب بأنه حث نتنياهو على عدم شن هجوم عسكري منفرد على المنشآت النووية الإيرانية، قائلاً إنه أبلغ نتنياهو بأن «هذا سيكون غير مناسب الآن لأننا قريبون جداً من حل»، موضحاً ذلك بالقول: «إذا تمكنا من تسوية الأمر بوثيقة قوية مع عمليات تفتيش، فسيكون ذلك أفضل بكثير من القصف».
لكن ترامب نفسه أضاف: «إن جميع الخيارات، بما في ذلك العمل العسكري، لا تزال مطروحة إذا فشلت المحادثات في منع إيران من تطوير أسلحة نووية».
تأتي تصريحات ترامب العلنية بعدم رغبته في أن تقوم إسرائيل بعمل عسكري مُنفرد ضد منشآت إيران النووية عشية تقارير استخباراتية تُفيد بأن إسرائيل تُعد نفسها للقيام بذلك بصرف النظر عن نتائج المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، آخذين بعين الاعتبار أن هذه النتائج، أيا كانت، لن تكون قريبة مما تريده هي.
إسرائيل تريد تفكيك البرنامج النووي الإيراني على الطريقة الليبية، بينما أكثر ما يُمكن أن تُقدمه إيران للولايات المتحدة هو اتفاق شبيه بما تم توقيعه مع الرئيس أوباما ومُلخصه تقليص قدراتها على تخصيب اليورانيوم إلى الحدود الدنيا، بالإضافة إلى تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي لديها ومخزونها من اليورانيوم المُخصب، والسماح برقابة مشددة على برنامجها النووي، وكل ذلك مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها.
إسرائيل رفضت سابقاً اتفاقاً كهذا، وهي من حرض الرئيس ترامب في ولايته الأولى على الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، لذلك من المؤكد أن إسرائيل اليوم لن تقبل باتفاق شبيه مع إيران حتى لو كان «بَطله» الرئيس ترامب، وحتى لو تضمن إجراءات رقابية أشد على البرنامج النووي الإيراني.
هنا يُصبح السؤال الآتي مشروعاً: هل تهاجم إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية وحدها رغم تحذيرات الرئيس ترامب بعدم القيام بذلك؟
يجادل الخبراء في الشؤون الإسرائيلية بما يأتي:
أولاً: إذا كانت الولايات المتحدة تعتبر القضية الفلسطينية شأناً داخلياً إسرائيلياً، وأن لها حرية التصرف في هذا الموضوع، فإن أيديها مُقيدة عندما تتعلق المسألة بالشرق الأوسط ككل لأن مصالح أميركا فيه لها الأولوية على المصالح الإسرائيلية.
بمعنى يُمكن لدولة الاحتلال إبادة الشعب الفلسطيني دون أن يؤثر ذلك على علاقاتها مع أميركا، لكن لا يُمكنها التحرك ضد إيران دون رغبة أميركا أو موافقتها.
ثانياً: يقول هؤلاء إن إسرائيل لا يُمكنها تدمير البرنامج النووي الإيراني وحدها، فهي لا تمتلك اللوجستيات الكافية والضرورية للقيام بذلك لأن تدمير هذا البرنامج لا يتوقف على «ضربة واحدة» تشنها الطائرات الإسرائيلية ولكن يحتاج إلى حملة جوية قد تستمر لمدة أسبوع، حتى تُؤتي هذه الضربات ثمارها وتحقق إلحاق أكبر دمار ممكن بهذا البرنامج. ولذلك فإن إسرائيل مُجبرة على الاعتماد على الولايات المتحدة للقيام بمثل هذه الحملة الجوية.
ثالثاً: يقولون إن أميركا لن تسمح لإسرائيل بالقيام بالعمل ضد إيران بشكل مُنفرد لأن الأخيرة قد تَعتبر أي هجوم إسرائيلي على منشآتها النووية هو هجوم مدعوم من الولايات المتحدة وهي بالتالي قد تستهدف القواعد العسكرية الأميركية الكثيرة في منطقة الخليج والقريبة من حدودها وهو ما لا تريده الولايات المتحدة.
هذه الأطروحات وعلى أهميتها تفتقد لرؤية العديد من المتغيرات السياسية التي حدثت في العقدين الأخيرين في كل من إسرائيل والولايات المتحدة، والتي تُشير بوضوح إلى أن إسرائيل قادرة على فرض أجندتها على الولايات المتحدة.
هذه المتغيرات تحتاج إلى المزيد من البحث لتدعيمها بالأدلة لكن شواهدها عديدة، ويمكن اختصارها هنا بالآتي:
أولاً: في الولايات المتحدة، كما في أوروبا الغربية، لم تعد إسرائيل تكترث بصورتها «كدولة ديمقراطية حريصة على حقوق الإنسان» كما كان الحال في السابق.
إسرائيل تعتمد اليوم بشكل كلي على عناصر الضغط التي راكمتها في الولايات المتحدة لتمرير سياساتها بما في ذلك نفوذها الكبير في الكونغرس، وفي مكتب الرئيس الأميركي نفسه، وفي مجالس النواب على مستوى الولايات، والتي تمكنها من فرض تشريعات لمصلحتها ومن التأثير على الرئيس الأميركي نفسه.
لاحظوا مثلاً القرار الذي قام بتمريره الكونغرس في 25 تشرين الثاني 2023 بغالبية 412 مقابل 10 أصوات وامتناع 6 عن التصويت والذي يؤكد «على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ويدين هجمات حماس، ويُعبر عن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، بما في ذلك دعم الإمدادات الطارئة لها وزيادة العقوبات على إيران».
هنالك عشرة تشريعات على الأقل في السنتين الأخيرتين مرت أو نوقشت في الكونغرس ضد إيران وهي تتراوح ما بين تعميق العقوبات الاقتصادية عليها والسماح للرئيس الأميركي بشن هجمات عسكرية عليها لمنعها من امتلاك سلاح نووي.
لاحظوا أيضاً تصريحات ستيف ويتكوف المتناقضة، وهو المكلف من ترامب بالتفاوض مع إيران.
هو من جهة قال إن الاتفاق مع إيران ممكن وقريب بعد الجولات الثلاث الأولى من المفاوضات، ثم عاد ليقول بعد أن طالبت إسرائيل بتفكيك البرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين «إن أميركا لن تقبل إلا «بصفر» تخصيب في منشآت إيران النووية».
لاحظوا أيضاً أن إسرائيل تحدت الرئيس أوباما ووقفت علناً ضد الاتفاق النووي الذي وقعه مع إيران ومنعت تمريره في الكونغرس، وأنها هي من أجبر الرئيس ترامب في ولايته الأولى على مغادرة هذا الاتفاق وفرض العقوبات الاقتصادية القصوى على إيران.
حينها قال نتنياهو: «الخيار ليس بين الحرب والاتفاق ولكن هنالك طريق ثالث»، وهو خيار العقوبات القصوى.
بالنظر إلى هذه الملاحظات والكثير غيرها ومثلها، لا يبدو لي أن الرئيس ترامب لديه «يد عليا» على إسرائيل يمكنه منعها من القيام بما تريد هي ضد إيران.
على العكس، يبدو من المشاهدات السابقة أن ترامب لن يتمكن من فرض أي اتفاق يقوم به مع إيران على إسرائيل أو على الكونغرس (والأخير مطلب إيراني).
ثانياً، المشهد الإسرائيلي تغير كثيراً. اليوم هنالك «عصابة دينية أيديولوجية « لها قواعد شعبية كبيرة تحكم إسرائيل ولديها غالبية مُستقرة في الكنيست الإسرائيلي حتى تشرين الأول 2026.
هذه العصابة، وخصوصاً بعد السابع من أكتوبر، تريد بسط هيمنتها على الشرق الأوسط ككل. لقد صرح نتنياهو بذلك علناً وعلى الأرض هو يقوم بذلك.
في فلسطين تستمر حرب الإبادة في غزة، وتستمر الحرب على المخيمات الفلسطينية في الضفة ومصادرة الأراضي فيها بشكل غير مسبوق. وفي لبنان تستمر إسرائيل بالقيام بضرباتها بشكل شبه يومي. وفي سورية تقوم إسرائيل بتوسيع احتلالها وبضرب ما تراه «تهديداً لأمنها»، وكل ذلك في ظل تأييد ودعم أميركي.
السيطرة على الشرق الأوسط لا يمكنها أن تتم دون ضرب إيران وإخضاعها.
بخلاف ذلك وفي نظر العصابة الحاكمة لإسرائيل اليوم، يُمكن لإيران إعادة بناء قوة «حزب الله» و»حماس» و»أنصار الله» وإعادة عجلة الساعة إلى ما قبل السابع من أكتوبر.
فقط من خلال ضرب إيران وإخضاعها، في رأيهم، يُمكن لإسرائيل أن تحقق الهيمنة التي تريدها في المنطقة وعليها.
ثالثاً، هنالك أخيراً بعد شخصي يتعلق بنتنياهو والعصابة التي يتحالف معها.
السابع من أكتوبر، طوفان الأقصى، يُمثل الهزيمة الأكبر في تاريخ دولة الاحتلال منذ نشأتها، وقد حدث أثناء وجودهم هم في الحكم في إسرائيل.
وبالتالي يرى نتنياهو والعصابة التي يحكم من خلالها، أن «الميراث السياسي» الذي يجب أن يتركوه ليس «الهزيمة» التي لحقت بهم في ذلك اليوم، ولكن «الأمن الكبير» التي أصبحت تنعم به إسرائيل من خلال «إبادة» أعدائها في غزة ولبنان، وتوسعة حدودها وتأمينها في سورية.
والأهم من كل ذلك، من خلال تدمير البرنامج النووي الإيراني، وهو أهم إنجاز يمكن أن تُقدمه هذه العصابة لجمهورها ولمن يعارضونها في إسرائيل (ضرب إيران وتدمير برنامجها النووي هو أيضاً مطلب للمعارضة الإسرائيلية).
وإذا تمكنت من ذلك، فهي لن تُغطي فقط، حسب اعتقادها، على هزيمة السابع من أكتوبر، ولكن ستضمن أن يُعاد انتخابها في السنة القادمة، وتتويج نتنياهو في التاريخ «ملكاً» لإسرائيل، تماماً مثل بن غوريون الذي أنشأها.
كل ذلك يعني أن إسرائيل ستقوم بمهاجمة إيران وحدها بصرف النظر عن نتائج المفاوضات بين أميركا وإيران، وهي ستقوم بذلك سواء بالتنسيق مع إدارة ترامب أو بعكس إرادتها.
بالتنسيق أفضل لها، لكن إذا كان ذلك غير ممكن فسيكون رغماً عنها، وهي مُطمئنة بما لها من نفوذ في واشنطن بأن أميركا «ستهرول» لنجدتها إن لم تتمكن من الانتصار على إيران وحدها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فلسطين... كسر السردية العالمية
فلسطين... كسر السردية العالمية

جريدة الايام

timeمنذ 6 ساعات

  • جريدة الايام

فلسطين... كسر السردية العالمية

من يتابع التحولات الكبرى في العلاقات الدولية وتوازنات القوة بين العواصم الكبرى، من واشنطن إلى بكين فموسكو، يدرك أن العالم يعيد التموقع على أسس تستلهم نظريات صُنّاع الحرب والاستراتيجية مثل كارل فون كلوزفيتز وسون تزو. في المقابل، تبدو أطروحات المفكر الأميركي الراحل جوزيف ناي، واضع نظرية «القوة الناعمة»، وكأنها تواجه اختبارا قاسيا في زمن انكشاف القيم الليبرالية وانهيار النظم الأخلاقية للدبلوماسية الغربية. والقضية الفلسطينية، في قلب هذا المشهد، لم تعد فقط ضحية سلاح أو قرار سياسي، بل ضحية خيانة عالمية لأبسط مفاهيم العدالة الإنسانية. جوزيف ناي، صاحب «القوة الناعمة» و»ملزمون بالقيادة»، لطالما حذّر من تقليص القوة إلى الإكراه والهيمنة العسكرية. رأى أن النفوذ العالمي لا يصنعه السلاح وحده، بل القدرة على الإقناع، على الإلهام، على إنتاج المعنى. القوة الناعمة عنده هي أن تُحبَّ لا أن تُخشى. ولكن، ماذا تبقّى من هذه القوة الناعمة الأميركية عندما نتأمل الموقف من فلسطين؟ لا شيء سوى رماد الخطاب وفضيحة الصمت. لقد كتب ناي في ذروة عهد ترامب أن رجل العقارات اختزل السلطة في الصفقات والإكراه، متجاهلاً عناصر الجاذبية الأميركية التي صنعت حضورها العالمي. لكن الواقع أن الانهيار لم يبدأ مع ترامب ولن ينتهي برحيله. فالموقف الأميركي من العدوان الإسرائيلي المستمر، من المجازر في غزة، من الحصار والتجويع والتهجير، كشف عن أن القوة الناعمة كانت دوما أداة براقة لتجميل القبح الإمبراطوري. الدعم الأعمى للاحتلال، و»الفيتو» الدائم ضد أي إدانة، ومليارات الأسلحة المغمّسة بدماء الأطفال الفلسطينيين، كل هذا أسقط ورقة التوت عن أخلاق النظام العالمي. ليست فلسطين فقط قضية تحرر وطني، بل مرآة لعطب العالم. إن ازدواجية المعايير، ودهس القانون الدولي، وتحويل الضحية إلى متّهم، جعلت من فلسطين «فضيحة أخلاقية» بامتياز. هل يُعقل أن يُبرَّر قتل عشرات آلاف المدنيين، نصفهم أطفال، بأنه «دفاع عن النفس»؟! هل يُعقل أن يُمنع دخول الغذاء والدواء لمليونَي إنسان، ثم يُطلب من العالم أن يصمت احتراما لـ»حق الاحتلال»؟! لقد انتحرت القوة الناعمة الأميركية على أبواب غزة. ومع هذا السقوط المدوي للأخلاق الرسمية، برزت معركة أخرى لا تقل ضراوة: معركة السردية. إسرائيل لم تكن فقط تحتل الأرض، بل تحتكر الرواية. لكن في العقد الأخير، ومع تصاعد وسائل التواصل الاجتماعي، بدأ الفلسطينيون ينتزعون حقهم في الحكي. لم تعد القضية حبيسة بيانات فصائلية أو خطابات رسمية، بل أصبحت حكايات يومية تُروى من تحت الأنقاض، من غرف العناية المركزة، من قبور الأطفال. هذه الرواية الجديدة، التي يشارك في صناعتها الصحافيون، الفنانون، الأسرى، وحتى الأمهات الثكالى، أصبحت شكلا من أشكال المقاومة. وهنا تكمن بذور «قوة ناعمة فلسطينية» تتنامى بهدوء لكنها تهزّ الصورة الإسرائيلية عالميا. والدليل؟ تصاعد حملات المقاطعة، الانقسام في الجامعات الغربية، وتزايد الأصوات اليهودية الرافضة للاحتلال. نعم، وبقوة. لا تملك فلسطين ترسانة عسكرية ولا شبكة علاقات دولية مؤثرة، لكنها تملك أداة فتاكة: الحقيقة. ومن يمتلك الحقيقة يمكنه أن يخلق تأثيرا يتجاوز الحدود. لكن ذلك يحتاج إلى وعي إستراتيجي: استثمار في الثقافة، الإعلام، التعليم، والفن، وتنسيق مع الحركات التضامنية عالميا. القوة الناعمة لا تُصنَع بالعفوية، بل بالتصميم والإرادة. كتب جوزيف ناي أن العالم بعد الأزمات الكبرى لا يعود كما كان. وإذا كانت الحرب العالمية الثانية قد أفرزت «الصفقة الجديدة»، فإن حرب الإبادة الجارية في غزة قد تفرز ملامح نظام عالمي جديد، إذا ما امتلكت الشعوب الإرادة لفرض سرديتها. نحن، اليوم، أمام لحظة تاريخية: إما أن نكون شعبا يُحرّر روايته، أو نبقى حطاما في هامش تاريخ يكتبه الآخرون. إن فلسطين، رغم الدم والخذلان، تملك ما لا تملكه إسرائيل: الشرعية، والحق، والضمير الإنساني؛ وهذه، في عالم مضطرب، هي القوة الناعمة الحقيقية.

ترامب : نقترب جدا من اتفاق بشأن غزة وسنعلن عن التفاصيل خلال اليوم أو ربما غدا
ترامب : نقترب جدا من اتفاق بشأن غزة وسنعلن عن التفاصيل خلال اليوم أو ربما غدا

شبكة أنباء شفا

timeمنذ 8 ساعات

  • شبكة أنباء شفا

ترامب : نقترب جدا من اتفاق بشأن غزة وسنعلن عن التفاصيل خلال اليوم أو ربما غدا

شفا – قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم الجمعة إنه يعتقد أن التوصل لاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحركة حماس أصبح قريبا وقد يتم الإعلان عنه قريبا. وقال ترامب، 'نحن قريبون جدًا من التوصل إلى اتفاق مع غزة، وسنوافيكم بالتفاصيل خلال اليوم أو ربما غدًا'، وهناك احتمال لذلك. وأعتقد أن لدينا فرصة لإبرام اتفاق. وينتظر المسؤولون الأمريكيون ردا رسميا من حماس بشأن ما قال مصدر إنه اتفاق مقترح لوقف إطلاق النار في غزة لمدة 60 يوما. وذكر ترامب أيضا للصحافيين في البيت الأبيض إنه يعتقد أن الولايات المتحدة قريبة من التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي.

هل تهاجم إسرائيل إيران رغم تحذيرات ترامب؟
هل تهاجم إسرائيل إيران رغم تحذيرات ترامب؟

جريدة الايام

timeمنذ يوم واحد

  • جريدة الايام

هل تهاجم إسرائيل إيران رغم تحذيرات ترامب؟

قبل يومين، صرح الرئيس ترامب بأنه حث نتنياهو على عدم شن هجوم عسكري منفرد على المنشآت النووية الإيرانية، قائلاً إنه أبلغ نتنياهو بأن «هذا سيكون غير مناسب الآن لأننا قريبون جداً من حل»، موضحاً ذلك بالقول: «إذا تمكنا من تسوية الأمر بوثيقة قوية مع عمليات تفتيش، فسيكون ذلك أفضل بكثير من القصف». لكن ترامب نفسه أضاف: «إن جميع الخيارات، بما في ذلك العمل العسكري، لا تزال مطروحة إذا فشلت المحادثات في منع إيران من تطوير أسلحة نووية». تأتي تصريحات ترامب العلنية بعدم رغبته في أن تقوم إسرائيل بعمل عسكري مُنفرد ضد منشآت إيران النووية عشية تقارير استخباراتية تُفيد بأن إسرائيل تُعد نفسها للقيام بذلك بصرف النظر عن نتائج المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، آخذين بعين الاعتبار أن هذه النتائج، أيا كانت، لن تكون قريبة مما تريده هي. إسرائيل تريد تفكيك البرنامج النووي الإيراني على الطريقة الليبية، بينما أكثر ما يُمكن أن تُقدمه إيران للولايات المتحدة هو اتفاق شبيه بما تم توقيعه مع الرئيس أوباما ومُلخصه تقليص قدراتها على تخصيب اليورانيوم إلى الحدود الدنيا، بالإضافة إلى تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي لديها ومخزونها من اليورانيوم المُخصب، والسماح برقابة مشددة على برنامجها النووي، وكل ذلك مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها. إسرائيل رفضت سابقاً اتفاقاً كهذا، وهي من حرض الرئيس ترامب في ولايته الأولى على الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، لذلك من المؤكد أن إسرائيل اليوم لن تقبل باتفاق شبيه مع إيران حتى لو كان «بَطله» الرئيس ترامب، وحتى لو تضمن إجراءات رقابية أشد على البرنامج النووي الإيراني. هنا يُصبح السؤال الآتي مشروعاً: هل تهاجم إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية وحدها رغم تحذيرات الرئيس ترامب بعدم القيام بذلك؟ يجادل الخبراء في الشؤون الإسرائيلية بما يأتي: أولاً: إذا كانت الولايات المتحدة تعتبر القضية الفلسطينية شأناً داخلياً إسرائيلياً، وأن لها حرية التصرف في هذا الموضوع، فإن أيديها مُقيدة عندما تتعلق المسألة بالشرق الأوسط ككل لأن مصالح أميركا فيه لها الأولوية على المصالح الإسرائيلية. بمعنى يُمكن لدولة الاحتلال إبادة الشعب الفلسطيني دون أن يؤثر ذلك على علاقاتها مع أميركا، لكن لا يُمكنها التحرك ضد إيران دون رغبة أميركا أو موافقتها. ثانياً: يقول هؤلاء إن إسرائيل لا يُمكنها تدمير البرنامج النووي الإيراني وحدها، فهي لا تمتلك اللوجستيات الكافية والضرورية للقيام بذلك لأن تدمير هذا البرنامج لا يتوقف على «ضربة واحدة» تشنها الطائرات الإسرائيلية ولكن يحتاج إلى حملة جوية قد تستمر لمدة أسبوع، حتى تُؤتي هذه الضربات ثمارها وتحقق إلحاق أكبر دمار ممكن بهذا البرنامج. ولذلك فإن إسرائيل مُجبرة على الاعتماد على الولايات المتحدة للقيام بمثل هذه الحملة الجوية. ثالثاً: يقولون إن أميركا لن تسمح لإسرائيل بالقيام بالعمل ضد إيران بشكل مُنفرد لأن الأخيرة قد تَعتبر أي هجوم إسرائيلي على منشآتها النووية هو هجوم مدعوم من الولايات المتحدة وهي بالتالي قد تستهدف القواعد العسكرية الأميركية الكثيرة في منطقة الخليج والقريبة من حدودها وهو ما لا تريده الولايات المتحدة. هذه الأطروحات وعلى أهميتها تفتقد لرؤية العديد من المتغيرات السياسية التي حدثت في العقدين الأخيرين في كل من إسرائيل والولايات المتحدة، والتي تُشير بوضوح إلى أن إسرائيل قادرة على فرض أجندتها على الولايات المتحدة. هذه المتغيرات تحتاج إلى المزيد من البحث لتدعيمها بالأدلة لكن شواهدها عديدة، ويمكن اختصارها هنا بالآتي: أولاً: في الولايات المتحدة، كما في أوروبا الغربية، لم تعد إسرائيل تكترث بصورتها «كدولة ديمقراطية حريصة على حقوق الإنسان» كما كان الحال في السابق. إسرائيل تعتمد اليوم بشكل كلي على عناصر الضغط التي راكمتها في الولايات المتحدة لتمرير سياساتها بما في ذلك نفوذها الكبير في الكونغرس، وفي مكتب الرئيس الأميركي نفسه، وفي مجالس النواب على مستوى الولايات، والتي تمكنها من فرض تشريعات لمصلحتها ومن التأثير على الرئيس الأميركي نفسه. لاحظوا مثلاً القرار الذي قام بتمريره الكونغرس في 25 تشرين الثاني 2023 بغالبية 412 مقابل 10 أصوات وامتناع 6 عن التصويت والذي يؤكد «على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ويدين هجمات حماس، ويُعبر عن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، بما في ذلك دعم الإمدادات الطارئة لها وزيادة العقوبات على إيران». هنالك عشرة تشريعات على الأقل في السنتين الأخيرتين مرت أو نوقشت في الكونغرس ضد إيران وهي تتراوح ما بين تعميق العقوبات الاقتصادية عليها والسماح للرئيس الأميركي بشن هجمات عسكرية عليها لمنعها من امتلاك سلاح نووي. لاحظوا أيضاً تصريحات ستيف ويتكوف المتناقضة، وهو المكلف من ترامب بالتفاوض مع إيران. هو من جهة قال إن الاتفاق مع إيران ممكن وقريب بعد الجولات الثلاث الأولى من المفاوضات، ثم عاد ليقول بعد أن طالبت إسرائيل بتفكيك البرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين «إن أميركا لن تقبل إلا «بصفر» تخصيب في منشآت إيران النووية». لاحظوا أيضاً أن إسرائيل تحدت الرئيس أوباما ووقفت علناً ضد الاتفاق النووي الذي وقعه مع إيران ومنعت تمريره في الكونغرس، وأنها هي من أجبر الرئيس ترامب في ولايته الأولى على مغادرة هذا الاتفاق وفرض العقوبات الاقتصادية القصوى على إيران. حينها قال نتنياهو: «الخيار ليس بين الحرب والاتفاق ولكن هنالك طريق ثالث»، وهو خيار العقوبات القصوى. بالنظر إلى هذه الملاحظات والكثير غيرها ومثلها، لا يبدو لي أن الرئيس ترامب لديه «يد عليا» على إسرائيل يمكنه منعها من القيام بما تريد هي ضد إيران. على العكس، يبدو من المشاهدات السابقة أن ترامب لن يتمكن من فرض أي اتفاق يقوم به مع إيران على إسرائيل أو على الكونغرس (والأخير مطلب إيراني). ثانياً، المشهد الإسرائيلي تغير كثيراً. اليوم هنالك «عصابة دينية أيديولوجية « لها قواعد شعبية كبيرة تحكم إسرائيل ولديها غالبية مُستقرة في الكنيست الإسرائيلي حتى تشرين الأول 2026. هذه العصابة، وخصوصاً بعد السابع من أكتوبر، تريد بسط هيمنتها على الشرق الأوسط ككل. لقد صرح نتنياهو بذلك علناً وعلى الأرض هو يقوم بذلك. في فلسطين تستمر حرب الإبادة في غزة، وتستمر الحرب على المخيمات الفلسطينية في الضفة ومصادرة الأراضي فيها بشكل غير مسبوق. وفي لبنان تستمر إسرائيل بالقيام بضرباتها بشكل شبه يومي. وفي سورية تقوم إسرائيل بتوسيع احتلالها وبضرب ما تراه «تهديداً لأمنها»، وكل ذلك في ظل تأييد ودعم أميركي. السيطرة على الشرق الأوسط لا يمكنها أن تتم دون ضرب إيران وإخضاعها. بخلاف ذلك وفي نظر العصابة الحاكمة لإسرائيل اليوم، يُمكن لإيران إعادة بناء قوة «حزب الله» و»حماس» و»أنصار الله» وإعادة عجلة الساعة إلى ما قبل السابع من أكتوبر. فقط من خلال ضرب إيران وإخضاعها، في رأيهم، يُمكن لإسرائيل أن تحقق الهيمنة التي تريدها في المنطقة وعليها. ثالثاً، هنالك أخيراً بعد شخصي يتعلق بنتنياهو والعصابة التي يتحالف معها. السابع من أكتوبر، طوفان الأقصى، يُمثل الهزيمة الأكبر في تاريخ دولة الاحتلال منذ نشأتها، وقد حدث أثناء وجودهم هم في الحكم في إسرائيل. وبالتالي يرى نتنياهو والعصابة التي يحكم من خلالها، أن «الميراث السياسي» الذي يجب أن يتركوه ليس «الهزيمة» التي لحقت بهم في ذلك اليوم، ولكن «الأمن الكبير» التي أصبحت تنعم به إسرائيل من خلال «إبادة» أعدائها في غزة ولبنان، وتوسعة حدودها وتأمينها في سورية. والأهم من كل ذلك، من خلال تدمير البرنامج النووي الإيراني، وهو أهم إنجاز يمكن أن تُقدمه هذه العصابة لجمهورها ولمن يعارضونها في إسرائيل (ضرب إيران وتدمير برنامجها النووي هو أيضاً مطلب للمعارضة الإسرائيلية). وإذا تمكنت من ذلك، فهي لن تُغطي فقط، حسب اعتقادها، على هزيمة السابع من أكتوبر، ولكن ستضمن أن يُعاد انتخابها في السنة القادمة، وتتويج نتنياهو في التاريخ «ملكاً» لإسرائيل، تماماً مثل بن غوريون الذي أنشأها. كل ذلك يعني أن إسرائيل ستقوم بمهاجمة إيران وحدها بصرف النظر عن نتائج المفاوضات بين أميركا وإيران، وهي ستقوم بذلك سواء بالتنسيق مع إدارة ترامب أو بعكس إرادتها. بالتنسيق أفضل لها، لكن إذا كان ذلك غير ممكن فسيكون رغماً عنها، وهي مُطمئنة بما لها من نفوذ في واشنطن بأن أميركا «ستهرول» لنجدتها إن لم تتمكن من الانتصار على إيران وحدها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store