
فلسطين... كسر السردية العالمية
من يتابع التحولات الكبرى في العلاقات الدولية وتوازنات القوة بين العواصم الكبرى، من واشنطن إلى بكين فموسكو، يدرك أن العالم يعيد التموقع على أسس تستلهم نظريات صُنّاع الحرب والاستراتيجية مثل كارل فون كلوزفيتز وسون تزو. في المقابل، تبدو أطروحات المفكر الأميركي الراحل جوزيف ناي، واضع نظرية «القوة الناعمة»، وكأنها تواجه اختبارا قاسيا في زمن انكشاف القيم الليبرالية وانهيار النظم الأخلاقية للدبلوماسية الغربية. والقضية الفلسطينية، في قلب هذا المشهد، لم تعد فقط ضحية سلاح أو قرار سياسي، بل ضحية خيانة عالمية لأبسط مفاهيم العدالة الإنسانية.
جوزيف ناي، صاحب «القوة الناعمة» و»ملزمون بالقيادة»، لطالما حذّر من تقليص القوة إلى الإكراه والهيمنة العسكرية. رأى أن النفوذ العالمي لا يصنعه السلاح وحده، بل القدرة على الإقناع، على الإلهام، على إنتاج المعنى. القوة الناعمة عنده هي أن تُحبَّ لا أن تُخشى. ولكن، ماذا تبقّى من هذه القوة الناعمة الأميركية عندما نتأمل الموقف من فلسطين؟ لا شيء سوى رماد الخطاب وفضيحة الصمت.
لقد كتب ناي في ذروة عهد ترامب أن رجل العقارات اختزل السلطة في الصفقات والإكراه، متجاهلاً عناصر الجاذبية الأميركية التي صنعت حضورها العالمي. لكن الواقع أن الانهيار لم يبدأ مع ترامب ولن ينتهي برحيله. فالموقف الأميركي من العدوان الإسرائيلي المستمر، من المجازر في غزة، من الحصار والتجويع والتهجير، كشف عن أن القوة الناعمة كانت دوما أداة براقة لتجميل القبح الإمبراطوري. الدعم الأعمى للاحتلال، و»الفيتو» الدائم ضد أي إدانة، ومليارات الأسلحة المغمّسة بدماء الأطفال الفلسطينيين، كل هذا أسقط ورقة التوت عن أخلاق النظام العالمي.
ليست فلسطين فقط قضية تحرر وطني، بل مرآة لعطب العالم. إن ازدواجية المعايير، ودهس القانون الدولي، وتحويل الضحية إلى متّهم، جعلت من فلسطين «فضيحة أخلاقية» بامتياز. هل يُعقل أن يُبرَّر قتل عشرات آلاف المدنيين، نصفهم أطفال، بأنه «دفاع عن النفس»؟! هل يُعقل أن يُمنع دخول الغذاء والدواء لمليونَي إنسان، ثم يُطلب من العالم أن يصمت احتراما لـ»حق الاحتلال»؟! لقد انتحرت القوة الناعمة الأميركية على أبواب غزة.
ومع هذا السقوط المدوي للأخلاق الرسمية، برزت معركة أخرى لا تقل ضراوة: معركة السردية. إسرائيل لم تكن فقط تحتل الأرض، بل تحتكر الرواية. لكن في العقد الأخير، ومع تصاعد وسائل التواصل الاجتماعي، بدأ الفلسطينيون ينتزعون حقهم في الحكي. لم تعد القضية حبيسة بيانات فصائلية أو خطابات رسمية، بل أصبحت حكايات يومية تُروى من تحت الأنقاض، من غرف العناية المركزة، من قبور الأطفال.
هذه الرواية الجديدة، التي يشارك في صناعتها الصحافيون، الفنانون، الأسرى، وحتى الأمهات الثكالى، أصبحت شكلا من أشكال المقاومة. وهنا تكمن بذور «قوة ناعمة فلسطينية» تتنامى بهدوء لكنها تهزّ الصورة الإسرائيلية عالميا. والدليل؟ تصاعد حملات المقاطعة، الانقسام في الجامعات الغربية، وتزايد الأصوات اليهودية الرافضة للاحتلال.
نعم، وبقوة. لا تملك فلسطين ترسانة عسكرية ولا شبكة علاقات دولية مؤثرة، لكنها تملك أداة فتاكة: الحقيقة. ومن يمتلك الحقيقة يمكنه أن يخلق تأثيرا يتجاوز الحدود. لكن ذلك يحتاج إلى وعي إستراتيجي: استثمار في الثقافة، الإعلام، التعليم، والفن، وتنسيق مع الحركات التضامنية عالميا. القوة الناعمة لا تُصنَع بالعفوية، بل بالتصميم والإرادة.
كتب جوزيف ناي أن العالم بعد الأزمات الكبرى لا يعود كما كان. وإذا كانت الحرب العالمية الثانية قد أفرزت «الصفقة الجديدة»، فإن حرب الإبادة الجارية في غزة قد تفرز ملامح نظام عالمي جديد، إذا ما امتلكت الشعوب الإرادة لفرض سرديتها. نحن، اليوم، أمام لحظة تاريخية: إما أن نكون شعبا يُحرّر روايته، أو نبقى حطاما في هامش تاريخ يكتبه الآخرون.
إن فلسطين، رغم الدم والخذلان، تملك ما لا تملكه إسرائيل: الشرعية، والحق، والضمير الإنساني؛ وهذه، في عالم مضطرب، هي القوة الناعمة الحقيقية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

جريدة الايام
منذ 8 ساعات
- جريدة الايام
المفاوضات مقابل الطعام
ملاحظتان واجبتان في ظل تعثر مفاوضات التهدئة التي تمتد لأشهر الآن. قبل الخوض بأي شيء فأنا مثل كل الفلسطينيين في غزة وأولئك من غير مناضلي الكيبورد خارجها، ممن يقولون بوقف الحرب بأي ثمن للحفاظ على شعبنا وبقائه. الملاحظة الأولى مدخل فيما الثانية هي جوهر هذا المقال. الملاحظة الأولى تتعلق بإدارة المفاوضات. قلنا على هذه الصفحة إن نتنياهو يستخدم المفاوضات وسيلة لإطالة عمر الحرب كما لتحسين صورة إسرائيل أمام العالم، فبدلاً من أن يقال إن إسرائيل تقاتل يقال إنها تفاوض على إنهاء الحرب، وهو أمر يمكن استخدامه أيضاً لترويض الجبهة الداخلية. وفيما نجح في إطالة عمر الحرب وجعل المفاوضات بوابة أوسع لكسب المزيد من الوقت فإنه لم يتمكن من خداع العالم الذي بات أكثر قلقاً من تجاهل إسرائيل لكل المطالب الأممية بوقف الحرب أو بالتخفيف عن سكان قطاع غزة، من خلال وقف المجاعة والحرمان والسماح بإدخال المساعدات وفق الآليات المتبعة سابقاً، وليس عبر توظيف المساعدات لاستكمال التطهير العرقي وحرب الإبادة. يتعلق بهذا إصرار حماس على التفاوض مع الإدارة الأميركية واعتبار مجرد التفاوض معها بمثابة انتصار واختراق وليس تلاعباً من قبل إدارة رجل الأعمال ترامب (كل شيء سلعة، حتى العلاقة مع الشيطان) بحماس وتوظيفها لخدمة أجندة البيت الأبيض. لاحظوا كيف صارت حماس ترفض الشيء ثم تقبل به فترفضه إسرائيل، ويقوم ويتكوف بجر حماس للقبول بورقة غامضة يقدم لإسرائيل نسخة معدلة عنها تحافظ على تماسك حكومته فترفضها حماس فتبدو أمام العالم الجهة المعطلة. وفي حالات سابقة ربما كان آخرها أيضاً إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي حامل الجنسية الأميركية مقابل لا شيء فقط طمعاً في تعميق العلاقة مع واشنطن على حساب معاناة الناس في غزة، فإن حماس عكست عدم وعي بطبيعة القوى الدولية، فيما كان يجب أن تترك مثل هذه الملفات والعلاقات مع القوى الخارجية لجهة التمثيل الفلسطيني الشرعي، أي القيادة الفلسطينية. وفيما تواجه إسرائيل ضغوطاً دولية شديدة من أجل إنهاء الحرب فإنها تحاول تشتيت الانتباه على رفض الطرف الفلسطيني. إسرائيل تضع ألف عقبة من أجل أن تستمر الحرب ومن أجل أن تواصل الإبادة، لذلك فإن إنهاء الحرب هو انتصار للبقاء الفلسطيني، ولكن للأسف حماس لا ترى في البقاء الفلسطيني انتصاراً بل في بقائها. الملاحظة الثانية: نجح نتنياهو في «بيع» حماس طعم السلام الاقتصادي الذي قاتلت القيادة الفلسطينية بشراسة من أجل رفضه، وأظن أن كل ما تتعرض له السلطة من مضايقات من قبل دولة الاحتلال واقتطاعات من المقاصة سببه رفض الرئيس أبو مازن قبول الطرح الذي ابتدعه نتنياهو السلام مقابل الاقتصاد أو أن أسمى غايات الفلسطينيين هو تحسين شروط معيشتهم وتطوير أدوات حياتهم دون أن يكون لهم مطالب سياسية أو حقوقية، فهم ليسوا أكثر من مجموعة بشرية (يمكن تعريفها أنها فلسطينية) ولكن هذه «الفلسطنة» لا تشير إلى كيانية بل إلى هوية ثقافية وليست سياسية ولا حقوقية، وعليه فإن طموحهم لا يجب أن يتعدى كسب فؤاد إسرائيل من أجل أن تسمح لهم بالمزيد من الطعام والشراب والطرق والسفر وغير ذلك. إن جوهر السلام الاقتصادي قائم على نفي أي مطلب سياسي، وبالتالي ليس فقط نسف السردية الوطنية الفلسطينية حول الحق التاريخي وحول ملكية الأرض وحول طبيعة العلاقة مع الاحتلال بل أيضاً تعزيز نفي الوجود الفلسطيني بشكل كامل وتأكيد السردية المضادة بأن الفلسطينيين وجدوا خطأ في التاريخ، وهو خطأ اعترض مسار التاريخ التوراتي ولكن بدافع إنساني بحت لا بأس من التعامل معهم ضمن مطالب حياتية ضيقة وسلبهم أي توجهات أخرى، بل ومعاقبتهم إن هم فكروا بتبني أي توجهات سياسية. هكذا فإن السلام الاقتصادي ليس إلا نسفاً للحقوق الوطنية. في حالة غزة نجح نتنياهو في تحويل كل النقاش في المفاوضات مع حماس إلى نقاش حول المساعدات. وفيما لا يمكن فهم الكثير من مواقف حماس إن لم يكن أغلبها خاصة لمواطن من غزة عاش الحرب فإن إدارتها لملف المساعدات في غزة والسرقات التي تتم والفروقات التي يلاحظها الناس بين فئات المجتمع حيث يتلقى البعض المساعدات ويحظي بسخاء واضح فيما يحرم الآخرون، وبصرف النظر عن ما يمكن أن يقال حول ذلك فإن من يتحمل المسؤولية الكاملة حول ذلك هي الجهة الحاكمة في غزة، أي حماس، لأنها الجهة المسؤولة عن حياة الناس بوصفها سلطة الأمر الواقع هناك. ما أقوله إن حماس لم تقع في فخ نتنياهو فقط بل إنها تقوم بتزيين الفخ لنفسها أو لعل هذه المساعدات هي مدخلها للحكم ولمواصلة التحكم بحياة الناس. لم يعد الخلاف على مفتاح التبادل بمعنى عدد المنوي الإفراج عنهم، يبدو أن هذا لم يعد هم حماس، بل إن جل النقاش حول المساعدات وإدارتها، حتى الإعمار لم يعد مطروحاً بشكل كبير، وحول المسافة التي ينسحب منها الجيش. أيضاً موضوع انسحاب الجيش من غزة وهو أمر لا بد منه، ولكن ألم تخسر حماس المعركة والقتال، لا يمكن أن تقول إنها صمدت حين يجوب الجيش كل شوارع غزة بدباباته، وعليه فإن الحديث عن الانسحاب من غزة أمر مختلف في نتائج الحرب. ولكن مرة أخرى «حماس» تتعامل وكأن السابع من أكتوبر لم يحدث وأن العالم لم يتغير بعده. ولكن نتنياهو لم يعد يتحدث عن السلام مقابل الاقتصاد بل الأسرى مقابل الطعام. وأيضاً الطعام وفق طريقته التي تتم هندستها من أجل تفريغ قطاع غزة من سكانه. سلام المساعدات هذا عبارة عن تفريغ لكل فكرة الصراع وتحويله من صراع وطني إلى اقتتال حول الطعام وسبل توزيعه وآليات إدارته. كان الأجدر بحماس ألا تخوض في هذا النقاش، وكان الأجدر بها أن تعرف أن غاية أي نقاش حول الحرب هو إنهاؤها وليس البحث في ترتيبات اليوم التالي. مرة أخرى حماس تتخطى المطالب الوطنية ولا تتصرف إلا وفق مصلحة حزبية ضيقة خاصة بأجندتها كتنظيم مسؤول عن غزة فيما السؤال الوطني العام في مكان آخر. لاحظوا كيف أن النقاش كله بات حول غزة، وكيف قادت سياسات حماس إلى فصل النضال في غزة عن مجمل النضال الوطني الفلسطيني. لا أحد يطلب من أهل غزة أن يتحملوا وحدهم وزر القضية الفلسطينية ولكن لا أحد يقبل أن يكون ثمة صراع لأهل غزة منفصل عن النضال الوطني. وماذا كانت النتيجة؟ صراع أهل غزة من أجل المساعدات، وفي أحسن الحالات من أجل انسحاب الجيش إلى شرق شارع صلاح الدين الذي لم يكن موجوداً فيه قبل السابع من أكتوبر. وإذا كانت الأمور تقاس بالخواتيم فهذه هي خواتيم ما جرى. صار هم الناس هو أن تتوقف الحرب، وتدخل المساعدات حتى لو أشرف عليها الشيطان أفضل من أن يسرقها من يدعي الحفاظ عليها من باب «حاميها حراميها»، وأن يخرج الجيش ليس خارج غزة بل أن يعود إلى خطوط وقف إطلاق النار في كانون الثاني. هذا هو حالنا اليوم وهذا ما وصلنا إليه.


جريدة الايام
منذ يوم واحد
- جريدة الايام
محكمة تقبل استئنافاً لترامب وتقضي بإبقاء رسومه الجمركية
واشنطن - أ ف ب: أصدرت محكمة استئناف، أول من أمس، قراراً بإبقاء الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب سارية، غداة حكم للمحكمة التجارية بتعليقها، وذلك بانتظار البت بجوهر القضية. وكانت الحكومة قد قدمت التماساً في نهاية الأسبوع الماضي لوقف تنفيذ القرار الذي أصدرته المحكمة التجارية الأربعاء الماضي، ونص على إبطال الرسوم الجمركية المعروفة بـ"المتبادلة" التي أرادها ترامب، فضلاً عن تلك المفروضة على الصين وكندا والمكسيك. وفيما لم يعترض القضاة الثلاثة في محكمة التجارة الدولية على إمكان البيت الأبيض زيادة الرسوم الجمركية الإضافية على الواردات، إلا انهم اعتبروا أن ذلك من صلاحية الكونغرس وأن ترامب تجاوز بذلك الصلاحيات المتاحة له. وكان قرار تعليق الرسوم قد شمل تلك المفروضة على كندا والمكسيك والصين المتهمة بعدم التحرك كفاية لمواجهة تهريب الفنتانيل، فضلاً عن الرسوم الجمركية الإضافية بنسبة 10% التي فرضت في الثاني من نيسان على السلع الداخلة إلى الولايات المتحدة والتي قد تصل إلى 50% بحسب البلد المصدر. ورحب ترامب بالتطور الأخير وهاجم المحكمة التجارية التي تتخذ من مانهاتن مقراً ووصفها بأنها "مروعة"، قائلاً: إنه يجب إلغاء قرارها "بسرعة وحسم" إلى الأبد. وكتب ترامب على منصته "تروث سوشيال": "لا يجب السماح للمحتالين في الخفاء بتدمير أمتنا"، مقدماً نفسه من جديد على أنه هدف لنظام قضائي متحيز. من جهته، قال البيت الأبيض في تعليق نشره على حساب "الاستجابة السريعة 47" التابع له على منصة "إكس": إن القرار "خاطئ بشكل واضح" مضيفاً: "نحن واثقون من أن هذا القرار سيتم نقضه بالاستئناف". قبل ذلك، ندد ناطق باسم البيت الأبيض بالقرار الصادر عن "قضاة غير منتخبين" لا يملكون "سلطة أن يقرروا بشأن إدارة حالة طوارئ وطنية بالشكل المناسب". وأضاف الناطق كاش ديساي: "تعهد الرئيس ترامب أن يضع الولايات المتحدة أولاً، وقررت الحكومة استخدام كل صلاحيات السلطة التنفيذية للاستجابة لهذه الأزمة واستعادة العظمة الأميركية". وقدمت إدارة ترامب على الفور دعوى لاستئناف القرار، الذي منح البيت الأبيض مهلة عشرة أيام لإتمام الإجراءات التنفيذية لوقف الرسوم الجمركية. وقدمت الحكومة طلباً، اطلعت عليه وكالة فرانس برس، لتعليق تطبيق القرار بشكل عاجل في حين تنظر محكمة الاستئناف في الموضوع، معلنة أنها مستعدة للجوء إلى المحكمة العليا للبت في هذا التعليق المؤقت. وجاء القرار في وقت يستخدم ترامب الرسوم الجمركية ورقة ضغط في مفاوضاته التجارية مع حلفائه وخصومه، بمن فيهم الاتحاد الأوروبي والصين. وردّت بكين التي فُرضت عليها رسوم جمركية بنسبة 145% قبل خفضها بشكل حاد لإفساح المجال للمفاوضات، على قرار المحكمة الأميركية داعية واشنطن إلى إلغاء هذه الرسوم. وقالت الناطقة باسم وزارة التجارة الصينية هي يونغشيان خلال مؤتمر صحافي: "تحث الصين الولايات المتحدة على الإصغاء إلى أصوات المنطق الصادرة عن المجتمع الدولي وأطراف وطنية مختلفة وإلغاء الرسوم الجمركية غير المبررة المفروضة من جانب واحد، بشكل تام". أما رئيس الوزراء الكندي مارك كارني فقال أمام برلمان بلاده: "ترحب الحكومة بقرار الأمس (الأربعاء)، وهو يؤكد موقف كندا الذي اعتبر هذه الرسوم الجمركية غير قانونية وغير مبررة". لكن كارني أضاف: "نعتقد أن علاقاتنا التجارية مع الولايات المتحدة لا تزال مهددة بشدة" بسبب الرسوم الجمركية التي لا تزال سارية على قطاع الصلب والألمنيوم والسيارات، معرباً عن أمله في "تعزيز تعاوننا مع شركاء تجاريين وحلفاء موثوق بهم في جميع أنحاء العالم". واعتبر القضاة في الحكم الذي اطّلعت عليه وكالة فرانس برس، الأربعاء الماضي، أنّه لا يمكن للرئيس أن يتذرّع بقانون الاستجابة الاقتصادية الطارئة لعام 1977 الذي لجأ إليه لإصدار مراسيم رئاسية، "لفرض رسوم إضافية غير محدودة على المنتجات المستوردة من كل الدول تقريباً". وأضاف القضاة: إن المراسيم التي أصدرها ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض "تتجاوز السلطات الممنوحة للرئيس بموجب القانون" الذي يمكن اللجوء إليه في حالات الطوارئ الاقتصادية "لضبط الواردات عبر استخدام الرسوم الجمركية". وأشارت المحكمة إلى أن هذا القانون "يسمح للرئيس بفرض العقوبات الاقتصادية اللازمة عند حصول حالة طوارئ اقتصادية لمواجهة تهديد غير عادي وغير مألوف". وشدد القضاة على أن أي تفسير للقانون يمنح الرئيس "سلطة لا محدودة على الرسوم الجمركية مخالف للدستور". لكن مستشار البيت الأبيض للتجارة بيتر نافارو قال في هذا الصدد: "لا شك أن هذه حالة طوارئ اقتصادية. نعتقد أن لدينا حججاً قوية". ورأى زعيم الأقلية الديمقراطية في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي غريغوري ميكس، في بيان، أن القرار يؤكد "أن الرسوم الجمركية تشكل استغلالاً غير قانوني للسلطة التنفيذية". وأتى قرار المحكمة بعد شكويين قدمتا في الأسابيع الأخيرة إحداهما من جانب تحالف يضم 12 ولاية أميركية لا سيما أريزونا وأوريغن ونيويورك ومينيسوتا، والثانية من جانب مجموعة شركات أميركية. وأخذت الشكويان تحديداً على دونالد ترامب استخدام قانون لا يسمح له باللجوء إلى تدابير طارئة لفرض رسوم جمركية، وهي سلطة يمنحها الدستور للكونغرس. وقد استندت المحكمة إلى هذه الحجة في قرارها. منذ عودته إلى البيت الأبيض، استخدم ترامب الرسوم الجمركية سلاحاً رئيسياً في سياسته التجارية فضلاً عن تحفيز الصناعة في البلاد والضغط على دول أخرى. في الثاني من نيسان فرض الرسوم الجمركية المسماة "متبادلة" والتي تشمل كل دول العالم قبل أن يتراجع أمام انهيار الأسواق المالية. وعلق الرسوم الجمركية باستثناء نسبة 10%، لتسعين يوماً لإفساح المجال أمام مفاوضات تجارية. وقال محللون في مجموعة "كابيتال إيكونوميكس" ومقرها لندن: إن القضية قد تُحال على المحكمة العليا. وأضافوا: "لكن من غير المرجح أن يُمثل ذلك نهاية حرب الرسوم الجمركية، بالنظر إلى الخيارات الأخرى المتاحة لإدارة ترامب لفرض الرسوم"، مشيرين إلى أن الرئيس الأميركي قد يسعى إلى استخدام بنود أخرى في القانون الأميركي أو الحصول على موافقة الكونغرس على الرسوم.


جريدة الايام
منذ يوم واحد
- جريدة الايام
إسرائيل على الرصيف مهزومة ومرتبكة
أرادت «حماس» صفقة تضمن استمرار وجودها في غزة ووقف الحرب، وأرادت حكومة إسرائيل صفقة تضمن استمرار سيطرتها في غزة واستئناف الحرب. المهمة التي أخذها بشارة بحبح، مبعوث ترامب إلى «حماس»، على عاتقه، وستيف ويتكوف، مبعوث ترامب إلى إسرائيل، كانت مليئة بالتحدي. كيف نجعل الطرفين يقبلان مساراً لا يضمن إعطاءهما أياً من المطالب التي طرحاها. مثلما علّمنا هنري كيسنجر، في أوضاع كهذه لا مفر من عدم الكذب. الكذب هو الزيت الذي يدخل المفتاح، والكف التي تدخل القدم في الحذاء. شرح بحبح، في الدوحة، لممثل «حماس» بأن 10 مخطوفين أحياء أيضا سيصعبون على حكومة إسرائيل خرق وقف النار، وربما يصعبون عليها أكثر. فشهادات 10 يتحررون وصرخة عائلات لا يزال أعزاؤها في الأسر ستقوم بالواجب، وستخلق دينامية. في هذه الأثناء، سينسحب الجيش الإسرائيلي من كل القطاع باستثناء غلافه الداخلي، ويسمح لـ»حماس» بأن تسيطر على توزيع المساعدات وإعادة بناء نفسها. وشرح ويتكوف، في واشنطن، لديرمر وبرنياع، مبعوثي نتنياهو أن المنحى هو المنحى ذاته، والحرب هي الحرب ذاتها. إسرائيل لا يمكنها أن تستند إلى الأبد إلى رفض «حماس». من الأفضل لنتنياهو أن يقول نعم، وإلا فسيواجه غضب الرئيس المنفلت. الصفقات تتم في نقطة زمنية تكون فيها للطرفين مصلحة مشتركة؛ وكبديل تتم عندما يقتنع الطرفان بأن بوسعهما أن يخرقا الصفقة ويخرجا بسلام. طرف واحد في هذه القصة قاتل، وطرف ثانٍ محتال. أي منهما ليس جديرا بالثقة. وعليه فلا يتبقى لنا غير أن نرافق بالدموع وبالعناق 10 مخطوفين أحياء يعودون إلى الديار وتدفن 18 عائلة قتلاها وتغلق الدائرة. الرقم 600 وحشي: 600 يوم و600 ليلة. وهو يعطي تعبيراً ليس فقط عن معاناة المخطوفين وضائقة العائلات، بل أيضا لانعدام الوسيلة لدى الدولة في ضوء التبطل المتواصل. أطول حروب إسرائيل حيال أصغر أعدائها. انقلبت أمور كثيرة في عالمنا في هذه الـ 600 يوم. أمران بقيا على حالهما، ثابتين ومستقرين: الحكومة والحرب. الحكومة توجد بفضل الحرب؛ الحرب تتواصل بفضل الحكومة. لكل شيء سيئ توجد سابقة، لكني لا أعتقد أنه يمكن أن نشير إلى حرب في الماضي تحكمت فيها بهذا القدر اعتبارات الراحة السياسية. انظروا إلى وزراء الحكومة. إلى المواضيع التي تشغلهم. إلى مستواهم الشخصي. إلى الأعداء الذين يريدون أن يبيدوهم والثورات التي يريدون أن يحدثوها. إلى تصريحاتهم في جلسات الحكومة وفي الشبكة: هؤلاء هم الأصفار الذين صنعوا الـ 600. المأساة والمهزلة عمليا، ايران هي دولة نووية. لا يستهدف استخدام كلمة «حافة» إلا أغراض التغطية. السؤال ليس إذا كانت إسرائيل قادرة على أن تهاجم النووي الإيراني بدون إذن إسناد ودعم من الولايات المتحدة. لنفترض أنها قادرة. السؤال هو ماذا يقدّم هذا؟ هل سيؤجل الانطلاق الرسمي الإيراني نحو مكانة دولة نووية أم العكس، يعطي تبريرا للانطلاق بمبرر الدفاع عن النفس؟ في هذا الأسبوع، نشر أن مبعوثي نتنياهو إلى البيت الأبيض، ديرمر وبرنياع، أوضحا لإدارة ترامب أنها إذا توصلت إلى اتفاق نووي مع الإيرانيين يتعارض وتوقعات إسرائيل فإن «الاتفاق لن يلزم إسرائيل، مثلما لم يلزمها الاتفاق الذي وقعه الرئيس أوباما». وكما يقول الاقتباس الشهير عن كارل ماركس، يكرر التاريخ نفسه بداية كمأساة، بعد ذلك كمهزلة. قبل 10 سنوات، رفض نتنياهو الاتفاق رفضا باتا. تخلى عن إمكانية التأثير على مضمونه. وبدلاً من هذا شن حرباً ضد الرئيس في واشنطن بما في ذلك في الكونغرس من خلف ظهر الرئيس. وكانت النتيجة معاكسة: بدلاً من منع الاتفاق، دفع إدارة أوباما إلى الإسراع بالتوقيع على الاتفاق بشروط اقل جودة. في أيار 2018، بإلهام من نتنياهو، انسحب ترامب من الاتفاق. كان هذا الخطأ الثاني: بدلاً من منع سباق إيران إلى النووي، حرر ترامب الحبال. العملية العسكرية، التي تمناها نتنياهو، لم تحدث لا بقرار أميركي ولا بقرار إسرائيلي. بينيت، الذي خلف نتنياهو في رئاسة الوزراء، ادعى بأن الملفات التي وجدها في هذا الموضوع كانت فارغة. ولم يصل بايدن، الذي أعاد بدء المفاوضات مع ايران، إلى نتائج. الآن، يجرب ترامب قوته. كعادته يبحث عن إنجاز سريع، لامع، ومبهر: صفقة القرن. في وسائل الإعلام الأميركية أشاروا، هذا الأسبوع، إلى أنه من نهاية نيسان يعد ترامب، ويعود ليعد، بأنه يوشك على إنجاز اتفاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا «في غضون أسبوعين». «هذان هما أطول أسبوعين في التاريخ»، كما لاحظ بسخرية مراسل «سي.ان.ان». ترامب ليس أوباما. الكياسة لا تعنيه. وقد اختار أن يرد على تهديد إسرائيل بمكالمة تحذير هاتفية مباشرة إلى إذن نتنياهو وبرد علني، أمام الكاميرات. في عهد أوباما امتطى نتنياهو ظهر كونغرس جمهوري، قفز على كل فرصة للخصام مع الرئيس. فعلى من سيمتطي الآن؟ على الديمقراطيين الذين فقدهم؟ على الجمهوريين الذين يأتمرون بإمرة ترامب؟ ما هي الغاية من تهديد لا يمكن تحقيقه؟ ايران نووية هي بشرى سيئة. وها هو، مرة أخرى ينطلق القطاع على الدرب ومرة أخرى تبقى إسرائيل على الرصيف، مهزومة ومرتبكة. ترامب، مسيح حقنا، توقف عن إحصائنا. عن «يديعوت»