
الدار البيضاء.. فرنسا تكرم الجنود المغاربة بمناسبة الذكرى 80 لانتصار الحلفاء
الألباب المغربية
ترأس السفير الفرنسي بالمغرب، كريستوف لوكورتييه، يوم أمس، حفلا عسكريا بمقر القنصلية العامة لفرنسا في الدار البيضاء، تخليدا للذكرى الثمانين لانتصار 8 ماي 1945، وذلك بحضور والي جهة الدار البيضاء-سطات، محمد امهيدية، إلى جانب عدد من الشخصيات العسكرية والمدنية والدبلوماسية.
وفي كلمة بالمناسبة، عبّر السفير الفرنسي عن اعتزاز بلاده بالمشاركة البطولية لعشرات الآلاف من الجنود المغاربة الذين لبّوا نداء الواجب خلال الحرب العالمية الثانية، وساهموا في تحرير فرنسا وتحقيق النصر النهائي لقوات الحلفاء في أوروبا.
وأكد لوكورتييه، أن هذه الذكرى تشكل لحظة قوية لاستحضار الذاكرة الجماعية وتكريم التضحيات المشتركة، مشددا على متانة روابط الصداقة والتاريخ التي تجمع بين الشعبين المغربي والفرنسي.
ويعد انتصار 8 ماي 1945، لحظة حاسمة في تاريخ أوروبا والعالم، حيث شكّل نهاية الحرب العالمية الثانية على الجبهة الأوروبية.
وتخلّد فرنسا سنويا بمراسم عسكرية لتكريم أرواح المقاتلين الذين ضحوا من أجل الحرية، ومن بينهم آلاف الجنود المغاربة الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي في مختلف الجبهات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


كواليس اليوم
منذ 2 أيام
- كواليس اليوم
القومية العربية في ميزان الانتماء
الدكتور حسن العاصي أكاديمي وباحث في الأنثروبولوجيا تخلى العديد من العرب ـ لأسباب مختلفة ـ عن إيمانهم بالأمة العربية، وأصبحوا يشككون علناً في وجود قومية عربية جماعية. وأخذ البعض يُفضّل اعتبار أنفسهم مسلمين في المقام الأول، وأنهم ينتمون إلى الأمة الإسلامية. وقد تحوّل مصطلح 'العرب' في قاموسهم إلى تسمية مهينة ـ في بعض الأحيان ـ توحي بالإسراف، والسطحية، وعدم الكفاءة، والتبعية. فيما يُفضّل عرب آخرون أن يُعرفوا بوضوح بأنهم مصريون، أو سوريون، أو أردنيون، أو عراقيون. مواطنون في أكثر من إحدى وعشرين دولة مستقلة ـ باستثناء فلسطين المحتلة ـ لكل منها علمها ومصالحها الخاصة. حتى أن بعضهم لجأ إلى وصف أنفسهم بالشرق أوسطيين، تحسباً لسلام عربي إسرائيلي ونظام تعاون إقليمي جديد على غرار أوروبا. ويتمسك قلة من المثقفين على شعلة الحماس العربي والقومية متقدة. وهم غالباً ما يكونون في الخارج، في لندن أو باريس، أو في عواصم غربية أخرى حيث يتشاجرون حول ما إذا كانت العروبة والقومية العربية في حالة ركود، أم أنها في مرحلة التعافي. كان الشعور بـ'العروبة' قائماً منذ أن وطأت أقدام العرب مسرح التاريخ، وظلت محل تفاوض من قِبَل كل جيل لما يقرب من ألف عام ونصف. في هذا الجيل، يجب أن يتكيف هذا الشعور 'العروبي' مع ازدياد الولاء للدولة العربية القطرية، وتنامي التيارات الإسلامية، والانتصار العالمي للديمقراطية الليبرالية، وصعود رأسمالية السوق، والاختراقات التي حققتها إسرائيل في عدد من الدول العربية، واحتمال السلام معها. كانت جميعها عوامل أثرت سلباً على القومية العربية في تطورها على مدار معظم القرن الماضي ولغاية اليوم. لا شك أن 'العروبة' قادرة على استيعاب التحديات الجديدة، كما فعلت دائماً. فالقومية العربية ـ وهي إبداع حديث لهذا القرن ـ قد تتلاشى تماماً تحت وطأتها. ولكن مهما كانت آفاق القومية العربية، فإن تاريخها حتى هذه اللحظة يمثل أحد أبرز الأمثلة على سرعة نشوء أي قومية حديثة وصعودها وتراجعها. هذا التاريخ يستحق رواية جديدة، لأنه لم يُستدعَ في النقاش الأوسع حول تنامي عدم الاستقرار. لقد كان هناك وقتٌ حظيت فيه القومية العربية بمكانةٍ بارزةٍ في الدراسات المقارنة للقومية، لكنها أصبحت لاحقاً حكراً على المتخصصين. حاول المؤرخان البريطاني 'أرنولد توينبي' Arnold Toynbee والمؤرخ الأمريكي 'هانز كون' Hans Kohnدمج القومية العربية في إطارٍ مقارن أوسع، أصبحا مناصريها الفعليين بين الحربين العالميتين، على الرغم من تحفظاتهما على القومية في كتابهما 'القومية العربية: هوية خاطئة' Arab Nationalism: Mistaken Identity. لقد قبل ـ توينبي للسياسة البريطانية، وكوهن للصهيونية – أكثر شعارات القومية العربية تطرفاً باعتبارها بيانات عن حقائق اجتماعية أو ادعاءات أخلاقية لا تقبل الجدل، ولم يروا أياً من التناقضات الكامنة وراءها. وعندما نالت الدول العربية استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية، برزت هذه التناقضات بكل تعقيداتها، وأبقت المنظرين اللاحقين على مسافة. كتب المحاضر والفيلسوف الأمريكي 'روبرت إيمرسون' Robert Emerson بانزعاجٍ لا يخفيه: 'لا يُمكن لأيّ ملخصٍ موجزٍ للتاريخ الطويل والمعقد للعالم العربي أن يُفكّك القوى التي شكّلت دوله وشعوبه'. وأضاف: 'لإجراء تحليلٍ شامل، من الضروري تقييم السجلّ الكامل للتجربة العربية، بما في ذلك مسائل مثل الانقسامات القبلية والطائفية وغيرها، وآثار الحكم العثماني، ومكائد القوى الأوروبية، ودور الإسلام واللغة والثقافة العربية'. باختصار، كانت هذه مهمةً لشخصٍ آخر يعرفها بشكلٍ أفضل. لكن حتى أولئك المقارنون الذين يعرفون القومية العربية جيداً اختاروا عدم جعلها محور مقارناتهم، ربما خوفاً من إدخال القارئ العام في متاهة. تظل الحالة العربية حالة معقدة للغاية وفقاً للمعايير الأوروبية. يبلغ عدد الناطقين بالعربية اليوم أكثر من أربعمائة وثلاثة وعشرون مليون نسمة، في منطقة تمتد من شواطئ المحيط الأطلسي في المغرب إلى بحر العرب – وهي منطقة تمتد موازية لجميع أنحاء أوروبا من ساحل المحيط الأطلسي في شبه جزيرة أيبيريا إلى جبال الأورال. لم تدّع أي قومية أوروبية وجود جمهور محتمل بهذا الحجم، أو الاتساع، أو التشرذم. لم يكن من السهل أبداً توثيق التطور التاريخي للوعي السياسي في هذه المنطقة، ولا يزال هناك قصور في دراسته. ولم تنشأ القومية العربية كرد فعل مباشر على الحكم الإمبراطوري الغربي، مثل الأنواع المألوفة في أماكن أخرى في آسيا وأفريقيا. فقد شهدت بعض الشعوب العربية أكثر من قرن من الحكم الغربي المباشر، بينما لم تشهد شعوب أخرى أي حكم غربي على الإطلاق. نتيجةً لذلك، سلكت القومية العربية مساراتٍ تطوريةً متمايزةً في الهلال الخصيب، وشبه الجزيرة العربية، ووادي النيل، وساحل شمال إفريقيا. لقد واجهت كلٌّ من هذه المناطق الغربَ بشروطٍ مختلفة، وفي أوقاتٍ مختلفة. تكاثرت أشكال القومية العربية، بل وألهمت أحياناً تصنيفاتٍ منفصلة، مثل الناصرية، والبعثية، وتصنيفاتٍ فرعيةً أكثر غموضاً مثل البعثية الجديدة. وأصبح العديد من هذه التيارات متنافسةً، حتى وصل الأمر إلى إراقة الدماء. هذا جعل من الصعب التعميم بشأن القومية العربية، ومن عدم الأمانة نشر مثل هذه التعميمات في النقاش الأوسع حول القومية. إن تتبع المسار السياسي للقومية العربية الذي رسمه الشعراء عبر مراحلها التاريخية، وتوصيف علاقتها بتلك الأفكار والهويات الأخرى التي جذبت 'ناطقي الضاد' قضية صعبة وشائكة. إنها قصة قومية نشأت بشكل متقطع، وانتشرت بشكل دراماتيكي، ثم تعثرت وفشلت. إنها سردية عشرات الملايين من الناس الذين آمن كثير منهم بالعروبة، ثم زعموا أنهم يحملون هوية خاطئة، وأنهم كانوا أشخاصاً آخرين طوال الوقت. ظهور العروبة ظهرت العروبة لأول مرة في القرن التاسع عشر، ليس كرد فعل مباشر على الحكم الغربي، بل كنقدٍ لحالة الإمبراطورية العثمانية، التي امتد نفوذها ليشمل معظم الشعوب الناطقة بالعربية منذ أوائل القرن السادس عشر. ولما يقرب من أربعمائة عام، كان هؤلاء الناطقون بالعربية متصالحين تماماً مع دورهم في الإمبراطورية. كان مقر الإمبراطورية في إسطنبول، وكانت أراضيها الشاسعة تُدار باللغة التركية العثمانية. لكن العثمانيين كانوا قد اعتنقوا الإسلام، كما فعلت الغالبية العظمى من رعاياهم الناطقين بالعربية. وتطورت دولتهم كخلافة إسلامية تضم جميع رعايا السلطان العثماني المسلمين، أياً كانت لغتهم. واحتفظ المسلمون الناطقون بالعربية باعتزازهم بلغتهم. فقد نُزِّل القرآن الكريم بالعربية إلى نبي عربي في القرن السابع. كما احتفوا بتاريخ الفتوحات العربية المبكرة، التي حملت الإسلام من نهر 'جيحون' ـ الذي عرف قديما باسم 'أوكسوس' ولدى العرب باسم جيحون، يتكون من التقاء نهري 'فخش' و'باندج' الذين ينبعان من جبال 'بامير' في آسيا الوسطى، والذي عبره الفاتح 'قتيبة بن مسلم' بجيشه إبان الفتوحات الإسلامية ـ إلى جبال 'البرانس' وهي سلسلة جبلية تقع جنوب غرب أوروبا، بين فرنسا وإسبانيا وتمثل الحدود الطبيعية بينهما، تمتد لمسافة قدرها 430 كلم من خليج 'بسكاي' بالمحيط الأطلسي في الغرب إلى البحر المتوسط في الشرق. وافتخروا بأنسابهم التي ربطتهم بشبه الجزيرة العربية في فجر الإسلام. إخلاص العرب للإسلام ربطهم بمسلمين يتحدثون لغات أخرى ويفخرون بأنساب أخرى، والذين أضفوا حيوية جديدة على الدفاع عن الإسلام وانتشاره. فمنذ القرن الخامس عشر، أظهر العثمانيون هذه الحيوية بحماسة أوصلت الإسلام إلى أبواب فيينا. ورأى جميع المسلمين التابعين للخلافة العثمانية أنفسهم مشاركين ومستفيدين من هذا المشروع الإسلامي، ولم يُميّزوا بين العرب والترك. ولكن مع التراجع النسبي للقوة العثمانية، وخاصة في القرن التاسع عشر، بدأت أسس هذا التكافل تضعف. كان البساط العثماني العظيم يُطوى من طرفيه: من قِبَل القوى العظمى الأوروبية، المنخرطة في تنافس إمبريالي، ومن قِبَل الرعايا المسيحيين الساخطين من الحكم العثماني في أوروبا، الذين اتخذ نضالهم من أجل الاستقلال طابعاً قومياً. شرع العثمانيون في سلسلة من الإصلاحات الغربية، لكنهم فقدوا في النهاية موطئ قدمهم في البلقان، والقوقاز، وشمال إفريقيا، ومصر. مع تضاؤل الإمبراطورية، تضاءلت ثقة رعاياها المتبقين، بل وظهر بعض السخط في الأقاليم الناطقة بالعربية المتبقية من الإمبراطورية، في شبه الجزيرة العربية والهلال الخصيب. وهو السخط الذي عُرف لاحقًا باسم 'الصحوة' العربية. ولا تزال العديد من الخلافات تدور حول طبيعة ومدى هذا السخط، ولكن من المتفق عليه عموماً أنه استُند إلى مصدرين. أولًا: كانت هناك مجتمعات الأقليات المسيحية الناطقة بالعربية، المتأثرة كثيراً بالتيارات الأوروبية، والتي عملت على تحويل اللغة العربية إلى وسيلة للعمل التبشيري والتعلم الحديث. فمنذ منتصف القرن التاسع عشر تقريباً، ساهمت جهودهم بشكل كبير في إثارة الاهتمام بالأدب العربي العلماني، من خلال تكييف اللغة العربية مع الأعراف الحديثة للصحافة والرواية والمسرح. ولم يُترجم الإحياء الأدبي العربي، الذي تمركز في بيروت، إلى قومية عربية فوراً، لكنه دافع عن وجود ثقافة عربية علمانية، يُفترض أن المسيحيين والمسلمين ساهموا فيها على قدم المساواة. ومن خلال التركيز على هذا الإرث العربي المشترك، سعت الأقلية المسيحية إلى تقليص تحيز الأغلبية المسلمة ومنح المسيحيين المساواة الكاملة كمواطنين عرب. نشأت العروبة من مصدر ثانٍ أيضاً لطالما استحوذت التنافسات على النخبة المسلمة الناطقة بالعربية، لا سيما في ظل التنافس الشديد على التعيينات في المناصب الحكومية العثمانية والوظائف البيروقراطية. وقد تحولت مظالم أولئك الذين غفل عنهم الولاة العثمانيون مقابل هذه الغنائم أحياناً إلى مطالبة إسطنبول بمنح الولايات الناطقة بالعربية مزيداً من الاستقلالية في إدارة شؤونها. مع بداية القرن العشرين، انتشرت هذه العروبة في جميع المدن الكبرى في الإمبراطورية العثمانية حيث كانت اللغة العربية تُستخدم، لكنها تركزت في دمشق، حيث بدأ أتباعها في تنظيم أنفسهم. وبينما كانت عروبة المسلمين تشبه عروبة المسيحيين في فخرهم باللغة، إلا أنها اختلفت جوهرياً في تعلقها العميق بالإسلام. وقد لاقت استحسان المسلمين من خلال القول بأن عظمة العرب تكمن في فهمهم المتميز للإسلام. لقد أنشأ العرب، باسم الإسلام، إمبراطوريةً وحضارةً عظيمتين، والعرب وحدهم قادرون على إعادة الإسلام إلى عظمته الأصيلة. لم يكن هناك أي طابع علماني في هذا الادعاء بالعبقرية العربية، الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالدفاعيات والإصلاحات الإسلامية. فشلت هذه 'الصحوة العربية'، المسيحية والإسلامية، في إنتاج نقد اجتماعي لاذع أو لغة سياسية حديثة بحق. وفي النهاية هزمت نفسها بدفاعها المُبرر عن التقاليد والدين، لكنها ذهبت بعيداً بما يكفي لزعزعة ثقة بعض الناطقين بالعربية في شرعية الحكم العثماني، حتى أن بعض مُوزعي الكتيبات حاولوا إثارة المخاوف العثمانية (والدعم الأجنبي) بنشر منشورات باسم 'حركة عربية'. ظهرت معظم هذه المنشورات في أوروبا، وبدأت بعض صحف الرأي في عواصم أوروبا بمناقشة 'القضية العربية'. كان النقاش سابقاً لأوانه. في عام 1907 قدمت الرحالة الإنجليزية 'جيرترود بيل' Gertrude Bell التي قضت جزءًا كبيراً من حياتها في استكشاف الشرق الأوسط ورسم خرائطه، وأصبحت مؤثرة للغاية في صنع السياسات الإمبراطورية البريطانية بفضل معرفتها ومعارفها التي بنتها من خلال رحلاتها المكثفة. كانت بيل تعتقد أن زخم القومية العربية لا يمكن إيقافه، وأن على الحكومة البريطانية التحالف مع القوميين بدلاً من الوقوف في وجههم. ودافعت عن استقلال الدول العربية في الشرق الأوسط عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية، ودعمت تنصيب الممالك الهاشمية فيما يُعرف اليوم بالأردن والعراق. قدمت بيل تقييماً شائعاً لهذه التحركات: ما قيمة الجمعيات القومية العربية والمنشورات التحريضية التي تصدرها المطابع الأجنبية؟ الإجابة سهلة: إنهم لا يساوون شيئاً على الإطلاق. لا توجد أمة من العرب؛ التاجر السوري منفصل عن البدو بهاوية أوسع من تلك التي يفصله عنها العثمانيون. فالبلاد السورية يسكنها أعراق ناطقة بالعربية، جميعها متلهفة للتناحر، ولا يمنعها من تحقيق رغباتها الطبيعية إلا الجندي المهلهل الذي يتقاضى أجر السلطان بين الحين والآخر. ومع ذلك، مع حلول عشية الحرب العالمية الأولى، بدأت العروبة تتخذ شكلاً أكثر وضوحاً في مواجهة التحديين المتمثلين في التتريك والصهيونية. فقد هدد التتريك الوضع الثقافي الراهن. لقد تعرض الناطقون باللغة التركية في الإمبراطورية العثمانية للقومية على النمط الأوروبي، إلى حد كبير من خلال اختراقها لمنطقة البلقان. ثم بدأ المسلمون الناطقون بالتركية في بناء هوية جديدة لأنفسهم كأتراك، وهو اتجاه عززه علماء اللغة والرومانسيون الغربيون الذين سعوا إلى ترسيخ عظمة الحضارة 'الطورانية' القديمة. ومع تعثر الإمبراطورية العثمانية، حاولت السلطات العثمانية منح الإمبراطورية متعددة اللغات طابع الدولة القومية الأوروبية من خلال فرض استخدام اللغة التركية على حساب لغات أخرى، بما في ذلك العربية. أثارت هذه السياسة التي لم تُنفَّذ بالكامل، بعض المخاوف في الولايات العربية عشية الحرب العالمية الأولى، وربما ساهمت في حشد أنصار العروبة الثقافية لتحقيق هدف سياسي. كما هدد الاستيطان الصهيوني في فلسطين الوضع السياسي الراهن. تسامحت السلطات العثمانية مع تدفق الهجرة اليهودية، اعتقاداً منها أنها ستصب في مصلحة الإمبراطورية في نهاية المطاف، كما فعلت في موجات متتالية منذ محاكم التفتيش الإسبانية. لكن لم يتفق بذلك جميع رعايا السلطان، إذ رأت هذه الموجة الأخيرة من المهاجرين أن الأرض التي يستقرون عليها ليست مجرد ملجأ، بل دولة في طور الإنشاء. ومع تزايد وتيرة الهجرة والاستيطان الصهيوني، ازداد قلق جيرانهم المباشرين إزاء احتمالية التهجير الوشيكة. ومنذ مطلع القرن العشرين، أصبحت السياسة العثمانية تجاه الصهيونية موضع جدل وانتقادات متزايدة في الصحافة العربية. وهكذا نشأت العروبة من قلق متزايد إزاء وتيرة التغيير واتجاهه. ومع ذلك، فبينما استمرت الإمبراطورية العثمانية، لم تتطور العروبة إلى قومية مكتملة الأركان. نادى أتباعها باللامركزية الإدارية، وليس بالاستقلال العربي، ولم تكن لديهم رؤية لنظام ما بعد العثمانية. تخيلوا حلاً في شكل حكومة مسؤولة، وأبدوا إعجاباً غامضاً بالديمقراطيات الليبرالية في الغرب، وخاصة في فرنسا وإنجلترا، على الرغم من أنهم لم يفهموا تماماً معنى شعار 'الحرية'. وفوق كل ذلك، كانوا عمليين، ولم ينغمسوا في أحلام القوة العربية. كانت مظالمهم، على حد تعبير أحد منتقدي القومية العربية في وقت لاحق، محلية ومحددة؛ كانت تتعلق بجودة الخدمات الحكومية أو بالنطاق المناسب للإدارة المحلية؛ وكان أولئك الذين سعوا إلى الإنصاف من هذه المظالم في الغالب رجالاً معروفين في مجتمعاتهم، قادرين ربما على إجراء معارضة دستورية رصينة، ولكن ليس على الترفيه عن طموحات عظيمة لا حدود لها. في عشية الحرب العالمية الأولى، كان لا يزال عدد قليل من المسلمين والمسيحيين الناطقين بالعربية لم يكن لديهم أي شك في شرعية الدولة العثمانية. الأمة العربية والإمبراطوريات الأوروبية فرضت الحرب العالمية الأولى على أتباع العروبة خياراً. فبعد تردد، دخلت الإمبراطورية العثمانية الحرب الأوروبية إلى جانب ألمانيا، مما دفع بريطانيا وفرنسا إلى تأجيج كل شرارة معارضة في الإمبراطورية. أما الحلفاء، فقد دعوا إلى استقلال ما أسموه 'الأمة العربية'، ووجدوا في النهاية شريكاً في حاكم مكة المكرمة، الشريف حسين. كانت لدى الشريف رؤية طموحة لـ'مملكة عربية' شاسعة لعائلته، وفي عام 1915، حصل على التزامات من بريطانيا بشأن استقلالها المستقبلي وحدودها. وفي عام 1916، رفع أخيراً راية الثورة ضد الحكم العثماني. لم تكن الثورة العربية التي اندلعت في شبه الجزيرة العربية مرتبطة ارتباطاً وثيقا بالفكر العروبي الذي برز في الهلال الخصيب، بل عبرت بأمانة عن طموح الشريف في الحكم، وعن حماس قبائل الصحراء العربية للبنادق والذهب البريطاني. ومع ذلك، أقام ابنا الشريف، الأميران فيصل وعبد الله، اتصالاتٍ مع الجمعيات العربية الموجودة في دمشق، وجنّدت الثورة ضباطاً عرباً منشقين فرّوا من الجيش العثماني. كان هؤلاء الضباط قد التحقوا بالأكاديميات العسكرية العثمانية، حيث تشربوا فكرة الجيش 'مدرسة الأمة' من الضباط الألمان الذين دربوهم وقدّموا لهم المشورة. وهكذا، خلقت الثورة مزيجاً متقلباً، حلم المشاركون فيه، على اختلافهم، بأحلام مختلفة، كالملكية العربية، والفوضى الصحراوية، والدستورية الليبرالية، والديكتاتورية العسكرية. مع استمرار الثورة، علّقوا خلافاتهم في سعيهم نحو الاستقلال. في عام 1918، ومع تراجع العثمانيين أمام القوات البريطانية في فلسطين، بلغت الثورة العربية ذروتها بانتصار قاده فيصل إلى دمشق، وشكّل هناك 'حكومة عربية'. وفي عام 1919، ذهب إلى فرساي، حيث طلب الاعتراف بـ'الشعوب الناطقة بالعربية في آسيا' كـ'شعوب مستقلة ذات سيادة'، وعدم اتخاذ 'أي خطوات تتعارض مع احتمال اتحاد هذه المناطق في نهاية المطاف تحت حكومة ذات سيادة واحدة'. أخيراً، في عام 1920، أعلن 'المؤتمر السوري العام' استقلال 'المملكة السورية المتحدة' التي ضمت بلاد الشام بأكملها، ونصّبَ الأمير فيصل ملكاً. ومن دمشق، أعلن 'المؤتمر العراقي' أيضاً استقلال العراق، تحت حكم الأمير عبد الله. دخلت الأمة عربية لعبة الأمم، ومنذ البداية، قدّم أعضاؤها مطالبات بعيدة المدى اصطدمت بمطالب أخرى. أبرزها، أن بريطانيا تعهدت بالتزامات حربية تجاه فرنسا والحركة الصهيونية. الأولى: ما يُسمى باتفاقية سايكس، بيكو، اعترفت سراً بمعظم شمال بلاد الشام كمنطقة امتياز فرنسي. والثانية: وعد بلفور، حيث دعمت علناً إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين. كما كان لبريطانيا مصالح استراتيجية واقتصادية في الأراضي التي طالب بها الشريف حسين وأبناؤه. حُسمت المطالبات المتناقضة في أبريل/نيسان 1920، في مؤتمر سان ريمو، حيث اتفقت بريطانيا وفرنسا على تقسيم الأراضي العثمانية المحتلة، والتي خططتا لإدارتها بموجب انتدابات منفصلة تابعة لعصبة الأمم. وبناءً على هذه الاتفاقيات، طردت القوات الفرنسية فيصل وأتباعه من دمشق في معركة قصيرة في يوليو/تموز، وفرضت الحكم الفرنسي على سوريا الذي استمر ربع قرن. وفي الوقت نفسه، بدأت بريطانيا في الوفاء بالتزامها بموجب وعد بلفور بفتح فلسطين أمام هجرة واستيطان صهيونيين أوسع نطاقاً. اندلع العنف العربي ضد اليهود لأول مرة في أبريل، مُنذراً بالصراع بين العرب واليهود الذي أصبح سمةً ثابتةً من سمات الانتداب البريطاني على فلسطين. إعادة تعريف القومية في يونيو، اندلع تمرد واسع النطاق ضد البريطانيين في العراق، والذي قمعته القوات البريطانية بالقوة. واتهم القوميون العرب، على نحو متزايد، بأن الحكم العثماني قد حل محله الإمبريالية البريطانية والفرنسية، وهي حكومة أكثر غرابة من سابقتها الإسلامية. تحركت بريطانيا لتعويض قادة الثورة العربية عام 1921: فعيّنت فيصل ملكاً على العراق في حدود موسعة، وأنشأت إمارة شرق الأردن ضمن الانتداب على فلسطين، ثم أعفتها من الهجرة الصهيونية وسلمتها إلى عبد الله. لكن القوميين العرب كانوا يضمرون الآن ضغينة عميقة تجاه بريطانيا وفرنسا بسبب تقسيم الأراضي التي أرادوها، وحرمانهم من الاستقلال في فلسطين وسوريا، اللذين اعتقدوا أنهما وُعدوا بهما. بدأت القومية العربية، التي كانت مستوحاةً من ليبرالية الغرب، تُعيد تعريف نفسها على أنها نفيٌّ لإمبرياليتها. كان للتقسيم التعسفي للهلال الخصيب صحة كبيرة. لم تكن أي من الدول الجديدة متناسبة مع مجتمع سياسي. سوريا، لبنان، العراق، شرق الأردن، فلسطين، لبنان. هذه الأسماء مستمدة من الجغرافيا أو التاريخ الكلاسيكي، وحدودها تعكس إلى حد كبير التنافس الإمبراطوري على الموقع الاستراتيجي أو النفط. فقط فكرة لبنان كانت لها بعض العمق التاريخي، حيث حافظ المسيحيون الموارنة في جبل لبنان على شعور قوي بهوية منفصلة وحققوا بعض الحكم الذاتي حتى في أواخر العهد العثماني. لكن الموارنة كانوا قلة، وحدود لبنان التي رسمها الفرنسيون عام 1920 (بإصرار الموارنة) شملت أعداداً كبيرة من المسلمين. حاول الموارنة لاحقاً اختلاق فكرة أمة لبنانية، تتميز بتجارة بحرية وثقافة تعود إلى عهد الفينيقيين، قبل ظهور أي من الديانات المعاصرة للبنان. لكن الموارنة فشلوا في إقناع المسلمين في لبنان بأن فكرة 'لبنان الأبدي' لا تعبر إلا عن التضامن الطائفي للموارنة أنفسهم. اعتبر نصف سكان لبنان إدماجهم القسري في لبنان خدعة أخرى من خدع الإمبريالية، لا تقل قسوة عن الخدع الأخرى التي اعتقد القوميون العرب أنها استُخدمت ضدهم عام 1920. لكن فكرة الأمة العربية بدت تعسفيةً بالنسبة لمعظم من يُفترض أنهم أعضاء فيها. وقد أرضت هذه الفكرة صانعي الثورة العربية وداعميها، الذين أعادوا تنظيم صفوفهم في العراق بعد هروبهم من سوريا، وأقاموا هناك دولة قومية عربية أخرى. لكن في مجتمعات الهلال الخصيب المتشرذمة، لم يكن هناك سوى قلة من الناس معتادين على اعتبار أنفسهم عرباً. كما في العهد العثماني، استمر معظمهم في تصنيف أنفسهم حسب الدين والطائفة والنسب. كانوا مسلمين أو مسيحيين، سنة أو شيعة، موارنة أو دروز، أعضاءً في هذه العشيرة، أو تلك، أو العائلة، أو القبيلة، أو القرية، أو الحي الحضري. لم يرغبوا في أن يحكمهم أجانب من وراء البحار. لكنهم لم يرغبوا أيضاً في أن يحكمهم غرباء من وراء الصحراء، حتى لو تحدثوا العربية. خلال الحرب، مارس بعضهم دبلوماسيتهم الخاصة، لضمان استقلالهم المنفصل. بعد الحرب، ثبت أن كسب ولائهم صعب، كما اكتشف القوميون العرب سريعاً. أثبتت الدولة القومية العربية بقيادة فيصل في دمشق أنها فوضوية، واعتمد حكمه اللاحق في العراق على حراب البريطانيين. في المراسلات، أطلق البريطانيون على فيصل لقب 'المفروض العظيم'، غريباً عن رعيته، مُنح نظاماً سياسياً مجزأً بحدود تعسفية. كان القوميون العرب في حاشية فيصل يحلمون بدولة عربية عظيمة، ولكن كل ما استطاعوا فعله هو الحفاظ على وحدة العرب الذين حكموهم. مع انجذاب الجماهير إلى القومية العربية التي لم تختر أن تكون عربية، طوّر القوميون العرب عقيدةً حرمتهم من أي خيار آخر. بين الحربين، تخلّى القوميون العرب تدريجياً عن الفكرة الفرنسية عن الأمة كعقد طوعي، يُشكّله الأفراد لضمان حريتهم. وباتت أمتهم، على نحو متزايد، تُشبه الشعب الألماني، أمةً طبيعيةً فوق كل إرادة بشرية، مُقيّدةً بغموض اللغة والتراث. وحدة هذه الأمة وحدها كفيلٌ باستعادة عظمتها، حتى لو كان ثمن الوحدة التنازل عن الحرية. كان لا بد من خوض هذا النضال ليس فقط ضد الإمبريالية، بل أيضاً ضد من يُريدون أن يكونوا عرباً أنفسهم. لم يكن جميعهم راغبين في أن يكونوا عرباً، بل أعلن بعضهم صراحةً أنهم شيء آخر. في مثل هذه الحالات، أوكلت القومية العربية إلى نفسها مهمة تثقيفهم على الهوية العربية، ويفضل أن يكون ذلك بالإقناع، وإن لزم بالإكراه. يقول 'ساطع الحصري' في كتابه 'ما هي القومية' أول منظّر حقيقي للقومية العربية ومؤتمن على أسرار فيصل: 'كل من يتكلم العربية فهو عربي. وكل من ينتمي إلى هؤلاء فهو عربي. فإن لم يكن يعلم ذلك أو لم يكن عزيزاً على عروبته، فعلينا أن ندرس أسباب موقفه. قد يكون ذلك نتيجة جهل، فعلينا أن نعلمه الحقيقة. وقد يكون ذلك بسبب جهله أو خداعه، فعلينا أن نوقظه ونطمئنه'. قد يكون ذلك نتيجة الأنانية؟ إذًا يجب أن نعمل على الحد من أنانيته. أنذر هذا المقطع بانحراف القومية العربية بعيداً عن النموذج الليبرالي للمجتمع الطوعي. كتب الحصري عام 1930: 'يمكننا القول إن النظام الذي يجب أن نوجه إليه آمالنا وتطلعاتنا هو نظام فاشي'، رافعًا شعار 'التضامن والطاعة والتضحية'. وقد لاقت فكرة الأمة كجيش مطيع استحساناً فورياً لدى الجيش نفسه، وخاصةً لدى ضباطه. ترافق ذلك مع تنامي النزعة العسكرية، والاعتقاد بأن القوات المسلحة وحدها القادرة على تجاوز 'أنانية' الطائفة والعشيرة، وفرض الانضباط على الأمة. وكان العراق رائداً في هذا التوجه. فقد نال استقلاله عام 1930وانضم إلى عصبة الأمم عام 1932. وبعد أقل من عام، ارتكب الجيش مذبحة بحق الأقلية الآشورية (النسطورية المسيحية)، المتهمة بالكفر. وفي عام 1936، أسس انقلاب عسكري ديكتاتورية عسكرية مكشوفة، باسم الوحدة الوطنية. أخيراً في عام 1941 قادت طغمة من العقداء العراق إلى حرب 'تحرير' مع بريطانيا، والتي خسرها على الفور، والتي أشعل خلالها القوميون مذبحة ضد يهود بغداد. أقليات يُساء معاملتها، وعسكريون أقوياء، ومعارك خاسرة. بالنظر إلى الماضي، توقعت تجربة العراق المبكرة في الاستقلال عصراً كاملاً من القومية العربية. ومع ذلك، اكتسبت هذه القومية، وامتدادها المُبالغ فيه، أي القومية العربية، شعبية هائلة منذ ثلاثينيات القرن العشرين. بدأت الهجرة المتسارعة من مخيمات الصحراء إلى المدن المستقرة، ومن القرى إلى المدن، في فكّ الروابط الأصيلة، مما قلّل من مقاومة الأيديولوجية القومية. ومع اتساع نطاق التعليم، قام المعلمون القوميون العرب بتلقين جماهير من الشباب، من المرحلة الابتدائية إلى الجامعة. وأدى انتشار محو الأمية ونمو الصحافة العربية إلى نشر رسالة القومية العربية في كل فصل دراسي ونادٍ ومقهى. في النقاشات العامة، سيطرت القومية العربية تدريجياً على الخطاب السياسي، وأصبحت جميع الولاءات الأخرى غير قابلة للوصف. كما بدأت تنتشر خارج الهلال الخصيب، لتشمل مصر أولاً، ثم شمال إفريقيا. خضعت إفريقيا الناطقة بالعربية للحكم الأجنبي قبل آسيا الناطقة بالعربية. بدأت فرنسا استعمار الجزائر عام 1830 واحتلت تونس عام 1881، بينما احتلت بريطانيا مصر عام 1882. في كل مرة، كانت هناك مقاومة للحكم الأجنبي. لكنها صيغت كوطنية محلية، وفي معظم الحالات، مشوبة بصبغة إسلامية قوية. وحتى ثلاثينيات القرن العشرين، لم يعتبر سوى قلة من المصريين أنفسهم عرباً، ولم يُدرج القوميون العرب الأوائل مصر في رؤيتهم. وفي شمال إفريقيا، كانت نسبة كبيرة من السكان تتحدث اللغة الأمازيغية، واتخذت مقاومة الحكم الأجنبي شكلًا إسلامياً، لأن الإسلام وحده هو الذي وحد سكانها. لكن تعريفاً للأمة العربية قائماً على اللغة لم يستطع أن يستبعد لفترة طويلة أفريقيا الناطقة بالعربية، وقد خلقت جغرافية الإمبريالية نفسها رابطاً محتملاً للتضامن بين الجزائري والسوري، والمصري والعراقي. بمرور الوقت، بدأ عدد متزايد من المصريين وشمال إفريقيا يعتبرون أنفسهم عرباً. ومن المفارقات أن إمبراطوريتا بريطانيا وفرنسا ربطت الدول الناطقة بالعربية، والتي لم تكن تتمتع بروابط عضوية تُذكر في العصر العثماني، مما ألهم لأول مرة فكرة عالم عربي يمتد من المحيط الأطلسي إلى الخليج. في ذلك الوقت، لم يكن تقسيم هذا العالم قد بدا دائماً، ولم تكن رسالة القومية العربية، الداعية إلى الاستقلال التام ووحدة جميع العرب في كل مكان، تبدو مُفتعلة تماماً


يا بلادي
منذ 4 أيام
- يا بلادي
المغرب يحتضن أول "دار للخريجين" لتعميق التعاون الأكاديمي مع فرنسا
يمثل افتتاح "دار الخريجين" في المغرب مبادرة فريدة من نوعها على مستوى العالم، تزامنًا مع الإطلاق الرسمي للنسخة الثالثة من "أيام الخريجين العالمية"، التي نظمتها "كامبوس فرانس المغرب" في مدن الدار البيضاء، الرباط، مراكش، فاس وطنجة. وتأتي هذه الخطوة في سياق تقارب دبلوماسي متجدد بين الرباط وباريس، ما يمنحها رمزية متعددة الأبعاد تعكس تعزيز الروابط الأكاديمية والجامعية في العصر الحديث. خلال افتتاح المنشأة يوم الجمعة 16 ماي بالدار البيضاء، صرّح السفير الفرنسي بالمغرب، كريستوف لوكورتييه، لموقع "يابلادي" بأن الهدف الأساسي يتمثل في إبراز الروابط الإنسانية القائمة، من خلال فضاء يسعى إلى أن يكون ملاذًا حقيقيًا متعدد الأجيال. وأوضح: "الخريجون المغاربة من التعليم العالي الفرنسي يشكّلون أكبر مجتمع أكاديمي أجنبي في العالم بالنسبة لفرنسا، حيث يوجد اليوم أكثر من 45,000 طالب مغربي"، مضيفًا: "وإذا احتسبنا جميع من مرّوا بالجامعات الفرنسية منذ الاستقلال، فإن العدد يبلغ مئات الآلاف". من المنتظر أن تعمل "دار الخريجين" على توحيد الطاقات المشتركة لمختلف الجمعيات القائمة، لاسيما في استقبال الراغبين في متابعة دراستهم بفرنسا. ويؤكد لوكورتييه أن هذا الفضاء يشكل "مصفوفة للعلاقة الفرنسية المغربية في مجال التعليم العالي، بهدف أن يكون عشًّا يفرّخ المزيد". من جانبه، أوضح أمين دبشي، رئيس "جمعية خريجي العلوم السياسية" بالمغرب، أن "الدار تضم مجتمعًا منفتحًا، حيًّا، ومتطلعًا نحو المستقبل، يجمع بين عدة أجيال في تنوع مثمر". وفي هذا الإطار، أشار إلى أن حضور شخصيات بارزة خلال هذا الحدث شكّل "تكريمًا لهذا المجتمع، ودعوة إلى تعزيز الروابط ومواصلة إلهام الأجيال القادمة". وأشاد دبشي بمساهمات الجمعيات المغربية لخريجي المدارس العليا الفرنسية في مجالات متعددة، تشمل البنية التحتية، والتكوينات التجارية والإدارية، والعلوم، إلى جانب التخصصات القانونية والاقتصادية. تسهيل التنقل الأكاديمي بين المغرب وفرنسا في كلمته بمناسبة افتتاح "دار الخريجين"، شدّد السفير لوكورتييه على أهمية تنقل أكاديمي عادل ومتوازن في الاتجاهين بين المغرب وفرنسا. وقال: "أعتقد أن هذه الدار يجب أن تكون، بطريقة ما، بمثابة مطار رمزي يمكن من خلاله للشباب والخريجين مواصلة السفر إلى فرنسا، سواء عبر مشاريع أو بشكل شخصي، عندما تتاح الفرصة للعمل أو الدراسة أو لأسباب خاصة، من أجل الحفاظ على الرابط مع فرنسا". وأضاف الدبلوماسي: "ينبغي أن يصبح التنقل بين البلدين أمرًا طبيعيًا بالنسبة لأولئك الذين خاضوا هذا المسار، من دون التفكير كثيرًا في صعوبات الوصول". وفي هذا السياق، كانت النسخة الثانية من "يوم الخريجين" العام الماضي مناسبة للإعلان عن "نظام تأشيرات ميسّر للخريجين". وأوضح: "كل من سبق له أن درس في فرنسا، أو يدرس اليوم في المؤسسات الجامعية الفرنسية بالمغرب، يمكنه الحصول بسهولة على تأشيرة قصيرة المدى. ينبغي أن يكون واضحًا في أذهانهم أن الرابط الذي أنشأوه مع فرنسا، والذي يُصان اليوم من خلال هذه الدار، يسمح لهم بالتنقل بحرية، كأعضاء في عائلة واحدة". تعزيز التبادل الأكاديمي والتنمية البشرية: منظور فرنسي مغربي مشترك وقال كريستوف لوكورتييه، إن تعزيز الروابط الأكاديمية بين البلدين يشكّل أحد المحاور الأساسية للعلاقات الثنائية. ومن جانبه، صرّح جيرالد برون، المسؤول عن قسم التعليم العالي والبحث والتنقل الطلابي في المعهد الفرنسي بالمغرب، والملحق للتعاون العلمي والجامعي بالسفارة الفرنسية، لموقع "يابلادي"، بأن المواطنين المغاربة يشكّلون أكبر مجتمع طلابي دولي في فرنسا، مشيرًا إلى أن الهدف هو جعل حركة التنقل الأكاديمي تسير بشكل طبيعي في كلا الاتجاهين. وأوضح برون: "نعمل أيضًا على جعل المغرب وجهة جاذبة للطالبات والطلاب الفرنسيين، الذين يمكنهم متابعة جزء من مسارهم الجامعي هنا، خصوصًا في إطار الشهادات المزدوجة أو المشتركة، أو تلك المعتمدة من المؤسسات الفرنسية بالمغرب. إنها سياسة تحظى بدعم كبير من البعثة الدبلوماسية". التنمية البشرية من خلال تكوين الباحثين هذه الأبعاد من التبادل الأكاديمي تنعكس أيضًا في مجال التكوين الجامعي الموجّه نحو البحث العلمي بين البلدين. وفي هذا السياق، أشار جيرالد برون إلى أهمية مواصلة تعزيز هذا المسار، بما يتماشى مع الدينامية المتنامية للتعاون. وقال: "في هذا السياق، تُعد مسألة العمل المشترك على تكوين دكاترة المستقبل أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة للجامعة المغربية، لا سيما في ظل اقتراب عدد كبير من الأساتذة الباحثين من التقاعد خلال السنوات المقبلة. لذلك، من الضروري تكوين جيل جديد من الكفاءات الأكاديمية. الأمر مهم أيضًا بالنسبة لفرنسا، إذ لم تعد الدكتوراه تستقطب كما في السابق". وأضاف: "يعتمد النظام البيئي للبحث العلمي الفرنسي بشكل كبير على طلبة الدكتوراه الدوليين، والمغرب يحتل موقعًا مميزًا، إذ يأتي في المرتبة الرابعة بين دول منشأ طلبة الدكتوراه في فرنسا، بعد الصين ولبنان وإيطاليا". رؤية مشتركة لمستقبل مشترك في كلمته خلال حفل افتتاح "دار الخريجين"، تطرق السفير كريستوف لوكورتييه إلى العناية الخاصة التي يوليها الملك محمد السادس للتنمية البشرية، في إطار تعميق الشراكة الثنائية. وأكد أن الخريجين المغاربة من فرنسا يحتلون موقعًا مركزيًا في هذه الدينامية. وقال: "اتفاقيات الشراكة تضع الأسس لمشاريع كبرى، لكن الأهم من ذلك هو وجود نساء ورجال يمتلكون القدرة والإرادة لتنفيذ هذه المبادرات، كي لا تظل مجرد حبر على ورق. الرئيس الفرنسي وجلالة الملك يدركان تمامًا أن قوة العلاقة بين البلدين تقوم على هؤلاء الأفراد". واختتم السفير تصريحه بالتأكيد على أن "الخريجين هم المحور الأساسي، لأنهم، بغض النظر عن جنسياتهم، يحملون تجربة مزدوجة. لقد عاشوا في المغرب وفرنسا، يغادرون ويعودون، وهذا هو المستقبل. إنهم يمثلون جسرًا حيًا وفعّالًا لبناء مستقبل مشترك".


أكادير 24
منذ 6 أيام
- أكادير 24
أزمة القيم قبل أزمة الشهادات… من المسؤول؟
agadir24 – أكادير24 عمر بنعليات /باريس في الآونة الأخيرة، تناقلت وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي خبرا صادما يتعلق بتفكيك شبكة إجرامية مختصة في بيع الشهادات الجامعية بجامعة ابن زهر، تورط فيها أستاذ جامعي ومسؤول حزبي. ورغم فداحة الحدث، إلا أن ما يثير الاستغراب حقا، ليس الجريمة في حد ذاتها ولا الوضعية الاعتبارية للمتهمين، وإنما ذلك التعايش المجتمعي المريب مع مظاهر النفاق الاجتماعي، التي أضحت أكثر خطورة من بيع الشهادات نفسها، لأن الأمر لم يعد مجرد خروقات معزولة، بل أصبح أزمة قيم وأخلاق وتربية، أزمة منظومة مجتمعية برمتها. في وقتٍ يتسابق فيه البعض لإدانة هذه الظواهر والتنديد بها، ينسى كثيرون أن المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه أصبح شريكا مباشرا أو غير مباشر في هذه الأفعال المشينة، فحين يتنصل الأبوان من مسؤولية تربية الأبناء على قيم النزاهة والجد والاجتهاد، وحين يتغاضى الجميع عن مظاهر الغش والتحايل في المدارس والجامعات، وحين تُقدّم الرشاوى لتسهيل التسجيل في الماستر والدكتوراه، يكون من العبث الحديث عن قيم أو عدالة اجتماعية. بل إن الأخطر من ذلك، أن المواطن نفسه يتحول إلى فاعل أساسي في إنتاج الفساد، عندما يبيع صوته في الانتخابات بثمن بخس ليمنح المفسدين وتجار المخدرات مفاتيح المؤسسات التشريعية، فيساهم بذلك في تشريع قوانين على المقاس، وتحصين الجريمة، وتأبيد الرداءة. أما حين يغادر أحدهم بلدته متجهًا إلى أكادير أو الرباط، محمّلا بما جدّت به أرضه من زيت الزيتون أو عسل الدغموس أو زيت الأركان ليقدّمه رشوةً خفية لتسجيله في سلك علمي لا يمتلك مقوماته، فلا يحق له بعد ذلك أن يتباكى على انهيار المنظومة الأخلاقية أو يعود دات يوم ليحاضر أمامانا في الأخلاق والنزاهة العلمية، إذ أن الأستاذ الجامعي الفاسد لم يعتلِ عرش الجريمة وحده، بل وجد بيئة متواطئة، وعقولا مريضة تبارك عرضه، وتسعى إليه. وهكذا يتكرّس توافق خفي بين العرض والطلب. فالفساد لا يعيش بمعزل عن حاضن اجتماعي يوفر له أسباب البقاء. ومن العبث إذن، أن نوجه سهام النقد للمسؤول والقاضي والبرلماني دون أن نحاسب أنفسنا أولًا، فنحن شركاء في هذا المشهد القاتم والمريب. فلا جدوى من تكرار الأسطوانة المشروخة عن الإصلاح ما دام المفسد هو من يمنح الدروس في النزاهة. ولا أمل في التغيير ما لم يُعَد الاعتبار لمنظومة التربية والتعليم، فهي حجر الأساس في بناء المجتمعات. ولعل أبلغ درس يمكن أن نستلهمه من التاريخ، ما رواه ونستون تشرشل حين سأل مستشاره عن حال لندن أثناء الحرب العالمية الثانية، فأجابه: 'الدمار شامل، لكن القضاء والتعليم ما يزالان صامدين'، فرد عليه: 'إذن نحن بخير'. فحين يتحوّل التعليم إلى سوق لبيع الشهادات، وحين يصبح القضاء مرتهنا للمكالمات الهاتفية ويدبر بمنطق وقاعدة 'من تحتها' فاعلم أننا أمام خراب وطني مستتر ومصير مجهول. فلنبدأ اولا بإصلاح ذواتنا وأسرنا قبل أن نرفع أصابع الاتهام إلى الاستاد الجامعي والقاضي والمسؤول، لأن المجتمعات لا تنهض إلا على سواعد رجال ونساء يؤمنون بأن القيم ليست ترفًا أخلاقيا، بل ضرورة وجودية وحتمية لنهضة وتقدم اي مجتمع.