logo
أيامي وطموحاتي (3)

أيامي وطموحاتي (3)

الجزيرة١٥-٠٢-٢٠٢٥

لم تكن قراءة الكتب بالشيء العسير بالنسبة لي؛ فقد نشأت – ومنذ سنوات دراستي الإعدادية- على حب المطالعة، وقراءة الأشعار التي كانت تجذبني إليها جمالية القافية وحضور المعنى، خاصة في أبيات المعلقات التي تعود للعصر الجاهلي، أعني بذلك عصر ما قبل بزوغ فجر الإسلام.
وكنت أحفظ عن ظهر قلب أبيات عمرو بن كلثوم وامرئ القيس، وكذلك أشعار حاتم الطائي، هذا الرجل الذي كتب له التاريخ أن يشتهر بالكرم. وأذكر هذه الأبيات المليئة بالحكمة وعمق المعنى:
فلا الجود يفني المال قبـل فنائـه ولا البخل في مال الشحيح يزيد
فلا تلـتـمـس رزقًا بعـيـش مقـتـر لكـل غــد رزق يـعـود جــديـــد
ألـم تـر أن الـرزق غاد ورائــح وأن الــذي أعــطـاك سوف يعيد
ومن أشعاره أيضًًا:
فن عالم الرواية العربية، ظهر متأخرًا عند العرب، على عكس الأوروبيين عمومًا، والفرنسيين على وجه الخصوص؛ فشتان بين أدب الرواية التي ذاع صيتها منذ العصور الوسطى في فرنسا وإنجلترا، وأدب لم يظهر إلا أوائل القرن العشرين في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا
كما كنت أحفظ أشعار المتيمين بالحب، كقيس وليلى، وأشعار عنترة بن شداد المتيم بحب عبلة، بل وكنت أقرأ أيضًا أشعار الرثاء، كرثاء الخنساء لأخيها صخر.
كانت سنوات الدراسة الإعدادية بمثابة فرصة للتعرف على فن الهجاء، خاصة بين جرير والفرزدق، وفتح الباب أمام فن المقامة، مقامات بديع الزمان الهمذاني الشهيرة، التي لعظمها تدرَّس في جامعة ميشيغان الأميركية، وفي العديد من الجامعات العربية.
ومن جمالية الكلام والتلقي في فن المقامة، قرأت أيضًا كتاب "كليلة ودمنة"، الذي يزاوج في المعنى بين عالم الحيوان (هذا العالم المفترس، والذي تميل فيه الكفة للقوي والذكي) وعالم الإنسان، الذي يميل إلى حب الهيمنة والاستحواذ إلى حدِّ الجشع. هذا الكتاب الذي اقتبس منه الكاتب الفرنسي لافونتين (Lafontaine) أقصوصاته عن الحيوانات تحت عنوان: "Les Fables de Lafontaine".
جاء هذا الإنجاز الأدبي متأخرًا بقرون عن العرب والفرس والهند، الذين كانوا السباقين إليه. وتأتي حكايات "ألف ليلة وليلة" لتشهد على هذا النبوغ العربي، من خلال إظهار ذكاء المرأة وحنكتها في تجاوز التهديدات بالقتل.
قيل إنها ليست عربية الأصل، وإنما تعود لغربي وجنوبي آسيا، ثم تمت ترجمتها فيما بعد إلى العربية، وقيل إنها مزيج من الحكايات ذات الأصول الهندية، والفارسية، والعربية، ومن الحضارة المصرية القديمة.
وسبق لي أن قلت إنني خلال مرحلتي الجامعية درست رواية "شودرلو دو لاكلو" التي عنوانها "العلاقات الخطيرة"؛ وفكرة هذا الكتاب، الذي ظهر في فرنسا في القرن الثامن عشر، قد تعود إلى المفكر والفيلسوف العربي أبي العلاء المعري في كتابه "رسائل المعري"، حيث إن هذه الرواية الفرنسية هي عبارة عن رسائل متبادلة بين الفيكونت دو فالمون (De Valmont)، والمركيز دو ميرتوي (La Marquise de Merteuil).
ومن الدواوين الشعرية التي كانت بحوزة والدي أتذكر ديوان الشاعر الصوفي المغربي عبدالرحمن المجدوب. ولا أزال أتذكر بيتًا شعريًا له:
سوق النسا سوق مطيار… يا الداخل رد بالك
وهذا البيت الشعري يبين خطورة الوقوع في فتن النساء، ويذكّر الرجال بأهمية الحرص.
ومن أبياته أيضًا هذا البيت الذي ينصح فيه الناس، ذاكرًا عدم جدوى الحرص على الحياة، وأنه على الرغم من تكالب الأقدار على المرء، فإن الفرج قريب:
إعلان
لا تخمم، لا تدبر، لا تحمل الهم ديمة
الفلك ما هو مسمر، ولا الدنيا مقيمة
ومن أشعاره التي تنم عن عمق الحكمة هذا البيت الذي يبين عدم اكتراث الأغنياء بهموم الفقراء:
المكسي ما دري بالحافي والزاهي يضحك على الهموم
اللي نايم على الفرش دافئ والعريان كيف يجيـه الـنوم
ربما كانت هذه الأشعار بمثابة نقطة البداية بالنسبة لي، للتعرف على الأدب العربي، بجمالية لغته، ودقة تعابيره.
في المرحلة الثانوية من مشواري الدراسي، بدأت أغوص في عالم الرواية العربية، هذا الفن الذي ظهر متأخرًا عند العرب، على عكس الأوروبيين عمومًا، والفرنسيين على وجه الخصوص؛ فشتان بين أدب الرواية التي ذاع صيتها منذ العصور الوسطى في فرنسا وإنجلترا، وأدب لم يظهر إلا أوائل القرن العشرين في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا.
وهذا يطرح تساؤلات كثيرة عن سبب تأخرنا، وغياب علو الهمة عندنا على خلاف الغرب، الذي خرج من تخلفه في العصور الوسطى (حيث الجهل واستفحال الأمراض وغياب الأمن وسيادة النظام الإقطاعي، وهيمنة الكنيسة، واندلاع الحروب كحرب المائة سنة بين فرنسا وإنجلترا، والحرب الدينية بين البروتستانت والكاثوليك أواخر القرن السادس عشر، والحروب الصليبية على الشرق، وحروب نابليون التي وصلت حتى روسيا) إلى أمة شبه موحدة، يجمعها حب المصلحة، والرغبة في التفوق.
وليس هذا استعظامًا للغرب على حساب الشرق؛ إذ كان العرب والفرس هم السباقين إلى علوم كثيرة، كالجبر والهندسة والأدب والبصريات والفلك والكيمياء، عبر أسماء نُقشت على الكتب، على شاكلة عباس بن فرناس، والخوارزمي، وابن سينا، والفارابي، وجابر بن حيان.
لكننا بعد الاستقلال عن الهيمنة الإمبريالية صار كل همنا الانضمام إلى المعسكر الشرقي أو الغربي، والوصول إلى السلطة عبر الانقلابات العسكرية، وتجويع الشعوب عبر اعتماد سياسات تقشفية، تستثنى منها الطبقة السياسية التي تسيِّر دواليب السلطة، ولم نتعلم من دروس الماضي وجراحه، بل بقينا كقطعان تسيِّرها حفنة من عديمي الشعور بالمسؤولية.
والدليل على هذا التأخر هو أنه ظهرت في سنوات السبعينيات من القرن الماضي حركة ووك (Wook) أو (Wookisme) في الولايات المتحدة الأميركية لتستنهض الهمم لدى الطوائف المنبوذة في المجتمع الأميركي، خاصة الأقليات من السود الذين يتعرضون للعنصرية والإقصاء من جوانب مهمة في الدولة.
ظهر الووكيزم على يد صحفي أميركي ذي أصول أفريقية (ويليام ميلفين كيلي) من خلال مقال له في جريدة نيويورك تايمز سنة 1962. وفي سنة 1971، تحولت هذه الفكرة إلى قطعة مسرحية (كارفي ليفز) لباري بيكهام، ثم تطورت هذه الفكرة لتصبح شعارًا للنضال السياسي، خاصة بعد اغتيال مالكوم إكس ومارتن لوثر كينغ، وبلغت أوجها سنة 2016 بعد ظهور حركة "حياة السود مهمة" (Black lives matter).
وإذا قارنا فترة ظهور الووكيزم بالولايات المتحدة الأميركية (1962) بالفترة نفسها لدى العرب، فسنجد سباتًا طويلًا لدى المثقفين العرب. هذا السبات ترجمته هذه الأبيات الشعرية للشاعر العراقي معروف الرصافي، الذي وافته المنية قبل بروز هذا التيار سالف الذكر بثلاثة عقود:
يا قــوم لا تتكـلـمـوا إن الـكـلام مـحـــرم
ناموا ولا تستيقـظوا ما فــاز إلا الــنُّـــوَّم
وتأخروا عن كل ما يقضي بأن تتـقـدموا
ودعوا التـفـهم جانبًا فالخير أن لا تفهموا
وتثـبـتوا في جهـلكم فالــشر أن تـتـعلموا

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أيامي وطموحاتي (3)
أيامي وطموحاتي (3)

الجزيرة

time١٥-٠٢-٢٠٢٥

  • الجزيرة

أيامي وطموحاتي (3)

لم تكن قراءة الكتب بالشيء العسير بالنسبة لي؛ فقد نشأت – ومنذ سنوات دراستي الإعدادية- على حب المطالعة، وقراءة الأشعار التي كانت تجذبني إليها جمالية القافية وحضور المعنى، خاصة في أبيات المعلقات التي تعود للعصر الجاهلي، أعني بذلك عصر ما قبل بزوغ فجر الإسلام. وكنت أحفظ عن ظهر قلب أبيات عمرو بن كلثوم وامرئ القيس، وكذلك أشعار حاتم الطائي، هذا الرجل الذي كتب له التاريخ أن يشتهر بالكرم. وأذكر هذه الأبيات المليئة بالحكمة وعمق المعنى: فلا الجود يفني المال قبـل فنائـه ولا البخل في مال الشحيح يزيد فلا تلـتـمـس رزقًا بعـيـش مقـتـر لكـل غــد رزق يـعـود جــديـــد ألـم تـر أن الـرزق غاد ورائــح وأن الــذي أعــطـاك سوف يعيد ومن أشعاره أيضًًا: فن عالم الرواية العربية، ظهر متأخرًا عند العرب، على عكس الأوروبيين عمومًا، والفرنسيين على وجه الخصوص؛ فشتان بين أدب الرواية التي ذاع صيتها منذ العصور الوسطى في فرنسا وإنجلترا، وأدب لم يظهر إلا أوائل القرن العشرين في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا كما كنت أحفظ أشعار المتيمين بالحب، كقيس وليلى، وأشعار عنترة بن شداد المتيم بحب عبلة، بل وكنت أقرأ أيضًا أشعار الرثاء، كرثاء الخنساء لأخيها صخر. كانت سنوات الدراسة الإعدادية بمثابة فرصة للتعرف على فن الهجاء، خاصة بين جرير والفرزدق، وفتح الباب أمام فن المقامة، مقامات بديع الزمان الهمذاني الشهيرة، التي لعظمها تدرَّس في جامعة ميشيغان الأميركية، وفي العديد من الجامعات العربية. ومن جمالية الكلام والتلقي في فن المقامة، قرأت أيضًا كتاب "كليلة ودمنة"، الذي يزاوج في المعنى بين عالم الحيوان (هذا العالم المفترس، والذي تميل فيه الكفة للقوي والذكي) وعالم الإنسان، الذي يميل إلى حب الهيمنة والاستحواذ إلى حدِّ الجشع. هذا الكتاب الذي اقتبس منه الكاتب الفرنسي لافونتين (Lafontaine) أقصوصاته عن الحيوانات تحت عنوان: "Les Fables de Lafontaine". جاء هذا الإنجاز الأدبي متأخرًا بقرون عن العرب والفرس والهند، الذين كانوا السباقين إليه. وتأتي حكايات "ألف ليلة وليلة" لتشهد على هذا النبوغ العربي، من خلال إظهار ذكاء المرأة وحنكتها في تجاوز التهديدات بالقتل. قيل إنها ليست عربية الأصل، وإنما تعود لغربي وجنوبي آسيا، ثم تمت ترجمتها فيما بعد إلى العربية، وقيل إنها مزيج من الحكايات ذات الأصول الهندية، والفارسية، والعربية، ومن الحضارة المصرية القديمة. وسبق لي أن قلت إنني خلال مرحلتي الجامعية درست رواية "شودرلو دو لاكلو" التي عنوانها "العلاقات الخطيرة"؛ وفكرة هذا الكتاب، الذي ظهر في فرنسا في القرن الثامن عشر، قد تعود إلى المفكر والفيلسوف العربي أبي العلاء المعري في كتابه "رسائل المعري"، حيث إن هذه الرواية الفرنسية هي عبارة عن رسائل متبادلة بين الفيكونت دو فالمون (De Valmont)، والمركيز دو ميرتوي (La Marquise de Merteuil). ومن الدواوين الشعرية التي كانت بحوزة والدي أتذكر ديوان الشاعر الصوفي المغربي عبدالرحمن المجدوب. ولا أزال أتذكر بيتًا شعريًا له: سوق النسا سوق مطيار… يا الداخل رد بالك وهذا البيت الشعري يبين خطورة الوقوع في فتن النساء، ويذكّر الرجال بأهمية الحرص. ومن أبياته أيضًا هذا البيت الذي ينصح فيه الناس، ذاكرًا عدم جدوى الحرص على الحياة، وأنه على الرغم من تكالب الأقدار على المرء، فإن الفرج قريب: إعلان لا تخمم، لا تدبر، لا تحمل الهم ديمة الفلك ما هو مسمر، ولا الدنيا مقيمة ومن أشعاره التي تنم عن عمق الحكمة هذا البيت الذي يبين عدم اكتراث الأغنياء بهموم الفقراء: المكسي ما دري بالحافي والزاهي يضحك على الهموم اللي نايم على الفرش دافئ والعريان كيف يجيـه الـنوم ربما كانت هذه الأشعار بمثابة نقطة البداية بالنسبة لي، للتعرف على الأدب العربي، بجمالية لغته، ودقة تعابيره. في المرحلة الثانوية من مشواري الدراسي، بدأت أغوص في عالم الرواية العربية، هذا الفن الذي ظهر متأخرًا عند العرب، على عكس الأوروبيين عمومًا، والفرنسيين على وجه الخصوص؛ فشتان بين أدب الرواية التي ذاع صيتها منذ العصور الوسطى في فرنسا وإنجلترا، وأدب لم يظهر إلا أوائل القرن العشرين في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا. وهذا يطرح تساؤلات كثيرة عن سبب تأخرنا، وغياب علو الهمة عندنا على خلاف الغرب، الذي خرج من تخلفه في العصور الوسطى (حيث الجهل واستفحال الأمراض وغياب الأمن وسيادة النظام الإقطاعي، وهيمنة الكنيسة، واندلاع الحروب كحرب المائة سنة بين فرنسا وإنجلترا، والحرب الدينية بين البروتستانت والكاثوليك أواخر القرن السادس عشر، والحروب الصليبية على الشرق، وحروب نابليون التي وصلت حتى روسيا) إلى أمة شبه موحدة، يجمعها حب المصلحة، والرغبة في التفوق. وليس هذا استعظامًا للغرب على حساب الشرق؛ إذ كان العرب والفرس هم السباقين إلى علوم كثيرة، كالجبر والهندسة والأدب والبصريات والفلك والكيمياء، عبر أسماء نُقشت على الكتب، على شاكلة عباس بن فرناس، والخوارزمي، وابن سينا، والفارابي، وجابر بن حيان. لكننا بعد الاستقلال عن الهيمنة الإمبريالية صار كل همنا الانضمام إلى المعسكر الشرقي أو الغربي، والوصول إلى السلطة عبر الانقلابات العسكرية، وتجويع الشعوب عبر اعتماد سياسات تقشفية، تستثنى منها الطبقة السياسية التي تسيِّر دواليب السلطة، ولم نتعلم من دروس الماضي وجراحه، بل بقينا كقطعان تسيِّرها حفنة من عديمي الشعور بالمسؤولية. والدليل على هذا التأخر هو أنه ظهرت في سنوات السبعينيات من القرن الماضي حركة ووك (Wook) أو (Wookisme) في الولايات المتحدة الأميركية لتستنهض الهمم لدى الطوائف المنبوذة في المجتمع الأميركي، خاصة الأقليات من السود الذين يتعرضون للعنصرية والإقصاء من جوانب مهمة في الدولة. ظهر الووكيزم على يد صحفي أميركي ذي أصول أفريقية (ويليام ميلفين كيلي) من خلال مقال له في جريدة نيويورك تايمز سنة 1962. وفي سنة 1971، تحولت هذه الفكرة إلى قطعة مسرحية (كارفي ليفز) لباري بيكهام، ثم تطورت هذه الفكرة لتصبح شعارًا للنضال السياسي، خاصة بعد اغتيال مالكوم إكس ومارتن لوثر كينغ، وبلغت أوجها سنة 2016 بعد ظهور حركة "حياة السود مهمة" (Black lives matter). وإذا قارنا فترة ظهور الووكيزم بالولايات المتحدة الأميركية (1962) بالفترة نفسها لدى العرب، فسنجد سباتًا طويلًا لدى المثقفين العرب. هذا السبات ترجمته هذه الأبيات الشعرية للشاعر العراقي معروف الرصافي، الذي وافته المنية قبل بروز هذا التيار سالف الذكر بثلاثة عقود: يا قــوم لا تتكـلـمـوا إن الـكـلام مـحـــرم ناموا ولا تستيقـظوا ما فــاز إلا الــنُّـــوَّم وتأخروا عن كل ما يقضي بأن تتـقـدموا ودعوا التـفـهم جانبًا فالخير أن لا تفهموا وتثـبـتوا في جهـلكم فالــشر أن تـتـعلموا

جورج أورويل: نصف أديب عظيم! (1)
جورج أورويل: نصف أديب عظيم! (1)

الجزيرة

time٠٩-١١-٢٠٢٤

  • الجزيرة

جورج أورويل: نصف أديب عظيم! (1)

قد تكون شهرة كتابٍ ما حين تطغَى؛ سببًا لاختفاء أعمال أخرى للكاتب نفسه، ربما تكون أشدَّ أهمية، أو على الأقل ذات أهمية في موضوعها وبابها.. لا شك أن قراء الأدب، خاصة بعد تفشي العناية بأدب الاستشراف والأدب السياسي في العقد الأخير، مُصاحِبًا للتغيرات السياسية الكبرى، سواء التي عرفها العالم العربي أو عرفتْها عموم أقاليم الدنيا، أقول: لا شك أنهم قد قرؤوا وتناقشوا في رواية "1984" للروائي الإنجليزي الشهير جورج أورويل، وربما بدرجة أقلَّ روايته القصيرة "مزرعة الحيوان"، وكلاهما تُدرَجان ضمن الأدب السياسي، لكن الأولى تندرج كذلك في أدب التنبؤات أو الاستشراف، الذي كان أورويل متشبها فيه بأستاذه وأستاذ التنبؤات والاستشرافات: هربرت ويلزHerbert ، صاحب الروايات الشعبية مثل "آلة الزمن" و"الحرب الخفية" وغيرهما. غير أن إنتاج أورويل الكتابي لم ينحصر فيما هو شائع بين القراء والشباب في عصرنا، بل كان كاتبا صحفيا في عدة مجلات وجرائد من بينها مجلة: أدلفي Adelphi ، والكتابة الجديدة "New Writing ، وFortnightly Review"، والأفق "Horizon و Tribune" ، وغيرها. ولعله كان حَذِرًا في كتابة النصوص الطويلة، ومسترسلا في الكتابات اليومية الموجهة للصحافة، ما يعني أنها للقارئ العام والمثقف الشعبي، الذي لا يرغب أن يفوته شيءٌ من الثقافة العمومية التي تأتي بها وسائل الإعلام آنذاك. وربما لأجل هذا كانت كتابات أورويل الصحفية تتراوح بين أن تكون عالية القيمة في موضوعها وبين أن تكون شديدة التفاهة (يجب أن نقول هذا بصراحة وسأضرب مثالا على ذلك) أو غاية في البساطة، حتى إننا يمكن أن نطرح سؤالًا على شاكلة: لماذا كتب أورويل هذا أصلا؟ أكتبه فعلا ليُنشر في الصحافة أم ليُرمَى في سلة المهلات؟ أكان واعيًا حين أرسل المسودة لمحرر الصحيفة أم كان ثَمِلًا؟ لماذا أكتب؟ هذا العنوان بالضبط كان عنوان مجموع مقالاته، الكتاب الذي يحتوي على 300 صفحة، في ترجمة عربية أراها غاية في السوء، من مترجم بحريني اسمه علي مدن، منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر سنة 2013، وبدعم من وزارة الثقافة بمملكة البحرين. لا أدري: أكان المترجم يمتلك بجدارة مستوى يؤهله لاستخدام الإنجليزية والتحدث والكتابة بها، حتى نفكر في الخطوة اللاحقة، الترجمة منها، أم لا؟ لأنه حين قراءتي لمجموع المقالات، وبحكم اختصاصي وعنايتي بالعربية، وجدت أن المترجم كان يقدم لنا عباراتٍ مفككةً، وأخطاءً لغويةً بكمية كافية لإثارة الاشمئزاز. على أي حال؛ فإنه مع ذلك يمكن العثور على المعنى المقصود من خلال عمليات ذهنية، باستخدام الحد الأدنى من الجُمَل والكلمات الصحيحة. هذه وظيفة العقل، ويجب عليه أن يتحمل المسؤولية في مواقف كهذه. "لماذا أكتب؟" كان عنوانا خادعًا للقارئ المعاصر، ولكنه معروف في الأدبيات القديمة جدا، والمقصود استعمال عنوان فصل ما داخل الكتاب ليكون عنوانًا الكتاب بأكمله، دون أن تكون له أي علاقة أو ارتباط واضح أو غير واضح ببقية الفصول وموضوعاتها. وهذا يثير الريبة، خاصة في كتب المقالات والمجموعات القصصية مثل "كليلة ودمنة"، الذي هو عنوان لإحدى قصص الكتاب الشهير. أما عن كتاب أورويل، هذا فإنه مقالات متناثرة (عددها 19 مقالةً) أرسل بها إلى محرري الصحف والجرائد في مناسبات أو في غير مناسبات، بعض المقالات جاءت في شكل قصص شخصية للكاتب، مثل "واقعة شنق" و"قتل فيل" و"مراكش"، وبعضها مقالات نقدية مثل "مارك توين" و"السياسة في مواجهة الأدب: فحص في أسفار غوليفر"، والمقالة الأكثر أهمية مطلقًا وهي "داخل الحوت"، وكذلك "لماذا أكتب؟"، التي سمى بها الكتاب كاملا، وغيرها، وهناك مقالات أخرى تافهة بكل صدق، مثل مقالته عن كيفية تحضير كوب شاي، سماها "كوب لطيف من الشاي"، يصف فيها عشر خطوات لإعداد كوب شاي بأسلوب فيه بعض السخرية، وأخرى بعنوان "بعض الأفكار حول العلجوم الشائع"، يتحدث فيها عن ذلك الحيوان الذي يعيش في برك الماء وقريبا من المستنقعات، وقد كان على ما يبدو يثير فيه تأمُّلًا رومانسيا نحو الطبيعة! كانت مقالته الأكبر حجمًا والأغزر فائدة هي "داخل الحوت"، وهي تقع في قرابة 60 صفحة، يمكن في رأيي أن تُقتَطَعَ وتُنشرَ وحدها، مع تقديم بقلم ناقد متمرس، وتوزع على طلاب الأدب الإنجليزي والأدب الحديث عموما، لأنها تجربة فريدة تظهر إحاطة أورويل بالمصنفات الأدبية الإنجليزية في وقته، سواء تلك التي كان يكتبها الأدباء الشباب، أو من هم أقدم منهم تجربةً من الأدباء الذي يُطلق عليهم: الأدباء المُكرَّسون. فأورويل حين يبدأ الكلام في هذه المقالة عن رواية "مدار السرطان"، للكاتب والرسام الأمريكي هنري ميللر، التي أثارت ضجة عند نشرها في باريس أول مرة، بسبب إباحيتها وفُحشها؛ فإنه يتنقل رويدا رويدا بين النصوص الشائعة وغير الشائعة، ويُجرِي مقارنات دقيقة بينها، ويتنقل في الحديث عن موضوعات الرواية وشعبيتها وانحسارها، وشهرة مؤلفيها وخفوت بعضهم، ويسرد خلال ذلك عشرات الأسماء الأدبية في بريطانيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. حين نطالع هذه المقالة التي تستحق أن تُقرأ عدة مرات وتُشرح وتُعرَض للحوار؛ نتلمس بكل سهولة روح الناقد في كتابة أورويل، وتختفي ذاتيَّتُهُ إلى أبعد حد، تلك الذاتية المرتبطة غالبًا بكونه هو الآخر كاتبًا وأديبًا، فالكاتب الذي ينتج النصوص ويرغب في أن تنال نصوصه شهرة ورضا بين عموم القراء والنقاد يصعب أن يكون متوازنا عند الحديث عن نصوص أدباء آخرين، خاصة أولئك الذين يعاصرهم، وأولئك الذين يشاركونه البلد نفسه (في اصطلاح التراث الإسلامي يطلق على الأول: المُعاصر والعصريّ وعلى الثاني: البلدي، أي الذي يشاركك البلد ذاته)، لكننا نجد أن أورويل قد وصل إلى درجة من النجاح في تجاوز تلك العقبة، وتحقيق التوازن.. فإلى أي مدى كان ذلك النجاح؟. بيان ذلك في مقالة تالية متممة.

لماذا نحتاج الآن إلى "إسلام بلا مذاهب"؟
لماذا نحتاج الآن إلى "إسلام بلا مذاهب"؟

الجزيرة

time٢٢-١٠-٢٠٢٤

  • الجزيرة

لماذا نحتاج الآن إلى "إسلام بلا مذاهب"؟

كنت أتابع في إحدى محاضرات مادة الشعر الإنجليزي الحديث، ضمن منهاج السنة الرابعة لقسم اللغة الإنجليزية وآدابها، دراسة قصيدة "الموت" للشاعر وليم بتلر ييتس، وأشار الأستاذ الدكتور زياد الشكعة مدرس المادة إلى أن هذه القصيدة تؤكد إيمان الشاعر بتناسخ الأرواح، وهو ما يعني أن الإنسان إذا مات يفنى منه الجسد، وتنطلق منه الروح لتحل في جسد آخر وفقًا لما قدَّم من عمل في حياته الأولى، وتبدأ الروح في ذلك دورة جديدة في جسد جديد.. ثم استطرد الأستاذ بالعربية، في ثنايا شرحه بالإنجليزية، فقال: تمامًا مثلما تؤمن جماعة الدروز بتناسخ الأرواح. وبمجرد سماعي عن الدروز وددت لو تنتهي المحاضرة في أسرع وقت لأسأل الدكتور عن الدروز، لشغفي وقتئذ بالتعرف على الفرق الإسلامية، واهتمامي بالوقوف على العقيدة الإسلامية السليمة، كما وردت في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. وبالفعل ذهبت إلى الدكتور، وسألته: من هم الدروز؟ فرد عليّ: واضح أنك مهتمة بالمعرفة، لذلك أنصحك بقراءة كتاب "إسلام بلا مذاهب" للدكتور مصطفى الشكعة.. (أبويا). فلم ألبث بالفعل أن اشتريت الكتاب، وصاحبته لثلاثة أيام من أسعد أيام حياتي حتى انتهيت منه، وجاءني شعور عميق بالرضا بعقيدتي، واعترتني فرحة العلم بعد الجهل، وأي علم! فالدكتور مصطفى الشكعة – رحمه الله – تناول الفرق الإسلامية بدون تعصب، بل بحيادية الباحث عن الحقيقة؛ فقد ابتعد الشكعة عن كل ما يثير النفوس ويوغر الصدور ويقطع الأواصر، لأن الحقيقة في جوهرها تشكل غاية نبيلة، يستهدف الوصول إليها كل منصف بغض النظر عن مذهبه أو عقيدته، فكان الحديث عن الفرق الإسلامية واضحًا والعرض صريحًا. فالكتاب يتناول الخوارج، والإباضية، والشيعة الإمامية، والزيدية، والإسماعيلية، والآغاخانية، والبهرة، والدروز، والعلويين، والقادينية، والأحمدية، والمعتزلة، والسُّنة، والسلفيين، والمتصوفة. قال الشكعة في مقدمة الكتاب: "كلما نظرت إلى أحوال المسلمين في حاضرهم راعني ما هم فيه من اضطهاد واستعمار، فخيرات بلادهم مسلوبة، وأرزاقهم حرام عليهم حلال لغيرهم، وديارهم نهب مباح لشذاذ الآفاق من كل مكان، والتعصب الغربي الأعمى بما يحمل في أنيابه من هلاك لا يجد من بين شعوب الأرض ما ينفث فيها سموم الأذى والبوار إلا الشعوب المسلمة، فأصبح المسلمون في حاضرهم غرباء عن أوطانهم، مضطهدين في ديارهم، محرومين مما تنبت أرضهم من خيرات وفيرة حلالًا طيبًا. واحد من الأهداف الأساسية لهذا الكتاب كان – ولا يزال – تثقيف الشباب المسلم في كل أرض وصقع، ومن كل مذهب ومشرب، ثقافة مذهبية تكون سبيلًا إلى السماحة، ودرعًا ضد التعصب والعصبية وإذا أمعنا النظر فيما يُغتال من أوطان، لم نجد بين ذلك إلا أراضي المسلمين وحدها دون غيرها، فالأندلس الأرض الإسلامية العربية التي وعت الحضارة وحفظتها، وعلّمت الأوروبيين ألف باء المدنية، قد اغتيلت في ظروف حالكة السواد، تستنكرها الشرائع سماويها وأرضيها، لما ارتُكب فيها من قتل المسلمين جملة رجالًا ونساءً وعجائز وأطفالًا، وفلسطين الوطن العربي الإسلامي قد حل به ما حل بالأندلس، بل أشنع مما حل بالأندلس، فقد جمع الغربُ من أصقاع العالم أعراقًا مختلفة تدين باليهودية، واغتصب لهم وطنًا من أرض المسلمين، غير عابئ بما حل بهم من تشريد وجوع وفاقة ومجاعة وأمراض، وكأن دماء المسلمين وأوطانهم وأرزاقهم قد أصبحت حِلًّا مباحًا لمن هبَّ ودبَّ". وأضاف: "لقد سيطر على اهتمامي ألا أخدش شعور أحد من هذه الفرق الإسلامية الكثيرة، التي تماوجت بين الاعتدال والغلو، مع الحرص على ذكر حقائق كاملة، سواء منها ما كان متصلًا بالتاريخ أو مرتبطًا بالعقائد، أو موصول الأسباب بالأشخاص. والتزامًا بمنهجي الذي آليت على نفسي ألا أحيد عنه، سلكت سبيل الكلمة الطيبة، والجملة الحانية، والعبارة الناعمة، مع الحرص على ذكر الحقائق وإبانة وجوه الخلاف، ليس لتفريق الكلمة، وإنما ليعيد كل فريق النظر في نقاط الخلاف – وهي قليلة بين الفرق المعتدلة التي هي الغالبية الكبرى من جمهرة المسلمين – كما يستحضر نقاط الاتفاق، وبهذا سوف يجد المسلمون أنفسهم قريبين بعضهم إلى بعض بأكثر مما يتصورون، وحينئذ يجتمع الشمل، وتتوحد الكلمة، ويلتئم الصف، ويصير الجميع بنعمة من الله إخوة متحابين متساندين مستحبين لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى". كما أضاف: "إننا استهدفنا من كتاب "إسلام بلا مذاهب" الدعوة إلى وحدة الكلمة بين المسلمين، ولمّ الشمل، ورأب الصدع، وتضييق الشقة بين المذاهب الإسلامية المعتدلة، متمنين على الغلاة أن يفيئوا إلى كلمة الحق، وأن يعودوا إلى المصدر الأصيل الذي استقت العقيدة منه أركانها، واستمدت الشريعة منه أحكامها، بعيدًا عن شطط التأويل وغموض التخريج، ذلك أن سمة الإسلام الأولى هي السهولة والوضوح، ودعامته الأصيلة هي الإيمان بالله ربًّا، وبمحمد رسولًا، وبالقرآن كتابًا، مع الاستظلال براية الأخوة والتآلف، والمودة والتعاطف، والمحبة والإيثار. على أن واحدًا من الأهداف الأساسية لهذا الكتاب كان – ولا يزال – تثقيف الشباب المسلم في كل أرض وصقع، ومن كل مذهب ومشرب، ثقافة مذهبية تكون سبيلًا إلى السماحة، ودرعًا ضد التعصب والعصبية، اللذين يشكلان عقبة صعبة التخطي في سبيل التقدم والتجمع على حد سواء". إنني لأستحضر كتاب "إسلام بلا مذاهب" اليوم لدعوة المسلمين إلى وحدة الصف لمواجهة عدوهم الغاشم المغتصب، فدعونا من الخلافات، واتركوا المحاسبة لله وحده، لا شريك له، ولنلتفّ كلنا حول المقاومة التي تواجه عدونا المجرم وقد قدّم للكتاب الأستاذ الشيخ محمود شلتوت، شيخ الجامع الأزهر، وتحدث في تقديمه عن تفرق المسلمين فقال: "ولقد فهم المسلمون الأولون روح هذا الدين الحنيف، واختلفوا في فهم نص من كتاب الله أو سنة رسول الله، ولكنهم – مع هذا الخلاف – كانوا متحدين في المبادئ والغايات، لم يكفّر بعضهم بعضًا، بل كانوا يدًا واحدة على من عاداهم. ثم خلف من بعدهم خلف جعلوا دينهم لأهوائهم، فتفرقت الأمة إلى شيع وأحزاب ومذاهب وعصبيات، واستباح بعضهم دماء بعض، وكان بأسهم بينهم شديدًا، فطمع فيهم من كان لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، فذهبت ريحهم، وتجرأ عليهم أعداؤهم، وانتقصوا بلادَهم من أطرافها، كل هذا ودعاة الفرقة سادرون في غيِّهم، ماضون في طريقهم، لا يدفعهم إلى هذا الطريق الشائك إلا أحد أمرين: إما الجهل بمبادئ الإسلام الصحيح، وإما الكيد لهذا الدين الحنيف. لقد لقي الإسلام على يد هؤلاء وأولئك ما لقي من نكبات ومصائب، ولولا قوة تعاليمه وصفاء منبعه واتساق عقيدته مع الفطرة الإنسانية لحرمت الإنسانية من مزاياه وفضائله". وأضاف الشيخ شلتوت أن الاستعمار يشجع الفرقة قائلًا: "ولقد استغل المستعمرون أسباب الفرقة بين المسلمين أسوأ استغلال، فراحوا يبعثون من قبور التاريخ أسباب العداوة والبغضاء، وينفخون في نار قد خمد أوارها وانطفأ لهيبها، لأن أكثر هذه الأسباب قد أصبحت غير ذات موضوع، كل هذا لتبقى لهم الكلمة النافذة في بلاد الإسلام التي حباها الله بخيرات لا تكاد توجد في غيرها من بلاد الله. كما أضاف شلتوت أن المقصود الأصلي من كتاب "إسلام بلا مذاهب" هو الكلام عن الفرق الإسلامية: الغلاة منهم والمعتدلين، فقد تكلم عن كل فرقة، وكيف نشأت، وكيف تطورت، وقد أعجبني منه أنه عالج هذا الموضوع الشائك بأسلوب المؤرخ الأمين، ولكن في هوادة لا تثير فتنة، ولا تورث ضغينة، ولا تبعث عصبية، ولم ينسَ في الكلام على فرق الغلاة أن بيّن سبب غلوهم في رقة من يخشى على وحدة الأمة أن تتصدع. وإنني لأستحضر كتاب "إسلام بلا مذاهب" اليوم لدعوة المسلمين إلى وحدة الصف لمواجهة عدوهم الغاشم المغتصب، فدعونا من الخلافات، واتركوا المحاسبة لله وحده، لا شريك له، ولنلتفّ كلنا حول المقاومة التي تواجه عدونا المجرم.. فأنا أشعر أنني مطعونة، ولا يسعني التأوه لأنني لا أستطيع التحكم في دموعي على حال أمتنا العربية. فيا لفرحة عدونا فينا! ويا لضعفنا وهواننا على الناس! فوسط هذا الضعف والهوان نختلف حول حسن نصر الله سيد المقاومة، وانتصاراته على العدو الصهيوني الغاشم عام 2000، لكن بعد عدة سنوات من انتصاره راح يبيد إخوته في سوريا، وقد اكتووا بناره لدرجة أننا – ونحن البعيدون – لم نقدر على سماع أهوال ما صنع مع أعوانه في السوريين، فما بالنا بشعورهم تجاهه! وهو في الوقت نفسه يدعم المقاومة الفلسطينية بكل ما يستطيع، وقد شاهدنا ذلك منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، إذ إنه يتصدى لعدونا الغاشم المغتصب جنبًا إلى جنب مع المقاومة الفلسطينية، حتى اغتيل نصر الله في وقت لم تندمل فيه جروح وعذابات إخوتنا في سوريا، بل وفرحوا باغتياله في حرب إسرائيل الوجودية، فأوجعني فرحهم؛ لأنه كان عدوًّا لعدونا كلنا. لكنني في الوقت نفسه يصعب عليّ أن أطالب المجروح المكتوي بالنار بالرشد في التفكير، والعفو ولو وقت الحرب الوجودية لإسرائيل التي يبدو عليها التخبط نتيجة فشلها الذريع في غزة؛ فالموجوع لا يستطيع رؤية المشهد كاملًا، لكنني فقط ألفت انتباهه إلى أن خطر العدو يداهمنا جميعًا، وأطالب الجميع بالرؤية الشمولية، وتخطي العداوات الداخلية والخلافات والاختلافات العقائدية للتصدي لعدونا المشترك، لأننا كلنا في مركب واحد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store