logo
أوروبا تفتح أبوابها لعلماء أميركا المضطهدين

أوروبا تفتح أبوابها لعلماء أميركا المضطهدين

Independent عربية٠٨-٠٤-٢٠٢٥

في حملته الرئاسية العام الماضي تعهد دونالد ترمب بتعزيز جهود البحث العلمي في الولايات المتحدة، وتعهد "بإطلاق العنان لقوة الابتكار الأميركي" لمكافحة السرطان ومرض ألزهايمر وأمراض أخرى، لكن ترمب أطلق العنان للخفوضات التي تقوض الأبحاث الجارية، مما أدى إلى تسريح العمال وتهديد مكانة أميركا كـ"زعيم علمي عالمي"، فمنذ تنصيب ترمب في الـ20 من يناير (كانون الثاني) الماضي، انخفض تمويل المعاهد الوطنية للصحة بأكثر من ثلاثة مليارات دولار مقارنة بالمنح المُقدمة خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لمراجعة بيانات المنح المتاحة للجمهور.
الوضع حرج
وقد وصف أكثر من 12 عالماً في مجالات مختلفة من أبحاث السرطان وحتى الصحة النفسية، إلغاء دراسات مخطط لها وتسريح موظفين موقتاً وإلغاء عروض عمل، في مقابلات معهم، بأنه صدمة تعرض لها مجتمع البحث العلمي الأميركي أشد من الركود الكبير عام 2008 أو جائحة فيروس كورونا التي بدأت عام 2020، وأن الضرر الناتج منها قد يستمر أعواماً.
في هذا السياق قال أستاذ الهندسة الحيوية، رائد الأعمال في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس، دينو دي كارلو، "الوضع حرج بالفعل"، محذراً من أن مصادر البحث العلمي ومصادر الكفاءات آخذة في النضوب مع انكماش المختبرات ورفض الطلاب، وأشار إلى مختبره الخاص، موضحاً أنه للمرة الأولى منذ ما يقارب الـ20 عاماً لا يوظف طلاب دكتوراه للعمل معه، نظراً إلى عدم اليقين في شأن التمويل، وهو يعلم أن باحثين آخرين يتخذون قرارات مماثلة.
يهدف برنامج "ملاذ آمن للعلوم" بقيمة 15 مليون يورو إلى استقطاب 15 عالماً أميركياً يعملون في مجالات المناخ والصحة والفيزياء الفلكية (أ ف ب)
رد "الأبيض"
ويعتبر نموذج التمويل الفيدرالي للعلماء الأميركيين، الذي يعود تاريخه إلى الحرب العالمية الثانية، وفقاً للمدير التنفيذي لمشروع العلوم الجيدة، ستيوارت باك، مبادرة غير حزبية تهدف إلى تحسين السياسة العلمية الفيدرالية، وتتلقى أكثر من 2500 جامعة وكلية طب ومؤسسة بحثية أخرى في كل ولاية تمويلاً من المعاهد الوطنية للصحة.
وعلى رغم الإشارة إلى أن اللوم يقع بالكامل على إدارة ترمب، التي عطّلت هذا النموذج، فإن هناك فرصاً كثيرة للإصلاح، لكن البيت الأبيض رد على هذه الآراء والتصريحات بالقول إن التمويل الفيدرالي المفرط قد دعم أساتذة الجامعات ذوي الميول اليسارية ومبادراتهم، وإن خطواته جزء من مبادرة يشرف عليها إيلون ماسك ودائرة DOGE التابعة له في الولايات المتحدة للحد من هدر الإنفاق الحكومي.
وقد أوقفت الإدارة ما لا يقل عن 300 منحة، بما في ذلك كثير من المنح التي تركز على القضايا الصحية لمجتمع "الميم" ولقاحات فيروس كورونا، ومجالات بحثية أخرى يقول القادة إنها ليست من أولوياتهم، كما صرح مسؤولو إدارة ترمب أن تباطؤ التمويل يعكس الوقت اللازم للانتقال إلى فريق قيادة جديد ومراجعة المنح الممنوحة في عهد إدارة جو بايدن.
أوروبا تغتنم الفرصة
في خضم هذه الفوضى وجدت جامعات أوروبا والصين فرصة ذهبية لاستقطاب العلماء والباحثين الأميركيين، وعلى رأسهم جامعة كامبريدج التي تعد واحدة من بين مجموعة من المؤسسات البحثية الكبرى التي تسعى إلى جذب الخبراء في مجالات عدة من الطب الحيوي إلى الذكاء الاصطناعي.
وهذا ما بينته كبيرة مسؤولي العلاقات الحكومية في الجمعية الأميركية لتقدم العلوم، جوان بادرون كارني، وقالت إن "دولاً بما فيها الصين وفرنسا كانت تحاول جذب الباحثين المقيمين في الولايات المتحدة للعمل في جامعاتها ومختبراتها وصناعاتها، كذلك فإن هناك دولاً أخرى تدرك أن هذه فرصة يمكنها استغلالها لصالحها".
وعليه فقد بدأت حكومات ومؤسسات الاتحاد الأوروبي تغتنم هذه الفرصة بالفعل، فعلى سبيل المثال، أعلنت جامعة إيكس مرسيليا في السابع من مارس (آذار) الماضي عن برنامج "ملاذ آمن للعلوم"، وهو برنامج مدته ثلاثة أعوام بقيمة 15 مليون يورو، يهدف إلى استقطاب 15 عالماً أميركياً يعملون في مجالات المناخ والصحة والفيزياء الفلكية إلى حرمها الجامعي، ووفقاً لمتحدث باسم الجامعة، فقد تلقت الجامعة أكثر من 60 طلباً منها 30 خلال الساعات الـ24 الأولى، وأشارت الجامعة إلى أنها على تواصل مع جامعات أخرى والحكومة الفرنسية في شأن توسيع نطاق "اللجوء العلمي" على المستويين الوطني والأوروبي، وللمساعدة في تنسيق استقبال ونقل الباحثين المختلفين.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أوروبا تعمل على قدم وساق
قالت مديرة معهد باستور في باريس ياسمين بلقايد، "إن المعهد يعمل بالفعل على تجنيد أشخاص من مختلف أنحاء المحيط الأطلسي للعمل في مجالات مثل الأمراض المعدية أو أصول الأمراض"، وأضافت بلقايد في حديثها لصحيفة "لا تريبيون" الفرنسية، "أتلقى يومياً طلبات من أشخاص يرغبون في العودة، فرنسيون وأوروبيون وحتى أميركيون لم يعودوا يشعرون بالقدرة على إجراء أبحاثهم أو يخشون القيام بها بحرية".
كما فتحت جامعة بروكسل الحرة البلجيكية 12 وظيفة ما بعد الدكتوراه للباحثين الدوليين، مع التركيز على الأميركيين، في حين يبحث معهد باستور في باريس عن باحثين في الأمراض المعدية.
وحذت هولندا حذوها أخيراً بإعلانها عن صندوق مماثل لاستقطاب علماء بارزين في عدد من المجالات، وفي الوقت نفسه تستقبل جامعة يورك ومقرها المملكة المتحدة الباحثين المضطهدين من جميع أنحاء العالم في عامها الثاني من خلال صندوقها المخصص للاجئين.
في هذا السياق قالت رئيسة المجلس الأوروبي للبحوث ماريا ليبتين، "إن المناخ السياسي في الولايات المتحدة محبط للبحوث التي يقودها باحثون مستقلون، ويسبب القلق للزملاء الأوروبيين الذين قد يكونون قادرين على تقديم ملاذ آمن".
وتابعت ليبتين "ما يمكننا فعله هو توضيح لزملائنا في الولايات المتحدة أن مجتمع البحث الأوروبي ومموليه يقدمون ترحيباً في أوروبا بأولئك، بغض النظر عن الجنسية، الذين يجدون أن خياراتهم للعمل العلمي المستقل، مهددة".
أما عميد معهد كارولينسكا للأبحاث الطبية الحيوية في السويد، ستين لينارسون فصرح، "أن المنظمة من المرجح أن تبدأ في الإعلان عن الوظائف الشاغرة في وقت مبكر، وتبحث عن طرق لمساعدة الباحثين الأميركيين الذين يبحثون عن ملجأ آمن"، وأضاف "زملاؤنا يخبروننا أن لديهم زملاء في الولايات المتحدة يبحثون عن مكان عمل، ولمنحهم مكاناً يستقرون فيه ويشقون طريقهم، يمكننا منحهم إجازة لمدة ستة أو 12 شهراً، وهذا سهل للغاية".
حدود لا حدود لها
يذكر أن فانيفار بوش، العالم الذي ساعد في الإشراف على جهود تطوير قنبلة ذرية خلال الحرب العالمية الثانية، هو من ابتكر النموذج الذي تقوم عليه المعاهد الوطنية للصحة وغيرها من الوكالات الفيدرالية، وبينما كان بوش الأب يتطلع إلى بيئة ما بعد الحرب عام 1945، حثّ الرئيس هاري أس. ترومان على تحفيز الابتكار من خلال توجيه المنح إلى الجامعات ومؤسسات البحث، داعياً إلى "حدود لا حدود لها".
وقد مهدت هذه الإستراتيجية الطريق للولايات المتحدة لتحقيق إنجازات في تطوير الأدوية وتقنيات الحاسوب وكثير من المجالات الأخرى، كذلك ساعدت موارد البلاد الوفيرة في جذب علماء من جميع أنحاء العالم للعمل في مختبراتها، وحظي هذا النهج بدعم قوي من الحزبين، لا سيما الجمهوري الذي اعتبر أن الابتكار العلمي ضرورة اقتصادية وأمنية وطنية، وتحمل المباني الستة في حرم المعاهد الوطنية للصحة أسماء مشرّعين جمهوريين ساعدوا على تأمين التمويل الفيدرالي لمعاهد الأبحاث، بمن فيهم السيناتور السابق روي بلانت من ولاية ميسوري الذي تقاعد عام 2022.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المكملات الغذائية ضرورة أم ترف
المكملات الغذائية ضرورة أم ترف

سعورس

timeمنذ 9 ساعات

  • سعورس

المكملات الغذائية ضرورة أم ترف

وفي هذا السياق، يحسن بنا تأمل أرقام تجسد هذه الظاهرة في حجمها الحقيقي وتبين مدى جدية الأمر. إذ تشير بيانات شركة Grand View Research إلى أنّ حجم السوق العالمي للمكمّلات الغذائية بلغ قرابة 192 مليار دولار في 2024، مع توقّعات بتجاوزه ليصل إلى 327 مليار دولار بحلول 2030، أي بمعدّل نمو سنوي مركّب يقارب 9%. هذا الإنفاق المالي الهائل يفسّر ضراوة الحملات الإعلانية، ويضع علامة استفهام حول الفجوة بين حجم الإنفاق العالمي والعائد الصحي الفعلي الذي يجنيه المستهلكون من هذه المنتجات. غير أنّ المؤشرات الاقتصادية لا تسرد الواقع بكل تفاصيله، فبيانات الصحة العامة تكشف جانبًا مُغايرًا لا مناص لنا من التعريج عليه. حيث إن تقريرًا صادرًا عن «مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» في الولايات المتحدة الأمريكية يشير إلى أن أكثر من 52% من البالغين الأمريكيين يتناولون مكملات غذائية بشكل يومي، ويؤكد «المعهد القومي للصحة» بما لا يدع مجالًا للشك أن غالبية المستخدمين لا يعانون من أي نقص يستوجب التعويض. بل إنه من المفارقة للأسف أن هذه المكملات الغذائية لا تخضع لنفس المعايير الصارمة التي تقيِّد الأدوية والعقاقير الطبية وتنظم وصولها إلى المستهلك، فهي (هذه المكملات الغذائية) تدخل الأسواق بأقل حد من الرقابة الصحية والغذائية وبكثير من التسويق والتلميع الاحترافي. أما على صعيد جودة ما يُعرض في الأسواق، فتُظهر الدراسات الميدانية حقائق أكثر ترويعًا. إذ إن تحقيقًا آخر منشورًا في JAMA Network Open عام 2022 حلّل واختبر ثلاثين منتجًا من المكمّلات الغذائية التي تستهدف تعزيز أداء الرياضيين وتحسن بنيتهم الجسدية، خلُص إلى أنّ 13 منتجًا فقط طابقت مكوّناتها المكتوبة على ملصقاتها والنشرات المصاحبة لها، في حين افتقر الباقي منها إلى الدقّة أو احتوى على عناصر غير مُعلنة على أقل تقدير. هذه النتيجة المفجعة والتي تلامس صحة المستهلك بشكل مباشر سلّطت الضوء على هشاشة الرقابة في هذا القطاع، وأكّدت أهمية اعتماد اختبارات من أطراف متخصصة محايدة قبل الوثوق بأي فيتامينات أو مكملات غذائية مهما ذاع صيتها وانتشرت دعاياتها وزكاها المشاهير. وعلى الرغم من هذه المخالفات، يبقى للمكمّلات الغذائية وما على شاكلتها من منتجات مواضع استعمالٍ مشروعة يقرُّها أهل الاختصاص. إذ نجد أن كثيرًا من الأطباء يقرون بأن بعض هذه المكملات الغذائية ضرورة حتمية في ظروف محدودة جدا وبتوصية من خبراء متخصصين. كالنساء الحوامل اللائي يحتجن لحمض الفوليك، وكبار السن ممن شُخص لديهم ضعف امتصاص [فيتامين ب 12]، وكذلك سكان المناطق الباردة المفتقرين [ل فيتامين د] الناجم عن غياب أشعة الشمس المباشرة لفترات زمنية طويلة. على صعيد آخر، يطرح الطبيب النمساوي «بيتر كرامر» تساؤلًا منطقيًا في مقال علمي بمجلة Lancet على سبيل التحذير والتنبيه، «ما الذي يدفع كثيرًا من المفعمين بالصحة والعافية إلى تعاطي هذه المنتجات دون التفكير في استشارات متخصصة؟» لا ريب أن جواب سؤال كهذا لا يحتاج إلى كثير من التفكير والتمحيص، فذلك لعمري ناجم عن ثقافة الناس وقناعاتهم التي شكلتها إستراتيجيات التسويق المنهمرة عليهم. ناهيك عن كوننا بتنا نعيش في عصر القلق الصحي، عصر يخشى فيه الإنسان الوهن أكثر من المرض والشيخوخة أكثر من الموت. وفي سياق كهذا، تصبح كبسولة أو ملعقة شراب أشبه ما يكون بوعد لا يشوبه شك بوافر الطمأنينة الصحية والرضى النفسي عن الذات. فمن منا يرضى أن يوصف بالإهمال في صحته، ومن منا لديه الاستعداد للتخلف عن قافلة «الحياة الأفضل» المزعومة. حينها، تصبح هذه الحبوب والكبسولات والإبر والمشروبات أدوات ترمز للحماية والوقاية والتحسين، وللعلاج في بعض الأحيان، بل وإلى الرقي الثقافي وفق اعتقادات البعض. في مجتمعاتنا، ومع زيادة الوعي الصحي بأهمية العناية بالغذاء وسلوكيات المأكل والمشرب، دخلت شركات المكملات الغذائية على خط التسويق والتعريف والإشهار بكل ما لديها من أموال ونفوذ. صفحات إنستغرام وفيسبوك وغيرها من المنصات لا تنفك توصي بكبسولات «الحيوية والنشاط»، ومتاجر إلكترونية تَعِدك ب«نظام مناعة لا نظير له» دون الحاجة لوصفات أو تحاليل على حد زعمهم، وأخرى تدعي منحك الجسد الذي تحلم به ودون أي تضحيات من لدنك سوى شيء من المال. هذا الطوفان من الدعايات الذي يستهدف العقل الباطن يضع المستهلك في موقف لا يميز فيه بين الضرورة العلاجية والترف صحي الذي لا طائل منه، بل وقد يقود إلى ما لا يحمد عقباه. القضية يا إخوه لا تتعلق بنفي فوائد المكملات الغذائية مطلقًا، بل في تحجيم تعميمها، وربط استخدامها بحالات صحية واقعية وفق أسس علمية مدروسة. فالطبيب هو من يحدد الحاجة لها، وليس ذلك المؤثر أو المشهور في وسائل التواصل الاجتماعي. وحدها التحاليل المعملية والطبية هي الفيصل، وليست الإعلانات التسويقية التي تلاحقنا أينما ولينا وجوهنا. أما إن وجد المرء منا نفسه لا مناص له من تعاطيها بعد أن وصفها له المختص، فلا بد من اتباع بضع خطوات تضمن له بإذن الله تحقيق ما يرجوه وبأقل أثر سلبي إن وجد. أولى هذه الخطوات عند اختيار المنتج، فينبغي التأكد من وجود ختم أو شعار لجهةٍ محايدة على المنتج مثل USP أو NSF أو Informed-Sport، وهي منظمات عالمية معروفة، بعضها غير ربحية متخصصة في تحليل ودراسة واختبار هذه المنتجات للتأكد من صلاحية استخدامها ومطابقة ما كتب على ملصقاتها ونشراتها مع ما تحتويه فعليًا من مواد وعناصر. ثم تأتي الخطوة الثانية والتي يجب فيها على المستهلك منا إلقاء نظرة فاحصة على خانة «% DV» التي تبيّن نسبة ما يلبّيه المنتج من احتياجه اليومي، فارتفاع الجرعة لا يعني بالضرورة زيادة الفائدة، بل على النقيض قد يرهق الكبد والكُلى. وأخيرًا تجنب أي عبوة اقترب تاريخ انتهاء صلاحيتها حتى وإن أغرتك العروض، ففعالية المكوّنات النشطة تتراجع بمرور الوقت كما هو معروف. ولعلنا نخلص إلى أن المكملات الغذائية ليست عدوًا محضًا، وفي الوقت نفسه ليست صديقًا صدوقًا. فالتوازن في استخدامها وقبل ذلك التشخيص واستشارة المتخصصين هي الضمان الأمثل لجلب فوائدها ودرء مفاسدها. أما الاستهلاك الوقائي لمجرد الاطمئنان وإشباع هوس في نفس يعقوب، فقد ينتهي بالمرء إلى تكبد أعباء مالية لا طائل منها، ناهيك عن آثارها الجانبية ومضاعفاتها الصحية المحتملة بنسب عالية.

المكملات الغذائية ضرورة أم ترف
المكملات الغذائية ضرورة أم ترف

الوطن

timeمنذ 10 ساعات

  • الوطن

المكملات الغذائية ضرورة أم ترف

باتت المكملات الغذائية في السنوات الأخيرة جزءًا من السلوك الاستهلاكي اليومي، ليس في مراكز اللياقة وبناء الأجسام وحسب، بل على رفوف الصيدليات، ومنصات التواصل الاجتماعي والمتاجر الإلكترونية. كبسولات أنيقة، وأشرطة حبوب منمقة، وعبوات براقة، ووعود بالصحة، والمناعة، والطاقة الدائمة. وسط هذا الضجيج «الصحي» النشط، يتبادر إلى الذهن تساؤل قد يزعج المنتفعين من هذا السوق: هل فعلًا نحتاج إلى هذه المائدة الضخمة من المكملات الغذائية؟ أم أننا ضحايا تجارة رائجة تستغل هوس البعض بالصحة والحيوية والجمال والشباب الدائم؟ وفي هذا السياق، يحسن بنا تأمل أرقام تجسد هذه الظاهرة في حجمها الحقيقي وتبين مدى جدية الأمر. إذ تشير بيانات شركة Grand View Research إلى أنّ حجم السوق العالمي للمكمّلات الغذائية بلغ قرابة 192 مليار دولار في 2024، مع توقّعات بتجاوزه ليصل إلى 327 مليار دولار بحلول 2030، أي بمعدّل نمو سنوي مركّب يقارب 9%. هذا الإنفاق المالي الهائل يفسّر ضراوة الحملات الإعلانية، ويضع علامة استفهام حول الفجوة بين حجم الإنفاق العالمي والعائد الصحي الفعلي الذي يجنيه المستهلكون من هذه المنتجات. غير أنّ المؤشرات الاقتصادية لا تسرد الواقع بكل تفاصيله، فبيانات الصحة العامة تكشف جانبًا مُغايرًا لا مناص لنا من التعريج عليه. حيث إن تقريرًا صادرًا عن «مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» في الولايات المتحدة الأمريكية يشير إلى أن أكثر من 52% من البالغين الأمريكيين يتناولون مكملات غذائية بشكل يومي، ويؤكد «المعهد القومي للصحة» بما لا يدع مجالًا للشك أن غالبية المستخدمين لا يعانون من أي نقص يستوجب التعويض. بل إنه من المفارقة للأسف أن هذه المكملات الغذائية لا تخضع لنفس المعايير الصارمة التي تقيِّد الأدوية والعقاقير الطبية وتنظم وصولها إلى المستهلك، فهي (هذه المكملات الغذائية) تدخل الأسواق بأقل حد من الرقابة الصحية والغذائية وبكثير من التسويق والتلميع الاحترافي. أما على صعيد جودة ما يُعرض في الأسواق، فتُظهر الدراسات الميدانية حقائق أكثر ترويعًا. إذ إن تحقيقًا آخر منشورًا في JAMA Network Open عام 2022 حلّل واختبر ثلاثين منتجًا من المكمّلات الغذائية التي تستهدف تعزيز أداء الرياضيين وتحسن بنيتهم الجسدية، خلُص إلى أنّ 13 منتجًا فقط طابقت مكوّناتها المكتوبة على ملصقاتها والنشرات المصاحبة لها، في حين افتقر الباقي منها إلى الدقّة أو احتوى على عناصر غير مُعلنة على أقل تقدير. هذه النتيجة المفجعة والتي تلامس صحة المستهلك بشكل مباشر سلّطت الضوء على هشاشة الرقابة في هذا القطاع، وأكّدت أهمية اعتماد اختبارات من أطراف متخصصة محايدة قبل الوثوق بأي فيتامينات أو مكملات غذائية مهما ذاع صيتها وانتشرت دعاياتها وزكاها المشاهير. وعلى الرغم من هذه المخالفات، يبقى للمكمّلات الغذائية وما على شاكلتها من منتجات مواضع استعمالٍ مشروعة يقرُّها أهل الاختصاص. إذ نجد أن كثيرًا من الأطباء يقرون بأن بعض هذه المكملات الغذائية ضرورة حتمية في ظروف محدودة جدا وبتوصية من خبراء متخصصين. كالنساء الحوامل اللائي يحتجن لحمض الفوليك، وكبار السن ممن شُخص لديهم ضعف امتصاص [فيتامين ب 12]، وكذلك سكان المناطق الباردة المفتقرين [لـ فيتامين د] الناجم عن غياب أشعة الشمس المباشرة لفترات زمنية طويلة. على صعيد آخر، يطرح الطبيب النمساوي «بيتر كرامر» تساؤلًا منطقيًا في مقال علمي بمجلة Lancet على سبيل التحذير والتنبيه، «ما الذي يدفع كثيرًا من المفعمين بالصحة والعافية إلى تعاطي هذه المنتجات دون التفكير في استشارات متخصصة؟» لا ريب أن جواب سؤال كهذا لا يحتاج إلى كثير من التفكير والتمحيص، فذلك ــ لعمري ــ ناجم عن ثقافة الناس وقناعاتهم التي شكلتها إستراتيجيات التسويق المنهمرة عليهم. ناهيك عن كوننا بتنا نعيش في عصر القلق الصحي، عصر يخشى فيه الإنسان الوهن أكثر من المرض والشيخوخة أكثر من الموت. وفي سياق كهذا، تصبح كبسولة أو ملعقة شراب أشبه ما يكون بوعد لا يشوبه شك بوافر الطمأنينة الصحية والرضى النفسي عن الذات. فمن منا يرضى أن يوصف بالإهمال في صحته، ومن منا لديه الاستعداد للتخلف عن قافلة «الحياة الأفضل» المزعومة. حينها، تصبح هذه الحبوب والكبسولات والإبر والمشروبات أدوات ترمز للحماية والوقاية والتحسين، وللعلاج في بعض الأحيان، بل وإلى الرقي الثقافي وفق اعتقادات البعض. في مجتمعاتنا، ومع زيادة الوعي الصحي بأهمية العناية بالغذاء وسلوكيات المأكل والمشرب، دخلت شركات المكملات الغذائية على خط التسويق والتعريف والإشهار بكل ما لديها من أموال ونفوذ. صفحات إنستغرام وفيسبوك وغيرها من المنصات لا تنفك توصي بكبسولات «الحيوية والنشاط»، ومتاجر إلكترونية تَعِدك بـ«نظام مناعة لا نظير له» دون الحاجة لوصفات أو تحاليل على حد زعمهم، وأخرى تدعي منحك الجسد الذي تحلم به ودون أي تضحيات من لدنك سوى شيء من المال. هذا الطوفان من الدعايات الذي يستهدف العقل الباطن يضع المستهلك في موقف لا يميز فيه بين الضرورة العلاجية والترف صحي الذي لا طائل منه، بل وقد يقود إلى ما لا يحمد عقباه. القضية يا إخوه لا تتعلق بنفي فوائد المكملات الغذائية مطلقًا، بل في تحجيم تعميمها، وربط استخدامها بحالات صحية واقعية وفق أسس علمية مدروسة. فالطبيب هو من يحدد الحاجة لها، وليس ذلك المؤثر أو المشهور في وسائل التواصل الاجتماعي. وحدها التحاليل المعملية والطبية هي الفيصل، وليست الإعلانات التسويقية التي تلاحقنا أينما ولينا وجوهنا. أما إن وجد المرء منا نفسه لا مناص له من تعاطيها بعد أن وصفها له المختص، فلا بد من اتباع بضع خطوات تضمن له ــ بإذن الله ــ تحقيق ما يرجوه وبأقل أثر سلبي إن وجد. أولى هذه الخطوات عند اختيار المنتج، فينبغي التأكد من وجود ختم أو شعار لجهةٍ محايدة على المنتج مثل USP أو NSF أو Informed-Sport، وهي منظمات عالمية معروفة، بعضها غير ربحية متخصصة في تحليل ودراسة واختبار هذه المنتجات للتأكد من صلاحية استخدامها ومطابقة ما كتب على ملصقاتها ونشراتها مع ما تحتويه فعليًا من مواد وعناصر. ثم تأتي الخطوة الثانية والتي يجب فيها على المستهلك منا إلقاء نظرة فاحصة على خانة «% DV» التي تبيّن نسبة ما يلبّيه المنتج من احتياجه اليومي، فارتفاع الجرعة لا يعني بالضرورة زيادة الفائدة، بل على النقيض قد يرهق الكبد والكُلى. وأخيرًا تجنب أي عبوة اقترب تاريخ انتهاء صلاحيتها حتى وإن أغرتك العروض، ففعالية المكوّنات النشطة تتراجع بمرور الوقت كما هو معروف. ولعلنا نخلص إلى أن المكملات الغذائية ليست عدوًا محضًا، وفي الوقت نفسه ليست صديقًا صدوقًا. فالتوازن في استخدامها وقبل ذلك التشخيص واستشارة المتخصصين هي الضمان الأمثل لجلب فوائدها ودرء مفاسدها. أما الاستهلاك الوقائي لمجرد الاطمئنان وإشباع هوس في نفس يعقوب، فقد ينتهي بالمرء إلى تكبد أعباء مالية لا طائل منها، ناهيك عن آثارها الجانبية ومضاعفاتها الصحية المحتملة بنسب عالية.

3 لقاحات إلزامية في موسم حج 1446
3 لقاحات إلزامية في موسم حج 1446

صحيفة المواطن

timeمنذ 19 ساعات

  • صحيفة المواطن

3 لقاحات إلزامية في موسم حج 1446

استعرض المجلس الصحي السعودي الاشتراطات الصحية اللازمة لأداء فريضة الحج ضمن موسم حج 1446هـ، حيث يجب تلقي ثلاثة لقاحات أساسية لضمان سلامة الحجاج والمجتمع. وقال المجلس عبر منصة إكس إن اللقاحات الإلزامية تتضمن لقاح الحمى الشوكية النيسيرية للوقاية من التهاب السحايا، ولقاح فيروس كورونا (كوفيد-19) وفق أحدث البروتوكولات الصحية المعتمدة، بالإضافة إلى لقاح الإنفلونزا الموسمية. ويعد تلقي هذه اللقاحات شرطًا أساسيًا لأداء مناسك الحج، في إطار الإجراءات الوقائية المعتمدة للحد من تفشي الأمراض المعدية، والحفاظ على الصحة العامة لحجاج بيت الله الحرام.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store